أخر الاخبار

رواية فراشه في سك العقرب حب اعمي الجزء الثاني الفصل الاول والثاني والثالث والرابع والخامس والسادس والسابع والثامن والتاسع بقلم الكاتبه ناهد خالد حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات

 رواية فراشه في سك العقرب حب اعمي الجزء الثاني الفصل الاول والثاني والثالث والرابع والخامس والسادس والسابع والثامن والتاسع بقلم الكاتبه ناهد خالد حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات 


"أحيانًا لا نعرف كيف نجونا، رُبما بدعوة مخلصة من قلب يحبنا، ورُبما بمشيئة الرب!" 


تسمرت محلها حين لمحت بجانب عينيها وقوفه القريب لحد ما، وصمتت تمامًا عن الحديث غير قادره على التفوه بحرف واحد ورد الفعل الصحيح تجهله، فماذا ستفعل وأين ستخفي الهاتف وهو يقف مجاورًا لها وعينيهِ بالتأكيد لا تفارقها، ثواني مرت عليها كالساعات حتى أتت مشيئة الرب حين دلفت "نورهان" لغرفته فجأة ليلتفت لها فتسرع "فيروز" التصرف وهي تسقط الهاتف في اناء زرع قريب منها ووقفت تعدل خصلات شعرها وكأنها لا تنتبه لهم...


_ ايه يا حبيبتي محتاجه حاجه؟ 


نظرت له بتردد واضح جعله يحثها على الحديث فقالت بحذر:


_ كنت عاوزه اسألك سؤال لو هيعصبك بلاش ترد.


ابتسم لها ابتسامة صغيرة وقال مشجعًا:


_ اسألي.. 


فركت كفيها بقلق بالغ وسألته:


_ مبتفكرش تحل مشاكلك ما مازن؟ 


استند على سور الشرفة بإحدى زراعيهِ وقال ببسمة ساخرة:


_ لأ، مبفكرش. 


قطبت ما بين حاجبيها بحزن وضيق في آنٍ:


_ ليه؟ عمر العداوة ما تستمر بين الاخوات يا شاهين. 


_ بتستمر عادي.. طول ما هم اتفننوا في أذية بعض.. تحبي اعدلك كام مرة مازن أذاني؟ أو محتاجه اعرفك هو أذاني لدرجة ايه؟ 


احنت رأسها أرضًا وصمتها كان مفسرًا فلوى فمه باستهزاء والتف ينظر خارج الشرفة يتعمق في السماء السوداء الكاحلة والتي بات قلبه يشبهها في عتمتها. 


زفرة خانقة صدرت منها وبعدها ربتت على كتفه بمواساة وقالت:


_ أنا أسفة.. مكانش قصدي افكرك. 


_ مبنساش عشان تفكريني. 


قالها بنبرة ظهر فيها القسوة والألم، فسحبت كفها وانسحبت هي نفسها بعدما القت نظرة على "فيروز" الواقفة بشرفتها تعطيها ظهرها.. 


بعد ثواني من الانغماس في قسوة الماضي وذكرياته الأليمة نفض رأسه عن كل ما يدور بها، والتف للواقفة على الجهة الأخرى ليجدها تضع كفها على أذنها كما كانت فتجعدت ملامحه قليلاً محاولاً فهم ما تفعله، ولِمَ تضع كفها هكذا! 


_ فيروز؟ 


وعنها فلقد استمرت على نفس الوضع كي لا تثير شكوكه، لأنها تعلم أنه إن نظر لها سيسألها عن وضعها الغريب وحينها ستخترع له حجة تبدد أي شكوك لديهِ.. 


نظرت له وكأنها تفاجأت الآن بوجوده، رفرفت بأهدابها قبل أن تجيبه


_ نعم! 


_ انتِ حاطة ايدك على ودنك ليه؟ 


دلكت أذنها بكفها وجعدت ملامحها في ألم مصطنع قبل أن تقول:


_ وجعاني بقالها شوية وحساها بتوش. 


سألها بحيرة:


_ دي أول مرة ولا ساعات بتتعبك؟ 


أنزلت كفها وابتسمت بهدوء وهي تجيبه:


_ لا متقلقش هي ساعات كده بتتعبني اصل مانا وانا صغيرة وانا عندي مشكلة في طبلة ودني اليمين حتى تلاقيني مبسمعش بيها كويس. 


وقد كانت حقيقة فعلية، فهي لديها مشكلة في أذنها اليمنى أثر حادث تصادم حدث لها حين قررت العمل في بيع الفل لأول مرة.. كانت تائهة وتشعر بالتوتر والتخبط في آنٍ فلم تكن قد اعتادت بعد المرور بين السيارات واشارات المرور المغلقة والمفتوحة! وكعادة أي فتاة فكانت سرعة السيارات تربكها وتخيفها، وفي أول يوم لها في العمل حين فُتحت إشارة المرور دون انتباه منها وبدأت السيارات تتحرك أصابها الارتباك وهي ترى السيارات تمر من حولها دون توقف وأصوات الزمور القوي عزز ارتباكها، فتحركت بعشوائية جعلت إحدى السيارات تصطدم بها، لم يكن الصدام قوي، ولم يحدث بها ضرارًا واضحًا، لكن بعد عدة أيام عانت من ألم في أذنها التي سقطت عليها على الأرضية الصلبة، لتكتشف أنها قد أصيبت بثقب صغير في طبلة الأذن.. يسبب لها ألم من حين لآخر، ومع علو الأصوات تحديدًا يفقدها صوابها وهذا كان له السبب الأكبر في عدم تحملها لصراخ الرجل الذي كان في القبو... 


_ مقلقتش. 


قالها ببرود، فرفعت حاجبيها باستنكار لرده وقالت ساخرةً:


_ حتى قولي انك قلقت ولو بالكدب! وانا اللي كنت بسأل نفسي ليه المسافة دي كلها بينك وبين مراتك.. دلوقتي فهمت.


استند على سور شرفته الجانبي ليصبح قبالتها وهو يسألها بتهكم:


_ايه بقى اللي فهمتيه يا فيلسوفة؟


ربعت ذراعيها أمام صدرها وهي تجيبه بتهكم مماثل:


_ مش محتاجة فلسفة ولا حاجة.. يعني بصراحة أنا شايفة إنك شخص ملكش تعامل مع البشر، فأكيد مراتك كمان مش عارفة تتعامل معاك وده سبب الخلاف اللي مش فهماه بينكوا، رغم أنها متتخيرش عنك يعني المفروض تليقوا مع بعض جداً.


ارتفع جانب فمه ساخرًا:


_ وانتِ بقى اللي بتعرفي تتعاملي مع البشر، عشان كده مش عارفه تاخدي قرار في حياتك وأي حد يقولك كلمتين تقفي في صفه.


قطبت ما بين حاجبيها غاضبًة بعدما فكة عقدة ذراعيها وسألته بتحفز:


_ يعني ايه؟


اعتدل في وقفته هو الآخر وقال:


_ يعني أول ما مازن اقنعك انه هيحللك مشكلة القضية وهتبقى شقة امك ملك ليكي وقفتي في صفه ونفذتي اللي هو عاوزه، وبذكائك عشان تكسبي قضية كان ممكن تكسبيها بطرق كتير تانية وقعتي نفسك في مصيبة مش هتعرفي تخلصي منها.. ده طبعا لو الحكاية حكاية قضية.. وشقة.. ميكونش ماسك عليكي حاجه كده ولا كده.


_ المصيبة دي اللي هي انتَ مش كده؟ 


مسد وجهه بكفه وحرك رأسه يائسًا منها فلقد تركت كل ما تحدث فيه وعلقت على أتفه ما بهِ.. 


_ مش بقولك ذكية! 


اقتربت من السور المشترك بين الشرفتين حتى أصبحت ملاصقة له وبات يفصلها عنه عدة سنتيمترات قليلة، نظرت له بغضب حقيقي وهي ترغب في سبّه لكنها تحكمت في لسانها بالكاد وهي تقول:


_ انتَ مش بس مصيبة، ده انتَ مصيبة سودا ووقعت على دماغي.. لو كنت اعرف اني هتقابل مع شخص زيك عمري ما كنت وافقت وتغور الشقة، بس للاسف دلوقتي مازن عنده فعلا اللي يهددني بيه عشان اكمل.. 


وتركته دالفة لغرفتها وقد اغلقت باب الشرفة بالقفل الالكتروني...


حسنًا لقد اعترفت.. هناك شيء ما لم تقوله وهو ما يهددها مازن بهِ، إذًا الأمر بات واضحًا، الحقيقة ليس لها أي علاقة بشقة وقضية الوضع أخطر بكثير، ولكن ما الشيء الذي يضغط بهِ مازن عليها؟ هل الأمر يتعلق بالشرف أم شيء آخر؟؟!!! 


والغريب أنه حين خطر بباله أن الأمر قد يتعلق بعلاقة ما جمعتها بمازن أو بغيره شعر بنفسه يضيق، وكأن صدره يرفض ما توصل إليه عقله، والاغرب أن هناك صوت في قاع عقله يخبره أنها لا تفعلها، لا تتورط بهذا النوع من المصائب القذرة، وهناك في قمة عقله صوت يخبره ولِمَ لا؟ ألم تفعلها غيرها؟ وغيرها لم تتوقع منها أن تكون على هذا القدر من الحقارة.. هل ستثق مرة أخرى؟ ألم تأخذ عهدًا على نفسك ألا تضع رأيًا في أي امرأة أيًا كانت.. مجرد رأي! وأن تتوقع منهم دائمًا أن يدهشوك بالخيانة والغدر والحقارة التي يتلاعبن بها! 


زفرة قوية أخرجت الكثير والكثير من خبايا صدره، تبعها بدلوفه لغرفته ليخلد لنوم جديد يهرب فيهِ من الماضي الأليم والحاضر المؤذي.. 


حين سمعت اغلاق باب شرفته فتحت بابها برفق وحذر وخرجت تأخذ الهاتف من اناء الزرع ودلفت مسرعة للداخل تتنهد براحة.. وما ان فتحت شاشة الهاتف لتطلب رقم والدتها حتى تفاجأت أن مكالمة مازن قيد الاستمرار! 


_ الو؟ 


_ أمان؟ 


جلست فوق الفراش وهي تجيبه:


_ ايوه تمام انا في اوضتي، انا فكرت الخط فصل. 


_ لأ. 


كان صوته غريبًا لم تفهم سبب وجومه وحدته، ولم تدع نفسها حائرة كثيرًا وهي تسأله بتردد:


_ مال صوتك؟ في حاجة حصلت؟ 


بالطبع لن يخبرها انه استمع لحديث "نورهان" و "شاهين" الذي حرك بهِ شيئًا ما يمقته، وأثار الضيق في نفسه حتى أنه فكر أن يغلق المكالمة لكن الفضول دفعه للاستمرار ومعرفة ما سينتهي اليه الأمر.. وكالعادة "شاهين" ينال اعتذرًا مُحملاً بالأسف، و "مازن" ينال اتهامًا مُحملاً باللوم، متى سيقف أحدهم في صفه دون أن ينصر" شاهين" عليهِ؟ متى سيجد من يفهم ألمه هو الآخر ومبرراته كما يفعلون معه؟ 


_ زعلت من كلام شاهين؟ ولا إن نورهان مقالتش في حقك كلامك تدافع عنك؟ 


تجمدت ملامحه تفاجئًا بحديثها، هل فهمت ما أزعجه دون أن يبوح؟ 


_ الاتنين. 


تنهدت قبل أن تقول بنبرة لينة:


_ أمي دايمًا كانت تقولي مفيش حد بيعترف بغلطه، عشان كده ملكش حق تزعل من كلام شاهين.. هو طبيعي مش شايف نفسه غلطان حتى لو هو فعلاً غلطان، ونورهان حتى لو عاوزه تدافع عنك مش هتعمل كده لأنها شافته ازاي مضايق، فهتأجل انها تقول كلمة تضايقه أكتر حتى لو كانت كلمة الحق. 


ولأول مرة يقرر الإفصاح عن بعض ما يعتمر صدره فسألها:


_ ولو نورهان فعلا شايفة شاهين مظلوم ومعندهاش كلمة أصلا تقولها في حقي تدافعي بيها عني. 


_ يبقى ده لسببين.. إما شاهين عارف يقنعها كويس بغلبه ومسكنته وانه مستحيل يأذيك وده أنا شوفته بعيني وشوفت ازاي ألف حكاية عني أنا وهو واقنعها بيها.. إما انتَ فعلاً مش مظلوم بس زي أي انسان مبيعترفش بغلطه. 


_ وتتوقعي انهي الصح فيهم؟ 


صمتت قليلاً، وأخذت نفسًا تبدد بهِ حيرتها:


_ انا شوفت بعيني ازاي قدر يقنعها بحكاية مزيفة في دقايق.. حكاية لو أنا مش طرف فيها كنت صدقتها وكرهتك.. وفي نفس الوقت قلبي بيقولي انك مش السبب في الخلاف بينكوا، وبعدين امتى المجرم بيكون بريء وصادق! 


لقد اعطته الشعور الذي يفتقده، أن يثق بهِ أحد دون أن يحتاج لكثير من الدلائل والمبررات المقنعة، أن يؤكد أحد على أنه الطرف المظلوم وليس الظالم، الطرف الصادق والبريء. 


وبالتأكيد هذا ما جعله يخرج عن صمته ويبوح بالكثير من الأسرار التي لم يتحدث بها مع أحد من قبل:


_ شاهين كان اخويا الكبير وابويا وصاحبي، كان مثلي الأعلى وقدوتي، كل حاجة كنت عاوز اكون شبهه فيها، طريقة لبسه وتسريحة شعره، نوع البرفان اللي بيستخدمه، الوانه المفضلة واللي بيلبسها معظم الوقت، طريقة كلامه ومشيته.. لو قولتك اني كنت مهووس بيه لدرجة اني طول الوقت براقبه عشان اكون نسخة منه هتقولي عني ببالغ، بس دي كانت الحقيقة.. 


صوت صمت ساد لثواني جعلها تجلس مستريحة على الفراش وهي تدرك أن المكالمة ستطول، وصوته الشاجن المحمل بلوم وعتاب خفيان ربما يلقيهما على أكتاف شقيقه، وربما يقصد بهما الزمن الذي بدل الأحوال وفرق العزيزين جعل ملامحها توصم بالحزن دون أن تدرك. 


وعنه فقد ترك الهاتف فوق الفراش واسترخى جاعلاً ذراعيهِ أسفل رأسه وكأنه يتحدث مع نفسه ويري مشاهد الماضي تتجسد أمامه على سقف الغرفة! 


_ دايمًا الأخوات بيحبوا يكونوا مختلفين عن بعض، حتى التوأم اللي شبه بعض في الشكل بيكونوا حابين يكونوا مختلفين في الطريقة والكلام ومجال الدراسة والهوايات كنوع من التميز، لكن أنا كنت العكس خالص.. شاهين بيحب اللون البني والأسود يبقى أنا كمان احبهم، شاهين بيكره الأصفر.. أنا كمان أكرهه، شاهين بيلعب بوكس يبقى انا كمان العب زيه، كل حاجه كنت ماشي وراه فيها، ومكنتش شايف ده عيب على قد ما كان حب مني له، كان بابا دايمًا يقولي انتَ تابع لشاهين.. انت بتحاول تكون نسخة منه لكن هتكون نسخة ماسخه ومهما حاولت تكون شبهه هتفشل، كان دايما يقولي انتَ ملكش شخصية وبتعمل كل حاجه شاهين بيعملها مبتعملش حاجه من نفسك ابدًا، كل الكلام ده على قد ما كان بيوجعني على قد ماكنت مبهتمش افهمه او حتى افكر فيه، وفضلت ورا شاهين في كل حاجه.. 


صمت آخر، وتنهيدة طويلة.. 


_ ماما كانت مهتمة بيه اكتر مني ومدياله مكانة وحب اكتر مني بكتير، كنت فاهم إن المكانة دي لأنه الكبير، لكن ليه بتحبه وبتخاف عليه اكتر؟ 


_ مجربتش تسألها؟ 


انتفض بخفة على صوتها كأنه نسى وجودها، ولكن سريعًا ما استكان وهو يجيب وكأن ذكرياته أبت أن تتركه:


_ سألتها... مرة، قالتلي عشان شاهين اتيتم بدري وابوه مات وهو لسه صغير فبحاول اكون له الأب والأم واعوضه. 


_ واقتنعت بإجابتها؟ 


ابتسم ساخرًا وهو يجيبها وقد بدأت الدموع توخز مقلتيهِ دون شعور:


_ مش بس اقتنعت ده انا كمان بدأت أمارس دور الأب واهتم بيه زيها واخاف عليه اكتر منها، ماما من غير ما تقصد زودت هوسي بوجود شاهين، فبقيت شايف ان أي حاجه في الدنيا تغور بس شاهين ميزعلش، اي حاجه تغور بس شاهين ميتأذيش، وهكذا بقى.. 


ظهر التأثر واضحًا في صوتها، والحزن زين نبرتها وهي تسأله:


_ وبعدين؟ ايه اللي بعدكوا عن بعض كده؟ 


_ عارفه لما يكون في شخص كل ده بالنسبالك وفجأة ينزل من نظرك؟ احساسك ايه لو في شيخ معين بتحبيه أوي ووخداه قدوة، وفجأة شوفتيه بيشرب خمرة مثلاً.. 


_هحس بالقرف ناحيته. 


قاطعته قبل أن يكمل، ليبتسم برضا وهو يؤكد كلامها:


_ بالضبط ده اللي حسيته ناحية شاهين لما اكتشفت متجارته في السلاح، اتصدمت وحسيت بالقرف ناحيته و ناحية نفسي انا كمان، خصوصا اني وقتها كنت في كلية الشرطة فكان إحساسي إن حاميها حراميها.. وعلى فكره شاهين هو اللي ساعدني ادخل الكلية لما عرف انها حلمي من سنين بس كنت عاوز اضيعه عشان اكون بيزنس مان زيه. 


_ هو اللي ساعدك! مكانش خايف تكتشف شغله وتنقلب ضده؟ 


_ معرفش، يمكن مكانش متخيل اني اكتشف شغله أصلاً. 


_ طب ليه محاولتش تتكلم معاه وترجعه عن الطريق ده، انا حاسه انه بيحبك بجد واكيد وقتها كان هيسمع منك. 


جاء صوته مختنقًا:


_ عشان اللي حصل يوم ما اتواجهنا كان أصعب من انه يتلم.. 


وسرح في ذكريات الماضي الأليم يتذكر تلك الليلة التي تحولت لكابوس يطارده في يقظته ومنامه. 


قبل خمس سنوات.. 


_ وطي صوتك امك هتسمعنا! 


نظر له بأعين تتقد غضبًا:


_ يعني هو ده كل اللي هامك؟ امك هتسمعنا! رد عليا وجاوبني انتَ ازاي مشيت في الطريق الو** ده! 


توترت نظراته وهو يشيح بها بعيدًا وقال:


_ انا معملتش حاجه غلط، انا كل اللي بعمله اني بدخل السلاح البلد.. يروح فين او يروح لمين مش شغلي، وبعدين مش كل اللي بيشتروا سلاح بيستخدموه في الأذية في بدو كتير بياخدوا أسلحة عشان يدافعوا عن أهلهم في المناطق الصعبة اللي عايشين فيها. 


جذبه من كتفه بقوة ليلتف له ويصبح في مواجهته وصرخ به:


_ انتَ بتبرر!! هي البجاحة واصله معاك للدرجادي؟ أنا تخيلتك هتتكسف مني، هتعترف بغلطك وندمك، لكن انتَ حتى مش شايف نفسك غلطان! 


نظر له بقوة يناطحه:


_ لا مش غلطان، عارف ليه؟ لأن كل انسان فينا عنده عقل يفكر بيه عشان كده هو مسؤل عن افعاله، أنا بدخل السلاح اه، لكن مبقولش لفلان يروح يقتل بيه فلان عشان خناقة تافهه! السلاح زي ما له أضرار له فوائد كتير ولا انتوا مبتستخدموش السلاح في شغلكوا يا حضرة الضابط المستقبلي عشان تحمي بلدك ونفسك! 


ارتد "مازن" للخلف مصدومًا من منطقه، وقال بدهشة تعبر عن صدمته:


_ مش شغلك! دخول السلاح البلد هو شغلة الحكومة وبس، ثم إنك لم توفر مسدس لشخص ده مش تحريض منك له انه يخلص بيه كل مشاكله، كام واحد بيشتري سلاح عشان ياخد تاره ولا حتى يقتل حد ويسرقه وغيره وغيره! 


نظر له" شاهين" هازئًا:


_ تحريض مني! ماهو يا حضرة الضابط انا لو اتخانقت معاك دلوقتي وطلعت في دماغي اقتلك مش لازم يكون معايا مسدس أنا ممكن بكل سهولة اجري على المطبخ اجيب سكينة ادبها في قلبك، يا ترى بقى هتمنعوا السكاكين من البيوت؟ مهو تحريض على القتل بقى! 


صمت ولم يستطع مجابهته في الرد، بالطبع ليس لصواب حديثه، ولكن ربما لتفاجئه بردوده، او صدمته فيه التي لم تزول بعد.. 


_ من أول ما اكتشفت انك ماشي في الطريق ده وانا كنت عارف انك خلاص روحت بلا رجعة، واني يوم ما هقف في وشك مش هاخد فيك حق ولا باطل، عشان كده خليت ليلى تبعد عنك.. محبتش اشيل ذنبها هي كمان وتتغش فيك.. عرفتها حقيقتك وهي اختارت تبعد عشان بتفهم. 


وقد كانت القشة التي قسمت ظهر البعير، هو السبب في بعد حبيبته عنه، هو السبب في اختفائها الغريب والمفاجئ دون ان يستطيع الوصول لأي معلومة عنها وكأنها قصدت هذا، هُزمت ملامحه وهو ينظر له بعتاب جم:


_ مانا عرفت، اصلي نسيت اقولك اني وصلت لليلى وحكتلي اللي حصل، وقالتلي إنك بعدتها عني وفرقت بينا رغم إنك أكتر واحد عارف اني مدبوح من الموضوع ده بالذات بعد اللي عملته شدوى، انتَ اكتر واحد كان شاهد على اللي عشته وقتها وكان عارف ان حبي لليلى كان آخر أمل لقلبي انه يعيش.. يمكن مكنتش بحب شدوى للدرجة اللي تكسرني فيها، بس هي كسرتني بطريقة تانية.. كسرة رجولتي وحنت راسي قدام الكل، ٣ سنين مكنتش عارف ادخل حد حياتي لحد ما ظهرت ليلى وحبيتها، حسيتها الدواء اللي ربنا باعتهولي عشان يطيب خاطري من كسرة مكانش ليا يد فيها ولا ذنب... 


قاطعه مازن بصياح غاضب:


_ فوق يا شاهين.. فووووق، انتَ محبتش شدوى ولا حبيت ليلى.. كل واحده فيهم كانت محطة في حياتك لكن مش حب.. انتَ عجبك المحاولات اللي ليلى كانت بتعملها عشان تقرب منك وتكون جنبك، عجبك دورها في انها تصلح كل اللي اتكسر فيك، ليلى حبتك.. وانتَ حبيت حبها ليك، لكن محبتهاش.. بطل توهم نفسك بقى، ليلى محدش حبها... غيري. 


جحظت عينا "شاهين" بصدمة زلزلت كيانه وضربته في الصميم وهو يردد ذاهلاً:


_ انتَ بتقول ايه؟ ليلى! انتَ كنت بتحبها؟؟؟ ازاي!؟ 


ابتسامة مريرة زينت ثغر "مازن" وهو يقول:


_ متفاجئ عشان عمري ما بينت، ولا كنت هبين، وكنت هسيبك تتجوزها ومكانتش هتكون في نظري غير مرات اخويا، لكن لما لقيتك بتخدعها وحسيت انها ممكن في يوم تتكسر بسببك، اخترت لها البعد عن الكل.. عني وعنك.. بعدها أهون من إني اشوفها بتتوجع قدامي واقف عاجز. 


استند "شاهين" على مكتبه بهم وضعف واضحين، كل ما سمعه الآن كان صدمة مزلزلة له، لم يتوقعها حتى في اتعس احلامه. 


_ مش وقت تفكير، اللي حصل حصل، خلينا في دلوقتي.. قولي انك هتسيب الشغل. 


نظر له بغضب لون خضرواتيهِ:


_ اسيبه! لو كنت عاوزني اسيبه كنت واجهتني قبل ما تعرفها حقيقتي وتبعدها عني.. اسيبه بعد ما نفذت عقابك فيا قبل حتى ما تواجهني!! ده انتَ حتى ياخي مكنتش هتواجهني لولا إني وصلت لليلى وهي اللي عرفتني.. كنت هتفضل مستغفلني وعمال تضرب فيا من تحت لتحت من غير ما تفكر تواجهني.. 


_ خوفت عليها. 


ابتسم هازئًا بعدما وجده يتخطى جزئية عدم مواجهته:


_ حد قالك اني كنت هعذبها ولا كنت هشغلها معايا! 


_كنت هتخدعها، وفجأة تكتشف ان جوزها او خطيبها تاجر سلاح. 


_ كان هيبقى وقتها ليها حرية الاختيار يا تكمل معايا يا تسبني، محدش طلب منك تكون فاعل خير، زي ما محدش طلب منك تكون مُضحي.. انتَ شوفت ان ليلى فضلت كام شهر تحاول تقرب مني وانا كنت قافل ورافض أي محاولة منها، ليه ملفتش نظري عشان انسحب من الصورة؟ انا وانتَ قريبين كفاية اوي انك كنت تصارحني خصوصا وانت عارف انها مكانتش في بالي لسه.. بس انتَ اخترت تعيش دور الضحية. 


ضحك بألم والتمعت الدموع في عينيهِ وهو يقول:


_ عشان كنت مفضلك عليا، كالعاده... كنت بسبلك فرصة تحبها عشان تنسى وجع شدوى اللي انا عشته معاك، ضحيت بحبي عشانك زي ما بضحي بكل حاجه عشانك، وانتَ دلوقتي رافض تضحي بشغلك الشمال عشاني وعشان العيلة كلها. 


تحرك بعيدًا عنده وهو يقول بصرامة يعرفها:


_ متفتحش معايا الموضوع ده تاني.. عشان منخسرش بعض، كفاية الحاجز اللي اتكون بينا بسبب عملتك. 


وكنوع من انواع التهديد ليس إلا، كحل أخير.. أخرج "مازن" مسدسه وسدده لرأسه وهو يقول:


_ يبقى قدامك حل من اتنين.. يا تسيب شغلك و توعدني دلوقتي يا هتخسرني.


التف "شاهين" ليرى المنظر الذي قلب الدنيا فوق رأسه، لم يستطع أن يشهق الهواء الذي زفره، أو يرمش بعينه التي جحظت كأنها ستخرج من مكانها، فقط وجد نفسه يردد بلا توقف وهو يمد ذراعه له:


_ لأ لأ... بطل جنان، انتَ بتعمل ايه نزل الزفت ده.. نزله بقولك..


صرخ بالأخيرة لكنه لم يتحرك وهو ينظر له بقوة، ويخبره:


_ عاوزني انزله اوعدني انك تبعد عن الشغل ده.


كلاهما يعرف أن وعد "شاهين" لا يُخنث، وعده لا يخلفه ابدًا تحت أي ظرف ومهما كان الوضع، لذا هو واثق أنه إن وعده سيصدق..


_ بطل جنان!


ابتسم وكأنه مجذوب:


_ طب ده حتى الفرق بينا، اني مجنون ومتهور، وانتَ العاقل الرزين. 


مال برأسه بعيدًا وهو يسّب "مازن" من بين أسنانه هو يدرك ما يحاول فعله لكن في نفس الوقت يخشى تهوره وجنانه الذي يعرفه خير المعرفة، يخشى أن يؤذي نفسه..


وعلى غرة انقض عليهِ لتبدأ مناوشة خطيرة بينهما، الأول يريد أن يأخذ السلاح، والثاني يريد أن يظل محتفظ به حتى يحقق غايته..


وبين هذا وذاك... ضغط "مازن" على الزناد دون قصد، في نفس الوقت الذي فُتح فيه باب الغرفة لتخرج رصاصة غادرة في اتجاه الضيف المفاجئ...


اللايك والكومنت قبل القراءة فضلاً💜💜💜

الفصل الثاني من الجزء الثاني

فراشة في سكّ العقرب (حب أعمى)


"الحقيقة أن الأفعال البسيطة هي ما تُغذي مشاعرنا السيئة التي تتسرب لداخلنا لتحدث الكره والحقد، وتبني ألوفًا من الحواجز.. تقطع علاقات وتفرق أحبة، ومع تكرار المواقف يصبح الصديق عدو، والحبيب غريب مكروه، حتى وإن كانت تلك الأفعال غير مقصودة" 


والزائر لم يكن سوى والد مازن" ممدوح" الذي سمع صوتهما العالي من الخارج فقرر الدخول لفهم ما يحدث، فاخترقته رصاصة طائشة أسقطته أرضًا.. 

صراخ وربكة وصدمة وضجيج في الوسط حتى وصل الجميع للمستشفى القريبة لحد ما.. 


وهناك وقفت" نادية" تصرخ بولديها من بين بكائها:


_ أنا عاوزه افهم ايه اللي حصل؟ ايه المسدس ده وازاي الرصاصة جت في ممدوح؟


اعتدل "شاهين" في وقفته بعدما كان مستندًا على الحائط خلفه وقال محاولاً اخفاء الحقيقة:


_ كان مازن بينضف سلاحه و... 


اتسعت عيناها وهي توجه نظرها لمازن الذي ينظر لباب الغرفة التي اختفى فيها والده ونظراته تائهة، يخشى فقده ويخشى أن يكون بتهوره قد تسبب في موته فيحمل ذنبًا سيكويه طوال حياته.. 


_ جبت المسدس ده منين يا مازن؟ وجايبه ليه اصلا بتعمل بيه ايه؟ 


نظر لها معاتبًا:


_ معتقدش ده وقته.. احنا حتى لسه مطمناش على بابا. 


وبعد انتهاء جملته خرج الطبيب ليندفعوا ناحيته بلهفة قلقة فيخبرهم انه بخير وان الرصاصة ولحسن الحظ كانت بعيدة عن القلب بعدة سنتيمترات، وأنها مسألة وقت وسيتم نقله من غرفة العناية لغرفة عادية بعد التأكد من مؤشراته الحيوية.. 


وبقى الوضع على أشده بين الجميع، نورهان التي التصقت بشاهين تبكي خشية فقد والدها وهول المنظر الذي رأته ووالدها غارق في دمائه، وشاهين الذي يحتضن شقيقته يدعمها ويهدأ من روعها وفي الوقت ذاته يلقي نظرة على والدته التي اتخذت الصمت والابتعاد عنهم عقابًا على الكارثة التي حدثت.. عقاب مؤقت! وأما عن الذي أصبح يقف مقابلاً له الآن لم ينفك عن رميه بنطرات اتهامية واضحة أثارت غيظه وأشعلت نيران غضبه ولا يتمنى الآن سوى أن ينفرد بهِ ليفهم معنى نظراته. 


وجاء الانفراد بعد ساعات حين خرج ممدوح من غرفة العناية لغرفة أخرى وسُمح لوالدته وشقيقته بالبقاء بجواره، وحينها قرر "مازن" الانسحاب والعوده إلى المنزل ليبدل ثيابه التي تلطخت ببعض الدماء، وكذلك يجلب ثياب نظيفه لوالدته التي لم يختلف حالها عنه، وحينها استغل شاهين الفرصة وهو يبرر خروجه لحسابات المستشفى ليدفعها.. 


وأمام المستشفى وقبل أن يفتح "مازن" باب سيارته. 


_ استنى يا مازن. 


توقف بضجر واضح وهو يلتفت له بنظره يراها شاهين للمرة الأولى، نظرة لا يكمن فيها سوى الكره والشر، اقترب منه متجاهلاً نظرته وسأله بتحفز:


_ بتبصلي كده ليه؟ ونظراتك ليا فوق مش عجباني، كأنك بتتهمني بأني السبب في اللي حصل. 


رفع جانب فمه ساخراً وهو يعقب:


_ بتهمك! لا طبعا حاشا لله، وانتَ ذنبك ايه يعني في اللي حصل. 


قطب "شاهين" ما بين حاجبيهِ وهو يقول مؤكداً على حديثه رغم علمه بأنه مجرد سخريه:


_  أنا فعلا مليش ذنب في اللي حصل، لا انا اللي جبت المسدس اللي ما اعرفش انتَ جبته منين ولا بيعمل ايه معاك، ولا انا اللي طلعته من جيبي، ولا انا اللي هددت بيه.. ولا حتى انا اللي ضغطت على الزناد، قولي بقى انتَ المسدس ده كان بيعمل معاك ايه؟ انتَ لسه مجرد طالب في الكليه يعني لسه ما استلمتش سلاحك، جبته منين وكان غرضك ايه لما جبته؟ يا ترى كنت ناوي تخلص عليا بيه؟ ولا جايبه مخصوص عشان تهددني وتخليني اعمل اللي في دماغك؟ 


_ ما يخصكش. 


رددها "مازن" بقسوة ونبرة يسمعها منه "شاهين" لأول مره، وكأن اليوم هو يوم تعامل شاهين مع نسخه جديده وغريبه من مازن! تنهد قبل أن يقول متجنبًا الشِجار الذي على وشك الحدوث:


_ عمومًا لما ابوك يفوق هقوله إن الغلط غلطي، وهقوله كمان أن المسدس بتاعي جايبه عشان أؤمن نفسي بيه، هو عارف كويس إن احنا في المجال بتاعنا واقعين مع ناس مش سهلين وهيصدقني ما تقلقش هبعدك انتَ عن الحوار ده. 


ضحك "مازن" ضحكة تهكميه ساخرة تخفي خلفها وجعًا مؤلمًا وهو يقول:


_  هتقوله كده عشان عارف إنك لما تقوله ان الغلط غلطك انتَ الموضوع هيعدي وهيقولك حصل خير حتى لو كان اللي حصل ده كان في موته، لكن لو عرف ان الموضوع أنا طرف فيه هيشيله ليا وهيشوف إني مذنب كنت هموته و مش بعيد يقاطعني فيها.. كالعاده هيقف في صفك حتى لو كنت انتَ غلطان، وحتى لو غلطك كان هيموت بني ادم. 


_ انتَ من امتى بتفكر كده؟ انا مستغرب كلامك! مستغرب طريقتك! حاسس إني واقف قدام حد ما اعرفوش، من امتى بتفكر إن ابوك بيفضلني عليك ولا بيعديلي انا غلطي وبيقفلك انتَ على الواحده!؟ ده حتى ابوك انتَ مش ابويا أنا! 


قالها "شاهين" بدهشه حقيقيه وهو يشعر أنه لم يعد يفهم الشخص الواقف امامه... 


_ في حاجات كتير قوي انتَ مش فاهمها عشان عمرك ما شفتها ولا حسيت بيها، لكن انا بقى فاهمها كويس قوي وملاحظها من زمان بس كنت ساكت عشان كنت شايفك تستحق كل اللي بيتعمل لك، لكن دلوقتي وبعد ما نزلت من نظري انتَ ما تستحقش ربع اللي بيتعمل معاك، ولا تستحق تاخد حق واحد من حقوقي.. ومن النهارده يا شاهين انا مش هسمحلك تيجي على اي حق يخصني. 


انهى حديثه وفتح باب سيارته منسحبًا بسرعه من أمامه تحت نظراته المصدومه والمدهوشه من كل ما سمعه منه اليوم... 


وإفاقة "ممدوح عمران" واسترداده وعيه كانت جحيم سقط فيه "مازن" الذي لم يشفع له اعتراف شاهين بأن المسدس يخصه وانه من ضغط على الزناد دون قصد، ليتفاجئ الاثنان برد ممدوح وهو يقول:


_ أنا متأكد إنك بتداري عليه يا شاهين، انتَ عمرك ما تكون بالتهور والطيش ده انك تطلع مسدس في مكتبك اللي في بيتك وتتخانق انتَ واخوك عليه، عمرك ما تعملها أنا متأكد ان المسدس ده يخص مازن  وهو اللي خرجه وكنت انتَ بتحاول تاخده منه. 


وبعد الكثير من القيل والقال، ومحاولة اقناعه بعكس ما توصل له عقله فشلت كل محاولتهم ليخرج مازن عن طور حكمته وهو يفجر الحقيقه في وجه والده:


_ ايوه المسدس بتاعي، وكان معايا بقاله فترة كنت شاريه ومرخصه عشان بحب لما انزل الاجازات اروح اتدرب على الرماية في أماكن بره،  والنهارده انا كنت راجع من بره وهو معايا عشان كنت لسه راجع من التدريب، بس يا ترى مش حابب تعرف انا ايه اللي خلاني اطلعه وتحصل الخناقه بيني وبينه عليه؟ من غير ما تتعب نفسك وتسأل عشان انتَ أصلا مش هتهتم تسأل وما هتصدق ترمي اللوم عليا، المشكله اللي حصلت النهارده كانت عشان اكتشفت ان شاهين بيه اللي كلنا شايفينه ملاك ما بيغلطش، وعاقل وذكي وبيزنس مان قد الدنيا، طلع مش بس بيزنس مان ده رئيس عصابه كمان، الباشا بيتاجر في السلاح ولما واجهته حصلت بين الخناقه اللي انتهت باللي حصلك. 


والرد كان صادم للجميع حين قال "ممدوح" بعدما تجاوز صدمته:


_ شاهين عارف هو بيعمل ايه كويس، وانا واثق فيه وإن عمره ما يعمل حاجه غلط، اكيد المعلومه اللي وصلتلك دي مش صحيحة. 


هز رأسه مبتسمًا بعدم تصديق وهو يقول:


_ مش صحيحة! طب ولو قلتلك انه بنفسه اعترف ليا لا وبيبرر كمان عملته هتقول ايه؟ عندك اهو اسأله.. اسأله!


_ مش محتاج اسأله وما يهمنيش اعرف الإجابه، هو مش صغير هو عارف هو بيعمل ايه كويس مش محتاج حد ينظر عليه، ويا ريت انتَ اللي تعقل وتتحكم في طيشك شويه، اديك شفت أهو كان هيجيب أجلي النهارده لولا ستر ربنا. 


وانتهى الأمر... 


انتهى بخيبة أمل جديده انضمت لخيبات مازن من أبيه، أبيه الذي لم يقف في صفه ولو مره واحده.. والذي لم يقف في وجه شاهين ولو لمره مماثلة، 

أبيه الذي لم يشعر منه ولو لمرة بمشاعر الأبوه أو حتى يلتمس منه موقفًا من مواقف الأب مع ولده، والأمر في مجمله لم ينتهي هنا.. 

فرد فعل والده أشعلت نيران لم تهدأ في صدر "مازن" والذي وبكل تهور اعترف لوالدته في نفس اليوم بكل شيء عرفه عن شاهين لتنشأ مشاجره كبيرة بين شاهين ووالدته وعلى أثرها تركت "ناديه" المنزل عائده الى منزلها القديم والذي يخص أهلها ومعها مازن ونورهان التي ورغم رغبتها في البقاء مع شاهين ووالدها إلا أن ناديه لم تقبل أن تتركها هناك ومن هنا كان تفرق العائله... 


"عودة للآن" 


_ أنتَ روحت فين؟ 


افاق من ذكرياته التي لم ينتهي ألمها لهنا.. بل كان كل هذا مجرد بداية لبوابة جحيم محمل بالألم والفراق والغضب! 


_ معاكي. 


كلمة بسيطة لكنها هزت دواخلها، وكأنه لا يخبرها أنه معها في الحديث بل معها في الحياة! هكذا كان شعورها حين سمعت الكلمة البسيطة التي لا يقصدها من الأساس، وهذا ما جعلها تتسائل هل أصحبت بائسة لهذه الدرجة! نفضت افكارها الغريبة وهي تقول بتوتر طفيف أثر تفكيرها:


_ أصل ساكت بقالك مدة فكرتك قفلت. 


خرج صوته مخالف تمامًا لِمَ كان عليهِ قبل، خرج جامدًا وهادئًا خاليًا من أي مشاعر التمستها منذ قليل:


_ أنا فعلا هقفل عشان تلحقي تكلمي والدتك وتقفلي تليفونك ده تماما وتخفيه في أي مكان محدش يعرف يوصله، ولما تحبي تكلميني طلعيه واتصلي بيا بعد ما تتأكدي انك في أمان ومحدش سامعك. 


_ حاضر. 


قالتها باحباط بعدما عاد لسابق عهده، الدقائق التي نسيا فيها من هما وما صلتهما ببعض جعلتها تحلق بعيدًا وهي تشعر أنها شخص مهم لديهِ، يشرح له معناته ويشاركه مشاعره واحداث حياته، لكنه سريعًا ما سحب البساط من تحت قدميها ليعيدها للواقع... هو الضابط وهي بائعة الفل تجمعهما مهمة فور انقضائها لن يعرفها في طريق وسينسى انه قابلها من الأساس! 


اغلقت معه واتصلت على الفور بوالدتها التي اجابتها بلهفة أم قلبها ينكوي بنيران الخوف على ابنتها، وبعد عدة دقائق كانت تنهي معها المكالمة بدموعها التي تساقطت اشتياقًا لها:


_ ادعيلي يا ماما المهمة دي تخلص على خير وفي أسرع وقت وارجع لحضنك ولبيتنا اللي اكتشفت انه أأمن بكتير من القصر اللي قاعده فيه دلوقتي. 


وقالت والدتها من بين بكائها:


_ دعيالك يا بنتي، دعيالك والله في كل صلاة وفي كل قعدة ونومة، ربنا ييسرلك طريقك ويسترها معاكي ويبعد عنك ولاد الحرام يا فُلة يا بنت بطني.. بس متغبيش عني وطمنيني من وقت للتاني. 


_ حاضر، هكلمك كل ما ظروفي تسمح.. مع السلامة يا ماما. 


_ مع السلامة يا حبيبتي في رعاية الله. 


اغلقت المكالمة وبعدها تأكدت من اغلاق الهاتف تمامًا ونهضت تدور في الغرفة تبحث عن مكان مناسب لاخفائه حتى جاء برأسها أن تخفيه في مكان أكثر حساسية الا وهو الدرج المخصص لملابسها الداخلية، رفعت القطع الداخلية بحرص ودسته تحتهم لتشعر بأن المهمة قد تمت كما يجب، واغلقت الدرج عائدة للفراش والقت بنفسها فوقه تنظر للسقف بشرود سابحة في أحداث وأفكار كثيرة.. حديث مازن معها، وحديث نورهان مع شاهين، ثم حديث شاهين معها.. وشعورها تجاه مازن الذي يتعمق كل يوم.. وخوفها من شاهين الذي يزداد بمرور الوقت وبقائها هنا... كل هذه أفكار كانت كفيلة أن تغرقها في النهاية في نومٍ عميقٍ... 


*******

صباح اليوم التالي... 


شركة العقرب... 


دلفت للشركة التي لم تأتيها مُنذُ مدة، بل وحُرمت عليها مُنذُ انفصلت هي ووالدتها ومازن عن شاهين ووالدها.. والدها الذي لطالما وقف في صف "شاهين" حتى بعد تناثر الاقاويل حول متاجرته في السلاح! 


وصلت لطابق الإدارة واتجهت فورًا لمكتب "شاهين" لتخبرها السكرتيرة الخاصة بأنه بالداخل ومعه احد اعضاء الإدارة، فدقت فوق الباب ودلفت بعدها بابتسامه واسعة اختفت بالتدريج حين رأت الذي يجلس في مكتب أخيها والذي لم يكن غير "معاذ"..

تقدمت منه ووجها قد اشتعلت به حمرة الخجل على الفور وبالأخص حين لم ترى شقيقها في المكان فقد كان معاذ يجلس بمفرده.. 


_ صباح الخير.. 


منذُ انتبه لفتح الباب والتفت ليرى الزائر وطلت هي بطلتها البهية، وقد ارتسمت فوق شفتيهِ ابتسامة ساحرة ومحبة، لا يصدق أنه يراها الآن فلقد كان يفكر فيها للتو وفي حيلة لرؤيتها بما إنها أصبحت في منزل العقرب، لتتحقق أمنيته دون عناء ويجدها أمامه، بمظهرها المرتب البسيط الذي يتكون من بنطال قماش ابيض، وكنزة خضراء حريرية مع حذاء أخضر ذو كعب عالي وزينتها البسيطة جدًا التي تخطف العين وقلبه! وكالعادة تترك لشعرها كامل الحرية، وحين سمع صوتها كان أحب لأذنه من تغريد عصافير الصباح لتتسع ابتسامته أكثر وهو ينهض ويمد كفه ليصافحها:


_ صباح الخير يا نورهان نورتي. 


وتصافحا الكفان لتسري كهرباء لذيذة تصل فورًا لقلب كليهما، ولكنها سريعًا ما سحبت كفها بارتباك كبير وهي تنظر حولها بتلجلج:


_ اومال... اومال شاهين فين؟ 


ابتسم على توترها الواضح الذي يلازمها طول الوقت في وجوده، لكنه يبرر هذا بأنها ليست معتادة على التعامل معه. 


_ شاهين في اوضة اللبس بيغير هدومه عشان القهوة وقعت عليه من غير ما ياخد باله. 


نظرت لباب غرفة الملابس الصغيرة المغلق والتي حرص شاهين على وجودها تحسبًا لمواقف كهذه، وقالت بقلق:


_ هو كويس طيب؟ 


طمئنها مبتسمًا:


_ متقلقيش كانت بردت شوية مأذتوش. 


تنهدت براحة، ليسألها راغبًا في خلق حديث طويل معها:


_ بس هو لسه جاي من ساعة ليه مجتيش معاه بدل ما تيجي لوحدك. 


نظرت له تقول بحلق جاف من كثرة توترها في وجوده:


_ انا روحت شغلي بدري، بس قعدت ساعتين ومشيت لأن هنبدأ في الجرد السنوي النهاردة من بعد العصر لبليل متأخر، فقولت اعدي على شاهين بما إن الشركة هنا في طريقي. 


عقب بعدم رضا:


_ نفسي افهم ازاي عندكوا شركة زي دي وتشتغلي في مكان بره، الأولى يكون مكانك هنا. 


اجابته برقة:


_ بس أنا حابه شغل البنوك بلاقي نفسي فيه عن الشركات. 


وأمام رقتها ابتسم يقول:


- أكيد أهم حاجه راحتك. 


_ نورهان!! 


رددها "شاهين" بتعجب بعد أن خرج من الغرفة ووجدها أمامه، ابتسمت وهي تقول:


_خرجت من شغلي بدري قولت اجي اشرب معاك فنجان قهوة لو فاضي. 


اقترب منها يبتسم في حنو:


_ ولو مش فاضي يا حبيبتي افضالك، كفاية انك نورتيني. 


تنحنح "معاذ" في حرج وهو يقول مقررًا الانسحاب:


_ طيب هسيبكوا على راحتكوا واروح مكتبي. 


رفض "شاهين" انسحابه وهو يقول:


_ لا استنى اصلاً هطلب فطار اعتقد كلنا لسه مفطرناش. 


_ مانتَ عارف انا زيك مبفطرش غير بعد ما اصحى بكذا ساعة. 


نظر "شاهين" في ساعته وهو يقول:


_ ماهو يدوب كده الساعة داخله على ١١ اهي.. تعالوا اقعدوا. 


قالها وهو يتجه للاريكة والكرسيان القابعان في جانب الغرفة، ليجلس هو ونورهان فوق الاريكة ويجاورهما معاذ على أحد الكراسي.. 


نظر لنورهان بعدما طلب الافطار لهم وهو يقول بحنان:


_ الشركة نورت.. بقالك سنين مدخلتيهاش. 


نظرت حولها تستطلع المكان وهي تقول بحنين:


_ بس متغيرتش كتير، اخر مرة دخلتها كانت مع ماما الله يرحمها لما كانت جيالك عشان تكلم بابا انه ميدخلش مازن كلية الشرطة. 


التمعت عيني "شاهين" بحنين وشوق لوالدته الغائبة عن الدنيا، وانتبه لصوت "معاذ" يسأل باستغراب:


_ معقول طنط نادية كانت رافضة دخول مازن الشرطة؟ 


ابتسم "شاهين" بشوق يقول:


_ رافضة بس! دي جننتنا لحد ما وافقت او اتقبلت انه يدخلها، ماما كانت خايفة على مازن اوي و مرعوبة عليه من السلك ده، عارضت كتير واحنا حاولنا نقنعها كتير اوي لحد ما في الآخر رضيت. 


_ ماما كانت بتحبنا كلنا وبتخاف علينا من الهوا، بس شاهين كان له معزة خاصة. 


قالتها "نورهان" بدون قصد، لتنقلب ملامح وجه "شاهين" ويظهر عليها الضيق الشديد وهو يقول بنبرة حادة:


_ مكانش ليا معزة خاصة ولا زفت، انتوا بس اللي كنتوا شايفين الوضع كده، لكن الحقيقة امكوا كانت بتعاملني زي ما بتعاملكوا وعمرها ما فرقت بينا. 


فوجئت "نورهان" من حدة رده وصمتت بوجه مصدوم وحزين من طريقته، فهي لم تقول شيء سيء حتى وإن كانت والدته تفضله بطريقة ما وتحمل له حبًا زائدًا ما المشكلة في هذا!!؟ 


_ اهدي يا شاهين طيب، نورهان مقالتش حاجه غلط يعني! 


قالها "معاذ" محاولاً تهدئة الوضع، لينهض "شاهين" واقفًا والتف حول الاريكة ليصبح مواجهًا للحائط الزجاجي المطل على الخارج وقال بخنقة:


_ جزء كبير من مشاكلي مع اخوها كانت بسبب كده، انه شايفني واخد حب واهتمام اكبر من امي وابوه. 


اغضبها عدم رغبته في ذكر اسمه فقالت بعصبية طفيفة:


_ اخويا ده هو نفسه اخوك.. بعدين مازن عمره ما فكر كده ولا شال شيء جواه من الناحية دي، واه يا شاهين ماما كانت بتفضلك عنا وبتحبك اكتر مننا واحنا عمرنا ما زعلنا من كده لأن احنا كمان بنحبك وبنحترمك. 


التف لها بدهشة كبيرة لم تظهر على ملامحه كالعادة لكنها كانت بداخله، حتى هي!! يشعر انه يقف امام مازن، نفس الحديث، ونفس التفكير، هل ستنقلب هي الأخرى عليه يومًا بسبب تفكيرهم العقيم هذا! 


_ وأنا بقولك مازن شايف اللي بتقوليه ده بالضبط، وده كان سبب كبير اوي في مشاكلنا.. 


اعترض "معاذ" متدخلاً:


_ اسمحلي يا شاهين، مازن فعلا حتى لو شايف ده بس مكانش سبب في مشاكلكوا ابدًا.. لان كل المشاكل اللي بينك وبين مازن ما ظهرتش غير بعد الحوار اللي وصله عن إنك بتاجر في السلاح والكلام اللي بيقوله ده.. لو المشاكل اللي ما بينك وبينه بسبب أن والدتك بتحبك اكتر ولا مفضلاك عنه كانت هتكون المشاكل دي بادئه من قبل ما هو يقول انك بتاجر في السلاح والحوارات دي. 


ابتسم ساخرًا يقول بألم خفي:


_ كلامك ده انيل.. لأن كلامك معناه انه طول الوقت كان بيخدعني، كان شايل جواه من التفضيل اللي شايفه من امه ومن ابوه ليا لكن كان بيتعامل معايا عادي.. كان بيتعامل معايا كويس قوي.. لكن لما حصل موقف خرج كل اللي جواه وقتها انا اتصدمت فيه، ومش فاهم ازاي كان جواه كل ده وفي نفس الوقت كان بيتعامل معايا بالطريقه اللي كان بيتعامل بيها. 


اقتربت "نورهان" منه وهي تقول بتوضيح:


_ عشان انا كمان شايفه كده شايفه ان ماما كانت  بتحبك اكتر وبتهتم بيك اكتر وبتخاف عليك اكتر.. لكن عمري ما كرهتك وعمر ده ما بنى حاجز جوايا ليك، شاهين انتَ لو مخلف وعندك ولد وبنت وشايف ان بنتك بتحبك اكتر من ابنك عمرك ما هتكره ابنك او هتحس بحاجز بينكوا، دي بتكون مجرد ملاحظه انك عارف من جواك ان بنتك بتحبك اكتر من تصرفاتها من مشاعرها اللي بتظهرها، لكن حبك لابنك هيفضل هو هو وعمره ما هيقل. 


أراد الهروب من الحديث في الموضوع، وهروب شاهين لا يعني سوى شيء واحد انه اقتنع....او بدأ يقتنع، فقال بهدوء وهو يتجه لهم:


_ تشربوا قهوة مع الفطار ولا بعده!؟ 


نظر "نورهان" و "معاذ" لبعضهما تلقائيًا كأنهما يعلنان انتصارهما في اقناعه وهما خير من يعرفه، ولكن ما لبثت ان اشاحت نورهان ببصرها بعيدًا بارتباك حين وجدت معاذ يبتسم لها. 


*******

نزلت درجات السلم بسرعة ليقابلها هدوء تام في اجواء الفيلا، زفرت بضيق وهي تنظر للساعة المعلقة لم تلحق موعد الإفطار، دلفت للمطبخ مبتسمة والقت التحية ليرد الجميع عليها، فقالت لصفاء بعتاب مزيف:


_ كده يا صفاء ماتصحنيش على الفطار. 


ردت "صفاء" ببرود كاد أن يجلطها:


_ مش حضرتك من كام يوم لما شدوى هانم اتأخرت على الفطار منعتيني اصحيها وقولتي هي عارفه الميعاد لو عاوزه تنزل كانت نزلت. 


ضغطت على أسنانها بغيظ حتى كادت تكسرهم، هي ترد الموقف لها! هل هي من حلفاء تلك الحيزبونه شدوى! 


_ تمام، اعمليلي فطار بقى. 


قالتها بحدة وغضب وهي تلتفت لتخرج لتتوقف على جملة "صفاء" :


_ بس القواعد هنا في الفيلا إن اللي الفطار بيعديه بيستنى ميعاد الغدا. 


التفت لها قاطبة ما بين حاجبيها بشدة وهي تخرج عن طور هدوئها:


_ ليه احنا في مدرسة يا ابلة! 


_ دي القواعد يا هانم ومن ايام الباشا الكبير كمان. 


ضربت كف بآخر وهي تتلفت حولها كأنها تريد أن تلتقط شيء وتكسره فوق رأس الوقفة أمامها، لكنها على الاحرى لم تجد! 


_ عدي اليوم واعملي الفطار لأحسن انا دلوقتي العفاريت كلها بتتنطط في وش أمي. 


_ يا هانم انا هنا بنفذ القواعد وعلى أي حد... حتى الباشا الصغير تميم بيه، بصحيه في ميعاد عشان يفطر في ميعاده. 


نظرت لها نظرة حارقة قبل أن تقول بتوعد:


_ ماشي....انا بقى هكسرلك القواعد دي خالص... قال قواعد قال.. اتصليلي بشاهين فورا. 


قالتها بغضب جم بعدما شعرت بالاحراج من وقوف صفاء في وجهها امام الفتيات العاملات بالمطبخ، ولكن قبل أن تفعل صفاء وتخرج هاتفها سمعت من تقول:


_ متتصليش بحد.. والقواعد مش هتتغير واللي مش عاجبه يخبط راسه في الحيط. 


هزت رأسها بعصبية وهي تسمع صوت "شدوى" من خلفها، لتلتفت لها بغضب:


_ انتِ بتدخلي ليه أصلا! محدش طلب رأيك. 


ضرب الغضب وجه شدوى وهي تقف ندًا لها لتثبت لها من هنا له الكلمة الأولى والأخيرة:


_ أنا هنا صاحبة البيت وكلمتي اللي تمشي وادخل في أي حاجه تحصل هنا.. انتِ اللي ضيفة وضيفة بايخة وتقيلة اوي وياريت لو تخلي عندك دم وتخرجي من بيتي لانك مش مرحب بيكي. 


واستمعت "فيروز" لتهامس الفتيات في المطبخ حول ما يحدث، فاتقدت نيران غضبها أكثر وأكثر لتصرخ بوجه شدوى:


_ انا خطيبة شاهين و.... 


قاطعتها "شدوى" وهي تسخر منها وتتهمها بمكر خفي:


 _ ومن امتى والمخطوبة بتروح تسكن في بيت خطيبها؟ إلا بقى لو انتوا مخطوبين اه بس العلاقة بينكوا في حكم المتجوزين.. وواخدين على قعدتكوا سوا في بيت واحد. 


جحظت عيني "فيروز" بصدمة وشعرت بدلو ماء بارد صُب فوقها، وارتفعت الهمسات والشهقات من الواقفات في المكان، التفت لتنظر للفتيات لتجد أعينهن مسلطة عليها وبها اتهامات لا تُقبل، عادت تنظر ل "شدوى" لتجدها تبتسم بخبث وانتصار، وفي هذه اللحظة الحريق الذي شب بفيروز كان أكبر بكثير من أن تتحكم بهِ او في رد فعلها، الذي خرج على هيئة صفعة مدوية لطمت بها خد "شدوى"... ولم تعطيها فرصة للرد أو الدفاع بل انقضت عليها تكيل لها الضربات واللكمات وكأنها تخرج بها همومها بأكملها تحت محاولة الجميع في الفصل بينهم وتعالي صرخات شدوى المتألمة... 



(((ملحوظة/ العودة بالاحداث قبل ٥ سنين مش ٣.... ))) +مازن عنده ٢٧ سنه مش ٢٩

دي تغيرات بسيطة لاجل سير احداث الرواية بمنطقية أكثر))وتم تعديل كل ده ❤️


الفصل الثالث من الجزء الثاني 

فراشة في سكّ العقرب 

حب أعمى 

ناهد خالد 

"الماضي.. كلمة انتهى زمن وقوعها ولكن أثره لا ينتهي فهو مستمر معنا في حاضرنا ومستقبلنا، الماضي ما هو إلا بداية لمستقبل إما أن يكون مشرقًا أو مظلمًا، وإن كان الماضي مُحملاً بأسرار بقت هكذا لغلق أبواب الجحيم، فحتمًا في المستقبل ستُفتح تلك الأبواب على مصرعيها مع ظهور الحقائق والجميع سيدلف منها راغبًا أو مرغمًا"


في شركة العقرب...

 بعد أن انتهوا من تناول الإفطار وشرب القهوة, انصرف "معاذ" لمكتبه لمتابعة أعماله بعد أن قضى وقتًا هو الأجمل والأمتع بالنسبة له فأي شيء برفقتها يكن مميزًا ولا يمكن نسيانه,  وبقت "نورهان" جالسه مع أخيها في مكتبه يتناولون أطراف بعض الأحاديث الغير مهمة, حتى تعالى رنين هاتف "شاهين" لينظر لشاشته ويرى رقمًا مميزًا, فانسحب بهدوء من الأجواء وهو يخبرها بأنها مكالمة عمل مهمة,  وحين نأى بنفسه في ركن من أركان المكتب البعيد عن مسامع الجالسة, رد ليستمع لصوت محدثه:

- ازيك يا شاهين؟


 رد "شاهين" بهدوء:

- تمام يا نصر باشا, ازيك انتَ؟ 


 أجابه المدعو "نصر" وهو يقول:

- محتاجك... لازم تيجيلي عشان في حاجة مهمة محتاجين نتكلم فيها تخص الشغل ما ينفعش في التليفون.

 

سأله وهو يمسد مؤخرة عنقه بكفه:

- انتَ لسه في لندن ولا نزلت مصر؟


- لا نزلت مصر بقالي كذا يوم, هنتظرك بكره الساعه 12:00 بالليل.


- تمام.


 قالها "شاهين" وأنهى المكالمة ليتجه بعدها لمكتبه وهو يقول محدثًا "نورهان":

-عندي اجتماع بعد نص ساعة هجهز أوراقه وهكون معاكي.


 قالت مبتسمة:

- تمام وأول ما الميعاد يجي هرجع أنا البيت عشان ما اشغلكش.


 انشغل لبعض الوقت في ترتيب أوراقه حتى توقف فجأة وهو يقول ناظرًا إليها:

- واضح كده إننا هنرجع البيت دلوقتي.


 سألته مستغربه:

- ليه؟


قال وهو يلتقط مفتاح سيارته وسترته متجهًا لها:

- امبارح كنت براجع الملف في مكتبي في البيت ومشيت النهارده الصبح من غير ماخده.


 وقفت وهي تقول مقترحة:

- طيب ليه ترجع مخصوص البيت! أنا هروح وابعتهولك مع حد من هناك.


- المشكلة إني حطيته في الخزنة.


 هزت رأسها متفهمه وهي تقول بمرح:

- اه وطبعًا الخزنة دي شيء محظور ممنوع اللمس حتى عليا. 


 ابتسم ابتسامة صغيرة وهو يقول بعد أن أمال رأسه يمينًا:

- طبعًا, انتِ عارفاني ما بثقش في حد, وأكيد الخزنة فيها حاجات كتير قوي مهمة, وده مش شك فيكي انتِ اكيد فاهمة, بس أنا بعتبر الخزنة دي شيء مقدس محدش ينفع يلمسه غيري,  يلا خليني اوصلك بالمرة واخد الملف وارجع قبل ميعاد الميتنج لأنه مهم جدًا. 


 اومأت موافقة وهي تسير معه في طريقهما للعودة إلى المنزل.


**********

 وهناك....

 تحديدًا في فيلا العقرب... 

 كان الشجار ما زال على أشده, الضربات لا تتوقف, ولا الصرخات كذلك, لم يقدر أيًا من الفتيات على جذب "فيروز" بعيدًا عن "شدوى" التي ما زالت مسطحه ارضًا, وما انقذها من تحت يدي فيروز هو الطنين الشديد الذي ضرب اذنها من كثره صراخ الأخيرة المرتفع, لتشعر بصوتها كتيار هواء شديد السخونة  يخترق اذنها ثم رأسها فينشب بها ما يشبه الحريق, وهذا ما جعلها تنهض عنها وهي تمسك اذنها بكفها بقوة محاولة إيقاف الصفير المزعج الذي رن بها, ساعدت الفتيات شدوى و نهضت بألم,  لتقول "صفاء" رافضه كل ما حدث:

- اعذروني على تدخلي, بس اللي بيحصل ده ما ينفعش يحصل, المشهد اللي حصل دلوقتي ده مش تصرفات هوانم ابدًا.


 عقبت "شدوى" بألم وغيظ يملأها:

- وده إن دل على شيء فيدل على إنها بعيدة خالص عن الهوانم, هانم مين دي بيئة, انا عارفه شاهين جابها من أنهي داهيه! 


أنزلت "فيروز" كفها من فوق اذنها بعد أن هدأ الصفير لتعقب بغضب:

- هانم غصب عن عينك, ولا انتِ فاكره عشان هانم زي ما بتقولي المفروض اسيبك تقلي ادبك عليا وتغلطي في حقي وفي شرفي واسكت؟


 تدخلت "صفاء" في الموضوع وهي تقول:

- اسمحيلي يا فيروز هانم, كان ممكن ترد عليها لكن موضوع الضرب ده ما ينفعش ابدًا...  شاهين بيه لو عرف اللي حصل مش هيعدي على خير لا ليكي ولا ليها, هو ما بيحبش التسيب ويحب دايمًا اللي موجود في بيته يحترمه ويحترم وجوده ما اعتقدش انك عملتي ده لما مديتي ايدك على شدوى هانم. 


 رفعت حاجبها باستنكار وهي تعقب باستهزاء:

-صدقي بالله أنا من الأول كنت شاكه فيكي إنك من حلفائها, بس دلوقتي اتأكدت, انتِ مالك يا ست انتِ تدخلي ليه اصلاً ما بينا؟ طب هي غلطت فيا وانا برد عليها غلطها انتِ بقى مالك؟ 


 ظهر الغضب على وجه "صفاء" وهي ترد بهدوء مخالف تمامًا عن الغضب الذي تمكن منها:

- انا هنا مش مسؤوله الخدم بس, أنا هنا مسؤوله عن كل حاجه بتحصل في البيت في غياب شاهين بيه.


 اقتربت منها "فيروز" خطوة تدفعها في كتفها برفق وهي تقول بحدة: 

- طب ريحي انتِ بس كده عشان أنا اللي يجيب سرتي بحاجة وحشة اقطع لسانه مش بس اضربه, ولسه حسابي معاها ما خلصش.


 نظرت لشدوى التي ترتب شعرها بوجع, ف" فيروز" لم تغفل أن تغلغل اصابعها في شعرها وتجذبه من جذوره بعنف اثناء ضربها لها,  نظرت لها متحفزه وهي تقول:


- بصي يا شدوى هانم على رأي صفاء,


 والقت لصفاء نظرة ساخرة ثم أكملت:


- انا قعادي هنا مش برغبتي دي برغبه شاهين, والأسباب ما تخصكيش إني احكيهالك طبعًا, بس هي بعيده تمامًا عن شغل الرخص اللي انتِ فكرتي فيه وبما إن قعدتي هنا ممكن تطول وشكلنا قاعدين في وش بعض حبه حلوين, فأيه رأيك لو نتفق اننا نعتبر نفسنا مش شايفين بعض اصلاً!  يعني انتِ اعتبري نفسك مش شايفاني وانا هعتبرك هوا, لا تقوليلي صباح الخير ولا اقولك صباح النور, وكل واحد مننا يبقى في حاله ايه رأيك؟


 ظهر الاستهزاء جليًا على وجه "شدوى" التي قالت رافضة الاقتراح:

 - كل واحد مننا في حاله! ده بيتي يا ماما لو انتِ مش واخده بالك! يعني ما اقدرش اعتبر شخص موجود في بيتي كأنه مش موجود, لأن اللي موجود في بيتي لازم يحترمني ويفهم حدوده كويس قوي مش سايبه هي.


 زفرت "فيروز" أنفاسها بقوة ثم قالت وهي تهز رأسها بأسف مصطنع:

- واضح كده ان احنا مش هنتفق, بس يعني انتِ عاجبك إني كل شويه اجيبك من شعرك قدام الناس, أصل أنا فيا عيب نسيت اقولهولك....


 رفعت "شدوى" حاجبها باستهجان في انتظارها للتكملة,  لتكمل فيروز بضيق اتقنت تمثيله:

- اني دايمًا ايدي سابقه لساني, ما بعرفش اتحكم فيها اعمل ايه طيب! اول ما بزعل والادرينالين يرتفع عندي تلاقي ايدي راحت ممدوده على اللي قدامي على طول واطول اللي اطوله بقى. 


 ضربت "شدوى" الأرض بكعب حذائها العالي ليصدح رنينه في الأرجاء وهي تقول بقوة وعنفوان:


- لو كنتي فاكره إنك تقدري تمدي ايدك عليا تاني تبقي بتحلمي, ايدك دي لو لمستني تاني انا هقطعهالك.


 ابتسمت "فيروز" باستفزاز مرعب وهي تهز رأسها بمرح وتقول:

- طب تيجي نجرب؟


 وقبل أن تجيب "شدوى" اقتربت "مستكة" من "فيروز" تهمس لها في اذنها:

- لمي الدورعشان الموضوع ما يتقلبش عليكِ انتِ ما تعرفيش رد فعل شاهين هيبقى ايه لما يرجع, هيبقى شكلك وحش قوي لو حط عليكِ قدامهم, ما تنسيش انها في الاخر مراته وام ابنه وصاحبة البيت فعلًا. 


 اقتنعت "فيروز" بحديث "مستكة" وشعرت بالقلق من رد فعل "شاهين" حين يعلم بكل ما حدث,  فهو ورغم انه اعطاها تصريح غير مباشر من قبل بأنه لن يتدخل في اي شيء يحدث بينها وبين شدوى, لكن كما قالت مستكة هي في الأخير زوجته وأم ابنه, ولن يسمح باهانتها من أيًا من كان,  لذا حاولت انهاء الامر وهي تقول عمومًا:

- انا المرادي هسامح على رأي المثل ما يسامح الا اللي قلبه كبير, وانا قلبي كبير قوي ودي تاني غلطة بتحصل هعديهالك, فاكره الغلطة الأولى لما هنتيني في أول مرة شفتك فيها وقلتي إني مش من النوع اللي شاهين بيفضله أو ممكن يختاره, بس خدي بالك فاضلك غلطة لو حصلت بعدها أنا مش مسؤوله عن اللي هيحصل.


 نظرات "لصفاء" وهي تقول لها:

- وانتِ ياللي داخله توعظي ما بينا وتنصحينا,  كل الحوار ده بسببك انتِ لو كنتِ من الأول عملتِ الفطار زي ما قلتلك ما كانش كل ده حصل, ويا ريت في الاخر بقى تحضريلي الفطار لأحسن انا بتلكك امسك في أي حد تاني, زي ما قلتلك ايدي أطول من لساني. 


 قالتها وهي تنسحب من أمامهم, وانسحبت الفتيات لداخل المطبخ بعد ان اشارت لهم "صفاء"...

 كانت تتجه للسلم للصعود لغرفتها لتتوقف فجأة شاهقة حين شعرت بكف يقبض على خصلات شعرها بقوه كادت تقلعها!

 بعد أن انهت "فيروز" حديثها المستفز والمثير لأعصاب "شدوى" التي تقف وبداخلها بركانٍ مشتعلٍ واتجهت للصعود لأعلى, لم تستطع "شدوى" منع نفسها من اخذ حقها وحق إهانتها أمام الجميع, فإن سامحت "فيروز" في حقها كما ادعت فهي لن تسامح ابدًا في إهانتها التي كانت على مرأى ومسمع من كل من في المنزل, وفجأة اندفعت نحو "فيروز" لتقبض على شعرها بقوه وغيظ واسقطتها ارضًا لتجثو فوقها وهي تبدأ في ضربها كما فعلت الأخرى منذ قليل, عادت الفتيات و"صفاء" من المطبخ على صوت الشِجار مرة أخرى, ولكن صرخت بهم "شدوى" قائلة:


- اللي هيقرب مني هيكون أخر يوم له هنا في البيت.


 بالفعل وقفن جميعًا ينظرن لِمَ يحدث دون محاولة لفض النِزاع هذه المرة, ومن بينهن كانت "مستكة" التي كانت تقدم قدم وتأخر أخرى, فوجودها في المنزل سيفيد "فيروز" على أي حال وإن اقتربت وحاولت الفصل بينهما وطُردت من العمل حينها لن يصب هذا في مصلحة "فيروز" بل بالعكس سيؤذيها,  فوقفت محلها وهي تقول لنفسها:

- معلش بقى يا فيروز تستحملي العلقه احسن ما تستحملي اللي هيحصل فيكِ من شاهين لو طلعت من البيت وانقطعتي عن التواصل مع مازن بيه. 


والغلبة لم تستمر لصالح "شدوى" وقتًا طويلًا وسرعان ما استطاعت "فيروز" أن تسيطر على الوضع لتصبح "شدوى" هي الملامسة للأرض و"فيروز" فوقها وعادت تكيل لها الضربات مرة أخرى, لكن هذه المرة بقوة أكبر, لتهمس بداخلها مستهزئه بشدوى:

 -فاكره إنك هتعرفي تغلبي واحده بنت شارع! ده انا الخناقات دي ياما صبحت ومسيت بيها ناس. 


وبالفعل كانت "فيروز" تعرف كيف تتفادى الضربة وكيف تردها في الوقت نفسه بأخرى أشد..


 وبالخارج اصطفت سيارة "شاهين" الذي وصل للمنزل ودلف هو و"نورهان" للداخل سريعًا حين استمعا لصوت صراخ عالي وصل لهما من قبل أن يصعدا درجات السلم الخارجي, ركضت إحدى الفتيات تفتح الباب سريعًا حين سمعت صوت اصطفاف سيارة بالخارج,  ليدلف للداخل "شاهين" وهو يسير بحركة سريعة وسألها بغضب:

- ايه اللي بيحصل جوه؟


لكنها وقبل أن تجيب حتى كان قد دلف للداخل تتبعه "نورهان" بخطوات سريعة اشبه للركض, وحين اقتربا من السلم الداخلي للفيلا كان المشهد واضحًا تمامًا, ولكن حينها كانت "فيروز" تضع كفها على فم "شدوى" بقوة تمنعها من الصراخ, وكلاً من يرى الوضع ظنوا أنها تحاول خنقها, ولكنها في الحقيقة كانت تكتم صوتها الصارخ الذي يثير إزعاجها ويُحدث طنينًا قويًا بأذنيها ورأسها, اقترب "شاهين" وهو يصرخ بالواقفات:

- انتوا واقفين تتفرجوا. 


 وفي اللحظة التالية كان يجذب "فيروز" من ذراعها بقوة لتنهض عن "شدوى" التي علىَ صوت صراخها فور رفع كف "فيروز" عن فمها,  ركضت "نورهان" ل"شدوى" تساعدها في الوقوف والتي كانت في حالة مزرية, شعرها مشعث ووجهها بهِ خدوش تركت أثرًا واضحًا وشفتيها تنزف دمًا,  ليسأل "شاهين" والغضب مسيطر على ملامح وجهه:

- انا عاوز افهم حالاً ايه اللي حصل؟ ايه المشهد اللي انا شفته ده؟ انتوا في بيتي ولا في الشارع! 


 وهنا انطلقت "شدوى" في بكاء وشكاء لم يتوقف ولم ينقطع وهي تقول ما فعلته فيروز وما لم تفعله, وتضيف نكهات للموضوع بأن "فيروز" لم تحترم المكان الموجودة بهِ ولم تحترم صاحبه, وتداخل معها صوت "نورهان" وهي تحاول أن تهدئ من صراخها بين كل جملة وأخرى وتلقي لومًا على "فيروز" مبررة أنه مهما حدث لا يحق لها أن تستبيح ضرب الأخرى, و تعالى صوت "شاهين" الغاضب وهو ينهر جميع الواقفات لتخاذلهم عن التدخل وفض النِزاع,  وفجأة أصبحت الأصوات متداخله, بكاء شدوى بصوت مزعج... محاولة نورهان أن تهدئها... وصوت صراخ شاهين في الخادمات.... ومحاولتهن للتبرير... بين كل هذا علىَ صوت الطنين بأذن فيروز لدرجة شعرت وكأن أحدهم يطرق رأسها بمطرقة, فعلى صوت تنفسها وظلت تحرك رأسها يمينًا ويسارًا كشخص مجذوب قبل أن تصرخ فجأة:


-بــــــس... صوتكم,  كفــــــــاية. 


 وبعد كلمتها الأخيرة ورغم أن الجميع صمت ينظر لها بتعجب واستغراب, كانت تسقط فاقدة للوعي بعد أن فشلت في تحمل الألم الذي أصابها, ركض "شاهين" إليها ليلتقطها من بين ايدي "مستكة" والتي كانت الأقرب لها, فاسندها على صدره وهو يحاول إفاقتها ولا يعلم تحديدًا لِمَ فقدت وعيها! ولكن كل المحاولات بائت بالفشل, ليحملها على ذراعيهِ ويصعد بها بعد أن أخبرهم أن يطلبوا حضور الطبيب. 

**********

وبمكتب مازن في قسم الشرطة...


 جلس مقابلاً لصديقه "أمجد" الذي سأله:

- انا نفسي افهم انتَ هتاخد ايه من كل اللي بتعمله ده؟ يعني نهاية الموضوع ده ايه؟ حتى لو البنت دي قدرة تخلي شاهين يعمل كل اللي انتَ بتخطط له ايه اللي هيحصل بعد كده؟ ما كده شاهين هيغير باسورد الخزنة وهيديها الورق اللي هو عاوز يوصله لك مش الورق اللي انتَ عاوزه!


 هز رأسه مؤكدًا على حديث صديقه وهو يقول:

- عارف عشان كده دلوقتي بحاول اخلي فيروز تقرب من شاهين.


 نظر له صديقه بعد فهم وهو يسأله بحذر:

- يعني ايه تقرب منه؟


 قال وهو ينهض ليصبح أمامه مستندًا على المكتب بجانبه:

- يعني زي ما انتَ فهمتها.


 رفع "أمجد" حاجبه غير مقتنعًا بالفكرة وهو يسأله:

- اه طيب ولو قربت منه ايه اللي هيحصل؟


- لو قربت منه شاهين هيثق فيها جدًا وخصوصًا انها من أول محطة باعتني له و قالت له انها متفقه معايا وإن كل ده حوار عامله عليه,  فأصلاً شاهين دلوقتي بيثق فيها أو بمعنى أصح في خوفها منه بس بنسبة قليلة قوي, انا بقى عاوز النسبة دي تعلى قوي, كل ما تعلى كل ما فيروز تعرف تجيبلي اللي انا عاوزه,  وبيني وبينك حوار الخطوبة ده على هوايا ولصالحي, ويا ريت شاهين يكمل فيه.


 هز "أمجد" رأسه شاعرًا بأنه لم يفهم الأمر كاملاً:

- انا ما بقتش فاهمك! في الأول بعتها عشان تجيب ورق, وبعد شويه عايزها تقرب من شاهين, ويا عالم بعد كده تطلب منها ايه تاني؟ يا ترى هي اصلاً هتستحمل الوضع ده هتفضل مكمله ولا ممكن بقى تبيعك لشاهين بجد؟


 هز رأسه بضحكة عالية وهو يقول بثقة غريبة:

- مستحيل تعمل كده.


 رفع "أمجد" حاجبه ساخرًا:

- يا سلام ايه الثقة دي؟ ليه يعني مستحيل تعمل كده؟


 اقترب منه خطوة وهو يضرب اصبعه في جبهة الآخر:

- عشان يا اذكى اخواتك في سببين يمنعوها, اول حاجه انها فعلاً خايفه مني, وخايفه اني انفذ اللي هددتها بيه قبل كده والبسها قضية لو خلعت و ما جابتليش اللي انا عاوزه.


- والسبب التاني؟


 ابتعد عنه واختفت ابتسامته, أصبحت ملامحه غير مفهومة ابدًا وهو يقول بنبرة غريبة:

- عشان حاسسها معجبه بيا, ويمكن اعجابها ده اللي مخليها مصدقاني في كل حاجه بقولها و واثقة فيا.


 نهض "أمجد" ليقف أمامه يسأله بغضب حقيقي:

- هو انتَ كمان بتستغل مشاعرها؟ مش كفاية الفيلم اللي عملته عليها والناس اللي بعتهم يسرقوا الفلوس عشان تكمل لعبتك وتجبرها توافق على اللي انتَ عاوزه! 


 نظر له "مازن" وقد اغضبه حديثه, ليقول نافيًا التهم عن نفسه:

- ايه اللي انتَ بتقوله ده! انا ما استغلتش مشاعرها لأن اصلاً ما كنتش قصدي اخليها تعجب بيا ولا نيله, كل الحكاية اني لاحظت انها معجبه بيا, اعمل ايه بقى؟ في ايدي ايه اعمله؟ انا لا قلتلها اعجبي ولا قلتلها ماتعجبيش ولا حتى عمري بينت لها اني معجب بيها ولا انها اصلاً في دماغي, وموضوع الفلوس ده خلصنا منه من زمان, قولتلك اني وقتها عملت كده لأني حستها هتتراجع ومكانش عندي حل تاني اقنعها بيه انها تكون معايا في المهمة بعد ما شوفتها مناسبة جدًا لها.


 نظر له "أمجد" نظرة مبهمة وهو يسأله سؤال غامض:

- وهي فعلاً مش في دماغك؟


 طالعه "مازن" لثواني بصمت قبل أن يرد عليهِ مستهزئًا:

- وهينفع اصلاً تكون في دماغي؟ انتَ شايف كده؟


 هز "أمجد" رأسه بلا معنى وقال:

- عمومًا هنشوف.


 وتركه خارجًا من المكتب ليغرق "مازن" في دوامة من الأفكار التي لا تنتهي..

******

 انتهى الطبيب من فحصها ونهض يخرج لشاهين الواقف بالخارج تاركًا "صفاء" معها بالداخل بعد أن أخبرها بأنها ستفيق في اللحظات التالية.

 اقترب منه "شاهين" حين خرج من الغرفة يسأله باستفسار:

- هي ايه اللي حصل لها؟


 رفع الطبيب منكبيهِ جاهلًا:

-هو من كشفي ما فيش أي حاجه ممكن تسبب ليها الاغماء, فطالما ما فيش حاجه عضوية, وارد يكون الاغماء ده حصل بسبب ضغط نفسي مثلًا, ولو ماتعرضتش لضغط يبقى تعمل تشيك اب كامل وتحاليل في أي مستشفى عشان تطمنوا اكتر, وعمومًا هي ممكن يكون عندها معلومة لما تفوق, لأن مش كل حاجه احنا بنقدر نعرفها من الكشف, بس كل حاجه تمام وما فيش حاجه مُقلقة حتى مش هكتبلها على أي دوا...


 هز "شاهين" رأسه متفهمًا وانسحب الطبيب من أمامه, ليسمع بعدها صوت "شدوى" من خلفه تقول:

- يا ترى بقى هتجيبلي حقي منها ولا اللعبة الخايبة اللي عملتها وانها اغمى عليها حننت قلبك ليها؟


 التف ينظر لها بنظرة جامدة و قاتمة وقال بنبرة اقلقتها:

-مش شاهين المنشاوي اللي يتلعب عليه لعب خايبة, وما تحسسنيش إنك مظلومة عشان أنا متأكد مليون في المية إن كل اللي حصل ده انتِ السبب فيه, ده انا عشت معاكِ سنين وعارفك كويس, وعارف ازاي تقدري تستفزي الشخص اللي قدامك وتوصليه لمرحله هو عمره  ما توقع انه يوصلها وتطلعي أو** ما فيه.


 نظرت له مدهوشة وهي تردد بغضب ووجه تلون بالحمرة القاتمة:

- يعني انتَ في الآخر هتقلب الترابيزة عليا؟ 


 رفع كفه ينهي حديثها يهتف بقوة:


- انا مش عاوز اسمع أي كلام دلوقتي في الموضوع ده, لينا كلام تاني بس مش وقته.


 وانسحب تمامًا من المحيط كي يعود إلى عمله, وعادت هي لغرفتها ورأسها يشتعل لن تهدأ حتى تأخذ حقها من تلك الحقيرة التي تجرأت عليها. 


 وبالداخل حين استعادة "فيروز" وعيها ورأت "صفاء" في وجهها أمرتها بغضب أن تخرج من الغرفة فورًا, فهي لم تعد تطيق رؤيتها فحين هجمت هي على "شدوى" اقتربت "صفاء" تبعدها بقوة وأخذت بعدها تلقي محاضره في كيفية التعامل بينهما, ولكن حين حدث العكس لم تأخذ أي رد فعل, وهذا ما عزز غضب فيروز منها ومقتها لها, نهضت تجلس على الفراش تأن بتعب وهي تمسك رأسها بين كفيها, هي تعلم جيدًا تلك الحالة التي تنتابها حين تسمع صوتًا عاليًا او ضجيج لفترة تزيد عن ثواني معدودة ينتهي الأمر بها مغشيًا عليها من شدة الألم, لكنها قررت في قرارة نفسها أنها لن تسكت وان حاول "شاهين" أن يُلقي عليها اللوم أو يحملها ذنب وخطأ ما حدث ستعرف حينها كيف تأخذ حقها جيدًا من الجميع, ولن تسمح لأحد أن يحملها خطأ ليس بخطئها فشدوى هي من بدأت وهي لم تكن سوى رد فعل, همست لنفسها وهي تعود للتسطح:

- لا انام شويه مش قادره دماغي هتنفجر عشان اصحى فايقة للغجر اللي في البيت ده.


*********

و في مكان بعيد نذهب له لأول مرة...


فيلا في منطقة نائية بعيدًا عن التجمعات السكنية, لكنها فيلا فخمة ويرتص أمامها الكثير من الحرس والسيارات التي تدل على ثراء صاحبها..


 كان قد أغلق الهاتف بعد أن انهى حديثه مع "شاهين" وأخبره بموعد مقابلتهم غدًا, حين دخل عليهِ رجله وذراعه الأيمن "رأفت" والذي قال سائلًا:

- كلمت شاهين بيه؟


 ليرفع "نصر" نظره عن الأوراق التي أمامه وهو يجيبه:

- ايوه كلمته, وحددت معاه ميعاد بكره الساعه 12:00 بالليل.


 جلس "رأفت" على الكرسي المقابل للمكتب وهو يهمهم قبل أن يقول:


_ لسه بردو مش ناوي تقوله انك ابوه!؟ هتفضل مخبي لامتى؟


توقفت يده عن كتابة ما كان يدونه، وتجمدت ملامحه رغم لمعة التأثر بعينيهِ التي رفعها لينظر للجالس أمامه الآن وهو يقول:

_ مش يمكن مش ناوي اقوله.


ظهر الرفض جليًا على وجه الآخر وهو يعقب:

_هتفضل عمرك كله حارم نفسك من ابنك وحارمه منك؟


حاول أن يوهم نفسه قبل أن يوهم الجالس أمامه بأنه بخير والحال هكذا افضل للجميع فقال:

_ أنا مش محروم منه، كفاية إني قادر اشوفه واتكلم معاه، اطمن عليه وأأمنه.


ابتسم بتهكم وسخرية وهو يقول:

_ بس مش قادر تضمه لحضنك.. كام مره بشوف عينك هتطلع عليه واحسك بتتخيل انك جريت عليه وخدته في حضنك، مش قادر تسمع منه كلمة بابا، مش معقول تكون ناوي تموت حارم نفسك وحارمه من احاسيس ومشاعر كتير حلوة ممكن تعشوها.


زفر بقوة وهي ينتفض من فوق كرسيه واتجه له يقف أمامه يهتف بحزن وغضب في آنٍ:

_ بلاش تزود وجعي، انا مش محتاجك تقولي كل ده عشان اخد بالي، الوجع اللي جوايا بيصرخ فيا كل يوم وكل مره بشوفه فيها، واوقات... اوقات بحس اني هنفجر واقوله واللي يحصل يحصل... بس خايف يكرهني وده اللي بيرجعني، خايف يسألني اسئلة معنديش إجابات لها، أو... أو يلومني وميقتنعش بمبرراتي.. خايف اسمع منه جملة "انتَ فضلت نفسك عليا، وضحيت بيا عشان نفسك".. خايف من حاجات كتير اوي اقوى من رغبتي في اني اخده في حضني.


هز "رأفت" رأسه بحزن وحيرة، هو يفهمه لكن الوضع القائم لا يجب أن يستمر، ينبغي أن ينتهي يومًا ما، أن يكشف الستار عن ما خلفه، والحقائق التي دفنت من سنوات يُعاد النبش بها، فلا حقيقة تبقى مدفونة للأبد...

_ مفيش سر بيتدارى للأبد ومليون في المية بييجي يوم ويتكشف، ولو اكتشفه من حد غيرك هيبقى موقفك معاه صعب اوي.


ضرب الأرض بقدمه عدة مرات بوتيرة ثابتة ورفع رأسه للأعلى يأخذ نفسًا قويًا مغمغمًا بعدها بقلة حيلة وعجز:

_ يارب....


 نهض "رأفت" يقترب من "نصر" وهو يربط على كتفه من الخلف قائلًا بمواساة ونصح:

- صدقني يا نصر باشا إن شاهين بيه يعرف إن ابوه عايش حتى لو كان فيها صدمة له,و لو كان هيبقى في خلافات ما بينك وما بينه, وهتتعب شوية لحد ما يسامحك, أحسن مليون مرة من إحساسه باليتم وإن ضهره مكشوف.


 التف له يقول:

- ايوه بس ممدوح كان طول الوقت معاه, كنت دايمًا بعرف من مصادري انه بيتعامل معاه كويس جدًا وفعلًا معتبره زي ابنه وعمره ما قصر معاه وزي مانت شوفت في اخر مرة لما كان شاهين هيتأذي ولحقه ممدوح برجالته. 


هز "رأفت" رأسه بعدم اقتناع:

- هو اه يمكن يكون بيتعامل معاه كويس وبيحميه, بس انت قلتها بيعتبروا زي ابنه يعني عمره ما يكون ابنه حقيقي, وعلى فكره انا متأكد مليون في المية ان كل اللي بيعمله  ده ورا مصلحة, ما هو يعني ما تقنعنيش ان في حد هيعمل كل ده حبًا في ابن مراته, خصوصًا بقى إن ممدوح عنده إبن ومخلف يعني حتى مش محروم من خلفة عشان نقول بيعوض حرمانه فيه.


 هز "نصر" رأسه مؤكدًا على حديثه وهو يقول:

- ممدوح مش بيعمل ده حبًا في شاهين وبس, ممدوح عارف قوة شاهين وعارف انه طول ما شاهين عايش وموجود ما بينا واسمه موجود في شغلنا فهو حماية له, يعني تقدر تقول ممدوح بيستند على اسم شاهين وعلى قوته في شغل السلاح.


 هز "رأفت" رأسه بأسف وهو يقول:

- مش متوقع رد فعل شاهين بيه لما يعرف إن البيج بوس لشغلنا هنا في مصر يبقى ابوه.


 ببسمة ساخرة أكمل بنبرة ظهر عليها الجمود الذي يخفي خلفه المًا:


- شغلنا اللي بسببه اتحرم من ابوه العمر كله, واللي بسببه برده أمه ماتت بعد ما ممدوح قتلها لما عرفت انه شغال في السلاح...


الفصل الرابع من الجزء الثاني... 

 فراشه في سكّ العقرب... 

 حب أعمى..  ناهد خالد.. 


" ما أصعب أن تحضنك عيني دون أن يفعل جسدي،  وأن يحبك قلبي دون أن ينطق لساني ، 

أن يركض إليك عقلي راغبًا في البوح بالكثير وأنا في الحقيقة ما زلت ثابتًا في مكاني.. 

فلا الظروف تسمح ولا الوقت يناسب" 


 بعد ثلاث ساعات كانت قد استيقظت "فيروز" من نومها على صوت دقات فوق باب غرفتها،  فنهضت تفرك عينيها بكسل سائلة عن هوية الطارق،  لتعرف أنها" مستكه" فأذنت لها بالدخول،  دلفت الأخرى وهي تقول:


_ أنا قلت اشوفك قبل ما أخلص وأروح.. 


 سألت" فيروز "وهي تجلس فوق الفراش:


_ أنتِ الشفت بتاعك خلص؟ 


 أومأت برأسها مجيبة:


_ ايوه فاضل نص ساعة وهمشي. 


 ثم نظرت إليها  بفضول واضح وهي تسألها بأعين ضيقه:


_ هو أنتِ ايه اللي حصلك؟ ايه اللي خلاكِ صرختِ فجأه ووقعتِ كده؟ 


 توترت نظرات "فيروز" وهي تبعدها عنها وتقول مبرره:


_ ما حصلش حاجه، أنا بس حسيت بضغط مع الصريخ الكتير و لما الزفته دي هجمت عليا فجأه فزعتني،  وبيني وبينك بقى أنا اصلاً كنت بهرب من الحوار ده كله. 

و "فيروز" لا تبين نِقاط ضعفها لأحد، فمستكة اليوم حليفتها ولكن في الغد لربما تصبح عدوتها، وعليهِ فلن تعطيها سلاحًا تستغله ضدها فيما بعد، وهذا ما علمه لها العمل في الشارع وسط مختلف البشر، ووسط أشخاص إن رأوك مهزوزًا سيقضون عليك بلا رحمة. 


 سألتها "مستكه" بتعجب:


_  بتهربي إزاي يعني؟ 


 اجابت "فيروز" بثبات مصطنع:


_ يعني... حسيت إن الموضوع كده هيقلب عليا خصوصًا مع  رجوع شاهين فجأه رغم إن  ده مش ميعاد رجوعه خالص،  وكمان لما جه شاف إن أنا اللي بضربها،  ولما حب يسأل راح يسأل الحيزبونه اللي اسمها صفاء اللي هي أصلاً من حلفاء الصفرا التانيه،  حسيت ان الدنيا هتعك على راسي فقلت اهرب من الموضوع بأي حاجه. 


 اتسعت أعين "مستكه" بصدمه وهي تسألها:


_ يعني أنتِ كنتِ بتمثلي؟ 


"لا حرج من بعض الكذب" هذا ما رددته "فيروز" في عقلها وهي تستكمل كذبتها على مستكه:


_  اه اومال يعني هكون وقعت ليه هو كان حد لمسني أصلاً! 


 حركت "مستكه" رأسها مقتنعه بحديثها وقالت:


_ وأنا برده قلت كده، استغربت قوي يعني ما حدش جه ناحيتك. 


 تمادت "فيروز" في كذبتها وهي تقول:


_ أنا بس حسيت إني في ضغط والدنيا قربت تتقلب عليا،  فجه في دماغي الحوار ده فعملت نفسي اغمى عليا والحمد لله الموضوع عدى على خير. 


سألتها "مستكه" مستنكرة:


_ وأنتِ تفتكري أن شاهين بيه مش هيفتح الموضوع تاني! 


 رفعت منكبيها جاهلة وهي تقول:


_ ما اعرفش بصراحه إذا كان هيفتحه ولا لأ،  بس يعني حتى لو فتحوا أنا دلوقتي هديت وهقدر أفكر وأرد عليه كويس في أي حاجه هيوجهها ليا. 


 عقبت "مستكه" قائلة:


_ بس أنتِ لو عاوزه رأيي فأنتِ زودتيها قوي مع شدوى،  بصراحه اللي في وضعك أصلاً ما ينفعش أنه  يكسب عداوة حد،  يا بنتي ده أنتِ المفروض كل اللي في البيت ده تاخديه تحت جناحاتك وتضميه لصفك،  أنتِ أكيد مش ناقصه ناس تقلب عليكِ ويبدأوا يخططولك عشان يوقعوكِ في مشاكل،  لأ ويركزوا معاكي وساعتها ممكن يكتشفوا اللي شاهين نفسه ما اكتشفوش، وهتبقى وقعتك سودا.. 


 توترت "فيروز" وهي تنظر لها قائلة بضيق:


_ الله! أنتِ هتقلقيني ليه بقى. 


 ربطت "مسكته" بكفها على فخذ الأخرى وهي تجيبها:


_ أنا مش بقلقك.. أنا بقولك الصح،  شدوى لو حطيتك في دماغها وبدأت تنبش وراكي أنتِ عندك كتير قوي اللي يوقعك،  فأنا من رأيي تحاولي تتجنبيها على قد ما تقدري،  وحتى لو عملت معاكي حاجه غلط اعملي نفسك مش سامعه، خلي الشغلانه السودا دي تعدي على خير. 


 حركت رأسها بمعنى أنها توافق على حديثها:


_ هحاول و ربنا يستر. 


 نهضت "مستكه" وهي تقول:


_ طيب همشي أنا بقى أروح  ولما اجيلك بكره الصبح ابقي احكيلي لو في حاجه حصلت لما شاهين بيه يرجع. 


ضحكت "فيروز" تسألها:


_ أنتِ ليه بتقولي بيه وهو مش موجود ومحدش سامعك! 


ضحكت "مستكه" هي الأخرى وجعدت ملامحها بخوف مصطنع:


_ والله يا ختي ماعرف، الراجل ده له هيبة كده حتى لو مش موجود، اول ما اسمه بييجي قدام الواحد جتتي بتتلبش واحس إني عامله مصيبة والاقي نفسي بتكلم عليه بكل احترام، وبعدين عشان بردو لساني ميتعودش اقول اسمه من غير بيه واجي اغلط قدام ام اربعة وأربعين.. قصدي صفاء الحيزبونه زي ما قولتي من شوية. 


ضحكت "فيروز" بشدة على طريقتها وحديثها، لتهز "مستكة" رأسها ضاحكة بقلة حيلة وتحركت خارجه من الغرفة تاركة "فيروز" تفكر جديًا في حديثها وفي كونها لابد وأن تتجنب "شدوى" قدر المستطاع كي لا تجلب لنفسها متاعب أخرى فلديها ما يكفي ويفيض!


******************


وفي تمام الثانية عشر منتصف الليل....  

كانت سيارة "شاهين" تقف أمام فيلا "نصر العقاد"  الأسم الذي ذاع صيته في مجال عملهم وأصبح من أهم وأكبر الأسماء التي يهابها الكثير ويضع لها ألف تقدير وحساب. 


 دلف "شاهين" لداخل الفيلا بعدما استقبله الخادم واجلسه في غرفة مكتب "نصر"،  فجلس ينتظر قدومه حتى سمع صوت الباب يُفتح وبعدها يدلف هو، وهو يقول:


_ أهلاً يا شاهين نورت. 


 نهض "شاهين"  ليقف قباله ويمد كفه يتصافحا بينما يقول بهدوءه المعتاد:


_ ده نورك يا نصر باشا. 


 كان ينظر إليه الآن وحديث "رأفت" يرن بأذنيهِ عن كونه قد حرم عليهِ وعلى ابنه مشاعر يهفو كليهما إليها، ورغم عنِاده مع "رأفت" وإخباره أنه بالعكس لا ينقصه شيء وولده كذلك، فهو الآن ينظر له بأعين تخفي الكثير من الشوق والحب، والرغبه في جذبه لأحضانه وبعدها يحدث ما يحدث فلا يهم،  المهم أن يهدأ قلبه الذي يهفو إلى وليده وتهدأ ثورة مشاعره التي تحثه على الاقتراب دون حدود، لكنه تمالك نفسه وهو يقول 

 بعتاب ليس معتادًا بين رئيس العمل والمرؤوس:


_ ما جيتش يعني تزورني من وقت آخر مشكلة حصلت في المينا،  وكأن زيارتك ليا ما بتكونش غير لمصلحة أو لو في كارثه حصلت في الشغل. 


 سحب "شاهين" كفه في هدوء وهو يقول مجيبًا:


_ لأ الحكاية مش كده،  بس المره اللي فاتت لما جيت كان عشان انبهك إن في حد من رجالتنا خاين وبلغ الناس في المينا عن الشحنة، من بعدها وكان في كذا شحنة داخلين وأكيد سعادتك عارف بتاخد قد ايه ترتيبات ومجهود عشان تدخل وتوصل لمخازنا بسلام وتتوزع كمان،  كل الحكايه إن الشغل كان كتير لكن أكيد حابب أزور سعادتك من غير ما يكون في مشاكل في الشغل. 


 استعاد "نصر" نفسه بصعوبة وهو يشير له للجلوس وجلس على الكرسي المقابل له تاركًا كرسي مكتبه فارغ، وهذا لا يحدث سوى مع "شاهين"، ابتسم له وهو يقول بإعجاب بشخصيته:


_ دبلوماسي أنتَ يا شاهين وده بيعجبني فيك، قلي بقى تشرب ايه الأول؟ 


 وقبل أن يجيب "شاهين" كان "نصر" يرفع كفه وهو يقول مازحًا:


_ اتمنى تغير القهوة المظبوطة بتاعت كل مره. 


 مازحه "شاهين"  في هدوء وهو يقول:


_ خلاص نخليها ساده. 


 ضحك "نصر"  هازًا رأسه بيأس،  قبل أن يقترح بلهفه  وأمل في أن يوافق شاهين:


_  طب ايه رأيك اخليهم يحضروا العشاء على ما نخلص كلام؟


تحكم "شاهين" في مشاعر استغرابه وتعجبه من أفعال نصر معه، وسؤال واحد يتردد في ذهنه، هل الرجل الجالس أمامه بكل هذا التواضع والأريحية في التعامل؟ فتعامله بعيدًا تمامًا عن تعامل أي شخص في عملهم، ما بالك وهو صاحب العمل نفسه! 

لكنه تجاوز استغرابه وهو يضع كفه على صدره في حركة شكر وقال:


_  تسلم يا باشا والله، بس أنا ما بتعشاش. 


انعقد جبين "نصر" بإحباط وحاول معه مرة أخرى مبتسمًا:


_ طب يعني حتى مش هتكسر القاعده دي عشاني! 


وجملته ازادت شاهين استغرابًا تجاوزه كسابقه، 

وابتسم بدبلوماسيته واجاب:


_ معلش مش هقدر.. ممكن نخليها غدا المره الجايه إن  شاء الله. 


تنهد "نصر" باستسلام وهو يتخطى الموضوع كي لا يلفت نظر "شاهين" لشيء وقال:


_ طيب براحتك.. هطلبلك القهوه بتاعتك. 


 وبعد أن طلب قهوته المعتادة، نظر له وهو يسأله:


_ قولي لسه أخوك بينخور وراك ؟ 


حرك رأسه  بلا مبالاة وهو يقول:


_ خليه يتسلى،  هو كده كده مش هيوصل لحاجه. 


 ابتسم "نصر" في مكر وهو يسأله:


_ طب وحكاية البت اللي عندك في البيت هنعتبرها تسلية بردو؟ 


لم يتفاجئ "شاهين" ابدًا بالعكس رفع حاجبه الأيسر وهو يجيبه في ثقة:


_كنت متأكد إنك هيكون عندك خبر بيها،  عمومًا اطمن ما تشغلش بالك، أنا ومازن بنلاعب بعض هو واخد الموضوع جد وانا اديني بتسلى،  حاكم أنا بحب الألعاب دي قوي ... بتضيع وقتي وفي نفس الوقت بتحسسني بمتعه،  متعة الانتصار بعد كل جولة... 


ربط "نصر" على ركبته بكفه بقوة وهو يقول:


_ وأنا واثق فيك،  عشان كده لحد دلوقتي أنا ما ادخلتش بأي طريقة مع أخوك، أنتَ عارف كويس إني لو ادخلت مش هيبقى في لعب بعدها، أنا مقبلش إن يبقى في شخص مهدد حياة راجل من رجالتي. 


وجملته الأخيرة كانت تبريرًا لحدته التي لم يقصدها وتبديدًا لأي شكوك قد تُثار بداخل شاهين.. 


 تجمدت ملامح "شاهين" لوهلة قبل أن يعقب:


_ مفيش داعي لتدخل سعادتك،  الوضع تحت السيطرة. 


 هز رأسه مقتنعًا بحديثه وقال:


_ وأنا متأكد من ده، ده أنتَ العقرب.. بس بقلق لحبك لأخوك يخليك تسيبه يضيعك. 


أُظلمت نظرات "شاهين" لتظهر عيناه الآن مقتبسة من أعين صاحب اسمه، فباتت تشبه أعين الصقر تمامًا الذي رأي عدو يقترب منه في استعداد لأذيته:


_ أنا بحبه اه، لكن مهما كان حبي له فأنا أكيد بحب نفسي أكتر ومش هسمحله يوقعني، بالمناسبة بما إن سعادتك مسبقش ليك التقابل معاه وجه لوجه، فأيه رأيك لو تشرفنا وتحضر حفلة عاملها بكره في فندق ****. 


سأله مستغربًا:


_ بمناسبة ايه؟ 


_ الحفل السنوي لشركة العقرب، وغالبا كل رجال الأعمال هيكونوا موجودين. 


هز رأسه مرتان ثم قال:


_ هشوف جدولي بكره لو مناسب هحضر أكيد. 


وبداخله بالطبع سيحضر، فهو لن يضيع فرصة يرى فيها شاهين ليوم إضافي. 


صمت لثواني ثم قال:


 _ تمام خليني بقى اكلمك في اللي أنا طلبتك عشانه،  في شوية تعديلات هتحصل الفتره الجاية في شغلنا لازم نتفق عليها عشان تبقى كل حاجه واضحه. 


وبدأ يوضح له طبيعة التعديلات وأن  سبب إجرائها هو زيادة أمان وحيطه أكثر، كي لا يستطيع أحد إدانتهم  بشيء.

*************

بقصر العقرب.. 


كانت جالسه في غرفتها تتصفح مواقع التواصل الإجتماعي بملل حين أتتها رساله من أحد التطبيقات، لتنتفض جالسه فجأه وقد اتسعت عيناها بذهول حين أبصرت إسم صاحب الرساله والذي لم يكن سوى معاذ! فتحت الرسالة لتجد مضمونها 


"الصورة اللي نزلتيها من شوية حلوة قوي بس لو تسمحيلي شايف إنها مش مناسبه تنزل على فيسبوك" 


 ظلت تنظر للرساله بتوتر بالغ واستغراب في نفس الوقت، فمعاذ لم يفعل هذا ابدًا من قبل، ولم يبعث لها برسالة أو حتى تعليق على أي منشور لها،  هم فقط مجرد أصدقاء على تطبيق التواصل الاجتماعي فيسبوك ولكن لم يتم التواصل بينهما بأي طريقه كانت،  وبعد عدة ثواني استطاعت أن تتمالك نفسها وردت سائله:


" وليه يعني ما ينفعش تنزل على فيسبوك!  هو أنتَ شايف إن الصوره فيها حاجه مخله؟" 


 أتاتها رسالته سريعًا:


" أكيد مش قصدي كده،  بس تطبيق الفيسبوك ده للناس كلها أي حد ممكن يشوف صورتك دي سواء بقى الشخص ده يعرفك او لأ،  بصراحه دي حاجه مش كويسه خصوصًا البنات،  يعني ولد ممكن يشوف الصوره دي صدفه حتى لو هو مش من أصدقائك ويقعد يتأمل فيها وفي تفاصيل جسمك فهي بصراحه شيء مش لذيذ"


ظلت تنظر لرسالته لبعض ثواني وهي تعيد قراءتها مرارًا وتكرارًا وشعرت بأنها اقتنعت بحديثه ولكنها أبت أن تظهر هذا فردت:


" احنا مش مطالبين إننا نتقيد بتصرفات الآخرين يعني، أنا مثلاً لو جت قدامي صورة شاب أنا ما اعرفوش صدفه أكيد مش هقف اتملى في ملامحه زي ما انتَ ما بتقول،  لأن ده مش من حقي،  لكن لو ده حد تاني عمله زي ما انتَ ما تقصد فأنا كشخص منزل صورة ليا مش ملام ابدًا" 


 " لا على فكره أنتي لما نزلتي صورتك على موقع فانتي عارفه كويس قوي أنه  بابلك وأي حد يقدر يشوف الصوره دي،  فانتي اللي مش من حقك تتحكمي في الناس مين يقف يتأمل الصورة ومين يعديها كأنه ما شافهاش،  عارفه دي عامله زي إيه؟  سوري يعني لو التشبيه هيكون مبالغ أو فج شويه، بس انتي اكيد  هتفهمي قصدي،  ده بالظبط عامل زي واحده نزلت من بيتها لابسه بدلة رقص ولما كل الناس اللي في الشارع بصوا عليها قالت مش من حقهم انهم يبصوا،  رغم ان هي اللي سمحت لهم بكده انها نازله في الشارع ما طلعتش على سطوح بيتهم مثلا! "


 بعدما قرأت الرسالة شعرت بأن تشبيهه فج كما قال،  فردت رافضه:


" أنت بتشبه إيه بأيه؟  أنا فاهمه إنك عاوز توصلي الرساله، بس لأ طبعًا ما ينفعش تشبه حاجه زي دي بأني  أنزل صوره عادي على فيسبوك،  يعني معنى كده إن أي حد بينزل صور على فيسبوك يبقى منزلها للعرض!"


" لأ طبعًا انا ما قلتش كده،  بس لازم لما تيجي تنزلي صوره على تطبيق الناس كلها هتشوفها تراعي الصوره اللي هتنزل،  يعني تكون مش مبينه ملامحك قوي،  أو مش مبينه تفاصيلك، مش مبينه جسمك ودول أهم من الملامح على فكره،  لأن على الأغلب ما حدش بيركز في صوره شافها في التايم لاين عشان ملامحها،  يعني الملامح مش هي اللي بتلفت الانتباه"


 فهمت قصده فردت بتحفز:


" طيب اللي منزلاها مالها ده حتى الصورة من بعيد وملامحي مش باينه قوي"


وأتتها رسالته التي جعلت حمرة الإحراج والخجل تضرب وجهها كأنه يجلس أمامها


" ما هو المشكله إنها مش مبينه الملامح بس مبينه حاجات تانيه بما إنها من بعيد"


 وفورًا خرجت من تطبيق الرسائل لترى الصورة مرة أخرى وحين دققت بها فهمت قصده،  فالصورة بالفعل تبين انحناءات جسدها بشكل واضح، خاصةً مع ذلك البنطال المجسم والكنزة القصيرة لحد ما وعارية الذراعين،  ورغم أن هذه طريقة لبسها في الطبيعي وأن ما ترتديه في الصورة خرجت به للشارع ولعملها وألف عين رأتها،  ولكن إن تكن صوره بين يديكَ تسمح لك بتفحص كل جزء بها فهو أمر مخالف لنظره عابره تلقيها وانتَ تمر بالجوار.. 


 وفجأة وجدت نفسها تضغط على حذف الصوره وبعدها أغلقت الهاتف ووضعته بجوارها ووضعت كفها فوق قلبها حين اتتها رسالة أخيرة منه تتضمن كلمة واحدة

" شاطره"

 ورغم أنها كلمة لا تعني أي شيء، ولا تثير أي مشاعر ، لكنها جعلت قلبها الأحمق يدق بشدة،  فهو يهمه أمرها! ويراقب أفعالها حتى وإن لم يظهر في الصورة من قبل!


***************


يوم جديد يحمل بين طياته الكثير يحمل... 

 أحداث هادئة للبعض .. 

أحداث مقلقه للبعض الآخر.. 

وأحداث كارثيه لبعضهم....


خرجت من غرفتها التي ظلت عاكفه بها اليوم السابق،  فهي لم تخرج منها إلا مرتين ، أولهما حين أرادت تناول الطعام وكانت تعلم بأنه غير موجود في المنزل،  والثانيه قرب منتصف الليل بعدما سمعت صوت سيارته تغادر المكان،  وفي المرتين كانت حريصه على أن تسرع بما تريد فعله قبل أن يأتي، فهي لا تريد مواجهه معه رغم أنها تعلم أنها آتيه لا ريب، ولكنها تحاول تأجيلها بقدر استطاعتها. 

 وها هو اليوم لا مفر من المواجهة،  فاضطرت أن تحضر الإفطار المقدس كي لا يفوتها مثل أمس وتحدث مشكلة جديدة،  نزلت درجات السلم بعدما ارتدت بنطال من "الجينز" الأبيض  وكنزة صيفية من اللون الأصفر  تصل لبداية البنطال من قماش "الشيفون المبطن"  وحذاء أبيض، وربطت شعرها من الأعلى تاركة الجزء المتبقي منه ينسدل على ظهرها، اقتربت وهي تلقي تحية الصباح بعدما وجدت الجميع حول الطاولة، وجلست دون أن ترفع نظرها لأيًا منهم،  ولكنها بعد ثواني سمعت صوته يقول بنبرة جامدة أسرت خوفًا في عروقها:


_ بعد ما تخلصي فطار عاوزك في مكتبي. 


وقبل أن ترفع نظرها له سمعت صوت "شدوى" الثائر:


_ يعني ايه عاوزها في مكتبك؟  أنتَ ناوي تحاسبها على اللي حصل امبارح بينك وبينها؟ اومال هتجيبلي حقي منها ازاي؟؟! 


 نظر لها بجانب عينيهِ بنظرة حتى قاسية وهو يقول:


_ أنتِ ليه بتتكلمي كأنك بريئه فعلاً!  أنا لسه ما عرفتش ايه اللي حصل امبارح،  ولا حددت مين اللي له حقه ومين اللي عليه. 


لم تهدأ وهي تقول:


_ ايوه يعني بردو هتكلمها بينك وبين..... 


 قاطعها بحدة واضحة:


_ شدوى مش عاوز كلام في الموضوع،  أنتِ مش هتعلميني اعمل إيه و ما اعملش إيه! 


ابتسمت "فيروز" بشماتة وهي تضع وجهها في طبقها كي لا يلاحظ أحد ابتسامتها، وتدخلت "نورهان" وهي ترى الوضع يتصاعد بينهما:


_  خلاص يا شدوى اهدي ما يصحش كده تيم قاعد، وأنتَ يا شاهين هدي نفسك شويه. 


 نظر "شاهين" لتيم الذي ينظر إليهما في قلق ليمسد على ظهره بحنو، وهو يقول مبتسمًا:


_ ايه رأيك لو خلصت الساندوتش بتاعك كله هلعب معاك كوره. 


تخلى الصغير عن قلقه من المشادة التي شاهدها للتو وهو يبتسم بفرحه قائلاً بحماس:


_ بجد هتلعب معايا؟  بقالنا كتير ما لعبناش كوره سوا. 


 عبث بكفه في شعر الصغير وهو يقول آسفًا:


_ معلش يا حبيبي الفترة اللي فاتت كان عندي شغل كتير،  بس اوعدك لو خلصت الساندوتش بتاعك نلعب مع بعض كوره كتير لحد ما تزهق. 


 هز الصغير رأسه عدة مرات بحماس قبل أن يتوجه لإلتهام طعامه متحمسًا لاللعب مع والده فور انتهاءه. 


 تابع الجميع تناول الطعام في صمت تام حتى كان "شاهين" أول الناهضين وهو يقول مناديًا على "صفاء":


_ دخليلي قهوتي على المكتب. 


ووجه حديثه لفيروز بعدها:


_ لما تخلصي أكلك حصليني. 


ثم نظر لتيم الذي ينظر له بقلق من أن يكون قد رجع في وعده له وقال مبتسمًا:


_هخلص قهوتي واتكلم مع طنط فيروز شويه على ما تكون أنتَ خلصت أكلك عشان ناوي اقطعك جوال. 


ابتسم الصغير ابتسامة واسعة وهو يومأ له بحماس،  فانسحب "شاهين" من الأجواء تحت نظرة "فيروز" له المتعجبة كيف يبدل حاله بين ثانية وأخرى! فيتعامل بقوة وحزم وجدية ثم حنو مع الصغير! تنهدت بحيرة وحقًا "شاهين" هذا لغز كبير بالنسبة لها لم تستطع حل جزء فيه، حركت عيناها لتتقابل نظرتها مع "شدوى" التي تنظر لها بأعين تطق شرارًا ، فلم تستطع أن تفي بوعدها لمستكه بأن تتجنبها،  والقت إليها ابتسامة مستفزة،  كأنها تخبرها بألا تحلمي بالانتصار، فالغلبه دومًا ستكون لي وهذه أول جولة..

*********


انتهوا جميعًا من تناول الطعام، وكانت أخرهم "فيروز" لحضورها إياه متأخره عنهم، بعدما انتهت شربت كوب ماء كامل وهي تستعد لمواجهة العقرب الغاضب بالداخل، وأخذت نفس قوي تهدأ ذاتها كي تستطيع الرد على أي تهمة سيوجهها لها، نهضت عن الطاولة متجهة لمكتبه ولكنها لفت انتباهها جلوس "نورهان" على كرسي منزوي قليلاً يطل على الحديقة الخارجية، كانت ستتجاهلها لولا أنها سمعت شهقة بكاء خافتة تخرج منها، اتجهت لها لترى شاشة هاتفها وتحتله صورة شقيقها "مازن"، وضعت كفها فوق كتفها لتنتبه لها:


_ اللي يشوفك وأنتِ بتعيطي وباصة في التليفون يقول بتشوفي صورة حبيبك اللي افترقتي عنه مش أخوكِ. 


مسحت "نورهان" دموعها وهي تقول:


_ أول مرة ابعد عن مازن المدة دي كلها، أول مرة اقعد كذا يوم من غير ما اشوفه، كان أخري يومين لو عنده مأمورية، حاسة إن في حاجة كبيرة اوي نقصاني. 


نظرت "فيروز" للصورة بأعين لامعة وهي تقول:


_ حلوة اوي علاقتك بأخوكِ وحبك له ما شاء الله، وهو يستاهل حبك ده. 


طالعتها "نورهان" لثواني بصمت، لتنتبه ل "نورهان" لنفسها فتبعد عيناها بتوتر عن الهاتف، ولكنها صُدمت حين سمعت "نورهان" تقول:


_ أنتِ حبيتي مازن؟ 


نظرت لها بتوتر واضح وهي تسألها:


_ ليه بتقولي كده؟ 


قالت "نورهان" بحيرة:


_ المفروض إنك بتحبي شاهين، ومازن وقع بينكوا، واستغل ده وقرب منك وكان هيتجوزك، لكن لما عرفتي الحقيقة سبتيه ورجعتي لشاهين.. لو محبتيش مازن مكنتيش هتقولي دلوقتي انه يستاهل حبي له، ولمعة عينك وأنتِ بتبصي لصورته بتقول إنك بتحبيه.. 


_أ... أنا.. مش.. 


قاطعتها "نورهان" وهي تقف أمامها ممسكة بكفيها تقول:


_ لو بتحبي مازن بلاش تعاندي نفسك وتبعدي عنه، هو اه غلط لما وقعك بينك أنتِ وشاهين، لكن كل إنسان منا بيغلط، وأنا شوفت حبه ليكي لما جابك ليا عشان تتعرفي عليا، لو بتحبيه بلاش توهمي نفسك إنك لسه بتحبي شاهين، مش شرط أصلاً تكوني لسه بتحبي شاهين، ممكن لما اتعاملتي مع مازن حبتيه واكتشفتي إنك نسيتي حبك لشاهين.. وده مش عيب ولا غلط، الغلط بجد لو استمريتي واهمة نفسك إنك بتحبي شاهين وعينك بتروح على مازن غصب عنك. 


وحديثها كان يفعل الكثير في فيروز، فها هي "نورهان" من مجرد ثواني اكتشفت حبها لمازن ولاحظته، حبها التي كانت تدركه ولكنها تتأرجح أحيانًا من صدقه أو زيفه، والآن تأكدت أنه حقيقة مؤلمة، بالطبع مؤلمة فهي موقنة أنها لن تجني منه خيرًا. 


طال صمتها حتى قالت:


_ أنا هروح اشوف شاهين. 


وهربت منها تحت نظرات نورهان المشككة بأمرها والتي تدعي ألا تكون "فيروز" وقيعة جديدة بين اخويها.. 


************


فتحت باب المكتب ودلفت تنظر للمكتب لتجده فارغ، وفور تخطيها للباب وقبل أن تتفحص أرجاء المكان كانت تشهق بخوف وهي تجد من يجذبها ويدفعها بقوة لتستند على الباب الذي أُغلق بعنف جراء اصطدامها بهِ و"شاهين" يقف أمامها لا يفصله عنها سوى بضع سنتيمترات وملامحه غير مبشرة بخير أبدًا وقال بفحيح مرعب أثار الفزع فيها:


_ مجاوبتيش نورهان... بتحبي مازن؟ 


ارتفع تنفسها وعلى وجيب قلبها وهي تنظر له فقط بفزع وكأن لسانها قد عُقد...! 


فراشة في سكّ العقرب... حب أعمى

 الفصل الخامس.. ناهد خالد

 "من القى بنفسه من على سفح الجبل وظن بأنه سينجو فهو أحمق كبير, فالمراهنة هنا تكون على القدر, ومن يستطيع أن يراهن على القدر ويخرج رابحًا!"

 مع نظراته ومحاصرته لها وتحت فحيح نبرته كانت تزداد خوفًا منه, هي لا تفهم بما عليها أن تجاوب؟ ولكن مع اشتداد قبضته عليها ورؤيتها له أنه لا يتراجع خطوة واحدة كان عليها الرد فقالت بنبرة مهتزة:


- هي هتفرق معاك حبيته ولا لأ؟


اشتد قبضته على ذراعها القابض عليه بقوة أكبر قائلاً من بين أسنانه كأنه لا يقبل التفاوض في الأمر أو المراوغة:


- جاوبي على **** السؤال.


 اتسعت عيناها بصدمة مع سماعها للسبه النائية التي صاحبت قوله, وهنا لم تستطع الصمت وهي تعقب بضيق حقيقي:


- لو سمحت ما تنساش إنك بتتكلم مع بنت ما يصحش تقولي ألفاظ زي دي.


 ورغم أنها في تعاملها مع البشر في مجال عملها قيل لها ألفاظ أقبح من ذلك, وسمعت كلمات بالفعل خادشه للحياء, لكن لا ترى "شاهين" يليق بهذه الألفاظ أن ينطقها من الأساس, فأصحاب هذه الطبقة هي تراهم في مستوى معين من حيث اللبس, وطريقة التعامل, وحديثهم بما فيه من كلمات مُختارة, رفع جانب فمه ساخرًا من حديثها البعيد تمامًا عن إجابه سؤاله, وهدر بها في ضيق وغضب:


- اخلصي..


 ضجرت ملامحها بشدة وهي تجيب كي تخلص منه:


- عاوزني اجاوبك اقولك إيه؟ ما أنتَ عارف اللي فيها, احبه امتى وأنا أصلاً كل اللي ما بيني وما بينه مصلحة.


 ابتعد خطوتين وترك ذراعها اخيرًا والذي شعرت بأنه مُخدر من قوة الألم وقال بنبرة مهددة:


- يبقى احسنلك بردو.


قطبت ما بين حاجبيها متعجبة وهي تسأله:


- ممكن اعرف احسنلي ليه؟ وهيفرق معاك في إيه اصلاً إذا كنت أحبه ولا لأ؟!


 ابتسامة ساخرة زينت صفحة وجهه الباردة وهو يجيبها:


- هتفرق في إنك لو حبيتيه ساعتها أنا لازم اقلق مِنك, عشان أكيد ساعتها هتغدري بيا وبتفاقنا عشان حبيب القلب, وتبدأي تشغلي دماغك معاه عليا, وأنا ما بحبش اللي بيشغل دماغه, اما بقى احسنلك في ايه, فاحسنلك عشان أنا لو شكيت مجرد شك إنك بتحبيه أو بتفكري تلعبي معايا ساعتها أنا كمان هلعب معاكي, بس أنا بقى لعبتي بتكون الأخيرة, لعبة هتسفرك بعيد.... لعالم عمرك ما شفتيه.


 انقطع الهواء عنها لبعض ثواني وهي تفهم مغزى جملته جيدًا ولا يتردد سوى شيء واحد بعقلها, ماذا سيفعل بها إن علم الحقيقة؟ ماذا سيكون مصيرها معه إن علم بخططها مع مازن؟!

 ابتلعت ريقها بصعوبة شديدة وتحركت لتبتعد عن الباب وعن محيطه تقف في منتصف الغرفة, وهي تنفض شعرها للخلف قائلة بثبات واهي:


- كل واحد ونيته بقى, وانا مش محتاجه تهديدك, بلاش تحسسني إني هنا بعمل كل حاجه غصب عني, أنا لما قلتلك على خطتي مع مازن وحكيتلك على الحقيقة كنت عارفه إني بكده هكون في صفك أنتَ ضد مازن, ومع ذلك وافقت, ايه اللي هيخليني ارجع في كلامي!


 تحرك ليتجه لكرسي مكتبه ويجلس فوقه بكل هيبة لم تستطيع إنكارها وقال بهدوء مخالف تمامًا لِمَ كان عليه منذ قليل:


- كلام حلو بس المهم الفعل, اقعدي عشان اكلمك في الموضوع اللي جبتك عشانه.


 جلست بعدما استعادت بعض ثباتها ناظره للأمام دون أن توجه نظرها له, فهو الآن يربكها:


- اللي حصل بينك وبين شدوى مش عاوزه يتكرر تاني.


 نظرت له وهي تسأله مستغربة:


- أنتَ مش قلتلي قبل كده اتعاملي معاها! وايه حوار يبقى بيني وبينها.


 حرك رأسه بحركة رتيبة وهو يقول:


- اه قلتلك كده بس ده مش معناه أبدًا إنك تهنيها وتقلي من كرامتها قدام الخدم, قلتلك اتعاملي معاها لما تغلط معاكي بس مش تضربيها, عمومًا هنا في القصر ما ينفعش مشهد زي اللي حصل ده يحصل, أنتِ مش بس قللتي منها قدام الخدم, أنتِ كمان قليتي مني شخصيًا.


 نظرت له مصدومة من جملته الأخيرة وهي تسأله:


- قللت منك أنتَ؟


 اومأ برأسه وهو يقول:


- اه طبعَا قلتي مني, لما تضربيها يبقى أنتِ مش عاملالي حساب, المفروض كمان إنك خطيبتي وطالما خطيبتي تبقى المفروض عارفه إن حاجه زي دي أنا مش هقبلها إنها تحصل في بيتي, فكونك عارفه إني مش هقبل حاجه زي دي تحصل وتعمليها يبقى أنتِ مش عاملالي حساب, واعتقد إن صفاء وضحتلك ده وقت الخناقة وقالتلك إن ده مش تصرف هوانم, هي ما كانتش بتقف في صف شدوى, هي كانت بتقولك اللي ما ينفعش يطلع لا منك ولا منها.


 رفعت جانب شفتها العليا ساخرة وهي تقول:


- اه ولما هي مش واقفه في صف شدوى وبتقول بس اللي المفروض ما يحصلش, ليه لما شدوى هي اللي بدأت وضربتني ما عملتش معاها نفس اللي عملته معايا, ده لما قالتلهم لو حد قرب هطرده من البيت كله وقف يتفرج وما حدش فيهم حاول يتدخل, وصفاء اللي أنتَ بتقول إنها كانت بتعرفني الصح من الغلط ما فتحتش بقها بكلمة.


 شبك كفيهِ فوق المكتب وهو ينحني بجسده ليصبح مائلاً عليهِ وقال:


- في دي معاكي حق, وفي دي بردو أنا ليا كلام مع صفاء, عمومًا أنا مش هقبل بأي وضع إن يبقى في حد هنا في البيت بيفرق بينك وبين شدوى في المعاملة, بما إن الكل عارف إنك خطيبتي يبقى المفروض كله يتعامل معاكِ أنتِ وشدوى بنفس المعاملة, ما يعملوكيش بأنك الست الدخيلة وهي ست البيت الأصلية.


حركت رأسها في تأكيد على حديثه وهي تقول:


- بالظبط كده, هم شايفين إنها ست البيت الأصلية وإني واحده دخيله عليهم, وإني اصلاً كلها أيام وهمشي من هنا...


 قطبت ما بين حاجبيها باستغراب وهي تتوقف في منتصف حديثها ثم أكملت بضحكة صغيرة:


-ايه الهبل ده مانا فعلًا كلها أيام وهمشي..


 رجع بظهره للوراء ونظر لها نظرة غامضة ثم قال:


- سيبي الموضوع ده لآوانه, بس طول ما أنتِ موجوده هنا لازم الكل يعرف ازاي يتعامل معاكي.


نهضت واقفه وهي تقول:


- طيب في حاجه تانية؟


- بكره في حفلة بمناسبة مرور 10 سنين على تأسيس شركتي, وطبعًا لازم تكوني موجودة.


 سألته بفضول:


- هي الشركة دي ورثك من باباك أو حد من أهلك يعني؟


 هز رأسه نافيًا لتسأله باستغراب أكبر:


- ازاي؟ 


-هو ايه اللي ازاي؟


 وضحت قائلة:


- أصل يعني أنتَ بتقول الشركة بقالها 10 سنين, هو أنتَ أصلاً عمرك كله قد إيه عشان تكون أسست الشركة من 10 سنين.


 اجابها في هدوء تام:


- أنا مأسس الشركة وأنا عندي 21 سنة, كنت لسه في الكلية.


 عادت تجلس مرة أخرى وقد انتابها الفضول حوله, فقد شعرت بأنها ستسمع الآن إحدى القصص التي كانت تشاهدها في الأفلام العربية, عن شاب مكافح جاهد حتى وصل إلى مكان مرموق وأصبح غنيًا من الأثرياء:


- ازاي يعني؟ شاب لسه في الكلية ازاي يقدر يأسس شركة؟


أرضى فضولها وهو يقول:


- لما أسستها ما كانتش شركة كانت مجرد مكتب صغير, ومع الوقت كل حاجه بتكبر , والأهم من الوقت إنك تبقى عارفة أنتِ ماشيه ازاي, وتبقى ماشيه على أرض ثابتة وكمان تجتهدي وتعملي كل اللي عليكِ.


 حركت رأسها وهي تقول بتمني حقيقي:


- أنا كمان كان نفسي قوي يبقالي شغل خاص بيا أكبره وأكبر معاه.


 سألها مستفسرًا:


- طب وليه ما عملتيش كده؟


 مرت سحابة حزن في عينيها وهي تجيب:


- مش كل الناس ظروفها تكون سامحه, مش دايمًا الحظ بيلعب معانا.


 رفع أحد منكبيه بعدم اقتناع وهو يقول:


- ما بقتنعش بحاجه اسمها حظ.


 ضحكت ضحكة ساخرة و متألمة قائلة:


- لا لازم تؤمن بحاجه اسمها حظ, لأن الحظ ده اللي بيخلي ناس مجتهدة فعلًا وحقيقي تعبت كتير ما توصلش لأي حاجه, وفي نفس الوقت ناس تانيه ما تعبتش نص تعبها وبتوصل لحاجات كتير قوي, هي حكمة ما حدش عارفها و ما حدش فاهم مغزاها, بس خلينا نكون معترفين إنها بتحصل وبتحصل كتير كمان, زي مثلًا لما تلاقي في شركه في اتنين موظفين ممتازين ومجتهدين وكل حاجه بس في واحد أعلى من التاني ويمكن بيتعب اكتر من التاني, بس لما ييجوا يرقوا واحد منهم بيختاروا اللي بيتعب أقل, هم مش شايفينهم ومش عارفين انه بيتعب أقل, هو بس الحظ لعب معاه.


 أصر على رأيه وهو يقول:


- مش مقتنع, أنا مازلت عند رأيي لكل مجتهد نصيب.


- أكيد بيكون له نصيب, بس مش شرط يكون النصيب اللي هو عاوزه بالضبط, أوقات كتير قوي المجتهد بياخد نصيب بس أقل من اللي هو عاوزه. 


وكعادته دومًا يخرج من الموضوع فجأة ويتطرق لموضوع آخر دون أن ينهي الأول فقال:


- هيوصلك فستان بكره الصبح عشان الحفلة, ولو تحبي ممكن اطلبلك الميك اب ارتست تيجي تعمللك اللازم هنا في البيت الميك اب والشعر والحاجات دي, أنا عارف المواضيع دي بتهم البنات, وكمان أكيد شدوى جايبه حد يعملها ده, والأكيد  مش هينفع نفس الشخص يساعدك لأني ما اضمنش الحقيقة.. يعني ممكن بدل ما تحطلك ميك اب تحطلك مية نار.


 ورغم أن الجملة الأخيرة لم يكن فيها أي فكاهة لكنها ضحكت ضحكة بسيطة وهي تتخيل الأمر وقالت بعدما فكرت قليلاً , لتشعر بالتوتر من أن تضع هي الميك اب لنفسها وتكون المسؤولة عن مظهرها اليوم, فلقد فهمت من حديثه أن الحفل أهم بكثير من حفل عيد مولد تيم, وسيكون بهِ الكثير من الضيوف المهمين, فقالت:


- هي الحفلة هتكون في الفيلا ولا بره؟


- لا هتكون في فندق بره.


 ابتسمت بحرج وهي تقول:


- يعني مدام في فندق واضح إنها حفلة مهمة فممكن نستعين بميك اب ارتست.


 اخفى ابتسامته على حرجها ووجهها الذي تلون بحمرة واضحة بعد طلبها وقال:


- تمام هتكون موجودة عندك بكره قبل الحفلة بساعتين.


 دقات فوق باب الغرفة تبعها دخول تيم بعدما فتحت له صفاء الباب وقال:


- بابي أنا خلصت الساندوتش كله, انتَ كمان خلصت كلامك مع طنط فيروز؟


 نهض فورًا يبتسم بحب وهو يقول:


- خلصت يا باشا يلا بينا.


 وقد كان "شاهين" وقتها يرتدي بنطال قماشي من اللون الأزرق الداكن وقميص أبيض متخليًا عن باقي بدلته فاليوم يوم إجازته, أوقفته على باب الغرفه وهي تردد باندفاع:


-هو أنتَ هتلعب كوره بقميص و بنطلون؟!


 التف لها يطالعها بصمت, فأطرقت رأسها أرضًا حين أدركت ما قالته ولكن الصغير كرر جملتها وهو يقول:


- صح يا بابا مش ينفع تلعب كده. 


نظر لصغيره ثم عاد ينظر لها خافيًا ابتسامته على مظهرها الآن, فكانت وكأنها طفلة صغيرة تقف أمام مدرسها بعد أن فعلت جرم كبير وتنتظر عقابه! 


- اومال بابي المفروض يلبس ايه.... يا طنط فيروز؟


أرفق جملته الأخيرة بمرح طفيف ليضحك الصغير عاليًا وهو يسمعه يناديها ب" طنط" وتدخل في الأمر موجهًا حديثه لفيروز:


- جاوبي يا طنط فيروز بابي بيسألك.


 رفعت رأسها تنظر للصغير متحاشيه النظر للواقف عند باب الغرفة وقالت:


- يعني اللي اعرفه إن اللي بيلعبوا كورة لازم يكونوا لابسين لبس مريح, ترنج مثلاً أو حتى بنطلون وتيشرت عادي.


 ودون أن يسمع لكلمة زائدة خرج من الباب وهو يتحدث:


- ثواني وراجعلك يا تيم. 


***********


 وبعد دقائق من صعوده هبط مرتديًا بنطال رياضي أسود وتيشرت أبيض بنصف أكمام برز جسده العلوي المعضل بشكل مهلك جعلها تتمتم فورًا بينها وبين نفسها:


- يادي النيلة السودا يا ريتني ما قلتله يغير, الراجل ده لو لبس شوال هيطلع تحفه عليه!


 كانت حينها تجلس في الحديقة مع "تيم" منتظرين نزول "شاهين" الذي اقترب منهما وعيناه ثابتة عليها فلأول مره منذ سنوات دراسته بالكلية يرتدي لبس رياضي ويخرج بهِ من غرفته, فمنذ أن ارتدى الحياة العملية وهو قد نسي تمامًا تلك الثياب ولم يفكر في ارتدائها من قبل, وقف أمامهما لينتفض "تيم" يمسك بكفه وهو يقول بسعادة واضحة:


- واو شكلك يجنن يا بابي, كده أحسن بكتير عشان نلعب براحتنا.


 نظر بجانب عينيهِ لفيروز التي تتحاشى النظر إليه وقال بنبرة ماكرة:


-والله يا تيم أنا بقالي أكتر من 10 سنين ما لبستش اللبس ده, بس يعني كلامك اقنعني فقلت وايه المانع.


 وبالطبع لم يقصد أبدًا بحديثه "تيم" والمقصود معروف!


 وقضى الجميع وقتًا لذيذًا والضحكات ترتفع بسعادة, ضحكات تيم ورقده هو وشاهين وراء الكورة, وابتسامة "فيروز" التي لم تختفي من على وجهها تلقائيًا وهي تتابعهما , و "شدوى" التي تقف في شرفة الغرفة بالأعلى تتآكل غيظًا وتتمنى فقط لو يسمح لها بأن تجر "فيروز" من ذراعها جرًا وتطردها شر الطردة خارج المكان.

وبالفعل لم تستطع البقاء ونزلت للأسفل لتقترب من "فيروز" التي وقفت فور رؤيتها أمامها تنظر لها بصمت, لتبدأ "شدوى" في الحديث:


-  مش شايفه إن قعدتك هنا ملهاش داعي! أنا الأولى اقعد هنا اتفرج على ابني وجوزي. 


وضغطت على حروف الكلمة الأخيرة وهي تقولها, فابتسمت "فيروز" ابتسامة صفراء وهي تقول رافع حاجبيها بمرح مصطنع:


-  أصل لاقيتك مش فاضية قولت اقعد مكانك, اكيد كنتِ بتتصفحي آخر صيحات الموضة أو بتتفقي مع صحابك على خروجة! 


احتدت ملامح "شدوى" تقول بغضب وكره:


-  وأنتِ مال أهلك أكون فوق بعمل ايه, وسواء كنت موجودة هنا أولأ ملكيش حق تاخدي مكاني. 


-  شاهين. 


قالتها "فيروز" مناديه عليهِ وهي تنظر ل "شدوى" بتحدي, حتى توقف عن اللعب وذهب إليهما لينظر لهما سائلاً من بين لهاثه:


-  في ايه؟ 


ابتسمت "فيروز" بمكر أنثوي جديد عليها وهي تنظر له وتقول بحزن أتقنت أداءه: 


-  شدوى متضايقة إني قاعدة بتفرج عليك أنتَ وتيم وانتوا بتلعبوا كورة, بتقولي إنها الأولى تقعد القعدة دي تتفرج على جوزها وابنها, هو أنا صحيح مليش حق اقعد اتفرج عليكوا!؟ 


ووجه "شدوى" الآن بركان مشتعل, نظر لها "شاهين" يقول بضيق:


-  في ايه يا شدوى؟ مش حكاية يعني إنها تقعد تتفرج علينا! بعدين ملهاش حق ازاي دي قريب هتكون مراتي زيك بالضبط. 


تابعت "فيروز" قوله بقولها:


-  رغم إني ماحبش يكونلي ضره, بس كله يهون عشان شاهين. 


لا تعلم لِمَ قالت هذا, ولكنها أرادت أن تزيد من إشعال "شدوى" وتقابل هجومها بهجوم أشد كي تعرف أنها ليست خصمًا سهلاً. 


-  يا حبيبتي, ليه ما تخليه يطلقني! أما أنتِ بجحة بصحيح! 


قالتها "شدوى" بانفعال وهي تقترب خطوة وكأنها ستهجم عليها, لترتد "فيروز" خطوة للخلف تحتمي في "شاهين" الذي هدر في الأخيرة:


-  بلاش غلط ولمي الدور مش كل شوية هنفرج علينا الناس! وأنا مش ماسك فيكي لو الوضع مش عاجبك وعاوزه تطلقي بلغيني. 


وسحب "فيروز" من ذراعها يقول:


-  تعالي اقعدي الناحية التانية. 

وسحبها متجهًا للجهة  المقابلة تحت نظرات "شدوى" المقهورة من أفعاله والتي اغرورقت عيناها بدموع الألم والغضب وهي تضرب الأرض بقدمها بغيظ  وهي تراه يعود للعلب مع الصغير وبدأت "فيروز" تشجعهم بحماس و "شاهين" يناغشها حين ضرب الكرة بها لتصرخ بغيظ وهي تلقي الكرة تجاهه فتصطدم بكتفه! 

وعقلها يتساءل منذُ متى وشاهين يسمح لأحد بالمزح معه والتطاول عليه!؟؟ 


*********** 


 وفي مساء نفس اليوم... 


_ حادثة ايه اللي بيقولوا عليها حد اتعور؟


تساءلت بها مستكة بعدما وجدت جمع غفير يركض ناحية إحدى شوارع منطقتها حين عادت من عملها، وتحديدًا الشارع الذي تسكن فيه، أجابها أحد الشباب الذي كان يسير على عجالة جوارها قاصدًا مكان الحادث:


_ بيقولوا مجد الميكانيكي في عربيه وقعت عليه وهو بيصلحها.


وكأنها طُعنت بسكين في صدرها فتيبست قدميها ارضًا في الحال وجحظت عيناها بشكل مخيف وفُغر فاهها الذي لم تقدر على غلقه، وانحصر الهواء عنها فلم تعد تتنفس، وجملة الشاب ترن في أذنها مرارًا وتكرارًا فتزيد حالتها سوءًا.. ظلت على وضعها لثواني لم تحسبها ربما دقائق! فقط انتبهت لوضعها فجأة وأمسكت بذراع شابه كانت تعود من مكان الحادث تسألها بأنفاس ثقيلة ودموع ملأت مقلتيها وهي تدريجيًا تستوعب ما سمعته:


_ ايه اللي حصل؟... الحادثة... هو.... ايه اللي حصل؟


لم تكن تعرف كيف ترتب جملة صحيحة تستطيع منها الفتاة فهمها، ولكنها التمست ما تريد السؤال عنه فأجابتها بأسف واضح:


_ مش عارفه... أنا ما شفتش من الزحمة، بس هم طلبوا الإسعاف وخايفين يحركوه من مكانه.. هم بس شالوا العربيه من عليه.


والوصف يجعلها تنهار أكثر! فماذا ستكون حالة شخص كان تحت جسم سيارة...!؟

 ولم تنتظر اكثر وهي تقطع الشارع ركضًا لدرجة أن إحدى الكياس التي كانت تحملها والتي احتوت على بعض المستلزمات للمنزل وقعت من يدها ولم تقف لتلتقطها أو حتى تنظر إليها, بل واصلت ركضها حتى وصلت ورشته فوجدت الجمع هناك يزداد, والجميع يتحدثون بأصوات متداخله لم تفهم منها شيئًا واضحًا, اخترقت الجميع واقتربت من مدخل الورشة لتسمع صوت والده واضحًا الان وهو يصرخ بالجميع بأن يعاودوا طلب الإسعاف.

 ورأت المشهد الذي جعلها تقف في مكانها ودموعها تتسابق في الركض فوق وجنتيها, حين رأت جسده مسطح ارضًا ونصفه العلوي غارقًا في الدماء والتي لم تعرف مصدرها تحديدًا, ووالده يجلس جواره غير قادرًا على لمسه تحت تحذيرات الواقفين بألا يلمسه كي لا يسبب له أي ضرر, وفي نفس اللحظة تعالى صفير سيارة الإسعاف ليتحرك الجميع فاتحًا الطريق, وتم وضعه بكل حذر بواسطة المسعفين على الحامل ثم ادخلوه للسيارة ومعه والده, وبعد ذهاب السيارة أخذت تتلفت في ضياع لا تعرف ما عليها فعله الآن, أو كيف ستذهب خلفه؟ لتسمع رجلين من المنطقة يتفقان على الذهاب خلفه بسيارة احدهما فطلبت منهما أن ياخذوها معهم, وكان الطريق من الحي الشعبي للمستشفى كأنه قُطع في سنوات من الانتظار الحارق وهي تدعو بداخلها بكل الادعية التي عرفتها يومًا بأن يخرج ناجيًا من الحادث البشع....


وبعد نص ساعة كانت قد وصلت المستشفى وخرج الطبيب من غرفة العمليات وهو يقول لوالده ما جعل الرجل يترنح في وقفته وصرخة خافتة تخرج من فاه "مستكه" وهي تهز رأسها بعدم استيعاب لِمَ سمعته وصوت أحد الرجال الواقفين يقول:


-  لا حول ولا قوة إلا بالله... 


الفصل السادس من الجزء الثاني 

فراشة في سكّ العقرب 

حب أعمى... ناهد خالد 


"كن ذكيًا واستغل الفرص حين تأتيك خاصًة تلك الفرص الذهبية!" 


وفي اليوم التالي في فيلا شاهين ... 

وقبل حلول المساء كانت سيدة ومعها فتاة أخرى في غرفة فيروز يقومان بعملهما في تجهيزها من حيث وضع مستحضرات التجميل وتصفيف الشعر وغيرها، حتى انتهيا فنظرت "فيروز" لنفسها في المرآة لترى نفسها ولأول مرة جميلة إلى حد ما!  فالمستحضرات التجميلية التي تم وضعها على بشرتها ابرزت جمال ملامحها واخفت العيوب التي كانت تمقتها، ورغم أنها لم تغير من لونها فحين طلبت من السيدة أن تفتح درجة بشرتها رفضت متعللة بأنها لن تليق عليها والأفضل أن يتم وضع الكريمات التي تطابق لونها، وبعدما أصبحت بمفردها اتجهت لذلك الثوب الذي لم تراه فقد أتى منذ عدة ساعات وأوصلته صفاء لغرفتها، لكنها لم يتيح لها الفرصة أن تراه، فتحت سحاب الغلاف القماشي الخاص به وأخرجته منه لتتسع عينيها انبهارًا بهِ وللمرة الثانية يحسن شاهين الاختيار،  فقد كان فستانًا من اللون النبيذي بقماشته اللامعة بشدة، ينسدل على جسدها كاشفًا عن ذراعيها والقليل من مقدمة صدرها عبر فتحته المثلثية وظهرها،  وأما عن طوله فيصل إلى الأرض، ولكن حين ارتدته وارتدت الحذاء الذي أتى معه والذي كان بكعبٍ عالٍ ارتفع الفستان عن الأرض ليصبح بطول مناسب،  وقفت تنظر إلى نفسها في المرآه التي استطاعت أن تعطيها صورة كاملة لجسدها،  ولا تعرف لِمَ خطر في بالها هذا الشيء حين اجرت مقارنه سريعة بين الثياب التي اختارها لها مازن من المول مبررًا بأنها ليست مرتديه للحجاب, فكانت معظم الثياب إن لم تكن جميعها كاشفة الكثير من جسدها, وتبرير آخر منه بأنها قضت معظم عمرها في لندن لذا فهذه هي الثياب المناسبة تمامًا, أما عن شاهين فمنذ أن أتت لهنا وكل الثياب التي احضرها لها سواء كانت الثياب التي ترتديها يوميًا أو فستان الحفلة السابقة وفستان هذه الحفلة ايضًا, فكانت ثياب إلى حد ما محتشمة لا تكشف الكثير من جسدها وهذا حوله علامة استفهام كبيرة! تعرف أنها لن تصل لإجابة أسئلتها.. فهل كل هذه الثياب ليست من اختيار شاهين؟ و الإجابة لا, فقد علمت اكثر من مرة من صفاء بطريقة غير مباشرة أنه من يختار الثياب عبر موقع الكتروني وتأتي لباب المنزل عبر عملاء التوصيل, والاحتمال الآخر هل شاهين من انصار الثياب المحتشمة؟ ولا يحبذ أن تُظهر المرأة مفاتنها للجميع والإجابة نفس الإجابة السابقة "لا" ,فشدوى جميع ثيابها مكشوفه لدرجة أنها رأتها منذ عدة أيام وهي تعود من الخارج وكانت ترتدي فستان قصير للغاية يصل إلى قبل ركبتيها بمسافة ليست بهينة, وهو في نظر فيروز ليس سوى ثياب خاصه بالنوم.. وكما توقعت في البداية لن تصل لإجابة مقنعة, فنفضت رأسها مما بهِ وهي تنظر لنفسها في المرآه نظرة أخيرة, وكأنها تتعرف على الشخصية الجديدة التي لم تظن يومًا أن تعيش دورها, فهيهات الفرق بين "فُله" و"فيروز" هانم التي اقترنت بعلاقه مع "شاهين بيه المنشاوي" أخذت نفس عميق قبل أن تلتقط حقيبة اليد والتي لم تخلو ابدًا من الزخرفة, والفصوص اللامعة بها, وخرجت من الغرفة على موعد مع "نورهان" والتي ستذهب معها للحفل.

****** 

 وبأحد أفخم فنادق القاهرة....

 توقفت احدى سيارات "شاهين المنشاوي" والتي كانت تنقل "فيروز ونورهان" لمكان الحفل, ليترجل الاثنتان منها وفيروز تنظر حولها بانبهار بمدخل الفندق والأنوار التي تملأ المكان, وبعد ثواني من السير وجدت نفسها تدلف من بوابة أخرجتها على مساحة واسعة مفتوحة بها الكثير من الطاولات المتراصة المزينة بشكل جميل, ومنصة صُممت بديكور مُبهر تقبع في آخر المكان وفي المنتصف تمامًا, وبعض الديكورات الأخرى التي أخذت منظرًا رائعًا, واضفت لمسة جمالية لطيفه, والأرض لم تكن مستويه بل كان المنتصف مستوي وعلى الجانبين ارتفاع وفوقه يوجد الطاولات الأخرى, اشبه قليلًا بدور العرض المسرحي, وحين كانت تتفحص المكان بعينيها وقفت كالصنم حين وقع بصرها على "مازن" يقف في أحد الجوانب يصافح بعض الرِجال ويتحدث معهم, وللحقيقة كان الأمر مفاجئًا لها فلم تتوقع قدومه, وفي نفس الوقت كانت "نورهان" انتبهت لوجوده فقالت:


- ما توقعتش إن مازن ييجي.


 التفتت لها "فيروز" تقول بتأكيد:


- ولا أنا بصراحه.

 

تنهدت "نورهان" معقبه:


- هو متعود بيجي كل حفل ثانوي للشركة لأنه طبعًا شريك فيها, بس قلت المرة دي ممكن ما يجيش بسبب المشاكل الأخيرة اللي حصلت, وخصوصًا إنه اكيد مش حابب يشوفني.


 نظرت لها "فيروز" تقول بحنو:


- ما تقوليش كده ما فيش أخ ما يحبش يشوف اخته, هو آه حصل بينكوا مشاكل بس يعني مش هتوصل انه مش عاوز يشوفك.


 ابتسمت "نورهان" بألم ونظرت لفيروز بعينين اغرورقت بالدموع تقول:


-اقولك على حاجه ما قلتهاش لشاهين نفسه.


اومأت برأسها تحثها على الحديث فقالت بنبرة مختنقة:


- انا روحت لمازن الشغل وكان في مكتبه, بس ما رضيش يقابلني.


 اتسعت عيناها بصدمه فهي لم تتوقع أن يكون الأمر بينهما لهذا الحد وقالت:


- معقوله؟!!


 هزت الأخرى رأسها بتأكيد وهي تقول بمرارة:


- مازن زعله وحش قوي فوق ما تتخيلي, لدرجة انه مستعد في ساعة الغضب يقطع علاقته بأي حد ويدوس عليه, يعني هو لما رفض يقابلني ما فكرش حتى إن ممكن يكون حصل معايا مشكلة, أو حصل مشكلة بيني وبين شاهين, ما فكرش يقابلني ويشوف انا عاوزه ايه, و إن كنت جايه له عشان اصالحه يرفض بس يطمن عليا.


 لم تجد "فيروز" رد مناسب لِمَ قالته "نورهان" وهي ما زالت في صدمتها من رد فعل مازن القاسي من وجهة نظرها, فأكملت "نورهان" مبتسمة:


-عكس شاهين خالص, شاهين مهما عملتي فيه او حصل بينكوا لو حس إنك ممكن تكوني في خطر بيرمي كل شيء ورا ضهره ويكون معاكي, افتكر في مرة كنا مقاطعينه لما ماما كانت عايشه, وجيت اتصلت بيه في يوم ولقيت رقمه مقفول فكلمت سكرتيرة مكتبه وقولتلها لما يوصل بلغيه اني عوزاه ضروري في مسأله مهمة, انا مكنتش عوزاه في حاجه انا بس كان وحشني وعاوزه اسمع صوته بس قولت كده عشان عارفه انه هيخاف عليا ويكلمني, وفعلا اول ما بلغته رن عليا خمس مرات بس انا تلفوني كان فصل شحن من غير ما اخد بالي... تخيلي لقيت البواب بيخبط على شقتي وبيقولي كلمي واحده صاحبتك تحت, نزلت لقيته شاهين بس قال للبواب يقول كده لأن ماما كانت مانعه أنا أو مازن نتواصل معاه. 


- جالك تحت البيت عشان يطمن عليكي وانتي مقطعاه؟؟!


ابتسمت بحب وهي تقول:


-شاهين طول عمره حنين, قلبه مش قاسي, غير مازن... عارفه مازن واخد قساوة قلب مامي.


رفعت حاجبها ذهولاً:


- مامتك كانت قاسية؟


- ايوه, تخيلي قعدت 3 سنين قاطعه علاقتها بشاهين ومحرمه أي حد فينا يتواصل معاه, مامي طول عمرها كانت قاسية على شاهين رغم حبها له, وكان أي غلط له بتعاقبه بقسوة, مامي كانت بتحب شاهين ومتعلقه بيه تعلق مرضي.. طب تعرفي إنها كانت بتكره شدوى عشان العيلة كلها كانت بتقول إنها هتكون مراة شاهين, مكانتش مستوعبة إنها هتاخده منها! 


ظهرت الصدمة واضحة على وجه "فيروز" مما تسمعه وبداخلها تتمتم أن هذه العائلة تخفي الكثير من الأسرار, وقبل أن تعلق سمعت صوت "شدوى" المألوف وهو يقول:


- نورهان كويس إنك وصلتي, الحفلة فاضل لها خمس دقائق بالضبط وتبدأ وشاهين هيطلع يقول كلمته.


 تفحصتها "فيروز" بعينيها لتؤكد ما كانت تفكر بهِ قبل بعض الوقت, فلقد كانت "شدوى" ترتدي فستان بدون أكمام فقط بسير رفيع بهِ بعض الفصوص التي لا تستبعد أن تكون من الألماس فهي بطبيعة الحال مُطرفه, معظم ثيابها فيها بزخ واضح, وكان يظهر جزء لا بأس به ابدًا من مقدمة صدرها وكذلك ظهرها, وبه فتحة طويلة بدايًة من فخذها اليمنى, وفي المجمل لم يغطي الفستان الكثير من مفاتنها, على عكس "نورهان" التي كانت ترتدي فستان من اللون الازرق الداكن, والذي كان ينساب على جسدها ويصل طوله إلى كعبيها, فقط أحد أكمامه تم استبدالها بسير رفيع به بعد فصوص مشابه لسير فستان "شدوى" ولكنه في المجمل كان ساترًا بشكل كبير, يبدو أن نورهان بطبعها لا تفضل ارتداء الملابس التي تكشف الكثير من جسدها, وبالطبع تجاهلت "شدوى" "فيروز" تمامًا كأنها لم تراها واكملت قاصدة اغاظتها:


- سوري بجد يا نور إني ما قدرتش استناكي نيجي مع بعض, بس أنتِ عارفه أنا لازم اكون مع شاهين من أول الحفلة ونستقبل الناس سوا.


 لم ترد "نورهان" على حديثها لأنها تعرف جيدًا ما تحاول "شدوى" فعله بل سألتها مباشرةً:


- هو شاهين فين مش شيفاه في المكان؟


 اجابتها وهي تنفض شعرها بغرور حين رأت نظرات فيروز المسلطة عليها:


- شاهين هو ومعاذ راحوا يستقبلوا العيلة, أصلهم بره.


 ظهر الفرح الشديد على وجه "نورهان" وهي تسألها بلهفة:


- بجد هو جدو والعيلة كلها بره؟ أنا توقعت انهم مش هييجوا عشان كانوا بيقولوا إن عمتو تعبانه.


 لم تعير الأمر اهتمامًا وهي تقول:


- ما اعرفش انا عرفت انهم بره.


 وبالفعل ما إن انهت حديثها حتى رأت شاهين و معاذ يدلفان من بوابة الحفل ومعهم بعض الأشخاص, فأسرعت لهم وهي تقول:


- اهم جم.


 التفت "نورهان" وحين رأتهم تحركت فورًا تتجه لهم, ولاحظت فيروز أن "مازن" قد فعل المثل, والعائلة التي تحدثوا عنها كانت أربع أفراد رجل كبير في السن خمنت انه جدهم, وسيدة ربما في منتصف الأربعينات تجاوره بالتأكيد عمتهم, وشاب ينقص عن شاهين في الطول القليل من السنتيمترات يبدو على وجهه الجدية والضجر! وبجواره فتاة تمسك في ذراعه خمنت انها زوجته, لم تجد لنفسها مكانًا بين كل ما يحدث فاتجهت الى أحد الطاولات الفارغة لتجلس عليها وهي تردد في عقلها بأن هذه الحفلة لن تختلف كثيرًا عن حفلة "تيم" والتي لم يكن لها أي  وجود بها, ولكن قد خاب ظنها فبعد دقائق قليلة رأت "شاهين" يصعد على المنصة الموجودة في المكان والآن قد استطاعت أن ترى مدى اناقته ووسامته في البدلة التي اختارها اليوم بلونها البني الذي تراه عليه لأول مرة, بدأ في الحديث مُرحبًا بالضيوف بعد عِدة جمل تخص مجال العمل والشركة وما الى ذلك, فشعرت بأنها تريد الذهاب للحمام فنهضت تخرج من المحيط باحثة عن مكانه.


وعند شاهين وبعد ترحيب خاص منه بجده والعائلة كان يقول:


_ بالمناسبة السعيدة دي أحب ابلغكم خبر سعيد عني.. انا خطبت وإن شاء الله قريب هتشهدوا كلكوا على فرحي وهتكونوا مدعوين له.


همهمات تسبقها الدهشة وشهقات مستنكرة، توترت الأجواء بشكل ملحوظ وبدأ التهامس يعلو والجميع يمرر بصره بين المتحدث "شاهين" وبين زوجته المعروفة "شدوى" والعقول تتسائل كيف أعلن خطبته من أخرى وهو لم يعلن انفصاله عن زوجته! وكيف لها أن تقبل الوضع المهين الذي وضعها بهِ الآن!!


وكان مدركًا لِمَ وراء الهمهمات المتصاعدة، ومتفهمًا اندهاشهم ونظراتهم التي تتسلط على زوجته الأولى، وبكل هدوء ودون اهتمام لأي أحد أو أي شيء يحدث حوله أكمل موضحًا:


_ ومنعًا لأي اخبار مغلوطة أو ان حد يطلع يتكلم ويحلل الأحداث عن لساني هجاوبكوا على السؤال اللي بيلح على عقلكوا دلوقتي...


والهدوء عم المكان والجميع كله انصات للآتي، وهي تقف تتابع ما يتابعه الجميع كعرض مسرحي سخيف، تشعر بالسعير يشب في جسدها، وتتمنى فقط لو تتصدع الأرض وتسقط بها مختفية عن أنظار الجميع التي تحرقها، موقف لم تتخيل بأسوء كوابيسها أن يضعها "شاهين" بهِ، ولو كانت تمتلك قدرة للهرب الآن لفعلت بكل رحابة، لكنها تيبست وتسمر جسدها بأرضه فقط أنفاسها الهادرة التي تنم عن اختناقها هي ما تصدر عنها، وعيناها كجمرتان من النيران الحامية وهي تنتظر تكملة حديثه وتخصه وحده بنظراتها التي لا يهتم لها من الأساس.


ارتخاء ملامحه بدى وكأنه يخبرهم عن أحوال الاقتصاد في البلاد، أو عن خطة تنموية لنهضة الدولة! ملامح هادئة ونبرة تماثلها وهو يكمل:


_ بالنسبه لخطوبتي وانا لسه متزوج من مدام شدوى مراتي، فده برضا جميع الأطراف، وكل شخص عنده ظروفه واحواله الخاصة اللي مينفعش يشاركها مع حد، يكفيكوا اقولكوا ان مدام شدوى هي أم ابني اللي بكنلها كل الاحترام والتقدير المتبادل، فمش هسمح ان حد يدخل نفسه في أموري الشخصية وينزل بأخبار او توقعات مش صحيحة عن علاقتي بيها..ولو ده حصل مش هتردد ارفع قضية على الناشر لأني زي ما قولت مابسامحش ومش هسامح أي حد يدخل نفسه في تفاصيل حياتي أنا أو أي حد يخصني.


كانت "فيروز" قد عادت مع جملته الأخيرة لكنها لم تفهم منها شيء فظنت أن الأمر يتعلق بالشركة أو بعلاقته بأخيه..


رفع نظره لبعيد فرآها تتهادى لمحيط المكان، ابتسامة خفيفة ماكرة زينت ثغره وهو يطالعها بتمعن منتظرًا صدمتها التي ستتلقاها كالمطرقة فوق رأسها الآن، مسد جانب عنقه بكفه، وعاد يتحدث في المكبر الصوتي وعينيهِ لا تحيد عنها:


_ فيروز... لو سمحتي تعالي هنا.


توقفت ورفعت رأسها بغتة وهي تسمع اسمها بعلو صوته، يناديها لتشاركه المنصة الصغيرة! والجميع التف في هذه اللحظة ليرى من تكون المدعوة فيروز! بهتت معالمها وابتلعت ريقها الذي جف فجأة وهي تجهل ما يحدث ولماذا يناديها ألم تتفق معه أن يظهرا في الحفل كأنهما أقارب!


حادت ببصرها لجهة أخرى تقصدها، فوجدته يطالعها بوجه مشتعل بحمرة غضب ادركتها لكنها جهلت سببها! ماذا حدث في الأجواء في الدقائق القليلة التي مكثتهم في الحمام لتعدل هيئتها؟ هل حلت كارثة ما! "مازن" ملامحه غيره مبشرة ابدًا وكأنه تلقى لكمة عنيفة بوجهه للتو!


_ فيروز!


نادها ثانيًة حين طال صمتها وسكونها، فانتبهت وحركت نفسها مجبرة بعد أن سلط الجمع الغفير انظاره عليها وحدها، اقتربت من المنصة التي تحمل ثلاث درجات لتجده يقترب منها سريعًا يمد كفه لها بلباقة ليساعدها في الصعود، جحظت عيناها لفعلته وظلت تحدقه بنظرات رافضة علّه يبتعد ويصرف نظره عما يريد فعله، لكنه لم يتزحزح أنشًا، فزفرت انفاسها المعبئة بصدرها من التوتر وهول الموقف وهي تضع كفها في كفه فجذبها برفق لتصعد الدرجات واتجه بها وهو مازال ممسكًا كفها تحت استغرابها وذهولها، ووقف أمام المكبر الصوتي يقول معرفًا:


_ دي آنسة فيروز الحديدي خطيبتي وقريب هنعلن عن ميعاد فرحنا..


وبتلقائية همست بأعين متسعة وهي تنظر لجانب وجهه:


_ يخربيت أهلك! 


لف ذراعه حول خصرها يجذبها إليهِ في حدة غير ملحوظة وهو يقول:

_ لمي لسانك واضحكي.


تصنعت الإبتسامة وهي ترفع نظرها للجمع الذي أمامها، لتقع ببصرها على "مازن" الذي كان واقفًا بجوار الطاولة التي جلس عليها أفراد عائلته ووجهه كجمرة نار مشتعلة، واستطاعت أن ترى قبضة يده التي تشتد في محاولة منه للتحكم في غضبه، وفجأه وجدت "شاهين" يميل عليها حتى باتت أنفاسه تضرب عنقها، و يهمس بجوار أذنها بما أسرى رعشة في جسدها لم تعرف حينها هل هي رعشة خوف أم ماذا؟ :


_لو فكرتي تقربي منه أو تقفي معاه هزعلك.


لفت رأسها تنظر له عبر السنتيمترات القليلة جدًا بينهما في نفس الوقت الذي كان هو مازال يطالعها، لتلتقط عدسات المصورين صورة رائعة لثنائي سيكون حديث

الأخبار لعدة أيام مقبلة....


انتهى العرض السخيف من وجهة نظر "فيروز" وتركا المنصة لتزيل ذراعه من حول خصرها بعنف غير مهتمة بنظرات الجميع, فكظم غيظه وهو يسير لجوارها حتى التفت له وقالت بوجه محمر غضبًا:


- انا عاوزه أتكلم معاك. 


توقف وهو يجيبها ببرود:


- لما نروح. 


- دلوقتي!


قالتها بنبرة حادة لأول مرة يسمعها منها, ومع نظراتها علِمَ أنها لن تتراجع, لكنه وعلى أي حال أعند منها, فاحتدت نظراته وهو يعيد جملته بقوة:


- قولت بعدين, مش ست اللي هتمشي كلامها على شاهين المنشاوي, لو مش قادره تصبري لحد ما نروح على الأقل خلينا نسلم على عيلتي واعرفك عليهم بعدين هاخدك مكان نتكلم, وقت نزول الضيافة. 


قضمت شفتيها بقوة وهي تشير له بعصبية:


-اتفضل عرفني عليهم ما هو ده اللي ناقص.


التقط ذراعها الذي تشير بهِ تحت ذهولها وجره منها لطاولة عائلته, وحين وقفت أمام الطاولة مرغمة حاولت إخفاء غضبها وابتسمت ابتسامة مصطنعة.. 


-دي فيروز خطيبتي, انا عارف انكوا متفاجئين بس جدي كان عنده علم. 


أردفت السيدة تقول بعتاب:


-واحنا مش اهلك عشان تعرفنا! يعني جدك بس اللي يعرف. 


أجاب الجد نيابةً عنه:


-مكانش لسه في حاجه رسمي يا سهير. 


بدأ "شاهين" يعرفها عليهم: 


-ده جدي المنشاوي, ودي عمتي سهير, وده سيف ابن عمي مختار لسه مشوفتيهوش بس سيف بيكون أخو شدوى, ودي زينة مراته. 


تفاجأت بوجود أخ ل "شدوى" لكن حين دققت النظر بهِ وجدته يشبهها تمامًا حتى في وجومها وكبريائها وغرورها وفي الحقيقة لم ترتاح له ابدًا. 


-ودي فيروز الحديدي زي ما عرفتها على الاستيدج. 


رحبت العمة في هدوء:


-اهلاً بيكي, شكلك سحرتي لشاهين عشان يخطبك.


وأخذت "فيروز" حديثها على أنها تسخر من شكلها كما فعلت "شدوى" في أول تعارف بينهما, فقالت بنبرة حادة مدافعة عن نفسها:


-هتقولي إني مش ذوقه! بس عمومًا انا ماعملتش له أي حاجه, هو وقع فيا لوحده.


أدركت "سهير" أنها فهمت حديثها خطأ فقالت موضحة:


-لا مش عشان كده, بس أصله كان مضرب عن الجواز, ورافض يدخل واحده جديدة حياته. 


قطبت ما بين حاجبيها مستغربة ومتعجبة وأردفت:


-ويدخل واحده تانية ليه ما مراته موجوده! ولا انتوا عندكوا في العيلة لازم تعدد الزوجات! 


تدخل "شاهين" يقول:


- عمتي مش وقته الكلام ده.


أتى أحدهم يهمس له بشيء فانسحب آخذًا معه "فيروز":


-عن اذنكوا راجعين تاني. 


وحين ابتعد بها ولدهشتها تركها يقول:


- روحي اقعدي على الطربيذه الفاضية دي على ما اجيلك. 


نظرت للطاولة وهي تغمغم بضيق:


-طب ماسبنيش معاهم ليه على ما يخلص مشغولياته! 


جلست عليها وغاب هو عن نظرها لبعض الوقت, كان كافيًا ل"مازن" أن يقترب منها ويجلس جوارها قائلاً:


- هو قالك إنه هيعلن خطوبتكوا؟ 


نظرت له بخضة من وجوده المفاجئ ثم هدأت وقالت:


-لأ, انا اتصدمت لما عمل كده. 


هز رأسه باختناق واضح وقال:


-شاهين بدأ ياخد خطوات غير اللي اتوقعتها منه وكده مش هنعرف نفهمه ولا نتوقع تفكيره. 


-أنتَ ليه رفضت تقابل نورهان لما جاتلك الشغل؟ ليه قسيت عليها للدرجادي دي مهما كانت اختك؟


وقد كان حديث "نورهان" لا يغادر عقلها منذُ أخبرتها بهِ, نظر لها متفاجئًا من حديثها وصُدم حين أكملت بشرود كأنها تفكر فيما تقول:


-بتقول إن شاهين أحن منك حتى حكتلي موقف عن كده, ازاي وهو مجرم وتاجر سلاح يكون بالحنية دي! 


تجاهل كل حديثها وفجأة وجدته يسألها بغضب:


-أنتِ هتكملي بعد اللي بيعمله! احنا مبقناش هنتوقع خطواته, راضية إنه يعلنك خطيبته قدام الكل!


استطاع جذب انتباهها فنظرت له تسأله بحيرة:


-هعمل ايه؟ 


زفر باختناق وغضب واضحين وقال:


-فيروز انا ههربك من عنده, مش هينفع تكملي المهمة.


نظرت له بأعين متسعة تسأله:


-ليه؟ 


نظر لها بداخل عيناها يقول:


-عشان خايف عليكي, مش متوقع خطوة شاهين الجاية.. ثم أنتِ عارفه إن ممكن شاهين بين يوم وليلة يجيب المأذون أو يعمل حفلة جوازكوا من غير ما يعرفك! مش هنفضل ساكتين لحد ما يعمل كده!


التمست خوفه عليها, وشعرت بأنه يكن لها شيئًا ما, وكم تمنت هذا! فسألته بلهفة خفية, وأمل يدعو بداخلها:


-وحتى لو اتجوزني ايه اللي يضايقك! كده كده المهمة هتتنفذ, بالعكس وقتها هتتنفذ أسرع.


نظر لها بغضب حارق وهو يردد:


-أنتِ مجنونة! لا طبعًا يتجوزك ايه! ي***** دي مهمة, أنا مستحيل اقبل بكده. 


ابتهجت ولمعت عيناها وأصرت على الضغط عليهِ علّها تتأكد بأنه يكن لها مشاعر:


-ليه بردو؟ انا مش شايفه فيها مشكلة! مهو هيتحبس بعدها وهكون حرة.


مد كفه يمسك كفها يقبض عليهِ بقوة وقال:


-مش هسمح إن شاهين يعتبرك مراته أو يلمسك.. مش هسمحله يقرب منك للدرجادي, فيروز أنا....


صمت لثواني فقط ينظر لها, حتى سحرته نظراتها فوجد نفسه يردد:


-أنا بحبك... مش عارفه ازاي وامتى ورغم انه مكانش ينفع.. بس أنتِ تتحبي, وأنا بحبك... 


انقطع الهواء عنها وعيناها ثُبتت عليهِ وعقلها بالكاد يستوعب جملته!! 


الفصل السابع "فراشة في سكّ العقرب" الجزء الثاني... 

حب أعمى... 

ناهد خالد... 

"لطالما تمنيت وجود شيء يجعلني أحب اليوم.. 

وعندما وجدتك وكأنني امتلكت العالم لأنني وجدتك فقط"


"من كتاب 24 فبراير ليان مشعي"


"حين تذق حلاوة التجربة الأولى تكن كل حواسك متحفزة وليس فقط لسانك عضو التذوق! جميعها منتظرة حلاوة المذاق والشعور بعدها, جميعها تتلهف لتجربة شيء ظننت أنه قد فاتك من كثرة ما تأخر, ظننت أنه لن يمر بكَ رغم مروره بالكثير قبلك وكأنه جاء عند عنوانك وفقد الذاكرة! أو وكأنك مُهمش في هامش صفحة بيضاء في كتاب مليء بالكلمات من سيلتفت لك ويترك البقية! وحين يتوقف عندك أحدهم ستكن هذه أسعد لحظاتك على الإطلاق" 


" ناهد خالد "


وهذه كانت أسعد لحظات "فيروز" على الإطلاق, أن يعترف لها شاب بحبه, هي من ظنت أن الحب لم يُكتب ابدًا لأمثالها, والحب المقصود هُنا هو الحب الحقيقي المتبادل بين الطرفين وليس من طرف واحد, هي التي لم تجرب يومًا شعور الفتاة حين يعترف لها الشاب بحبه, حُمرة الخجل, التوتر, التلعثم والسعادة, لمعة العينين, والفم المبتسم بحياء وفرحة, كل هذا لم تجربه, والآن تفعل, ومع من؟ مع الذي تمنت لو ينظر لها نظرة تشعرها أنه يراها, وضعت كفها فوق قلبها الذي ينبض بقوة ألمتها, ونظرت له مبتسمة بأعين دامعة ولامعة في آنٍ, ولم تنطق, فقط تنظر له. 


شعر بها وأدرك أن اعترافه أسعدها وأخجلها معًا, فابتسم لها وهو يقول:


-مش مستنيكي تردي, أنا بس كان لازم اعترفلك باللي جوايا.


خرجت من خضم أفكارها وهي تقول بلهفة:


-يعني أنتَ هتهربني من عنده! 


وفور انتهاء جملتها لمحت "شاهين" يأتي من خلفه لتقول فورًا:


-شاهين جاي. 


اختفت ابتسامته وجُمدت ملامحه ولكنه لم يتحرك من مكانه, بل ظل كما هو حتى وصل إليهما "شاهين" والذي قال بنبرة حادة واضحة:


-أتمنى ما اكونش قطعت عليكم قعدتكم الحلوة دي.


 نظر له "مازن" من فوق كتفه ثم نهض يقف أمامه مباشرةً وهو يقول:


-ما شفتش في بجاحتك! يعني خاطف الست اللي بحبها واللي كنت هخطبها ووقفت في المؤتمر قدام الناس كلها وقلت انها خطيبتك, ودلوقتي جاي محموق اوي إنها قاعدة معايا! أنا لو عاوز اخدها حالًا وامشي أنتَ مش هتقدر توقفني.


-انا خاطفها! الله يسامحك.


 قالها "شاهين" بنبرة مستكينة ظهر فيها براءته المصطنعة وأكمل وكأنه لم يخطفها حقا! وينظر لها نظرة عملت معناها:


-طب ردي عليه انتِ يا فيروز, أنا خطفتك؟


 نهضت "فيروز" من كرسيها واقفه أمامهما بضجر من كل ما يحدث وقالت كي تنهي النقاش:


-لا مش خاطفني خالص.


 تجاوز "شاهين" نبرتها الساخرة وهو ينظر "لمازن" ويقول مكملًا تلك المسرحية الدرامية السخيفة بين الجميع:


-على فكره أنا عرفت فيروز بعد معرفتك بيها بفترة بسيطة ولما انتَ اخذتها لنورهان وعرفتها عليها انها خطيبتك من قبل ما تقولها انك ناوي تخطبها  , وقتها كانت حاسه بحب ناحيتي عشان كده كلمتني, وقالتلي اللي انتَ عملته فقلتلها اننا اكيد مش هنستنى لحد ما حضرتك تخطبها رسمي ولا حتى تدخل عليها بالمأذون, فخيرتها ما بيني وما بينك... و كالعادة يا مازن اختارتني أنا.


 وكلمه "كالعادة" التي ذكرها كانت تعود للماضي, كأنه يذكره بأن نفس القصة تُعاد مرة أخرى وهو المنتصر فيها كما حدث في قصة "ليلى" , ورغم أن "مازن" يعرف بأن "شاهين" يقول حديث ليس له أي واقع من الصحة, و"شاهين" يعرف أن "مازن" يدرك جيدًا كذب حديثه, لكن هذا لم يمنع أن يثور غضب "مازن" بداخله وغضبه الذي ظهر على ملامحه الآن ونبرته كان حقيقيا, ليس من طبيعة الموقف الذي يحدث حاليا, ولكن من آثار الماضي, حين اقترب منه وهو يقول:


-عشان كل مرة بتلعبها ب****, وأنا للأسف ولا مرة عرفت أكون و*** زيك, بس ما تقلقش بتعلم وقريب أوي هردلك كل ده.


ابتسم "شاهين" ابتسامة ساخرة رغم تألمه من الجملة التي قالها:


-تعرف لو شغلت نفسك بأي حاجة في حياتك اكتر مني كان زمانك انجح حد فينا, يعني على الأقل كان زمانك متجوز ومخلف, بدل ما انتَ كل شويه عمال تحب واحدة وتطير منك. 


ابتسم "مازن" ابتسامة قاسية وهو يقول بتوعد حقيقي:


-لا ما تقلقش المرادي مش هتطير مني, انا اتعلمت كويس قوي من اللي فات.


هز "شاهين" رأسه في حركة رتيبة بلا اهتمام قائلًا:


- تمام وانا مستني اشوف, على فكره يهمني جدًا إنك تتعلم من اخطائك مش انا زمان كنت دايما بقولك إن الوقعة ما تكسركش بالعكس لازم تعلمك ! هفرح أوي لو لقيتك خدت بكلامي.


 رفع "مازن" جانب فمه لأعلى وهو يقول بسخرية مريرة:


- لا ما تقلقش انا كل اللي اتعلمته منك رميته في أ*** بحر قابلني, ومش فاكر منه أي حاجه, واللي بعمل بيه دلوقتي هو اللي الأيام علمتهولي.


 تجاوز "شاهين" حديثه وهو يربط على كتف الآخر بقوة مقصودة وقال مُستفزًا إياه:


-اكيد مش هنسى اعزمك على فرحي, وأكيد لازم تيجي.


دفع "مازن" كفه بقوة وهو يقول من بين أسنانه:


-يا عالم مين هيعزم مين الأول على فرحه.


 ونظر ل"فيروز" نظرة أخيرة معناها واضح! قبل أن ينسحب من بينهم, كاد "شاهين" أن يلتفت لفيروز بالغضب الذي يكمن فيهِ الآن, ولكنه توقف حين أبصر عمه "مختار" يدلف للمكان, فقال لها دون أن يلتفت:


-تعالي اعرفك بعمي. 


 وذهب لتذهب خلفه وهي تزفر بضيق وقد ضاق ذرعها من هذا الحفل بأكمله.

 احتضنه "مختار" يربط على ظهره بقوة وهو يقول:


- مش عيب عليك نتقابل في حفلة! يعني ما كانتش المناسبة تجمعنا ما تقولش اروح اشوف عمي اقعد معاه شويه,ولا ما وحشتكش قعدتي.


 ابتعد عنه مبتسما بهدوء وهو يجيبه:


- انتَ عارف يا عمي اني ما بشبعش من قعدتك, بس حقيقي الفترة اللي فاتت كنت مشغول أوي.


وبعد عدة سلامات  وترحيب من "مختار" بأفراد العائلة لنزولهم القاهرة لحضور الحفل السنوي للشركة, فعائلة المنشاوي اصلها يعود الى البحيرة وما زال الجد والعمة يمكثون هناك, أما "سيف وزوجته" فبالطبع  يتواجدان في فيلا "مختار المنشاوي" بالقاهرة.


 وبعد أن انتهى "مختار" من الترحيب بادر "شاهين" قائلًا وهو يشير لفيروز:


- بما ان حضرتك جيت متأخر فأنتَ ما حضرتش وانا بعلن عن الخبر الجديد.


 نظر له باستفسار يسأله:


-خبر ايه؟


 وبكل هدوء كان يعرفها له:


- فيروز خطيبتي.


 ونظرة "مختار" الآن تعبر عن مدى صدمته بالخبر, ولم تكن نظرته فحسب بل خرج من صمته الذي دام لثواني وهو يقول بحده وغضب:


- يعني ايه خطيبتك؟ طب ومراتك! اللي هي بنتي واللي هي بردو بنت عمك ايه وضعها؟!!

 

 وقبل أن ينطق "شاهين" كان يقول الجد موجهًا حديثه لمختار:


- مختار, مش وقته الكلام ده.


 نظر له "مختار" مستنكرًا:


- مش وقته طبعًا… ما كانش وقته بردو انه يعلن عن خطوبته في حفلة كبيرة زي دي فيها صحافه وفيها مصورين قبل حتى ما ياخد رأينا, أو يعرفنا بالخبر ده.


ثم نظر لشاهين وهو يقول معاتبًا بغضبه الذي ما زال مسيطرًا عليهِ:


- ولا انا بتكلم غلط؟ مش من الأصول يا ابن اخويا ياللي جدك مربيك على الأصول, إنك كنت تعرفنا وتاخد رأينا قبل ما تطلع تعلن ده قدام الكل ونتفاجئ زينا زي الغُرب!؟


- في الحقيقة يا عمي إن الخبر مش مضطر اشاركه مع حد قبل ما اقوله , ولا مضطر إني اخد رأي حد فيه, وفعلًا جدي رباني على الأصول  وعشان تربيته دي فانا قبل ما أعلن خطوبتي ومن كام يوم,قلت لبنتك انها  لو عاوزه تطلق انا معنديش أي مشكلة, وبنتك عارفه خطوبتي من فيروز بقالها كذا يوم, يمكن 10 ايام او اكتر, يعني انا صاحب الشأن معرف اللي يخصها الموضوع اللي هي مراتي, وخيرتها اني ما احطهاش في موقف زي ده وننفصل بهدوء, ورفضت يبقى انا ما عنديش أي غلط.


نظر له "مختار" بعتاب واضح ورفض لِمَ يفعله وهو يقول:


- يا خساره, معزتك عندي كانت غالية أوي يا شاهين, بس باللي انتَ عملته النهاردة فأنتَ هديت حاجة ما بينا, وعملت حاجز عمره ما هيتهد.


 نظر له "شاهين" مضيقًا ما بين الحاجبين باستغراب وتحفز للإجابة سؤاله:


- ويا ترى ايه الحاجز ده؟ هي جريمة اني اخطب؟

 

اجابه "مختار" في حدة وغضب:


- لا مش جريمة بس انتَ عشان تخطب كسرت بنت عمك, وقليت بيها قدام الناس, خليت شكل بنتي قدام كل الناس الموجودة في الحفلة دي زي الزفت, والكل دلوقتي اكيد بيتكلم عليها انه ازاي جوزها يعلن خطوبته من واحده تانيه وهو لسه متجوزها!


 رفع "شاهين" سبابته وهو يشير له قائلًا بابتسامة بسيطة:


- بالضبط, هي دي النقطة انهم هيقولوا ازاي جوزها يخطب واحدة تانية وهي لسه على ذمته, بس دي بقى انا ماليش ذنب فيها, لأني قلتلها نطلق وكان وقتها لما أعلن خطوبتي دلوقتي ماحدش يجيب سيرتها ما خلاص بقت طليقتي, لكن هي اللي رفضت, يبقى انا ذنبي ايه؟ ولا انا كنت المفروض سواء موافقة ولا مش موافقة أطلقها وابعتهالك على بيتك عشان اعرف أعلن خطوبتي! كنت وقتها مش هبقى ندل و كسرتها!


  صمت لبرهة من الوقت ثم قال بمغزى أدركه "مختار" جيدًا:


- عمي انت اكتر واحد عارف ان عشان غلاوتك عندي انا عملت ايه, واكتر واحد عارف انا ضحيت بإيه, وازاي عشانك وعشان العيلة دي ,فما لكش حق دلوقتي تيجي تلومني لما احب التفت لنفسي شويه, اعيش لنفسي بعيد عن المسؤوليات والتضحيات والعيلة.. 


 ثم نظر لجميع الجالسين حول الطاولة وهو يقول:

 

-واعتقد كلكم كنتم شاهدين على ده, فياريت اللي عنده اعتراض على خطوبتي يخلي اعتراض لنفسه, عن اذنكم.


 قال جملته الأخيرة وهو يلتقط كف "فيروز" ويسير بها بعيدًا عن الجمع  لمنطقة هادئة يستطيع فيها أن يتحدث معها ويضع الِنقاط فوق الحِروف.


وبعد أن ذهب نظر لهم "مختار" من بين غضبه وهو يسألهم:


 -هي شدوى راحت فين؟


 أجابه "سيف":

 

- بعد ما البيه قال مفاجئته قالت انها هتروح الحمام, من وقتها مارجعتش.


 عقب الجد المنشاوي في هدوء تام:


- سيبوها, محتاجه تكون لوحدها شويه يمكن تفوق وتراجع نفسها.


 نظر له "مختار" غاضبًا يسأله باستنكار:


-هي برده اللي تفوق!؟ 


أصر الجد على حديثه وهو ينظر له بقوة:


- اه يا مختار هي اللي تفوق وتعرف ان الدنيا مابتقفش على حد ومش هتقف على شاهين, على فكرة هي كلمتني لما شاهين بلغها بخطوبته وانا نصحتها تبعد باحترام وفي هدوء بس مسمعتش كلامي, بنتك محتاجه تعرف يعني إيه كرامة وتتمسك بيها.


 و صمت الجميع بعد حديث الجد… البعض مقتنع, والبعض الآخر غير مقتنع تمامًا ولكنه ليس به طاقة لنقاش عقيم لن يجدي بأي نتيجة. 

********** 

"نفقد أشياء ونودع أشخاص, تفوتنا فُرص ويكسرنا فراق, تُهدم أحلاما وتتبخر أماني, نُخذل و نُطعن, وكل هذا لحكمة لا يعلمها الشخص في وقتها وربما يدركها لاحقا وربما تظل مجهولة لباقي العمر, وهل في يدك أن تُغير القدر؟ هل بيدك أن تتمسك بشيء كُتب عليك فقده!؟ القدر...النصيب.. الحكمة, بينهم ارتباط وثيق تمقته حين يكن الاجتماع على شيء عزيز عليكَ, ولكن كل ما تستطيع فعله هو الصراخ والبكاء والتحسر والانفجار بالشكل الذي تراه..... ثم .... اهدأ, فكِر, وأخلق حكمة حتى وإن كانت الحقيقية مجهولة, ثم اندفع بها وبقوة لسير خطوات ثابتة لا يهزها ما أصبح ماضي"


وفي إحدى مستشفيات القاهرة..

منذ الأمس وهي تجلس على نفس الوضع, على إحدى المقاعد الموجودة أمام غرفة ما في إحدى طرقات المستشفى, بعدما هاتفت والدها بالأمس واستأذنت منه أن تظل مع والد مجد لأن وضعه غير مستقر تمامًا, وبحكم الجيرة والعلاقة الطيبة بين والدها والرجل لم يعترض, بل أراد أن يحضر للمستشفى لكنها رفضت خوفًا عليهِ, فصحته لا تحتمل جلسة المستشفيات.

تنهدت وقالت وهي تنظر لوالده الذي يسند رأسه على الحائط خلفه, وبدا على وجهه الحزن والهم:


- لا اله الا الله يا رب ارحمنا برحمتك,


 ثم اقتربت منه تقول:


- وحد الله يا عم شاكر ان شاء الله ربنا مش هيصيبك فيه.


 نظر لها بأعين ممتلئه بالدموع:


-مش عارف حاله هيبقى ايه لما يصحى, مش عارف لما يفوق ويلاقي نفسه كده هيعمل ايه؟ وانا ههون عليه ازاي وانا عاوز اللي يهون عليا.

 

تساقطت دموعها وهي تستمع لحديثه ثم قالت بمواساة:


 -نحمد ربنا انه نجاه منها, دي كانت حادثة كبيرة مش هينة, وزي ما انتَ سمعت الدكتور, كويس انها جت على قد كده ولسه حسه في الدنيا.


 هز رأسه  مقتنعًا بحديثها ولكنه ما لبث أن قال بمرارة:


- بس انتِ ما تعرفيش يا بنتي واحد طول عمره شغال بدراعه واقف على رجله لما الدنيا تيجي عليه و تهده وتاخد منه حاجة عزيزة عليه بيحس بإيه, وانا عارف ابني لما يفوق هيحس بإيه.


-مهما كان اللي هيحس بيه انتَ موجود جنبه, هتقويه وتسانده.


-  هقويه واسانده اه, لكن مش هعرف اشيل عنه, مش هعرف اخفف حمله.


 خرج الطبيب من غرفته وهو يخبرهم:


- المريض بدأ يفوق وانا برجح تكونوا موجودين جنبه في وقت زي ده, لانه مش هيستوعب اللي حصل بسهوله, وانا معاكم عشان لو احتجنا نديله حقنة مهدئة.

 

نهض "شاكر" و"مستكه" و دلفا للغرفة, بقلوب واجفة, وأعين دامعة , و أنفس داعية الله بأن يمر الأمر على خير أو على الأقل بأقل الخسائر.


 وهذه أول مرة يُسمح لهما برؤيته, فلقد منعهم الطبيب من رؤيته منذ أمس ورؤية وضعه الآن بعثت فيهم غصة لا تذهب, وقبضة قلب مُوحشة ورجفة جسد متألمة على وضعه, فما تراه العين غير ما تسمعه الأذن ويدركه العقل. 

وحين استفاق "مجد" لم يكن يشعر بما حدث له, فقط ابتسم حين رأى والده وهو يسأله بصوت متعب:


-ايه اللي حصلي؟ 


اقترب "شاكر" من فراشه وقال بدموع واضحة:


-انتَ بخير وزي الفل, ربك نجاك وكتبلك عمر جديد. 


ابتسم "مجد" ابتسامة صغيرة وهو يقول:


-بتعيط يا أبا؟ لا ماتعيطش انا مش متعود عليك اشوفك كده, وبعدين انا كويس اهو. 


ربط "شاكر" على صدره قائلاً:


-الف حمد وشكر لله انه نجاك, ده انا معرفش أعيش من غيرك يا مجد, اتبهدل واتشرد وابوك كبر ومش حِمل مرمطة. 


-بعد الشر عليك من المرمطة يا حاج, طول مانا عايش هعززك واكرمك زي ما كبرتني وعلمتني. 


ثم نظر ل "مستكة" يقول مستغربًا:


-انتِ هنا بتعملي ايه؟ 


أجابه "شاكر" قبلها:


-دي معايا من امبارح من وقت الحادثة ومسابتنيش لحظة كتر خيرها بنت أصول.


تنحنحت بحرج وهي تقول:


-انا معملتش غير الواجب, بحكم الجيرة وبحكم عشرتك مع ابويا يا عم شاكر. 


رفع "مجد" رأسه عن الوسادة وحاول النهوض وجاء يستند بذراعيهِ ليدعم جسده, لكنه شعر بشيء غريب, شيء ناقص! 

وكانت الكارثة حين نظر لذراعه الأيسر الذي لم يشعر بهِ ليجد مكانه فارغ! فقط بروز صغير في الكتف...!! 

نظر فورًا لوالده ليجده يبكي في صمت وهو ينظر له, فابتسم بصدمة وعدم تصديق يسأله:


-ايه ده؟ فين دراعي! 


رد "شاكر" من بين بكائه:


-حالته كانت وحشة لان العربية لما وقعت عليك هو اكتر حاجه اضررت, وانتَ في العمليات الدكتور طلع وقالي انه حاول كتير يفادي دراعك لكن لازمله.... لازمله بتر.


أكملت "مستكة" الحديث بدموعها ونبرتها المختنقة:


-الدراع كان متهشم وكان مسبب نزيف مبيقفش, لو كانوا اصروا على وجوده كان ممكن يجرالك حاجه, ربنا خد منك حاجة مقابل حياتك اكيد مش هتكون أغلى من حياتك.


صرخ بهما بغضب وكسرة:


-بتقولوا أيـــــــه؟ ازاي توافقوا؟ ازاي تقبلوا انه يبتر, محدش منكوا فكر فيا, محدش فكر في اللي بتعملوه فيا.


ووالده لم يكن قادرا على الرد من انهياره وبكائه الذي لا يتوقف, فأخذت "مستكة" مكانه وهي تقول:


-لو كنا رفضنا كنت...


-موت! ياريت...ياريت كنت موت.


قالها بصراخ وانفعال مخيف والفراش الصغير يرتج من أسفله من عنف حركته فوقه, اقترب منه والده سريعًا يقول بخوف:


-اهدى, اهدى يا حبيبي ماتعملش في نفسك كده, كنت عاوز تموت وتسبني يا مجد؟


أردف بالأخيرة معاتبا, ليضحك "مجد" بألم:


-وانا عيشتي دلوقتي ايه! مش موت! هفيدك بإيه... بقيت عاجز وعاوز اللي يعولنا احنا الاتنين... بقيت عاجز يابا, بقيت عااااااجز...


صرخ بالأخيرة صرخة جهورية رجت قلوب الواقفين ليقترب الطبيب ويفرغ حقنة في المحلول الوريدي والتي فور ان تسربت إليهِ من بين ثورانه حتى ارتخى ورويدًا ذهب في نوم عميق.


******** 

عودة للحفل....

-قولتلك متقربيش من مازن تقومي تسبيه يقعد معاكِ؟ انتِ بتفهمي ولا مابتفهميش؟ 


نفضت ذراعه الذي يمسكه بقوة وهي تقول صارخة بهِ:


-انا اللي مبفهمش! وانتَ واللي بتعمله ايه! نيوتن! انتَ ازاي تسمح لنفسك تعلن خطوبتنا... انتَ بتعمل ايه يا جدع انتَ؟ عاوز توصل لفين؟ وساحبني وراك زي التور! انا من اللحظة دي مش هعمل حاجه غير لما افهم.


رد ببرود أغاظها:


-مش شغلك تفهمي انا عارف انا بعمل إيه. 


رفعت حاجبها له بتوعد وقالت:


-كده؟ حلو اوي, هرجع للحفلة واقولهم ان كل اللي قولته كلام فارغ واني مش خطيبتك وشوشرة بشوشرة بقى! على الأقل دلوقتي اكيد بيقولوا عليا خطافة رجالة وواحده شمال ظبط معاك عشان املاكك وخدتك من ابنك ومراتك, لكن لما يعرفوا هيقولوا إنك اتجننت, هيقولوا شاهين بيه المنشاوي مبقاش عارف بيقول إيه. 


امسك ذراعها الذي تشيح بهِ بقوة لاويا إياه خلف ظهرها مقتربًا بوجهه منها وهو يقول بغضب مخيف:


-جن اما يلغبطك, مين ده يا بت اللي اتجنن! اتعدلي يا فيروز عشان متندميش على اليوم اللي شوفتيني فيه. 


ضربت صدره بذراعها الحر الآخر وهي تهتف بعنفوان وعصبية:


-هو انا لسه هندم؟ لسه هندم! انا كرهت اليوم اللي قبلت بخطة مازن فيه, انتَ مش طبيعي وبتعمل تصرفات مش طبيعية, يا مجنون..


جحظت عيناه على لفظها الأخير وإشارتها على رأسها بعلامة الجنون, ليمسك فكها بقوة كادت تكسره وهو يهدر بها:


-طب جنان بجنان, كتب كتابنا آخر الأسبوع الجاي, والفرح بعد شهر.. 


هدأت لثواني جاحظة الأعين تحت نظرته الشامتة بحالها, وشحوب وجهها وصدمتها بِمَ قاله, لكن سرعان ما نفضت صدمتها وهي تقاومه لتحرر ذراعها منه وتقول:


-لما تشوف حلمة ودنك... ده انا اموت نفسي قبل ما تعملها, يا مجنون يا بن المجانين..


صرخت حين هبط بكفه على فمها يصفعه بقوة غاشمة شعرت أن أسنانها قد وقعت من قوة الضربة, وقال بنبرة أثارت بها الرعب:


-ورحمة أمي يا بنت ال*** لو مالميتي لسانك لأقطعهولك, اخرسي..


صرخ بها حين أوشكت على الاعتراض والصراخ بهِ وأكمل:


-اوعى تفكري إني ماقدرش اعمل معاكي حاجة واربيكي, انا شاهين قادر اخليكي تكرهي حياتك, قادر اوصلك للانتحار من غير ما ادخل, فعقلي وارسي كده عشان متأذيش نفسك بنفسك, انا مش من النوع اللي يقولك لو مش ست كنت عملت.... انا بعمل سواء ست أو راجل, لأنها مادام ست عاوزه تتربى وتتعلم الأدب يبقى اربيها. 


نجح في إثارة خوفها, وقلقت أن يفعل لها شيء لن تتحمله, فقررت اتباع أسلوب مختلف فقالت بنبرة حزن وهدوء:


-هو حضرتك يعني يرضيك اللي بتعمله معايا ده!؟ 


-اه يرضيني. 


شعرت بأن ذراعها بالتأكيد قد كُسر فرفعت عيناها الدامعة بوجع له وهي ترجوه:


-طب ارجوك سيب دراعي حساه اتكسر والله. 


نظر لها لثانية واحدة قبل أن يدفعها بحدة بسيطة ووضع كفه في جيب بنطاله يراقبها في صمت وهي تمسك ذراعها تتفحصه بوجه متألم, فنفذ صبره يقول:


-هبقى اجبلك مرهم كدمات.


رفعت رأسها له بغضب وغيظ كظمته متذكره تهديده لها, اخذت نفس عميق وقالت:


-انا محتاجه افهم ليه بتعمل كل ده؟ هتستفاد ايه؟ كمان...كمان حرام عليك مراتك والله, انا لو منها كنت موت بقهرتي وجوزي بيعلن خطوبته وانا لسه على ذمته, يعني لو في مشاكل بينكوا حلها معاها بشكل ودي, ولو مش عشانكوا عشان السكر ابنكوا يستاهل تحاولوا عشانه.


-ملكيش دعوة, اللي بيني وبين عيلتي ملكيش دخل فيه, محدش عينك مصلحة اجتماعية. 


صدمها رده ووقاحته, فضغط على أسنانها بقوة وهي تتحكم في غضبها لأقصى حد أمام هذا المستفز, زفرت نفس طويل ثم ابتسمت ابتسامة بسيطة تقول بهدوء:


-طيب, خليني في نفسي احنا بينا اتفاق إنك هتستخدمني ضد مازن عشان تقلب لعبته عليه, مافهمش انا بقى إيه علاقة الخطوبة وكل الحوارات اللي عملتها بعد كده باتفاقنا, انتَ باللي أعلنته النهارده ورطني معاك وعقدت الحكاية... وأكيد يعني حوار كتب الكتاب والفرح ده كنت بتضايقني... صح؟


تساءلت بخوف واضح جعله يبتسم في خبث وهو يرى رعبها وانتظارها الإجابة, تلاعب بها وهو يقول:


-طول ما انتِ مؤدبة أظن هنتفق.


مررت لسانها بداخل فمها في حركة إجرامية وشعور بداخلها يصرخ بها "اقتليه ولا حرج عليكِ"!

وفجأة استمعا لصوت "شدوى" تقول بنبرة مخيفة:


-اوه, جوز الكناريا هنا! إيه مش قادرين تبعدوا عن بعض مسافة الحفلة! 


ثم نظرت ل "فيروز" بابتسامة غريبة وهي تقول لها:


-يا ترى جبتيه في مكان بعيد وهادي عشان تعرضي عليه خدماتك وتسحريه أكتر! رغم إن مفكيش شيء يسحر, بس يا ترى بقى ساحراه بإيه! 

أو بيعجبه إيه فيكِ.

تصنعت التفكير لبرهة ثم قالت بابتسامة خبيثة:


- يمكن بتعجبيه وانتِ في سريره!


-شدوى!


صرخ بها "شاهين" بقوة جعلت ابتسامتها تختفي وهي ترى ملامحه تتحول للقتامة, الغضب ينفر من عروقه, ونظراته مميتة.


-دي تاني مرة تغلطي وتعيدي أخطائك... لتاني مرة بتذكري إني مش حلوة ومعجبوش, وبتذكري إن في علاقة غير شرعية بينا... المرة اللي فاتت جبتك من شعرك ومسحت بيكِ بلاط الفيلا, تحبي تجربي بلاط الفندق!


-وانا المرادي مش همنعها.


قالها "شاهين" لتنظر له "فيروز" بدهشة من موقفه لكنها سرعان ما تحولت لابتسامة خفيفة وتحفز لتجربة الأمر مرة أخرى.


ولكن لم تعطي لها "شدوى" فرصة حين انتفضت صارخة كالمجنونة تمامًا, وهي تضرب فخذها تارة بكفها, والأرض بقدمها مرة أخرى, وقالت بدموع وحسرة:


-ليييييه! بتعمل فيا كده لييييه! كل ده عشان غلطة! غلطة واحدة مش قادر تغفرهالي يا شاهين, حبك ليا ميغفرش غلطتي, تكسرني كده! تفضل دي عليا!


أشارت لفيروز باحتقار وأكملت بكلمات جارحة:


-السودا, اللي مفيهاش ميزة واحده, لا جمال ولا نسب ولا تشبه للهوانم في شيء, حتة جربوعة واطية جبتها من داهية وبتفضلها عليا! يا ترى طلبت منك تطلقني ولا لسه؟ 


-اخرسي يا شدوى.


قالها "شاهين" محذرًا من التمادي أكثر, وربما عدم اتخاذه لرد فعل الآن هو حالتها الغريبة والمقلقة فغالبًا هي على شفا الانهيار, صمتت لثانية لتجذب خصلات شعرها بقوة وهي تتابع بأعين شاخصة:


-اوعى...اوعى تكون طلبت منك تطعن في نسب تيم! اوعى يا شاهين تتخلى عني وعن ابني بسببها! 


-اخرسي بقولك...


قاطعها بعنف وهو يتجه لها يمسك ذراعها يحاول التحرك بها تحت رفضها, ولكن "فيروز" شعرت أن الفرصة قد أتت لها على طبق من ذهب لتعرف حقيقة أمرهم, فركضت له تجذبها منه بقلق مصطنع:


-حاسب يا شاهين دي باين حالتها صعبة. 


دفعتها "شدوى" بغضب ونظرت لها مكملة:


-عاوزه ولادك منه يكونوا الورثة الحقيقيين له صح؟ 


-اسكتي..


زجرها "شاهين" وهو يجذبها من ذراعها بقوة لتلتفت له, ولكن وقفت "فيروز" حائل وهي تدفع ذراعه بجسدها وتفصل بجسدها بينهما قائلة بلطف زائف:


-يا شاهين براحة هي شكلها أعصابها تعبانة... على فكرة أنا مفكرتش كده.. 


قاطعتها "شدوى" التي أصبحت في جهة مقابلة وقالت صائحة في وجهها:


-ماتعمليش فيها بريئة! أنا لو مكانك كنت هقول كده, كنت هطلب منه ينفي نسب تيم له عشان ميشاركش ولادي في الميراث وهو مش ابنه, عشان متكونيش قدام الناس ام ابنه وهو اصلاً ملمسكيش..عشان...


قاطعتها "فيروز" مرددة بوجه مصدوم وأعين جاحظة وفاه فاغر:


-تيم مش ابنه!؟


هدأت ثورة "شدوى" فجأة وقد شعرت بشيء ما مريب, نظرت ل "شاهين" تسأله بتوتر:


-هي...هي ماتعرفش!


-غبية. 


الكلمة الوحيدة التي رددها "شاهين" بكره بعدما فضحت كل شيء أمام "فيروز" التي تشعر بدوامة تلف بها الآن....


"الفصل الثامن من الجزء الثاني"

"فراشة في سكّ العقرب"

"ناهد خالد"


"الأيام جميعها تمر حتى الأكثرهم عصبة، فعلينا أن نتحلى بالصبر والهدوء كي يمر بأقل الخسائر وبعده نعيد ترتيب أوراقنا لاللعب من جديد" 


مرَّ يوم عصيب على الجميع..

انقضى بخلافاته وصدماته وواقعه الأليم للبعض والمُدهش للبعض الآخر، وفي النهاية كان يوم كباقي الأيام ومرَّ...


نزلت درجات السلم بتوتر بالغ، فهي تعلم جيدًا من ستلقى حول مائدة الإفطار، عائلة المنشاوي التي ظهرت أمس والتي أصر شاهين على استضافتهم ليومين قبل عودتهم لمسقط رأسهم، الجد والعمة وابن العم وزوجته وبالطبع شدوى وشاهين وتيم ونورهان، رأت الجميع متواجد، فاتجهت لأحد الكراسي الفارغه والتي كانت بعيدة عن شاهين هذه المرة وهي تلقي تحية الصباح بصوت هادئ بهِ ارتباك يأتي من بعيد...


كانت وقتها ترتدي فستان بنصف أكمام ويصل لبعض ركبتيها بمسافة كبيره حتى أظهر القليل فقط من قدميها، أبيض اللون بهِ رسومات كرز حمراء، بفتحة عنق مثلثية أظهرت مقدمة صغيرة من صدرها، وشعرها فقد عقدته للخلف بربطة شعر وتركت الباقي منه ينسدل على ظهرها، جلست بعدما اجابها بعضهم والبعض لم ينطق ولم تسمع له صوتًا، تناولت شريحة خبز بارتباك لتناولها الطعام امام الجمع الغريب عليها، وظلت تحاول الأكل رغم انعدام شهيتها. 


_ ما قولتليش يا شاهين ناويت على الفرح امتى؟ 


حُشرت اللقمة في حلقها حتى لم تجد سبيلاً للنفس، ونظرت له على الفور بأعين متسعة بقلقٍ بالغٍ، لتلاحظ انه يرتدي "تيشرت" من الرمادي الداكن، إذًا لقد قرر أن يأخذ اليوم أجازة، وجدته ينظر لها بأعين تلمع مكرًا فهمته وهو يقول:


_ لسه يا جدي، في شوية حاجات هظبطها الأول. 


والتزم الجميع الصمت لتشيح ببصرها عنه وتنظر ل "شدوى" لتجدها كما توقعت، تنظر لها بكره وشر واضحين، فتنهدت وهي تعيد النظر لطبقها قائلة في سرها:


_ولا كأني هموت عليه ياختي ابعديه عني وريحيني. 


علىَ رنين هاتف "شاهين" فجأة ليلتقطه ويستأذن منهم بالخروج للرد على المكالمة، وبعد خروجه انصرفت "نورهان" كي تلحق عملها، ونهض الجد لينام قليلاً فهو عادته أن يستيقظ فجرًا ولا ينام إلا  في التاسعة أو العاشرة صباحًا بعد تناول إفطاره ثم يستيقظ مرة أخرى على صلاة الظهر، تململت "فيروز" بعدم راحة وهي تجد نفسها في وسط أشخاص غرباء ومن ضمنهم التي لا تطيقها ومازالت مسلطة نظرها عليها، استمعت فجأة لصوت "سيف" يقول:


_وانتِ بقى بتعرفي تتعاملي معاه؟ أصل شاهين دايمًا عصبي ولسانه طويل وايده أطول ولا انتِ اتعودتي؟


وعلى حديثه كان "شاهين" قد انهى مكالمته وعائدًا للغرفة، ليتوقف خارجها وهو يسمع صوت سيف، أراد أن يسمع ردها عليهِ رغم أنه يتوقعه سلفًا.


_ مفيش داعي للكلام ده يا سيف، وبعدين كلامك مهين، معنى كده انه كان بيعمل كده مع شدوى وهي متقبله وساكته؟ 


قالتها العمة بضيق، ليعقب بمكر:


_وليه يا عمتو؟ مش بطمن على اللي هتبقى مرات اخويا، وبعدين عشان بردو لو ماتعرفش طباعه نوعيها عشان ماتستغربوش وتاخد عليه بسرعة.


وعقبت "شدوى" كاسرة صمتها:


_ واه شاهين دايمًا عصبي ولما بيتعصب بيفقد السيطرة على لسانه و... وايده، بس أنا عشان بحبه وابن عمي وابو ابني بستحمل وبعرف ازاي اصلح أموري معاه. 


نبرتها كانت ماكرة وخبيثة بشكل واضح... 


زفرت "فيروز" بخفة وهي تترك قطعة الخبز وتنظر له حيث كان جالسًا أمامها تمامًا وقالت وكأنها تجيب على عِدة أسئلة في امتحانات نهاية العام وهي توجه اجابتها لسيف:


_ بعرف اتعامل معاه؟ اه بعرف.. زي ما اختك كانت بتعرف تتعامل معاه، ولو هي اتأقلمت على غضبه وطولة لسانه... وايده، فالحقيقة أنا متأقلمتش، لأني مشوفتش منه أي شيء من دول، وده يخليني اشك انها كانت بتخرجه عن شعوره، والانسان مننا لو خرج عن شعوره بيطلع اسوء ما فيه، يعني مثلاً....


نهضت واقفة والتفت تستند على ظهر كرسيها والجميع يتابعها في استغراب والبعض في كره وقالت موجهه حديثها لشدوى:


_ لو عصبتيني دلوقتي وخرجتيني عن شعوري، ممكن في لحظة تلاقيني وراكي وملبسة راسك في طبق المربي اللي قدامك ده.. 


نهضت "شدوى" عن كرسيها فورًا بقلق تلقائي، لتبتسم "فيروز" باتساع، وكذلك العمة و "زينة"، واكملت:


_وقتها محدش يلومني عشان انتِ اللي وصلتيني لكده، ماينفعش بقى بعدها تمشي تقولي فيروز عصبية وايدها طويلة! 


ثم نظرت لهما قاصدة اغاظتهما واشعال نيران الكره بهما:


_ بعدين شاهين مفيش اطيب منه هو بس بيتعامل مع كل واحد بأسلوبه، فالمحترم بيعامله باحترام، وقليل الأدب بي.... 


وقطعت حديثها وكانت التكملة مفهومة، ثم نظرت لسيف تقول له ساخرة بينما هو يرمقها بغيظ ومقت وقد وضعها ضمن قائمة الأعداء للتو:


_ وشكرًا على نُبل أخلاقك وخوفك الغير مُبرر عليا! بس أنا اعرف اخلي بالي من نفسي كويس اوي وماخليش حد يتجاوز حدوده معايا.. 


القت بكلماتها وخرجت من الغرفة تحت نظرات العمة المبتسمة وزينة المتشفية في "سيف" بعد أن استطاعت الغريبة لجمه ولم ينطق بحرف بعدها.


وحديثها كان صادمًا لشاهين الذي لم يتوقعه أبدًا، فقد توقع ان ترد على سيف ثائرة وتخبرهم كم هي مظلومة معه ولا تستطيع مجابهة قوته وغضبه!

ردها صدمه ورسم ابتسامة غير مفهومة على ثغره.. تشبه ابتسامة طفل سمع ثناء والدته عليه مع الغرباء!


****


حين خرجت من الغرفة وأتت لتسلك طريقها للأعلى كادت أن تصرخ حين وجدته واقفًا امام وجهها فجأة ولكنه كان الأسرع وقد رفع كفه يكمم فمها كي تصمت، ابتلعت ريقها الذي جف أثر الخضة وانزلت كفه بكفها وهي تبتعد مسافة صغيرة لتكون على بُعد حذِر منه جعله يبتسم ساخرًا ولكنه تغاضى عن فعلها وقال:


_ تعالي ورايا المكتب.


تحرك وتحركت خلفه ليتوقف في منتصف الصالة الواسعة حين ابصر نزول "نورهان" من الأعلى تحمل حقيبتها التي صعدت لتحضرها قبل ذهابها للعمل.


_ حبيبي أنا رايحه الشغل عاوز حاجة؟


نظر لها لثواني قبل أن يقول بضيق واضح في نبرته:


-اه، ياريت متروحيش لمازن شغله تاني.


اتسعت عيناها بصدمة من معرفته بالأمر، وفجأة حولت نظرها "فيروز" في اتهام واضح لها جعل الأخيرة تقول سريعًا ما إن فهمت نظرتها:


_ انا والله ما قولتله حاجه.


وهنا التف لها "شاهين" يسألها مستغربًا ومتفاجئًا:


_انتِ كنتِ عارفة!؟


حركت رأسها مرة أخرى نافية:


_ والله ماكنت اعرف.. هي قالتلي امبارح في الحفلة.


بدت كالبلهاء وهي تحاول بقدر الإمكان إخراج نفسها من الأمر، ليلتفت "شاهين" ل "نورهان" يقول:


_ مش محتاج فيروز تبلغني، انا بعرف عنك كل حاجه أول بأول، واعرف كمان إنك حاولتي تكلميه امبارح في الحفلة وسابك ومشي.. بلاش تقللي من نفسك قدامه يا نورهان، لإنك مغلطيش أولاً، ثانيًا هو مابيعملش اعتبار لحد وهيذلك وراه لحد ما يرضى عنك.


تدخلت" فيروز" تقول بتلقائية ورفض لحديثه:


_ايوه بس ده اخوها!


نظر لها نظرة ارعبتها وجعلتها تقول بتوتر واضح:


_أنا.. انا هستناك في المكتب.


وانصرفت فورًا من أمامه تحت نظراته المستمتعة بخضوعها له وخوفها منه... أحيانًا!


وقفت "نورهان" أمامه وقالت بحزن:


_ حاضر يا شاهين.. مش هروحله تاني.


أمسك كتفيها وهو يقول بحنو حقيقي وصادق:


_ يا حبيبتي انتِ ماينفعش كل يوم والتاني تروحي القسم، وفي الآخر بتمشي من غير ما تشوفيه، دخولك مكان زي ده مش مقبول بالنسبالي حتى لو رايحه تشوفي اخوكِ.


اومأت برأسها وهي تقول:


_ معاك حق، انا روحتله ٣ مرات هناك واخرهم كان قبل الحفلة بيوم، لكن انتَ صح مش هروح هناك تاني.


رفع كفه يمسح على جانب عنقها بتشجيع قبل أن يقول:


_يلا عشان متتأخريش على شغلك.


*****


خرجت "نورهان" من الفيلا لتتوقف عند سيارتها حين رأت ترجل "معاذ" من سيارة خلفها وهو يقول فور رؤيتها:


_ صباح الخير يا نورهان.


تخضبت وجنتيها خجلاً منه فهي لم تنسى رسائله لها ونقاشهم، وردت بخجل:


_صباح النور يا معاذ، جاي لشاهين؟


اومأ وعيناه لا تفارقها وقال بمرح:


_ ماهو البيه قرر ياخد أجازة عشان العيلة، وطبعًا جت على دماغي، في شوية أوراق محتاجه أمضته. 


نظرت له تقول محاولة كسر حاجز التوتر بينهما:


_ شكلك معترض. 


رفع كفيهِ مستسلمًا:


_خالص، ده أنا جاي بكامل إرادتي. 


ابتسمت ومازال خجلها يسيطر عليها:


_تمام هو في المكتب جوه، تقدر تدخله. 


شعر برغبتها في انهاء اللقاء، ورغم عدم رغبته لكنه لم يجد بدًا من إطالته:


_تمام..مع السلامة. 


اومأت برأسها وهي تفتح باب سيارتها لتستقلها، وهو عقله يتنازع بين القول والرجوع.. لكن انتصرت رغبته ورغبة قلبه وهو يقول:


_على فكره... 


التفت له وهي ممسكة بباب سيارتها تنظر له باهتمام ليكمل رغم توتره:


_ اتبسط بنقاشنا حتى لو كنا اختلفنا شوية بس اعتقد في الآخر اقتنعتي. 


انكرت وهي تقول:


_مين قالك إني اقتنعت! 


رفع حاجبه مبتسمًا:


_إنك مسحتي الصورة مثلاً!


أصرت على عِنادها وقالت:


_أنا مامسحتهاش عشان كلامك، انا بس لقيت فيها ديفوهات ماعجبتنيش. 


ابتسمت فجأة حين قال مبتسمًا بحنين:


_فاكره آخر واقفة زي دي بينا، وآخر نِقار لينا. 


هزت رأسها تؤكد تذكرها وقالت:


_قبل ما نسيب الفيلا هنا أنا ومامي ومازن، ولسه بردو بتقول عليه نِقار كأننا فراخ! 


لم يجيبها فقط تبادلا الابتسامات والعقول ترجع للماضي القريب، لزمن كانا فيهِ أقرب ولا يتعاملا كالغرباء مثل الآن، لولا تفرقهما مع تفرق العائلة لربما كان للقدر رأي آخر في قصتهما. 


******


وفي مكتب شاهين.. 

دلف إليها بعد أن سبقته "صفاء" بقهوته كالمعتاد، ليجدها جالسة في صمت تام لم تقطعه حتى بعد دلوفه، جلس فوق كرسيه يرتشف من فنجان قهوته ببرود، وبعد ثواني كان يقول:


_طبعًا عرفتي ان جدي والعيلة قاعدين هنا يومين، ياريت التعامل معاهم يكون بحدود عشان ميعرفوش منك معلومة أنا مش حابب اعرفهلهم، وكمان هنتعامل قدامهم زي أي اتنين المفروض انهم مخطوبين.


نظرت له تقول بهدوء:


_ مفهوم طبعًا، حاضر.. هكمل المسلسل السخيف اللي دخلته غصب عني ودون علمي معاك.


رجع بظهره للوراء مستندًا على كرسيه وقال ببرود مستفز:


_ شكلك متعصبة، اخلي صفاء تعملك ليمون؟


وبحديثه أشعل نيران غضبها التي كانت تحاول جاهدة إخمادها منذُ أمس, فنهضت واستدارت لتصبح واقفة أمامه وقد التف بكرسيه ببرود ليصبح في مواجهتها وقالت بغضب:


-امبارح سحبت شدوى من قدامي ورجعتها القصر قبل ما اعرف استفسر منها على كل علامات الاستفهام اللي في دماغي, الحفلة انتهت ورجعنا كلنا ومتكلمتش معايا كلمة واحدة تريحني من التساؤلات اللي هتاكل دماغي من امبارح, ودلوقتي انا عاوزه اجابه لكل اسئلتي.


 سألها في هدوء تام وكأنه حقًا لا يعرف إجابه سؤاله:


- ويا ترى ايه هي اسئلتك؟


 رفعت كفها ليكن امام وجهه وهي تعد على اصابعها:


- اولًا انا عاوزه أعرف إيه لازمة إنك تعلن خطوبتنا امبارح في الحفلة؟ انتَ لما جيت قبل كده وقلت قدامهم هنا إني خطيبتك سكت و قلت ما فيهاش مشكله لما اتنين ولا تلاته يعرفوا إننا مخطوبين, لكن تيجي قدام كل الناس دي في الحفلة وتخلي مصر كلها تعرف يبقى محتاجه افهم ليه؟ وازاي اصلاً تعمل حاجه زي دي من غير ما تاخد رأيي فيها أو تعرفني الأول؟ انا وقتها حسيت كأن الأرض وقعت فوق راسي! وما بقتش فاهمه انتَ بتعمل إيه؟


 نهض عن كرسيه ليقف امامها وفرد اصبعها الثاني وهو يسألها بنفس هدوءه:


- وثانيًا؟


 تنفست في حده واجابت:


- لما قلت لشدوى إني خطيبتك انا كنت شايفه الموضوع  أنه مجرد استغلال منك, واحد بينه وبين مراته شوية مشاكل وقرر انه ياخد موضوع خطوبتنا زي كارت ضغط عليها عشان بقى يتصالحوا.. عشان تصلح من غلطها.. عشان تراضيه, أيًا كان السبب فانا كنت فاكره إن الموضوع من الناحية دي , لكن طبعًا بعد اللي عرفته امبارح وإن اصلًا ابنها مش ابنك وكاتبه على اسمك وهو ابن حد تاني, وانك مش معتبرها مراتك من يوم ما اتجوزتوا, يبقى انا كل اللي كنت حطاه في دماغي وهم.. مش موجود اصلًا والموضوع اكبر من كده بكتير, ما يخصنيش اعرف انتَ ازاي كاتب عيل مش ابنك على اسمك, وما يخصنيش اعرف العلاقة ما بينكم عامله ازاي, بس يهمني جدًا افهم انا موقعي ايه في كل ده؟ دوري ايه في كل العك اللي انا شايفاه قدامي؟ المفروض إني الست الوحشه اللي دخلت خطفت واحد من مراته ولا اصلًا ما يعتبرش متجوز وعادي انه يخطب ويتجوز تاني!


 فرد اصبع ثالث لها وقال:


- وثالثًا؟


 -إيه أخرة كل ده؟ إيه آخر قصة الخطوبة والجواز و الحوارات دي كلها؟ النهاية هتكون إيه؟ يا ترى في الآخر هتعرفهم إن كل ده كان مسلسل هابط ولا هتفهمهم اننا ما اتفقناش فقررنا ما نكملش مع بعض!


رفع اصبعها الرابع لتقول قبل أن يسألها سؤاله السخيف:


- ورابعًا انا همشي امتى؟ هخرج من كل ده امتى؟


 ورفعت الأصبع الأخير وهي تقول:


- وخامسًا, انتَ ليه لحد دلوقتي ساكت وما بعتش البنت بالورق اللي انتَ قلتلي عليه على اساس أنه ده الورق اللي انا سرقته من خزنتك, والمفروض إني بعدها هسيب الفيلا وامشي قبل انتَ ما تكتشف اني سرقتك؟ بقالك كذا يوم ما عملتش أي حاجة جديدة ودي حاجة غريبة, غير إني كل ما اسألك مابطلعش منك بإجابه واضحة. 


 وقبل أن يرد سمعا دقات فوق الباب تبعها دخول الحارس يبلغه بوجود "معاذ" بالخارج يريد الدخول.


 نظرت له على الفور وقبل أن يجيب حارسه وقالت برفض قاطع:


- ما تفكرش تدخله وتطلعني قبل ما تجاوبني على كل اسئلتي, انا مش هتحرك من هنا غير لما تجاوبني.


 رفع حاجبه في حدة واضحة وهو يسألها:


- ده تهديد ولا لوي دراع؟


 لانت ملامحها وهي لا تريد أن تصل لطريق مسدود معه وقالت برجاء:


- لا ده ولا ده, بس لو سمحت ريحني انا من امبارح ما عرفتش انام من كتر التفكير وبرده ما وصلتش لحاجة.


 نظر لها لثواني صامتًا قبل أن ينظر لحارسه ويقول بما جعلها تتنفس براحه:


- خلي معاذ ينتظرني في الليفنج لحد ما اخلص كلام مع فيروز هانم.


 اومأ الحارس متفهمًا وخرج مغلقًا الباب خلفه, لينظر لها شاهين مرة أخرى وهو يجيبها في هدوء:


- طيب يا ترى انتِ عاوزه الحقيقة؟ ولا عاوزانا نكمل في لعبة اللف والدوران؟


 قالت بلهفة واضحة:


- لا طبعًا يا ريت الحقيقة, لأني بجد مش حمل أي لف ودوران.


 اشار لها على الكرسي التي كانت تجلس فوقه وقد اتجه ليجلس فوق الكرسي الآخر, فاتجهت تجلس مقابله في طاعه متلهفة لسماع اجابات لأسئلة أرهقت عقلها, خاصًة منذ أمس.


 نظر لها لبعض الوقت ثم قال:


- اولًا, أول الموضوع لما قلت لشدوى إنك خطيبتي فما كانش إني عاوز أحسسها بغيرة ولا اشوف رد فعلها ولا أي حاجه من الحاجات دي, لأن اصلاً العلاقة ما بيني وما بين شدوى انتهت ومن سنين, لكن في نفس الوقت ما بحبش اسيب حقي, ولو مر عليه 100 سنه باخده, وبنفس الطريقة وفي يوم من الأيام شدوى حسستني بنفس احساسها دلوقتي وهي شايفاني بدخل شخص تاني حياتي رغم انها المفروض موجوده فيها, فلما قلتلها انك خطيبتي انا بس كنت بوصل لها احساس هي عملته فيا زمان, عشان نبقى خالصين, ده بالنسبة لشدوى, واستخدمت نفس الموضوع عشان لما يوصل لمازن يلففه حوالين نفسه ويلخبطه لأنه عمره ما هيتوقع اني اخد خطوة زي دي, و لما اخدتها هو كده فهم اني ماشي بخطوات عكس اللي هو كان متوقعها, زي موضوع خطفي ليكي مثلًا هو عمره ما توقعه, حتى لو فكر في 100 طريقه اني احاول اوصلك بيها, ما افكرش في دي, ومازن لما بيتلغبط بيغلط, وانا بقى بستنى غلطه ده أوي.


 سألته في هدوء تسرب إليها بعدما بدأ يشرح لها و تفهم الأمور:


- طيب وليه اعلنت خطوبتنا قدام الناس كلها؟ ويا ترى قررت فجأة ولا كنت مرتب كل حاجة.


 ابتسم وعينيهِ تلمع بالمكر وقال:


- ما فيش حاجة بقررها فجأة, كل حاجة عندي بحسبلها كويس أوي..


ابتلعت ريقها بقلق وهي تشعر أن القادم سيصدمها.. 


الفصل التاسع من الجزء الثاني

فراشة في سكّ العقرب

ناهد خالد


"أي لعبة يجب أن يكون لها أصول، فمن قال أن كل شيء متاح في الحب والحرب كان مخطئًا بالطبع، فهناك أشياء لا يجب أن تدخل ضمن حروبنا وخططنا، هناك أشياء لا يمكن اللعب بها أو الرهان عليها.. كالحب مثلاً! "


مازال الحديث مستمر بين "شاهين وفيروز"


سألته في هدوء تسرب إليها بعدما بدأ يشرح لها و بدأت تفهم الأمور:


- طيب وليه اعلنت خطوبتنا قدام الناس كلها؟ ويا ترى قررت فجأة ولا كنت مرتب كل حاجة.


ابتسم وعينيهِ تلمع بالمكر وقال:


- ما فيش حاجة بقررها فجأة, كل حاجة عندي بحسبلها كويس أوي..


ابتلعت ريقها بقلق وهي تشعر أن القادم سيصدمها.. 


******** 

في المستشفى التي يمكث فيها مجد.. 


دلفت للغرفة بعدما دقت الباب ولم تجد رد، ولكنها تعلم أنه مستيقظ، فلقد قابلها والده أثناء خروجه ليجلب بعض الطعام له واخبرها أنه مستيقظا منذُ الفجر ولم ينم من ليله إلا ساعات قليلة لولا الأدوية المخدرة ما كان سينامها. 


التوتر والقلق سيقتلونها، فهي حقًا تخشى رد فعله فإن كان في ظروفه الطبيعية يثور عليها ويكره رؤيتها ماذا عنه الآن! ولكن على طبيعة الأحوال وعلى أي حال لم تستطيع أن تمنع نفسها من رؤيته والاطمئنان عليه. 


سحبت الكرسي المجاور للفراش لتبعده قليلًا للخلف وتجلس فوقه تنظر له وهو جالس نصف جلسه ناظرًا أمامه بصمت وشرود، وكأنه لم يشعر بها، لكنها متأكده أنه شعر بوجودها فقالت:


_ ازيك يا مجد يا رب تكون كويس النهارده؟ 


وكما توقعت لم تتلقى منه أي رد فاكملت بدموع غزت مقلتيها:


_ انا عارفه أنك يعني ما بتحبش تشوفني ولا بتحب تتكلم معايا، وأكيد وانتَ دلوقتي تعبان وزعلان مش حابب تشوفني اكتر، وانا والله ما كنتش عاوزاه اجي عشان مضايقكش، بس.... يعني ما قدرتش، ما قدرتش امنع نفسي إني اجي. 


وساد الصمت بينهما لثواني لم يكسرها هو ففعلت وهي تحدثه وكأنه نائم فلا يسمعها حقًا:


_انا حاسه بيك، يمكن ما تصدقنيش بس والله حاسه بيك، وعارفه يعني إيه الواحد فجأة حياته تتقلب وتتغير فيها حاجه هو متوقعهاش، انا بردو لما ابويا وقع فجأة من كام سنه، والدكتور قال إنه ما ينفعش يشتغل عشان قلبه ما بقاش يتحمل، ولقيت نفسي انا وابويا لوحدنا وما فيش حد يصرف علينا والمسؤولية كلها بقت عليا، حسيت بنفس اللي انتَ حاسس بيه دلوقتي، التوهه والوجع والحيره والصدمه، بس هنقول ايه... سبحان من يبدل حال بحال، وفي أول يوم قررت انزل اشتغل فيه قابلت راجل كبير في السن لقاني بعيط وواقفه في الشارع عامله زي التايهه، فسألني بعيط ليه وإيه حكايتي، وحكيتله وقتها هو كمان حكالي حكاية.. 


صمتت تحاول أن تلتمس منه أي اهتمام بما تقوله، وبالفعل لمسته حين رمش بجفنيهِ لأول مرة منذ أن دخلت للغرفة، وكأنه يفيق من شروده الواهي ليستمع لها فابتسمت وهي تكمل:


_قالي إن كان في ست ارمله عايشه في قرية هي وابنها الصغير، حالتها كانت صعبة جدًا، كانت عايشه في أوضه فوق السطوح في بيت قديم والفلوس اللي معاها بتكون على قد اليوم اللي هم فيه، يا دوب ياكلوا ويشربوا، وكانت رغم كل ده راضيه وبتعلم ابنها ازاي يحمد ربنا على أي حال هو فيه، لكن كانت كل مشكلتها لما بيجي الشتا، الاوضه سقفها ما كانش متعرش كويس فكان المطره بتنزل عليهم، لحد ما جه يوم كان المطر فيه شديد أوي عن كل الايام اللي قبله، فالست حضنت ابنها وقعدت وفضلت تعيط وهي مش عارفه تعمل إيه عشان تمنع المطر عنهم، لحد ما خطر لها فكره وقامت خلعت باب الاوضه وحطته على الأرض وسندته على حيطه فبقى عامل زي المظلة وقعدت تحته هي وابنها، فحما عنهم الميه اللي بقت تنزل على الباب وتنزل على الأرض بعيد عنهم، وقعدت وهي حاضنه ابنها تحت الباب لحد ما المطرة خلصت، فالولد اللي اتعلم منها الرضا بصلها وضحك وقالها يا ترى الناس الفقيرة اللي ما عندهاش باب نامت ازاي في المطرة دي؟! والولد هنا كان بيتكلم وكأنه غني مش عنده حتة باب يا دوب هو اللي حماه من المطر، والموضوع هنا كان أكبر بكتير من فكرة الباب، الموضوع هنا كان إن الولد ده بيدور على أي سبب في حياته يخليه يحمد ربنا ويرضى بيه. 


صمتت قليلًا تأخذ نفسها ثم قالت:


_يمكن دلوقتي حاسس إنك فقدت حاجه كبيره، ومش عارف ازاي حياتك هتمشي من غيرها، لكن لو فكرت فيها هتلاقي إنك اه فقدت جزء من جسمك، بس على الأقل لسه عندك القدرة إنك تشتغل و تتحمل مسؤولية نفسك ومسؤولية ابوك، يعني تخيل لو الموضوع كان أكبر من كده وحالتك اسوء كان الوضع هيكون ازاي، على فكره الدكتور قال لنا إن كانت  في خبطه في ضهرك شديدة، وقريبة من... من.... 


ظلت تحاول تذكر المسمى الذي قال عليه الطبيب لكنها فشلت فقالت بضجر:


_ حاجه كده مش فاكرة اسمها إيه، المهم انه قال لو كانت الخبطه دي أشد شوية، يمكن كانت عملتلك شلل.. فيا ترى بقى حالك دلوقتي أحسن ولا حالك لو كان لا قدر الله حصل زي ما الدكتور قال؟ 


وجدت عضلات وجه تتحرك بقلق واضطراب وكأنه لمجرد تخيله للأمر لم يستطع الصمود، فابتسمت وهي تُكمل:


_وقتها أكيد كنت هتكون عاجز أكتر من كده بكتير، ولو سألتني عن رأيي أنا مش شايفه ان انتَ دلوقتي عاجز اصلاً، انتَ عندك ورشتك بتاعتك انتَ يعني انتَ مش شغال عند حد عشان بعد اللي حصلك ده يطردك من الشغل، يعني لسه في ايدك تفضل مكمل في شغلك وفورشتك وتحمد ربنا أن الحادثه جت في ايدك الشمال، يعني لسه عندك ايدك اليمين تقدر تستخدمها وتكمل شغلك، انا اعرف ناس خسروا ايدهم الاتنين وبيعافروا ويشتغلوا، انا عارفه ومتأكده إن الموضوع مش بالسهوله دي، وان انتَ حقك تاخد وقتك عشان تتقبل الوضع الجديد وتستوعب الصدمه، بس في فرق ما بين إنك بتاخد وقت عشان تستوعب اللي حصلك، وما بين إنك خلاص استسلمت وشايف إن حياتك وقفت، إن ما بقاش لك لازمه زي ما قلت لأبوك امبارح، إحمد ربنا يا مجد على انها جت على قد كده، وانك خرجت منها بخسارة قليلة عن أي حاجه تانيه كانت ممكن تحصل، انتَ لو كان جرالك حاجه ما كنتش هتموت لوحدك، ابوك كان هيموت وراك, فكر في الراجل اللي ضيع شبابه كله عليك عشان يصرف عليك ويكبرك ويعلمك صنعة استندت عليها وقدرت بيها تعيش نفسك وتعيشه، فكر فيه انه مش بعد ما كبر ما بقاش يقدر على شغل ولا مرمطة انتَ كمان تتخلى عنه وعن مسؤوليتك ناحيته وتستسلم لوضعك ده، انا اسفه لو كان وجودي مضايقك بس زي ما قلتلك ماقدرتش امنع نفسي اني اجي اشوفك، وما اقدرش اوعدك اني ما جيش تاني طول ما انتَ في المستشفى.. 


انهت حديثها ونهضت تنظر له نظرة أخيرة قبل أن تخرج من الغرفة، لتتحرك رأسه تجاه الباب وكلماتها تعاد في عقله من أول وجديد وكأنها تتحدث له مرة أخرى وتبعث له قوة خفية ستعلن عن نفسها قريبًا وتجعله يتخطى ما حدث له... ومع نهاية كلماتها وإعلانها أنها ستأتي مجددًا ارتسمت الراحة على ملامحه بشكل غير مفهوم! 

*****

وفي مكتب مازن بقسم الشرطة.. 


تعالت ضحكات مدحت وهو يقول بعدما هدأت ضحكاته:


_مش قادر... يا لهوي... انا لما شفت الخبر كنت هموت واشوف شكلك، يا ابني ده شاهين سنترها.. يعني بص اديهالك في الجون.. طب بذمتك انتَ كنت تتخيل انه يعلن خطوبته بيها في وسط حفله زي دي؟ 


اخرج لفافة تبغه من بين شفتيهِ لينفخ دخانها وهو يقول بوجه واجم:


_ لا ما كنتش اتخيل، وانا من امتى كنت اتخيل حاجه  بيعملها عشان اتخيل دي، بس مش مهم كنت اتخيلها ولا لأ، المهم انا رديت بأيه... 


سند "مدحت" ذراعه على المكتب وهو يقول بتنهيده حالمة مصطنعة:


_ اه، اشجيني يا سوبر مان رديت بأيه؟ 


ضرب "مازن" سطح المكتب بكفه بقوة وهو يقول بغضب واضح لا يقبل النقاش:


_مدحت لو ناوي تاخد الموضوع تريقه يبقى وريني عرض كتافك أحسن. 


اعتدل "مدحت" في جلسته وهو يقول معتذرًا:


_خلاص يا عم ما تقفش، مش قصدي اعصبك، طب خلاص قول عملت إيه؟ 


نظر له لثواني بعينيهِ الغاضبتين وكأنه يفكر فيما سيقوله وقال فجأة:


_قلتلها إني بحبها. 


رمش "مدحت" باهدابه عدة مرات وكأنه يستوعب ما يسمعه وقال:


_ إيه؟ قلتلها إيه؟ 


نهض "مازن" يطفئ لفافته في المطفأه وهو يقول زافرًا انفاسه بضيق سافر:


_زي ما سمعت. 


نهض "مدحت" يقف أمامه يسأله بجهل:


_يعني إيه قلتلها بحبها؟ طب انا مش فاهم يعني هو ده ردك على اللي عمله شاهين؟ طب ايه علاقته! واصلاً ازاي تقولها إنك بتحبها فجأة كده؟ هو انتَ بتحبها فعلاً؟ انا مش فاهم حاجه! 


نظر له "مازن" نظرة حائرة وقال بتردد حقيقي:


_مش عارف... مش عارف إذا كنت بحبها ولا لأ، بس انا لقيت نفسي بقولها إني بحبها... أنا يمكن حاسس مشاعر جوايا ليها بس ما اعرفش إذا كانت حب ولا لأ. 


سأله "مدحت" مذهولاً:


_ وما دام ما تعرفش إذا كان حب ولا لأ، ازاي تعترف لها بحاجه زي دي وانت نفسك مش واثق و مش متأكد منها؟ انتَ كده بتلعب بيها لتالت مرة! بتلعب بيها يا مازن والمرادي غير كل المرات اللي فاتت، موضوع الحب ده بالذات ما فيهوش لعب ما ينفعش تخدعها في حاجه زي دي! 


مرر اصابعه في خصلات شعره بقوة يشد عليها وهو يقول بعصبيه:


_ما كانش قدامي حل تاني، انا حسيت انها ممكن في أي وقت بعد اللي شاهين بيعملوا واللي انا مش فاهمه تقلب عليا وتروح تعترف له فعلاً بالحقيقة، وتبقى معاه ضدي، انا كنت شايف وعارف انها مياله ليا، حسيت ان لازم ابينلها ان انا كمان زيها عشان اديها أمل في ده، فتفضل متمسكه بيا ومهما شاهين عمل ما تغدرش بيا، بس في نفس الوقت انا فعلًا حاسس بمشاعر ناح.... 


قاطعه مدحت بغضب حقيقي:


_ ما تقولش حاسس بمشاعر ناحيتها.. واضحه زي الشمس على فكره، انتَ اعترفت لها الاعتراف ده عشان بس تضمن إنها تفضل منحازة لك انتَ، تفضل معاك ما تتقلبش ضدك زي ما انتَ بتقول، عشان تضمن ان شاهين ما يكسبهاش لصفه.. 


قال فجأه خارجًا عن سياق الموضوع:


_تخيل نورهان حكيت لها انها بتجيلي المكتب وانا برفض اشوفها، ومتأكد مليون في الميه إنها قالتلها إن شاهين ما بيعملش معاها كده، وقد إيه أنا واحد قاسي وقلبي حجر. 


اشار "مدحت" له بسببته وهو يقول كأنه مسك عليه جرمًا:


_ شفت؟ انتَ دلوقتي اكدتلي إنك قلتلها كده عشان بس حسيت إنك مش على أرض ثابتة، وفي أي وقت ممكن تبدأ تشغل عقلها وتقارن وانتَ عارف انها لو قارنت في الوضع اللي هي فيه دلوقتي شاهين هيفوز، ويمكن ساعتها زي ما انتَ قلت تروح تحكي له على الحقيقة وتبقى في صفه هو ضدك، بس زي ما انا كنت من الأول رافض اللي بتعمله، دلوقتي انا رافضه أكتر بكتير.. اللي بتعمله غلط وحرام عليك ما ينفعش تعلق البنت بيك وانتَ اصلاً مش في دماغك. 


صرخ به في نفاذ صبر:


_ وانتَ مين قالك أنها مش في دماغي؟ هو انتَ ما بتسمعش؟ بقولك انا حاسس في مشاعر.. 


قاطعه مرة ثانية وهو يقول:


_ عشان انتَ منستش ليلى... عشان مش هتعرف تميل ولا تحب واحده غيرها طول ما هي جواك.. تنكر إنك لسه بتحبها؟ 


وصمته كان خير إجابة، فأكمل "مدحت" باشمئزاز من أفعاله:


_وعلى فكره انا بردو من موقعي ده شايف إن شاهين أنبل منك، على الأقل هو صريح وواضح وما بيستخدمش أساليب حقيرة عشان يكسب في لعبته. 


عقب "مازن" ساخرًا وقد اشتعل الغضب بداخله أكثر فأكثر ما يأجج غضبه أن يذكر أحدهم "شاهين" بالحسنى أمامه:


_ ما بيستخدمش أساليب حقيرة؟ ولما خطفها وهو عارف انها تخصني ده ما كانش أسلوب حقير؟ ولما أعلن خطوبته بيها وهو عارف انها بردو تخصني بردو ما كانش أسلوب حقير! 


أصر" مدحت" على موقفه:


_ لا ما كانش أسلوب حقير، لأنه لما أعلن خطوبته بيها هو عارف باللي هي حكته له ان دي لعبه ما بينكم، وانك اصلًا مفيش أي حاجه بينك وما بينها، ولما خطفها في الأول فهو كان بيردلك قلم انتَ عملته زمان ودخلت فيه الحريم بينكوا، بس ما شفتوش عذبها ولا موتها مثلًا ولا اذاها هي شخصيًا في حاجه، تبقى الأساليب الحقيرة اللي انا بتكلم عنها إنك بتأذيها هي في لعبتكم دي، مش بتأذي شاهين. 


رفع رأسه في عِناد واضح وهو يقول:


_ كل شيء مباح في الحب والحرب، واللي ما بيني وما بين شاهين حرب. 


اعترض مدحت:


_ اولاً دي جملة عقيمة، ما فيش حاجه اسمها كل شيء مباح في الحب والحرب، لأن في حاجات ما ينفعش تدخل طرف اصلًا لا في حب ولا في حرب، ثانيًا هقولهالك تاني انتَ بتلعب على الطرف الضعيف في الحكاية مش على شاهين، الحرب بينك وبينه، لكن انتَ بتأذيها هي في النص، وصدقني نهاية الموضوع ده كله مش هتخلص على خير. 


ولكن من يسمع ومن يعقل؟ فلكل منا شيطان يأتي من نفسه فيسوقه..! 


******


في مكتب شاهين بالفيلا... 


_جدي هو اللي كبر الموضوع في دماغي وخلاني اشوفه من منظور تاني. 


نظرت له بجهل لفهم مغزى حديثه وسألته:


_ يعني ايه تشوفه من منظور تاني؟ 


نقر بأصابعه فوق المكتب لثواني وكأنه يفكر فيما سيقوله ثم قال:


_جدي كان حاسس ان في حاجه في الموضوع مش طبيعية، لأن أبسط حاجه لو كان في موضوع خطوبة فعلًا أكيد كنت هقوله قبلها بمدة طويلة، عشان كده بعد كام يوم من معرفته بالخبر كلمني، ووقتها أنا اعترفت له أن الموضوع كله مش حقيقي، وقبل الحفلة بيومين في مكالمة ما بينا فتح معايا الموضوع تاني وقتها لقيته بيقولي…


"وليه ماتقلبش التمثلية حقيقة, لو شايف إن البنت دي تنفعك ولو 50% وتستاهل تشيل اسم شاهين المنشاوي ليه ما تعملش كده! شاهين أنتَ بتكبر ولازم يكونلك اولاد من صلبك, أه بتعتبر تيم زي ابنك بس هو في الآخر مش ابنك, لازم تستقر يكونلك عيلة وزوجة تكون واجهة اجتماعية كويسة ليك, وانتَ عمرك ما هتختارها لا بالحب ولا بالإعجاب, لأن بعد اللي حصل زمان الستات بقت مابتلفتش نظرك اصلاً وطول الوقت مركز في شغلك وبس, ليه ما تعتبرش البنت دي ربنا بعتها ليك عشان تكون من نصيبك! لو عاوز نصيحتي لو متقبل وجودها في حياتك ولو بنسبة بسيطة ومتقبل إنها تكون مراتك, ماتضيعش الفرصة من ايدك" 


-انتَ روحت فين؟


سألته حين طال شروده وصمته فقال منتبهًا لها:


-يعني قالي إني محتاجة اكون عيلة ويكون عندي اولاد, فليه ما تكونش خطوبتنا حقيقة ونكمل سوا .


سألته بأعين جاحظة:


-مين؟ مين دول اللي يكملوا سوا؟؟


رد في هدوء تام:


-أنا…وأنتِ.


******

شركة مختار المنشاوي.. 

وفي مكتبه.. 

كان يتحدث في الهاتف إلى والده وبكل غضب وعصبية يقول:


_أنا مش هقبل بالمهزلة دي تحصل، مش بنت مختار المنشاوي اللي جوزها يتجوز عليها قدام المجتمع كله. 


رد الجد في هدوء:


_لو عاوز ترد كرامة بنتك من شاهين بعد اللي حصل امبارح... خليها تطلب الطلاق، وده احسن رد اعتبار ليها، الناس هيقولوا مقبلتش على نفسها جوزها يتجوز عليها فاطلقت. 


ثار شيطان غضبه أكثر وقال:


_ويروح يتجوز الجربوعة اللي جايبهلنا لا ليها اصل ولا عيلة وبعدها تقنعه يطعن في نسب تيم له عشان تكوش هي وعيالها منه على املاكة كلها. 


سأله الجد مندهشُا:


_هو انتَ يهمك بنتك وكرامتها، ولا أملاك شاهين؟ 


_ يهمني أنه مايطعنش في نسب تيم، لأني مش هتحمل الفضيحة دي وقتها، ومش بعد محاربتنا زمان عشان نلم الفضيحة ييجي بعد السنين دي كلها والكل يعرفها. 


_ ماتقلقش يا مختار شاهين عمره ما يعمل كده، ولو مش عشانك ولا عشان بنتك فعشاني أنا، متنساش إن الفضيحة دي هتلط سمعتي بردو. 


_ وليه بتتكلم كأن مليش حق اخاف على أملاك شاهين؟ هو انتَ ناسي ان غير أملاكه هو له نسبه في شركتي؟ 


احتدت نبرة الجد وقال:


_ويا ترى ده يديك الحق إنك تحرمه يكونله أسره وعيال! لو ده اللي مضايقك اتكلم مع شاهين وخليه يخلص نصيبه في شركتك، اللي هو نصيب أبوه اللي يرحمه، أنا رفضت زمان عشان خوفت شركة شاهين تقع ومايلاقيش حاجه يتسند عليها، لكن دلوقتي هو مش محتاج نصيبه في شركتك، كلمه وخلصوا الموضوع سوا. 


أردفت بتعنت:


_هكلمه وهنخلص الموضوع بس بردو مش راضي بجوازه من البت دي. 


على صوت الجد وهو يردف بغضب:


_ انا عاوز افهم هو انتَ وبنتك عاوزين ايه؟ احمدوا ربنا ان شاهين اتستر عليها زمان وكتب الواد باسمه، ولولا انه عمل كده كنا حطينا راسنا في الطين من سنين... عيلة المنشاوي اللي طول عمرها يتهزلها الف شنب ولها اسمها وسيرتها الكويسة بنتك كانت هتمرمغ بيها الأرض، كنا هنقع ومش هيقوم لنا قومه بعد اللي بنتك عملته، وبعد ما راحت غلطت مع واحد لحد دلوقتي احنا ما نعرفش هو مين، ولحد دلوقتي هي مش عاوزه تعترف عليه، بنتك لولا أن شاهين رحمها زمان كان زمانها ميتة وانا اللي كنت هقتلها بايدي. 


_ يابابا.. 


حاول "مختار" الحديث ليقاطعه الجد بنفس غضبه:


_ أنا اللي هجوزهم يا مختار، واللي هيقف في وشي أو في وش سعادة حفيدي أنا اللي هربيه من أول وجديد اوعى يكون كِبر سني نساك مين هو المنشاوي ونساك أنا محيت كام شخص من طريقي لما فكروا زمان يقفوا قدام مصلحتي. 


وأغلق الخط فورًا... وكان تهديدًا واضحًا ل"مختار" بألا يفكر في التدخل.. 


*******

فيلا شاهين المنشاوي... 

كانت مازالت في صدمتها حين دلف الحارس مسرعًا يبلغ شاهين:


_ شاهين باشا..المنشاوي بيه طالب حضرتك والهانم بره وباين عليه أنه متعصب على الآخر. 


نهض "شاهين" مسرعًا في قلق على جده فالغضب يرفع من ضغط دمه لدرجة أحيانًا تفقده الوعي، واتجه للخارج ليتوقف على باب الغرفة وهو يراها مازالت جاحظة العينين وتجلس محلها بعد اعترافه الصادم، فاتجه لها يلتقط كفها وهو يقول:


_مش وقت صدمة... 


وسحبها خلفه للخارج لتنتبه لِمَ يحدث، ولكنها لم تسمع جملة الحارس فلا تعرف لِمَ يسحبها هكذا! 


توقف ووقفت جواره وهو مازال ممسكًا بكفها ورمشت بأهدابها حين رأت الجميع ما عدا "نورهان" التي مازالت في عملها "وتيم" الذي يلعب في الحديقة يجتمع أمامها، والجد واقفًا في المنتصف مستندًا على عصاه الذهبية وقال بصوت قوي:


_ اللي هقوله دلوقتي هيتنفذ، ومش هقبل أي اعتراض من أي حد... 


مرر نظره على الجميع ليجدهم قلقون ومترقبون للآتي، فقال ناظرًا لشاهين وقد لانت نظراته:


_ أنا زمان غصبتك تتجوزها وجبت المأذون وكتبت كتابكوا وأنا عارف إنك رافض، وزي ما عملت ده زمان من غير ما اسمع لحد، دلوقتي ومن غير ما اسمع لحد بردو.. كلمت المأذون وجاي في الطريق عشان يطلقكوا.. واصلح غلطي في حقك من سنين. 


صرخت "شدوى" وقد أصابها الجنون:


_يعني إيه؟! أنا... أنا مش عاوزه أطلق... مش موافقة.. 


نظر لها الجد بصرامة:


_ موافقتك ملهاش لازمة، أنتِ تحمدي ربنا إني ماقتلتكيش لما اكتشفنا حملك ورفضتي تقولي من مين.. واحدة زيك ملهاش عين ترفض ولا تقبل جوازها ولا طلاقها.. 


عاد ينظر" لشاهين" الذي رأي الراحة ترتسم على وجهه لأول مرة منذُ سنوات، وقال:


_ وتبلغ رجالتك يرتبوا الأمور عشان كتب كتابك على فيروز هيكون بعد بكرة. 


وفيروز! هل لها أن تفقد الوعي!!!! 


تابعوووووووني 



رواية بنات نادر والقدر من هنا


رواية فراشة في سك العقرب من هنا


رواية حياة فارس الصعيد من هنا


رواية شيطان امرأه كامله من هنا


رواية في عيوني حكايتها من هنا


رواية وعد من هنا


رواية زواج مع إيقاف التنفيذ من هنا


رواية ملياردير الصعيد من هنا


رواية معا تحلو الحياة من هنا








رواية وتبقي لي كامله من هنا


رواية زوجة أخي من هنا


رواية عشق لايموت من هنا


رواية ديب كامله من هنا


رواية عشقني متوحش من هنا


رواية حوريه في الجحيم من هنا


رواية عاشق بدرجة مجنون كامله من هنا


رواية سر الشيطان الأسود كامله من هنا


رواية العنود كامله من هنا


رواية رحيل الهواري كامله من هنا

رواية دكتور قلبي كامله من هنا


رواية انكسار امرأه كامله من هنا


رواية عشق بلا رحمه كامله من هنا


رواية جرح يداويه العشق كامله من هنا


رواية ظل حب قديم كامله من هنا


رواية من أجل أبنائي تزوجتك من هنا


رواية زواج لدقائق معدودة كامله من هنا


رواية بسمه موجوعه كامله من هنا


رواية معشوقتي الصغيره كامله من هنا


رواية طلاق بلا تبرير كامله من هنا


رواية شهد حياتي كامله من هنا


رواية العاصفه كامله من هنا


رواية الفرار من الحب كامله من هنا


رواية توكيل زواج كامله من هنا


رواية شوق العمر كامله من هنا


رواية مستشفى بلا حياه كامله من هنا


رواية كيان الزين من هنا


نسيم العاصف من هنا


رواية فرقتنا الظروف وجمعنا القدر من هنا


نوفيلا الراهب كامله من هنا


رواية العشق الأخير من هنا


رواية زينه من هنا


غاردينيا من هنا


رواية الجميله والوحش من هنا


رواية دكتور نسا من هنا


رواية آصرة العزايزه من هنا


رواية رحلة قدر من هنا


رواية ليالي الغول من هنا


رواية لعنة الإرث من هنا


رواية متمرده عشقها الشيطان من هنا


رواية عذرا لقد نفذ رصيدكم من هنا


رواية لعبه بين يديه من هنا


رواية نار قلبي وانكسار فؤادي من هنا


رواية قاصره في قلب صعيدي من هنا


رواية ملياردير الصعيد من هنا


رواية وتبقي لي من هنا


رواية عشق الحور من هنا


رواية طلاق غيابي من هنا


رواية اغتصب روحي من هنا


رواية غصن من هنا


رواية بلا ذاكره من هنا


رواية عودة الذئاب من هنا


رواية الجامحه والبدوي من هنا


رواية الحب والخطيئه من هنا


رواية جبرونا عالزواج من هنا


رواية لعبة الحب من هنا


رواية لما القلب بحب من هنا


رواية إبن الصعيدي من هنا


رواية مالم تخبرنا به الحياه من هنا


رواية بائعة الخضار من هنا


رواية مشكله عائليه من هنا


رواية غريق علي البر من هنا


رواية اللعب مع الشياطين من هنا


رواية كم من قلوب احرقت


رواية جمعتهم الاقدار من هنا


رواية مشكله عائليه من هنا


رواية لي نصيب من إسمي من هنا


سكريبت بنت الشارع من هنا


رواية طريقي كامله من هنا


رواية أحببت مربية ابنتي كامله من هنا


❤️🌺❤️💙🌺❤️💙🌺❤️💙🌺❤️💙🌺❤️💙🌺


الروايات الكامله والحصريه من هنا


انضموا معنا على تليجرام ليصلكم اشعار بالروايات فور نزولها من هنا


🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺

اتفضلوا حضراتكم كملوا معنا هنا 👇 ❤️ 👇 


روايات جديده هتعجبكم من هنا


أجدد وأحدث الروايات من هنا


روايات كامله وحصريه من هنا




وكمان اروع الروايات هنا 👇


روايات جديده وكامله من هنا


انضموا معنا على تليجرام ليصلكم اشعار بالروايات فور نزولها من هنااااااااا

🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺





تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
CLOSE ADS
CLOSE ADS
close