عروس الهاربه
البارت الاول
///بـإحـدي قـري الـصـعـيـد
///بـمـنـزل ضـخـم يـشـبـه الـقـصـور
صوت الطبل و الزمر يصدح في الأجواء معلنًا عن إحدي الأعراس و أي عرس و هو عرس حفيدي عائلتين من أكبر عائلات القرية..عِرس يعنـي بداية حياة جديدة مع شريك يختاره القلب قبل العقل ، بداية جديدة لـ شخصين بعيدًا عن الأهـل و عن الأقارب لكن علي النقيض تمامًا كان هذا العرس يعلن عن نهاية حيـاة موشكة..
تجلس في غرفة خصصت لها حتي تتجهز لـ مأدبتها و هي تبكي و ترتعش بصمت ، لم تتوقع أبدًا أن تكون تلك نهايتها ، فتاة بعمر الزهور تحطمت أحلامها مقابل حياة أشخاص لم تعرفهم بحياتها و كل هذا بسبب الثأر ، بللت حياة شفتيها الصغيرتين المطليتان بـ لون أحمر قاتم الذي لا يناسب سنها الذي لم يتعدي الخامسة عشر بطرف لسانها ثم غمغمت بقهر :
- لا إله إلا أنت سبحانك أني كنت من الظالمين ، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين..
ظلت تردد دعاء سيدنا يونس بخفوت لدقائق لكنها ما لبثت أن انتفضت في جلستها عندما فُتح الباب بقوة ، تنفست الصعداء عندما وجدت خالتها أشجان تلهث و هي تقول بهلع :
- بسرعة يا حياة ، أنتي لازم تهربي قبل ما الكارثة دي تحصل !
وقفت علي قدميها هاتفه بدهشة و تلهف :
- بجد يا خالتو ؟ !
قبضت أشجان علي طرف حجابها و هي تومئ لها بعزم لتتهلل أسارير حياة بسعادة جلية ، خطت أشجان نحوها و هي تردد بقلق :
- غيري الفستان دا بسرعة و إلبسي الهدوم دي عقبال ما أتأكد أن مفيش حد في الدور !
أعطتها حقيبة بلاستيكة لتهز حياة رأسها بعزم ، خرجت أشجان من الغرفة حتي تراقب الوضع بينما هي بدأت بإرتداء ملابسها التقليدية المكونة من بنطال من الچينز و قميص طويل يصل لما بعد ركبتيها ببضع إنشات قليلة ، لفت حجابها الصغير و أرتدت نعلها الرياضي ثم خرجت من الباب تتسحب علي أطراف أصابعها ، وقفت أشجان قبالتها و قالت بتلهف :
- خلي بالك من نفسك يا حياة ، انتي تنزلي بسرعة من سلم الخدامين و تجري علي طول لغاية ما توصلي للطريق العمومي و هناك هتلاقي رؤوف مستنيكي بالعربية !
زمت حياة شفتيها و هي تومئ ببطء لتعانقها أشجان و هي تقول بحزن :
- تلات أيام بالكتير يا حبيبتي و هجيلك متقلقكيش ، مع السلامة يا حبيبتي..
تشدقت حياة ببعض الحزن :
- مع السلامة يا خالتو..
ابتعدت عن أشجان قليلًا ثم ركضت بسرعة تجاه الدرج الخاص بالخدم و منه إلي خارج المنزل ، انتظرت أشجان ربع ساعة ثم هبطت قائلة بصراخ فزع :
- ألحقوني ، أنا مش لاقيه البنت ، حياة مش في أوضتها !
توقف الطبل و الزمر و تعالت الشهقات الفزعة و المستنكرة ليخيم بعدها سكون مخيف على
المكان ، صاح عبدالقادر بغضب جام و هو يخبط بعصاه الأبنوسيه الأرض :
- واه ، يعني إية ملجيهاش في أوضتها ، خِفت إياك ؟ !
ضربت نجاة علي صدرها قائلة بهلع :
- حياة ، بنتي راحت فين ؟ !
ألتفتت لـ زوجها المشدوهه ثم قالت بحنق و بكاء :
- بنتي هربت يا رياض ، بنتي هربت بسببك و بسبب عيلتك ، منكوا لله .. منكوا لله !
صاح رياض بغضب :
- بس بقاا خليني أشوف المصيبة دي !
أبتسم رجل ما بشماته و قال و هو ينهض :
- بتكم راحت فين يا عبدالجادر ، كانها هتچيبلكن العار بنت البندر !
هتف عبدالقادر بملامح قاتمة :
- بتنا متربية زين يا حاچ عتمان ، و أي واحد راح يتكلم عنها بـ كلمة عفشة ديته عندي رصاصتين !
تشدق كامل بهدوء :
- معلهش يا حاچ عبدالجادر عتمان أخوي ما يجصدش حاجة شينة .
هتف عبدالقادر بقوة :
- خلي أخوك يا حاچ كامل يحاسب علي ملافظه ، هو مهيعرفش هو بيتكلم علي بت مين و لا إيه ؟ !
= العفو يا حاچ عبدالجادر حياة دي زينة البنات !
زفر عبد القادر بتروي ثم هتف بحدة :
- الغفر كلاتهم يرمحوا في البلد ، مش عايز حدا يعتب عتبة الباب إلا لما تلاجوا حياة ، همـوا !
إنطلق الغفر حتي يبحثوا عن تلك العروس الهاربة بينما علي مسافة شبه بعيدة من المنزل كانت هي تركض و هي تتلفت خلفها بين حين و آخر ، و بينما هي تنظر خلفها إذ بها تصطدم بشئ صلب ، تآوهت و هي تتراجع للخلف قليلًا فاركة لجبينها ، رفعت وجهها بحنق لتجد أمامها شاب فتي طويل القامة ، بملامح شرقية حادة يرتدي جلباب أسود مزركش و عمامه علي رأسه ، أبتلعت ريقها بتوجس ليأتيها صوته و هو يقول بحدة :
- أنتي مين ، أهلك مين عشان يسيبوكي ترمحي هيك في البلد في عز الليل ؟ !
عجزت عن النطق تخوفًا من أن يكون أحد من أتباع عائلتها ليضيق الشاب عينيه مراقبًا أياها بشك ، تفحصها من رأسها لأخمص قدميها بتمعن ثم أردف و هو يحك ذقنه الحليقة بأصبعه :
- شكلك من البندر ، لع و كمان لسة أصغيرة !
رددت حياة بنفاذ صبر :
- لو سمحت سيبني أمشي ، مفيش داعي للتحقيق اللي أنت عاملة دا !
ضحك بسخرية قائلًا :
- شوفي يا عسلية أنتي مش هتمشي من أهنه غير ما أعرف أنتي مين !
يستفزها ، نعم يستفزها مع أنها شخصية هادئة بطباعها لكنها لم تتحمل و صرخت به بغضب :
- أولًا أنا مش عسلية ثانيًا بقا و دا الأهم دا مش شيخ البلد هنا عشان تعرف مين اللي خارج و مين اللي داخل و أبعد عن سكتي بقاا عشان أنا مش فاضية لواحد زيك مش وراه لا شغلة و لا مشغلة !
ثم تركته لتواصل ركضها نحو الطريق العمومي الذي أصبح أمام مرمي بصرها ، أشتد وجه مجد قتامة و هو يغمغم :
- شكلك فرسة چامحة و محتاچة خيال يا بت البندر ، بس مبجاش أنا مچد الجناوي إلا لما أعرف أنتي مين بالظبط ، بس بعد أما أشوف المصيبة اللي حلت علي راسي ديّ !
أستقل سيارته السوداء ثم أنطلق بعدها حيث منزل عائلة السوهاجي..
رن هاتفه فألتقطه من علي المقعد المجاور له ، نظر بشاشته ليجدها تضئ بأسم والده ، زفر بتروي ثم فتح الخط قائلًا بنفاذ صبر :
- خلص يابوي أنا چاي في الطريج !
صمت لثواني و ما لبث حتي توسعت عيناه بصدمة ، ضغط علي المكابح بعنف ليقول من بين أسنانه :
- كيف هربت يعني ؟ !
صمت دام لثواني ليزمجر بعدها بغضب :
- أنا آه يابوي مكنتش راضي بالچوازة الشوم دي بس لع دلوجتي أنا هچيب مجصوفة الرجبة دي من شعرها ، مش علي أخر الزمن عروسه مچد الجناوي تهرب يوم فرحها !
ثم أغلق الخط بسرعة ، ظل لدقائق يغلي من الغضب بسيارته إلي أن أرتخت ملامحه و هو يتمتم :
- معجول إتكون هي ؟ !
***
وعلى الطرف الآخر..!
جابت بنظرها الطريق العمومي بحثاً عن خالها وهي تتنفس بهلع خوفاً من أن يتم الإمساك بها !
وجدت حياة شاباً يلوح لها منادياً :
- حيااة .. تعالي أنا خالك تعالي !
تنفست الصعداء ثم راحت تركض بإتجاهه لتصعد إلى السيارة فتنطلق بهم في الحال !!
مرت ثوانٍ معدودة قبل أن تشرع حياة بالبكاء وهي تقول بإختناق:
- أنا خايفة يا خالو ، لو أتمسكت هـ...
قاطعها رؤوف مطمئناً إياها :
- متخافيش يا حياة ، أنا هنا معاكي ومش هسيبك وخالتك كمان كلها كام يوم وتلحقنا !
زاد بكائها أكثر وهي تقول بأسى:
- لـ..ليه يا خالو كل دا ، هو أنا ذنبي ايه .. وليه أنا بالذات يعملوا فيا كدا ؟!
= أنت ملكيش ذنب يا حياة في كل اللي حصل ، عشان كدا أتفقنا أنا وخالتك نهربك !
مش هنسيبك تبقي ضحية تار بين عيلتين يا حياة ، احنا موجودين معاكي!!
حاولت الأخيرة التخفيف من حدة بكائها وهي تقول متبينة:
- طب .. طب إحنا هنروح فين يا خالو؟
رد رؤوف وهو يركز بنظره على الطريق :
- هنروح على مطروح ، مكان بعيد عن هنا ومحدش هيعرفك هناك ..
اومأت له وهو تدعو ربها ألا يحدث ما يجول بعقلها !!
"حياة رياض السوهاجي"
فتاة في الخامسة عشر من عمرها ، هي فتاة حادة الذكاء رغم صغر سنها ، تمتاز بوجه مستدير وبشرة بيضاء صافية ، كما يزيدها جمالاً عينيها الواسعتين المائلة لونها إلى اللون الأخضر ، يتوسط وجهها أنف صغير ومن أسفله شفتيها الصغيرتين التي تضفي رقة لملامحها البريئة..
تنهدت بخفة ثم قامت بإسناد رأسها لزجاج النافذة ، تابعت الطريق بشرود تُمني نفسها بـ بداية جديدة بعيدًا عن تلك العائلة التي كانت ستتسبب بـ ضياعها..
***
///بـعـد مـرور يـومـيـن
///بـ مـنـزل عـائـلـة الـسـوهـاجـي
حالة من السكون تعم علي المكان ، فـ يومين من البحث المتواصل في أرجاء القرية و القري المجاورة و لم يتهدوا لها بعد..
يجلس الرجال بـ البهو الكبير بصمت لم يقطعه إلا كامل و هو يقول بهدوء :
- عتعمل إية يا حاچ عبدالجادر ؟ !
ردد عبدالقادر بتحسر :
- البنية لساتها إصغيرة يعني ما عتعرفش تروح في مكان لوحديها ، كيف هملت الدوار و فين راحت أنا ما عرفش ، برچ من نافوخي عيطير يا كامل !
بينما مجد كان يجلس مراقبًا لهم بأعين كـ الصقر ، فـ حالة كـ تلك كان من المفترض أن يشمت بـ تلك العائلة التي قتلت إبن عمه عتمان لكن الموضوع يمسه ، فـ ذلك العار التي ألحقته تلك المتمردة لم يكن بـ عائلتها فقط ، لا بل كان به هو الأخر..
قبض علي فكه بقوة ثم ضاح بصوت قوي تهتز له الأبدان :
- بنتكن يا حاچ عبدالجادر دلوجت في حكم مَرَاتي ، يعني أنا المسؤول أنها ترجعلكم تاني و دي كلمة طالعه من خشم صعيدي ، يعني هتتنفذ يعني هتتنفذ و لو بعد مية سنة .. !
ثم نهض خارجًا من المنزل و قد أعتلي وجهه ملامح التوعد لـ تلك المتمردة الصغيرة..
" مجد كامل القناوي ، شاب في العشرين من عمره ، يدرس في كلية الزراعة في عامه الثالث ، أرغم من عائلته علي الزواج من إبنة عائلة السوهاجي حتي تنتهي وصلة الثأر اللا متناهيه التي بين العائلتين ، يتميز بـ الطول الفارع و البنية القوية ، و أيضًا بـ الملامح الشرقية الحادة من بشرة حنطية صافية و شعر أسود ناعم متوسط الطول إلي الأنف الحاد الشامخ و الأعين البنية القاتمة .. "
2000 كومنت تنزل كاملة
الفصل الثاني من هنا 👇👇👇
تعليقات
إرسال تعليق