أخر الاخبار

رواية أرض زيكولا الحلقة السادسه والسابعه والثامنه والتاسعه والعاشره بقلم عمرو عبد الحميد

رواية أرض زيكولا الحلقة السادسه والسابعه والثامنه والتاسعه والعاشره بقلم عمرو عبد الحميد 

رواية أرض زيكولا الحلقة السادسه والسابعه والثامنه والتاسعه والعاشره بقلم عمرو عبد الحميد 


شعر خالد بالصدمة حين أخبره الفتى 

أن يوم زيكولا يُذبح به أفقر من يوجد بالمدينة .. 

و حدّث نفسه بأنه أفقر من بها .. 

و ما معه من نقود لا تفيد بعدما تيقن من مواقفه السابقة أنهم لا يعترفون بها .. 

و إن كان حديث الفتى صحيحاً سيكون هو الضحية .. 

حتى قاطع تفكيره الفتى حين أكمل :


- فى يوم زيكولا تجرى منافسة 

بين أفقر ثلاثة أشخاص بالمدينة .. 

أما غداً للأسف فسيذبح الشخص مباشرة دون منافسة بعدما نجح الآخران فى الهرب .. آه لو رأيتهما بعينىّ ..


فتذكر خالد من قابلهما بالصحراء .. وقال بصوت عالٍ :

- المجانين ؟!!


فنظر إليه الفتى فتدارك خالد قوله, و سأله :

- تقصد إن الفقير تم اختياره فعلاً ؟


رد الفتى :- نعم ..


فتنفس الصعداء , و أخرج زفيرا طويلاً , و شكر ربه فى سره , و أكمل الفتى :


- المعتاد فى زيكولا أن يُحبس الفقراء الثلاثة قبلها بأيام .. 

ثم تقوم بينهم منافسة الغنى و الفقر .. الزيكولا .. 

و من يخسر منهم يُذبح .. 

و بالطبع طالما هرب الاثنان سيُذبح الشخص الثالث .. 

ثم أشار إلى بيت مجاور :

- إنه من منطقتنا .. فنظر خالد إلى البيت , و تعجب :


- ازاى ده بيت فقير ؟

بعدها تركه الفتى , و مضى ليلعب مع من معه ..


جلس خالد مرة أخرى فى مكانه .. يفكّر بما يحدث له , و يتذكر ماذا حدث له منذ أن وجد نفسه بالصحراء .. 

و زاد إلحاحُ سؤاله الذى تعمد تجاهله دائماً .. أين هو ؟ .. 

و أين زيكولا تلك التى لم يسمع عنها من قبل .. 

و عن أهلها المثيرين للدهشة ؟ .. 

بعضهم يبدو عاقلاً .. و الكثيرون لا ينتمون للعقلاء بشئ .. 

ثم انتفض جسده حين سأل نفسه ماذا لو انتقل به الزمن عبر السرداب إلى الماضى 

كما كان يقرأ دائماً فى الأدب الأجنبى .. ماذا ؟ .. 

هل هذا صحيح ؟! (( لا .. لا .. إنه خيال .. 

إننى لم أسمع عن زيكولا .. و لم اقرأ عنها من قبل )) .. هكذا أجاب نفسه .. ثم علا صوته :

- بس ليه لأ ؟

- الأحصنة اللى بتجر العربات .. و لبس الناس هنا .. 

مش معقول يكون لبس حد فى القرن الواحد و العشرين .. الحاجات دى فات عليها قرون ..

ثم عاد إلى نفسه :

- ممكن تكون دى بلد معزولة أنت مسمعتش عنها .. 

و ده زيّهم الوطنى فعلاً ..

فصاح إلى نفسه :

- بلد أيه .. كل اللى مشيته فى السرداب 

حوالى كيلو أو اتنين بالكتير ..

- أكيد أنا انتقلت فى الزمن .. 

و الدليل إنهم بيتكلموا عربى و ميعرفوش مصر .. 

هو فيه منطقة بتتكلم عربى فى العالم كله إلا الوطن العربى ؟!!

ثم أمسك رأسه بيديه :

- أنا حاسس إنى مش قادر أفكر .. أنا كنت أذكى من كدة .. ثم نظر بعيداً :

- بس .. ده الدليل إنى انتقلت للماضى ..

قال ذلك حين وجد جماعة يحملون سيوفاً و دروعاً و كأنهم جنود .. و يسيرون فى صف واحد .. 

فوقف على قدميّه .. 

و اتجه مسرعاً إلى الفتى الذى كان يمرح مع أصدقائه .. 

و جذبه من يده :


- أنا عايز اسألك سؤال واحد .. إحنا فى سنة كام ؟


فأجابه الفتى متعجلاً :

- يبدو أنك تشرب الكثير من الخمر .. 

إننا فى نهاية العام التاسع بعد الألفين يا سيّدى ..


فعاد خالد بقدمه للخلف .. 

و دارت به رأسه حتى سقط و كأنه فقد وعيه .. 


فضحك الفتى و تحدّث إليه :

- نعم سيّدى , أرى أن النوم قد يفيدك , ثم تركه و مضى ..


فى صباح اليوم التالى فتح خالد عينيه 

على صوت ضوضاء شديدة .. 

فوجد نفسه مُلقى على جانب أحد الشوارع فنهض مسرعاً .. 

و حاول أن يصلح من هيئته , و أزال الغبار عن ملابسه .. 

ثم نظر أمامه و فرك شعره حين وجد ذلك الكم الهائل من الناس يسيرون بانتظام فى اتجاه معين .. 

و الجميع يرتدون ملابساً تبدو جديدة ..

الرجال يمسكون بأيدى النساء .. 

و الفتيان يمسكون بأيدى الفتيات , 

و اللاتى بدا عليهن الجمال الشديد .. 

يسيرون فى فرحة كبيرة .. 

و يضع كل منهم حول رقبته عقداً من الورد .. 

و تظلهم موسيقى لم يسمعها من قبل 

و لم يسمع فى جمالها .. 

يعزفها مجموعة من الأشخاص أصحاب زي مختلف , و يحملون طبولاً و وتريات و آلات نفخ لم ير مثلها , و لكنها تخرج صوتاً بديعاً .. 

و يسيرون وسط ذلك الحشد من الناس .. 

ثم وجد بعض الشباب يمتطون أحصنتهم .. 

و خلف كل شاب توجد فتاته تلف يدها اليسرى حول خصره , و اليمنى تمسك بها الورد و تلوح بها .. 


فابتسم خالد , و قال :

- أنا عرفت ليه الكل مستنى اليوم ده ..

ثم أعجبته تلك الحركات البهلوانية 

التى كان يقوم بها البعض .. 

حتى فوجئ بالعربة الثرية - التى كان قد تشبث بها هو و يامن حينما كان فى الصحراء - .. تسير وسط الحشد , و قد خرجت منها فتاة فى غاية الجمال , و ما إن خرجت حتى صاح البعض فرحاً و زاد سرورهم .. 

و بدأت تُلقى بالكثير من الورد .. 

و الكل يتهافت و يتسابق على أخذه .. 

ثم بدأت تقذف الورد لأعلى و ما إن يسقط 

حتى يرتطم الشباب بعضهم ببعض .. 

و تزداد بسمتها الرقيقة .. 

و خالد يشاهد ذلك فى سعادة كبيرة .. 

و ينظر مجدداً إلى تلك الفتاة و قد شعر براحة نفسة كبيرة .. حتى وجد إحدى الفتيات تقترب منه , و تسأله :


- لماذا تقف بمفردك ؟.. يمكننى أن اصطحبك اليوم مجاناً ..

فنظر إليها خالد .. ثم نظر إلى فتاة العربة مرة أخرى :

- لا شكراً ..

ثم نظر بعيداً .. 

فوجد يامن فأسرع إليه وسط الزحام و وصل إليه بصعوبة و سأله :

- يامن .. أنت فاكرنى ؟


فابتسم يامن :

- نعم .. أهلا بك يا صديق .. ثم نظر إلى زيّه :

- مبارك عليك الزى الجديد .. و سأله :

- كيف كان يومك الأول بزيكولا ؟


كانت الأصوات عالية من حولهما فاضطر خالد 

أن يرفع من صوته :

- يومى الأول ؟ .. 

مش فاهم لحد دلوقتى أيه اللى بيحصل لى ..


ضحك يامن :

- ربما لأننا فى أعياد زيكولا .. 

ما إن تنتهى الأعياد حتى تعود الحياة مرة أخرى إلى الطبيعة .. إنها أيام استثنائية ليست كباقى الأيام ..


فابتسم خالد :- ياريت ثم سأله:

- أمّال فين المزة بتاعتك ؟


فاندهش يامن : ماذا ؟!


فضحك خالد :- أقصد حبيبتك .. 

أنا شايف معظم الشباب معاهم بنات ..


فابتسم:- آه .. لا , إننى لم أرتبط حتى الآن ..

نظر خالد إلى الأمام و سأله :- هو إحنا رايحين فين ؟ 

ثم شعر أنه لم يفهمه فسأله مجدداً :

- إلى أين نحن ذاهبون ؟


فضحك يامن :

- إننا ذاهبون إلى أرض الاحتفال 

حيث سيلتقى هناك كل أهل زيكولا .. و سيُذبح شخصا ما ..


فقال خالد :

- آه , عرفت .. الفقير .. ثم صمت, 

و أكملا مسيرهما مع السائرين .. حتى سأله مجدداً :

- يامن .. هى مين دى ؟ 


و أشار إلى الفتاة التى ترمى بالورد من العربة ..

فأجابه:

- إنها أسيل .. طبيبة زيكولا ..


فهمس إلى نفسه :

- أسيل .. طبيبة ؟ 

ثم وجدها تقذف بوردة إلى أعلى و تسقط تجاهه .. 

و تصارع الشباب معه حتى قفز مستغلاً طوله , 

و أمسكها و نظر إليها مبتسماً 

فابتسمت له ابتسامة جعلته هائماً للحظات ..

الجميع يسيرون , و خالد يعجبه ذلك الاحتفال .. 

و الموسيقى الرائعة التى تحلق فى كل مكان, 

و رائحة الورد التى أنعشت صدره 

حتى تناسى أسئلته لنفسه عن أرض زيكولا .. 

و سار بجوار يامن و هو ينظر إلى العربة 

و إلى أسيل التى تبتسم كلما أمسك أحد بوردة قذفتها .. 

ثم ينظر نظرة مختلفة تماماً مقوساً حاجبيّه إلى الفتاة الأخرى التى رفض أن يسير معها .. 

و التى لم تُزح نظرها عنه طول الوقت , 

و ما إن تصطدم عيناه بها حتى تُخرج له لسانها غضباً .. 

فينظر مجدداً إلى أسيل , 

و يستنشق رحيق الوردة التى أمسكها و يبتسم .. 

و تابع سيره معهم حتى وصلوا إلى أرض واسعة .. 

و فوجئ بوجود كم هائل من الناس قد يتعدى الخمسين ألفاً .. فاندهش و سأل يامن :


- إيه الناس دى كلها ؟!


فرد يامن :- إنهم أهل زيكولا .. جاءوا من مناطقها الكثيرة .. إننا جئنا من منطقة واحدة , 

و باقى الناس جاءوا من المناطق الأخرى ..

ثم ابتسم فرحاً حين اقترب منه شاب آخر .. و احتضنه كثيراً ثم نظر إلى خالد :


- إنه صديق عمرى إياد .. و أشار إلى خالد محدّثاً صديقه :


- إنه خالد .. صديقى الجديد .. و تبدو عليه الشهامة , و سيكون صديقك بالطبع ..

صافح خالد إياد , و قال مبتسماً :


- أيوة .. هنكون أصدقاء لغاية ما أرحل قريباً ..


فضحك إياد بصوت عالٍ :

- ترحل ؟! ثم نظر إلى يامن :

- صديقك يريد أن يرحل !! .. 

ثم ضحك مجدداً فغضب خالد من سخريته .. و نظر إلى يامن :


- هو غريب إنى أرحل و لا أيه ؟


كاد يامن يجيبه و لكنه أشار إليه أن يصمت 

بعدما دقت الطبول كثيراً .. و صمت الجميع , 

و صمتت الموسيقى .. 

بعدها صعد رجل ضخم إلى منصة عالية و بيده سيف طويل .. فأدرك خالد أن الذبح سيتم .. 

و أن الفتى كان صادقاً معه حين أخبره بذلك 

ثم صعد رجلان أقوياء يجرّان رجلاً حليق الرأس 

يبدو عليه المرض رغم شبابه .. 

و الصمت يخيم على الجميع .. 

بعدها دقت الطبول مرة أخرى 

فنزل أهل المدينة كلهم على ركبهم عدا خالد .. 

فجذبه يامن حتى نزل هو الآخر على ركبتيه بجواره هو و إياد .. 

و نظر إلى المنصة حيث سقط الفقير هو الآخر على ركبيته , و يداه مقيدتان بالخلف .. 

و بعد لحظات وخزه السياف ظهره فشهق برأسه فأطاح برقبته .. و تناثرت دماؤه على المنصة .. 

فصاح أهل المدينة فرحاً .. و دقت الموسيقى مرة أخرى .. 

و بدأوا يرقصون و يمرحون .. 

و بدأت الألعاب البهلوانية مجدداً ..


أما خالد فسرت فى جسده رعشة مما رآه .. 

و انتفض قلبه بقوة , و تسارعت أنفاسه .. 

و هو ينظر إلى ذلك الجسد المنزوع الرأس .. 

و جسده يرتعد , إنه لم ير مثل ذلك من قبل .. 

يتحسس وجهه , و يسأل نفسه هل يحلم أم أنها حقيقة .. 

و يسأل نفسه مجدداً .. لماذا ذبحوا هذا الفقير ؟ .. 

إننا فى مجتمعنا نساعدهم .. 

إنهم قوم بلا قلب .. حتى صاح بيامن :


- يامن .. إحنا فى سنة كام ؟


فأجابه:- إننا فى نهاية العام التاسع بعد الألفين ..


فصاح :- 2009 .. إزاى ؟


فابتسم يامن كى يمتص غضبه :

- إنه الزمن يا صديقى .. هل بيدنا أن نغيره ؟!.. 


ثم صاح خالد بإياد فى عصبية :

- و إيه الغريب إنى أرحل و أسيب زيكولا ؟!


فأجابه إياد :

- يا صديق .. إن باب زيكولا قد أُغلق فجر اليوم .. 

إنه لا يُفتح إلا قبل يوم زيكولا بيوم واحد .. 

ثم يغلق مجدداً حتى يوم زيكولا فى العام الذى يليه .. 

ولا يستطيع أحد مغادرة زيكولا حتى ذلك اليوم ..

و أكمل يامن إلى خالد :

- إنه اليوم الذى دخلت فيه إلى زيكولا .. و سأله متعجباً :

- لماذا تريد أن ترحل و أنت لست فقيراً ؟


فجنّ جنونه .. و فاض به :

- مين اللى قالك إنى مش فقير ؟! .. 

لأ , أنا فقير .. أنا ممتلكش أى حاجة ..


فاندهش إياد :- كيف هذا ؟! .. ألا تشعر بنفسك ؟

فأجابه غاضباً :- أشعر بأيه ؟! .. 

دى حتى الفلوس اللى كانت معايا , 

و حمدت ربنا إنها كانت معايا بالصدفة قلتوا عليها ورق و ملهاش أى قيمة ..


فابتسم يامن :- و لماذا تحتاجها يا صديقى ؟


رد خالد :- دى فلوس .. يعنى اشترى بيها اللى أنا محتاجه ..


فسأله يامن :

- تقصد العملة ؟!


خالد :- أيوة ..


فصمت يامن ثم تحدّث مجدداً :

- آه .. الآن عرفت لماذا زاد ارتباكك إلى هذا الحد 

حين وجدت ذلك الفقير يذبح .. 

إنك خفت أن تكون فقيراً و تذبح مثله .. ثم نظر إليه :

- يا صديقى إن عملتنا مختلفة تماماً .. 

إن عملة أرض زيكولا هى وحدات الذكاء .. 

و من يكون ذكياً هو الغنى .. 

أما الفقير فهو الأقل ذكاءً .. 

هنا نعمل و نأخذ أجرنا ذكاء .. 

و نبتاع و ندفع من ذكاءنا .. 

و نأكل مقابل وحدات أخرى من الذكاء .. 

ثم صمت برهة و أكمل :

- لا أعلم من أين جئت .. 

و لكننا وُلدنا فوجدنا أنفسنا هكذا .. 

علينا أن نحافظ على ذكائنا .. 

و أنت منذ دخولك إلى أرض زيكولا أصبحت مثلنا .. 

و عليك أن تحافظ على ذكائك , و أن تنمّيه .. 

كى لا يأتى يوم زيكولا و قد قلّ ذكاؤك فيكون هذا مصيرك .. و أشار إلى جثة الذبيح .. 


فنظر إليه خالد .. و كأنه لا يفهم شيئاً :

- يامن .. أنا كنت بقول عليك عاقل ..


رد يامن :- أعلم أنك تظننا بُلهاء .. 

و لكننا - أهل زيكولا - نختلف عن باقى بقاع الدنيا .. 

و الكل يعلم هذا .. 

و يخشون أن يدخلوا إلينا حتى لا تسرى رعشة زيكولا بجسدهم و يصبحون مثلنا ..

فتذكر خالد تلك الرعشة .. 

و ذلك الألم الشديد الذى حلّ برأسه حين مرّ من باب زيكولا .. و أكمل يامن :


- عليك أن تصدقنا .. 

و أن تحافظ على ذكائك لأن اعتقادك بأننا بلهاء لن يفيدك بشئ .. أنت لن تستطيع أن تغادر زيكولا مهما حدث .. 

و إن جاء يوم زيكولا و كنت الأقل ذكاءً 

فسيحدث لك مثلما أخبرتك .. و تابع :

- إنه عام .. ستحتاج إلى طعام , و إلى شراب , 

و إلى ملبس و مسكن .. 

و هنا فى زيكولا لا يعطى أحد شيئاً بالمجان .. 

سوى يوم زيكولا فقط .. اليوم .. 

يكون يوماً بلا عمل .. 

و قد تكون هناك أشياء قليلة للغاية دون مقابل ..

- عليك أن تعمل و تأخذ أجرك من الذكاء 

تعوّض ما تفقده لسد احتياجاتك.. 

صديقى , هنا فى زيكولا ثروتك هى ذكاؤك ...


الحلقة السابعة من رواية ( ارض زيكولا )


فانطبعت الدهشة على وجه خالد , 

و تسرب إليه قلقه حين شعر أن ذكاءه قد قلّ بالفعل منذ دخوله تلك المدينة , 

و أن قدرته على التفكير قد قلّت قليلاً ..و لا يعرف السبب .. 


و لكن ما يقوله يامن لا يصدقه عاقل حتى تذكر شيئاً .. 


فتحدّث إلى يامن :

- كلامك مش صحيح .. 

أنا أكلت و شربت و اشتريت هدومى من غير مقابل ..


فابتسم يامن :

- صديقى .. هل لاحظت وجود الأسعار بالوحدات 

فى تلك الأماكن ؟ ..

فتذكر تلك الوحدات التى سأل نفسه عنها من قبل :

- أيوة


فأكمل يامن :

- وحدات الذكاء لا تُدفع باليد .. إنها تنتقل تلقائياً بيننا .. 

و طالما رأيت تلك الوحدات .. أقصد الأسعار , 

و تواجدت فى تلك الأماكن .. 

هذا يعنى أنك موافق على الشراء و على الأسعار التى رأيتها .. و ينتقل منك ثمن ما أكلته أو اشتريته إلى صاحب هذا المكان دون إرادتك .. 

الغرباء يسمونها لعنة زيكولا .. 


فقاطعه خالد هائماً :

- أنا أكلت كتير .. و الزى ده كان مكتوب عليه أكبر وحدات .. و صاحبه قال إنه أغلى زىّ عنده .. و شكرنى لأننى غنى ..


رد يامن :- بالفعل يا صديقى .. لقد لاحظت اليوم اختلافك قليلاً عن المرة الأولى التى رأيتك بها ..

ثم نظر إلى إياد :

- يبدو أن صديقنا قد فقد جزءً ليس بالقليل من ثروته ...


تساءل خالد فى لهفة :

- و أنت عرفت ازاى ؟


فابتسم يامن :- إن وجهك أصبح شاحباً بعض الشئ يا صديقى .. و أكمل :

- كلما قلّ ذكاؤك زاد شحوب وجهك و بدا عليك المرض .. 

هكذا نعرف من هو الغنى و من هو الفقير .. 

كلما تكسب ثروة تكون طبيعى بل يزداد شبابك .. 

أما حين تخسر فستجد المرض يتسرب إلى جسدك .. 

و هكذا حتى يقترب يوم زيكولا فيقوم الجنود بجمع الأكثر مرضاً بالمدينة .. و يُعرضون على الطبيبة أسيل .. 

و هى من تحدد المريض حقاً و المريض بالفقر .. 

ثم تختار الثلاثة الأشد فقراً ..


فقاطعه خالد :

- لا , دى بلد مجانين .. ثم تركهما و جرى مسرعاً .. 

و قلبه يدق خوفاً , يخشى أن يكون ما قالاه واقعياً .. 

و أكمل جريه وسط الزحام - 

و أهل المدينة يرقصون و يمرحون , 

و بلغت الموسيقى ذروتها - 

يتحرك بصعوبة بينهم , 

و يحاول أن يخرج من هذا الزحام .. 

و يصطدم بالفتيان و الفتيات دون أن يعتذر .. 

ما يشغل باله أن يخرج إلى باب زيكولا .. 

و واصل جريه بعيداً عن أرض الاحتفال .. و يحدّث نفسه :

- مش معقول يكون ده صحيح .. مش معقول ..

و تعدو قدماه مسرعتين .. حتى اقترب من باب زيكولا , 

و قد ظهر العرق الغزير على جبينه .. 


فوجده قد أُغلق بالفعل و تواجد أمامه الكثير من الحرّاس .. فاقترب خالد من أحدهم ,كان ضخم الجثة .. و قال :

- أنا عايز أخرج ..


فضحك الحارس ساخراً :

- تخرج ؟!!


فصاح خالد : أيوة .. أخرج


فضحك الحارس مجدداً .. ثم نظر إلى حارس آخر , و حدّثه :

- إننا نترك احتفالات زيكولا و نقف هنا حتى يأتى السكارى .. و يعبثون معنا ..


فصاح خالد :

- أنا مش سكران .. أنا هخرج .. و دفع الحارس بيده .. فظهر الغضب على وجهه ثم لكم خالد لكمة قوية أعادته خطوات للخلف و سقط على الأرض و سالت دماؤه من حاجبه الأيسر .. فنهض على الفور , و عاد و وقف مرة أخرى أمام الحارس .. 

و لكنه نظر إلى درعه الذى يحمله و كان لامعاً كالمرآة .. 

و أمعن النظر به إلى صورته المنعكسة .. 

فاتسعت عيناه خوفاً , و تسارعت أنفاسه و خفق قلبه بقوة حين رأى وجهه شاحباً .. حتى قاطع تفكيره صوت الحارس الغليظ :


- عد إلى حيث كنت و إلا سيكون السجن مصيرك ..

فنظر إليه خالد خائب الأمل , واضعاً يده على حاجبه .. 

يريد أن يوقف دماءه .. 

و أدرك أن هذا الباب لن يُفتح كما أخبره إياد .. 

و أن حديث يامن إليه ما هو إلا الحقيقة التى خشيها ..


بعدها عاد إلى شوارع المدينة .. يسير هائماً , 

يفكر كيف سيعيش عاماً فى تلك البلد الملعونة .. 

و يسأل نفسه ؛ عام ؟! .. 


إنه لم يستطع أن يعيش يوماً واحداً .. و عاد بتفكيره ؛  ماذا لو مرّ العام و كان أفقر من بالمدينة ؟ .. 

ماذا لو كان الأغبى ؟ , و علا صوته و سأل نفسه :

- و جدّى ؟! هيقدر يعيش سنة من غيرى ؟ .. 

أنا كنت بقول يومين أو تلاتة و أرجع له ..

- سنة ؟!! هعيش هنا سنة ؟!


و ظل هائماً هكذا حتى أفاق حين صدمه حصانٌ , 

كان الحصان الذى يجر العربة الثرية - عربة أسيل - 

فصاح به سائقها يعنفه .. و توقفت العربة , 

و نزلت منها أسيل على الفور لتطمئن عليه .. 

و لكنه غادر شارداً .. و رغم نداءها إليه كثيراً 

فقد أكمل مسيره دون أن يلتفت .. فعادت إلى عربتها, و حدّثت نفسها :


- لو كان شخصاً آخر .. لطلب تعويضاً على ذلك .. 

ثم أمرت السائق أن يتحرك من جديد ..


مرت ساعات و خالد مازال يسير بالمدينة .. 

و لم يتوقف عقله عن التفكير .. 

حتى وجد نفسه يقترب من بحيرة واسعة .. 

فأسرع إليها و حين تذوق ماءها وجده عذباً .. 

فشرب منها كثيراً .. ثم أسند ظهره على شجرة بجوارها .. 


و ضحك حين جال بخاطره أن يأتى والد منى 

إلى تلك المدينة .. و أقسم أنه سيذبح على الفور .. 

حتى منى لو جاءت ستُذبح هى الأخرى .. 

يتذكر أصدقاءه و أنهم لا يمتلكون من الذكاء شيئاً بل سيذبحون كلهم .. ثم ضحك و حدّث نفسه ساخراً :


- عايز آكل مقابل وحدتين ذكاء ..

ثم ضحك مجدداً حين تذكر أحد أصدقائه .. 

و كان سميناً للغاية و يأكل كثيراً .. 

و أنه لو كان بزيكولا لفقد ثروته كلّها مقابل أن يأكل .. 

ثم تحدث إلى نفسه :


- بتضحك يا خالد .. فعلا مصرى ابن مصرى .. 

نضحك فى أشد أوقات الكرب .. ثم سأل نفسه :

- هتعمل إيه يا خالد ؟


فأجاب نفسه .. و كأنه شخص آخر :

- هعيش زى الناس هنا .. أنت قدامك حل تانى ؟ 

فردّ كأنه الشخص الأول :


- لا ..

فابتسم .. و جعل صوته غليظاً :

- يبقى تكيّف مع الوضع .. و أهلا بك فى زيكولا ..

بعدها نظر إلى السماء التى خيّم عليها الليل فوجد ألعاباً نارية غريبة عما يعرفها تزينها , فابتسم :


- يوم زيكولا .. ثم أكمل بعدما صمت برهةً:

- كلها ساعات و ينتهى .. و أشوف زيكولا على طبيعتها ..


ثم نظر إلى البحيرة و إلى شاطئها فلم يجد أحداً غيره .. فوجدها فرصة أن يستحم .. و ما إن تجرد من ثيابه .. 

و كاد يكون عارياً تماماً حتى شعر بحركة غريبة .. 

و سمع همساً و بعض الضحكات فالتفت 

فوجد فتاتين تنظران إليه .. 

فارتدى ملابسه على الفور , 

ثم أسرع عائداً إلى الشجرة مرة أخرى 

و أسند إليها ظهره من جديد .. و حدّث نفسه مازحاً :


- لا .. أنا بقول أنام أحسن ..


مرّ الليل , و أشرقت الشمس .. 

و خالد نائم بجوار شجرة شاطئ البحيرة .. 

حتى انتفض حين سمع صرخات .. 

و حين نظر بعيداً وجد امرأة تصرخ بأن ابنها يغرق فى البحيرة .. فأسرع إلى الماء بملابسه .. 

يريد أن يصل إلى ذلك الفتى , و الذى كان بعيدا ًبعض الشئ .. و لم يتخيل أن تكون البحيرة عميقة هكذا .. 

حتى اقترب منه فجذبه تجاهه , 

و عاد به مرة أخرى إلى الشاطئ .. - و قد فقد الفتى وعيه , و لم تتوقف أمه عن الصراخ -.. 

فأرقده على ظهره .. و بدأ يضغط بيده على صدره .. 

يريد أن ينعش قلبه .. 

يضغط بعض الضغطات المتتالية ثم يضع فمه على فم الفتى و يملأ صدره بالهواء .. 

ثم يعود ليضغط بعض الضغطات مرة أخرى .. 


و اجتمع الناس من حوله , و بينهم أسيل التى أسرعت إلى الفتى و طلبت من خالد أن يبتعد عنه لكنه لم ينظر إليها و لم يرفع نظره عن الفتى .. 

و أكمل ضغطه على صدره و إعطاءه من أنفاسه .. 

حتى شهق الفتى .. 

و شعر خالد بنبضاته حين وضع أصبعيه على رقبته .. 

فحمد الله ثم نظر إلى أمه قائلاً :


- الحمد لله .. هو بخير .. 

فنظرت إليه الأم باكية , و احتضنت ابنها :

- شكرا لك .. ثم سألته :


- كم تريد مقابل هذا ؟

فأجابها :


- أنا مش عايز حاجة .. أى حد مكانى كان هيعمل كدة .. 

خدى بالك منه بعد كدة .. , 

والناس ينظرون إليه فى غرابة .. 


حتى سألته أسيل :

- كيف فعلت هذا ؟! .. و لماذا لم تتركنى أساعدك ؟!

فرفع خالد رأسه .. 

و نظر إليها للمرة الأولى بعدما لم يفارق نظره الفتى حين كان ينقذه , و فوجئ بأنها صاحبة الصوت الذى طلب منه أن يتركه .. فشعر بقلبه يخفق سريعاً حين وجدها قريبة منه إلى هذا الحد .. لا تفصلهما سوى أقل من خطوة .. 


و حدّث نفسه فى سره ؛ 

أنها جميلة جمال لا حدود له , 

و نظر إلى شعرها الأسود الطويل , 

و عينيها الضيّقتين و رموشهما السمراء الطويلة .. 

و تذكر ضحكتها حين كانت ترمى الورد , 

و تضيق عيناها كلما ضحكت فتزيد جمالها جمالاً , 

و لاسيّما مع شفتيها الرقيقتين .. حتى نطق هامساً :


- أسيل !! ..

ففوجئت هى الأخرى بأنه من تجاهلها , 

و مضى حين اصطدم حصان عربتها به .. فسألته :


- كيف فعلت هذا ؟


فضحك :

- أول مرة أحس إنى اتعلمت حاجة مفيدة .. 

دى دورة اسعافات أولية كنت اتعلمتها فى القاهرة .. 

ثم أسرع , و أخرج وردة من ملابسه المبتلة .. 

و التى قد التقطها فى اليوم السابق .. 

و نظر إليها مبتسماً :

- دى وردتك .. أنا محتفظ بيها ..


فتجاهلت حديثه عن الوردة .. و سألته :

- لماذا لهجتك غريبة .. ثم أكملت :

- و أين القاهرة تلك ؟


فابتسم :

- دى قصة غريبة جداً .. و أكيد مش هتعرفى القاهرة .. 

أنا مش من زيكولا .. ثم أراد أن يتحدث إليها بلهجتها فأكمل :


- لست من زيكولا .. و قد دخلت إلى زيكولا أول أمس .. 

و لم أكن أعرف أن بابها سيُغلق ..

فصمتت أسيل كأنها تتذكر شيئاً ما .. 

ثم نظرت إليه , و قالت :


- مثلى تماماً ..


الحلقة الثامنة من رواية ( ارض زيكولا )


رد خالد فى لهفة :

- مثلك ؟!!


ردّت أسيل :- نعم مثلى .. أنا أيضاً لم أكن من أهل زيكولا 

ثم نظرت إلى حاجبه الذى لم يلئم جرحه :


- أنا آسفة ..


فسألها :- على أيه ؟


أجابته :- أرى أن اصطدام حصان عربتى بك قد أصاب حاجبك ..


فابتسم :- أى حصان ؟

- حصانى بالأمس ..


فتذكر خالد:- لا .. لا .. مش الحصان .. 

أنا المفروض اللى اعتذر ليكى لإنى امبارح 

مكنتش فى حالتى الطبيعية 

بعد ما شفت الفقير اللى دبحتوه .. 

بس أرجوكى كمّلى حكايتك , و ازاى أنتى مش من زيكولا ..


انصرف الناس , و حملت الأم ولدها و انصرفت .. 

و جلست أسيل بجوار خالد على شاطئ البحيرة 

و بدأت تتحدث :


- كانت هناك حروب كثيرة منذ سنوات طويلة بين زيكولا 

و البلاد الأخرى .. و من بينهم بلدى ( بيجانا ) .. 

فكان جيش زيكولا يخرج يوم زيكولا , 

و لا يعود إلا يوم زيكولا الذى يليه .. 

حتى جاء يوم منذ أربعة عشر عاماً .. 

و استطاعت زيكولا أن تهلك بلدتى .. 

و أخذت الكثير منا عبيداً لهم .. و قد كنت منهم .. 

كنت ابنة عشرة أعوام وقتها ..


فقاطعها خالد :

- عبيد ؟!


أجابته :- نعم .. كان الرق يتواجد فى زيكولا حتى أعوام قليلة .. و لكنه لم يعد متواجداً الآن ..

و أكملت :- دخلنا إلى زيكولا .. 

و بالطبع كما حدث لك حين دخلت إلى هنا , 

أصابتنا لعنة زيكولا .. و أصبحنا مثلهم .. 

تعاملنا بوحدات الذكاء , و الأفقر يُذبح .. 

و لكنى كنت أوفر حظاً من غيرى .. 

فقد اشترانى رجل حكيم كان ذا قلب رحيم .. 

و كان يدرس الطب و الحكمة .. 

و أعطانى الكثير من علمه 

ثم أعطانى حريتى قبل أن يموت .. 

و أعطانى ما هو أهم .. 

أعطانى كتبه عن الطب و الحياة .. 

فتعلمت منها الكثير , و أصبحت طبيبة زيكولا .. 

و عاملتهم بطريقتهم أداويهم مقابل جزء من ذكائهم .. 

و هنا يمرضون كثيراً , و أنا أجنى الكثير .. 

فأصبحت من أثرياء زيكولا , و أنا ابنة الأربعة و العشرين ..


فقاطعها خالد مجدداً :

- و مفكرتيش تخرجى من زيكولا .. و ترجعى لبلدك ؟


فابتسمت و أكملت :

- كنت فى البداية انتظر اليوم الذى أعود فيه إلى بلدى .. 

و لكن بعد أربعة عشر عاماً أصبحت زيكولا حياتى .. 

أحببت الحياة هنا .. 

قد أذهب أحياناً إلى بلدى القديمة يوم يُفتح باب زيكولا .. 

و لكنى لا ألبث أن أعود سريعاً قبل أن يُغلق الباب مجدداً ..


فسألها :

- لأنك غنية ؟


أجابت :- ربما يكون هذا سبباً .. 

و لكن سببى الأكبر هو حبى لقوة زيكولا ..

و أردفت :

- رغم ما بها من مساوئ تظل هى الأقوى بين البلدان .. 

لا تستطيع أى بلد أخرى الاقتراب منها .. 

ستعرف مع وجودك هنا ما الذى يعطيها تلك القوة .. 

و اعتقد أنك ستحبها مثلما أحببتها ..


فصمت خالد قليلاً مفكّراً فى حديثها .. ثم سألها :

- زيكولا .. و بلدك اسمها بيجانا .. إحنا فين من العالم ؟

و لكنه لم يلبث أن يسأل سؤاله حتى جاءت فتاة مسرعة إلى أسيل تخبرها بأن هناك مريضاً فى حاجة إليها .. 

و لابد أن تسرع .. فنظرت إلى خالد :


- أننى أريد أن أعرف قصتك أيضاً .. أين أجدك لاحقاً ؟


فضحك :

- هنا .. هنا مسكنى .. بجوار شجرة البحيرة ..


- حسنا , أتمنى أن نكمل حديثنا قريباً .. و ابتسمت :

- هنا .. بجوار البحيرة ..

و غادرت , و تعجب خالد من حديثها , و حدّث نفسه :


- يمكن تكون زيكولا مدينة غريبة .. 

لكن واضح أنه عالم غريب بالكامل زيكولا جزء منه .. 

فين بيجانا دى هى التانية .. و ازاى بيتعاملوا فيها .. 

ثم ابتسم :


- كدة بقى فيه اللى ظروفه زى ظروفى , 

و مين ؟ .. دى أسيل .. 

ممكن أكون من الأغنياء هنا ؟ .. 

ممكن أكون زيّها ؟ .. ثم أفاق :

- لا .. أنا مش عايز أبقى أغنى الأغنياء .. 

أنا عايز أمشى من البلد دى .. و لكن هروح فين ؟ .. 

و ازاى هرجع بلدى مرة تانية حتى لو خرجت من زيكولا ؟

- المهم إنى أمشى من زيكولا الأول , 

وبعدها أفكّر ازاى أرجع بلدى , 

و لكن علشان أمشى لازم أفضل عايش 

ثم نهض مجدداً و قد جفت ملابسه , 

محدثاً نفسه ؛ لازم ألاقى شغل ..


اتجه خالد إلى شوارع المدينة و عزم على أن يجد عملاً يساعده أجره على بقائه حيّاً فى تلك المدينة .. 

و لكنه ما إن يذهب إلى أحد ليسأله عن عملٍ 

حتى يرفض طلبه .. فيذهب لآخر فيرفض هو الآخر .. 

و ظل يبحث و يبحث حتى تعبت قدماه .. 

و جلس على جانب أحد الشوارع .. 


ففوجئ بيامن يقترب منه , و يصافحه :

- أين أنت يا صديقى ..


فابتسم :- أهلا يامن .. 

يامن , أنا عايز اشتغل .. 

و حاولت ألاقى شغل بس الكل رفض يشغلنى ..

فسأله :- أين بحثت عن العمل ؟


فأجابه :- فى المنطقة دى .. المطاعم و محلات البيع ..


يامن :- إنك أخطأت فى بحثك .. 

هنا يريدون أن يوفروا مكسباً كبيراً , 

و عملك معهم سيفقدهم جزءًا من مكسبهم .. 

ستعرف كل شئ عن حياة زيكولا مع مرور الأيام .. 

ثم تابع :

- إن المدينة مليئة بأماكن العمل .. هل تريد أن تعمل معي ؟


فأجابه :- أيوة ..

فسأله :- دون أن تعرف ماذا أعمل ؟


فاندهش خالد , و سأله :

- هو عمل مش كويس ولا أيه ؟


فأسرع مجيباً :- لا لا .. إنه عمل مشرّف .. إننا نعمل بجد .. عملنا يحتاج إلى الأقوياء مثلك .. قد يكون أجره قليل 

و لكنه يكفى لاحتياجاتنا ..


خالد :- و فين العمل ده ؟

فابتسم يامن :- حسناً .. تعال معى ..


انطلق خالد مع يامن , 

و سارا إلى أطراف المدينة حيث منطقة جبلية .. 

حتى فوجئ خالد بعدد هائل من الفتيان و الفتيات 

يعملون كأسراب النمل .. 

و اندهش من ذلك الكم الهائل .. و سأل يامن :


- كل الناس دى بتشتغل ؟


يامن :- نعم يا صديقى .. 

و هناك الآلاف يعملون فى مناطق أخرى .. 

إن الصناعة هنا مربحة ..

ثم أشار إلى مكان ما :

- هنا نقطّع الأحجار من الجبال ثم نصنع منه طوباً 

متماثلاً يصلح لبناء المساكن .. 

و كل هؤلاء الناس يعملون , و يأخذون أجرهم يوماً بيوم .. 

و أنت و أنا سنكون بينهم .. 

أجرنا سبع وحدات ذكاء باليوم , هل يناسبك ؟


فابتسم خالد ثم تابع يامن :

- هيا .. عليك أن تثبت أنك جدير بالعمل ..


بدأ خالد عمله مع يامن و الآخرين .. 

يقطّعون الصخور و الأحجار بآلاتٍ يدوية .. 

و ربما كان عملاً يحتاج إلى قوة بدنية 

و لكن هذا ماكان يمتلكه خالد تماماً .. 

و بدأ يعمل , يرفع الفأس بيديه و يهوى بها على الصخور .. 

و ما إن تحطمت صخرته الأولى 

حتى نظر إلى يامن : لقد بدأنا العمل بالفعل .. 

و حدّث نفسه ساخراً ؛ بكالوريوس تجارة إلى مخزن أدوية 

إلى تقطيع حجارة .. 

و تابع عمله و الجميع ينظر إليه فى إعجاب , 

و خاصة بعدما طلب من يامن أن ينافسه .. 

من يقطّع الحجارة أسرع .. 

و تخلص من قميصه و ربطه حول خصره .. 

و غطى العرق جسده فجعله لامعاً مبرزاً عضلاته ..

الجميع يعملون , و يامن و خالد يتنافسان و يسرعان .. 

و الكل ينظر إليهما و إلى ما يبذلاه من جهدٍ , 

و قد أثارا حماس الباقيين .. حتى أخذا قسطاً من الراحة .. 

و زادت دهشة خالد حين نظر إلى الناس مجدداً .. 

و إلى الفتيات اللاتى تعملن بقوة .. 

و يحملن الأحجار إلى العربات .. و سأل يامن :


- ازاى البنات بتشتغل الشغل الصعب ده ؟


فأجابه : لا توجد فتاة بالمدينة لا تعمل .. 

إن قانون زيكولا لا يسرى على الأطفال فقط .. 

و لكن ما إن تجاوز الشاب أو الفتاة السابعة عشر 

أصبحوا خاضعين لقانون زيكولا .. 

و علي الشاب أن يعمل من أجل ثروته .. 

و على الفتاة أن تعمل من أجل ثروتها ..

ثم أردف :

- هنا لا أحد يعطى غيره من ذكائه دون مقابل .. 

حتى إن تزوجت , فلن يعطيها زوجها ما يُنجيها .. 

إما أن تعمل و إما أن تموت .. 

أو تجد حلاً آخر .. هو أن ترث ..


رد خالد مندهشاً :- ترث !!


يامن :- نعم .. هنا الميراث يقسم على الأبناء بالتساوى ..


ابتسم خالد :- الميراث ذكاء ؟


يامن :- و هل توجد ثروة أخرى يا صديقى ؟! .. 

حين يموت أحد تنتقل ثروته تلقائياً إلى ورثته .. 

هيا تابع عملك ..

فابتسم خالد :- حسناً ..


مرت ساعات , و خالد يعمل و معه يامن 

حتى بدأت الشمس فى المغيب .. 

فتوقّف الجميع عن العمل , 

و ظهر الإنهاك على خالد فضحك يامن :

- هل تعبت ؟


فابتسم :

- أكيد .. أنا مش متعود على مجهود بدنى بالطريقة دى ..


فضحك يامن :

- ستعتاد .. علينا أن نغادر ..


خالد :- و أجرنا ؟

رد يامن :- ما إن نغادر مكان العمل حتى يصلنا أجرنا 

دون أن نشعر .. طالما عملت سيصلك أجرك ..


ابتسم خالد :

- زيكولا ..

فسأله يامن :- أين ستذهب ؟ .. هل نجتمع بالمساء ؟


فتذكر خالد أسيل :

- لا .. أنا هشترى طعام .. و بعدين أروح البحيرة مكانى ..

يامن :- حسناً ..


دخل الليل , و اتجه خالد كى يحصل على طعامٍ .. 

و ما إن جلس بأحد المطاعم ليأكل 

حتى وجد جميع من هناك لا يأكلون سوى الخبز .. 

و أتى رجل المطعم , و سأله :


- ماذا تريد أن تأكل أيها الغنى ؟


فابتسم و طلب منه أن يخبره بأسعار الطعام .. فرد الرجل :


- هنا الخبز مقابل وحدة واحدة .. 

و الأرز مقابل ثلاث وحدات .. 

و الدجاج خمسة وحدات .. 

و اللحم ثمانى وحدات ..

فعلم خالد لماذا يأكل الجميع الخبز .. 

و طلب دجاجاً و خبزاً .. 

و أكل حتى شبع ثم اتجه مسرعاً إلى البحيرة .. 

و جلس بجوار الشجرة التى يجلس بجوارها دائماً ..


ظل خالد جالساً بجوار البحيرة .. 

و يسأل نفسه هل ستأتى أسيل كما أخبرته 

أم تأخّر الوقت فلن تأتى .. 

و إن لم تأتِ كيف سيقابلها مجدداً 

و عمله ينتهى مع انتهاء النهار .. 

و يحدّث نفسه .. لماذا تريدها أن تأتى يا خالد .. 

فيجيب .. أريد أن أخبرها بقصّتى , و قد تساعدنى .. 

إنها تبدو أكثر ذكاءً و ثقافة من الآخرين .. 

ثم سأل نفسه .. ألا يوجد سبب آخر ؟ .. 

فأجاب بعد صمت .. لا لا .. ثم ضحك .. ربما .. 

حتى بدأت آلام جسده تشتد من ذلك المجهود الذى بذله .. 

و ظل فى انتظار أسيل حتى مرّ الوقت , 

و غلبه النعاس دون أن تأتى ..


فى صباح اليوم التالى , أسرع خالد إلى عمله الجديد .. 

و لكنه فوجئ بثلاثة أشخاص يعترضون طريقه , 

و يوقفونه و أخرج أحدهم سكيناً .. ثم سأله :


- أين نصيبنا من عملك ؟


فسأله خالد فى غرابة :

- نصيبكم ؟!!


رد أحدهم :- نعم .. لنا منك (وحدتان ذكاء) كل يوم .. 

هل تقبل أم لا ؟


فقال غاضباً :- مقابل أيه ؟


رد :- أننا نحميك ..


خالد :- لا .. لا أقبل ..

فقام أحدهم بلكمه ثم انهالوا عليه ضرباً 

حتى أسرع يامن الذى كان يمر بالقرب منهم :

- لماذا تضربونه ؟


رد أحدهم :- إنه لا يريد أن يدفع لنا نصيبنا ..

فقال يامن و هو يحاول أن يخلّص خالد من أيديهم :

- سيدفع .. سيدفع ..


ثم نظر إلى خالد الذى سالت الدماء من شفتيه :

- ادفع لهم وحدتين ..

فنظر إليهم خالد :

- حسنا أقبل ..


فرد أضخمهم :- حسناً .. ثم انصرفوا

فنظر خالد إلى يامن :


- مين دول ؟

فأجابه :- إنهم لا يعملون .. 

و يجبروننا أن ندفع لهم و إلا تعرّضوا لنا بالأذى ..


خالد :- بلطجية يعنى .. و عايزين إتاوة ..


يامن :- أخى , إننا نحيا فى زيكولا هكذا .. 

و قد تعوّدنا على ذلك ..


خالد منفعلاً :- تدفع من ذكائك مقابل حمايتك .. 

و فين الشرطة ..


رد يامن :

- إنهم ليسوا مذنبين .. 

و قانون زيكولا لا يعاقبهم .. 

إنهم يريدون أن يبقوا أحياء .. 

و هذا لا يتعارض مع قوانيننا .. 

عليك أن تدفع وحدتين كل يوم , و أن ترضى بذلك ..


فصاح به :

- ازاى أكون باخد سبع وحدات فى اليوم , 

و أدفع وحدتين مقابل حمايتى , 

و آكل منين , و يتبقى لى إيه ..


يامن :- عليك أن تبذل جهداً أكبر لتوفر أكبر قدر من أجرك .. ربما يساعدك مخزونك الكبير قبل أن تأتى إلى هنا 

و الذى قد يصل إلى الألف وحدة .. 

و لكن نصيحتى إليك .. 

إياك أن تقترب مجدداً من مخزونك من الذكاء .. 

إنه كفيل بأن يبعدك عن الفقر ..


فهمس خالد :- اتمنى ..


فابتسم يامن :- حسناً .. هيا إلى العمل .. 

ما رأيك فى منافسة كبيرة اليوم ..


مرت الأيام .. 

و خالد يعمل مع يامن فى صناعة الطوب من الأحجار .. 

و يمر يوم بعد يوم , و خالد ينهض من نومه , 

و يتجه إلى عمله , و يدفع الوحدتين مقابل حمايته .. 

ثم يذهب إلى عمله فيحطم الصخور بفأسه .. 

و أصبح شعره الناعم طويلاً بعض الشئ , 

كما غطت لحيته الناعمة وشاربه وجهه , و كبرت عضلاته .. 

و أصبح الكثير من أهل المدينة يلقّبونه بالغريب القوى ..


يسير فى شوارع المدينة .. و يضحك مع هذا و ذاك .. 

ثم يأكل الدجاج و الخبز كعادته .. 

و يعود إلى البحيرة مرة أخرى 

فيلقى بنفسه فى مائها كى يريح جسده من عناء العمل .. 

و يظل ينتظر أسيل كل يوم .. و يرفض أن يقابل يامن ليلاً .. 

و يحدّث نفسه ؛ ربما ستأتى اليوم .. 

و تمر الأيام دون أن تأتى .. 

حتى أدرك أنها قد نست وعدها له بأن يكملا حديثهما 

بعدما لم يرها منذ حديثهما السابق و الوحيد .. 

و يظل ساهراً على شاطئ البحيرة 

حتى يغلبه النعاس فينام .. 

ثم يأتى صباح اليوم التالى .. 

و يكرر ما فعله فى يومه السابق .. 

و عادت إليه نضارة وجهه , 

و اختفى شحوبه بعدما شعر أنه عوّض ما فقده من ثروته 

حين دخل زيكولا أول يوم .. 

حتى جاء يوم ووجد يامن , فحدّثه :


- يامن .. أنا محتاج أقلام و ورق ..


رد يامن فى دهشة :- لماذا ؟!


فأجابه :- يعنى .. فيه حاجات عايز أسجلها عن زيكولا .. استغل فترة وجودى هنا بعد ما فات شهر ..


يامن :- حسناً .. أعرف مكاناً يمكنك أن تذهب إليه , 

و تجد أقلام و أوراق زيكولا المميزة ..

ثم تابع مفتخراً :- بالطبع لا توجد صناعة أفضل من صناعة زيكولا .. و أكمل :

- إنه مكان يباع به الكتب .. و اعتقد أنك ستجد مرادك هناك ..


أراد خالد أن يسجّل لحظاته التى يعيشها فى زيكولا .. 

لعله يخرج منها ذات يوم , 

و تكون تلك الأوراق التى يكتبها ذكرىً لأيامه بها .. 

أو يصنع منها كتاباً يقرأه الكثيرون غيره .. 

و كان هناك سبب آخر .. 

فقد جال بخاطره أن تأتى أسيل ذات نهار إلى البحيرة فلا تجده .. فقرر أن يكتب ورقة و يتركها بجوار شجرته .. 

و يخبرها بأنه فى عمله , و أنه ينتظرها كل مساء .. 

و ربما كان هذا السبب الذى أشعل حاجته 

إلى الأقلام و الأوراق .. 

حتى وصل إلى المكان الذى وصفه يامن .. 

و طرق بابه الخشبى , و دخل .. 

فوجد حجرة كبيرة مليئة بالكتب .. 

و يجلس بها رجل عجوز وحيداً .. 


فاندهش خالد من هذا الكم الهائل من الكتب المتراصة , حتى قال العجوز :

- يبدو أنك الغريب القوى ..


فاجابه خالد :- نعم .. و لكن كيف عرفت ؟!


رد الرجل : إننى أعرف الكثيرين من أهل المدينة ..


فابتسم خالد ثم سأله :

- مين اللى كتب كل الكتب دى ؟!


رد العجوز :

- إنهم علماء زيكولا القدامى .. 

و هناك من الكتب ما ينتمى إلى البلاد الأخرى .. 

إن زيكولا تهتم بالعلم و العمل ..


فسأله خالد :- و أهل زيكولا قرأوا الكتب دى ؟


أجابه العجوز :- الكثيرون منهم قرأوا ..


خالد :- يعنى الكتب دى حققت لك ثروة كبيرة ..


رد الرجل :- لا.. ليست إلى هذا الحد .. 

إن أسعار الكتب رخيصة للغاية .. ثم صمت , و تنهّد :

- ربما كفانى أن أبيع كتاباً واحداً مثل كتاب بعته ..


سأله خالد متشوّقا :- أى كتاب ؟


رد العجوز :- كان كتاباً قد اشتراه منى رجل 

بأغلى سعر شهدته زيكولا ..


فاندهش خالد :

- لازم كان كتاب ثمين ..


ابتسم العجوز :- لا اعتقد هذا .. 

وقتها لم أقرأ منه سوى سطور .. 

و لكننى حين رأيت ذلك الرجل يحتاجه بقوة 

طلبت منه أغلى سعر .. ثم ضحك , وتابع :

- يبدو أنه كان يحب الخيال .. 

إن الكتاب كان يتحدث عن أرض أخرى .. 

و عن وهم يسمى سرداب فوريك ..


الحلقة التاسعة من رواية ( ارض زيكولا )


تسارعت ضربات قلب خالد , 

و انتفخت عروقه بدمائه حين سمع العجوز 

ينطق بـ سرداب فوريك و أرض أخرى غير زيكولا .. 

و سأله فى لهفة :


- سرداب فوريك ؟!!


رد العجوز :- نعم  .. اتذكّر هذا الاسم جيداً ..


سأله مرة أخرى :


- و الكتاب كان بيتكلم عن أيه فى سرداب فوريك ؟


رد العجوز فى هدوء :- لا اتذكر يا ولدى .. 

كان هذا منذ وقت طويل   


خالد :- و الكتاب كان كامل ؟ .. مكتمل ؟


العجوز :- نعم يا ولدى ..


خالد و قد بدا متوتراً :


- فيه منه نسخة تانية ؟


رد العجوز :- لا اعتقد .. إننى لم أر كتاباً يتحدث عن ذلك السرداب إلا ذلك الكتاب ..


خالد :- و ألاقى الرجل ده فين ؟ ..  هو موجود فى زيكولا ؟ .. 


أجابه العجوز , و قد اندهش من أسئلته الكثيرة :


- لم أر هذا الرجل إلا مرة واحدة .. قد يكون هنا فى زيكولا , و لكنه ليس بمنطقتنا .. و قد يكون خرج منها .. لا أحد يدرى ..


و سأله :


- لماذا أنت مهتم إلى هذا الحد ..  هل تحب الخيال ؟ 


رد خالد :- أنا لازم ألاقى الكتاب ده ..  

الكتاب ده الأمل الوحيد لى لما أخرج من زيكولا ..  ثم سأله :


-  تقدر توصف لى الرجل اللى اشتراه ؟ 


فصمت العجوز و كأنه يتذكر  :


- كان رجلاً عادياً .. كان طويلاً مثلك , 

و كان ذا كتفين عريضين مثلك أيضاً .. 

و كانت لهجته وقتها غريبة أيضاً .. 


خالد :- مثلى ؟ .. هل تذكر اسمه ؟


فابتسم العجوز :


- إننى اتذكر اسمى بصعوبة .. 


فهمس خالد إلى نفسه :


- طويل  .. و جسمه يشبه جسمى .. و لهجته غريبة .. 

و كان بيدوّر على كتاب سرداب فوريك .. معقول يكون هو ؟


فقاطع تفكيره العجوز :


- لماذا الصمت ؟ أين شرد ذهنك ؟


رد خالد :- لا .. مفيش حاجة .. 

أنا محتاج اشترى أقلام و أوراق ..


ابتسم العجوز:- بالطبع يا ولدى .. لك ماشئت ..


 


***


 


اشترى خالد بعض الأوراق و الأقلام التى احتاجها  .. 

كانت الأوراق سميكةً بعض الشئ تميل إلى الصُفرة ..  

أما الأقلام فكانت اسطوانات خشبية رفيعة ذات سن مدبب , 

و بداخلها خزان صغير للحبر  .. 

و اشترى معها زجاجة من الحبر الإضافى .. 

و انصرف عائداً إلى البحيرة  , 

و تفكيره لم يتوقف لحظة واحدة منذ حديث هذا العجوز .. يسأل نفسه :


- معقول يكون الرجل اللى اشترى الكتاب هو والدى ؟! ..


ثم يعود لنفسه :


- ليه لأ  ؟ الكل كان بيقول إنى طويل زيّه .. 

و إنى عريض برضه زيّه .. و كمان نزل السرداب  .. 

و كلام العجوز , و إن لهجة الرجل كانت غريبة .. أكيد هو  ..


ثم نظر إلى السماء :


- معقول يكون لسة عايش هو و أمى .. 

معقول أشوفهم بعد السنين دى كلها  .. هنا .. فى زيكولا ؟!!


و نظر إلى البحيرة , و سأل نفسه :


- طب لو كان حد تانى ؟


- و مين اللى هيشترى كتاب زى ده بأغلى سعر ..  

و هنا الناس كلها بخيلة ,  

و كتاب زى ده ملوش أى قيمة عندهم ؟


- ممكن يكون حد بيحب المغامرة .. 

عنده نفس الدوافع اللى نزّلتك هنا  .. 

أو ممكن يكون حد نزل السرداب غيرك أو غير أبوك أو أمك ..


- لا..  هو أبوك ..


- لا ..  حد تانى ..


- لا ..  أكيد أبوك  ..


 


يجلس أمام نار أشعلها على شاطئ البحيرة .. 

و يواصل حديثه إلى نفسه :


- مهما كان الشخص ده , سواء كان والدى أو غيره .. 

معنى إن الكتاب موجود إن الأمل أصبح موجود ..


- أكيد اللى كتب الكتاب ده , عارف ازاى أقدر أرجع لمصر تانى ..


ثم علا صوته :


- أنا لازم ألاقى الكتاب ده ..  لازم  ..  

حتى سمع صوتاً من خلفه :


- أى كتاب ؟ .. 


***


 التفت خالد حين سمع هذا الصوت , 

ففوجئ بأنها أسيل و قد اقتربت منه .. فنطق مبتسماً :


- أسيل ؟!


فردّت مبتسمة :- نعم .. ثم سألته بعدما جلست بجواره :


- هل تتحدث إلى نفسك هكذا دائماً ؟


فأجابها :


- أوقات  .. بس أنا خلاص تفكيرى مش قادر يتحمل ..


أسيل :- لماذا ؟


- النهاردة اكتشفت إن فيه أمل أقدر أرجع به لوطنى .. 

بس أمل بعيد .. 


أسيل :- أى أمل ؟


- عرفت إن فيه كتاب ....


فقاطعته أسيل :


- مهلاً .. أتعلم أننى لا أعرف اسمك بعد أيها الغريب .. 

و تابعت مبتسمة :


- لم تخبرنى به المرة السابقة ..


فابتسم خالد :


- اسمى خالد .. خالد حسنى ..


فابتسمت :- خالد .. اسمٌ جميل ..


فتابع :


- اكتشفت إن فيه كتاب تانى كان بيتحدث عن السرداب 

اللى جيت منه ..


فسألته :


- أى سرداب ؟!!


فأجاب:- سرداب فوريك ..


أسيل :- فى الحقيقة أنا لا أفهم شئ ..  

لقد جئت اليوم كما أخبرتك أننى أود أن استمع إلى قصتك ..

 و كيف دخلت إلى زيكولا ..


فابتسم مداعباً لها :


- أيوة جيتى ..  بعد شهر !! .. 


فابتسمت :


- نعم ,  كان شهراً مزدحماً بالعمل .. 

و لم يسمح وقتى أن آتى إلى هنا .. 

و لكننى دائماً كنت اتذكرك  .. 

و لم أنس إنقاذك للفتى دون مقابل .. 

و كنت أعلم أننى سآتى إلى البحيرة يوماً 

كى استمع إلى قصتك .. 


فضحك خالد :


- كنت فى بالك ؟!!


 فأومأت برأسها :- نعم .. لم تغادر تفكيرى , لا أدرى لماذا ..


فزاد سروره .. ثم سألته :


- هل كنت تنتظرنى ؟


فأجابها :- أنا .. لا  .. ثم ابتسم :


- الصراحة ..  آه  ..  و  كنت بدأت أفقد الأمل .. 

بس النهاردة كأنه يوم الأمل ..  

أعرف إن فيه كتاب موجود .. 

و إن أسيل الجميلة كمان هنا ..


فأحمرّ وجهها خجلاً و نظرت إليه :


- هيا حدثنى عن بلدك  .. و عن هذا الكتاب الذى وجدته ..


فصمت قليلاً .. ثم بدأ يتحدث :


- أنتى تعرفى إنى من أول ما دخلت إلى زيكولا من شهر .. و محدش يعرف أى حاجة عن بلدى .. 

حتى يامن صديقى كل اللى يعرفه 

إن بلدى موجودة فى الشمال .. 

و أنا مش عارف فين الشمال ده أصلاً ..


و أكمل :


- فى البداية كنت فاكر أهل زيكولا مجانين .. 

دلوقتى خايف اتكلم عن بلدى يفكرونى أنا المجنون .. 

ثم نظر إليها و سألها :


- أنتى هتصدقينى يا أسيل ؟


فابتسمت , و قد ضاقت عيناها :


- نعم .. أرى أنك صادق يا خالد ..


أكمل :


- أنا مش عارف فين زيكولا دى .. أو بيجانا اللى هى بلدك .. أول ما جيت هنا فكرت إن زيكولا من البلاد المعزولة 

اللى عمرى ما سمعت عنها .. 

زى البلاد اللى كنا بنشوفها فى التلفزيون ..


فقاطعته أسيل فى دهشة :- ماذا ؟


فضحك خالد :


- أكيد أنتى متعرفيش التلفزيون .. 

بس هشرح لك كل حاجة بعدين .. و تابع :


- المهم إنى كنت مفكّر إن زيكولا معزولة .. 

و إن أهلها معزولين , و ميعرفوش حاجة عن العالم .. 

زى الهنود الحمر كدة لما اكتشفهم كريستوفر كولومبوس ..


فقاطعته مجدداً :- من ؟!!


فضحك خالد :


- أقولك على حاجة .. اسمعينى و بس .. 

مش هتفهمى منى حاجة دلوقت .. ثم سألها :


- أنتى تعرفى مصر ؟


أجابته و كأنها تسمع الاسم لأول مرة :


- مصر ؟!  لا أعرفه .. 


- طب تعرفى أمريكا .. الصين .. أفريقيا ..  استراليا ؟!


- ما تلك الأسماء ؟!


- دى أسامى بلاد العالم بتاعى .. أنا بلدى اسمها مصر .. بنتكلم نفس لغتكم .. اللغة العربية .. 

بس بالعامية زى كلامى كدة ..


- أها .. و أين مصر ؟!


أجابها :- زى ما بسأل نفسى بالظبط أين زيكولا .. 

هتكون نفس الإجابة لينا ..


فسألته :


- هل هى كبيرة مثل زيكولا ..


فضحك و سألها :


- هو عدد الناس فى زيكولا كام ؟!


فابتسمت و وقفت و تحركت تجاه البحيرة .. ثم إلتفتت و ردّت :


- كثيرون للغاية .. قد يتعدى ثلاثمائة ألف .. 

هذا غير البلاد الأخرى .. آلاف أخرى ..


فوقف خالد هو الآخر :


- عدد سكان مصر فوق التمانيين مليون نسمة ..


فنطقت غير مصدقة  :- ماذا ؟!!


فأكمل ضاحكاً :


- أمّال لو عرفتى عدد سكان بلد تانية اسمها الصين 

اللى عدّى المليار .. و لاّ عدد سكان الهند  .. 

أقولك ..عدد سكان العالم بتاعى أكتر من ستة مليار نسمة ..


 


فنظرت إليه و بدأت تعد على أصابع يدها , و كأنها تتخيل العدد ثم سألته :


- و كيف يأكل كل هؤلاء الناس ؟


فضحك قائلاً :


- اطمنى ..  كله بياكل ..


ثم سألته :


- و مصر بلدك .. جميلة  ؟ .. تحبها ؟!! ..


ابتسم خالد ثم نظر بعيداً إلى البحيرة .. 

و صمت مفكّرا قليلاً  .. ثم تنهّد و تحدّث :


- كان عندنا شاعر جميل اسمه صلاح جاهين قال :


على اسم مصر التاريخ يقدر يقول ما شاء

أنا مصر عندي أحب و أجمل الأشياء

بحبها و هي مالكة الأرض شرق و غرب

وبحبها و هي مرمية جريحة حرب

بحبها بعنف و برقة و على استحياء

و أكرهها و ألعن أبوها بعشق زي الداء ...


 


ثم توقف و حدّثته أسيل و كأنها تريد المزيد :


-  ماذا بعد .. أكمل ..


فضحك :


- لا .. أنا حافظ دول بس ..


فضحكت أسيل .. ثم أكمل خالد :


 


- العالم بتاعى بيختلف عن هنا كتير .. 

عندنا كهربا و إذاعة و تلفزيون  .. 

و انترنت , و بنتعامل بالنقود ..


- ماذا .. ما كل هؤلاء ؟!


ردّ :-  مش هتفهمى قصدى لو قعدت أشرح لك سنة كاملة .. بس إحنا عالمنا متطور إلى حد كبير ..


 فسألته :


- هل تعيشون بالفضاء ؟


- لا لا  .. إحنا بنعيش على الأرض .. و عندنا ميا , و صحرا .. و بنات حلوة زى هنا ..  

فتغيّر وجهها ثم سألته على الفور بعدما تحدّث عن جمال البنات :


- و كيف جئت إلى هنا ؟ 


- كنت فى يوم زعلان .. فحب جدى يخفف عنى , 

فكلمنى عن سرداب تحت قريتى اللى اسمها البهو فريك  .. اسمه سرداب فوريك  .. 

و من أول ما حكى لى ,  و مش عارف أيه اللى حصل لى .. لقيت عندى رغبة قوية إنى أنزل السرداب ده , 

و اكتشف اللى فيه  .. 


 


***


 


بعدها ظل خالد يحكى ما حدث له منذ نزوله إلى السرداب حتى وصل إلى تلك الأرض .. و قابل الفقيرين بالصحراء .. 

و تشبث بعربتها مع يامن .. و دخوله إلى زيكولا .. 

و علمه أن التعامل بها بوحدات الذكاء .. ثم نظر إليها :


 


- لما شفت العربات , و الأحصنة , و الدروع ,  و السيوف ..  فكرت إنى انتقلت بالزمن فى الماضى .. 

بس فوجئت إن الجميع هنا بيقولوا إننا فى أواخر 2009  .. و ده نفس التوقيت فى بلدى ..


ردّت أسيل :


- نعم نحن على أعتاب عام ألفين و عشرة ..


أكمل خالد :- دى الحاجة اللى هتجننى .. 

و مش قادر استوعبها .. ازاى إحنا فى 2009  .. 

و حياتكم هنا بتقول إنكم من قرون  ؟! ..  و تابع :


- و لما اتأكدت من إن التعامل بالذكاء فعلاً مش كلام مجانين .. بقيت متأكد إن السحر هنا مسيطر على المدينة .. 

أنا خلاص مش قادر أفكر ..


فقاطعته :


- لا اعتقد أنك محق بهذا .. إن الحياة هنا هكذا  .. 

لماذا لا تقول أن السحر يسيطر على بلدك أنت  .. 

و يجعلكم تتعاملون بطريقة أخرى .. 

كيف تتعاملون بورق ؟! .. أرى هذا سحراً .. 

فى بلدى القديمة بيجانا كنا نتعامل بالمقايضة ..


رد خالد :- أيوة المقايضة حاجة طبيعية ..


أسيل :- هنا فى زيكولا التعامل هكذا يا خالد .. 

هل كانت عملة بلدك مصر فى كل البلدان ؟ ..


خالد :- لا .. كل بلد لها عملة ..


أسيل :- و هكذا هنا .. العملة الذكاء .. 

لست أنا أو أنت من فرضها ..


 


فصمت لحظات ثم قال :


- الواقع دلوقتى بيقول إنه اتحكم عليا إنى أفضل سنة كاملة فى زيكولا .. و نفسى السنة دى تعدى بأقصى سرعة .. نفسى أرجع لبلدى .. أرجع لحياتى الطبيعية ..


 


و عاد بظهره .. 

و أسنده إلى الأرض واضعاً يديّه خلف رأسه  .. 

و نظر إلى السماء .. حتى نطقت أسيل :


 


 - قصتك غريبة بالفعل يا خالد .. 

و لو سمعها غيرى لظن أنك مجنون ثم ابتسمت :


- و لكننى أصدقك .. و لن اتركك حتى تحدثنى عن التلـ .. اون هذا .. فى القريب .. و لكن ليس الآن .. 


فابتسم ثم تذكر شيئاً و قام مسرعاً إلى جانب الشجرة  .. 

و حدّثها :


- أنا عندى دليل ..


ثم عاد إليها .. و معه ساعة يده التى توقفت .. فسألته :


- أهذا التلـ فز ..ون .. ؟!!


فضحك خالد :


- لا .. دى ساعة .. بنحسب بيها الوقت ..


فنظرت إلى الساعة بدهشة :


- إنها عجيبة ..


فابتسم :


- لو كانت بتشتغل كنت قلت لك اقبليها هدية ..  

بس دى ملهاش قيمة دلوقتى ..


فابتسمت :


- إنك كريم ..


ثم نظرت إلى الساعة :


- كيف تقيس تلك الآلة الوقت ؟.. 

إننا هنا نقيسه بطريقة أخرى تماماً .. 

إنه عمل يقوم به أشخاصٌ , و يأخذون راتبهم ..


أجابها :


- فى الحقيقة أنا مش عارف هى بتقيس الوقت ازاى .. 

ثم سألها و كأنه يريدها أن تبقى معه مدة أطول و ألا تغادر :


- هو الوقت بيتحسب ازاى فى زيكولا ؟


أجابته :


- ترى ضخامة سور زيكولا .. 

كلما أشرقت الشمس حتى تشرق اليوم التالى يحسب يوماً .. و تُنحت علامة على السور .. 

ثم تمر سبعة أيام فتُنحت علامة أخرى للأسبوع ..  

و ما إن يأتى الشهر بعد ثلاثين يوماً حتى تُنحت علامة مختلفة .. و يأتى العام بعد إثنى عشر من علامات الشهور  .. 

فتُنحت دائرة مميزة ..  

إنهم عمال كثيرون و لهم أجر لعملهم .. 

يُسمون (عُمّال الوقت) ..  و أكملت :


 


- و لكن الغريب و الذى لاحظته .. 

أننا ندرك أننا فى نهاية عام ألفين و تسعة .. 

و هذا لا اعتقد أنه يتوافق مع عدد السنوات على السور .. 

و التى لا تكمل نصف هذا العدد من السنين ..  

و لكننى لا أشغل بالى بهذا ..


فقال خالد:


- زيكولا .. كل شئ غريب تجده فى زيكولا .. 


ثم أكمل :


- النهاردة بالصدفة عرفت إن فيه كتاب تانى 

عن سرداب فوريك  .. و إن حد اشتراه من سنين ..  

و الكتاب ده بيمثل الأمل ليا ..  و إنى أرجع لبلدى  ..  

و تابع :


- الأكبر من كدة إنى حاسس إن اللى اشترى الكتاب ده 

ممكن يكون والدى ..


فصمتت أسيل و كأنها تفكر ثم قالت:


- إننى لم أسمع عن هذا الكتاب من قبل .. ثم سألته :


- ماذا ستفعل ؟ .. هل ستسأل كل شخص عن هذا الكتاب ؟


فأجابها :- أنا هدوّر على الكتاب فى كل مكان .. 

لازم ألاقى الكتاب .. 

أكيد الكتاب ده هو اللى هيجيب عن كل أسئلتى ..


فابتسمت أسيل :


- اتمنى أن تجده .. و أن استطيع مساعدتك يا خالد .. 

ثم نهضت :


- عليّ أن أغادر الآن .. 

لقد تأخر الوقت كثيراً , و لدىّ الكثير من العمل بالغد .. 

أظن أننا تحدثنا بما يكفى لحديث شهر كامل ..  

ثم أكملت , و هى تسير :


- و لكننى أحببت هذا الوقت معك يا خالد .. 


***


 


غادرت أسيل , و ظل خالد يقظاً ..  

يفكر كثيراً ثم يقطع تفكيره بابتسامةٍ 

حين يتذكر حديثه مع أسيل .. 

و ظل هكذا حتى أشرقت الشمس دون أن يغفو له جفن .. فاتجه مسرعاً إلى مكان عمله .. 

و كعادته قابل من يأخذون منه الوحدتين مقابل حمايته ..  فآثر أن يعطيهم الوحدتين  .. ثم وجد يامن فنادى عليه :


- يامن ..


رد يامن :- أهلا خالد ..


- عايز منك طلب .. عايز اشترى حصان ..


 فسأله فى دهشة :


- حصان ؟!!


- أيوة


- لماذا ؟!!


 


فلم يجد مفرّاً إلا أن يخبر يامن بالحقيقة .. 

و أنه يريد ذلك الحصان كى يبحث عن الكتاب 

فى جميع مناطق زيكولا .. 

حتى بدا يامن و كأنه لا يصدقه .. 

و لكن هذا لم يشغل بال خالد .. 

و طلب منه أن يدّله على مكان لبيع و شراء الأحصنة .. 

حتى نظر إليه يامن متجاهلاً قصته :


 


- إن هذا سيكلفك كثيراً .. ربما يكلفك مائة و خمسين وحدة ..


رد خالد :


- أنا موافق ..


فتابع يامن :


- خالد ..  هذا سيأخذ من مخزونك الكثير ..


خالد :- مش مهم .. المهم إنى ألاقى الكتاب ..


يامن :- حسناً كما تريد .. 

سأخبرك أين تجد مكاناً تبتاع منه حصاناً قوياً ..  

و لكن أين ستبحث  ؟ .. 

نحن هنا فى المنطقة الشرقية حيث باب زيكولا 

و أرض الاحتفال و صناعة الطوب .. 

هناك أربعة مناطق أخرى غيرنا .. 

المنطقة الشمالية , و المنطقة الجنوبية ,  

و المنطقة الغربية ,  

و المنطقة الوسطى التى يوجد بها الحاكم .. 

و كل منطقة تختلف عن الأخرى و عن منطقتنا ..


 


فأجابه : أنا هدوّر فى كل مكان .. لازم ألاقى الكتاب .. 

أو اللى اشتراه ..


فسأله يامن :- و عملك ؟!


رد خالد :- عندى مخزون كبير زى ما قلت ..


يامن :- خالد .. أخشى أن تقترب من مخزونك كثيراً 

فتندم على ذلك ..


 خالد : - ده أمل مقدرش اتركه .. 

عرفنى بس منين اشترى حصان ..


يامن :- حسناً .. و لكن ماذا إن وجدت الكتاب .. 

و لم تجد به ما ينفعك .. 

و قد أنفقت الكثير من ثروتك  , 

و جاء يوم زيكولا ؟! .. 


أجابه خالد :


- لو جه يوم زيكولا .. اعتقد إن هيكون فيه كتير أفقر منى .. و أنا واثق إنى بالكتاب ده هقدر أرجع لبلدى  .. 

حتى لو فقدت أكبر قدر من الذكاء ..


فصمت يامن قليلاً .. ثم قال :


- و لكنك نسيت شيئاً هاماً لا تعرفه  .. 

إن نجحت فى ذلك و فقدت جزءًا كبيراً من ثروتك ..  

ستعود إلى وطنك كما خرجت من هنا .. مريضاً .. 

لست ذكياً على الإطلاق ..

لن يميزك عن غيرك سوى شيء واحد .. 

فسأله خالد متعجباً :


- إيه هو ؟


رد يامن :


- الغباء يا صديقى ..


الحلقة العاشرة من رواية ( ارض زيكولا )


أخبر يامن خالد بأنه تجاهل شيئاً لا يعرفه , 

و أنه إن فقد ثروته مقابل ذلك الكتاب سيخرج من زيكولا 

كما هو .. أقل ذكاءً .. لا يمتلك إلا الغباء .. 


فاتسعت حدقتا عينيه و كأن صاعقة أصابته :- أيه ؟!! .. 

أنت بتقول أيه ؟! ..رد يامن :- تلك هى الحقيقة يا خالد .. عليك أن تحتفظ بذكائك حين تخرج من زيكولا 

حتى تعود إلى بلدك كما كنت .. 

أو تعمل و تحقق ثروة فتعود أكثر ذكاءً .. 

أما إن فقدت ذكاءك هنا و قد خرجت ... 

ثم صمت قليلاً و أكمل :- فكيف تسترده بعد ذلك ؟


فصمت خالد مرة أخرى من الصدمة .. 

و حدّث نفسه فى ضيق :- الكتاب أو الغباء .. 

ثم غضب , و ترك يامن الذى علا صوته تجاهه :- 

ماذا ستفعل .. أما زلت تريد أن تشترى حصاناً ؟ ..

فلم يجبه و سار هائماً مبتعداً عن مكان العمل , 

لا يعلم ماذا سيفعل و ماذا يقرر ..


غادر خالد مكان عمله .. 

و ما إن غادر حتى وصلت أسيل إلى ذلك المكان , 

و كأنها تبحث عنه .. و سألت بعض الفتيان أين تجده .. فأخبروها بأن تجد يامن صديقه المقرب .. 

حتى وجدت يامن الذى كان يعمل بتقطيع الصخور .. 


فسألته :- أنت يامن ؟


فنظر إليها مندهشاً:- أسيل الطبيبة !! .. نعم , أنا يامن ..فسألته :- أين خالد ؟


فزادت دهشته , و سألها :- تريدين خالد ؟!


ردّت :- نعم ..

- لقد غادر العمل غاضباً ..


فسألته فى لهفة :- لماذا ؟!

- إنها قصة طويلة .. ربما لن تصدقيها ..


فصمتت قليلاً ثم سألته :- الكتاب ؟!

- أتعرفين قصة الكتاب ؟!أجابته :- نعم .. أعرف كل شئ .. لماذا غادر غاضباً ؟

فأخبرها بقصة ذلك الحصان الذى يريد خالد شراءه 

كى يبحث عن الكتاب فى أرجاء زيكولا .. 

و أكمل حديثه حين قال :- و الآن لا أعرف أين هو .. فابتسمت أسيل :- و لكننى ربما أعرف ..

ثم شكرته , و غادرت .. 


و ابتسم يامن حين غادرت قائلاً :- لم أرها فى حياتى تهتم بشخص هكذا ..


وصل خالد إلى شاطئ البحيرة مرة أخرى , 

و جلس و الحزن و الضيق يكسيان وجهه .. 

ثم اتجه إلى أغراضه بجوار شجرة البحيرة .. 

و أخرج أقلامه و أوراقه التى اشتراها .. 

و قرر أن يكتب أى شئ .. 

لا يدرى ماذا يكتب , 

و لكنه يعلم أنه لا سبيل للخروج من ضيقه سوى أن يكتب .. كما كان يفعل دائماً حين يرفضه والد منى , 

و كان يكتب وريقاته , و يعلقها على حائط غرفته .. 

و أمسك بقلمه .. و بدأ يرسم خطوطاً , 

و يكتب كلمات غير مفهومة .. حتى كتب ؛ ماذا أفعل ؟ .. بعدها فوجئ بأسيل تقترب منه .. 


و قالت مبتسمة :- كنت أعرف أننى سأجدك هنا ..

 

و سألته :- لماذا لم تعمل اليوم ؟


فأجابها غاضباً :- و اشتغل ليه ؟! .. أنا كرهت كل حاجة هنا ..فابتسمت فى هدوء ..تريد أن تخفف من غضبه :- حسناً .. ماذا فعلت بعدما تركتك بالأمس ؟


فأخبرها بأنه لم يفعل شئ .. 

و ظل يقظاً حتى أشرقت الشمس 


فتابعت :- لست وحدك من أصابك الأرق .. أنا أيضا لم أنم ..فنظر إليها فى دهشة .. 


حتى أكملت :- كنت أفكر كيف تجد كتابك ..

ثم سارت بضع خطوات بعيدة عنه .. 

بعدها إلتفتت إليه و قالت :- تريد أن تبحث فى كل مناطق زيكولا .. و أنا أريد أن أساعدك فى هذا ..

ثم ابتسمت :- و هنا فى زيكولا لا أحد يساعد غيره 

دون مقابل .. 

ثم صمتت برهةً و أكملت :- و أنت لا تريد أن تعمل .. 

ثم نظرت إلى أسفل :- و لهذا لن استطيع مساعدتك ..


ثم سارت بضع خطوات أخرى .. و تحدّثت إلى نفسها بصوتٍ يسمعه خالد :- و لكن ربما يفكر خالد الذكى .. 

و يريد أن يعمل .. و بعدها قد يساعده عمله ..


فنظر إليها خالد :- أنا مش فاهم حاجة ..


فابتسمت أسيل :- خالد .. 

أنا أذهب إلى كل مناطق زيكولا عدا المنطقة الشمالية .. 

و جئت إليك اليوم كى أقدّم لك عرضاً ..


فسألها فى دهشة :- عرض ؟!!


أجابته:- نعم .. 

ما رأيك أن تأتى معى إلى تلك المناطق , 

و تعمل مساعداً لى جزءًا من اليوم .. 

و قد أعيرك أحد أحصنتى إن احتجته باقى اليوم 

لتبحث عن صاحب الكتاب كما تشاء بالمكان الذى نتواجد به ..

ثم أكملت و أشارت إليه بأصبعها :- 

و لكن عليك أن تعود إلىّ مبكراً فى اليوم التالى .. 

أنا أحب أن يلتزم من يعمل معى ..


خالد و مازالت الدهشة منطبعة على وجهه :- أعمل معك ؟!!


أسيل :- نعم ..

خالد :- بس أنا مبفهمش حاجة فى الطب ..


فسألته :- و كيف أنقذت الفتى ؟!


أجابها :- زى ما قلت لك قبل كدة , دى دورة اسعافات أولية .. بس مش معنى كدة إنى بفهم فى الطب ..


أسيل :- حسناً .. أشعر أنك ستتعلم كثيراً .. 

و قد نجد غرقى , فلن أجد أفضل منك لإنقاذهم ..


فسألها :- أسيل .. هو أنتى الطبيبة الوحيدة فى زيكولا ؟


ردت :- لا .. هناك العديد من الأطباء .. و لكنى أكثر مهارة .. و هذا ما جعلنى طبيبة الحاكم و أسرته .. 

و طبيبة زيكولا الأولى رغم سنى الصغيرة ..


ثم سألته :- هل توافق ؟


فصمت مفكّراً , و طال تفكيره .. فالتفتت أسيل , 

و سارت خطوات مبتعدة عنه .. 

و قالت :- أرى أنك حقاً لا تحب الطب .. و ابتعدت, 


حتى نطق خالد بصوت عالٍ :- أسيل .. أنا موافق ..

فابتسمت دون أن تُرِيه وجهها .. 

و قد ضاقت عيناها بعدما سمعت كلماته .. ثم توقفت , 

و التفتت إليه مجدداً :- حسنا يا مساعدى .. 

عليك أن تعد نفسك , و أن تنام جيداً اليوم .. 

غداً سنذهب إلى المنطقة الوسطى 

التى يتواجد بها حاكم زيكولا ..


غادرت أسيل , أما خالد فقد امتلك من السعادة 

ما لم يمتلكه من قبل فى زيكولا .. 

حتى كاد يرقص فرحاً .. 


و حدّث نفسه :- أنا مساعد أسيل .. أنا مساعد أسيل ..

ثم عاد مسرعاً إلى أغراضه .. 

و أمسك القلم من جديد . و بدأ يكتب .. 

بعدما فكر قليلاً :- أسيل .. 

تلك الحورية التى وجدتها فى زيكولا .. 

ربما كنت أظنها جميلة الوجه فقط حين رأيتها للمرة الاولى .. و لكنها تمتلك كل ما هو جميل .. 

إن اليوم أسعد أيامى فى تلك المدينة ..

ثم ترك القلم , و وضع الأوراق بجواره , ثم أخفاها بأغراضه .. و نظر إلى ملابسه .. 

و حدّث نفسه بأنه اشتراها حين دخل إلى زيكولا 

منذ أكثر من شهر , و لا يمتلك غيرها .. 

فعزم على أن يذهب إلى شوارع المدينة .. 

و أن يشترى زياً جديداً يناسب وظيفته الجديدة .. 

و ذهب بالفعل , و اشترى زياً ليس بغالى الثمن .. 

و قد اندهش بائع الملابس .. 


و سأله :- كيف تشترى زياً آخر بعد شهر واحد فقط ..


و لكن خالد لم يعبأ بذلك .. 

و عاد إلى شاطئ البحيرة مرة أخرى .. 

و ظل هناك حتى حلّ الليل , 

و هو ينتظر أن يأتى صباح اليوم التالى فى أسرع وقت ..


فى صباح اليوم التالى .. 

نهض خالد من نومه , و كعادته ألقى بجسده فى البحيرة ببنطاله القديم .. بعدها ارتدى زيّه الجديد .. 

و ظلّ فى انتظار أسيل حتى وجد عربتها , 

يقود حصانها سائق ,تقترب .. فأسرع إليها .. 

و ركب العربة بجوارها .. 

و تحركت العربة فى اتجاهها إلى المنطقة الوسطى .. 

بعدها نظرت أسيل إلى زيّه الجديد :- 

مبارك عليك الزى الجديد ..


ضحك خالد :- لازم مساعدك يشرفك فى أى مكان .. 

ثم سألها :-إحنا هنعمل أيه فى المكان اللى إحنا رايحين له ؟


ردت أسيل :- المنطقة الوسطى يعيش بها الحاكم و أسرته .. و قد أرسلوا إلىّ كى أذهب إلى هناك اليوم .. 

قد يكون أحدهم مريضاً ..


فسألها :- طب ليه أنتى مش ملازمة الأسرة الحاكمة 

طول الوقت ؟!


أجابته :- لقد طلب منى الحاكم ذلك بالفعل .. 

و لكننى رفضت ..


خالد فى دهشة :- رفضتى ؟!


أجابته مبتسمة :- نعم .. 

لا أريد أن أكون أسيرة لمكان بعينه .. حتى لو كان الحاكم ..


خالد - و مازال مندهشاً - :- تقدرى ترفضى طلب للحاكم ؟!


أسيل :- إنه حقى .. 

و لدّى من الحرية ما يجعلنى اتحكم بإرادتى .. 

و أنا أحب الانطلاق .. لا أريد أن يقيدنى أحد ..


فصمت خالد ثم سألها سؤالاً جال بخاطره :- هو نظام الحكم هنا فى زيكولا ملكى ؟


ردت أسيل :- لا .. 

إن حاكم زيكولا يظل بالحكم خمس سنوات .. 

ثم يأتى حاكم غيره يختاره أهل زيكولا ..

فاندهش خالد كثيراً :- خمس سنوات بس ؟!!!


أسيل :- نعم ..

خالد :- و مفيش تجديد ؟!


أسيل :- لا .. كل حاكم له خمس سنوات فقط .. 

ألا تكفِ تلك المدة .. 

أرى أنها كافية لكل حاكم هنا كى يأتى غيره , 

و يكمل مسيرة التقدم لزيكولا , و يستفيد من أخطاء من سبقه .. و لهذا زيكولا تتقدم عن البلاد الأخرى .. 

ألستم كذلك فى بلدك ؟


ضحك خالد ثم فرك شعره .. و صمت , 

و حاول أن يختلق موضوعاً آخر للنقاش .. 

ثم حدّث نفسه :- أنا دلوقت متأكد إن زيكولا ليست لها 

أى صلة بالوطن العربى إلا اللغة العربية .. 


حتى قاطعت صمته أسيل :- لماذا الصمت ؟


فضحك :- لا .. و لا حاجة .. 

لسة وقت كتير على المنطقة الوسطى ؟


فنظرت أسيل من نافذة العربة ثم أجابته :- 

لم يتبق إلا القليل .. 

ثم تابعت :- ستساعدنى حين يكون عملى مع الرجال فقط .. أما النساء فلا أريد مساعدتك فى شئ ..


فضحك خالد مداعباً لها :- ليه ؟


فابتسمت ثم أكملت :- يمكنك أن تنصرف وقتها .. 

و أن تبحث عن كتابك .. و لحسن حظك تلك المنطقة صغيرة .. لا يوجد بها سوى قصر الحاكم , و بعض قصور الأثرياء ..


مرّ الوقت .. 

ووصلت العربة إلى تلك المنطقة التى يقصدونها .. 

و نظر خالد من نافذة العربة , 

و اندهش حين وجد تلك القصور العالية و زخارفها الرائعة التى تُزينها من الخارج .. 

و شاهد الكثير من الحراس يقفون أمام قصرٍ 

فعلم أنه قصر الحاكم .. 

حتى توقفت أمامه العربة , و نزلت أسيل و معها خالد 

حاملاً حقيبتها القماشية .. و اتجها إلى داخله .. 

و خالد يتلفت حوله كلما سار , 

و يشاهد البراعة المعمارية مستمتعاً , 

و لاحظت أسيل ذلك بعدما تلكأ فى خطواته .. 

فحدّثته مبتسمة :- على مساعدى أن يسرع .. 

ليس هناك وقتٌ للتأمل ..


فابتسم , و أسرع حتى دخلا معاً إلى بهو القصر .. 

و هناك وجد رجلا ًتبدو عليه الفخامة و النفوذ .. 

و بجواره العديد من الأشخاص الذين بدا عليهم الثراء أيضاً - يرتدون ملابساً مزركشة يكفى ثمن إحداها لإنقاذ عشرات الأشخاص من الذبح - ثم انحنت أسيل .. و انحنى معها خالد .. بعدها تحدّث الحاكم إلى أسيل :- 


لقد جئت فى موعدك أيتها الطبيبة .. 


ثم سألها :- من هذا ؟! و أشار إلى خالد ..

فأجابت : إنه مساعدى يا سيدى ..


فتابع الحاكم :- لن تحتاجيه اليوم .. 

لا أريدك فقط سوى أن تداوى زوجتى .. 

أشعر أنها ليست بخير فى الأيام السابقة ..

فانحنت أسيل مرة أخرى .. ثم عادت إلى خارج بهو القصر .. 

و معها خالد و حدّثته مبتسمة :- أرى أنك محظوظاً .. 

لن تعمل اليوم , و لكننى سأرهقك بالعمل فى الأيام القادمة ..

ثم أشارت إليه أن ينصرف :- لك اليوم بالكامل .. 

ابحث عن كتابك .. ربما تجد ذلك الشخص الذى اشتراه هنا .. أما أنا فعلىّ أنا أرى زوجة الحاكم .. لعلها بخير ..


ابتسم خالد , و تركها و غادر .. 

و هو يحدّث نفسه :- أسيل .. حورية زيكولا ..


انصرف خالد .. 

و بدأ يسأل كل من يقابله عن شخص طويل و عريض مثله , 

و لهجته غريبة أيضاً , و لكنه يكبره سناً , و يتكلم عن الخيال .. أو عن شئ يُسمى سرداب فوريك .. 

فلم يجد ممن يسألهم سوى علامات الدهشة و الغرابة .. 

و لم يكن يعلم أحد - ممن يعملون بقصر الحاكم - 

شيئاً عن ذلك الشخص الذى يقصده .. 

بعدها خرج من القصر .. و اتجه إلى القصور الأخرى , 

و يعلم أنه سيجد صعوبة فيما يفعله .. 

و لكنه عزم على أن يتمسك بأمله .. 

و أن يحاول فى سبيل حلمه بالعودة إلى بلده .. 

و بدأ يسأل الناس من جديد .. 

و لكنه كلما سأل أحداً عن ذلك الشخص أو ذلك الكتاب لم يجبه .. و ظل يسأل كل من يقابله .. دون جدوى .. 

و مرّ الوقت و أصابه التعب , 

و بدأ اليأس يتسرب إلى قلبه حتى مرّ عليه شخص فسأله .. فأخبره بأن هناك مبنى كبير به الكثير من الكتب .. 

يُسمى مكتبة الحاكم لعله يجد ذلك الكتاب به ..

...


أسرع خالد إلى ذلك المكان الذى وصفه له الرجل 

مقابل وحدتين من ذكائه .. 

و هناك وجد شخصاً يعمل به .. 

فسأله عن ذلك الكتاب لعل صاحبه قد باعه 

أو أهداه إلى تلك المكتبة .. فلم يجبه الشخص .. 

و أخبره بأنه لا يعلم كثيراً عن تلك الكتب .. 

و سمح له أن يدخل إلى المكتبة مقابل خمس وحدات أخرى من ذكائه .. و وافق خالد على ذلك .. 

و اتجه إلى داخل المكتبة ..بعدها بدأ خالد يبحث بين الكتب .. و يبحث بين الوريقات المتناثرة .. 

يبحث فى كل مكان بتلك المكتبة .. 

لا يريد أن يترك شبراً لا يبحث به .. 

و يستريح لبعض الوقت ثم يعاود بحثه مجدداً 

حتى لا يُضيّع وقته .. 

و يزيح الأتربة المتراكمة على بعض الكتب .. 

و يجلس من يعمل بتلك المكتبة يشاهده دون أن يساعده .. 

و خالد يواصل بحثه .. 

يحاول أن يجد أى عنوان لكتاب يمت بصلة إلى سرداب فوريك . و لكن دون فائدة .. 


فقد مرّ الوقت و أكمل بحثه دون أن يجد ما يريده , 

و غادر و عاد إلى أمام قصر الحاكم 

فوجد أسيل فى انتظاره بالعربة .. 


فسألها إن كانت قد انتهت هى الأخرى من عملها 

فأجابته بأنها انتهت من عملها بالفعل .. 

ثم سألها لماذا لم تغادر؟ 


فأجابته مبتسمة :- و هل أغادر دون مساعدى ؟! .. هيا .. 

ثم أمرت السائق أن يتحرك بهم إلى البحيرة .. 

بعدها سألته :- هل وجدت شيئاً ؟


رد خالد :- للأسف لا .. 

سألت ناس كتير بس ملقتش أى جواب ..


أسيل :- لهم العذر فى ذلك .. 

إنك تبحث عن شئ صعب للغاية .. تبحث عن شخص لا تعرفه .. و عن كتاب لم يسمع به أحد ..


خالد :- عارف إنه أمل ضعيف .. بس لازم اتمسك بيه ..فابتسمت أسيل :- لا تحزن يا خالد .. 

إنك مازلت باليوم الأول من البحث .. 

و عليك أن تسعد بأنك انتهيت من منطقة بأكملها .. 

حتى لو كانت صغيرة .. 

ثم صمتت , و أكملت :- لدى خبر سيجعلك سعيداً ..


نظر إليها خالد فى لهفة :- إيه هو ؟

ردت أسيل :- لقد اكتشفت أن زوجة الحاكم ليست مريضة .. 

و إنما ستستقبل مولوداً قريباً ..


خالد :- حامل ؟

أسيل :- نعم .. و أرى من أعراض حملها , 

أنه قد مر ثلاثة أشهر على حملها ..


فسألها مندهشاً :- و أنا أكون سعيد ليه ؟


ردت أسيل :- إن أنجبت ذكراً سيكون هناك احتفال لأهل زيكولا بذلك الطفل تكريماً للحاكم .. 

و يُقام يوم زيكولا بعد مولده بسبعة أيام .. 

و بالطبع سيُفتح باب زيكولا قبله بيوم , 

و يُذبح أفقر من بالمدينة أيضاً ..


ثم أكملت :- هذا يعنى أن يوم زيكولا 

قد يكون بعد ستة أشهر فقط من اليوم ..

ثم صمتت , و نظرت عبر النافذة , و لمعت عيناها بالدموع .. 

و أكملت :- وقتها تستطيع أن تخرج من زيكولا ..


تكملة الرواية من هنا


بداية الروايه من هنا


 🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺


خلصتوا قراءة الفصل إتفضلوا جميع الروايات الكامله من بداية الروايه لاخرها من هنا 👇❤️👇💙👇❤️👇


1- روايةاتجوزت جوزي غصب عنه


2- رواية ضي الحمزه


3- رواية عشق الادهم


4 - رواية تزوجت سلفي


5- رواية نور لأسر


6- رواية مني وعلي


7- رواية افقدني عذريتي


8- رواية أحبه ولكني أكابر


9- رواية عذراء مع زوجي


10- رواية حياتك ثمن عذريتي

🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺


🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺

11- رواية صغيرة الايهم


12- رواية زواج بالاجبار


13- رواية عشقك ترياق


14- رواية حياة ليل


15- رواية الملاك العنيد


16- رواية لست جميله


17- رواية الجميله والوحش


18- رواية حور والافاعي


19- رواية قاسي امتلك قلبي


20- رواية حبيب الروح


21- رواية حياة فارس الصعيد


22- سكريبت غضب الرعد


23- رواية زواجي من أبو زوجي


24- رواية ملك الصقر


25- رواية طليقة زوجي الملعونه


26- رواية زوجتي والمجهول


27- رواية تزوجني كبير البلد


28- رواية أحببت زين الصعيد


29- رواية شطة نار


30- رواية برد الجبل


31- رواية انتقام العقارب

🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺


🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺

32- رواية الداده رئيسة مجلس الإدارة


33- رواية وقعتني ظبوطه


34- رواية أحببت صغيره


35- رواية حماتي


36- رواية انا وضورتي بقينا اصحاب


37- رواية ضابط برتبة حرامي


38- رواية حمايا المراهق


39- رواية ليلة الدخله


40- سكريبت زهرة رجل الجليد


41- رواية روح الصقر


42- رواية جبروت أم


43- رواية زواج اجباري


44- رواية اغتصبني إبن البواب


45- رواية مجنونة قلبي


46-  رواية شهر زاد وقعت في حب معاق


47-  رواية أحببت طفله


48- رواية الاعمي والفاتنه


49- رواية عذراء مع زوجي


50- رواية عفريت مراتي


51- رواية لم يكن أبي

🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺


🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺

52- رواية حورية سليم


53- رواية خادمه ولكن


54- سكريبت لانك محبوبي


55- رواية جارتي وزوجي


56- رواية خادمة قلبي


57- رواية توبه كامله


58- رواية زوج واربع ضراير


59- نوفيلا في منزلي شبح


60- رواية فرسان الصعيد


61- رواية طلقني زوجي


62- قصه قصيره أمان الست


63- قصة فتاه تقضي ليله مع شاب عاذب


64- رواية عشق رحيم


65- رواية البديله الدائمه


66- رواية صراع الحموات


67- رواية أحببت بنت الد أعدائي


68- رواية جبروتي علي أمي


69- رواية حلال الأسد


70- رواية في منزلي شبح


🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺


🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺


71- رواية أسيرة وعده


72- رواية عذراء بعد الاغتصاب


73- رواية عشقتها رغم صمتها


74- رواية عشق بعد وهم


75- رواية جعله القانون زوجي


76- رواية دموع زهره


77- رواية جحيم زوجة الابن


78- رواية حين تقع في الحب


79- رواية إبن مراته


80- رواية طاغي الصعيد


81- رواية للذئاب وجوه أخري


82- رواية جبل كامله


83- رواية الشيطانه حره طليقه


84- حكاية انوار كامله


85- رواية فيروزة الفهد


86- قصة غسان الصعيدي


87- رواية راجل بالاسم بس


88- رواية عذاب الفارس


89- رواية صليت عاريه


90- رواية صليت عاريه


91- رواية زين وليلي كامله


92- رواية أجبرني أعشقه


93- رواية حماتي طلعت أمي


94- رواية مفيش رحمه


95- رواية شمس العاصي الجزء الاول كامله


96- رواية الوفاء العظيم


97- رواية زوجوني زوجة أخي


98- قصص الانبياء كامله


99- سكريبت وفيت بالوعد


100- سكريبت جمعتنا الشكولاته الساخنه


101- سكريبت سيف وغزل


102- رواية حب الفرسان الجزء الثالث


103- رواية رهان ربحه الأسد


104- رواية رعد والقاصر


105- رواية العذراء الحامل


106- رواية اغتصاب البريئه


107- رواية محاولة اغتصاب ليالي


108 - رواية ملكت قلبي


109 -  رواية عشقت عمدة الصعيد


110- رواية ذئب الداخليه


111- رواية عشق الزين الجزء الاول


112- رواية زوجي وزوجته


113- رواية نجمة كيان


114- رواية شوق العمر


115- رواية أحببتها صعيديه


116- رواية أحتاج إليك كامله


117- رواية عشق الحور كامله


118- رواية لاعائق في طريق الحب


119- رواية عشق الصقر


120- قصة ليت الليالي كلها سود


121- رواية بنت الشيطان


122- رواية الوسيم إبن الحاره والصهباء


123- رواية صغيرتي الجميله


124- رواية أخو جوزك


125- رواية مريض نفسي


126- رواية جبروت مرات إبني


127- رواية هكذا يكون الحب


128- رواية عشق قاسم


129- رواية خادمتي الجميله


130- رواية ثعبان بجسد امرأه


131- رواية جوري قدري


132- رواية اجنبيه بقبضة صعيدي


133- رواية المنتقبه أسيرة الليل


134- رواية نجمتي الفاتنه


135- رواية ليعشقها قلبي


136- رواية نور العاصي


137- رواية من الوحده للحب


138- رواية أحببت مربية ابنتي


139- رواية جوزي اتجوز سلايفي الاثنين


140- رواية شظايا قسوته


141- نوفيلا اشواق العشق


142- رواية السم في الكحك


143- رواية الصقر كامله


144- رواية حب مجهول المصدر


145- قصة بنتي الوحيده كامله


146- رواية عشقني جني كامله


147- رواية عروس الالفا الهجينه الجزء الثاني


148- رواية أميرة الرعد


149- رواية طفلة الأسد


150- نوفيلا الجريئه والاربعيني


151- رواية أحببت مجنون


152- قصة أخويا والميراث


153- رواية حب من اول نظره


154- رواية اغتصاب بالتراضي


155- رواية صعيدي مودرن

























































































































تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
CLOSE ADS
CLOSE ADS
close