القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية وبها متيم أنا الفصل الثامن والتاسع بقلم أمل نصر بنت الجنوب رواية وبها متيم أنا البارت الثامن والتاسع بقلم أمل نصر بنت الجنوب

اعلان اعلى المواضيع

 رواية وبها متيم أنا الفصل الثامن والتاسع بقلم أمل نصر بنت الجنوب

رواية وبها متيم أنا البارت الثامن والتاسع بقلم أمل نصر بنت الجنوب

رواية وبها متيم أنا الجزء الثامن والتاسع بقلم أمل نصر بنت الجنوب

رواية وبها متيم أنا البارت الثامن والتاسع بقلم أمل نصر بنت الجنوب

رواية وبها متيم أنا الفصل الثامن والتاسع بقلم أمل نصر بنت الجنوب

بداخل المكتب المتواضع، بشقة صغيرة في إحدى المباني السكنية القديمة، كانت شهد تمارس عملها الذي اعتادت على فعله منذ وفاة أبيها لتحل هي محله في كل شيء، بعد أن اجبرتها الحياة على ذلك، فمنذ متى كان حمل الهم اختيارًا للبشر، خصوصًا لواحدة مثلها. 

بالاَلة الحاسبة كانت منكفئة على احد الملفات، تقيد المصروفات وأجور العمال، وما تم تحصيله من مسؤلي الموقع، بدقة وتركيز ، لتحسب المتبقي أيضًا وما يتبقى لها من تحصيل وينتظرها من دفع.

- صباح الخير.

انتفضت على أثرها شهد مجفلة، لترمق بغيظ تلك التي توقفت أمامها مستندة بكتفها على إيطار الباب، تلوح لها بالتحية بأطراف أصابعها بأناقة زادت من استفزاز الأخرى لتهتف بها:

- دي عملة تعمليها يا لينا؟ طب اتنحنحي، اعملي أي صوت ولا حركة، بدل ما تنشفي دمي بطلتك كدة فجأة

تبسمت الأخيرة لتقول وهي تخطو بداخل الغرفة حتى جلست أمامها:

- بس انا مكنتش بتسحب ولا بمشي على طراطيف صوابعي، انتي اللي كنت مندمجة في حسبتك لدرجة انك ما انتبهتيش ليا ولا لخطوتي. 

سمعت منها لتزفر مطولاً بتعب قبل أن ترد عليها ببعض اللين:.

- معلش بقى يا ست لينا سامحيني، المهم انتي نورتيني النهاردة، مع ان دي مش عادتك يعني، انك تتطبي فجأة كدة من غير اتصال!

تنهدت لينا هي الأخرى بتعب تقول:

- اعمل ايه يا ستي؟ ما انا كمان مكنتش عاملة حسابي، وهي جات معايا كدة، وانا بسوق عربيتي لقيت نفسي جاية على هنا، حسيت إني محتجالك اوي يا شهد.

هيئتها أصابت الأخيرة بقلق لتسألها:

- ليه يا لينا؟ في حاجة مزعلاكي؟

اجابتها على الفور:

- اه في يا شهد ماما!.... طارق امبارح كان عندنا، وجايب معاه عريس لقطة زي ما بيقولوا كدة، بيشتغل في العمل الدبلوماسي، وبني ادم محترم وسيرته كويسة..... 

- طب ما دي اخبار حلوة يا بنتي، امال......

قطعت شهد فجأة لتناظرها بغيظ، بعد أن استدركت لمغزى كلماتها لتسألها بارتياب:

- اوعي تقوليلي انك رفضتيه او مش عاجبك؟

وضح جليًا على وجهها الإجابة، لتردف لها شهد باستياء:

- حرام عليكي يا لينا، بجد والله حرام عليكي، وعندها حق أمك تزعل، انا عرفت لوحدي دلوقتي ومن غير ما تقولي، مامتك الله يكون في عونها.

صمتت الأخيرة لعدة لحظات تمط وتعوج بشفــ تيها بتأثر، قبل أن تقول:

- طب اعمل إيه انا بس يا شهد؟ مش بإيدي يا ناس، لا بدلع ولا بشوفهم وحشين، بس بلاقي نفسي رافضة ومش عاجبني....

قاطعتها شهد:

- اه يا ختي، بس كان يعجبك العيل الأهبل اللي اسمه نيازي! إنتي هتشليني يا بت؟

تبسمت لينا بخفة ترد:

- يمكن كان عاجبني عشان مختلف، بس شوية شوية اكتشفت عيوبه، واكتشفت تفاهتي بتعلقي بيه، وفي الاَخر كرهته، شكلي كدة هعنس.

سمعت شهد، ورفعت رأسها بعد أن توقفت عما تفعله لترمق الأخرى بنظرة حانقة ممتلئة بالغيظ لتهتف بها وهي تلوح بالقلم:

- تعرفي يا لينا، إيه الفرق اللي ما بيني وما بينك....

قطعت لتكمل باستدراك:

- هو مش فرق صحيح، هو وجه تشابه.

عقدت حاجبيها لينا تطالع الأخرى باستفسار لتسألها وهي تستند بمرفقها على سطح المكتب:

- إيه بقى يا ناصحة؟

فقالت شهد:

- وجه التشابه اللي ما بينا يا لينا هو اننا متعوسين، انا متعوسة بحظي وظروفي الزفت اللي اتحطيت فيها غصب عني، وانتي متعوسة بدماغك، دماغك هي اللي تعباكي يا حبيبة قلبي؟

برقت لينا بفيروزيتيها تجيب بدفاعية:

-لأ يا شهد، لازم تبقي منصفة، مشكلتي هي الحظ الزفت زيك بالظبط، انتي ظروفك وانا حظي اللي موفقنيش الاقي الراجل اللي يملا دماغي، فهمتي بقى يا سيادة المقاول.

ظلت شهد تطالعها مضيقة عينيها بصمت لعدة لحظات حتى عادت للأوراق التي تعمل بها مغمغمة:

- اهو دا اللي انتي فالحة فيه، لماضة وبس، وانا مفقوعة مرارتي من المشاكل اللي متكومة فوق دماغي، واَخرها مهندس الزفت دا كمان، كنت نقصاه انا ولا ناقصني تحكماته.

- مهندس مين؟

سألتها لينا لترفع رأسها إليها مرة ثانية تُجيبها بامتعاض فكاهي:

- إسمه حسن، الباشمهندس حسن.

- مين حسن ده؟

سألتها لينا وقبل ان تجيبها شهد، تفاجأت باتصال مساعدها، اوقفت لتجيبه على الفور:

- ايوة يا عبد الرحيم.......... إيه؟......... ليه يعني؟ هو عايز يعمل مشاكل وبس؟....... طب اقفل وانا جاية عندكم اشوفه.........

انهت المكالمة لتهتف ساخطة وهي تلملم أشياءها:

- يا رتني افتكرت مليون جنيه يا شيخة، البني أدم ده بيجي ع السيرة ولا إيه بس؟

قالتها وهي تضع الملفات والاَلة الحاسبة في درج المكتب لتغلق عليها بالقفل، وسألتها لينا بارتباك:

- ماله الراجل ده؟ وانتي بتلمي حاجاتك ليه دلوقت؟

ردت شهد بأسف وهي تتناول علاقة المفاتيح وهاتفها:

- معلش يا لينا، تعالي نكمل كلامنا في العربية، او نخليها وقت تاني، المهندس اللي بقولك عليه، عاملي مشكلة في الموقع.....


❈-❈-❈ 


- وصلت اَخيرًا، اَخيرًا وصلت.

كان يردد ويتمتم بالكلمات داخله، وهو يتابع سيارتها التي وصلت بالقرب من موقع العمل، لتصطفها في المكان المخصص بحرفية في القيادة، جعلته يرفع لها القبعة، لتترجل منها وتظهر أمامه اَخيرًا بكليتها، شيء ما يحدث بداخله ولكن لا يعلمه، اسبوع كامل مر من وقت ان حضر حفل خطبة شقيقتها مع والدته، ولم يراها بعد ذلك، وقد خفت أقدامها عن المجيء إلى الموقع بعد استقرار سير العمل، يأتي يوميًا تقريبًا ولا يجدها، فمساعدها هذا المدعو عبد الرحيم، لا يقصر بشيء، حتى حينما افتعل هو مشكلة بالأمس، من أجل أن يراها، قام هذا المتحذلق بالإتصال بها، وحل الأمر سريعًا، لكن اليوم هو أصر على مجيئها. وقد وجد الثغرة التي مكنته من وقف سير العمل ، لتُجبر على المجيء.

هل افتقدها؟ ام هو اشتاق للشجار معها؟ نعم هي الثانية، خصوصًا وهو يراها الاَن، بملابس الرجال، التي تدفن بها انوثة طاغية، رأها هو بنفسه في هذا الفستان النبيتي......

- نعم يا بشمهندس، إيه بقى اللي حاصل بقى، لكل الإشكال ده؟

قالتها تخرجه من شروده بعد ان اشتعلت رأسهِ بصورتها في حفل الخطبة التي ارقت لياليه الماضية، فتحمحم يجلي حلقه، ليخرج بجملة مفيدة:

- طب ارمي السلام الأول يا سيادة المقاول، دا حتى بيقولوا ان السلام لربنا.

تنهدت بقوة تناجي الصبر من الله، قبل ان تخاطبه بلهجة اخف من سابقتها:

- أسفة لو دخلت بعصبيتي من أولها، بس اهو السلام عليكم يا بشمهندس.

- كدة حاف!

غمغمها بداخله وقد تحرقت كفه لمصافحتها وملامسة كفها الرقيقة الناعمة، استدرك سريعًا يجلي رأسه من أفكاره المنحرفة... ليجيب بهدوء:

- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، انا مقدر عصبيتك أكيد، بس بصراحة بقى الأمر مكانش ينفع السكوت عليه. 

- أمر إيه بالظبط اللي يخليك توقفت العمال عن الشغل، وتضيع يوم بحاله؟

سألته بلهاث وعصبية، جعلته يتخلى قليلًا عن بروده في إجابته نحوها:

- انا موقفتش تعنت ولا تعسف لا سمح الله... تعالي بنفسك وانتي تفهمي قصدي.

تحرك امامها وتبعته حتى توقف أمام جدار من المبنى الجديد، ليشير بحد كفه عليه:

- حضرتك الحيطة هنا بشكل مخالف بمسافة واضحة، يعني لو كملنا عليه، هيبقى غيرنا شكل التصميم الأصلي للمبنى. 

صمتت تطالعه بتركيز لتتذكر الرسم الأصلي اين وضعته، ولكنه كان جاهزًا بنسخته ليتناول رسم مصغر على ورقة كبيرة ويفردها أمامها، على الحائط ليشرح:

- تعالي حضرتك وشوفي بنفسك كدة.

اقتربت برأسها منه، وهو ظل يشرح ويشير على النقاط الهامة، قبل أن يتوقف، مستدركًا وقوفها بجواره ورأسها بهذا القرب منه، كانت تتابع بتركيز جعلها تغفل عن نظراته، وقد عادت إليه مشاعر الفستان النبيتي مرة أخرى.....

انتقض فجأة على الرنة المميزة لمجيدة والتي وضعتها هي لنفسها، حتى تجعله في كل مرة يشعر بالحرج، حينما يسمعها احد غيره بصوت المطربة فايزة أحمد:

ست الحبايب يا حبيبه

يا اغلى من روحي ودمي

يا حنينة وكلك طيبة

يارب يخليك


-أيوة يا أمي.

أجاب بها سريعًا، بعد ان ابتعد قليلًا عن شهد التي كتمت ضحكتها بصعوبة، وجاء رد مجيدة:

- ايوة يا حبيبي، عامل ايه دلوقت؟

همس بصوت خفيض بغيظ:

- يعني هعمل ايه بس بعد الرنة دي؟ انتي برضو عملتي اللي في دماغك وغيرتيها، انا شكلي بقى زبالة قدام الناس. 

- ناس مين يا واد؟

قالتها مجيدة قبل أن يصلها صوت عبد الرحيم الذي كان ينادي:

- يا ست شهد، ثواني عايزينك 

سمعت مجيدة لتهتف بلهفة نحو ابنها:

- شهد يا حسن، يعني بتشوفها اهو، امال بتنكر ليه وتقول ما بتجيش الموقع؟

عض على قبضته يهمس برجاء:

- يا ماما بلاش كلامك ده، ابوس إيدك، مش ناقصة فضايح. 

رددت خلفه بتوعد:

- فضايح يا حسن! طب اديهاني اسلم عليها.

-تسلمي على مين يا ماما؟ مينفعش. 

- مينفعش ليه ان شاء الله يا حبيبي، من غير حلفان يا حسن هتديها التليفون دلوقتي عشان اكلمها لا ازعل منك.

- لا طبعًا مش هديها التليفون، دا يستحيل يا ماما إنه يحصل


بعد عدة لحظات قليلة

-اَنسة شهد ممكن لو سمحتي .

تفاجأت الاَخيرة وهي مندمجة في الحديث مع مساعدها، بمن يضع الهاتف في بيدها، ناظرته بتساؤل ولكنه اشار لها نحو الهاتف يردد بمرح يدعيه حتى يخفي حرجه:

- ماما عايزة تكلمك، اصلك وحشاها اوي، شهد معاكي اهي يا ماما.

هتف بالاًخيرة نحو الهاتف قبل ان يتحرك ويبتعد تاركًا شهد لتجيب المرأة بدهشة:

- الووو...

- الووو يا شهد ازيك يا حبيبتي، انا طنت مجيدة يا قلبي، عاملة ايه بقى؟

تبسمت تجيبها لبساطتها وعفويتها:

- حمد لله يا طنت، ازيك انتي؟ وازي صحتك؟


❈-❈-❈ 


بداخل الفندق وبالتحديد بداخل الغرفة التي أصبحت تشاركه بها، يعمل على حاسوبه مرة، وبطرف عينيه يراقب تركيزها الشديد على احد الموضوعات التي أمرها بإكمالها منذ ساعة تقريبًا ولم تنتهي منها بعد، حتى أصبح يشفق عليها، فخرج عن صمته يسألها:

- لدرجادي الحسبة صعبة عليكي؟

رفعت رأسها لتجيبه بتشتت:

- مش حكاية صعبة عليا، بس انا حاسة الحسابات في في بعض الأقسام هنا مش مظبوطة، أو مكررة مش عارفة....

- مكررة ازاي يعني؟

ردد بها وهو ينهض عن مقعده بقلق، حتى وصل إليها يسألها:

- فين بالظبط اللي مكرر؟

بسبابتها كانت تشير لها على بعض الأرقام التي على الشاشة بتركيز افقده عقله، هذه المسافة القريبة منها لم يحسب حسابها قبل ذلك على الإطلاق، انظاره تتنقل من الشاشة وإليها، مرة على الأرقام ومرة على الجمال الذي يقارب الكمال، حتى انتفض فجأة يتمتم بالاستغفار كعادته، حتى جعلها تشعر بالإستياء ككل مرة، بفهم خاطيء دائمًا له، فقالت بدفاعية:

- على فكرة حضرتك لو شايفني غلطانة، انا ممكن اخلص الحسبة واريحك.

سألها بلهجة لينة:

- ومين قالك بقى إني شايفك غلطانة؟

شعرت بالحرج، تجيبه بارتباك وعينيها لا تجرؤ على مواجهته:

- ممش عارفة، بس حسيت كدة!

تبسم بزاوية فمه يتابع عبوس وجهها المختلط بحمرة الخجل الطبيعي منها، فتجعلها شهية كقطعة الحلوى، وتزداد سحرًا على سحرها، ويزداد هو بؤسًا. 

تنهد بثقل وهو يبتعد ليجلس على مكتبه ليخاطبها بجدية:

- انا فهمت وجهة نظرك يا صبا، بس للأسف أنا مش فاضي دلوقتي عشان اتأكد بنفسي، عندي اجتماع بعد نص ساعة تقريبًا، وطبعًا مش هينفع تستنى لبكرة....

ناظرته بعدم فهم، وهو يطرق بأطراف اصابعه على سطح المكتب بتفكير، قبل أن تنتبه إليه قائلة:

- طب ما اروح انا واجمع البيانات بنفسي....

احتدت عيناه فجأة، يود الرفض بشدة، رغم ان هذا من صميم عملها، ولكنه لا يريد لها الخروج وتوسيع دائرة محيطها في الفندق الصخم والذي هو بمثابة دنيا أخرى ، يخشى عليها من كل شيء به، فهو بالكاد يتقبل عملها به، رغم أنها تحت عينيه.

- لو مش موافق اكيد براحتك. 

قالتها بيأس حينما طال صمته، ليجيبها اخيرًا مضطر :

- ماشي يا صبا، انا هتصل بشيف المطبخ يستناكي ويقولك على كل حاجة محتاجها المطبخ من جديد عشان تدوينها، ومدام ميري كمان، ودي سهلة وممكن تعرفك بيها صاحبتك .

اشرق وجهها بابتسامة لم تستطع كبتها، ليردف لها بحزم:

- بس خلي بالك تخلصي وتيجي بسرعة يا صبا، عشان تنجزي باقي الشغل .

اومأت برأسها بتفهم، ولكنه استطرد بقلق:

- يا ريت تسمعي كلامي ومتخلتطيش بأي حد، صاحبتك لو فاضية تجي عندك هنا.

ناظرته بتساؤل واستغراب، ولكنه لم يعطيها فرصة، ليردف مجددًا:

- سمعاني يا صبا، وفاهمة كلامي. 

رددت على الفور خلفه:

- سمعاك والله وفاهمة كمان .

سمعها وظل متسمرًا بالنظر إليها يريد التراجع، ولكنه استسلم في الاخير ليعود لعمله متنهدًا بثقل يتمتم بالاستغفار مجددًا


❈-❈-❈ 


في الجناح الأسطوري والذي كلفت اليوم بترتيبه، تغير الشراشف لأخرى جديدة، تلملم الملابس التي تحتاج لتنظيف، وتضع كل شيء في مكانه، ثم تدور بالمكنسة الكهربائية الكبيرة على السجاد الضخم، وبنفس الوقت ترد على محدثتها في الهاتف الذي تضعه في جيب اليونيفورم وتكتفي بالسماعات فوق الأذن لتؤدي الغرض:

- ايوة يا صبا زي ما بقولك كدة، هو الجناح دا بس اللي فاضل معايا، يعني كلها عشر دقايق واخلص..... طب بقولك ايه ما تيجي، وانا هنزل معاكي عند مدام ميري..... تمام على ما توصلي اكون انا خلصت.

أنهت المكالمة واندمجت في عملها، حتى توقفت فجأة، تتناول هذا الساعة الرائعة التي وجدتها أسفل الكمود، 

وضعتها على كفها تتأملها بانبهار وعدم تصديق، مغمغمة:

- يا لهوي عليا وعلى سنيني، ساعة وفيها فصوص الماظ، دي لو بعتها هتحل كل مشاكلي ومش بعيد ااشتري بيها بيت تاني غير بيتنا .


❈-❈-❈ 


- بس بس، إيه اللي بتعمله دا يا ولد هتموتها.

هتفت بها نور بارتياع وهي ترفع رامي وتبعده عن توأمه رنا، والاَخر يقاوم بغيظ:

- سيبني سيبني خليني اخلص عليها، زي ما بوظت لعبتي.

نهضت رنا تقارعه بتحدي:

- احسن احسن، عشان تبطل تبعدني ومتلاعبنيش معاك .

كلماتها زادت من اشتعال الاَخر، ليصيح ساخطًا، وهو يحاول أن ينزع نفسه من نور التي كانت تجاهد للسيطرة على أعصابها التي كانت ترتخي من فرط ضحكاتها:

- هموتها، لازم اموتها، سيبيني يا طنت. 

- يا بني حرام عليك تعبت إيدي. 

قالتها نور مقهقهة بتعب حقيقي مع وجع ذراعيها، قبل أن تلتف هادرة بالصغيرة التي كانت تقف متخصرة أمام شقيقها باستفزاز:

- يا بنتي ابعدي عنه، اخوكي متعصب بجد .

ولجت زهرة لغرفة الصغار مجفلة على الأصوات، لتردد نحوهما:

- إيه في إيه؟ هببتوا إيه تاني؟

ردت نور تستنجد بها:

- اللحقيني يا زهرة، ابنك عايز يقتل اخته ويموتها.

لملمت زهرة ابتسامتها بصعوبة، وقد أشفقت على نور من فعل توأمها المزعج، ف هدرت نحو ابنها بحزم:

- اهدى يا ولد وفهمني اللي حصل بهدوء، وانتي يا نور سيبيه:

سمعت الأخيرة لتتركه على الفور بعد أن هدأت حركته، ورد رامي بانفعال:

- بنتك يا ماما، بوظتلي اللعبة وانا لازم اخد حقي منها.

نقلت زهرة بأنظارها نحو ابنتها التي كانت تناظرهما بشجاعة زائفة تدعيها في كل مرة تخطأ فيها، سألتها زهرة رغم علمها المسبق بالإجابة:

- بوظتي لعبة أخوكي ليه يا رنا؟

زفرت الصغيرة تقلب مقلتيها قبل أن تجيبها ببساطة: 

- انا بس لعبت بيها، هي بقى اللي باظت لوحدها، هعملها إيه؟

كزت زهرة على أسنانها وصاح رامي بوجه أحمر من الغضب:

- شايفة يا ماما، اهي بتنكر اهي، زي كل مرة، عشان لما اقولك ان هي اللي بوظتها تبقي تصدقيني. 

خاطبته زهرة بمهادنة:

- يا حبيبي هدي اعصابك شوية، دي باردة وهتشلك.

- يعني وبعدين هاخد حقي ازي؟

صاح بها بصوت عالي اجفل نور التي تماسكت بصعوبة، لتتابع زهرة ومحاولاتها في التوفيق بين الإثنين، حتى صرفتهما وغادرا الغرفة، ولم يتبقى سوى ظافر أصغرهم، فقد كانت تحمله على ذراعها، تناولته منها نور فور أن جلست بالقرب منها على تخت رنا، وقالت تخاطبها بحرج:

- سامحيني يا نور، لو تعبوكي الأولاد دول، بس انتي شوفتي بنفسك، انا تعبت وفاض بيا منهم.

تأثرت الاَخيرة تقبل ظافر الصغير، قبل أن ترفع رأسها إليها وتقول:

- يا ستي ربنا يخليهمولك، اينعم هما اشقيا لدرجة غبية، بس حلوين والله ودمهم خفيف.

رددت خلفها زهرة بتعب:

- دمهم خفيف إيه بس؟ دول مصايب هما الجوز، طب تصدقي بإيه، إن جوز المتخلفين دول، كانوا بيتخانقوا مع بعض وهما في بطني ومن قبل ما يتولدو!

- مش معقول!

تفوهت بها نور شاهقة بذهول، وردت زهرة بتأكيد:

- وربنا زي ما بقولك كدة، انا كنت بحس بيهم وبرفسهم جوايا، دا انا طلع عيني فيهم، لدرجة اني حلفت بيني وبين نفسي، إني توبة ومش هكررها تاني، بس ربنا بقى أراد اني اخلف بعدهم الأستاذ ظافر، رغم كل الإحتياطات اللي اخذتها، تقدري كدة تقولي، إنه جه غلطة.

تبسمت نور تردد وهي تقبل الطفل:

- والله أحلى غلطة، طب يا ريت كل الغلطات حلوة وجميلة كدة، يا ختي، قمر يا ناس.

طالعتها زهرة بابتسامة ضعيفة لتقول بحرج:

- ربنا يكرمك يارب وتغلطي انتي كمان. 

توقفت نور تحتضن الطفل بقوة متسائلة:

- تفتكري دا ممكن يحصل فعلًا؟ انا قربت افقد الأمل يا زهرة.

هتفت الأخيرة ترد بانفعال:

- وميحصلش ليه بقى؟ انا سمعت كذا مرة من جاسر، ان لا انتي ولا مصطفى، حد فيكم فيه عيب.

- هو فعلا زي ما بتقولي كدة، لكن مع ذلك ماشين في السنة التامنة من ساعة جوزنا أهو، ومفيش أي حمل بيحصل.

قالتها نور ثم توقفت بنتهيدة كبيرة خرجت من عمق ما تحمله بداخله من ألم، وشردت بعينيها بعيدًا تضيف:

- صعبان عليا أوي مصطفى، بيخاف حتى ما يلعب مع طفل من أولاد عدي، لتتحفه والدته بتعليق مستفز ، ولا بنظرة غامضة من مرات اخوه الغريبة دي، رغم اني بشوفه بنفسي وهو عينه اللي هتطلع عليهم، صعبة قوي دي يا زهرة... 

قالتها وختمت بدموع سقطت منها، مسحتها سريعًا، لتتمالك أمام زهرة التي ربتت بكفها على ذراعها تقول بتحفيز وهي تنهض:

- خلي أملك كبير بالله يا نور، بطلي التفكير اللي يتعب ده، وقومي يالا معايا، خلينا ننزل نحصل الجلسة عند جاسر وكاميل.....

قطعت على سماعها لصوت صراخ قادم من الغرفة المجاورة، توقفت لبرهة وقد علمت مصدر الصوت، لتكز على أسنانها تهدر ساخطة بغضب:

- يا ولاد ال..... ، تاني برضوا.

قالتها وخرجت من الغرفة راكضة، نهضت نور هي الأخرى، مخاطبة ظافر الذي مازالت تحمله بين يــ ديها:

- تعالى يا حبيبي، نلحق اخوك قبل ما يخلص على اختك!.... يا نهار أبيض، دا انا كرهت الخلفة بجد عشانهم، جوز المصايب دول.


❈-❈-❈ 


وصلت صبا بالقرب من الجناح المقصود، لتتوقف مخاطبة صديقتها عبر الهاتف:

- انا وصلت يا ست مودة، خلصتي ولا لسة؟ خدي بالك انا مش هستني كتير........ طب يالا بسرعة بجى خليني اشوف الريسة بتاعتك دي واخلص مهمتي.... تمام.

انهت المكالمة تزفر بضيق متجنبة النظر حولها، لتتجاهل النظرات المصوبة ناحيتها من المارة بجنساتهم المختلفة، إن كانو عرب او أجانب او حتى مصرين أثرياء، فهذا الطابق لا يحتوي بغرفه سوى الصفوة، أما البشر العادين فلن يكونوا هنا سوى موظفين أو عمال من الفندق 

زفرت بارتياح فور ان رأت مودة وهي تخرج من الجناح بعدة العمل التي تحملها معها، تبسمت لها المذكورة وهي تخطو لتقترب منها، 

قبل أن تجفل كالبلهاء وتتعلق عينيها بهذا المهيب الذي خطا يتخطاها، ليدلف خلفها داخل الجناح، فرددت تبتسم بهيام نحو الأخرى فور أن توقفت أمامها:

- يا لهوي يا بت يا صبا، شوفتي الباشا اللي عامل زي نجوم السيما دا؟

القت صبا بنظرها نحو باب الجناح الذي دلف منه الرجل تقول بضيق واستخفاف:

- باشا بجى وكلام فاضي، ما تلمي نفسك يا مودة، وسيبك من سهوكة البنتة دي.

كشرت لها الأخرى تقول بإحباط:

يا باي عليكي يا صبا، مفيش مرة كدة تمشي معايا ع الخط وتفكي شوية، احنا بنات على فكرة ودي حاجات عادية بالنسبالنا، ولا انتي مش بنات؟

- لا طبعًا مش بنات.

قالتها صبا بمناكفة، وافتر ثغرها بابتسامة رائعة تتابع لها:

- ما تحاوليش معايا يا ماما، انا حالة ميؤس منها اساسَا، 

يعني تاخديها من جاصرها، وخلينا نشوف شغلنا يا حبيبتي .

لوت ثغرها بامتعاض لترد وهي تتناول الهاتف من جيب ملابس العمل:

- طب استني دقيقة يا ختي على ما اتصلك بالست، واشوفها قاعدة فين بالظبط لتكون.....

فطعت فجأة على صيحة أتت من خلفها تجفلها:

- انتي يا بت انتي فين الساعة بتاعتي؟

التفت مودة بذعر نحو محدثها، لتجيبه بتلجلج:

- ننعم حضرتك ساعة إيه؟

- اقترب بوجه غاضب يرد باستهجان:

- نعم يا ختي، إنتي هتستعبطي...

هتفت به صبا غاضبة:

- لو سمحت خلي بالك من اللفاظك. فمفيش داعي للغلط، عايز الساعة يبقى تسأل بذوق. 

رفع عدي أنظاره من مودة، لتقع عينيه على صبا التي كانت خلفها ولم ينتبه لها سوى الاَن ، فخرج سؤاله نحوها بتحفز:

- إنتي مين؟

واجهته بعينيها الجميلة تجيبه بتحدي:

- وانت مالك؟

قالتها ببساطة أجفلته لتجول انظاره على الوجه الخمري ولون العيون المميز، ثم هبطت عليها وعلى ما تريديه بجرأة أزعجتها، حتى اشتعلت لتصبح القطة التي على وشك الإنقضاض بخصمها، فخرج سؤاله الثاني بتأني:

- إنتي شغالة هنا؟

- وانتي مالك إن كنت شغالة هنا ولا مش شغالة؟ مالك بيا أساسًا؟

قالتها صبا بحدة أرعبت مودة لتهتف بالاَخر بصوتها المهزوز:

- يا سعادة الباشا، لو ع الساعة، أنا هدخل حضرتك اشوفهالك جوا، أكيد يعني هكون سندتها في حتة وانا بنضف الجناح، عن اذنك اروح اشوفها. 

- روحي، وانا مستنيكي هنا.

قالها وعينيه لم ترفع عن صبا التي كانت تزفر بحريق، من سماجة ووقاحة هذا الرجل الغريب، لتشيح بوجهها عنه، في تجاهل صريح منها نحوه.

أما عن الأخرى فبداخل الغرفة، وبحركة سريعة ادعت انها تبحث عن الساعة، قبل على تجثو على ركبتيها، لتخرجها سريعًا بخفة من المكان الذي وجدتها فيه، ثم صاحت بصوتها العالي:

- انا لقيتها، لقيتها هنا تحت السرير يا فندم. 

قالت الأخيرة وهي تخرج من الغرفة بلهفة، لتعطيها له، تناولها منها يتفحصها جيدًا، ثم سألها بريبة:

- ولما هي تحت السرير، ما لقيتهاش ليه من الأول وانتي بتنضفي؟

ابتلعت ريقها مودة لتجيبه وقلبها يرتجف من الخوف:

- اصلها كانت مزنوقة في مكان مداري، خدت بالي دلوقتي بس منه.

صمت يحدجها بنظرة غريبة لعدة لحظات جعلت صبا تهتف بنزق:

- اطمنت على حاجتك يا فندم، ياللا بينا احنا بقى يا مودة .

قالتها لتتحرك معها الأخرى ولكنه أوقفها بصوته:

- انا قولت انتي مين؟ جاوبي على سؤالي الأول.

التفت إليه تتميز من الغيظ، وتمالكت حتى لا تحتد عليه، لتكتفي بقوله له، قبل أن تغادر وتتركه:

- وانا قولت انت مالك؟

ظل يتابعها لعدة لحظات ينظر في أثرها مشدوهًا بعدم تصديق لفعلها وجراتها على مناطحته، وجمالها المختلف لكل ما رأه سابقًا، ملفتة للنظر بحق.

صدح هاتفه بالإتصال، وتناول يجيب محدثه:

- ايوة يا كارم......... انا كنت خارج من تلت ساعة تقريبًا، بس افتكرت اني نسيت الساعة قبل ما ادور العربية، ورجعت تاني اخدها........... هقولك ع اللي أخرني، بس لما اجيلك.


❈-❈-❈ 


- وصلت زهرة الى مقر الجلسة التي تضم مصطفى، ومعهم طارق وكاميليا التي كانت تتناقش مع خالد في موضوع مهم يخص العمل، فهتفت بزو جها الذي تفاجأ بهيئتها مع أطفاله الصغار 

- جاسر، اتفضل شوف شغلك مع جوز المتخلفين دول.

- مالهم الولاد يا زهرة، مسكاهم ليه زي الحرامية كدة؟

قالها جاسر وهو ينهض عن مقعده مجفلًا، وردت نور التي كانت تتبع زهرة حاملة الطفل الصغير:

- أولادك اشقيا يا جاسر وانت لازم تتصرف، انا ومامتهم بصراحة تعبنا اوي معاهم. 

رد مصطفى من الناحية الأخرى بمرح، رغم هذا الوخز الذي شعر به مع رؤية زو جته وهي تحمل بيدها الطفل:

- وتتعبي نفسك ليه بس انتي يا قلبي؟ دا ناس واخدة ع المرمطة مع أطفالها المتخلفين على رأي زهرة.

ضحكت نور وهي تجلس بجواره، مع انطلاق التعليقات الساخرة من طارق:

- ايوة بقى، الراجل خايف على مراته الفنانة، ما تسربوهم يا جدعان ولا تشوفلهم صرفة، انا نفسي تعبت منهم .

تدخل خالد ايضًا:

انا قولتلها من الأول، تجيبهم عندي اسبوعين مع رقية، إن ما كانت تعلمهم الأدب، مبقاش انا .

جاسر والذي جثى على ركبتيه امام الأطفال، كان يستمع بابتسامة مستترة، يدعي الغضب امام الأطفال ليخاطبهم:

عاجبكم كدة؟ كل مرة تكسفوني قدام الناس.

تبادل رامي ورنا النظرات المتحفزة، وارتفعت انظارهما نحو والدتهم، والتي قالت بحنق:

- بيضربوا بعض عشان لعبة يا جاسر، انا من رأيي تحرمهم من اللعب خالص على العابهم، وتلغي كمان الفسح، ولا اقولك انا هشتكي لجدهم...

قالتها وصدرت صيحات التذمر:

- لا يا ماما وحياتي عندك، مش هنعمل كدة تاني يا بابا.

رفعت زهرة حاجبًا شريرًا وهي تتركهما مع والدهم، لتشارك الجميع الجلسة، وقال طارق:

- سيبتيهم لجاسر عشان يعاقبهم، طب اقطع دراعي لو قدر عليهم.

ضحكت كاميليا وقال خالد بسخرية:

-بيربوهم يا عم على أصول التربية الحديثة، مالها العصايا بس؟ دي ربت أجيال؟

ضحك طارق يضيف عليه:

- ولا الشلوت ولا القلم كمان، آخر حلاوة.

تدخل مصطفى بعد ان طبع قبلة على كف ظافر الصغير:

- انا من رأيي إن الأساليب دي غلط، بس مش مع كل الحالات، يعني مع رامي ورنا ممكن، لكن مجد ده بقى حاجة تانية.

ردد طارق من خلفه:

- لا يا باشا دا برنس لوحده، تحس كدة انه مولود متربي، رغم انه اكتر واحد أخد الدلع.

هتف جاسر الذي كان متابعًا للحديث بعد أن صرف الأطفال:

- لابوه طالع لابوه يا طارق .

سمع الاَخير ليعقب ساخرًا:

- يا عم روح خليني ساكت احسن، قال ابوه قال.

قالها وانطلقت الضحكات في جلسة تتكرر كل فترة من الوقت، بعد اسابيع او بعد شهور، المهم انها لا تنقطع 


❈-❈-❈ 


- أخوك النهاردة عند جاسر الريان في بيته، وعاملين جلسة عائلية، تعرف انت بالكلام؟

هتف بها كارم نحو الاَخر، اثناء جلستهم بإحدى المطاعم الفاخرة، بعد انتهائهم من صفقة عمل مع أحد العملاء الأجانب وانصرافهم، ليتابع:

- اكيد طبعًا متعرفش، ولا تعرف؟

تبسم عدي يجيبه بسؤال:

-مش لما اعرف انت الأول عرفت منين يا كارم؟

صمت الاَخير يرتشف من كأسه، ثم أجاب:

- انا مش براقبه، دي بس معلومة وصلتني بالصدفة كدة، بس انت بقى مش مستغرب زيي؟ اخوك كل يوم علاقاته بتزيد مع جاسر ومجموعته، ودا خطر علينا يا باشا.

سأله عدي:

- خطر ليه بقى؟

تبسم كارم ليردد بغيظ:

- ما تركز معايا يا عم، ولا انت مش واخد بالك بعلاقات اخوك الممتدة بحكومات اجنبية وعربية واستثمارات، بالمليارات، مصطفي جامد اوي، ومجموعة الريان ليها اسمها اللي مسمع في السوق هنا....

- ايوة ما هو مشاركهم فيها.

قالها عدي مقاطعًا، ورد الاَخر بحدة:

- انا خايف ليدخلهم معاه في شغله الكبير، افهمني بقى، مالك يا بني انت مش مركز معايا ليه النهاردة؟

تبسم الاَخر يقول بهدوء:

- في إيه يا كارم، وانت مالك بتدقق معايا ليه اوي كدة؟ ما تخافش يا سيدي، الأمور تحت السيطرة، انا برضوا صاحي لأي شاردة وواردة.

سمع كارم يناظره بتفحص، ثم قال باستدراك:

- هو انت لسة برضوا مشغول بموضوع الساعة اللي اختفت الصبح والبت اللي وقفت قصادك؟

صمت الاَخر قليلًا بتفكير قبل ان يجيبه بغمزة:

- مكنتش مختفية، انا شاكك فيها دي، لان البنت مقعدتش دقيقتين وخرجت بيها، دا غير الحجة اللي قالتها كمان، مكنتش مقنعة.

- قصدك انها حرامية؟

قالها كارم بتحفز واعين مشتعلة بالغضب، وكان رد عدي الهادي:

- انا بقولك انه مجرد شك، بس انا اللي شاغلني بجد دلوقتي هي التانية، علقت في دماغي من ساعتها يا جدع.

تبسم الاَخر يسألها بخبث:

- حلوة؟

- اوي اوي اوي يعني.

قالها عدي ليعلق الاًخر:

- لا لا انت عيارك فلت وشكلك كدة عايز تظبيط، هي البت ميرنا مش قايمة بالواجب معاك؟

ضحك عدي مجلجلًا، ينفي بهز رأسه، وتابع كارم:

- كمان! لا بقى انت حلك كدة ترجع لطنت بهيرة ولا احنا نبلغ ميسون احسن، دي بقى اللي هتجيب من الآخر معاك...

- اعوذ بالله.

هتف بها عدي مقاطعًا بضحكاته يردف:

- يا عم افتكر لينا حاجة عدلة، هو انا ناقص نكد بسيرتها، دي مش بعيد تطلعلي في الحلم. 

ظل كارم لفترة من الوقت يضحك لا يقدر على التوقف، حتى تمكن اخيرًا ليقول:

- ولما هو كدة، اتجوزتها ليه يا عم؟

اجابه عدي بضحكاته العالية هو ايضًا:

- تخليص حق، اتجوزتها تخليص حق.

 الفصل التاسع 


يوم جديد وصباح يتجدد بمسؤليات تنتظرها، ولا تستطيع الفكاك أو التنصل منها، خرجت من البناية بصحبة شقيقتها الصغرى التي ودت اليوم أن تخرج بصحبتها لتقلها في السيارة معها.

- ايوة بقى يا ست رؤى، توصيلة ببلاش وحق الدرس مدفي جيبك مع المصروف، استغلال بحق وحقيقي يعني.

قالتها شهد بتفكه وهي تفتح باب السيارة لتستقل مكانها خلف عجلة القيادة، ضحكت لها الأخرى وهي تنضم معها في الكرسي الأمامي المجاور لها لتقول:

- مش انا الصغيرة، ييبقى من حقي بقى استغل واعمل على كيفي كمان .

عبست شهد بوجهها تدعي الغضب وهي تدير المحرك لتتمتم بتصنع الغيظ:

- دا بدل ما تقولي عنك يا ختي، وخدي المصروف وحق الدرس، بتقوليها في وشي، انتي يا بت جايبة البجاحة دي منين؟

ردت رؤى تشاكسها بخبث:

- جايباه من أمنية، مش هي اختي برضوا.

قالتها لتقهقه في الضحك بشقاوة، وتمتمت شهد :

- يا بنت ال.......

ضغطت حتى لا تخرج سبة وقحة وهي تمنع نفسها بصعوبة عن الضحك بصوت عالي أثناء قيادة السيارة.

حينما هدأت ضحكات رؤى خاطبتها سائلة:

- مدام جيبتي سيرتها، كلميني بقى عنها، هي عاملة إيه دلوقتي مع خطيب الهنا بتاعها اللي جرستنا عشانه؟

خبئت ابتسامة رؤى لتجيبها بحرج:

- انا مبشوفهاش كتير عشان الدورس والمذاكرة، بس هي طبعًا طول اليوم يا بتتزوق، يا بتتفرج ع التليفزيون، يا بتتكلم مع ابراهيم، والاخيرة طبعًا هي اكتر حاجة، انا مش عارفة، دول مبيزهقوش من الرغي والخناق، اقسم بالله انا بصدع لو جات وقفت جمبي وسمعت حتى  لو جزء من كلامهم، دول فعلاً شبه بعض .

تبسمت شهد بزواية فمها دون ان تحيد بعينيها عن الطريق لتسألها:

- طب وشغل البيت، ما بتساعدتش والدتك في أي حاجة خالص؟

نفت رؤى بهز رأسها لتقول:

- ولا حتى الطبق اللي تاكل فيه بيهون عليها تغسله، أمنية اتعودت على التناحة وامي هي السبب، بتخاف منها ومن صوتها وصريخها، امنية دي مفترية.

قارعتها شهد بانفعال:

- لا يا حبيبتي، امك هي اللي ضعيفة وبتشجعها ع النطاعة، المثل بيقول الحاكم الضعيف فتنة وانتي والدتك هتشلني بسلبيتها....

قطعت لاهثة فجأة، تستدرك العمر الصغير لشقيقتها، وحتى لاتفهم كلماتها بالخطأ عن والدتها، خصوصًا، وهي ترى هذا التأثر الذي بدا جليًا على وجه الفتاة، فقالت بأسف:

- معلش يا رؤى،إن كنت اتعصبت ولا اتنزفزت، دي لحظة صبحية وانا باين عليا هبتدي يومي بالعك من أولها.

تبسمت رؤى لها بضعف ولم تتكلم، فقالت شهد مغيرة دفة الحديث:

- طب والواد ابراهيم متعرفيش اخباره ايه؟ اشتغل في شقته بقى ولا لسة؟

ردت رؤى تهز كتفيها بعدم معرفة:

- معرفش، ماما مبتحكيش قدامي حاجة.

سمعت شهد وظلت صامتة لبعض الوقت تتابع طريقها، ثم سألتها بحرج:

- بس هو مبيجيش البيت صح؟ ماشي ع التعليمات ولا اا إيه؟

أجفلت رؤى في البداية وقد باغتها السؤال، لتنفي بهز رأسها بتوتر صامتة، حتى لا ينطق لسانها بالكذب، وهي لا تريد الكذب على شقيقتها 


❈-❈-❈ 


- تاني يا ابراهيم، هو انت عايز مشاكل يعني ولا إيه؟

قالتها أمنية وهي تقف تسد بجسدها المكتنز مدخل الباب، فقال الأخر متهكمًا:

- طب ما تتطرديني احسن، هو انا شحات عندكم يا بت؟

إبتلعت بتوتر وعينيها تجول على أعلى السلم وآخره، تراقب حركة الجيران، لتقول بتخوف:

- منظرنا كدة على باب الشقة مش حلو يا ابراهيم، والجيران هنا عينهم تدب فيها رصاصة.

- طب قولي لنفسك. 

قالها والتفت متنبهة على نبرة صوته لتجد منه النظرة الثاقبة المتفحصة على جســ دها وما ترتديه من عباءة منزلية بيتيه، من القماش الناعم الذي يلتصق بها على بعض الأماكن، نظرة على قدر ما تنعش انوثتها، بأن تشعر أنها مرغوبة في أعين رجل كإبراهيم صال وجال في عالم النساء بسمعة تعلمها من حديث فتيات الحي عنه قبل ذلك، لكن في نفس الوقت تخيفها؟

- امشي يا ابراهيم، امي في السوق، وشهد محرجة عليك اساسًا ان متجيش هنا .

قالتها متصنعة الحزم، بلغة يفهما ابراهيم جيدًا، وهي التمنع بدلال، وهو الخبير بعالم النساء يجيد التعامل معها ويراوض عقلها الغبي جيدًا، لذلك قال:

- بقولك إيه يا بت، انا محدش يحكم عليا، خصوصا، لو كان الحد دا حــ رمة .

- وحد كان قالك توافق انت وابوك؟ ما انتو اللي سكتو وخلتوها، مش كلمتها عليكم.

قالتها واشتعلت عينيه حتى اعتقدت انه على وشك الهجوم عليها، فتراجعت خطوتين حتى تغلق الباب بوجهه لو فعلها حقُا، انقذها خروج جارتهم، السيدة أم هشام والتي القت التحية بنظرات مرتابة نحوهما:

- صباح الخير يا أمنية، صباح الخير يا ابراهيم، عاملين إيه؟

ردت امنية خلفها التحية بصوت عالي لتداري توترها:

- صباح النور يا خالتي، تعالي اقعدي شوية واشربي الشاي مع امي جوا.

التفت لها المرأة برأسها بنفس النظرة لتقول:

- ليه بقى يا حبيبتي، لهي لسة مرحتش السوق؟ اما ولية كسلانة صحيح .

قالتها ومصمصت بشفتيــ ها تصدر صوت مستهجن قبل ان تلتف لتهبط الدرج وتتركهما، لتغمغم امنية خلفها بامتعاص:

- ولية عقربة، خدت بالك من تلميحاتها ونظرتها لينا؟

التفت توجه الحديث إليه بعصبية:

- بس انتي اللي جايب الكلام والحديت بوقفتك الغريبة دي، الولية دي انا عارفاها كويس مش بعيد تقابل امي في السوق وتعملها قصة، انا عارفة انت مش هتستريح غير لما تسوء سمعتي، انا عارفة...

- وإيه تاني يا روح امك؟

قالها مقاطعًا يجفلها بلهجته العدائية نحوها، لتلتصق بالباب تكاد أن تموت في جلدها، بعد أن أسهبت كعادتها في السخط والصياح كما تفعل دائمًا مع والدتها وشقيقاتها، وانتظرت رد فعله بعد فترة من التحديق المستمر بها، ليبث في قلبها الرعب، قبل أن يرمي سيجارته على الأرض يدعسها بقدمها، ثم قال:

- عارفة يا بت ال....... لولا اني مش عايز افرج الناس عليكي صح، لكنت دلوقتي مسحت بيكي بلاط السلم ده، ولا كنت اخلي فيكي حتة، بس اقولك انتي لسة حسابك عندي، وانا برضوا ابن كلب عشان جيت وعبرت واحدة زيك، بتشوفي نفسك عليا يا اختي، لكن ع العموم انا عندي إستعداد افضها سيرة واخلص.... وعادي اوي  على فكرة.

قالها وتحرك يسحب شياطينه معه، أما هي فقد كانت على وشك ان تقع مغشيًا عليها، خوفًا من التنفيذ في أن يفسخ الخطبة، تحركت خلفه تهتف بجزع:

- براهيم ، استني يا ابراهيم، يا نهار اسود، هو انت هتسبني بجد ولا إيه؟ براااهيم. 

كادت ان تهبط خلفه درجات السلم، قبل ان تنتبه على ما ترتديه وهذه العباءة الملتصقة بها، فعادت مضطرة لتدخل منزلها وتتناول الهاتف، لتلح بالإتصال عليه، وهو كالعادة لن يرد إلا بمزاجه ووقت أن يريد،  بعد أن تتذلل له بالبكاء والرسائل المتعددة ليرضى عنها.


❈-❈-❈ 


يا لهوي ع الحلاوة، إيه الجمال ده بس يا ناس؟

هتفت بها رحمة تجفل صبا التي كانت في طريقها نحو مخرج البناية بعد ان خرجت من المصعد، ف التفت لها الأخرى بابتسامة مشرقة لتعود إليها وتصافحها بمودة وقالت بتساؤل:

- إيه دا إنتي رايحة فين بلبس الخروج ؟ وإيه اللي موجفك هنا جمب السلم؟

ضحكت لها رحمة تجيبها:

- يا ستي انا رايحة اقبض معاش الست الوالدة، بس واقفة هنا استنى البواب، اصلي بعته على طلب كدة، فقولت اقف في مكان مختصر شوية بدل ما ابقى في وش اللي رايح واللي جاي، المهم بقى، إنتي عاملة إيه في شغلك الجديد؟

قالت صبا متمتمة بالرضا.

- الحمد لله، كويس جدا وانا مبسوطة اني بلاجي نفسي فيه.

أومأت رحمة لتسألها:

- واخويا شادي بقى عامل إيه معاكي في الشغل؟

سمعت صبا السؤال لتزم شفــ تيها بابتسامة ملحة قبل أن تجيبها:

- بصراحة متزعليش مني،  اخوكي دا مش رئيسي في العمل لكن انا والنعمة مستغرباه، دا بيستغفر ربنا كل ما يشوفني وكأني لابسة عرياني أو فيا حاجة غلط، والكلام دا على فكرة مش بس من ساعة الشغل، لا دا من وجت ما سكنا جمبيكم هنا في العمارة، لدرجة اني كنت بسأل نفسي في كل مرة، هو في ما بيني وما بينه طار با يت يعني؟ ولا انا كنت مرات ابوه ولا إيه بس؟ فهميني

سمعت منها رحمة لتنطلق في موجة من الضحك، لا تستطيع التوقف، حتى استطاعت القول اَخيرًا بشيطنة ومكر:

-يارب في مرة يسمعك يا صبا، عشان ساعتها يبقى طار ما بينكم بجد.

شهقت مرددة:

- لا لا بلاش الدعوة دي الله يخليكي، دي ساعة صبحية، ودا راجل صعب، ربنا جعل كلامنا خفيف عليه.

قهقهت رحمة مرددة:

- يا بت الإيه، بتقولي كدة على اخويا وفي وشي، طب انا هبقى فتانة وابلغه بالكلام ده، وهو اساسًا على خروج دلوقتي، يالا بقى استلقي وعدك منه يا ناصحة. 

بنصف شهقة خرجت منها ادعت الصبا الخوف لتقول:

- يا نهار أبيض، هو انا جولت حاجة غلط عشان تفتني عني؟ دا مديري في الشغل وباشا مصر كمان، ايه اللي انتي بتقوليه ده؟ عن اذنك بجى، انا لازم احصل شغلي عشان مديري ميزعلش مني، عن إذنك. 

قالتها والتفت مغادرة على الفور، ولكنها القت بابتسامة شقية نحو رحمة التي هتفت لها:

- اه يا جبانة 


❈-❈-❈ 


أمام المراَة كانت تستعرض نفسها وتتأمل  بتركيز شديد حتى تستكشف إن كان حدث تغير ما بهيئتها التي تدفع فيها المبالغ الطائلة، فهذا هو الشيء الذي تعيش عليه، هو رأس مالها بالاصح، والذي من أجله خسرت الكثير. 

- جامدة .

تفوه بها خلف ظهرها قبل ان تلتف ذراعيه حولها ويُحيطها من الخلف.

ليقبل رأسها متابعًا بلهجة مغوية:

- ومثيرة وقنبلة فتنة. 

تبسمت بزهو يكتنفها في كل مرة يذكر لها هذه الكلمات، لتزيد من  ثقتها وتحثها على المضي قدمًا، فقالت:

- حلو أوي الكلام ده، أنا بنبسط أوي لما احس اني عجباك يا كارم .

- أممم

زام بها يسننشق عبيرها ويــ داه التي تحاوطها تجول على منحانياتها وتزداد جرأة، يتمتم بأنفاس ساخنة:

- أنتي دايمًا عجباني من ساعة ما كنتي قطة صغيرة في الجامعة، لغاية ما بقيتي بكامل الأنوثة المتفجرة دي. 

قالها ليلفها إليه ويطبق على شفتــ يها بقبلاته الجامحة ويعتصرها بين ذراعيها، برغبة محمومة لا تهدأ أبدًا، تتقبلها باستجابة ظاهرية له بكل جوارحها، لتزيده تعلقًا بها، وتأخذ هي في نظير ذلك المقابل. 

نزع نفسه عنها فجأة مجفلًا على طرق باب الغرفة، ليهدر صائحًا بالطارق:

- مين اللي ع الباب؟

وصل صوت الخادمة الذي اهتز من صيحته:

- انا المربية إحسان يا فندم، أصل الهانم الكبيرة اتصلت بيا تستعجلني عشان اروحلها بالولد.

فلتت رباب نفسها عنه بغضب متجهمة الوجه تعطيه ظهرها،  ورد هو يجيب المرأة:

- خلاص جهزيه يا إحسان على ما البس انا كمان واخرج عشان اخدكم معايا . 

- امرك يا فندم. 

قالتها المرأة وذهبت ليلتفت نحو هذه التي تكتفت تهتز بجســ دها بعصبية يعلم سببها جيدًا، وقال يأمرها بخشونة:

- محبش حد انا يديني ظهره، لفي وشك يا رباب عشان تكلميني. 

سمعت منه لتقابل نظرته الباردة، بغيظ يفتك بها حتى تنفــ جر به:

- عايز مني إيه؟ ما انت كدة كدة بتعمل اللي انت عايزه، حتى لو جه على حساب كرامتي، الست والدتك بتتصل بالمربية يا كارم، ومش هاين عليها تكلمني انا والدته، طب انا كدة من حقي بقى اني اخد موقف ومخليهاش تشوف الولد نهائي بعد كدة.

- إيه هو اللي من حقك بالظبط؟ سمعيني تاني 

قالها بنبرة هادئة مريبة، دائمًا تنجح في بث الرعب بها، لتبرر بصوت مهتز:

- انا بتكلم عن كرامتي يا كارم، مامتك من ساعة ما اتجوزنا وهي مش متقبلاني،  وانت شوفت بنفسك، كام مرة احاول اتقرب لها، وهي اللي بترفض وتبعد، حتى لما خلفنا الولد برضوا بتفرض سيطرتها في الاستحواذ عليه، دا ابني انا يا كارم.

على نفس النبرة الهادئة:

- وهو في حد خد منك ابنك؟ 

ثم ارتفعت سبابته ليطرق بطرف الإصبع على خدها يتابع:

- الولد بيقضي وقت لطيف مع جدته يا قلبي، بلاش تبقي وحشة وتحرمي ست عن حفيدها، أنا متعود عليكي قمورة وحلوة، يعني مفيش داعي انك تغيري صورتك الجميلة دي في عنيا، عشان انا كمان متغيرش ولا اقلب على الوش التاني معاكي، ماشي يا بيبي. 

ظلت على وضعها تناظره بصمت تبتلع ما تبقى بداخلها من اعتراض، فهو يفعل ما يشاء وهي اعتادت ان تظل في الركن الذي وضعها به، لا تتحرك ولا تحيد بإنش عنه .

قرص على طرف ذقنها بابتسامة منتشية مستمتعًا باستسلامها، ليردد:

- هي دي روح قلبي .

قالها واقتنص قبلة سريعة وقوية منها قبل ان يتركها تحترق بعجز يكتفها حتى عن الدفاع عن حقها بابنها .


❈-❈-❈ 


بخطوات سريعة متعجلة كان يقطع طريقه في بهو الفندق العظيم، نحو الغرفة التي يعمل بها، وقد أصبحت المقر الرئيسي لسعادته، حيث الجمال والروح النقية بقربه، حيث الرقة والقوة في نفس الوقت، حيث الصبا، وعيون الصبا.

وصل اَخيرًا كي يصطبح بوجه القمر، وجهها، كما يطلق عليه بداخله، ويلقي التحية بقلبه، قبل أن يلقيها بلسانه:

- صباح الخير.

قالها لتنتبه إليه وترفع وجهها عن الهاتف الذي كانت تتلاعب به، وتجيبه باحترام وهي تعتدل في جلستها:

- صباح النور.

تحمحم يجلي حلقه ليقول وهو يتخذ مكانه على كرسي مكتبه:

- عاملة إيه النهاردة؟

- كويسة والحمد لله. 

قالتها بعجالة وحرج وهي تتناول احد الملفات لتعمل عليها، فهذه اول مرة يسألها عن شيء آخر لا يخص العمل، شادي الجار الغريب، خشن الملامح، متجهم الوجه دائمًا، ولكنه رجل محترم هذا ما لمسته بنفسها خلال الأيام القليلة الماضية.

سمعت صوت استغفاره المعتاد قبل يوجه السؤال إليها:

- خلصتي البيانات اللي طلبتها منك امبارح؟

أجابته بعملية وهي تعود للبحث في الملفات:

- اه خلصتهم، وعملت ملف جديد بالحسابات الجديدة،  بعد ما عدلت القديم، اجيبلك تشوف.

قالت الأخيرة وهي ترفع الملف الذي اخرجته من وسط كوم من الملفات.

ناظرها بصمت قليلًا ثم قال:

- أنا مطمن لحسبتك يا صبا، هخدهم عشان اراجع بس، لكن قوليلي بقى، حد من عمال الفندق او المقيمين ضايقك؟

نفت تهز رأسها لتجيبه:

- لا يعني.... انا ملفتش كتير، يدوبك قابلت مدام ميري وسجلت كل اللي تحتاجه الغرف، وبعدها روحت المطبخ عند الشيف منصور ودا راجل مشهور وسكرة اساسًا.

تغضنت ملامح وجهه فجأة يردد خلفها باستهجان:

- مشهور وسكرة كمان، هو لحق يهزر ويضحك كمان معاكي؟

شعرت بمعني غير مريح خلف كلماته، فقالت بدفاعية:

- ضحك أو هزر، دي حاجة عادية للشيف، هو دايمًا روحه خفيفة ع الشاشة، ولما شافني امبارح اتكلم معايا ببساطة عشان متكسفش منه.

اطرق يكبح غضبٌ يلوح في افق عقله الضيق والذي لن يرضى لها بالحديث او الكلام مع أي رجل غيره، حتى لو كان هذا الرجل هو الشيف منصور، صاحب أشهر برنامج يعلم النساء الطبخ، هذا بالإضافة أنه بعمر ابيها،  شعر بضيقها ومبالغته بغير حق في تصرفه معها، فقال ملطفًا:

- هو انت بتابعي الشيف منصور عشان بتحبي الطبخ يا صبا؟

نفت بهز رأسها صامتة، فتابع متسائلًا:

- أمال إيه؟

تبسم ثغرها فجأة لتجيبه ببساطة:

- بحب اتفرج عليه وهو بيعمل الأكل، واشوف التعليقات من الستات اللي بتتصل عليه، إنما طبخ وتنفيذ مبعرفش، يعني خايبة بمعني اصح.

أسعده عفويتها في الرد حتى أنه لم يشعر بنفسه وهو يبتسم بعرض وجهه لتفاجأ برؤية أسنانه البيضاء بشدة،  وتكتشف انه انسان عادي مثلها يأتي عليه الوقت ويضحك، حتى لو كان هذا السبب هو خيبتها في الطبخ. 

- السلام عليكم .

قالتها امرأة من عمال الفندق وهي تقتحم الغرفة، ف انقلب وجه شادي بسرعة ليعود لتجهمه ويسألها:

- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، عايزة حاجة يا مديحة؟

ردت المرأة وعينيها تتنقل عليه وعلى صبا:

- مش انا اللي عايزة يا استاذ شادي، دا البيه مالك الفندق، عدي باشا، طالب جميع الموظفين يتجمعوا.

- جميع الموظفين!

قالتها صبا بتساؤل، وردت المرأة:

- ايوة طبعًا بدون استثناء، عن اذنكم بقى.

قالتها لتخرج وتمتم خلفها شادي:

- كل عمال الفندق! يا ترى عايزنا في إيه عدي عزام ؟


❈-❈-❈ 


على كرسيها الاَثير كانت جالسة ترتشف الشاي من كوبها الكبير، بتفكير عميق، فيما يشغل عقلها منذ عدة أيام أو بمعنى أصح؛ منذ عدة سنوات لا تعلم عددها، في انتظار الفرج، يغيظها هذا البرود وعدم التصرف، تريد شيء ما يحرك المياه الراكدة، لقد تعبت من الدعوات والوعود المماطلة من زوج الثيران التي تعيش معهم ولا أحد يُنفذ، لقد سأمت ولا تريد سوى الفعل الان.

- رايح فين يا غالي؟

هتفت بها سريعًا فور ان انتبهت لإبنها الذي كان في طريقه للخروج الاَن، استدار إليها الاَخير ليُجيبها بابتسامة زادت من عصبيتها:

- يعني هكون رايح فين بس يا ست الكل؟ دا ميعاد شغلي يا قمر .

إلتوى ثغرها بامتعاض تعقب:

- وهو الشغل دا مبينتهيش؟ ولا حالة الأمن هتتأثر لما ابن مجيدة ياخد أجازة في البلد دي؟

جلجلت ضحكة مدوية من أمين وهو يتراجع إليها يردد بمشاكسة:

- إيه ده إيه ده؟ الست الناظرة عايزاني اتخلى عن مسؤلييتي في حفظ الأمن! ليه بس كدة يا أمي؟ دي حتى كانت تبقى عيبة في حقي.

قال الاَخيرة وكان قد اقترب منها لتصبح بوجهه:

- اسم الله يا غضنفر، إنت يا واد انت هتشلني؟ ولا انا عندي قلب يعني للمناهتة معاك. 

- لا إله إلا الله.

رددها ليتابع بذهول لها:

- يا ستي هو انا زعلتك في إيه بس؟ مالك يا مجيدة؟ إيه اللي معصبك؟

وكأنهأ كانت منتظرة الإذن، لتترك الفنجان وتضعه بعنف على الطاولة القريبة منها، وهي تصرخ به:

- إللي مزعلني هو البرود يا حبيبتي، مرارتي معدتش متحملة، عايزة تغير يا عنيا، زهقت منك ومن خلقتك، أنت والحلوف التاني، عايزة أشكال تفتح النفس غيركم. 

فهم ما ترمي إليه، ليوميء بهز رأسهِ يهادنها بالكلمات النمطية المعتادة:

- حاااضر يا ست الكل، إدعيلي بس انتي وانا افرحك قريب.

- تاني هتقولي قريب!

صرخت بها تجفله لتتابع بصياحها:

- لأ وكمان بتقولي إدعيلي؟ غور من وشي يا واد، انا مش هدعيلك، لا دا انا هدعي عليك إنت واخوك غور يا أمين.

ارتد الاَخير بخطواته للخلف ليبتعد بروية مرددًا بكبت ضحكاته:

- طب حاضر، حاضر يا ست الكل، بس انتي متزعليش نفسك.

- بقولك غووور. 

- خلاص يا ست الحجة انا خرجت اهو.

هتف بالاَخيرة فور أن وصل إلى مقبض الباب ليفتح ويخرج منه على الفور. 

وغمغمغت مجيدة بصوت لاهث يفيض بالغيظ من خلفه:

- روح يا أمين، إلهي يارب توقع في واحدة تطلع عينك، زي ما انتي تاعبني كدة وفاقع مرارتي، و.....

قطعت فجأة وراسها اشتعلت الدماء به، لا أحد يشعر بها، لا أحد يحاول، ولكنها لن تصمت هذه المرأة ويجب أن تتصرف، ولكن ماذا تفعل؟ ماذا تفعل؟ استدركت فجأة، فومض عقلها بفكرة ما، ويجب عليها التنفيذ الاَن، تناولت الهاتف، لتضعط على الرقم الذي اخذته من هاتف ابنها الاَخر، والذي ربما قد يأتي منه الحل، انتظرت لبعض الوقت حتى وصلها استجابة من الجهة الأخرى:

- الوو مين معايا. 

سمعت مجيدة لتقول بصوت لاهث تدعي التعب:

- الووو.... ايوة يا حبيبتي انا خالتك مجيدة......

- طنت مجيدة مين؟ 

قالتها شهد قبل أن تتابع بتذكر لصاحبة الأسم المميز:

- اه طنت مجيدة، اهلا بيكي يا طنت.

سمعت الاَخرى لتردد بصوت تزيد عليه بالمسكنة:

- اهلا يا بنتي سامحيني، بس دا رقم الوحيد اللي حفظته، وانا عايزة أي حد يوصلني بابني، اصله مبيرودش وانا تعبانة اوي.

اعتدلت شهد بجلستها عن المكتب لترد على المرأة بقلق:

- الف سلامة عليكي، مالك يا ست مجيدة؟

وصلها الصوت الضعيف:

- بقولك يا حبيبتي تعبانة، شكله كدة الضغط وانا مش قادرة اقوم اجيب برشامة، وانا وحيدة ومعنديش بنات ولا اخوات.

ختمت بصوت يوشك على البكاء، أثر على شهد حتى انتفضت عن مقعدها لتجيبها:

- طب انا دلوقتي في مكتبي، بس هدور عليه واسأل، هو أكيد مسمعش رنتك، سلامتك يا حجة، الف لا بأس.

- الله يسلمك يا حبيبتي الله يسلمك .

اغلقت مجيدة لتصفق بحماس، في انتظار الاَتي، وتمتمت بتفكير:

- اهو كدة بقى هيبان، لو هي بنت كويسة هتبلغ حسن وتسأل، اما بقى لو معبرتش يبقى تغور في داهية. 

حلاوتك يا مجيدة يا بتاعة الافكار 


❈-❈-❈ 


ولج بداخل منزل العائلة، بصحبة الصغير الذي هتف فور أن رأى جدته:

- تيته...

تلقفته المرأة لترفعه عن الأرض وتقبله بحفاوة مرددة:

- يا قلب تيتة إنت يا روحي يا روحي. 

اقترب منهما كارم ليُلقي التحية، وخلفه المربية التي كانت تحمل أشياء الصغير وحقيبته:

- صباح الخير يا ماما، عاملة ايه النهاردة ؟

قبلت والدته رأس الصغير قبل أن تجيبه وهي تزيد بمعانقته:

- حمد لله يا بني. لكن دي مش عوايدك تدخل مع الولد وفي الصبح كدة، إيه؟ واخد أجازة من الشغل؟

اومأ بعينيه قبل ان يلتف إلى المربية ويأمرها:

- إحسان، خدي عمار خليه يلعب في الجنينة على ما تخرج لكم ماما. 

انتبهت والدته أنه جاء لأمر ما، لذلك استسلمت تعطي حفيدها للمربية، وسارت تلحق به حتى جلست امامه على مقاعد صالونها الكلاسيكي، وقالت مبادرة:

- ها بقى، خير يا سيدي؟

صمت قليلًا يطالع وجهها المتجعد بتفكير ثم ما لبث أن يقول:

- خير أن شاءالله،  بس سؤال يعني، لما انتي عايزة الولد يا ماما، ماتصلتيش ليه عليا ولا على رباب؟

ارتفع حاجبيها ونزلوا سريعاً باستدراك لترد وهي تبتسم بعرض وجهها:

- ليه بقى يا حبيبي؟ ما انا قايلالك من يومين، إن الولد هيجي يقضي اليوم النهاردة عندي، ولا هي الست مراتك اللي زعلت بقى؟

عبس بوجهه بوجهه يقول:

- حقها طبعًا يا ماما، انتي ليه رافضة تتقبليها؟ دي مرات ابنك بقالها كذا سنة ودلوقتي أم حفيدك .

اهتزت كتفيها لتجيبه ببساطة:

- عشان القبول من عند ربنا وانا مش قبلاها ولا قابلة شخصيتها كلها على بعضها، أنا حرة بقى.

صك على فكه يحاول السيطرة على غضبه، وهي تابعت بعدم اكتراث:

- إنت عارف السبب، لذلك متحاولش معايا، احنا صلة رحم ومودة محفوظة من بعيد لبعيد، لكن قُرب ولا اتصالات، لأ يا كارم، انا كفاية عليا قوي عمار، عندي بالدنيا كلها .

زفر بحريق نشب بداخله ثم نهض على الفور ملقيًا كلماته على عجالة:

- زي ما تحبي يا ماما، عن إذنك .

قالها وغادر على الفور ، لتغمغم هي في اثره:

- افرح بيها اوي يا خويا، لكن برضوا مهمها شفطت ولا نحتت ولا حتى نفخت، عمرها ما هتيجي نص كاميليا، بس اقول إيه؟ ما هي دي اللي تليق لك وتنفع معاك .


❈-❈-❈ .


في القاعة المخصصة لكبار الزوار والتي لا يدخلها سوة الصفوة، حيث تجرى الإجتماعات والصفقات المهمه للعمل، والحفلات واللقاءات الاجتماعية للعائلة وطبقتها المخملية، كان جالسًا كالملك على عرشه يستقبل ويراقب دخول الموظفين والعمال تباعًا لينضموا إلى من سبقهم، 

في انتظار اكتمال العدد وشيء اَخر بداخل عقله.

دلفت مودة التي كانت تتمسك بصبا، بأعين جاحظة تكاد أن تخرج من مقلتيها، تتمتم بانبهار على وشك أن يذهب بعقلها كل ما وقعت عينيها على شيء ما من الديكور والحوائط المطلية بالذهب والثريات الضخمة بحبات الكريستال المتدلية منها:

- يا لهوي يا صبا، انا حاسة نفسي هتجنن، دي قاعة دي ولا قصر ملك؟

همست لها الأخيرة بغيظ:

- إمسكي نفسك شوية واتعدلي في مشيتك، متخليش حد ياخد باله منك ولا من كلامك ده، في أيه يا مودة؟

سمعت منها المذكورة لتفعل وهي تتذكر هيئتها أمام الجميع، وقال شادي الذي كان يسبقهم بخطوة واحدة متعمدًا عدم الإبتعاد عنها او تركها بعيدًا عن عينيه، بضيق يجثم على صدره ولا يعرف مصدره:

- معلش يا مودة، انتي لازم تقفي جمب فريقك دلوقتي، وصبا تاخد مكانها جمبي بحكم انها المساعد بتاعي في القسم .

تغضن وجه مودة بامتعاض وهمت أن تجادله، قبل أن تجفل وتجحظ عينيها للمرة الثانية، فور أن انتبهت لرؤية هذا الذي كان جالسَا بهيئة ملوكية وعينيه مصوبة نحوهما، وبالأخص على صبا التي توقفت بصدمة وشحب وجهها لدرجة الصفار، وقد تلاقت عينيها بعينيه.

- وقفتي ليه يا صبا؟

سألها شادي وقد انتبه هو الاَخر لنظرة عدي نحوها، ابتلعت تجيبه بسؤال:

-- الراجل اللي قاعد قدامنا ده، هو نفسه صاحب الفندق. 

ازداد ضيقه مع توقفها، وانتباهه على النظرات المصوبة نحوها، رغم امتلاء القاعة بالجميلات ولكنها ومن دون مجهود، تظل ملفتة، بدون تفكير، أطبقت قبضته على رسغها من فوق قماش سترتها، ليسحبها يتمتم بهمس حذر:

- حركي نفسك الأول وبعدين اسألي، مينفعش الوقفة في النص كدة

رغم استغربها ولكنها كانت ممتنة لفعله، وخرج صوتها اَخيرًا، بعد ان جعلها خلف احد السيدات:

- طب انا كنت عايزة اسألك برضوا، هو دا مالك الفندق؟

تنهد بثقل يجيبها اَخيرًا، بعد ان وضعها بزواية بعيدة حد ما عن الأعين:

-- ايوة هو يا صبا، بس مش المالك الفعلي، دا ملك عيلته، عيلة عزام، اخوه مصطفى اشهر من النار ع العلم، لكن انتي بتسألي ليه؟

ابتلعت ريقها الذي جف، وشعور بالقلق يجتاحها، مع هذا الدوار الذي حل برأسها على الفور وبدون مقدمات.

- لا يعني سؤال عادي. 

تفوهت بها برد غير مقنع له، ولكنه تغاضى حتى ينتبه لصوت المدير العام وهو يهتف بصوته العالي في الجميع:

- لو سمحتوا كلكم تنتبهو معانا هنا، وتركزوا كويس، عدي باشا مش هيجتمع ولا يقطع من وقته المهم لمقابلتكم إلا إذا كان الأمر مهم.

أكمل الرجل ببعض الكلمات ليُخيم الصمت على الجميع، قبل أن ينهض عدي، ليغلق سترته ويتكلم بهيبة ورزانة يجيدها بحنكة اكتسبها على مر السنوات بمرافقة شقيقه الأكبر ووالده في السابق:

-السلام عليكم، انا عارف انكم مستغربين جمعتكم، ويمكن لما تسمعوا بالسبب تستغربوا اكتر إني إديت الموضوع حجم المرة اكبر من كل المرات، عشان اتكلم فيه بنفسي، يا سادة انا مجتمع بيكم عشان اللجنة الأجنبية اللي هتيجي تقيم الفندق على مستوى الشرق الأوسط، أكيد هتقولوا إن احنا كل سنة بناخد مركز متقدم، لكن بقى هقولكم ان المسابقة المرة دي اشرس من كل السنوات مع ظهور فنادق جديدة في بعض البلاد ، عايزة تسحب البساط مننا، لكن المرة دي بقى أنا مصمم ان محدش يسبقنا ولا ياخد مركزنا، بل بالعكس، أنا عايز اننا ناخد المركز الأول، هتقولولي ازاي والمنطقة فيها بلاد متقدمة عننا هقولكم احنا نقدر، ولذلك انا اتفاهمت مع المدير، عشان يحط الخطط، بس كمان قررت اشركم، لذلك انا بطلب من كل واحد فيكم لو عنده اقتراح يقولوا ولا في مشكلة برضوا ينوه عنها عشان نحلها .

خرجت بعض الأصوات ببعض الاَراء ولكنه اوقفها بإشارة منه:

- وصاحب الفكرة اللي تستاهل له عندنا جايزة، علت الهمهات بالترحيب والحماس وارتفعت الأيادي، لينتقي منهم ما يشاء، حتى اذا انتهى من سماع فريق، امر بتسجيل الفكرة او الرأي ثم صرفهم، فريق خلف فريق تباعًا حتى لم يظل سوى بعض الأفراد وقسم شادي الذي كان يتفتت من الغيظ، لجعله ينتظر آخر القائمة، رغم أنه الأحق والأجدر لسماع مقترحاته، غير منتبه على التي كانت تغلي بجواره، 

وقال عدي موجهًا خطابه نحوه بعد ان صرف الرجل الذي كان يسبقه:

- وانت يا شادي معندكش افكار انت كمان؟

اجابه على الفور رغم انتقاص الحماس بداخله:

- حضرتك انا اكتر واحد يخصه السؤال ده، بحكم وظيفتي زي ما انت عارف، لو هنتكلم عن الأفكار، ف انا عندي خطط مدونة بالتكاليف وكل شيء، حتى ممكن اقول....

اوقفه بإشارة من يده:

- ثواني يا شادي، انا هسمع واعرف منك اللي انت عايزه، بس الاول بقى عايز اسأل اللي واقفة جمبك دي؟ انتي مين؟

قالها مشيرًا بإصبعه، نفس السؤال الذي كان بالأمس، ولكن هذه المرة واضعًا قدم فوق الأخرى، وهي مجبرة على الرد بكل احترام وتبجيل، على عكس تمردها بالأمس.

سبقها شادي بحمائية:

- حضرتك دي تبقي في القسم بتاعي....

قاطعه بإشارة كفه للمرة الثانية مرددًا بتسلط:

- بسألك، انتي مين؟

ضغطت بداخلها تحاول السيطرة على جنون يتراقص بعقلها، لتهدر به مرددة نفس عبارة الأمس:

- إنت مالك؟

ولكنها تمالكت تسمع لصوت الحكمة، لتجيبه بابتسامة بلاستيكية وثقة تنبع من عزة نفسها:

- انا صبا يا فندم، مساعد الاستاذ شادي في القسم بتاعه.


❈-❈-❈ 


بغرفة مكتبه في المصلحة الحكومية وعلى الماكت التي يعمل بها كان مندمجًا عليه بتركيز شديد، لتصميم هندسي لإحدى المشاريع المحددة، أجفل فجأة على صيحة انثوية به:

- إنت لسة موجود هنا ومروحتش لوالدتك؟

انتفض ليصعق بوجود شهد أمامه، بعد أن وصلت اخيرًا بعد تحركها السريع عقب اتصال مجيدة بها، لتستقل سيارتها على الفور ، وتذهب بقلقها على المرأة نحو المصلحة التي يعمل بها، بعد أن عرفت بوجوده الاَن، رددت مرة أخرى لتزيد من دهشته:

- في إيه يا بشمهندس؟ بسألك عن الست الوالدة، لسة برضوا مروحتلهاش ولا فتحت التليفون عشان تشوفها؟

قطب يناظرها بعدم فهم ليتمتم متسائلًا:

- انتي بتقولي إيه؟ انا مش فاهم منك حاجة.

قالها ليجفل للمرة الثانية على صيحتها به:

- بسألك عن والدتك التعبانة، دي حتى مش قادرة تقوم من مكانها تجيب برشامة الضغط:

- والدتي انا تعبانة كدة، يا نهار اسود 

هتف بها بجزع، ليتناول سترته، ويركض سريعًا ويغادر لحقت به شهد حتى توقف امام سيارته، ليغمغم سائلًا فور ان رأها امامه وهو يفتح باب سيارته:

- انتي عرفتي منين؟ مين اللي قالك ان امي تعبانة؟

ردت شهد وهي تتحرك نحو سيارتها:

- والدتك هي اللي اتصلت عليا، عشان انت مبترودش عليها، وهي وحيدة ومش لاقية حد يساعدها، انت لسة هتنح، متخلص يا عم، خليني امشي بعربيتي وراك عايز اطمن ع الست.

قالت الأخيرة بصيحة جعلته يلج بداخل السيارة على الفور، ولكنه وما هم ان يدير المحرك، حتى تخبط في أفكاره، يشعر ان هناك خطأ ما، فوالدته لم تتصل عليه منذ الصباح!

- إيه هو ده؟ انا مش فاهم حاجة.

غمغم بها قبل ان ينتفض للمرة التي لايذكر عددها، وذلك على الصوت المزعج لبوق السيارة التي خلفه، سيارتها، وهي تلوح له من النافذة لأن يتحرك .

تنهد حسن باستسلام، ليتحرك ويقود سيارته، نحو الذهاب إلى منزل العائلة، ومعرفة ما الذي اصاب واالدته، مع انه يشك بصدق القصة، فبرشامة الضغط تناولتها في الصباح امام عينيه!، إذن ماذا يحدث؟


الفصل العاشر من هنا


بداية الروايه من هنا


مجمع الروايات الكامله من هنا


إللي عاوز يوصله اشعار بتكملة الروايه يعمل إنضمام من هنا


 🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺

  روايات كامله وحصريه 

🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹


1- رواية اتجوزت جوزي غصب عنه


2- رواية ضي الحمزه


3- رواية عشق الادهم


4 - رواية تزوجت سلفي


5- رواية نور لأسر


6- رواية مني وعلي


7- رواية افقدني عذريتي


8- رواية أحبه ولكني أكابر


9- رواية عذراء مع زوجي


10- رواية حياتك ثمن عذريتي

🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺


🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺

11- رواية صغيرة الايهم


12- رواية زواج بالاجبار


13- رواية عشقك ترياق


14- رواية حياة ليل


15- رواية الملاك العنيد


16- رواية لست جميله


17- رواية الجميله والوحش


18- رواية حور والافاعي


19- رواية قاسي امتلك قلبي


20- رواية حبيب الروح


21- رواية حياة فارس الصعيد


22- سكريبت غضب الرعد


23- رواية زواجي من أبو زوجي


24- رواية ملك الصقر


25- رواية طليقة زوجي الملعونه


26- رواية زوجتي والمجهول


27- رواية تزوجني كبير البلد


28- رواية أحببت زين الصعيد


29- رواية شطة نار


30- رواية برد الجبل


31- رواية انتقام العقارب

🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺


🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺

32- رواية الداده رئيسة مجلس الإدارة


33- رواية وقعتني ظبوطه


34- رواية أحببت صغيره


35- رواية حماتي


36- رواية انا وضورتي بقينا اصحاب


37- رواية ضابط برتبة حرامي


38- رواية حمايا المراهق


39- رواية ليلة الدخله


40- سكريبت زهرة رجل الجليد


41- رواية روح الصقر


42- رواية جبروت أم


43- رواية زواج اجباري


44- رواية اغتصبني إبن البواب


45- رواية مجنونة قلبي


46-  رواية شهر زاد وقعت في حب معاق


47-  رواية أحببت طفله


48- رواية الاعمي والفاتنه


49- رواية عذراء مع زوجي


50- رواية عفريت مراتي


51- رواية لم يكن أبي

🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺


🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺

52- رواية حورية سليم


53- رواية خادمه ولكن


54- سكريبت لانك محبوبي


55- رواية جارتي وزوجي


56- رواية خادمة قلبي


57- رواية توبه كامله


58- رواية زوج واربع ضراير


59- نوفيلا في منزلي شبح


60- رواية فرسان الصعيد


61- رواية طلقني زوجي


62- قصه قصيره أمان الست


63- قصة فتاه تقضي ليله مع شاب عاذب


64- رواية عشق رحيم


65- رواية البديله الدائمه


66- رواية صراع الحموات


67- رواية أحببت بنت الد أعدائي


68- رواية جبروتي علي أمي


69- رواية حلال الأسد


70- رواية في منزلي شبح


🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺


🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺


71- رواية أسيرة وعده


72- رواية عذراء بعد الاغتصاب


73- رواية عشقتها رغم صمتها


74- رواية عشق بعد وهم


75- رواية جعله القانون زوجي


76- رواية دموع زهره


77- رواية جحيم زوجة الابن




ادسنس وسط المقال

تعليقات

التنقل السريع
    close
     
    CLOSE ADS
    CLOSE ADS