رواية أرض زيكولا الحلقة قبل الاخيرة والاخيره بقلم عمرو عبد الحميد
![]() |
( ارض زيكولا )
أشار خالد إلى حارس الزيكولا بأن يطلق سهمه الأخير.. واحتبست أنفاسه حين بدأت يد الحارس تجذب ذراع الزيكولا، حتى انطلق السهم الثالث فأصاب فخذ تمثاله الأيمن مرة أخرى .. فصاحت الألوف المتواجدة بأنه ذبيح زيكولا، ودقت الطبول من جديد وقد اختلفت دقاتها عما قبل المنافسة، وخالد ينظر إلى تمثاله في ذهول واحمر وجهه وزاد العرق على جبينه، ثم نظر إلى من يرقصون ويحتفلون وكأنه لا يصدق نفسه..
تتسارع أنفاسه، ويدق قلبه بقوة، ويضع يده حول رقبته يتحسسها وكأنها في كابوس يود أن ينتهي منه، أما أسيل فغادرت شرفة الحاكم على الفور بعدما لم يستطع خالد النجاة من الزيكولا، و قد أثار مغادرتها فجأة دهشة الحاكم وزوجته، و أسرعت إلى حجرتها تحدث نفسها: لو وضعت دروعك لتحمي فخذ تمثالك الأيمن لنجوت.. ماذا أفعل؟..سيُذبح غدا..
ودموعها على وجهها، وتسرع وعقلها لا يتوقف عن التفكير، وتتحدث الى نفسها مجددً ا بصوت مسموع :
أنا من سبّب كل هذا..
أنا من أخبرته عن مكان رأس المثلث..
أنا من تركته يدفع من وحداته الكثير دفعة واحدة دون أن أوقفه..
كان لي الحق أن أعترض على ذلك..
- أنا من دفعت به إلى الزيكولا..
ثم دلفت إلى حجرتها، وما زالت تصيح إلى نفسها:
- ماذا أفعل؟ .. ماذا أفعل؟ ..سيذبح من أحبه غدا..
ثم وضعت رأسها بين يديها، وصمتت وكأن أصابها الهدوء.
أصبح الطريق الممهد بين المنطقة الوسطى والمنطقة الشرقية مزدحما بالكثير من العربات والأحصنة والمشاة من أهالي زيكولا بعدما بدأ الكثيرون منهم ينتقلون إلى المنطقة الشرقية حيث أرض الاحتفال، وبينهم عربة بها خالد مُكبل اليدين والقدمين وأمامه قائد حرس الحاكم، والذي نظر إلى خالد وقال :
- ستبيت الليلة ببيت فقراء المنطقة الشرقية ..
فلم يرد خالد، وظل صامتا فأكمل القائد :
- عليك أن تسعد بما أنت به.. ستموت فداءً لمولود الحاكم..
- ترى كم ستجلب السعادة لكل هؤلاء الأشخاص ..
وأشار إلى خارج العربة، وصمت ثم أكمل بعد لحظات:
- أترى ذلك الزحام؟ .. إنه ليس الزحام الأكبر.. إن الكثيرين لم يحضروا الزيكولا اليوم.. هناك من خرجوا بعد فتح باب زيكولا.. ولكن مع شروق شمس غد سيُغلق بابها، وسترى كم من أهل زيكولا سيحتفلون معك بيوم عيدنا..
فصاح به خالد غاضبا:
- أريدك أن تصمت.. أريدك أن تصمت..
فضهر الغضب على وجه قائد الحرس، وتقوّس حاجباه ثم صمت، وتابع خالد نظره عبر نافذة العربة ..
***
مرّ الوقت، ووصلت العربة إلى المنطقة الشرقية مع غروب الشمس، ومرت أمام البحيرة التي طالما مكث خالد على شاطئها ثم أسرعت بأحد شوارع تلك المنطقة وتوقفت أمام بيت يتواجد أمامه الكثير من الجنود فنظر القائد إلى خالد في غلظة:
- هيا.. لقد وصلنا بيت الفقير..
مازالت أسيل بحجرتها بقصر الحاكم.. تجلس على أرضية الحجرة مسندة ظهرها إلى الحائط، وتنظر إلى أوراق خالد أمامها حتى نهضت، وأحضرت ورقة جديدة، وأمسكت بقلمها، وأزادت من إضاءة المصباح الناري ، وكتبت:
- سيموت من أحبه غدا..
- وأنا من سيحتفل ..
ثم توقفت يدها عن الكتابة، ونظرت إلى ما كتبته فمزقت الورقة ثم نهضت لتتحرك جيئة وذهابًا، والتوتر يكسو وجهها حتى نظرت خارج شرفتها فوجدت الظلام قد حل ، وبدأت الألعاب النارية تضيء سماء زيكولا، ثم سمعت صوت وصيفتها يأتيها من الخارج :
- سيدتي.. سيدي الحاكم يسألك إن كنت تودين الذهاب ضمن موكبه غدا إلى المنطقة الشرقية..
فلم تجبها ثم حملت أوراق خالد وأوراقا أخرى معها، وهمت لمغادرة الحجرة..
زجّ بخالد بإحدى غرف بيت الفقير بالمنطقة الشرقية، وظل قابعا بها وسط ظلامها.. ينام على جنبه، لا يستطيع أن يفكر في شيء.. يستمع إلى صوت الألعاب النارية بالخارج، وإلى احتفالات الأهالي، ولكنه لا يرى أمامه سوى الذبيح الذي أطاح السياف برأسه.. لا يعلم هل يريد أن يمر الوقت سريعا كي تنتهي تلك اللحظات التي يعيشها.. أم يمر ببطء لعل تلك اللحظات تحمل أملا جديدا.. حتى فتح باب الغرفة، ودلف إليه أحد الجنود، ومعه رجل آخر قصير القامة، وتحدث إليه الجندي:
- أيها الفقير.. انهض ..
- ستحلق رأسك الآن ..
فرد مندهشا: ماذا؟ !!
فأكمل الجندي: لابد وأن يكون ذبيح زيكولا حليق الرأس ..
فصمت خالد.. ثم أشار الجندي إلى من معه بأن يستعد لبدء عمله فاقترب من خالد، والذي بدا عليه اليأس والاستسلام، ولم يتحرك.. ثم وضع على رأسه مادة خضراء لزجة أخرجها من وعاء زجاجي بحقيبته، و بدأ يدلكها بين شعر خالد الطويل، ويضع المزيد منها، ويزيد من تشبع الشعر بها، ثم وضع القليل منها على لحيته، و دلكها هي الأخرى ، ثم أخرج آلة حادة تشبه السكين الصغير ولكنها أقل سُمكا، وبدأ يحلق شعره والذي بدا عليه الاستسلام كصاحبه، وتساقطت خصله بجواره متلاصقة، وخالد يجلس صامتا.. ينظر إلى الجندي أمامه، وكلما سأله الحلاق عن شيء لم يجبه.. حتى انتهى من رأسه، ثم أسرع فقصّ لحيته، وابتسم إلى خالد :
- لقد انتهينا أيها الفقير
ثم أخرج مرآة لامعة من حقيبته :
- انظر إلى نفسك ..
ووضعها أمامه بمكان تتخلله لامعة من حقيبته ، فلمح خالد نفسه و قد أزيل شعر رأسه ولحيته بالكامل فهز رأسه في حزن ، ثم تحرّك بجسمه إلى ركن بالغرفة، ونام على جانبه واضعت ساعديه أسفل رأسه..
مرّت ساعات قليلة، واقترب فجر يوم زيكولا، وسيطرت الدهشة على قصر الحاكم بعدما اختفت الطبيبة فجأة، ولا أحد يعلم أين ذهبت.. إن غادرت فلماذا تركت أغراضها بحجرتها؟ !.. لا يعلمون أنها قد وصلت إلى المنطقة الشرقية، واتجهت إلى بيت الفقير حتى أوقفها أحد الجنود فابتسمت إليه :
- أنا طبيبة زيكولا، وأريد أن أرى الفقير الآن ..
فصمت الجندى ثم أجابها :
- حسنا سيدتي.. ولكن عليك المغادرة سريعا..
ثم فتح باب الغرفة، ودلفت إليها فوجدت خالدا نائما فاتحا عينيه بأحد أركانها، وقد حُلق رأسه.. فحاولت أن تتمالك نفسها وتمنع سقوط دموعها.. ثم جلست أمامه بركن آخر بالغرفة دون أن تتحدث، ومرت دقائق وهي تنظر إليه، وكلما أرادت أن تتحدث تصمت مجددا، وخالد ينظر إليها صامتا.. حتى نطقت :
- كيف حالك يا خالد؟
فلم يرد فصمتت مجددا ثم أكملت بصوت هادئ:
- كنت أحذرك دومًا حين كنت تفقد ذكاءك..
- أنقذت الفتى، ولم تأخذ مقابلا..
- أنقذت الطفل من المرض، ولم تقبل أن تأخذ شيئا مقابل الخير..
ثم علا صوتها، واختلط صوتها بالدموع
- أخبرتك أننا في زيكولا..
لابد أن تأخذ مقابلا لكل شيء..
ثم صمتت، ورشفت دموعها، واكملت:
- أرى أنك غاضبا مني.. لكنني أعلم أنك تحب الخير..
أريدك فقط أن تسأل نفسك.. هل كنت ستظلم أحدا آخر إن كنت مكاني..
ثم نظرت إليه، وعلا صوتها مجددا:
- لماذا لا تجيب؟!!
ثم نهضت، وتحركت نحوه، واقتربت منه، وأكملت:
- أعلم أنك تحبني يا خالد، ولكن عليك أن تضاعف حبك الكثير من المرّات كي تعلمكم أحبك ..
فنهض خالد من نومته، وجلس مكانه ثم تابعت أسيل:
- خالد.. لن أتركك تموت هنا..
فرد خالد في ضعف، وقد أسند رأسه إلى الحائط :
- ماذا ستفعلين؟ .. هل ستعطيني من ذكائك؟!!
- وإن كنت ستعطينني.. فمقابل ماذا؟!.. لا أمتلك شيئا أعطيه لك مقابلا..
ثم ضحك ساخرا، ونظر إلى سقف الغرفة :
- أعلم جيدا أنه فيتلك المدينة لابد أن يكون هناك مقابلا لانتقال الذكاء ..
ثم تحدث في هدوء:
- اذهبي، واحتفلي غدا مع من يحتفلون ..إنهم ينتظرون ورْدك غدا.. إنهم ينتظرون ابتساماتك إليهم ..
فصمتت أسيل حتى دلف الجندي إلى الغرفة، ونظر إليها:
- سيدتى.. عليك أن ترحلي الآن..
فنظرت أسيل إلى خالد ثم بدأت تخطو خارجة من الغرفة.. وما إن وصلت بابها، وكاد الجندي أن يغلقه حتى أسرعت عائدة إلى خالد، ونظرت إليه، ووضعت رأسه بين كفيها :
- خالد.. أريدك أن تقبّلني..
فنظر إليها خالد :
- ماذا؟!!
فأكملت: أريدك أن تقبّلني فحسب..
وتساقطت دموعها:
- أريدك أن تقبّلني يا خالد.. إن كنت تحبني حقا فقبّلني ..
فصمت خالد فابتسمت والدموع تملأ عينيها:
- حسنا.. سأقبّلك أنا.. ثم بدأت تقبّله، والجندي ينظر إلى ما تفعله أسيل في دهشة، ويبتسم و كأنه يتمنى لو كان هو الفقير بعدما طالت قبلتها وكأنها لا تأبه بشيء مما حولها.. حتى انتهت ثم نظرت إلى خالد مرة أخرى ومسحت دموعها، وغادرت على الفور ..
***
أشرقت الشمس، و أغلق باب زيكولا، و تعالت مع غلقه دقات الطبول حتى فتح باب غرفة خالد، وتقدم إليه قائد الحرس:
- هيا.. ستبدأ الاحتفالات بعد قليل..
ثم أمر جنوده بأن يحضروه، و أركبوه عربة يغطيها قماش أسود اللون يستطيع أن يرى الناس من خلال فتحة صغيرة به دون أن يراه من خارج العربة.. وتحركت
العربة، وخالد ينظر إلى الكم الهائل من الناس الذين يسيرون بانتظام، ويرتدون ملابس تبدو جديدة.. الرجال يمسكون بأيدي النساء.. والفتيان يمسكون بأيدي الفتيات.. ويسيرون في فرحة شديدة..يضع كل منهم حول رقبته عقدا من الورد، وتظلهم الموسيقى التي يعزفها مجموعة من الأشخاص أصحاب زي مختلف.. ثم نظر حزينا إلى الشباب الذين يمتطون أحصنتهم وخلف كل شاب فتاته تلف يدها اليسرى حول خصره واليمنى تمسك بها ورد وتلوح بها.. ينظر إلى الحركات البهلوانية ويزيد حزنه بأنهم يحتفلون بذبحه.. يتحدث إلى نفسه بأنه قد احتفل معهم منذ شهور بذبح فقير غيره.. إنهم لا يشعرون بما يشعر به الآن..
تسير العربة وسط الزحام، وقلب خالد يدق بقوة حين يجد الصبيان يشيرون إلى عربته ذات القماش الأسود، ويصيحون :
- انظروا.. إنها عربة الذبيح..
والذين صاحوا مجددا حين أشاروا إلى عربة فخمة تسير بالموكب:
- إنها عربة الطبيبة.. هيا لنلتقط الورد..
وخالد ينظر إليهم في أسى، ويتذكر حين التقط وردة أسيل وابتسمت إليه، حتى أصابته الدهشة بعدما ظهرت فتاة أخرى غير أسيل، وبدأت تلقي بالورد وسط تعجّب من يسيرون، وأكمل الموكب مسيره.. حتى وصل الجميع إلى ساحة الاحتفال..
***
ألوف من أهالي زيكولا متواجدون .. الجميع يقفون أمام منصة الذبح ينتظرون وصول الحاكم كي يبدأوا الاحتفال.. وخالد يمكث بعربته، يعلم أنها لحظات وسينتهي كل شيء.. الجميع يتراقصون .. الفتيان يداعبون الفتيات، والفتيات ترقصن وتهتز أجسادهن مع الموسيقى، وتبدو عليهن السعادة الشديدة، والزحام بكافة أرجاء ساحة الاحتفال، وبينهم يامن الذي يتحرّك بصعوبة، ويريد أن يصل
إلى الصفوف الأمامية القريبة من المنصة، وقد بدا عليه التعب الشديد، وربما كان الوحيد بين من يحتفلون الذي لا يرتدي ملابس تليق بهذا الاحتفال.. بل كانت ملابسه بالية تلائم وجهه الذي يكسوه الحزن .. حتى سألته فتاة:
- لماذا لا ترقص؟!
فلم يجبها، وأكمل سيره وسط الزحام.. حتى دقت الطبول ، وعلا معها صوت النفير بعدما وصل الحاكم وزوجته ومساعدوه، واتخذوا أماكنهم بسرادق فخم مرتفع أمام منصة الذبح ثم صعد رجل ضخم إلى المنصة الخشبية وبيده سيف طويل، ونظر إلى الحاكم وانحنى له.. بعدها دقت الطبول كثيرا، وصمتت الموسيقى، وصعد جنديّان أقوياء يجرّان خالد حليق الرأس، مكبّل اليدين والقدمين.. فدقت الطبول مرة أخرى، ونزل أهل المدينة جميعهم على ركبهم بعدما أسقط خالد على ركبتيه، والناس ينظرون إليه، وبينهم يامن الذي آثر أن يغمض عينيه ثم نظر السياف مجددا إلى الحاكم فأشار إليه بأن يتابع عمله، وكاد يوخز ظهر خالد كي يشهق برأسه.. حتى صاح فتى بين من يقفون :
- إنه غني.. إنه غني..
فنظر إليه خالد فوجده ذلك الفتى الذي أنقذه من الغرق من قبل.. ثم صاح رجل آخر:
- نعم.. إنه ليس فقيرا..
ففتح يامن عينيه.. ثم نظر إلى خالد فوجده ليس شاحبا.. فصاح هو الآخر: - نعم.. إنه ليس فقيرا..
وخالد ينظر إلى ذراعيه في دهشة، وقد زال شحوبهما، ثم وجد الفتى يسرع إلى المنصة ويجثو على ركبتيه بجواره، ويتحدث إلى الحاكم ومن معه، وقد علا صوته:
- انظروا إليه.. إنه ليس فقيرا.. وأنا أيضا لست فقيرا.. إن كنتم تريدون أن تذبحوا من ليسوا فقراء احتفالا بمولودكم.. فاذبحوني معه..
ثم فوجئ خالد بأم الصبي الذي أنقذه من ضربة الشمس تسرع مع طفلها إلى المنصة، وتجثو على ركبتيها، وصاحت:
- لقد أنقذ هذا الشاب ولدي، ولن أتركه يموت ظلما..حسنا، أنا وولدي لسنا فقراءأيضا.. فاذبحونا معه..
ثم صاحت فتاة بين من يقفون بالأسفل، كانت فتاة الليل بالمنطقة الشمالية:
- أقسم إنه ليس فقير..أنا أعرف هذا الشخص جيدا.. انظروا إلى جلده.. كيف يكون هذا جلد فقير..
وصاح يامن مجددا:
- منذ متى يُذبح الأغنياء هنا؟ !
ثم فوجئ بجميع من كانوا يعملون معه بتكسير الصخور يصيحون جميعا :
- إنه ليس فقيرا.. إنه ليس فقيرا..
وسادت الضوضاء ساحة الاحتفال، وصعد الكثيرون إلى المنصة، وسقطوا على ركبهم بجوار خالد، وجميعهم يقولون إن كان سيُذبح فإنهم يريدون أن يذبحوا أيضا طالما تواجد الظلم بذلك اليوم.. حتى نظر السياف إلى الحاكم، وكأنه لا يد دري ماذا يفعل بعدما امتلأت المنصة بالكثير من عمال زيكولا.. فنهض الحاكم، وسأل أحد مساعديه:
- أين طبيبة زيكولا؟
فأجابته إحدى الوصيفات :
- ليست لها أثر منذ الأمس سيدي..
فصاح إلى مساعده :
- أريد طبيب تلك المنطقة على الفور ..
فتقدم أحد الأشخاص، وانحنى إليه ثم تحدث:
- أنا طبيب المنطقة الشرقية بعد الطبيبة أسيل .
فنظر إليه الحاكم : أريدك أن تخبرني كم يمتلك هذا الشاب من ذكاء..
فانحنى إليه الطبيب مجددا :
- حسنا سيدي..
ثم اتجه الطبيب إلى المنصة، واقترب من خالد، وخيّم الصمت على الجميع.. يترقبون ذلك الطبيب، وقلب يامن ينتفض بقوة واحتبست أنفاسه.. وهو يراه يضع يده على جلد خالد، ويمسك بثنياته وأطال نظرته إليه.. ثم عاد إلى الحاكم:
- سيدي، إنه ليس فقيرا.. إنه يمتلك الكثير من وحدات الذكاء تجعله أكثر ثروة من الكثير من أهالى زيكولا..
فسأله الحاكم: وكيف لم ينجُ من الزيكولا؟
فابتسم الطبيب: نعلم جميعا أن الزيكولا تمثل القدر سيدي.. وقد لا ينجو منها أكثرنا ثروة..
فصمت الحاكم ثم نظر إلى الطبيب مجددا :
- ولماذا اختارته الطبيبة، وهو يمتلك تلك الوحدات من الذكاء.. أتريد أن يكون الاحتفال بولدي بأن أظلم أحدا؟!
ثم تابع: إنها بما فعلته خائنة لزيكولا ..
ونظر إلى أحد مساعديه :
- لم تعد تلك الفتاة طبيبة زيكولا بعد اليوم.. بل لم يعد لها مكان بزيكولا.. لا يوجد بيننا مكان لخائنة..
ثم نظر إلى خالد الذي كان يترقب الحاكم دون أن يسمع حديثه بينه وبين مساعديه وطبيبه :
- لقد عفونا عنك يابني..إننا لا نظلم أحدا..ليست زيكولا أرضا للظلم.. سيكون مولودي أكثر سعادة وفخرا باحتفالك معنا..
ثم أمر قائد الحرس بأن يطلق سراحه.. فصاح الجميع مهللين، وأسرع يامن إلى المنصة، واحتضن خالد، ودموعه تتساقط :
- لقد نجوت يا صديقي.. لقد فعلتها.. كنت أعلم أنك ستنجو ..
ثم اقترب خالد من ذلك الفتى الذي صعد إلى المنصة فابتسم الفتى، واحتضنه:
- مبارك لك أيها القوي ..
فابتسم خالد، وعيناه تلمع بالدموع :
- لقد أنقذت حياتي..
فابتسم الفتى:
- أنت من أنقذت حياتي أولا..
ثم بدأت الاحتفالات من جديد، وتعالت الموسيقى والتي بدت وكأنها أكثر بهجة.. وبدأت الفتيات ترقصن من جديد.. والكثير من أهل زيكولا يتجهون إلى خالد ليصافحوه، وخالد يسير بينهم، وتتقلب عيناه بكل مكان.. يتحرك بين الزحام بصعوبة.. يبحث عن شخص واحد لا يريد سوى أن يجده.. إنها أسيل.. يتحرك في كافة الاتجاهات يتمنى أن يجدها.. ويسأل كل من يقابله.. هل رأيت الطبيبة؟.. والموسيقى تتزايد، وخالد يبحث بين الفتيات، و كلما وجد فتاة تشبهها يقترب منها.. حتى يعتذر حين لا يجدها هي.. حتى أصابه اليأس، وغادر ساحة الاحتفال، وجلس
على جانب أحد الشوارع وحيدا بعدما فقد يامنا وسط الزحام، وظل يفكر بما حدث له، وكأنه لا يعيشيئا مما عاشه، وينظر إلى ذراعيه، ويسأل نفسه: كيف حدث ذلك؟.. وأين أسيل؟.. ولماذا لم تحتفل مع أهل زيكولا كعادتها؟.. حتى اقتربت منه طفلة صغيرة :
- سيدي.. عليك أن تذهب إلى البحيرة الآن ..
فابتسم خالد إليها :
- لماذا؟
فابتسمت الطفلة وقالت :
- لا أعلم، لقد أخبرتنى الطبيبة بالأمس.. بأن أخبر من ينجو من الذبح بأن يذهب إلى البحيرة ..
الحلقة الاخيرة من رواية ( ارض زيكولا )
اتسعت حدقتا عيني خالد بعدما سمع هذه الكلمات :
- الطبيبة ؟! .. أسيل ..
ثم أسرع عَدْواً إلى البحيرة .. يدق قلبه بقوة ..
لا تنطق شفتاه سوى بكلمة واحدة .. أسيل ..
و ينطلق بين من يحتفلون , و يرتطم بهم
ثم ينحنى لهم ليقدم اعتذاره ..
ثم ينطلق مجدداً , و قد ارتسمت البسمة على وجهه ..
حتى وصل إلى شاطئ البحيرة ,
و ظل يبحث عنها بكل مكان به , و صاح بصوته .. أسيل .. أسيل .. و لكنه لم يجدها , و ظل يصيح بصوته يناديها ,
و لكن دون جدوى حتى اقترب من شجرته
التى طالما جلس بجوارها , و بدا على وجهه الحزن ,
فلمح ورقة قد عُلقت بتلك الشجرة , و تتحرك مع الرياح , فالتقطها على الفور فوجدها تبدو كرسالة تركتها أسيل ..
و قد كتبت بها :
( لا أعلم كيف أبدأ حديثى ..
و لكننى أتمنى أن تقرأ كلماتى تلك يا خالد ..
ربما لا أكون ماهرة فى الكتابة مثلك ..
و لكننى أريد فقط أن أُعبّر عما يدور بذهنى ..
أريدك أن تعلم كم كنت أحبك ..
لقد أحببتك منذ رأيتك تنقذ الفتى من الغرق ..
و أنت من جعلنى أشعر بالأنانية
بعدما لم أردك أن تغادر و تترك زيكولا ..
كنت أظهر لك مساعدتى ,
و لكننى لم أتمن لحظة واحدة أن تغادر ..
خالد لم استطع أن أراك ذبيح زيكولا ,
و أظل أنا احتفل بذلك اليوم ..
أريدك بعد أن نجوت أن تخبر غيرك بأنك تمتلك أغلى كتاب بتاريخ زيكولا .. كما أنك تمتلك أيضاً أغلى قُبلة بتاريخها ..
أتتذكر حين أخبرتنى أنك لا تمتلك شيئاً تنال مقابله
وحدات ذكاء ؟ .. أنك لا ترى ما تمتلكه يا خالد ..
لقد رأيت ذلك ..
و كانت تكفينى تلك القُبلة كى أدفع لك أغلى ثمناً مقابلاً لها .. كى تنجو من ذلك اليوم , و تعود إلى حبيبتك ذكى كما كنت .. أريدك فقط أن تعود إليها و تعيشا سعيدين ..
أنا أعلم أنها لن تجد مثلك , و أعلم أيضاً أنك لن تستطيع العيش هنا , و أعلم جيداً أننى لن استطيع العيش بعالمك .. عُد إليها , و اتمنى أن تتذكرنى بين الحين و الآخر ..
ربما تجد ذلك النجم بالسماء ..
فإن وجدته فأعلم أننى أراه أيضاً
و أتمنى لك السعادة وقتها ..
أعتقد أننى لن أترك السماء ليلة
دون أن أتأمّلها بحثاً عنه ..
لقد أخبرتك أننى إن تركت زيكولا سأتركها
لسبب قوى للغاية ..
و لا أعتقد أننى سأجد سبباً أقوى من إبقائك على قيد الحياة , و أريدك أن تخبر يامن أننى أعلم جيداً أن من يحب سيفعل
كل شئ من أجل من يحبه ..
سأذهب إلى بلدى بيجانا , و سأعمل هناك طبيبة أيضاً ..
أعلم أنهم فى حاجة إلىّ , و سأخبرهم دوماً عن ذلك الشاب الذى أتى إلى زيكولا , و عمل الكثير من الخير
دون أن يتقاضى له مقابلاً ..
فى النهاية اسمح لى يا خالد ..
لقد احتفظت بأوراقك التى طالما جعلتنى أشعر بسعادة
لم أذقها من قبل ..
و أتمنى أن تكون قد شعرت بكلماتى , و أعلم أننى لست ماهرة بالكتابة ..
و لكن علىّ أن أرحل الآن قبل أن تشرق الشمس ,
و يُغلق باب زيكولا )
فهمس خالد إلى نفسه :
- باب زيكولا ..
ثم أسرع يعدو تجاه باب زيكولا ..
يجرى و لا يشعر بشئ من حوله ..
يجرى و لا تدور برأسه سوى كلمات أسيل ..
يجرى مسرعاً كأنه لم يجرِ من قبل ..
يتمنى أن تنقله الرياح إلى ذلك الباب ..
من يراه يندهش , و يرتطم بهذا و ذاك ..
و يواصل عَدْوَه , و يسقط و ينهض ليعدو مرة أخرى ..
يستمع إلى أنفاسه المتسارعة , و يكمل عدوه و سقطت منه الورقة فتركها .. و أكمل طريقه ..
حتى وصل إلى باب زيكولا فوجده مغلقاً ,
و أمامه حارس ضخم الجثة فصاح به :
- أريد أن أخرج ..
فابتسم الحارس :
- ألا ترى ؟!! .. لقد أُغلق الباب مع شروق شمس اليوم ..
فصاح خالد مجدداً :
- لابد أن أخرج ..
فظهر الغضب على وجه الحارس حتى صاح خالد مرة أخرى ,
و حاول أن يزيح الحارس بذراعه فدفعه الحارس بدرعه
فعاد خطوات إلى الخلف , و سقط ثم نهض مجدداً ,
و عاد إلى الحارس :
- أريد أن أخرج ..
فضربه الحارس ضربة قوية بدرعه أسقطته على ظهره , و جعلت الدماء تنزف من وجهه فاقترب منه يامن ,
و أمسك بكتفيه :
- هيا يا خالد .. لابد أن نرحل عن هنا ..
فنهض خالد , و نظر إلى الباب الضخم ..
و انتفخت عروق رقبته , و صاح بصوته
كأنه يود أن يهز جدران تلك المنطقة :
- أسيييييل .. أسيييييل ..
فجذبه يامن :
- هيا يا خالد .. هيا .. لابد أن نرحل عن هنا ..
ثم أعطاه ورقة أسيل التى سقطت منه , وقال :
- لا تستطيع أسيل العودة إلى هنا مجدداً ..
- كانت تعلم أنها ستصبح فى نظر تلك المدينة خائنة .. ففضّلت أن تتركها بكافة ما تمتلكه ..
فصاح به خالد :
- إنها ليست خائنة ..
فابتسم يامن :
- أعلم ذلك يا صديقى .. لقد قرأت تلك الورقة ثم نظر إليه :
- لقد ضحّت بكل شئ من أجل حياتك يا خالد ..
- أنت تعلم ما كتبته إليك ..
ما تمنته لك أن تعود إلى حبيبتك فى عالمك ..
و أن تعيش حياتك سعيداً .. هذا سيكفل لها السعادة ..
- خالد , عليك أن تفعل ما يجعلها سعيدة الآن ..
فنطق خالد حزيناً :
- كان لابد أن تعرف أن حبيبتى تلك قد تزوجت ..
فصمت يامن ثم قال :
- لن تستطيع أسيل العودة إلى هنا ..
و لن تستطيع أنت اللحاق بها .. عليك أن تعود إلى بلدك ..
لقد فعلنا الكثير كى تتحقق أمنيتك بعودتك إلى بلدك ..
فجلس خالد , و أمسك برأسه ..
و حدّث نفسه بصوت مسموع :
- لم أكن لأرضى أن تفعل ذلك ..
فصاح به يامن :
- و لكنها فعلته , و لم يعد هناك وقت لما تفعله الآن .. هيا انهض ..
ثم جذبه :
- أعلم أنك صديقى , و لكن أيها الصديق
لا أريدك أن تظل هنا ببلدى .. عليك أن تعود إلى بلدك ..
فضحك خالد ساخراً :
- بلدى ؟! كيف ؟ ..
لابد و أن صاحب البيت بالمنطقة الغربية قد عاد إليه ,
و انتهى كل شئ ..
فصمت يامن ثم أكمل مبتسماً :
- أو ربما لم يعد بعد ..
ثم أكمل :
- سيعود إلى بيته بعد غد ..
فنظر إليه خالد متعجباً :
- كيف و قد أخبرنا الفتى بأنه سيعود إلى بيته
مع يوم زيكولا ؟!
فابتسم يامن :
- أعتقد أن مائتى وحدة ذكاء كافية
لتجعله يترك بيته ليلتين ..
فسأله خالد فى دهشة :
- مائتا وحدة ؟!
فابتسم يامن :- نعم ..
فسأله خالد مجدداً :- أعطيته مائتى وحدة ؟!
فأجابه يامن :- نعم ..
فنظر إليه خالد :- كيف تدفع تلك الوحدات ؟
فأجابه يامن , و لا زالت الابتسامة على وجهه :
- ليست أسيل فقط من تقدم المساعدة ..
حين جعلتنا نتخلص من آخذى وحدات الحماية كى نأكل دجاجاً , و نوفر وحدتين كل يوم .. لم أكن آكل الدجاج ..
ثم زادت ابتسامته :
- لم أخبرك من قبل أننى لا أحب الدجاج ..
و سامحنى لأننى لم أحضر منافسة الزيكولا بالأمس ..
كان لابد , و أن أمكث هنا أمام ذلك الباب ,
و انتظر النهار بأكمله مع الخادم كى أجد صاحب البيت ,
و أقدّم له عرضى قبل أن نفقده و يضيع كل شئ ..
فسأله خالد :
- و ما مقابل تلك الوحدات يا يامن ؟
فنظر إليه يامن :
- لا تكفى تلك الوحدات مقابلاً لتلك الشهور
التى كنت بها صديقاً وفياً لى ..
فابتسم خالد ثم احتضنه , فهمس يامن إلى أذنه :
- هيا عليك أن ترحل الآن ..
الطريق إلى المنطقة الغربية طويل .. هناك ينتظرك إياد .. ستعطيه ذلك الحصان حين تصل إليه ..
ثم أشار إلى حصان أسود قد عقله بالقرب منهما
و تبدو عليه القوة ..
فسأله خالد , و كأنه لا يصدق مفاجآته :
- و من أين لك بهذا الحصان أيضاً ؟ ..
فابتسم يامن :
- لا تقلق , لقد استأجرته كى آتى به إلى هنا ..
كان لابد أن أسرع .. و لكننى تذكرت أن الحصان لابد
و أن يعود إلى صاحبه بالمنطقة الغربية ,
و أنا إن ذهبت إلى هناك كى أعيده ..
فكيف أعود هنا مجدداً ؟! ..
ثم أكمل ضاحكاً :
- أنا جئت به .. و أنت ستعود به ..
فابتسم خالد :
- أكيد مش هلاقى صاحب زيك يا يامن ..
فابتسم يامن :
- ها أنت قد عدت إلى لهجتك الجميلة يا صديقى ..
- هيا لا تضيع وقتك , و تذكّرنى دائماً ,
و أنا سأظل هنا لأحكى للصغار أن صديقى صاحب أغلى كتاب و أغلى قُبلة بتاريخ زيكولا ..
القُبلة التى أنقذت حياته يوم زيكولا ..
ثم أتى بالحصان إلى خالد , فامتطاه خالد و نظر إليه :
- يامن ..
تعلم أن هناك شاباً قد يكون أخى بالمنطقة الشمالية ..
إن قابلته يوم , و كان فى حاجة إلى مساعدة فلا تتأخر عنه ..
فابتسم يامن :
- حسناً ..
ثم ضرب مؤخرة الحصان بيده , و صاح :
- هيا إلى طريقك .. سيعطيك إياد كتابك حين يجدك ..
أما أنا سأذهب لأحتفل مع أهل زيكولا ..
أشعر أننى فى حاجة كى أرقص مع إحدى الفتيات ..
كفانى تلك الجرعة من الحزن الأوقات السابقة ..
بدأ خالد يتحرك بحصانه , و ينظر إلى يامن الذى يقف مبتسماً و يلوح له بيده , و الحصان يتحرك ببطء , و خالد ينظر إلى بيوت المنطقة الشرقية و قصورها التى عاش بينها لشهور .. حتى اختفى يامن عن أنظاره , و تحرك نحو البحيرة
فابتسم ثم اقترب منها , و ترجّل و نزل ليشرب من مائها ..
ثم امتطى حصانه مجدداً , و أمره أن ينطلق فى طريقه
إلى المنطقة الغربية , و الشمس تسطع فوق رأسه الحليق .. يتطاير قميصه مع الهواء , و يسرع حصانه كأنه سهم يشق الطريق نحو الغرب ..
بينما تنطلق أسيل بحصانها خارج زيكولا تجاه بيجانا
نحو الشرق .. يسير كلاهما فى طريقه ,
و يبتعد كل منهما عن الآخر ..
خالد لا يفكّر سوى بكلمات أسيل ,
و أسيل لا يدور برأسها سوى خالد ..
يبتسم حين يتذكر حديثه إليها عن التلفزيون ,
و تبتسم هى بعدما تذكّرت إحمرار وجهه حين قبّلته ..
ينطلق الحصانان كلٌ نحو قدره الذى اختاره صاحبه ,
و تتحرك فوقهما الشمس من الشرق إلى الغرب
كأنها تراقبهما على ظهر تلك الأرض
و هما مجتمعان للمرة الاخيرة , و خالد يسرع
و يقلّب عينيه بين صحراء زيكولا و كأنه يودعها ,
و ينظر إلى مناطقها التى يمر عليها و يشير إليها بيده ,
و كأنه يخبرها بأنه سيرحل ..
و أسيل تغمض عينيها كأنها تتمنّى لخالد أن يحقق ما يريد .. حتى بدأت الشمس فى الغروب إيذاناً برحيل هذا النهار ..
حل الليل , ووصل خالد إلى أطراف المنطقة الغربية ,
و اتجه نحو البيت الذى يقصده على الفور ,
و ما إن وصله حتى دلف إليه بحصانه ,
و هناك وجد إياد فى انتظاره , و الذى صاح :
- لقد سمعت بما حدث اليوم .. هنيئاً لك يا صديق ..
فابتسم خالد :
- شكراً يا صديقى ..
ثم ترجّل , و أشار إلى حصانه :
- هذا هو الحصان الذى استأجره يامن ..
إنه أسرع حصان رأيته بزيكولا ..
لقد أحسن يامن الاختيار تلك المرة ..
فابتسم إياد ثم أخرج كتابه :
- و هذا هو كتابك ..
فابتسم خالد :
- مازلت أدين لك بأجر متابعة حفر النفق ..
فضحك إياد :
- لقد أعطانى يامن ذلك الأجر .. لم أطلب الكثير ..
فابتسم خالد :
- يامن ..
فسأله إياد :- هل سترحل الآن ؟
فأجابه : - نعم
فأكمل إياد :
- لقد قرأت بعض الصفحات من كتابك ..
- لقد أسعدك الحظ يا خالد .. إن الليلة بدر أيضاً ..
سيكون سردابك مضاءً .. , ثم نظر إليه و أعطاه مصباحاً نارياً :
- و هذا المصباح سيلزمك حتى تمر من نفقنا ..
فابتسم خالد :
- حسناً , و لكن عليكم أن تغلقوا طرف ذلك النفق
بعد ذهابى ..
فقال إياد :
- بالطبع يا صديقى ..
إن اكتشف أحد ما فعلناه فسنصبح خائنين لزيكولا ..
فوضع خالد يده على كتفه ثم صافحه و احتضنه ,
و وضع كتابه بين بطنه و بنطاله أسفل قميصه ,
و اتجه إلى فتحة النفق , و نزل السلم الخشبى بها ,
و بيده المصباح .. و أشار إلى إياد مودّعاً له ..
بعدها نظر خالد إلى النفق الأفقى فوجده مظلماً ..
فسمى الله , و بدأ يزحف على ركبتيه و بيده المصباح ,
يتحرّك مسرعاً و يحدّث نفسه ؛ ليست إلا أمتار
و أكون خارج زيكولا ..
يشعر أن نشاطه قد عاد إليه بعدما افتقده الأيام السابقة ..
و يكمل حديثه إلى نفسه ؛
- أرحل من أجل أسيل .. من أجل جدك ..
من أجل يامن , و يواصل زحفه ,
و يتجنّب الدعامات الخشبية
التى تركها من صنعوا هذا النفق ..
يتوقف للحظات ليلتقط أنفاسه ثم يبتسم ,
و يحدث نفسه مجدداً ؛ ما زلنا فى البداية يا خالد .. هيا ..
ثم يكمل تحركه حتى لمح الفتحة الأخرى للنفق ,
و النور يتسرب خلالها فأسرع من تحركه ..
يجذبه الأمل نحوها .. هيا يا خالد .. هيا .. إنها لحظات..
هيا , و يزحف بقوة , حتى وصل إلى تلك الفتحة ,
و قفز إلى خارجها , و مازال مصباحه بيده حتى وجد نفسه بأرض رملية يظهرها نور البدر الذى يسطع بالسماء ,
و التفت ليدق قلبه بقوة حين وجد سور زيكولا بشموخه
خلفه .. فصاح فرحاً :
- أنا خارج زيكولا .. أنا خارج زيكولا ..
و ظل يعود بقدمه خطوات للخلف , و ينظر إلى سور زيكولا
و إلى ارتفاعه الشاهق الذى طالما كان عائقاً له ..
حتى انزلقت قدماه فى الرمال فجأة , و سقط على ظهره ,
و سقط المصباح بعيداً عنه , و مالبث أن مد يده كى يلتقطه حتى وجد جسده يسقط بحفرة وسط الرمال , و ظل جسده يهوى لأسفل , و يرتطم بجدران تلك الحفرة , و يهوى أكثر فأكثر دون أن يتوقف , و أمسك برأسه التى ارتطمت كثيراً ,
و بدأت الدماء تنزف منها ..
حتى بدأت حركته تقل شيئاً فشيئاً ثم توقف جسده
عن الارتطام لينظر أمامه ليجد نفقاً ممهداً يتجه بانحناء لأسفل و لأحد الاتجاهات فأسرع به يجرى ..
الطريق يأخذه لأسفل , و لا يفكر بشئ سوى أن يسرع به .. يريد أن يصل إلى ما يريده ..
يعلم أن انحناء الطريق لأسفل ربما لسبب لا يعلمه ..
إنه صُمم كذلك ..
ربما كان سبباً كى يحتوى فرعي زيكولا بالكامل ..
أو ربما كانت هناك فروع أخرى ..
يتحدث إلى نفسه , و تدور بعقله تفسيرات لا يأبه بها كثيراً .. حتى سقط و تدحرج بجسده مجدداً فابتسم و نهض , و أكمل عَدْوَه , و كلّما سقط تدحرج جسده قليلاً ثم ينهض مجدداً ,
و يكمل عدوه , و ظل يواصل طريقه , و الوقت يمرّ ..
و إن أصابه التعب وقف للحظات كى يلتقط أنفاسه
ثم يسرع من جديد , و يحدّث نفسه ليحفزها :
- هيا يا خالد .. لم يعد سوى القليل ..
حتى زاد تعبه للغاية فجلس , و أسند ظهره إلى جدار ,
و مسح بذراعه حبات العرق التى أغرقت جبينه ..
ثم نهض و سار بضع خطوات حتى وجد صورة تشبه
الصورة التى وجدها حين نزل السرداب لأول مرة ,
و الصورة التى نُقشت على سور زيكولا بالمنطقة الغربية فوقف أمامها , و ابتسم :
- فوريك ..
و ما إن مر أمامها حتى شعر بذات الهزة العنيفة
التى حدثت من قبل حين عبر السرداب للمرة الأولى ,
و نظر خلفه ليجد جدران السرداب قد بدأت فى الانهيار .. فابتسم و بدأ يعدو .. يسرع .. و الجدران تنهار من خلفه .. تخطو قدماه مسرعة ..
يعلم أن الانهيار من خلفه يدفعه لطريق مقصود ..
يسرع و يخشى أن يطوله الانهيار فتتحطم معه آماله ..
هيا يا خالد .. يحفز نفسه .. هيا ..
حتى بدأ الصوت يقل من خلفه , و هدأت الحركة العنيفة ,
و لم تعد هناك انهيارات للجدران , و ما إن نظر أمامه
حتى وجد نفسه فى طريق للسرداب أكثر اتساعاً ,
و جدرانه منقوشة بنقوشٍ كثيرة .. فصاح :
- سرداب فوريك .. سرداب فوريك الأساسى ..
و أسرع به , ترتطم قدماه بالهياكل العظمية المنتشرة بأرضيّته , و أكمل جريه حتى وصل إلى سلمه الطويل
فأسرع إليه و صعد درجاته ..
يخطو العديد منها بخطوة واحدة منه ..
يحدّث نفسه .. لم يعد سوى القليل يا خالد ..
يصعد و لا ينظر خلفه ..
ينظر إلى درجات السلم المتبقية , و يخطوها مسرعاً ..
حتى وصل إلى أعلاه فتوقف و انحنى ليمسك ركبيته
ليلتقط أنفاسه , و كأنه يفكر , و يتذكر يوم نزوله السرداب للمرة الأولى , و حدّث نفسه بصوت يسمعه :
- ها أنا قد مررت من السرداب ..
- الآن النفق ..
- عليك أن تسرع يا خالد .. لا يوجد هواء بالداخل ..
ثم صمت و أكمل :
- و لا توجد إضاءة ..
عليك أن تتذكر جيداً كيف كان مسارك بهذا النفق ..
ثم أغمض عينيه , و كأنه يتذكر ثم فتحهما ,
و نظر إلى الفتحة ذات ألواح الخشب المتكسّرة ,
و التى تصل سرداب فوريك بالنفق المظلم ..
و سمى الله ثم ملأ صدره بالهواء ,
و أسرع إليها فوجد الظلام يسود بداخله ,
و أسرع يزيح شباك العنكبوت التى تملؤه , و يسرع ,
و يتذكر فى لحظات طريقه حين نزله ..
يسرع فى الظلام , و كلما وجد طريقه خالياً يتقدم أكثر ..
و يتحرك كأنه يغطس بأعماق محيط ..
تحركه كمية الهواء التى التقطها منذ دخوله
بعدما لم تكف فتحة هذا النفق لتدخل المزيد من الهواء
مع كثافة شباك عناكبه , كأنه صُمم ليكون قبراً للاختناق
حتى لو لم يكن مغلقاً بالكامل , و بدأ يشعر بالاختناق ,
و لكنه أكمل طريقه , و تسارعت أنفاسه , و دق قلبه مسرعاً , و برزت عيناه حتى ارتطمت قدماه بشئ صلب ,
و حين تحسسه أدرك أنه سلّم النفق فصعد درجاته على الفور حتى اصطدمت رأسه ببابه الفولاذى الذى قد أُغلق حين انكسر اللوح الخشبى , فبدأ يدفعه بقوة .. يعلم أنه يستطيع ذلك .. يدفعه و يحاول أن يرفعه ..
يحفز نفسه , و أخرج ما لديه من هواء :
- هيا يا خالد .. هيا ..
و يضغظ على أسنانه , و يدفع بكتفيه ..
حتى بدأ الباب يرتفع قليلاً , و اندفع الهواء إلى صدره:
- هيا يا خالد ..
حتى ارتفع الباب بأكمله , و قفر خالد إلى خارجه ,
و سقط بجواره وصدره يعلو و ينخفض مسرعاً .. و صاح :
- أنا رجعت ..
و أمسك برأسه و كأنه لا يصدق نفسه ..
يجلس بجوار الباب الفولاذى , و ينظر إليه
و يتحسس وجهه كأنه يتيقن أنه ليس نائماً ..
ثم ينظر إلى ملابسه الزيكولية , و يتحسس رأسه
ليجده حليقاً فأدرك أنها حقيقة ..
ثم أغلق باب النفق من جديد , و أسرع إلى الخارج
فوجد الظلام يسود السماء ثم عبر السور العالى
الذى يحيط بالبيت المهجور , و ما إن عبره حتى سمع آذان الفجر يهزّ كافة أرجاء بلدته .. البهو فريك ..
فابتسم , و بدأ يكرر الآذان كلّما سمع كلماته , و أسرع بين شوارعها الخالية , و كلما رأى أحد الأشخاص يمر ..
حاول أن يختبئ حتى لا يراه بهذا الزىّ ..
حتى اقترب من بيته , و ما إن وصل إليه , و دقّ الباب بقوة حتى وجده مفتوح قليلاً فأدرك أن جده قد فتحه كعادته
مع حلول الفجر ثم دلف إليه فوجد جده يصلى الفجر جالساً ,
و يعلو صوته بآيات من القرآن فجلس خلفه فى انتظاره ,
و تساقطت دموعه حين سمع دعاءه بأن يعود إليه سالماً
حتى انتهى و التفت فوجد خالد خلفه فتسارعت أنفاسه
و كأنه لا يصدق نفسه , و احتضنه بقوة و دمعت عيناه ,
أما خالد فبكى كثيراً حين احتضنه , و كأنه لا يصدق نفسه
هو الآخر , و ظل يحتضنه و يمسح رأسه بكتفه , و يبتسم
بينما يرتشف دموعه :
- كنت بقولك هرجع لك يا عبده ..
- قلت لك إنى هرجع ..
ثم سقط , و كأنه قد فقد وعيه ..
ظل خالد نائماً , و بدا عليه أنه لم ينم لأيام طويلة ,
و بجواره جده .. يجلس لينظر إليه , و قد بدّل له ملابسه ,
و لم يرد أن يفتح كتابه الذى أحضره معه
إلا بعدما يخبره بما حدث له أولاً , و مرّ يومٌ كامل
دون أن يستيقظ , حتى نهض فوجد جده بجواره ,
و معه صديقه العجوز - مجنون السرداب - الذى كان أول
من يخبره عن حقيقة سرداب فوريك , و ما أن رآه قد فتح عينيه حتى صاح :
- خالد صحى ..
فابتسم خالد وقال :
- لابد أنكم قد أصابكم القلق ..
فاندهش الرجل مما سمعه فضحك خالد :
- عارف إن لهجتى أوقات بتتغير ..
بس قريب أوى هستعيد لهجة البهو فريك ..
فقاطعه جده :
- يلا يا خالد .. احكى لنا اللى حصل لك ..
ثم تدخل الرجل :
- أنت نزلت السرداب فعلا ً؟
فابتسم خالد وسألهما :
- من أين تريدان أن أبدأ قصّتى ؟
ثم بدأ يحكى عما حدث له منذ نزوله ذلك النفق
أسفل البيت المهجور بالقرية , و ما حدث له به ,
و نزوله إلى سرداب فوريك الحقيقى , و تلك الصورة به ,
و ما به من هياكل عظمية ثم خروجه إلى أرض زيكولا ,
و ظل يحكى لهما , و هما يستمعان إلى كل كلمة يقولها .. يحدثهما عن قوة تلك المدينة , و عن أهلها
و عن طقسها الذى يبدو ثابتاً مع تغير فصول العام ..
و عن عمله هناك , و عن يوم زيكولا , و عن يامن و أسيل ,
و عن رحلته خلف هذا الكتاب الذى يوجد بين أيديهم ,
و لكنه آثر ألا يخبر جده بأن أباه قد قُتل كى يرثه ابنه ..
بل أنه لم يذكر سيرة أبيه أو أخيه على الاطلاق ,
و آثر أن يحتفظ بهذا السر خشية أن يسبب مزيداً من الحزن لجده , و ظلّ يحكى و يحكى , و تمر الدقائق و تتبعها الساعات , و لم يتركاه دون أن يسألاه عن تفاصيل كل جملة يقولها .. حتى انتهى فنظر إلى جده و صاحبه وقال:
- أريد أن يظل حديثنا هذا سراً بيننا ..
فاندهش صديق جده :
- و ليه منقولش للناس كلّها .. أنت بطل ..
فأجابه خالد :
- لن يصدقك أحد .. لن يقولوا بطل .. سيقولون مجنون ..
فقاطعه الرجل :
- الكتاب أحسن دليل ..
فابتسم خالد :
- سيقولون أنك أحضرت الكتاب من مكان آخر ..
أريد فقط أن يظل هذا السر بيننا .. أريدكما أن تعدانى بذلك ..
فابتسم جده :
- حاضر ..
و ابتسم الرجل :
- و أنا كمان بوعدك ..
ثم ضحك جده :
- أكيد منى هتفرح لما تعرف إنك رجعت ..
دى على طول كانت بتسأل عليك ,
و عمرها ما سابتنى لوحدى ..
فسأله خالد :
- هىّ متجوزتش ؟!
فابتسم جده :- لا
ثم أكمل :
- منى بتدى لأبيها دروس من جديد ..
زى اللى بترد له كل اللى عمله فيك ..
كل ما يتقدم لها عريس ترفض ..
و تبوّظ الجوازة لأى سبب ..
و حلفت قدام الناس إنها مش هتتجوز ..
فابتسم خالد :
- أكيد طالعة مجنونة لأبوها ..
فابتسم جده :
- هىّ مش هتتجوز إلا أنت يا خالد ..
فابتسم خالد :
- لكنى لا أريد الزواج الآن ..
حتى فوجئوا بمنى تدخل إليهم فجأة , و نظرت إلى خالد
فى سعادة :
- خالد .. أنا عرفت إنك رجعت ..
فابتسم خالد :
- نعم ..
فأكملت :
- أنا مبسوطة أوى إنك رجعت ..
فابتسم :
- شكراً منى .. أشكرك إنك كنت بجوار جدى تلك الفترة ..
فضحكت منى :
- أنت بتتكلم كدة ليه ؟ ..
هو السفر أثّر على كلامك و لا أيه ؟
فضحك خالد :
- نعم ..
ثم نهض جده , و صاحبه , و تركاهما فابتسمت منى :
- أنا حلفت لأبويا إنى مش هتجوز الا أنت ..
و إن متجوزتكش مش هتجوز طول عمرى
و اللى يعمله يعمله ..
فصمت خالد دون أن يرد فتابعت :
- خالد .. أنا مش شايفاك فرحان بكلامى ليه ..
أنت حبيت حد تانى و أنت مسافر ؟
فابتسم خالد :
- منى .. أنا رجعت من السفر زى ما أنا ..
اعتبرينى هبدأ من جديد ..
فابتسمت :
- خلاص .. و أنا موافقة نبدأ سوا ..
فنظر إليها خالد فى هدوء :
- أرجوكى يا منى ..
محتاج شوية وقت عشان أرتب أمورى ..
فظهر الحزن على وجهها و همت للمغادرة :
- حاضر يا خالد .. ثم غادرت ..
كان خالد يعلم أن منى تحبه , و لكنه أراد ألا يتسرّع
فى حديثه معها , و أراد أن يتحقّق من مشاعره تجاهها ,
و خاصة أنه لم يفق بعد مما حدث له بزيكولا
و بُعده عن أسيل , و عزم على أن يجد عملا ًيحقق له ذاته ,
و ظل يبحث عن عمل ملائم لدراسته ,
و ذهب إلى أماكنَ كثيرة ..
يبحث عن عمله دون أن يصيبه تعب أو ملل ,
و يبتسم حين تضيق الدنيا أمامه ,
و يحدّث نفسه دائماً ؛ لابد و أن هناك أملاً ..
ماذا بعد نجاتى من الموت قبل لحظات ..
يبحث نهاراً و يعود إلى شرفة بيته ليلاً ليتأمل سماء بلدته
بحثاً عن ذلك النجم .. أسيل ..
حتى يغلبه النعاس فيظل نائماً لتشرق شمس
اليوم الذى يليه .. و استمر فى بحثه عن عمل لمدة أيام
و أيام , و امتدت لأسابيع ..
حتى وجد عملاً بإحدى فروع شركة كبرى بمدينة المنصورة ,
و مرت شهور , و هو يعمل و يشعر بذاته فى ذلك العمل ,
و كلّما واجهته مشكلة قابلها بابتسامة يحسده عليها زملاؤه .. و تزداد بسمته حين يعود إلى بيته فيجد جده يقرأ بكتاب سرداب فوريك الذى لم يتركه إلا لحظات قليلة منذ عودته ,
و يطلب منه أن يخبره بالمزيد مما حدث له بزيكولا ..
فيحكى له الكثير و الكثير ..
و يسأله بعد انتهائه ألا يخبر أحداً بذلك ..
حتى جاء فى يوم , و عاد إلى جده مبتسماً :
- يلا يا عبده .. أنت مش عايز حفيدك يتجوّز ؟
فنظر إليه جده فتابع خالد :
- إحنا هنروح للمرة الأخيرة نخطب منى ..
و الله أبوها وافق هتجوزها .. و لو موافقش ..
هتجوزها برضه ..
فابتسم جده , و اتجه معه إلى بيت والد منى ,
و اندهش خالد حين وجده قد تغير تمام التغيّر ,
و قابلهما بكل حفاوة و تقدير , و ما إن تحدّث جد خالد
بأنه يريد أن يطلب يد منى لخالد حتى نطق والدها بترحيب :
- يلا نقرأ الفاتحة ..
فابتسم خالد , و ابتسمت منى التى كانت تقف
أمام باب الحجرة , و علت الزغاريد ببيتها ,
و نهض خالد ليحتضن والدها ثم احتضن جده ,
و حددوا موعداً قريباً لإقامة عُرسهما ..
مرت أيام كثيرة , و مرت أسابيع و تبعتها بضع شهور ,
و خالد يعمل بقوة كى يستعد ليوم عُرسه ..
حتى جاء ذلك اليوم , الرابع عشر من سبتمبر ,
و عُلّقت الأنوار أمام بيته , و اجتمع الكثير من الأهالى ليهنئوه و يهنئوا جده بهذا العُرس ,
و حلّ الليل , و بدأ حفل الزفاف , و كان حفلاً رائعاً تراقص
به من يعرفون خالد و منى و من لا يعرفانهما ,
و خالد ينظر إلى الجميع , و تتشابك ذراعه بذراع منى
التى ظلت تهمس إليه طوال الاحتفال دون أن يسمع أى شئ , و لكنه كان يهز رأسه مبتسماً دون أن يدرك عما تتحدث ..
حتى انتهى الاحتفال , و دلفا إلى شقتهما ,
و امتلأ وجه منى بالخجل بعدما دلفا إلى حجرة نومهما
فضحك خالد ثم ضحكت منى , و نظرت إليه وقالت :
- خالد .. باين إننا هنبتدى المشاكل من دلوقتى ..
خالد .. الشقة حر أوى .. أنا عايزة تكييف ..
فضحك و لم ينطق ثم اتجه نحو شرفة الغرفة ,
و فتحها كى يندفع الهواء إليها حتى نظر إلى السماء
فدق قلبه بقوة حين وجد ذلك النجم اللامع وحيداً مميزاً بها ,
و همس إلى نفسه فى ذهول :
- أسيل !!
فأكملت منى , و هى تجلس بفستان زفافها
على سرير الغرفة :
- خالد .. أنا نفسى نقضى شهر العسل فى أى مكان ..
فابتسم بعدما سمع كلماتها ثم نظر إلى النجم مجدداً ,
و أطال نظره تلك المرة كثيراً و كأنه يفكّر .. ثم نظر إليها :
- أنا كمان كنت بفكر إننا نقضى شهر العسل
فى مكان مختلف تماماً ..
ثم أكمل مبتسماً :
- أيه رأيك فى مكان التعامل فيه مش بالفلوس ؟
فاندهشت منى , و سألته :
- أمّال بأيه ؟!
فضحك ثم اقترب منها , و همس إليها :
- هتعرفى لما نروح هناك
النهاية
🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺
خلصتوا قراءة الفصل إتفضلوا جميع الروايات الكامله من بداية الروايه لاخرها من هنا 👇❤️👇💙👇❤️👇
4 - رواية تزوجت سلفي
🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺
🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺
13- رواية عشقك ترياق
14- رواية حياة ليل
16- رواية لست جميله
20- رواية حبيب الروح
22- سكريبت غضب الرعد
24- رواية ملك الصقر
29- رواية شطة نار
30- رواية برد الجبل
🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺
🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺
32- رواية الداده رئيسة مجلس الإدارة
35- رواية حماتي
36- رواية انا وضورتي بقينا اصحاب
41- رواية روح الصقر
42- رواية جبروت أم
46- رواية شهر زاد وقعت في حب معاق
47- رواية أحببت طفله
51- رواية لم يكن أبي
🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺
🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺
52- رواية حورية سليم
53- رواية خادمه ولكن
56- رواية خادمة قلبي
57- رواية توبه كامله
61- رواية طلقني زوجي
63- قصة فتاه تقضي ليله مع شاب عاذب
64- رواية عشق رحيم
67- رواية أحببت بنت الد أعدائي
69- رواية حلال الأسد
🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺
🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺
71- رواية أسيرة وعده
76- رواية دموع زهره
79- رواية إبن مراته
82- رواية جبل كامله
86- قصة غسان الصعيدي
89- رواية صليت عاريه
90- رواية صليت عاريه
94- رواية مفيش رحمه
95- رواية شمس العاصي الجزء الاول كامله
100- سكريبت جمعتنا الشكولاته الساخنه
101- سكريبت سيف وغزل
102- رواية حب الفرسان الجزء الثالث
104- رواية رعد والقاصر
105- رواية العذراء الحامل
106- رواية اغتصاب البريئه
107- رواية محاولة اغتصاب ليالي
108 - رواية ملكت قلبي
109 - رواية عشقت عمدة الصعيد
110- رواية ذئب الداخليه
111- رواية عشق الزين الجزء الاول
112- رواية زوجي وزوجته
113- رواية نجمة كيان
114- رواية شوق العمر
115- رواية أحببتها صعيديه
118- رواية لاعائق في طريق الحب
119- رواية عشق الصقر
121- رواية بنت الشيطان
122- رواية الوسيم إبن الحاره والصهباء
123- رواية صغيرتي الجميله
124- رواية أخو جوزك
125- رواية مريض نفسي
127- رواية هكذا يكون الحب
128- رواية عشق قاسم
129- رواية خادمتي الجميله
131- رواية جوري قدري
133- رواية المنتقبه أسيرة الليل
134- رواية نجمتي الفاتنه
135- رواية ليعشقها قلبي
136- رواية نور العاصي
137- رواية من الوحده للحب
139- رواية جوزي اتجوز سلايفي الاثنين
140- رواية شظايا قسوته
141- نوفيلا اشواق العشق
142- رواية السم في الكحك
143- رواية الصقر كامله
147- رواية عروس الالفا الهجينه الجزء الثاني
148- رواية أميرة الرعد
149- رواية طفلة الأسد
150- نوفيلا الجريئه والاربعيني
151- رواية أحببت مجنون
152- قصة أخويا والميراث
153- رواية حب من اول نظره
155- رواية صعيدي مودرن