رواية عذرًا لقد نفذ رصيدكم الفصل الأول والثاني والثالث والرابع والخامس بقلم الكاتبه فاطمه طه سلطان حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات
جملة قد تكون محفورة في ذهنك بسبب هاتفك أو رصيدك في حسابك البنكي لكن لا أظن بأنك قد فكرت بها يومًا وتأملتها لمدة ثواني أنتَ فقط سوف تسخر من العنوان، لذلك هنا جئتُ لأغير مفهومك عنها، وأن أضيف معنى أخر معنوي لها، لذلك أخبرني هل تأملت رصيدك في الحياة وما قدمته، وما أدخرته.. هل سبق وفعلت؟!!
ولو فعلت هل تظن بأنك تركت رصيد كافي في نفوس من يحبونك يجعلهم يتحملون أفعالك وتصرفاتك؟!!
وبعدها أخبرني هل رصيدك في الحب كان كافيًا ليجعل شريكك أو حتى صديقك يغفر لك ما أقترفته أم أن رصيدك قد نفذ؟!
-شــــارع خــــطــاب-
هناك الكثير من الشوارع المزدحمة المليئة بالأشخاص التي تسير كل يوم أمامك لا تلاحظ ولا تستطيع أن تقرأ وجوهها ومعرفة حكايتها، لذلك جئتُ لك بـ شارع خطاب في أحد الأحياء الشعبية المكتظة بالسُكان، حتى نبحث سويًا وندخل إلى أعماقهم ، فـهناك أحلام تهدم وتحطم، عيون لا تنام خوفًا من مسؤوليتها في الغد، قلوب تتغافل عن مشاعرها لأن الحياة صعبة جدًا أن تعيشها شخصًا عطوفًا، حب يتم قتله قبل أن يبدأ، حب أخر يبدأ دون أن يتم معرفة رأيك الشخصي...
![]() |
مـشــاعــر غير محددة..
ومن المهم جدًا معرفة سبب تسمية الشارع بـــ خطاب
لأن عائلة خطاب أقدم عائلة في المنطقة سكنت هذا الشارع وهذا الاسم يعود إلى أكبر جد فيها، هذا ما يُقال دومًا على لسان "المعلم زهران خطاب" صاحب اللحوم والاضاحي الطازجة والمشاوي الرائعة.
وفي الحقيقة الحكاية لا تتوقف عند شارع خطاب فقط وليست القصة كلها فيه، لكن الحكاية دومًا تبدأ منه وتنتهي عنده مهما ذهبنا إلى عدة أماكن؛ لذلك أنتَ مدعو إلى رحلة ليست بالقصيرة ولا بالطويلة ولكنها ستغير بك الكثير...
الفصل الأول من عذرًا_لقد_نفذ_رصيدكم
شارع_خطاب
بقلم fatma_taha_sultan
____________
اذكروا الله.
دعواتكم لأهلكم في فلسطين والسودان وسوريا ولبنان وجميع البلاد العربية.
___________
بداية القصة دومًا ما تصف علاقة البطل والبطلة أو حتى مشهد قد يثير الفضول بداخلك لمعرفة الحكاية، لكن البداية هنا مختلفة سوف نبدأ بالتحضير إلى الهجرة...
**
إيطاليا..
هي الوجهة التي سوف يتجه لها طارق البالغ من العمر سبعة عشر عامًا عن طريق الهجرة الغير شرعية، أصبحت كل الطرق أمامه مسدودة، ويريد أن ينفق على عائلته بعد وفاة والده، لذلك حاول تدبير ما تحتاجه تلك السفرية من نقود والآن يجلس في وسط أصدقائه المقربين جدًا، بعدما قام نضال بدعوتهما على العشاء في أحد المطاعم توديع لهما، رغم انزعاجه الشديد هو ودياب من أمر سفر طارق لكنه كان مصممًا ولم يستطع أحد أن يفرض عليه رأيه؛ هو أعلم بظروفه واحتياجاته في النهاية، طارق، دياب ونضال في المرحلة العمرية نفسها، يسكنون في المنطقة ذاتها، طارق ونضال في نفس الشارع - شارع خطاب - أما دياب يقطن في شارع أخر لكن في المنطقة نفسها.
تمتم طارق بعدما انتهى من تناول الطعام كحال دياب ونضال:
-إيه التكشيرة دي؟!.
أردف دياب بنبرة جادة مصرحًا بمخاوفه:
-علشان مش موافقينك على اللي بتعمله ده وأنتَ عارف من الأول السفر بالطريقة دي غلط، كام مركب غرقت يا طارق؟!!! بلاش اقولك على اللي هيحصل بعد كده من بهدلة ليك.
صمت حل على الجميع حاول طارق القضاء عليه وهو يهتف بنبرة حاسمة:
-اللي هيحصل هنا بهدلة وهناك بهدلة ومحدش ضامن عمره يا دياب أهم حاجة اني اعرف اصرف على أمي واخواتي مكنش قاعد جنبهم حاسس بالعجز.
قال نضال أخيرًا وهو يشعر بأن المحادثة قد تتخذ منحنى غير جيد:
-خلاص مبقاش يفيد الكلام في حاجة طارق خلاص مسافر بكرا، ان شاء الله يوصل بالسلامة ويطمنا عليه.
عقب دياب على حديث نضال بنبرة هادئة:
-يارب.
أردف طارق بنبرة هادئة وهو ينظر لهما بحب حقيقي وتقدير؛ هما ليسوا أصدقاء فقط بل أشقاء:
-أول ما اوصل ان شاء الله هطمنكم عليا وان شاء الله هكون معاكم على تواصل علطول أنا عمري ما هتخلى عنكم أنتم حياة طارق وصحبته وعشرته الحلوة.
ابتلع ريقه ثم تحدث بحسرة وهو يتذكر شقيقه الأكبر:
-أنا كمان سايب عيلتي أمانة ليكم أحلام وأسراء وأمي هنا وأنا مش قلقان عليهم علشان أنتم هتكونوا في ظهرهم مكاني، أنتم عارفين أخويا أشرف مع أنه الكبير بس ايده والقبر ملهوش دعوة بأي حاجة مراته مخليانا نشوفه في المناسبات والحياة وخداه.
رد نضال عليه بهدوء:
-امك واخواتك في عيونا يا طارق متقلقش ولا تشغل بالك أهم حاجة تخلي بالك أنتَ على نفسك.
تحدث طارق بنبرة متألمة لم يفهم أو يستشعر أحد ألمها أو يعرف سببه غيره هو، ولكنه قالها وهو يمرح معهما:
-ان شاء الله بس تفضلوا قاعدين مستنيني لغاية ما اعرف انزل اجازات واحضر فرحكم وبلاش يا نضال تستعجل ما أنا عارف أول واحد هتتجوز فينا والعروسة موجودة.
تمتم نضال بنبرة عادية:
-يا عم لسه بدري على الكلام ده وبعدين..
قاطع دياب هذا الحوار ساخرًا:
-اه نقعد فوق الثلاثة عشر سنة علشان نتجوز ساعتها نكون هنركب طقم سنان نضال عايز يستنى يستنى أنا هتجوز أول واحد فيكم اخلص بس الدبلوم الفقري ده واعمل المعادلة وادخل الجامعة ويحلها الحلال ساعتها.......
تم توديع مسافر ومــــرت ســنــوات....
وطـارق في غربته لكن كما وعد الثلاثة بعضهم لم تنقطع العلاقات أبدًا، وظل على تواصل معهم يوميًا، كانوا هم الونيس له في رحلته عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وظل طارق يعمل كل شيء تخيله أو لم يتخيله من أجل أن ينفق على عائلته، كحال دياب لكنه لم يجد السفر حلًا بأن يجلس بعيدًا عن عائلته وما جعله يتأكد من أن اختياره كان صحيحًا حينما توفت والدة طارق ولم يستطع أن يهبط لتوديعها والسير في جنازتها بسبب سفره هربًا وسفره قبل قضاء الخدمة العسكرية.....
_____________
في صباح يوم جديد...
بعد صلاة الظهر ولج إلى محل الجزارة رغم أنه أصبح مسوؤلًا عن المطتم المختص بالمشاوي "وحلويات الجزارة" الذي يُسمي خطاب والذي افتتحه قبل عامين فقط، إلا أنه يأتي إلى الجزارة أولا يقوم بتجهيز المحل مع الصبيان التي تعمل معه مثل إخراج وتنظيف السكاكين اللذان يعملان بها، ويخرج اللحوم من الثلاجات معلقًا إياها بالخارج، نضال يبلغ الآن من العمر سبعة وعشرون عامًا، تخرج من كلية الحقوق لكنه لم يعمل بها، يمكث في المنزل الخاص به وعائلته، يجلس في شقة مع شقيقه الاصغر سلامة الذي يبلغ من العمر أربعة وعشرون عامًا، ويجلس والده مع زوجته التي ينسى عددها في شقة، وشقة أخرى تجلس فيها ابنة عمه سامية برفقة والدتها انتصار.
ما أن انتهى من تلك التجهيزات وقع بصره على سامية التي هبطت من البناية، لاحت شبح ابتسامة على وجهه ولم يفكر أو ينتظر أكثر مهرولًا نحوها، ملتهمًا المسافة بينهم ملقيًا على مسامعها تحية الصباح وهو يجدها تحمل حقيبتها الكبيرة التي تخص عملها ولا تفارقها:
-صباح الخير يا سامية..
وقفت مبتسمة له بسمة صفراء معلقة على الاسم الأخير:
-اسمي ساسو مش زفت سامية هقولهالك كام مرة؟؟.
امتعضت ملامحه من أسلوبها الجاف قائلًا:
-هعتبر نفسي مسمعتش كلامك ولسانك الطويل اللي عايز قصه ده وقوليلي رايحة فين على الصبح كدة.
قال الأخيرة متفحصًا هيئتها وزينتها البسيطة ردت بهزل مستهزءة به:
-رايحة العب وبعدين أنتَ مالك اصلا؟!.
تمالك أعصابه وغضبه بصعوبة بالغة مغمغم:
-أنا مالي؟! هو أنتِ مبتعرفيش تكلمي زي البني الآدمين؟.
-لا مبعرفش ووسع بقى هتاخر على الشغل.
تحدتث بصرامة تزامنًا مع صوت عمها زهران الذي كان يهبط في الوقت نفسه من المنزل وقاطع الحديث وهو يحثها على الاقتراب:
-في إية يا ولاد على الصبح؟! الواد ده بيضايقك ولا إيه يا سامية؟!.
ابتسمت مجبرة واقتربت منه على مضض بينما ابتسم نضال؛ فمهما فعلت ستظل بنظرهم سامية وليست "ساسو".
كاد نضال أن ينفي لولا اندفاع سامية تتحدث بغضب:
-اه يا عمي أنا متأخرة لوحدي على الشغل وهو موقفني يعطلني زيادة وعمال يستجوبني.
اقتحم نضال الحوار وهو يدافع عن نفسه:
-بعطلك إيه ده أنا لسه كنت هعرض عليكي إني أوصلك.
قالت سامية بعصبية:
-شكرًا مستغنية عن خدماتك.
نظر لهما زهران بغضب حتى ينهي هذا الجدال:
-خلاص يا سامية متبقيش حماقية كدة ويلا الحقي شغلك في أمان الله يا بنتي وعايزين نشوف حوار العربية ده بدل ما تركبي مواصلات وتتبهدلي اخدك واختار ليكي أحسن عربية واللي تشاوري عليه.
ابتسمت له بسعادة بالغة ثم تركت قُبلة على وجنتيه متمتمة:
-ربنا يخليك ليا يا أحلى عمو في الدنيا كلها.
ثم قامت بتوديعه مغادرة المكان تاركه الآخر يشتعل، متحدثًا بنبرة منزعجة:
-هو أنتَ بتنصرها عليا يعني؟!.
رد عليه زهران بعقلانية:
-البت مش هتيجي بالطريقة دي الستات بتحب اللي يأخذها على قد عقلها مش يقعد يستجوبها ويتخانق معاها في الرايحة واللي جاية أسالني أنا ما أنتَ عارف أبوك خبرة يا واد.
أنهى حديثه وهو يبتسم ويغمز له يريد أن ينسيه ما حدث، ثم رفع زهران صوته وهو يشير إلى أحد الصبيان بنبرة متحفزة:
-مش قايلكم نازل؟! محدش جهز الشيشة ليه؟!..
أما على الطرف الآخر...
خلعت سامية حجابها عن رأسها واستقلت سيارة أجرة بعدما ابتعدت مسافة مناسبة عن الشارع، وبعد نصف ساعة كانت تهبط منها، لتسير على قدميها قليلًا وعيناها تبحث عن المنزل المنشود والتي آتت كي تزين صاحبته من أجل زفافها الذي سيقوم الليلة؛ فهي تعمل خبيرة تجميل ولديها عدد كبير من المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي..
انتشلها من شرودها وهي تتأمل الفيلا المقام بها حفل الزفاف، صوت الحارس مردد:
-حضرتك مين؟!.
-أنا الميكب ارتست مش هنا فرح ياسمين عادل؟!
-ايوة اتفضلي، دقيقة هبعت حد لحضرتك يشيل الشنطة.
_____________
هبط سلامة من المنزل ثم سار بضعة خطوات حتى توجه صوب البناية التي تسكن بها خطيبته جهاد برفقة عائلتها المكونة من والدتها يسرا وشقيقتها الكبرى سلمى، الجدير بالذكر بأن سلامة وجهاد تخرجا من الكلية نفسها، ويعمل الاثنان معًا في شركة خاصة بالسياحة؛ وفي الغالب يذهب الاثنان معًا إلا إذا حدث تغيير في "الشيفت"....
كان سلامة يسير معها كعادة كل يوم وهو يتحدث معها عن زوجة والده الجديدة أو السابعة، التي تختلف عن أي زوجة تزوجها بل هي أصغرهم..
كان رد جهاد خطيبته عليه لامباليًا:
-هي أول مرة يا سلامة ابوك يتجوز، ده أنا من ساعة ما اتخطبنا ودي ثالث ست ابوك يتجوزها في أقل من سنتين، إيه اللي جد يعني؟! ده ابوك بيغيرهم ولا كأنه بيغير سكاكين الجزارة بتاعته اللي بتعمر معاه عن كده.
تحدث سلامة بانزعاج واضح وسُخطٍ:
-هو أنتِ لازم تاخدي الموضوع تريقة وخلاص أنا غلطان أني بحكيلك حاجة هبقى أشوف حد غريب احكي ليه إيه اللي خانقني.
وقفت جهاد لتتحدث بـغضبٍ:
-أنتَ صاحي تقول شكل للبيع ومش كفايا أنك نزلت بوست وقولت لشاهندة كل سنة وهي طيبة امبارح.
صاح هو الاخر بغضب:
- دي زميلة لينا عادي ماجرمتش وبعدين آه بقول شكل للبيع ومتعليش صوتك عليا وأنتِ بتكلميني أنتِ سامعة؟!!.
هتفت جهاد بانفعال:
-لا هعلي صوتي براحتي، تصدق أنا هروح الشغل لوحدي، هي اصلا خطوبة مش نافعة.
-وأنا بقول برضو أننا مش نافعين.
رمقته بغيظٍ ثم أخذت تسير بسرعة شديدة ويتبعها هو الآخر، فلم يكن هناك سبب للمشكلة ولكنها حدثت بالنهاية ككل مرة..
_________
قامت انتصار بعمل فنجان القهوة إلى المعلم زهران شقيق زوجها الراحل منذ سنوات، وهي تقطن في البناية في شقتها هي وزوجها برفقة ابنتها سامية، أتى للحديث معها في أمر سامية ونضال وباب الشقة كان مفتوحًا لأنها تجلس بمفردها.....
-أنا طلعت علشان اتكلم معاكي في موضوع سامية ونضال بصراحة أنا مش عاجبني حالهم، وأنتِ عارفة نضال بيحبها وبنتك منشفاها معاه خالص وقافلة دماغها حاولي تعقليها يا انتصار محدش هيحبها ويحافظ عليها زي ابن عمها.
قالت انتصار بصدقٍ:
-والله يا معلم زهران أنا أمنية حياتي البت تلين دماغها، ده نضال وسلامة دول تربية ايدي يعني، وأنا عارفة أن نضال بيحبها.
تحدث زهران بنبرة ذات معنى وهو ينظر لها:
-بنتك مش عجباني يا انتصار بعيدًا عن حوار نضال من ساعة ما اشتغلت كوافيرة ولا مسكب ارتست الاسم الجديد اللي مطلعينه ده مش عاجبني وحاسس أنها اتغيرت ونظريتها للأمور اختلفت وكأنها مستعرية من عيشتها أو من أصلها...
تلون وجه انتصار ولا تعلم ما الذي ترد به عليه هو محق ابنتها تغيرت بالفعل لكنها حاولت الحديث بنبرة متوترة:
- أنتَ عارف البنات والشباب في السن ده بيحاولوا يعرفوا الدنيا ويجربوا لكن البت مفيهاش حاجة وبعدين برضو نضال مش عارف يجاريها ولا يقولها كلمتين حلوين دايما واقف ليها على الواحدة والبت عنادية.
أخذ زهران رشفة من فنجان القهوة هاتفًا ببساطة:
-أنا بقولك اللي شايفه في النهاية دي بنت اخويا حتى لو ملهاش نصيب مع ابني هي بنتي وتحت حمايتي وعلشان متفتكرش إني بتكلم علشان اقنعها بنضال مع ان نضال ابني ألف واحدة تتمناه هي بس اللي سايقة العوق ومش عارفة قيمته، كلمي بنتك وعقليها أنها تهدى وتقلل من الفيديوهات اللي بتعملها أربعة وعشرين ساعة دي، هو احنا محتاجين فلوس أصلا لشغلها ده؟!.
-الموضوع مش موضوع فلوس يا معلم.
هتف زهران بجدية وهو ينهض بعدما أنهى قهوته ووضع الفنجان على الطاولة:
-انا جيت وقولتلك اللي أنا حاسه أنتِ امها واكتر حد المفروض تسمع كلامه، عقليها كده وخليها تهدى وتتعدل من تاني وبلغيها أني اول الشهر هاخدها تنقي العربية اللي تعجبها هي والواد سلامة.
-حاضر يا حج.
______________
بعد انتهاء دوامه غادر وهو يشعر بالغضب يتمكن منه فقد أدرك منذ لحظات بأنها قد غادرت عقب انتهاء عملها ولم تنتظره، بالطبع لن تترك تلك الفرصة كي تخلق شجار بينهم، اخرج هاتفه وهو يوقف سيارة أجرة وحاول الاتصال عليها لم تجيبه في البداية لكن بعد محاولتين منه ردت في الثالثة وكأنها لم تفعل شيء:
-ايوة...
تحدث سلامة منفعلًا:
-أيوة في عينك، أنتِ من امتى بتمشي من غيري؟خلاص بقيتي تعشقي الخناق والنكد زي عينيكي، مفيش يوم يعدي علينا حلوين لازم كل يوم خناق.
رفعت حاجبيها واتسعت عيناها مذهولة من اتهامه إياها بما يفعله هو قائلة بعصبية:
-بجد والله أنا اللي بعمل كل ده وأنتَ بقى الملاك اللي بجناحين صح؟؟ لو حضرتك ناسي يا أستاذ سلامة أحب افكرك انك أنتَ اللي بدأت خناق وأنتَ اللي غلطان.
-ده أنتِ اتلككتي بحوار البوست اللي نزلته لـ شاهندة وكبرتي الموضوع مع أنك أنتِ كمان نزلتيلها بعدي..
قاطعته جهاد بغضب وغيرة واضحة:
-نزلته مجبرة ما هو مش معقول خطيبي ينزلها وأنا لا يعني وبعدين متقلبش التربيزة عليا عشان خلاص حفظت الشويتين دول.
-لا معلش بقى الشويتين دول أنتِ اللي بتعمليهم.
ثم وجه حديثه إلى السائق هاتفًا بغضبٍ:
-على جمب يسطا...
دفع الأجرة ثم هبط من السيارة وتحدث بانفعال وهو يتذكر نظرات السائق له المتابع للحوار:
-عارفة يا جهاد لو مشيتي من غيري تاني هعمل فيكي إيه؟!..
ردت ساخرة ثائرة وهي تخلع خاتم الخطبة من يديها تضعه في علبة الشبكة الحمراء:
-مش هتلحق عشان خلاص خلصت، واتفضل دلوقتي تعالى تحت الشباك عشان انزلك شبكتك.
-يا سلام وماله أنا اصلا طقهت منك ومبقتش عايزك ولا مستحمل نكدك.
انتشلت (السبت) واضعه داخله الشبكة وتحركت نحو الشرفة تنظر بالاتجاه الذي يأتي منه لمحته يقترب فصاحت به على الهاتف وهي تقوم بأنزال الحبل المتصل بـ (السبت):
-اتفضل ادي شبكتك اهي، ابقى روح أخطب شاهندة ومتخافش هنزلكم بوست ابارك لكم فيه يا أبو عين زايغه ميملهاش إلا التراب.
نظر لأعلى مراقبًا هبوط السبت وما أن وصل إليه حتى انتشل الشبكة من داخله قائلًا لها بالهاتف وعيناه تناظر وجهها بالاعلى:
-مش هتلحقي هكون بلكتك من أساسه.
_______________
تحرك "دياب" الذي يعمل بذلك المقهى الراقي الذي عمل فيه بصعوبة بالغة؛ وها هو يذهب قاصدًا إحدى الطاولات التي يجلس عليها مجموعة من الفتيات المدللات والتي يظهر هذا بوضوح على هيئتهم التي تشبه كل من يأتي هنا...
وقف دياب أمامهم وتحدث بتهذيب مرحبًا بهم واضعًا أمام كل واحدة منهم القائمة الخاصة بالمقهى:
-اهلا بيكم يا فندم نورتونا.
انتهى من إعطاء كل واحدة القائمة ثم وقف جوارهم منتظرًا طلبهم، انزعجت واحدة منهم ورفعت عيناها الواسعة ذات الأهداب الكثيفة مردفة بتهكم شديد:
-أنت هتفضل واقف كدة ولا إيه؟؟ ما تيجي تقعد جمبنا احسن.
لم يستوعب بالبداية أنها تحدثه هو، فقطب حاجبيه وأشار نحو نفسه:
-حضرتك بتكلميني أنا يا فندم؟!.
-اكيد بكلمك أنتَ مش شايفة حد غريب غيرك واقف.
-أنا مستني طلبات حضراتكم.
تمتمت ريناد بانزعاج واضح متأففة كعادتها:
-طيب تقدر تمشي ولما نطلب أكيد هنادي على حضرتك المفروض تدينا وقت لو مش هنضايق جنابك.
حافظ على تعبيرات وجهه وابتسم لها مجبرًا ثم تحرك مبتعدًا عنهم كي يتركهم بمفردهم مثلما طلبت مقررًا العودة إليهم بعد دقائق..
نظرت أحدى الفتيات نحو "ريناد" وتحدثت معاتبة إياها:
-حرام عليكي يا ريناد الولد وشه جاب ألوان وبعدين هو بيشوف شغله.
حركت كتفيها بلامبالاة قائلة:
-وأنا عملتله إيه يعني ؟؟ أي مكان المفروض يدينا المنيو ويسيبنا نفكر وبعدين فكك فكك يلا شوفي هناخد إيه مش معقول هنفضل نتكلم عن حاجة ملهاش لازمة زي دي.
مرت دقائق جاء خلالها من جديد كي يدون طلبهم ويأتي به، أملت عليه الفتيات طلباتهم ولم يرفع عيناه بأحدهم ثم غادر بانصياع وهو فقط يؤدي عمله.
حضر بعد دقائق ومعه طلباتهم ووضع أول كأس أمامها وكاد يضع الثاني حتى وجدها تصرخ بوجهه بفظاظة من جديد:
-هو مش سموزي ولا إيه؟؟
استنكر كلماتها وقال بانفعال رغمًا عنه:
-لا يا فندم سموزي زي ما حضرتك طلبتي.
احتجت ريناد البالغة من العمر واحد وعشرون عامًا هاتفة وهي تهب من جلستها:
-أنا كدابة يعني ولا إيه؟؟ أنا طالبة سموزي مش عصير عادي وبعدين المفروض اقولك في مشكلة تغير ليا الاوردر علطول مش تقعد تجادلني، إيه ده أنا اول مرة اشوف كدة بجد، قلة ذوق مش طبيعية.
استغفر ربه في سره ثم انتشله من أمامها على مضض:
- هجيب لحضرتك غيره.
وضع باقي الطلبات الباردة أمام البقية فعلقت ريناد على حديثه بوقاحة:
-أنتَ بتاخدني على قد عقلي ولا أيه؟! فين المسؤول هنا اللي مشغل حمير مبيفهموش وأغبية وانتَ قليل الذوق وأهلك معرفوش يربوك.
علقت أحدى صديقاتها على حديثها بحرجٍ:
-خلاص يا ريناد مهوا قالك هيجيب غيره في إيه؟!.
شهقة خرجت منها ومن صديقاتها حينما رفع دياب الكأس وألقى بمحتواه في وجهها دون ترتيب أو ذرة تفكير لم يتحمل الإهانة أكثر من ذلك وتحدث بثورة:
-ودي بقا علشان تكوني كملتي شكوتك وتكون محبوكة بالملي واهلي ربوني أكتر من أهلك اللي كسلوا يعلموكي الأدب....
تحول المكان إلى صراخات هسيتيرية وتجمع الجميع حولهما، وكانت ريناد في حالة هياج غير طبيعية تسبه وتلعنه، تصرخ مخبره أياه بأنها لن تتركه..
______________
-مش عايزاه، لو أخر راجل في الدنيا مش عايزاه واديته شبكته ونهينا الموضوع والمرة دي الكلام بجد وحقيقي؛ أنا مش عايزة سلامة يا ماما لو حد كلمك قوليلهم اللي بقوله ده أن خلاص موضوعنا خلص، ده لو حد أتكلم أساسا ده لما صدق أخد الشبكة وطار.
تتحدث بنبرة جنونية ومنفعلة؛ تظن بأنها تبدو طبيعية لكن والدتها تنظر لها بقلق، وجاءت من الداخل سلمى التي تبلغ من العمر خمسة وعشرين عامًا..
غيرت ملابسها وأخذت حمامها، وأتت من عملها منذ قليل وولجت إلى المطبخ تعبث في الأواني لتعرف ماذا صنعت والدتها لتغمغم بنبرة غاضبة هي الأخرى:
-إيه يا ماما الدهن ده كله، وايه الزيت ده كله، طاجن اللحمة هينفجر من الدهون اللي جواه..
ردت عليها والدتها يسرا بغضب واضح:
-هو ده اللي عندي أكل العيانين بتاعك ده أنا مبحبهوش، اللحمة لو مش ملبسة كده متدخلش ذمتي ببصلة مش عاجبك ابقي اعملي أكل لنفسك.
هتفت سلمى وهي تعقد ساعديها باختناق:
-والله؟! كل ده علشان بقول نقلل دهون شوية علشان صحتنا، لازم الكوليسترول يضرب في السماء وضغطنا يعلى..
قاطعت جهاد حوارهما بانزعاج جلي وهي تنظر لهما بغضب وغيظٍ:
-أنتم عمالين تتكلموا في الزيت واللحمة وسايبين مشكلتي؟!.
سألتها سلمى بغضب فهي أتت لتوهها من صالة الألعاب الرياضية التي تعمل فبها كمدربة؛ وتبذل بها مجهود شاقٍ جدًا وهي تشعر بالجوع الشديد وتعلم بأن مشاكل شقيقتها بالنسبة لها تبدو تافهة:
-مشكلة إيه دي بقا ان شاء الله؟!.
غمغمت جهاد بغضب وبكت رغمًا عنها وهي تجيبها:
-أنا وسلامة سيبنا بعض خلاص.
ضحكت سلمى مستهزئة وغاضبة
:
-والله الأكل أهم دلوقتي، وبعدين يعني بتعيطي ليه أنتِ لسه محفظتيش ولا فهمتي علاقتكم؟! ده أنتم بتسيبوا بعض يوم الاتنين بترجعوا لبعض الخميس، ده أنا لو مسمعتش أنكم متخانقين في أسبوع بحس أن في حاجة غلط، يومين كده وهتلاقيه جاي هو وابوه يرجعلك الشبكة.
رغم صحة حديث سلمى إلا أن جهاد لم تتقبله وهي تهتف باختناق:
-أنتِ علطول كده معندكيش دم وبتتريقي على اللي بقوله على العموم براحتك وكلوا واشبعوا أنتم أنا مش هأكل ومحدش يدخل اوضتي ولا يجي ورايا عايزة أكون لوحدي.
أنهت حديثها ورحلت وفعلت ما أخبرتهما به، وهنا تحدثت سلمى بنبرة جادة:
-على فكرة أنا من بكرا هشتري اللحمة اللي أنا عايزاها صافية مفيهاش دهون وهطبخ لنفسي وهريحك مني.
هتفت يسرا بنبرة ساخرة:
-ريحيني يا حبيبتي عقبال ما اختك هي كمان ميعجبهاش اكلي وتطبخوا وتغسلوا غسيلكم وتعملوا كل حاجة لنفسكم مدام لسانكم طويل كده، وبعدين خفي على اختك شوية حتى لو اللي قولتيه هو الحقيقة اسمعيها وخلاص بتفضفض بكلمتين.
تمتمت سلمى وهي تجلس بجانب والدتها متحدثة بنبرة واضحة:
-اصلي زهقت كل أسبوع تقلب الدنيا مناحة وتشتم فيه وتنشر غسيلهم قدامنا وتصالحه بعدها، مينوبناش غير أننا بنشيل منه، وبعدين كل خناقتهم عبيطة علشان هما عيال صغيرة، وعمالين زي ناقر ونقير كأنهم توأم.
-الحب كده يا بنتي، أنتِ بس اللي منشفة دماغك وقلبك.
قالت سلمى بلا مبالاة:
-الحب مش كده ولا غيره ولو كده مش عايزاه وبعدين أنا عايزة أكل بعد المجهود ده لازم اكل بروتين مش اروح واكلة طاجن لحمة بالبصل يخليني أضرب.
ردت والدتها عليها وهي تلكزها بضيقٍ:
-من ساعة ما الدبلومة دي بدأت واحنا في النازل وبقيتي تدخلي في الأكل وتغيري طريقة أكلك وأنا مبحبش كده اللي اعمله يتأكل انتِ سامعة؟ أنا مش باجي من الشغل علشان اطبخ اكل وميتأكلش.
-خلاص ياستي حاضر هأكلها، مفيش أي اخبار من خالو بخصوص سفري؟!.
تحدثت يسرا بنبرة واضحة:
-انا مش موافقة على اللي بتقوليه ده ازاي يا بنتي تتغربي وتبعدي عني؟! حتى لو هتكوني مع خالك ومراته برضو انا مش هكون مطمنة عليكي غير وأنتِ قصاد عيني.
ردت سلمى عليها بطريقةٍ منطقية:
-الفلوس هناك هتكون أحسن، انا عماله ادرس يا امي واشوف كذا مجال علشان نحسن من مستوانا وكده كده بنتك هتتجوز هبقى ابعتلك تجيلي وخلاص.
غمغمت يسرا بنبرة عاطفية:
-انا ولا أقدر ابعد عنك ولا ابعد عن اختك، أنا قولت لخالك يبطل يدورلك ودبيت معاه خناقة الصبح..
قاطعتها سلمى بـلومٍ:
-ليه يا امي عملتي كده؟! هو في حد واقف جنبنا من ساعة ما جوزك سابنا غير خالو؟! ده لولاه ما كنا درسنا ولا عملنا أي حاجة، حتى هو اللي بيبعت كل شوية فلوس علشان جهاز جهاد تروحي متخانقة معاه لأنه عايز يساعدني؟! هو أحنا لازم نعيش عمرنا كله عالة عليه، هو برضو ظروفه مش احسن حاجة لكن بيحاول على قد ما يقدر.
رغم أن كلمات سلمى أوجعتها وبشدة وجعلتها تتذكر أشياء لا ترغب في تذكرها:
-خالك فاهم أنا بتخانق معاه علشان خايفة عليكي ومش عايزاكي تبعدي عني، وبعدين ما أنتِ بتشتغلي هنا الفلوس اللي هتاخديها هناك هتكون العيشة أصعب وهتدفعيها في حاجات تانية، أنا مش موافقة ولو عايزة تكسري كلمتي براحتك انتِ مبقتيش قاصر.
وكيف لها أن تفعل؟!
رغم أن علاقتها بوالدتها تشبه علاقة الاشقاء وطوال الوقت في جدال دائم على كثير من الأمور، إلا أنها لا تستطيع الاستمرار في شيء لا يعجبها ولا تريده، لا ترضى عنه مهما بلغت إرادتها به..
___________
يسير دياب بانفعال وضيقٍ شديد؛ وهو ناقم من تلك الأيام والظروف، هل كان ينقصه ترك العمل؟! هل كان ينقصه فتاة مثله؟ هو لديه الكثير من الأقساط...
أمسك بهاتفه وقرر محادثه حبيبته وخطيبته ليلى لعلها تهدأ قلبه الثائر والقلق مما هو قادم، جلس علي الرصيف لقد تعب من السير، لتجب عليه بعد ثواني فهي طوال الوقت تحمل الهاتف بين يدها..
في البداية أخذ يسألها عن يومها كيف مر في جامعتها، حتي أخد يتلو عليها ما حدث متوقعًا منه أن تسانده، أو تواسيه لكن ما حدث كان العكس تمامًا وهي تهتف بنبرة ساخرة:
-يعني مش قادر تمسك نفسك يا دياب ما كنت سيبتها تقول اللي تقوله يعني.
صاح دياب بنبرة متشجنة:
-بقولك شتمتني بأهلي ومسحت بكرامتي الأرض دي أقل حاجة كان ممكن أعملها معاها أصلا.
أردفت ليلي بغضب واضح:
-اديك اترفضت، هو كانت الشتيمة بتلزق يعني، ده أحنا داخلين في ثلاث سنين مخطوبين يا دياب أنا تعبت ده ماما كل ما تشوف حد اتخطب أو اتجوز تسم بدني بسبب أنك مش عارف تخلص الشقة ده امي هطين عيشتي لو قولتلها أنك سيبت الشغل.
ردد دياب ساخرًا ومندهشًا مما تقوله فهي لم تفعل شيء لتقوم بتهدئه بل زادت من غضبه:
-جرا إيه يا ليلي ما تهمدي وبراحة شوية يعني أنا بكلمك علشان اشكيلك همي وتهديني تقومي تردحيلي، بدل ما تطايبي خاطري بكلمتين، بتشيليني الهم.
حاولت ليلى تصليح موقفها متحدثة:
-أنا مش قصدي حاجة و..
قاطعها دياب بنبرة صارمة وغاضبة فهي خذلته:
-خلاص ولا قصدك ولا مقصدكيش سلام دلوقتي لما أروق هبقى أكلمك.
أغلق المكالمة ولم ينتظر ردها ثم أغلق الهاتف بأكمله عليه أن يفكر فيما يفعل الفترة القادمة، وكيف يجد عمل بتلك السرعة...
_____________
انتهى يوم العزاء الثالث، عاد إلى منزله، الشقة الذي يقطن فيها مع ابنه عمه وزوجته، وهو مُرهق ومُنهك إلى حدٍ كبير، يشعر بأنه أصبح عاريًا منذ وفاة والده وكأنه هو من كان يغطيه، يشعر بالبرد وكأنه هو من كان يبعث فيه الحرارة، خائفًا لأنه كان هو من يبث به الطمأنينة...
ترك شقيقته الصغرى (حالات داون) في الفيلا الخاصة بعائلته ومعها المربية الخاصة بها ومعها شقيقها الآخر...
يحاول أن يفكر في أي شيء يريد الإبتعاد لمدة يوم واحد يحاول أن يعيد فيه تنظيم حياته وفقًا لمسؤولياته الجديدة، حتى أنفاس والده الأخيرة كان يخبره بألا يترك شقيقته، يضعها أمانة له....
جواد هو الإبن الأكبر للدكتور والجراح الكبير عز الدين منصور وهو خليفته في المهنة؛ يليه ابنه الأصغر الذي يعمل في مجال الهندسة الكهربائية في الصين، متزوج ولديه ثلاثة أطفال ويعيش في الصين برفقة أسرته وأتى اليوم من السفر، لم يستطع أن يأتي فور سماعه بالخبر بسبب ترتيبات السفر وسيعود بعد عدة أيام، ويجلس في الفيلا مع شقيقته الصغرى نسمة التي ولدت حالة من حالات دوان، تبلغ من العمر ثلاثة وعشرين عامًا، كانت أكثر حظًا قليلا من الأشخاص الذي يعانون من حالتها، هي استطاعت أن تستكمل دراستها بعد مجهود كبير بذلته والدها ووالدتها، وتتمتع بذكاء كبير، رغم بعض الانتكاسات الصحية التي تصاب بها...
كان والده يعطيه وصيته وهي الاهتمام بشقيقته لأنه يعلم بأن ابنه الأخر قد انتهت حياته هنا وأصبحت له حياة مختلفة، لذلك كان يجب عليه وضعها أمانة إلى جواد...
جاءت رانيا من الخارج بعدما أخذت حمام دافئ تمسح به عناء الأيام الماضية في المستشفى وبعدها وجودها في منزل لا تحب التواجد فيه كثيرًا غير أنه هناك جانب منها حزين جدًا على وفاة عمها لن تنكر...
رانيا تبلغ من العمر ثلاثة وثلاثين عامًا، لديها علامة تجارية محلية خاصة بالملابس النسائية ولكنها مشهورة نوعًا ما، بدأتها منذ ثمانية سنوات بدعم زوجها وعمها...
-جواد مش يلا علشان نتعشى؟! أنا جهزت العشاء.
رد عليها رد باهت وهو مازال يرتدي ملابسه لم يبدلها بملابس منزلية:
-مش جعان مليش نفس كلي أنتِ.
جاءت رانيا وجلست بجانبه:
-أنا عارفة اللي أنتَ حاسس بيه، وأنا اكتر واحدة ممكن احس بوجعك لأني مريت بيه قبل كده، بس الحياة بتستمر وعمرها ما وقفت على حد، بنفضل شايلين الوجع في قلوبنا ومكملين...
هتف جواد وهو يهز رأسه بهدوء:
-معاكي حق؛ وعلشان كده أنا قاعد بفكر هعمل ايه الفترة الجاية في حياتي وهرتب دماغي ازاي.
ردت عليه رانيا بثقة وبنبرة جادة:
-إدارة المستشفيات أنتَ قدها وقدود يا حبيبي وأنا متأكدة من ده، ومعاك الدكتور اسماعيل عمو كان بيثق فيه اوي، وعلشان كده أنا عايزاك تطمن أنك قد المسؤولية اللي أنتَ محطوط فيها.
نظر لها نظرات لم تفهمها ليغمغم بتوضيح:
-اللي أنا بتكلم فيه يا رانيا أكيد مش المستشفيات وبس، اكيد ده حمل تاني بس اللي بتكلم فيه هو نسمة اختي.
بهتت هنا ملامح رانيا تمامًا وهي تسمعه يستكمل حديثه:
-أنا كنت عموما ناوي نتكلم في الموضوع ده الصبح بس مدام الكلام جاب بعضه، أحنا هنروح نقعد في الفيلا مع نسمة.
عقبت رانيا باستنكار شديد:
-إيه اللي بتقوله ده يا جواد؟!.
-بقول اللي سمعتيه مش محتاج تفسير، دي أمانة بابا ليا، ولازم أراعيها وأكون قد الإمانة زي ما حضرتك فكرتي في المستشفي كان أولى تفكري في اختي اللي هي بنت عمك مش غريبة عنك.
لوت فمها في تهكم وهي تجيب عليه بعضب مكتوم:
-اللي عايز يراعي حد يزوره، يبات معاه يومين في الاسبوع يعدي عليه ساعة بعد شغله لكن مش يروح هو ومراته يقعدوا معاه، أنا مش موافقة اسيب بيتي وأمشي يا جواد، إيه اللي يخليني أقلب حياتي كلها؟! واحنا في ايدينا نهتم بيها من غير كل ده..
قاطعها جواد بنبرة ساخرة:
-على أساس أنك كنتي معتبراها عايشة معانا أصلا ولا كنتي مهتمة بيها علشان تعملي كده دلوقتي، وبعدين يا رانيا أنا بخلص شغلي وش الفجر وساعات بيكون عندي عمليات بقعد لتاني يوم في المستشفى غير العيادة يعني يدوبك لما اخلص شغلي اروح اشوفها مش هيكون عندي وقت إني لسه امشي من هناك واجيلك البيت.
هتفت رانيا برفض قاطع:
-قسم الاسبوع بيني وبينها اقعد مع اختك واعمل واجبك وأنا هكون راضية لكن أنا مش هقعد هناك.
صرخ جواد في وجهها كما لم يفعل من قبل:
-رانيا متنرفزنيش، اللي بقوله هيتعمل عجبك عاجبك مش عجبك انتِ حرة أنا هقعد مع اختي عايزة يكون ليكي مكان معانا اهلا وسهلا مش عايزة خليكي هنا لوحدك، معرفش أنتِ ايه الجحود ده، كل ده علشان عمتك..
قاطعته رانيا بنبرة جامدة:
-اه انا مبتحملش اعيش مع حد مصاب بالموضوع ده لا جسديًا ولا نفسيًا وأنتَ عارف.
تمتم جواد بنبرة حاول أن يكون بها هادئًا قدر المستطاع:
-حالة عمتو نورا الله يرحمها غير حالة نسمة تمامًا وبابا عمل معاها مجهود جبار وكان عنده الوعي الكافي هو وماما لده علشان كده بلاش كلام ملهوش لازمة علشان قراري أنا مش هغيره كفايا أوي لحد كده أنا سكت ليكي كتير.
-سكت ليا على ايه فهمني؟!.
قالتها بغضب ولم تجد منه إجابة فقط أشاح بوجهه إلى الناحية الأخرى لتتحدث رانيا بنبرة مرتجفة:
-كل ده علشان موضوع الخلفة اني مرضتش أخلف احسن يجي لينا عيل زي عمتو او زي اختك، واهو اتعاقبت اني عمري ما هخلف يا جواد، نظراتك ليا طول الوقت بتقولي الكلام ده بيها وعلشان تبقى عارف انا مش ندمانة على احساسي ساعتها ولو رجع بيا الزمن هاخد نفس القرار ومش هعوز أخلف، وأنا متعاقبتش ده كان نصيب وبس.
حك مؤخرة رأسه متمتمًا بنبرة جامدة:
-رانيا أنا مش عايز افتح مواضيع قديمة ولا فيا حيل لكل ده قدري اللي أنا فيه، وبمجرد ما اخويا عماد يسافر أحنا هنروح نقعد في الفيلا مع نسمة والكلام خلص، أنتِ محدش هيطلب منك حاجة، ولا تعملي حاجة ازيد من اللي بتعمليه هنا في اللي بيخدم اختي وبيشوف طلباتها وأنا اللي مسؤول عنها، لكن مش هسيب اختي.
زيجة غير مفهومة، كان بينهما قُبول إلى حدٍ كبير وكانت رغبة والده في المقام الأول بألا يترك ابنة شقيقته وليكون لها نصيب من إرثه بزواجها من ابنه كون أن شقيقه لم يكن ميسور الحال وحتى ميراثه من والده قد أضاعه في بضعة مشاريع فاشلة لم تعطيه النتيجة المرجوة، وبعد الزواج بدأت المشاكل في التزايد بعدما أتت رغبة جواد في الإنجاب وكذلك رغبة عز الدين، وقتها كانت ترفض الموضوع رفض قاطع تخشى ان تنجب طفلًا كـعمتها أو شقيقته..
حاول جواد إقناعها بكل الطرق وكذلك عمها، ذهبت معه إلى أكثر من طبيب يؤكد لها بأنه ليس من الضرورة أن تنجب طفلًا كهذا، نعم هناك احتمال كأي احتمال في أي جنين ولكنه ليس شيء مؤكد، لم تقتنع أن تأتي بطفل به احتمال أن يكون مصابًا وهي لن تقدر على رعايته..
نصح وقتها عز الدين ابنه جواد بالتريث وأنها مع الوقت سوف تقتنع وتلح عليها عاطفة الأمومة والغريزة الطبيعية لأي أنثى لكن مرت سنوات وهي تزداد تشبثًا بوجهه نظرها إلا أن اضطرت بسبب حالة طبية طارئة إزالة الرحم، كانت تقنع الجميع بأنها سعيدة وهكذا ذهبت كل مخاوفها وإن كان جواد يريد الزواج للانجاب هي ليس لديها مانع أبدًا وظل الحال بينهما هكذا دون الوصول إلى حل أو نتيجة......
____________
راجع ليه من تاني عايز ايه؟!
انساني اللي بتتكلم عنه ماضي وعدّى وزمن أهو راح حب ده ايه بكفاية حبك مات جوايا ونسيت قلبك ونسيتك وخلاص منك قلبي ارتاح..
انت اخترت طريق ومشيته بعت هوايا وقلبي نسيته واما خسرت في بعدي رجعلي بتفكرني بحب زمان هو انت بتكذب وتصدق كان من امتى بتعرف تعشق ابعد عني خلاص وياريتك لو تتعود عالحرمان...
أنا ضحيت بالدنيا عشانك ولا يوم قلبي باعك ولا خانك ضحيت انتَ بإيه علشاني بعت غرامي وفيّا جرحت ويّاك ضاع العمر عليا عمري ما شفت معاك حنية يبقى عايزني ازاي أرجعلك ولاّ أسامحك مهما عملت...
تصدع كلمات الأغنية بقوة من التلفاز الذي قام سلامة بتوصيل هاتفه به وهو يجلس على الأريكة يكرر كلمات الأغنية بمشاعر قوية جدًا؛ يجلس في الشقة التي يمكث بها مع شقيقه عند زواج والدهما لتركه مع زوجته في شقة منفصلة لهما...
جاء نضال شقيقه الأكبر من الغرفة مستنكرًا هذا الصوت المرتفع:
-في إيه يا عم سلامة عاشور، عايز اتخمد.
تمتم سلامة بحسرة:
-سيبني بقا هو الواحد ميعرفش يعمل موف اون؟! اطلع اقعد في شقتي أحسن مدام مفيهاش جواز واخد راحتي بدل ما أنتَ طالعلي زي عفريت العلبة كده.
صاح نضال مستنكرًا وهو يغلق التلفاز بواسطة لوحة المفاتيح:
-موف اون إيه اللي بتعمله كل يومين ده تشغلنا ذكريات كدابة، وهيجيلي موجوع وانت اخترت، وتيجي في نهاية الاسبوع تشغلي خليني في حضنك يا حبيبي، وماله لو ليلة توهنا بعيد، أنا زهقت من العلاقة دي، وبعدين أنتم مش لسه متصالحين يوم الحد...
هتف سلامة وهو يعتدل في جلسته باقتضاب:
-وادينا فركشنا تاني وخلاص الموضوع انتهى واديتني الشبكة من البلكونة.
-الشبكة الشارع كله حفظها من كتر ما هي طالعة نازلة في السبت لغايت ما خست جرامات من الطلوع والنزول، كلها يومين وهتتصالحوا...
قال سلامة منزعجًا:
-بقولك المرة دي خلاص أنا قفلت منها المرة دي مختلفة.
-أنتَ كل مرة بتقول نفس البوقين دول، أنا هدخل اعملي حاجة هشربها بدل وجع القلب ده وأياك تشغلي اغاني عايز تسمع ادخل اوضتك ياخويا او حط سماعة في ودنك مش ناقص قرف أنا وصداع على أخر الليل.
وقبل أن يتحرك نضال من مكانه وجد باب الشقة يُفتح بواسطة أحدى المفاتيح والتي بالتأكيد تخص والدهما ليدخل إلى الشقة بعدما انحنى وحمل ارجيلته متحدثًا وهو يأمرهما:
-حد يروح يقفل الباب.
ولج إلى الداخل وجلس على المقعد واضعًا قدم فوق الأخرى ويسحب نفس من أرجيلته متحدثًا:
-إيه صوت الاغاني وريحة السجاير دي؟!.
تحدث سلامة باستغراب:
-الاغاني أنا كنت مشغلها وريحة السجاير دي شميتها منين؟!.
-أنا اعرف؟! أنا اللي طالع أسالكم يا بهوات ريحة السجاير جاية منين في بيتنا الا من عندكم طبعًا، كنت واقف في المطبخ بولعلي على الفحم علشان الشيشة شميتها قولت اطلع اشوف مين فيكم اللي بيشرب.
ضحك نضال ولم يتمالك نفسه ثم تحدث وهو يجلس بجانب شقيقه على الكنبة:
-ريحة السجاير لفتت نظرك بس ريحة الشيشة دي عادي؟!.
-أنا اشرب اه لكن أنتم لا لازم تخافوا على صحتكم، الريحة دي لو جاية منكم قولوا بالذوق.
هتف سلامة بنبرة مقتضبة:
-يعني احنا بقينا شُحطة لو بنشرب هنخاف يعني؟! هتلاقيها جاية من أي حتة.
رد زهران عليه منفعلًا:
-ومالك يا شملول مش طايق نفسك وبترد عليا من تحت ضرسك كده ليه؟!.
-سيبه يا بابا بقا، سلامة محقق اسكور رهيب مفشكل هو وجهاد الشهر ده فوق العشرين مرة.
ضحك زهران متحدثًا وهو ينظر إلى سلامة:
-هي الحكاية كده بقا، يلا هتتصالحوا مش مشكلة، أنا عموما طالع علشان اقولكم تنزلوا تناموا معايا من النهاردة بقا.
تحدث نضال بفضول:
-ليه يا حج أنتَ كمان فركشت زي ابنك ولا ايه؟!
-لا أنا بطلق علطول أنتَ عارفني وهي خدت هدومها ودهبها وحاجتها وخلاص بكرا هروحلها بيت اخوها علشان المأذون هيجي ونخلص الموضوع.
تمتم نضال بنبرة ساخرة:
-يا بابا أنتَ مكملتش خمس شهور معاها.
سحب زهران نفس من أرجيلته متحدثًا ببساطة:
-مهوا دماغنا مكنتش شبة بعض وبرضو هي صغيرة عليا.
كان سلامة يأخذ دور المستمع بينما نضال يخاطب أبيه:
-يعني أنتَ لسه فاكر دلوقتي الكلام ده؟!.
ببساطة شديدة كان زهران يتحدث بنبرة عادية:
-طبعا مش أنا اتجوز وبعدين اشوف هي هتنفع ولا لا، أجرب وبعدين اشوف، وبعدين يعني هي مطلعتش خسرانة هي كانت تحلم؟! دي واخدة دهب يكفيها عمرها كله، وهي كانت داخلة تقلبني وانا كنت فاهمها وبديها برضو بمزاجي ولا هي أول واحدة ولا أخر واحدة.
زيجات قصيرة الأمد أطول زيجة فيهما أستمرت أربع سنوات، والاخيرة لم تستكمل خمسة أشهر...
هتف نضال بتهكم:
-الحمدلله ابويا بيتجوز ويطلق فجاة واخويا بيفشكل كل اتنين وخميس.
تمتم زهران بهدوء يسبق العاصفة او اختيار العروس الجديدة:
-لا اخوك دول لعب عيال بس ملكوش دعوة بيا ولا بحياتي انا غيركم، والاسبوع الجاي نروح نصالح جهاد وسلامة ان شاء الله.
رد سلامة منزعجًا:
-مش هصالحها لو اتشقلبت المرة دي.
هتف زهران متهكمًا وهو ينظر إلى نضال:
-ابقى سجله وصوره صوت وصورة يا نضال بعد يومين لما يجي يقولي علشان خاطري يا بابا تعالى معايا صالحنا على بعض علشان يشوف نفسه.
تحدث سلامة بغضب:
-يوووه انا داخل انام احسن بدل ما اكون التسلية بتاعتكم.
رحل سلامة إلى غرفته ليعقب زهران باندهاش:
-قوله مينامش علشان ينزل تناموا معايا بقا بدل ما انام في الشقة لوحدي.
عقب نضال على حديث أبيه بحكمة:
-لا يا بابا الشقة دي بتاعت العزاب مدام بقيت سنجل أنتِ اللي تنام معانا هنا، ولغايت ما تلاقيلك صيدة جديدة ابقى انزل.
سحب زهران نفس من أرجيلته متحدثًا:
-والله معاك حق يا واد يا نضال بتقول حكم، بقولك ايه ما تقوم كده تشوحلنا كبدة على سجق أنا جعان اوي هطلب الحاج ابراهيم يبعتلنا فينو كده طازة تعملنا سندوتشات...
-حاضر، واضح أن نفسك بتتفتح على الطلاق...
_____________
- الساعة داخلة على اتناشر يا سامية، هو أنتِ ميكب ارتست ولا رقاصة بروح أمك أنتِ فين يابت؟!!..
كانت انتصار تتحدث مع ابنتها في الهاتف، لكن توقفت عن الحديث وأغلقت المكالمة بعدما سمعت رنين الجرس؛ فتحت الباب لتجد نضال أمامها، ابتلعت انتصار وابتسمت بتوتر قائلة:
-اهلا يا بني.
نطق لسانه مستفسرًا عنها:
-هي سامية لسة مرجعتش لغايت دلوقتي؟!
قالت انتصار محاولة أن تبرر تأخيرها:
-متخافش هي بلغتني أنها هتتاخر، أصل العروسة طلبت منها تفضل معاها لحد الاخر، عشان كل شوية بتغيرلها المكياج و كل شوية تغير الفستان، وقال ايه عايزة تغير معاه الميكب.....
كز على اسنانه ولم يهتم بتلك الترهات التي تلقيها زوجة عمه عليه، فقد ينشغل قلبه عليها وخُيل له العديد والعديد من الأفكار....
-تعرفي الزفت الفرح ده فين؟؟؟
-لا والله ما اعرف.
تفاقم غضبه واراد الطيح بكل شيء أمامه، لم يتحمل الوقوف أو البقاء وهبط للاسفل كي ينتظرها ويستنشق هواء نقي عله يبرد نيرانه..
مضت ساعة ولم تأتي بعد، كاد يجن ويفقد عقله، سار مثل المجنون ذهابًا وأيابًا؛ حتى سقط بصره على إحدى السيارات وترجلها منها مهندمة حجابها التي يتضح بأنها لم تكن ترتديه.
جحظت عيناه، ولم يشعر بذاته الا وهو يقطع المسافة الفاصلة بينهم وقسماته توحي بالشر....
غادرت السيارة وهندمت حجابها ورفعت عيناها كي تصل إلي بنايتها، لكن تيبست في مكانها وهي تراه يقترب منها ويقبض على معصمها متمتمًا من بين أسنانه يتوعد لها:
-نهار ابوكي مش معدي النهاردة...
الفصل الثاني من #عذرًا_لقد_نفذ_رصيدكم
#شارع_خطاب
بقلم #fatma_taha_sultan
____________
اذكروا الله.
دعواتكم لأهلكم في فلسطين والسودان وسوريا ولبنان وجميع البلاد العربية.
___________
تفاقم غضبه واراد الطيح بكل شيء أمامه، لم يتحمل الوقوف أو البقاء وهبط للاسفل كي ينتظرها ويستنشق هواء نقي عله يبرد نيرانه..
مضت ساعة ولم تأتي بعد، كاد يجن ويفقد عقله، سار مثل المجنون ذهابًا وأيابًا؛ حتى سقط بصره على إحدى السيارات وترجلها منها مهندمة حجابها التي يتضح بأنها لم تكن ترتديه.
جحظت عيناه، ولم يشعر بذاته الا وهو يقطع المسافة الفاصلة بينهم وقسماته توحي بالشر....
غادرت السيارة وهندمت حجابها ورفعت عيناها كي تصل إلي بنايتها، لكن تيبست في مكانها وهي تراه يقترب منها ويقبض على معصمها متمتمًا من بين أسنانه يتوعد لها:
-نهار أبوكي مش معدي النهاردة..
كانت تلك الكلمات التي قالها نضال إلى سامية بعدما قبض على معصمها والسيارة التي كانت تنقلها كانت قد ذهبت في الوقت نفسه ولم تكن هي موضع اهتمام نضال الآن..
كان هناك خيارين بالنسبة إلى سامية أما أنها سوف تبكي لشدة خجلها وتوترها تحديدًا وهي تعلم بأن حجابها غير موجود على رأسها والخيار الثاني هو أن تكابر وترفع صوتها مثله متحدثة بانفعال واضح من أسلوبه الهمجي وتطاوله عليها وحاولت دفع يداه عنها لكنها لم تستطع فقالت بتشنج:
-إيه نهار ابوكي دي ما تتكلم كويس وتتكلم معايا عدل، فاكر نفسك مين يعني؟!! أنتَ مجرد ابن عمي وملكش حكم عليا ومش من حقك أبدًا تمسكني بالشكل ده.
هتف نضال بغضب جامح وهو ينظر لها:
-فين طرحتك ولا وقعت من الصياعة وقلة الأدب اللي أنتِ فيها، راجعة بعد نص الليل وقالعة طرحتك وعايزاني أكلمك ازاي يعني؟!..
كان قد ترك يدها فغادرت من أمامه وهي تحمل الحقيبة بصعوبة وركضت نحو المنزل وصعدت على الدرج وهو خلفها يسير بغضب، فقامت بقرع الجرس وفتحت لها انتصار الباب سريعًا وهي تنهر ابنتها كي تنقذها من بطشه وحتى لا تكبر المشكلة أكثر من ذلك:
-إيه اللى اخرك كل ده يا مقصوفة الرقبة حسابك معايا عارفة لو الموضوع اتكرر تاني...
عقب نضال على كلمات والدتها:
-يتكرر مين هو لسه هتستني لما يتكرر، بنتك راجعة من غير الطرحة يا حجة انتصار دي متخرجش من البيت تاني ومفيش شغل ولا غيره.
هللت سامية واضعة يدها أعلى خصرها وهي تأتي من الداخل:
-نعم يا حبيبي؟! يعني إيه اللي مفيش شغل؟! أنتَ بتحلم، وبعدين أنتَ مالك؟! حاشر نفسك في حياتي ليه أنتَ مجرد ابني عمي وقريبي ملكش أي صفة في حياتي أنتَ سامع؟! ده الواحد يسيب ليكم البيت ويغور في داهية، دي بقت عيشة تقرف....
انتهت من حديثها ثم ولجت إلى الغرفة دافعة الباب بعنف من خلفها، مما جعله يهتف بنبرة هسترية:
-أنا هوريكي القرف على أصوله يا سامية.
تحدثت انتصار بغضب وخزي من أفعال ابنتها:
-خلاص يا نضال يا ابني اهدى ووطي صوتك وأنا هتكلم معاها ونقعد بكرا نتكلم مينفعش كده هتلموا وتفرجوا علينا الناس أطلع يا ابني وعدي الليلة دي على خير..
_____________
في اليوم التالي..
-قسما الله لو ما حطيتي حد ليه واخدتي موقف بجد وبطلتي شغل معاهم معاهم عليهم عليهم ده هسيبلك البيت واطفش أنا بقولك اهو...
صرخت سامية في وجه والدتها بتلك الكلمات، منذ ليلة أمس نيران مشتعلة بها بسبب طريقته المستفزة والوقحة معها بالنسبة لها وأصابتها بالحرج أمام صديقها....
ردت عليها انتصار بغضبٍ:
-لمي نفسك وكلميني عدل، تصدقي هو فعلا نضال حياقك، يمكن يربيكي علشان أنا شكلي معرفتش.
قالت سامية بثقة:
-بقي علي أخر الزمن أنا أتجوز نضال ده اتخبط في نفوخه باين، أنتِ بس نضال داخل دماغك علشان ابن عمي وعلشان أنتِ طول النهار في البيت مشوفتيش الرجالة برا عاملة ازاي..
تمتمت انتصار ساخرة وهي تنظر لها بسُخطٍ:
- عاملين ازاي يا هانم؟! وبعدين هما الاشكال دي هيبصوا ليكي علي إيه يا بنت عبد السميع؟! اتوكسي واحترمي نفسك جيبتي لينا الكلام يا بجحة..
نما إلى سمعهما صوت رنين الجرس لتنهض انتصار وتفتح الباب لتجد زهران أمامها لتهتف بقلق وهي تبتلع ريقها بتوتر:
-أهلا يا معلم اتفضل.
هتف زهران بعبوس نادرًا ما يكون عليه دائمًا الجميع يصفه رجل صاحب "مزاج"، ولكن منذ الصباح ونضال يخبره بما حدث ليلة أمس مما أفسد مزاجه:
-البت سامية صاحية؟!.
ردت عليه انتصار بارتباك:
-أيوة اتفضل.
ولج زهران بعدما أفسحت له انتصار الطريق وهو يدخل ويجلس على المقعد بينما تجلس سامية على الأريكة وولج إلى صُلب الموضوع فورًا:
-بسببك يا سامية أنا لسه مشربتش الحجر بتاعي اللي مقدرش أكمل يومي من غيره وقولت أنزل اسمع منك اللي حصل بعد ما سمعت من ابني.
تمتمت سامية بغضب واضح:
-اللي حصل يا عمو أني مش عايزة ابنك ولا هفكر اتجوزه، وياريت يبطل يتحكم فيا ولا كأن في بينا حاجة، ده أول نقطة..
قال زهران بنبرة لا تعرف المزاح:
-أنتِ واخده مقلب في نفسك يا سامية ولا إيه؟! لو شايفة نضال ابني مش عاجبك ولا مناسب ليكي وشايفة نفسك علينا وعلى ابن عمك وأنك تستاهلي الأحسن فابني نضال لو شاور بس هيلاقي البنات تحت رجله فوقي من اللي أنتِ فيه.
كادت أن تجيب سامية عليه ولكنه لم يعطها المجال:
-وموضوعنا مش موضوعك أنتِ ونضال ولا هو بيتحكم فيكي بس أنتِ ساكنة في بيت رجالة، عمك مش مركب قرون يا سامية علشان تقلعي طرحتك؛ ولا عيال عمك *****، احترمي نفسك وارجعي لعقلك مش معني إني سايبك براحتك أني هسمح تخلي الناس تجيب سيرتنا على أخر الزمن.
هتفت سامية بتوتر ولكنها حاولت أن تكابر وهي تغمغم:
-الحجاب ده حاجة بيني وبين ربنا ومحدش له حق يدخل فيها وانا اصلا مكنتش محجبة بمعنى الكلمة يعني أنا كنت بحطها فوق رأسي وخلاص منظر؛ وبعدين ابنك قل مني واتكلم معايا بأسلوب وحش في الشارع هو مش وصي عليا.
تحدث زهران بنبرة واضحة:
-سامية كلام الستات أنا مبحبهوش ومعاكي حق نضال ملهوش حق يحكم عليكي بس أنا عمك وليا حق غصب عنك ولو أمك مش هتقدر تلمك وتحكم عليكي وتخليكي تحترمي نفسك وتفهمك أنتِ بتهببي إيه يبقى أنا اللي هحكم عليكي متخرجيش برا باب البيت.
كادت سامية أن تتفوه بما قد يخرب الوضع أكثر ولحقتها والدتها التي قالت:
-معلش يا حج زهران البت بس لسه طايشة وصغيرة.
هتف زهران بنبرة جامدة:
-صغيرة إيه؟! اللي قدها فاتحين بيوت كلامك ده اللي مخليها تتفرعن، أنا عمري ما حكمت عليها ولا ادخلت في حاجة وحتى ابني كنت بمنعه عنها وبقوله يشوف غيرها لكن ده مش معناه أنها تنسى أنها لحمي ودمي وأنا مش هقبل بأي غلط وكلام ملهوش لازمة، عقلي بنتك يا انتصار ولغايت ما تعقل ملهاش خروج برا البيت ولو على نضال هو من النهاردة ملهوش علاقة بيكي الكلام معايا أنا.
وجه حديثه الأخير إلى سامية ثم نهض، لتنهض سامية هي الأخرى متحدثة بعدم استيعاب:
-يعني إيه الكلام ده؟! انا عندي شغل ومواعيد وحجوزات.
رد زهران عليها ببساطة:
-مش هتخرجي من البيت لغايت ما تكون قد الثقة أننا نسيبك تخرجي وتروحي وتيجي زي الأول، ولا تقوليلي حجوزات ولا مواعيد اقعدي ساعدي أمك في البيت أنتِ مش ناقصك حاجة ومتجادلنيش اكتر من كده أنا رايح أشرب الحجر بتاعي على رواق..
وسار بضعة خطوات ليقول بنبرة جهورية:
-عقلي بنتك يا انتصار وخليها تحمد ربنا أن نضال هو اللي شافها مش أنا علشان كنت جرجرتها من شعرها..
كانت تلك الكلمات هي ما ختم زهران بها حديثه وهو يغادر من الباب الذي مازال مفتوحًا..
______________
بعد أذان العصر..
أول شيء فعلته سلمى عند دخولها إلى المنطقة هو الذهاب إلى جزارة خطاب من أجل شراء اللحمة؛ اليوم هو يوم الراتب لذلك هي ستقوم بشراء اللحمة التي قد تكفيها الشهر كله تقريبًا..
ذهبت وتحدثت مع الشاب الذي يعمل هناك وهي تخبره ببساطة شديدة:
-عايزة اتنين كيلو لحمة مفرومة واتنين كيلو صاحية، بس كلهم مفيهمش دهون خالص عايزة حتة لحمة حمراء، وعايزة كل ثمن منهم لوحده أو ربع...
عقب الشاب بانزعاج وهو يقوم بتقطيع اللحم للمرأة التي تقف بجانبها دون أن ينظر لها:
-ثمن إيه يا آنسة هي في حاجة اسمها كده؟!.
جاءه صوت رجولي يعرفه جيدًا وهو يأتي من خلف سلمى:
-كمل اللي أنتَ كنت بتعمله وأنا مع الآنسة سلمى هشوف محتاجة إيه وفي أي وقت تيجي تعملها طلبها.
هتف الشاب وهو يرفع بصره بنبرة هادئة وتغيرت نبرته تمامًا وهو ينظر لهنا:
-حاضر يا معلم نضال.
أستدارت سلمى متحدثة بنبرة هادئة:
-ازيك يا نضال عامل إيه؟!.
أجاب نضال عليها ببشاشة كعادته مع الجميع رغم انزعاجه مما حدث ليلة أمس حتى أنه تأخر في نزوله اليوم عن أي يوم أخر..
-الحمدلله بخير، ثواني هدخل اغسل ايدي واجي.
بعد دقائق كان يقف أمامها يقوم بتقطيع اللحمة لها؛ لحم صافي كما أختارت وأخذ يقسمه لها كما أرادت رغم أنه لا يفعل هذا إلا قليلًا لكنها في النهاية أخت زوجة شقيقه المستقبلية.
-وقفت علشانك مخصوص مهوا مش كل يوم بتنورينا دي أول مرة اشوفك..
تحدثت سلمى بنبرة ساخرة رغمًا عنها:
-شكرًا تعبتك معايا..
-العفو متقوليش كده وبعدين صحيح العروسة عاملة إيه؟!.
ردت سلمى عليه ساخرة:
- شكلها مفيش عروسة ولا عريس، جهاد حطت الشبكة لسلامة في السبت أنتَ متعرفش ولا إيه؟!
قهقه نضال هاتفًا وهو يهز رأسه لها متحدثًا وهو يزن اللحمة في الأكياس:
-اه ما أنا شوفت بعيني الشبكة منورة عندنا على السفرة، ويا ستي دول عقلهم صغير وبيحبوا بعض وكلنا عارفين أنهم هيتصالحوا، وبعدين هي أول مرة أختك تديه الشبكة يعني؟! على يوم الخميس هتلاقي أبويا طالع معاه او مرات عمي انتصار وبيصالحوهم على بعض.
تمتمت سلمى بنبرة هادئة وهي تعقد ساعديها:
-ربنا يصلح ليهم الحال ويهديهم.
- آمين يارب.
ثم أسترسل حديثه ببساطة وهو ينظر لها بعدما وضع كل شيء في كيس كبير ويمد يده لها:
-بعد كده لما تعوزي حاجة متتعبيش نفسك اتصلي بس بيا او بالرقم اللي على اليافطة ويطلعولك الحاجة لغايت فوق.
أخذت سلمى منه الكيس ووضعته على المقعد الحديدي الذي يتواجد جانبها هاتفه وهي تخرج محفظتها من الحقيبة:
-تمام شكرًا جدًا يا نضال.
-العفو على إيه بس؟!.
هتفت سلمى بهدوء:
-ها الحساب كام بقا مش عايزة أعطلك عن كده أكيد رايح المطعم.
عقب نضال على حديثها وهو يرفع حاجبيه:
-أنتِ بتهزقيني يا سلمى؟!.
تحدثت سلمى بعدم فهم لا تعلم فيما أخطأت:
-عملت إيه أنا غلط؟!
-حساب إيه اللي تدفعيه؟! أحنا أهل ومفيش الكلام ده.
قالت سلمى بصلابة وهي تنظر له رافضة:
-لا شكرًا يا نضال، بس مش هينفع لو سمحت قولي الحساب كام لأني معرفش أصلا كيلو اللحمة عامل كان دلوقتي أنا أول مرة أصلا أجيب لوحدي ماما دايما اللي بتجيب كل حاجة.
هتف نضال بهدوء:
-يا سلمى قولتلك خلاص.
-لا مفيش خلاص لازم تقولي بكام...
نبرتها كانت مرتفعة قليلا؛ وكان من يصعد على السلالم في الوقت نفسه الحاج زهران وخلفه الصبي يحمل له أرجيلته بعدما هبط من شقة شقيقع:
-أهلا أهلا يا سلمى يا بنتي مالك صوتك عالي ليه؟! هو نضال تخصص يضايق لينا القوة الناعمة ولا إيه.
ضحك نضال هاتفًا بسخرية من نفسه:
-شوفتي يا سلمى أهو هتثبتي عليا تهمة بحاول ابعدها عني.
ثم وجه حديثه نحو والده:
-يا بابا مصممة تدفع حق الحاجة.
تحدث زهران برفض قاطع وهو ينظر لها بعتاب:
-تدفعي إيه يا سلمي؟! متزعلنيش منك يا بنتي خدي الحاجة ودي حاجة بسيطة روحي....
ثم وجه حديثه إلى الشاب الذي يقف ويراقب الحوار ويشرب كوب الشاي:
-ادخل اوزن للست سلمى اتنين كيلو سجق كمان علشان تجربه وتقولنا رأيها
تمتمت سلمى بحرج شديد:
-يا عمو أنا مش هينفع اخد أي حاجة إلا لما أدفع ثمنها.
أردف زهران وهو يمزح معها:
-دوقي بس السجق والحاجة وقوليلي عجبوكي ولا لا، وبعدين نبقى نشوف حوار الدفع ده، عيب يا سلمى أنتِ زي بنتي وأحنا أهل، ده أنا حتى بقول عليكي عاقلة مش زي اختك وسلامة الاتنين عقلهم خفيف، ربنا يكملك بعقلك..
ثم أسترسل حديثه بنبرة ذات معنى:
-ازيك وازي الحاجة يسرا؟!.
ردت سلمى بحرج وهي تشعر بالضيق الشديد لم يكن عليها أن تأتي إلى هنا ولن تأتِ مرة أخرى:
-الحمدلله بخير.
تحدث نضال مقاطعًا الحوار:
-أنا هدخل اغسل ايدي وامشي علشان رايح هناك..
رد والده عليه:
-روح أنتَ وأنا كلمت ليك سمير يبعتلك الخضار...
______________
-يعني إيه يعني مش هتسبيني أنزل؟!.
قالت سامية تلك الكلمات وهي تقف بجوار والدتها في المطبخ وهي تقوم بتقطيع الخضروات من أجل صنع الطعام..
تحدثت انتصار ببساطة:
-هو أنتِ مسمعتيش كلام عمك؟! مش قالك مش هتنزلي من البيت؟! يبقى متنزليش.
هتفت سامية بنبرة غاضبة:
-وهو هيحكم عليا ليه؟!؟
-بصفته عمك، مش أنتِ عايزة حد له صفة يحكم عليكي مدام نضال ملهوش صفة يبقى عمك من حقه يربيكي.
غمغمت سامية متأففة بنبرة هسيتيرية:
-أنا معرفش أنتِ اللي سلبية معاهم بالشكل ده معايا ولا معاهم أنا اللي بنتك؟! وبعدين هما بيمنوا علينا يعني؟! أي حاجة بيعملوها ده حقنا مش زيادة منهم، وأحنا حريين.
أستدارت لها انتصار قائلة بعصبية مُفرطة:
-لا يا بنت بطني أنتِ مش حرة، مدام وصلت بيكي قلة الأدب أن حتى الطرحة اللي كنتي بتحطيها منظر ومبينه شعرك منها تروحي خلعاها بكل بجاحة معرفش ليه، يبقى أنتِ عايزة راجل يشكمك مدام أنا مبقتش قادرة عليكي وبعدين اتخفي من وشي أنا مش طايقاكي أصلا.
هتفت سامية بنبرة غاضبة:
-أنا هكلم خالو وخالتو على فكرة وهقولهم..
قاطعتها انتصار ساخرة:
-قوليلهم عمي مانعني اخرج علشان قلعت الطرحة وانا ماشية ولو مجاش خالك كسر رجلك وعمل اللي عمك معملهوش مبقاش انا انتصار وابعدي عن وشي بقا سبيني اتنيل اخلص الأكل بدل سدة النفس اللي أنتِ مخلياني فيها دي روحي اترزعي في أي حتة..
قالت سامية بتهور:
-أنا هنزل..
-عمك تحت لسه كنت شايفاه وانا بنشر الغسيل عايزة تفرجي عليكي الشارع وعلينا انزلي.
أبتعدت سامية عنها وذهبت إلى غرفتها وألقت بحقيبتها على الفراش بغضب وغل كبيران فهي كانت قد استعدت للخروج لكن الآن حديث والدتها جعلها تتراجع قليلًا ولأنها ترغب في السيارة لا تريد أي نقاش جديد مع عمها إلى أن تأتي السيارة على الأقل..
نهضت من الفراش والتقطت هاتفها وهي تغلق باب الغرفة ثم قامت بالاتصال على رقم مُسجل باسم حمزة..
أجاب عليها بصوتٍ هادئ ومشرق:
-الو يا ساسو عاملة إيه؟!.
على الأقل هي "ساسو" في نظر بعض الأشخاص، حمزة هو زميل لها في الجامعة، كانت على علاقة سطحية جدًا به، لكنها نوعًا ما كانت تكن له الإعجاب بطريقته وحديثه اللبق، وكل شيء...
وبعد ان انتهت من دراستها منذ عامين تقريبًا لم يحتك بها إلا قبل ثلاث أشهر تقريبًا وجدته قد أرسل لها طلب صداقة قامت بقبوله وأخذ يتابع منشوراتها ويبدي إعجابه بها وكان من القليل جدًا من الرجال الذين يتابعون محتوى هكذا...
كان بين الحين والأخر يسألها عن أحوالها في محادثات قصيرة جدًا وعلى فترات متباعدة إلى أنه قبل ثلاث أسابيع تواصل معها من أجل حفل زفاف شقيقته ورغب في إتيانها وجعل شقيقته تحدثها بأنها تتابعها وشعرت بالسعادة حينما علمت بأنها صديقة مشتركة بينها وبين شقيقها...
ليلة أمس كانت مختلفة جدًا بالنسبة لها، لطالما عرفت بأن حمزة من وسط مختلف تمامًا عن وسطها وبيئتها لذلك كانت ترغب في الظهور بشكل مختلف؛ وهي لم ترتدي الحجاب الحقيقي، ولا غير الحقيقي عن اقتناع، بل اجبرتها الظروف فقط؛ لكنها ترغب في ترك خصلاتها حرة وأرادت الظهور بهذا الشكل ليلة أمس، وفي نهاية اليوم عرض عليها أن يقوم بتوصيلها..
-الحمدلله يا حمزة أنا كويسة، أنا بس متأسفة مش هقدر اجي الكافية عندك النهاردة.
سمعت صوته تحول من الإشراق إلى العبوس في ثواني:
-ليه كده بس؟!.
-حصلت ظروف.
ادهشها وهي تسمع صوته من الهاتف يقول:
-بسبب الواد اللي جه في الشارع خدك ده لما نزلتي من العربية، على فكرة انا مرضتش انزل علشان ميحصلش مشكلة أنا استنتجت أنه حد من ولاد عمامك علشان كده مرضتش انزل واعملك مشكلة مع إني اضايقت جدًا من الأسلوب الهمجي ده..
شعرت بالحرج الشديد لذلك أجابت عليه:
-يعني أنا كنت متأخرة وكده..
قاطعها هو بنبرة واضحة:
-وهو ماله هو مجرد ابن عمك ملهوش حكم عليكي.
-يعني اكيد بس طبعا الموضوع وصل لعمي وأنا اتاخرت امبارح فحصلت شوية مشاكل يعني الأمور عندنا مش بتمشي كده.
سمعته يهتف متأسفًا:
-للأسف...
ثم أسترسل حديثه بنبرة خافتة:
-مع إني كان نفسي اشوفك النهاردة ونتكلم مع بعض واوريكي الكافية بتاعي اللي لسه فاتحه.
تمتمت سامية بنبرة هادئة ومرتبكة من أن تأتي والدتها في اي لحظة:
-معلش ان شاء الله تتعوض قريب أول ما ظروفي تتحسن هجيلك علطول أنا عرفت مكانه.
-بلغيني قبلها وهكون في انتظارك.
____________
- يوه يا إيناس أنا جاية أقعد معاكي مش علشان اشوف الحيطان.
قالت أحلام " شقيقة طارق" وهي تعمل طبيبة في أحدى المستشفيات، لم يقصر شقيقها طارق المهاجر في تعليمها ابدًا حتى أن أنهت دراستها والآن اصبحت طبيبة مثلما حلمت والدته للراحلة يومًا وتمنت.
قال أحلام تلك الكلمات وهي تجلس في الصالة الخاصة بشقة الزوجية الخاصة بصديقتها إيناس " شقيقة دياب" وزوجها عمرو الذي يكون متواجد في عمله الآن..
جاءت إيناس من الداخل وطفلتها "جني" البالغة من العمر ثلاث سنوات تسير بجانيها وهي ممسكة بطرف عبائتها، بينما شقيقتها التوأم "جواد" نائم بالداخل.
كانت إيناس تحمل فوقها أكواب الشاي وكعك صنعته من أجل صديقتها، وها هي تجلس على الأريكة مما جعل صديقتها أحلام تتحدث وهي ترى الضمادة الموجودة حول معصم ايناس والتي قامت بتغييرها عند إتيانها:
-عرفتي اخوكي دياب أو امك؟!.
تحدثت إيناس وهي تهز رأسها نافية:
-لا معرفتش حد لو عرفوا هتبقي مصيبة ومشكلة يا أحلام، أنا مش بروح علشان العيال والمسافة بعيدة على امي وهي عارفة ان ظروفنا على قد حالها مش بتيجي غير لو أنا عزمتها هي بتكلمني كل يوم وأنا بقولها أن كل حاجة تمام.
لوت أحلام فمها بتهكم متحدثة بجنون:
-المصيبة فعلا أن تعيشي تحت سقف واحد مع الراجل ده، اللي كل شوية يديكي علقة وأنتِ سكتاله.
تنهدت إيناس ثم أردفت وهي تراقب ابنتها التي جلست بجوارها على الأريكة تشاهد أحدى المقاطع على الهاتف:
-لو مسكتش هعمل ايه؟! ما أنا لما بناطحه بيضرب اكتر، ولو قولت لدياب او امي هيحصل مشكلة وهيطلقوني منه.
-احسن هو دي عيشة تكوني مطلقة احسن ما تكوني في بيته ولا للدرجاتي لاحس مخك وبتحبيه.
خرجت من إيناس ضحكة ساخرة وهي تتذكر وقت مراهقتها حينما كانت فتاة في مرحلة الثانوية العامة لا تدري متى وكيف تعرفت عليه، أنقلبت حواسها وقتها رغم تفوقها الشديد في الدراسة، الجميع كان يراهن بأنها ستدخل إلى كلية الطب هي وصديقتها وجارتها أحلام، لكنه استحوذ عليها بالكامل أهملت كل شيء لأجله حتى في النهاية ولجت إلى كلية التجارة ووقتها تم الزواج وهي في الفرقة الثانية، بينما أحلام ولجت إلى كلية الطب محققة أحلامها ورغم كل ذلك علاقتهما لم تنتهي أبدًا.
-الحب ده اللي ضحك عليا وكل عقلي بيه يا أحلام قبل الجواز، لكن دلوقتي مفيش حب كل حاجة راحت.
سألتها أحلام بعدم فهم:
-اومال مكملة يعني معاه علشان العيال؟! وهو صريف اوي يعني..
-لا مش صريف بس بيصرف حتى لو قليل أخر مرة روحت عن امي وغضبت من سنة مكنش بيبعت حتى جنية وأنا كنت متقلة على دياب أوي، دياب وراه حمل ما يتلم امي ودراسة اختي، وجوازه بقاله ثلاث سنين خاطب ولسه شقته مخلصتش لو روحت واطلقت هزود الحمل من عليه، خصوصًا ان امي قالتلي امبارح انه ساب الشغل.
تمتمت أحلام بحيرة وانزعاج:
-انزلي اشتغلي يا ايناس أنتِ مش جاهلة يعني والمحاسبة والشئون الإدارية مرتباتهم حلوة، أنزلي اقفي على رجلك كده واصرفي على نفسك والعيال وديهم حضانة.
أردفت إيناس بألم:
-مش عايزني اشتغل خالص.
-اطلقي واشتغلي وريحي دماغك وريحيني أنا مش مستحملة أشوفك كده..
تنهدت إيناس ثم ابتسمت بمرارة محاولة تغيير الموضوع:
-اتكلمي في أي حاجة تانية يا أحلام؛ أنا قرفانة وعايزة اقضي معاكي وقت حلو ينسيني الغلب اللي أنا فيه مش يفكرني بيه..
تفهمت أحلام ذلك وسمعتها تعقب بعدها:
-صحيح لابسة أسود ليه كده؟!.
أردفت أحلام موضحة:
-مش أنا قولتلك أن الدكتور عز الدين توفي، روحت المستشفى وكنت فاكرة أن جواد هيجي محبتش أقابله وأنا لابسة ملون بس مجاش النهاردة برضو.
ردت إيناس عليها بدهشة:
-أنا مش عارفة أنتِ عايزة أيه من الراجل ده؟! يعني ولا جواز عايزة تتجوزيه ولا عايزة تسبيه والمفروض انك بتحبيه.
-مش عايزة اكون زوجة تانية ولا عايزة الناس تتكلم عليا.
هتفت إيناس ساخرة:
-وهي الناس مش هتتكلم عليكي والمستشفى كلها عارفة العلاقة اللي ما بينكم تقريبًا؟!.
هزت أحلام رأسها متحدثة بلا مبالاة:
-دلوقتي هي مجرد شكوك غير لما يكون الوضع رسمي وواضح.
ببساطة شديدة أجابت عليها إيناس:
-طب ما أنتِ عارفة من البداية من قبل ما يكون في بينكم حاجة أنه متجوز ومن بنت عمه ومفيش أمل يطلقها؛ وهي معندهاش مشكلة يتجوز كمان علشان موضوع الخلفة زي ما قولتي وبعدين الراجل غني وبيجيبلك كل شوية شيء وشويات بتقبلي ليه مدام أنتِ مش عايزة.
أردفت أحلام بنبرة عادية:
-يعني أنا كنت بحبه ومنجذبة ليه في البداية فعلا بس مع مرور الوقت بحاول احسبها صح.
-عارفة إيه مشكلتك يا أحلام؟!.
-إيه هي مشكلتي يا إيناس؟!.
تمتمت إيناس بصراحة مطلقة رغم أنها لا تعرف الرجل نفسه فقط تقرأ عنه في صفحات التواصل الإجتماعي ومن صديقتها تسمع عنه:
-مشكلتك أنك بتدوري على الاحسن منه لكن لغايت دلوقتي مش لاقية حد ينافسه، يعني مش لاقية حد يجيبلك اللي هو بيجيبه ولا يعملك اللي هو بيعمله وبيساعدك في مجالك والمستشفى وبيصرف على الماجستير بتاعك، ويكون مش متجوز وقدك في السن لو لقيتيه هتكرفي الراجل ده، زي ما كنتي حاطة عينك على نضال بعدين كرفتيه لما لقيتي اللي يناسب مستواكي في التعليم...
ضحكت أحلام متحدثة بنبرة هادئة:
-بحب فيكي يا إيناس أنك فهماني أكتر من أي حد، وبعدين أنا فعلا بحب جواد بس برضو مفيش مانع اخد وقتي محدش بيجري ورايا وفي نفس الوقت هو فعلا مقدرش أتخلى عنه ده راجل لما أقول الحاجة قدامه بالصدفة بعديها بكام يوم يكون جايبها ليا ليه اسيبه؟!.
ابتسمت إيناس بعدم رضا:
-بس انا مش مرتاحة للموضوع ده يا أحلام يا حبيبتي، يعني خدي موقف الافضل يا تكملي معاه وخلاص مدام هو كويس يا تسبيه وتنتظري حد فيه المواصفات اللي أنتِ عايزاها.
قالت أحلام بثقة وهي تنهض من مكانها تعدل من وضعية ملابسها:
-متخافيش عليا يا إيناس أنا عارفة أنا بعمل ايه وبأخد أكتر ما بدي، المهم أنا هقوم امشي بقا قبل ما جوزك يجي، وهحاول أكلم جواد وأنا ماشية يمكن يرد عليا لأنه موبايله أغلب الوقت يا مقفول يا مش بيرد من ساعة وفاة والده.
ثم أسترسلت حديثها بنبرة ذات معنى وهي تنحني متحدثة بنبرة خافتة:
-الشنطة اللي اديتهالك فيها البرشام أنا جيت اول ما قولتيلي خلص ومش عارفة تنزلي تجيبي حاجة، اوعي تحملي تاني من الراجل ده حتى لو بالغلط هي المشرحة مش ناقصة قُتلة، كفايا عليكي جنى وجواد اوعي تسمعي كلامه وتخلفي تاني أبدًا، فهميه أن التأخير مش منك سمعاني.
-حاضر يا أحلام متقلقيش أنا مش ناوية أزود الحِمل عليا.
___________
في البناية التي يقطن بها دياب مع عائلته في الطابق الثالث..
أما الطابق الأول يعود إلى صاحب البناية ولكنه تركها منذ زمن وشقته مغلقة يأتي بين الحين والأخر...
أما الطابق الثاني تقطن السيدة بهية البالغة من عمر سبعون عامًا بمفردها، منذ أن وُلد دياب وهو يعلم بأن تلك المرأة تقطن بمفردها وبين الحين والأخر كانت تأتي شقيقتها مع طفلها إلى حين أن توفت ويأتي لزيارتها ابن شقيقتها فقط، تلك المرأة هي حالة نادرة بالنسبة إلى دياب، لم يأتِ في عقله يومًا أن تصبح أمرأة عزباء لمدة تزيد عن خمسين عامًا ولم تتزوج بعد وفاة خطيبها ظلت طوال عمرها وفية له حتى الآن تعلق صورته في منزلها، كانت دومًا حزينة يتذكر بأنها كانت أمرأة جميلة جدًا قبل أن يصيبها العجز وبعدها ذهب نظرها....
يحمل بين يديه كيس بلاستيكي يتواجد بداخله دجاج مشوي على الفحم من أجلها رغم أنها جزء من أخر نقود في جيبه بجانب ما أعطاه إلى والدته "حُسنية" من أجل مصاريف دراسة شقيقته ومصاريف المنزل ولا يعرف ما الذي سيفعله في أيامه القادمة..
ضغط على الجرس ولم يجد إجابة منها، كررها للمرة الثانية والمرة الثالثة، وهي أخبرته أنه إذا تخطى الأمر ثلاث مرات ولم تفتح، يدخل هو مستعملًا نسخة المفتاح التي أعطتها له ذات يوم لعل هناك مكروة أصابها، فتح دياب الباب وولج بلهفة وقلق بعدما ترك الطعام ليجدها تجلس على المقعد ترتدي خمارها المنزلي وهي تؤدي صلاتها هنا تنفس الصعداء وأغلق الباب ببطئ شديد وقرر أن يمرح معها قليلًا..
وجدها في مرحلة التسليم لذلك أسقط أحدى الزهريات البلاستيك التي أتى بها يومًا للزينة والتي يخرج منها ورود بلاستيكية ليجدها لم تتحرك ولم تصدر أي رد فعل ؤرغم أنها أنتهت من صلاتها ولكنه وجدها تنهض وتتوجه ناحيته وهي تسير على عكازها شعر بأنها أتت من أجل أن تفتح له الباب ولكن لم يكن في الحسبان أنها رفعت عكازها وضربته على كتفه متحدثة بسخرية:
-أنتَ فاكرني عامية يا واد ومش هحس بيك؟!.
تأوة دياب وهو يضع يده على ذراعه متحدثًا بفظاظة:
-أومال أنتِ أيه يا حجة؟! بتضحكي علينا يعني وبتشوفي؟!.
-بحس يا عبيط وبسمع، ودني بتسمع ضربة النملة يلا تعالي أقعد معايا وحشتني يا ابني.
هبط دياب بجسده وترك قُبلة على كفها الممتلئ بالتجاعيد وتحدث وهو يسير خلفها حتى جلس على المقعد وهي جلست على الاريكة، وتحدث:
-وأنتِ كمان وحشتيني يا بهية، عاملة ايه يا ست الكُل؟!.
هتفت بهية ببشاشة:
-بخير يا حبيبي وزي الفل، أنتَ إيه اخبارك من ساعة ما سيبت الشغل؟!.
رفع دياب حاجبيه وتحدث ساخرًا:
-جرا ايه ؤا حجة بهية طب بتحسي وبتسمعي ماشي، لكن مش شغالة في المخابرات، عرفتي الكلام ده منين؟! ده لسه امبارح...
ردت عليه وهي تستند على عكازها وتنظر ناحيته ولكن ليس له:
-مش بسمع صوت دبة رجلك وأنتَ نازل في ميعاد شغلك، فسألت البت حور وهي رايحة المدرسة قالتلي أنك سيبت الشغل.
-اهو بسبب واحدة بس لو أعتر فيها هلعب في وشها البخت ومش هيطلع عليها الصبح، واحدة من الناس اللي شايفة نفسها ومشافتش ساعة تربية.
تمتمت بهية بعد تنهيدة خرجت منها وهي حزينة على هذا الخبر الذي قام بتأكيده:
-معلش يا ابني اهو ده النصيب، نصيبك في الشغل ورزقك هناك انقطع لغايت كده، وربنا هيرزقك بالاحسن ان شاء الله؛ البت ليلى خطيبتك عاملة ايه؟!.
هتف دياب بنبرة مختنقة:
-زي القردة وشبة متخانق معاها.
ضيقت بهية عيناها متحدثة بانزعاج:
-ليه كده بس.
-كل ما أكلمها تجلد في اللي خلفوني، وهتعمل إيه هتعمل إيه، وتروح قايلالي أمي مش ومش أمي، وتقعد تشيلني الهم أكتر ما أنا شايله، فقولتلها متتصلش بيا تاني لغايت ما أفوقلها واشوف هعمل معاها هي إيه، أنا مش ناقصني واحدة تعلني.
حاولت بهية قول أي شيء قد تواسيه به:
-يمكن يا ابني بس هي نفسها تتجوزوا علشان كده بتعبر بطريقة غلط بس ومش قصدها تضايقك ولا حاجة.
-دي مش عيلة صغيرة ولا مش فاهمة كم الضغوطات والمسؤوليات اللي عليا أنا جه وقت كنت بنام اقل من ثلاث ساعات في اليوم، الصبح في المطعم وبليل كنت بشتغل في صيدلية دكتور جورج قبل ما يسافر علشان اعرف اجيب الشقة بس واسدد اللي ورايا وهي مش حاسة بأي حاجة طول الوقت هتعمل إيه، هتعمل إيه وتسم في بدني.
أردفت بهية بهدوء:
-خلاص روق كده وبعدين دي ليلى حبيبتك يعني، هي بس بتعبر عن خوفها عليك بطريقة غلط.
يعلم بأنها تحاول التهوين عليه بطريقة لم يفعلها أحد سوى أمه، حتى معشوقته تلومه في الليل وفي النهار، لا تشعر بعجزه الحقيقي....
هتف دياب محاولًا أن يغير الموضوع:
-أنا جايبلك بقا فرخة مشوية من عند الكبابجي اللي بتحبيه في السيدة روحت مخصوص.
عاتبته بهية متحدثة بتهكم:
-يا ابني خلي فلوسك أنا عندي كل حاجة والله مش محتاجة حاجة، لازم تقعد تبزعق في اللي معاك وأنتَ في فترة صعبة.
تمتم دياب بنبرة جادة:
-الساعة اللي بقعدها معاكي دي يا بهية بالدنيا وما فيها عندي وبعدين مستورة الحمدلله، أنا عموما لو احتاجت أي حاجة هاجي أخد منك مش أحنا صحاب وفي ضهر بعض.
ضحكت بهية على ما يبدو لم يستكمل جديته إلى النهاية:
-وأنتَ يا واد بتعرف تأخد أوي، أنا بطلت اطلب منك تجيبلي حاجة علشان مش بتأخد ثمنها وبقيت أقول لأبن ام شيماء وهو نازل علشان بيأخد مني وبيرحني.
حاول دياب تغيير الأمر قائلا:
-يلا يا بهية الفرخة هتبرد، أنا سايب البسلة بتاعت أمي فوق علشان بشوفها بتنرفز ومبحبش حتى اشوفها في الطبق قدامي ونازل أكل معاكي، تعرفي لو كنت شوفتك زمان او كنت عايش على أيامك أنا كنت اتجوزتك اهو احسن من بنات اليومين دول......
____________
تسير " أحلام" في الشارع وهي تضع الهاتف على أذنيها متحدثة بنبرة هادئة بمجرد أن سمعت صوته الكئيب بسبب ما يمر به:
-الو ازيك يا حبيبي عامل إيه؟!.
أتاها صوته من الهاتف مقتضب:
"الحمدلله يا أحلام، أنتِ عاملة إيه وإيه اخبارك؟!".
-بخير الحمدلله؛ المهم أنتَ عندي، كنت فاكرة أنك هتيجي المستشفى النهاردة وكنت مستنياك.
"مش هعرف اجي الكام يوم دول قاعد ما اخويا قبل ما يسافر ومع اختي".
بصوتٍ حنون كانت أحلام تعقب على حديثه:
-ماشي يا حبيبي خد وقتك مع أنك واحشني والمكان من غيرك ملهوش طعم، بس علشان خاطري حاول ترد على الأقل على الواتساب انا قلقانة عليك ومش عارفة أقعد كده من غير ما أعرف عنك حاجة.
"هحاول بس موعدكيش أنا مخنوق جدًا".
-عارفة ومقدرة اللي أنتَ فيه، لأني مريت بيه ربنا يعينك ويقويك يا حبيبي.....
_____________
مش بتحبى تعيشى حياتك غير بشروطك
مش بتحبى تشوفى حقيقتك غير فى مرايتك
مهما اتكلم عمرك مابتسمعى غير صوتك
خدتى حياتى وروحى وعمرى خلاص بكفاية
انانية وغرورها ماليها وبتظهر على غير حقيقتها
قسوتها دى احن مافيها وبتتباهى بحنيتها
ولا دى الانسانة اللى اتمنيتها ولا اختارتها
ياخسارة كل التضحيات اللى انا ضحيتها
على واحدة مبتحبش فى حياتها غير نفسها
مش دى الانسانة اللى اتهيائلى فى يوم حبيتها
ولا دى الانسانة اللى اتمنيتها ولا اختارتها
ياخسارة كل التضحيات اللى انا ضحيتها
على واحدة مبتحبش فى حياتها غير نفسها
يسمع "سلامة" كلمات الأغنية من المقطع الذي قامت جهاد بنشرها على حسابها الشخصي يحاول فهم ما الذي تريده في نشر مقطع هكذا الحديث لا يناسبه مثلًا إذا كانت قامت نشره من أجل أن يراه وهي تقصده كباقي الأغاني...
للحق هو مشتاق إلى حد الجنون لذلك أراد أن يكف عن العناد ويصالحها وأخذ يفكر في تعليق مناسب قد يكتبه لها على المقطع لعله يكون السبب في صُلحهم.....
" جرا إيه يا جهاد واخدة دوري ليه، أستاذ أحمد سعد كان بيغنيها لواحدة، ياريت تاخدي الاغاني اللي تمشي معاكي وتسبيلي الاغاني اللي تمشي معايا لو سمحت".
ألحق تعليقه بـ ملصق تعبير غامزًا لها، وكانت في الوقت نفسه جهاد الهاتف بين يديها رأت إشعار قد أرسل لها بتعليقه لتستشيط غضبًا وهي تقوم بقرأته وأخذت تكتب له دون تفكير وكعادة أي رجل حاول أن يصالحها وأن يبدأ الحديث بينهما لكنها ظنت بأنه يصفها هي، لذلك جدث مشكلة أخرى الرجال لا يعرفون تنسيق كلماتهم يقصدون شيء ويحدث شيئًا أخر...
"مين دي اللي أنانية وغرورها ماليها يا أستاذ سلامة؟! أنتَ تقصدني أنا بالكلام ده، كتر خيرك وعلى العموم أنا اللي غلطانة إني مبلكتكش من ساعة ما اخدت شبكتك كان المفروض متبقاش عندي على الاكونت..".
قرأ سلامة التعليق الخاص بها فهو ينتظره على أي حال وحاول قرأة تعليقه مرة أخرى ولا يعلم ما الذي فهمته تلك المعتوهة هو يريد الصلح معها...
ولما تخبر الناس على الملأ في التعليقات بأنها قد أخذ شبكته؟!.
" تبلكي مين يا جهاد؟! أنتِ شكلك أتجننتي"
تعليق يتم اتباعه بتعليق جديد...
"اتجننت يوم ما حبيتك يا سلامة واتخطبت ليك، لو أنا أنانية وغروري ماليني مالك بيا؟! خطبتني ليه واتحايلت عليا علشان أوافق بس اتخطبلك ليه"
"أنتِ كنتي تطولي أساسًا؟!! وبعدين أنا ولا قولت أنانية ولا غيره أنتِ اللي عاملة شير للأغنية أساسًا فوقي يا دراما كوين".
هذا ما كتبه وحاول كتابة تعليق أخر لكن في الوقت نفسه أتى له إشعار بأنه قام بانتهاك المعايير الخاصة بالتطبيق ولا يعلم ما الذي فعله!!!..
لكن كل ما يعرفه بأنه تم حظره...
ليراقبها وهي تعلق..
"مين دي اللي تطول اومال مين اللي كان في الطالعة والنازلة كان بيتحايل عليا علشان اوافق بيه"
كتبت جهاد التعليق وانتظرت رد لكن لا يتواجد رد لمدة دقائق.....ظ
قامت بكتابة تعليق أخر..
"أنتَ فين يا أستاذ سلامة؟! روحت فين؟! لما رديت عليك سيبتني؟!! ولا علشان معندكش كلام تقوله"
" ولا أقولك شوف نفسك بتكلم مين ان شاء الله عنك ما رديت".
كتبت تعليقها الأخير وألقت بالهاتف على الفراش ثم ركضت إلى الخارج بطريقة جعلت كوب الشاي الذي يتواجد في يد والدتها يسرا على وشك أن يسقط وهي تخبرها:
-أنا مش هرجع لسلامة أنتِ سامعة..
تزامنًا مع صوت صراخ جهاد كانت سلمى تدخل إلى المنزل وهي تحمل أكياس اللحم وبعض المشتريات التي وضعتها وتسمع صراخ شقيقتها وهي تختم حديثها:
-لو أخر راجل في الدنيا أنا مش عايزاه ولا يمكن ارجعله....
أنهت حديثها وركضت إلى غرفتها وهي تأخذ هاتفها من وسط دموعها وتجده لم يجب على تعليقاتها فقامت بمسح المنشور وأخيرًا انتبهت أن هذا الشجار كان أمام الجميع، ولأنها ترغب في تكملة الشجار كانت على وشك الاتصال به من كثرة الغيظ التي تتملكها ولكنها أبت من أجل كرامتها، لكن بما أن الهاتف قد اهتز في يدها معلنًا عن اتصال من سلامة نفسه إذن لن تتأذى كرامتها وهي تجيب عليه:
-ألو..
هتف سلامة معتذرًا أنه لم يستكمل الشجار..
"ألو يا جهاد معلش يا حبيبتي معرفتش اكمل الخناقة والله اتحظرت ومش عارف أرد اوعي تفتكري اني طنشتك".
ردت عليه بنبرة منفعلة:
-حبك برص..
" لا حبتني جهاد"
ثم أسترسل حديثه بشقاوة:
"وبعدين مين دي اللي أنانية يا بت، ده أنتِ روح قلبي من جوا يا جهاد وبعدين أنتِ معاكي حق أنا كنت بلف الدنيا وفي الطلعة والنازلة بتحايل عليكي علشان تتجوزيني ونتخطب، كل اللي قولتيه صح فعيب بقا بعد ده كله نفضها سيرة.....".
هتفت جهاد بكبرياء:
-والله كنت قولت لنفسك الكلام ده قبل ما تروح تنزل بوست لشاهندة تقولها كل سنة وهي طيبة..
"امسحلك شاهندة واللي خلفوها كمان لو حابة، هبلكها خالص؛ ولا هنزل لأي واحدة اي حاجة، بس نتصالح، يا جهاد احنا فرحنا قرب بقا المفروض نعقل شوية".
تمتمت جهاد بنبرة هادئة مقارنة بما كانت عليه:
-هو أنا يعني اللي بعمل المشاكل دي لوحدي؟! ولا أنتَ اللي بتقول شكل للبيع.
"حقك عليا، حقك عليا يا ستي أنا غلطان متزعليش بقا علشان خاطر اللي ما بينا، وبعدين هي ولا أول خناقة ولا أخر خناقة هتحصل يعني.."..
المشهد قد يبدو غريبًا..
لكنه ليس غريبًا أبدًا أن كان يصف علاقة كـ علاقة سلامة وجهاد....
في الخارج..
كانت سلمى هي التي تدب شجار هاتفة:
-أنتِ ليه مقولتليش أنك لما بتروحي تجيبي لحمة من عند جزارة خطاب أنهم مش بيأخدوا منك فلوس.
سألتها يسرا بغضب وتوضيح في الوقت ذاته:
-وهو أنتِ سألتيني وأنا مردتش عليكي؟! وبعدين أنا عارفة حصلت معايا مرتين ومن ساعتها بطلت اروح وبجيب من جزارة اولاد عزت من السوق وبريح دماغي وبعدين سلامة لما كان بيجي زيارات كان ساعات بيجيب معاه لحمة بس لكن انا مبروحش اشتري أنتِ مسألتنيش..
هتفت سلمى بنبرة ساخطة وأعصاب طوال الوقت مشدودة:
-كان لازم تعرفيني برضو...
قالت يسرا بجنون من بناتها فهما على وشك أن يكونوا السبب في ذهابها إلى العباسية:
-هو أنا بخمن يعني؟!!!! لو كنتي اتنيلتي سألتي كنت قولتلك وابعدي عني بقا علشان اخلص كوباية الشاي واقوم اشوف البت مالها إيه اللي فتحها تاني بالمنظر ده..
تمتمت سلمى باختناق شديد وهي تخبر والدتها بما حدث:
-انا روحت ومرضيش لا نضال ولا أبوه ياخدوا مني فلوس، وكمان ادوني حاجات غير اللي طالباها.
وفي الوقت نفسه وقبل أن تنهي يسرا كوب الشاي جاءت جهاد من الداخل ببسمة واسعة وهي تمسح دموعها بيد واليد الاخري تحمل الهاتف بها والذي كان سلامة عليه..
-أنا وسلامة اتصالحنا يا ماما وهو بيقولك فاضيين امته علشاني يجي يديني الشبكة؟!.
كانت الصرخة تلك المرة من نصيب سلمى التي هتفت:
-هو المسلسل التركي ده كل شوية يتعاد ولا إيه احنا زهقنا
سمعت جهاد صوت سلامة من السماعة الموضوعة في أذنيها:
-لا اختك مجنونة بجد وتصرفاتها مش طبيعية أنا هبقى أكلمك وقت تاني خدي ميعاد من طنط....
____________
في اليوم التالي...
-أنا بس لو أشوفها تاني مش هحلها.
قال دياب تلك الكلمات وهو يسحب نفس من سيجارته وهو جالسًا على القهوة مع صديقه نضال الذي رد عليه بنبرة عادية:
-خلاص يا دياب سيبك منها بقا هي واحدة في الاول والاخر مش راجل، سيبك منها وخلاص راحت لحالها.
هتف دياب ساخرًا:
-اه راحت لحالها ياخويا بعد ما قلت مني وبسببها اطردت من الشغل والنهاردة روحت مقابلة عايز يشغلني بألفين جنية في الشهر، والله مشيت قبل ما اسمعه الغلط والصح واللي ميتقالش واللي يتقال.
حاول نضال أن يواسيه متحدثًا بطريقةٍ إيجابية:
-ان شاء الله تلاقي فرصة كويسة قريب أنتَ لسه سايب الشغل أول أمبارح ملحقتش تدور كويس أصبر شوية ووسع خلقك.
تمتم دياب متهكمًا:
-ماشي ولما أنا اوسع خلقي المسوؤليات اللي ورايا هتوسع خلقها هي كمان؟! مش في دروس ومصاريف بيت غير ليلى هانم اللي بتسم بدني بالكلام ومش عاجبها اني سيبت الشغل على أساس إني سايبه بمزاجي ولا علشان أخد ريست..
كان يرغب في أن يقترح عليه أن يعطيه مبلغ من المال ويرده حينما يستطيع ولكنه خشى أن يزعجه فهو يعلم حساسية دياب في تلك الأمور وأنه حينما يريد "سُفلة" منه سيخبره بمفرده ويُردها لذلك عقب نصال بنبرة هادئة:
-أن شاء الله هتتحل قريب فكها بقا.
تمتم دياب باستغراب وهو ينظر له:
-أنا اللي افكها؟! ولا أنتَ اللي ضارب بوز أكتر مني ولا كأنك أنتَ اللي واحدة ملهاش لازمة مسحت بكرامتك الأرض وبقيت عاطل..
لأنه يحمل هموم أخرى منذ رؤيته إلى سامية وهو يشعر بمشاعر غريبة غير مفهومة لكن من ضمنها الغضب وتلك المرة لا يستطيع مشاركة مشاعره تلك وهذا الموقف أمام صديقه، هي ابنة عمه في النهاية لا يستطيع أن يخبر أحد بما فعلته.
-مفيش حاجة بس مخنوق شوية لا أكثر ولا أقل.
تمتم دياب بذكاء هو يعلم على الأقل أن الموضوع يخص ابنة عمه حتى ولم لا يفصح عن التفاصيل:
-والله أنتَ اللي دماغك مريحاك اللي مش عايزك متعوزهوش يا نضال وشوف ست ستها واتجوز ريح دماغك ولا تتعب قلبك ولا نفسك مع اللي مش مقدرك....
كلمات كانت في الصميم....
لكن لم يكن نضال يرغب في أن يتحدث في الأمر لذلك تمتم بنبرة عادية:
-إيه رأيك لو نكلم الواد طارق فيديو كول أنا مكلمتهوش النهاردة تعالى نشوفه عامل إيه......
الاتصالات لم ولن تنقطع بين الثلاثة أبدًا..
صداقة لن تجد لها مثيل ونادرة في هذا الوقت..
عقب دياب بنبرة جادة:
-يلا نكلمه علشان اخليه يحسبن معايا على اللي ما تتسمى يارب تقع تحت ايدي تاني وهطلع قرف السنين كله على جتتها....
____________
في مطار القاهرة كان يقف محمد مستعدًا للسفر إلى الإمارات العربية المتحدة، من أجل مؤتمر...
محمد يمتلك شركة خاصة بالانشاءات والعقارات بل أنه أكبر المستثمرين في الشرق الأوسط، يبلغ من العمر خمسة خمسين عامًا، ورث كل شيء عن والده...
وقبل أن يتحرك مع رجاله إلى الساحة الخاصة بالانتظار صدع صوته هاتفه يعلن عن اتصال من رقم غريب..
فأجاب ليأتيه اتصال من ابنته ريناد:
-بابا الحقني..
تيبس محمد في مكانه هاتفًا بقلق:
-مالك يا ريناد؟! ورقم مين ده اللي بتتكلمي منه؟!!
-بابا أنا في القسم تعالي ضروري....
الفصل الثالث من #عذرًا_لقد_نفذ_رصيدكم
#شارع_خطاب
بقلم #fatma_taha_sultan
____________
اذكروا الله.
دعواتكم لأهلكم في فلسطين والسودان وسوريا ولبنان وجميع البلاد العربية.
___________
يجلس دياب في منزل الحاج زهران، قام نضال بدعوته للعشاء معهما فأتى "دياب" معه من القهوة..
ولم تكن تلك المرة الأولى بل هو معتاد على الذهاب وقضاء بعض الليالي معه هو وسلامة تحديدًا لأنهما يمكثا بمفردهما وهذه المرة يشاركهما الحاج زهران وأرجيلته الغنية عن التعريف مادام أصبح رجل عازب إذن ليشارك الشباب جلستهم....
كان دياب يجلس بجانب زهران على الأريكة وسلامة على المقعد، بينما نضال عالق في المطبخ في تحضير العشاء..
أخرج دياب علبة السجائر المتواجدة في جيبه تحت أعين زهران الذي صاح في وجهه بغضب واضح:
-هطلع علبة السجاير تشربها قدامي إيه مفيش احترام؟!.
رد دياب عليه ببساطة وعفوية:
-وإيه المشكلة يا حج زهران ما أنتَ قاعد تشرب الشيشة قصادي ومتكلمتش ولا فتحت بوقك ولا هو حلال ليك وحرام عليا.
عوج زهران فمه وغمغم ساخرًا:
-أنتَ بتقارن نفسك بيا؟! ده القوالب قامت والأنصاص نامت صحيح، بقا العيال...
قاطعه دياب هاتفًا وهو يضع العلبة في جيبة متمتمًا حتى يتجنب النقاش:
-خلاص يا حج زهران احنا لسه هنقول محاضرة مش شارب هشرب لما أكل، هتبقى اقعد في البلكونة..
تمتم زهران بنبرة ساخرة بعدما سحب نفس من أرجيلته:
-عايز تشرب مع ابني وانتم قاعدين في البلكونة علشان تفسد أخلاق ابني المتربي وتعلمه شرب السجاير.!، مهوا أنا قلقان منك طول عمري، الواد طارق مكنش بيشرب أي حاجة، صحيح ما التفاحة الفاسدة تفسد صندوق كامل...
ضحك سلامة على طريقة أبيه بعدما ترك الهاتف ليتحدث تلك المرة دياب بنبرة مرحة فهو يعتاد على زهران ليس جديدًا عليه بل يحب الجلوس معه بين الحين والأخر:
-ما بقولك إيه يا عم زهران ما تسيبك من الفاكهة والتفاح وخليك في اللحمة...
ابتلع ريقه ثم أسترسل حديثه بنبرة جادة:
-وبعدين يعني هو دياب الوحيد اللي بيشكل خطر على ابنك مهوا بيقعد على القهوة مع اللي بيحششوا وبيشربوا كل حاجة ثق في تربيتك وبعدين ما أنتَ خير مثال ما طول النهار قاعد في وش ابنك بالشيشة ومتأثرش.
سحب زهران نفس من أرجيلته ثم غمغم بنبرة ذات معنى:
-والله كل اللي قولته ده اكتر حاجة عجبتني فيه اني عارف تربيتي وواثق فيها..
مال دياب عليه قائلا وهو يمرح معه:
-علشان تبقى عارف بس اني صاحب فاسد اه بس بخاف على صاحبي في مرة كان عايز يشرب سيجارة ويجرب بس أنا مرضتش علشان خاطرك فثق في صاحب ابنك كمان...
صدع صوت زهران متمتمًا تحت ضحكات دياب وهو يرى ملامحه التي تغيرت وصدق حديثه الذي يمزح به معه:
-واد يا نضال تعالى...
تمتم سلامة ساخرًا:
-يا بابا الواد ميت من الضحك جنبك أنتَ مصدق يعني، وبعدين هو احنا عيال صغيرة..
توقف دياب عن الضحك متمتمًا حينما أتى نضال من الداخل وهو يرتدي مريول المطبخ:
-مفيش يا نضال ارجع كمل الاكل علشان أنا ميت من الجوع وعايز نفتح البسبوسة اللي أنا جايبها..
قاطعه زهران بنبرة متهكمة:
-ما خلاص عرفنا أنك جايب بسبوسة...
رد دياب عليه بمرحٍ:
-لا مش باين أنكم عرفتم ده أنا ناوي اصورك بيها واحطها على الفيس واعمل منشن لصفحة الجزارة علشان الناس كلها تعرف إني جيبت ليك بسبوسة..
ثم أسترسل حديثه بنبرة ذات معنى حينما رحل نضال:
-بقولك إيه انا حاسس أن كل العصبية اللي أنتَ فيها دي بسبب أنك لوحدك وأنتَ مش واخد على كده، أنا عندي ليك عروسة لم يسبق لها الزواج أصلي أنا عارفك وحافظك واحنا لينا نفس المواصفات..
تمتم زهران بعدما سحب نفس من أرجيلته وقام بتعديل وضع الفحم:
-متجوزتش قبل كده ازاي يعني؟! دي عندها كام سنة دي؟! اكيد صغيرة في السن..
قاطعه دياب بنبرة واضحة:
-لا مناسبة ليك في السن عيب عليك ودي حاجة تفوتني وبعدين يا حج زهران أرحم صحتك كده وشوف اللي قدك اللي فاتت كانت صغيرة عليك...
نهض سلامة حينما قامت جهاد بالاتصال عليه وذهب نحو غرفته، ليتحدث زهران بغضب:
-احترم نفسك يا واد أنا لسه شباب، وبعدين عندها كام سنة دي؟!!!!.
هتف دياب بنبرة جادة:
-يدوبك اتنين وسبعين سنة من سن بعض، بهية جارتنا..
ضربه زهران بخرطوم الارجيلة قائلا بغضب وقد احتدم على أخره:
-اتنين وسبعين سنة في عينك، ليه فاكرني مركب طقم سنان يلا، ده أنا لسه بصحتي وشباب قال من سني قال قوم اخفي من وشي وساعد نضال في الاكل بدل ما أنتم سايبين الواد لوحده أنا غلطان أني عمال اخد وادي معاك في الكلام...
ثم صاح بجنون وهو يدافع عن نفسه:
-قال قدي قال في السن..
-الصبغة دي بس اللي مخلياك تتكبر على مخاليق الله، وبعدين بقولك إيه روح الحق اصبغ تاني علشان من الجناب بدأ الشعر الابيض يظهر تاني...
صاح زهران بنبرة غاضبة:
-يا نضال تعالى شوف صاحبك..
تحت ضحكات نضال الذي يقف في المطبخ المفتوح والواضح لهم لكن من مسافة بعيدة:
-تعالى يا دياب وسيبه بقا علشان ميقمش يولع فينا بدل الفحم...
بالفعل نهض دياب وذهب ناحية نضال ليساعده رغم أنه لا يفقه شيء في صنع الطعام لكن رُبما يستطيع مساعدته في أي شيء، وتزامنًا مع ذهابه أتى سلامة متمتمًا وهو يحتل مكان دياب بجوار أبيه:
-أنا صالحت جهاد امبارح واحتمال اروح بكرا اديها شبكتها...
غضب زهران متمتمًا:
-وليه عملت كده من غير ما تقولي...
لم يفهم سلامة سر غضب أبيه مما جعله يغمغم باستغراب:
-وهيفرق في إيه يعني؟!!.
-اسكت أنتم كلكم تحرقوا الدم روح معاهم شوفهم بيعملوا إيه أنتَ كمان..
___________
-بابا أنا...
لم تستكمل ريناد كلماتها.....
تلقت عدة صفعات متتالية بجنون من والدها لأول مرة يصل إلى تلك الحالة لكن من يلومه؟!..
بعد الذي فعلته هي به؟!
ابنته تم القبض عليها في أحدى الملاهي الليلة بسبب كسرها زجاجة على رأس أحدى الشباب الذي حاول التحرش بها في المكان، غير صديقاتها منهم من كان في حالة سُكر واضحة...
-أنتِ لسه ليكي عين تتكلمي..
جذبها من خصلاتها تحت تأوهاتها وبكائها الشديد وهي تصعد معه الدرج الخاص بالفيلا وهي تسير معه مجبرة حتى ذهب إلى غرفتها ليفتحها ويلقيها بالداخل مما جعل خطواتها تتعثر حتى سقطت أرضًا وسمعته يهدر......
-على أخر الزمن، تستغفليني وتقوليلي أنا عند صاحبتي معزومة على العشاء وهبات عندها علشان أنتَ مسافر، أنا هوريكي يا ريناد قسمًا بالله هوريكي على اللي عملتيه النهاردة، من هنا ورايح جامعة مفيش خروج مفيش، مش هتخرجي من الأوضة حتى...
صرخ في وجهها هادرًا بعنف وجنون كبير:
-قومي هاتي اللاب توب والموبايل والايباد ومحفظتك ومفتاح العربية.....
لم تتحرك ليهتف محمد بنبرة هسيتيرية:
-اتحركي..
نهضت بسرعة وأعطته ما أرادته على عجلة من أمرها وهي تنتفض، ولم تستطع أن ترفض أبدًا يكفي ما مرت به اليوم، أخذ المحفظة ليخرج كل البطاقات الائتمانية وحتى بطاقتها الشخصية وكل شيء منها....
خرج من الغرفة ثم وضع تلك الأجهزة على أحدى المقاعد في الخارج ثم أغلق الباب وهو يهدر...
-زينب...
جاءت زينب العاملة التي تعمل في منزلهما منذ سنوات وحتى قبل أن تتوفى زوجته:
-ريناد متخرجش من أوضتها لأي سبب من الاسباب أنتِ سامعة وأي حد من الصيع صحابها هيجي يزورها ميدخلش البيت من أساسه حتى الأكل تأكله في أوضتها...
لم تفهم زينب الذي حدث ولكنها هزت رأيها بإيجاب متمتمة بتوتر من الأجواء المشحونة:
-حاضر...
رحل محمد بغضب شديد بعدما أخذ الهاتف وكل شيء، وذهب إلى غرفته..
بينما في الداخل ريناد كانت تبكي وتشهق بقوة بسبب ما تعرضت له طوال اليوم الغريب وذهابها إلى قسم الشرطة بتلك الطريقة غير أنها المرة الأولى التي يصفعها والدها بتلك الطريقة على العكس هو دومًا حنون منذ وفاة والدتها عليها لكن على ما يبدو هذه الطريقة لم تفلح معها.....
لا تعلم حتى كيف استطاع والدها أن يأتي رغم سفره الهام، غير محاولته الشديدة للتفاوض مع صاحب المكان والشاب الذي قامت بجرحه في رأسه جرح غائر حاول السيطرة على كل شيء ولم يتحدث معها في أي شيء حتى دخل الاثنان إلى المنزل وانفجر بها، هي تستحق أن يفعل بها ما هو أكثر من ذلك يا ليتها لم تذهب إلى هذا المكان مستجيبة إلى صديقاتها....
____________
ترك سلامة دياب ونضال وحتى والده ثم ولج إلى الغرفة تاركًا أياهم مع الطاولة لعبتهما المفضلة، حتى يتحدث مع جهاد مرة أخرى لقد تأخرت عن موعد عودتها إلى المنزل ومازالت في الخارج وهذا ما ازعجه لذلك قرر الاتصال بها..
في الوقت نفسه في أحدى المولات التجارية كانت جهاد تقوم بقياس الملابس في غرفة القياس تاركة حقيبتها وهاتفها مع صديقتها المُقربة ميار التي تقف في الخارج...
صدع صوت هاتف جهاد الذي يتواجد بين يديها ولم تكن تلك المرة الأولى بل أنها الثالثة لذلك أجابت ميار:
-ألو..
وقبل أن يسمع الصوت كان سلامة يتحدث بغضب:
-أنتِ فين يا ست هانم ما تباتي برا أحسن الساعة عشرة.....
عقبت ميار على حديثه بنبرة عادية:
-أنا ميار صاحبتها جهاد جوا بتقيس الهدوم، احنا خلاص ماشيين.
تمتم سلامة بفظاظة:
-هو أنا متصل على موبايلك يعني بتردي ليه؟!.
ردت ميار على حديثه ببساطة ولا مبالاة:
-والله أنا لقيتك عمال ترن فقولت أرد عليك علشان متقلقش، وبعدين أتكلم بأسلوب كويس.
جاءها صوت سلامة من الهاتف متحدثًا بنبرة ساخرة:
-معلش والله أنا بتكلم زي ما أنا عايز وتاني مرة مترديش على الموبايل بتاع جهاد لما أتصل..
ولم ينتظر أن تعقب على حديثه بل أغلق الهاتف في وجهها، وفي الوقت نفسه أتت جهاد من الداخل وهي تحمل قطع الملابس متمتمة:
-شكله عبيط عليا أوي وكبير زيادة عن اللزوم وكنت بنادي عليكي برضو علشان تشوفيه مشيتي ليه؟!.
تمتمت ميار ببساطة:
-أبدًا سلامة كان عمال يرن فروحت رديت عليه خوفت يقلق عليكي والشبكة جوا وحشة فمشيت شوية كده، وبعدين يعني مقولتيش أنك أنتِ وسلامة رجعتوا لبعض؟!..
هتفت جهاد بنبرة عادية:
-معرفش ما أنا أول ما شوفتك كنتي عماله تحكي حوار عمتك وبنتها ومجتش فرصة أقولك وبعدين كنت هقولك أكيد...
قاطعتها ميار متحدثة بنبرة عادية:
-أنا بتكلم عادي يا جهاد مفيهاش حاجة براحتك المهم كلميه علشان هو متعصب جدًا عقبال ما اخرج برا علشان الداتا تلقط وأطلب **** علشان نروح.
"بعد عودتها إلى المنزل"
كانت تضع الهاتف على أذنيها متحدثة بغضب:
-أنتَ أصلا عمال تزعق ليه؟!.
جاءها صوته غاضبًا هو الآخر من الهاتف:
-راجعة البيت والساعة داخلة على (١١) وعايزاني أسقف يعني ولا أعمل ايه والزفتة صاحبتك دي بترد على الموبايل ليه؟!.
تمتمت جهاد بغضب:
-أنتَ لسه ملكش حكم عليا يا سلامة وبعدين أنا اتاخرت غصب عني لأني أصلا نزلت متأخر وأنتَ عارف، وبعدين أنتَ شايل ميار وحاططها فوق دماغك ليه؟! وإيه الطريقة الزفت اللي كلمتها بيها دي؟!.
سمعت صوته يصيح:
-اومال هحب فيها يعني؟! هي اللي المفروض متردش على الموبايل مدام شايفة اسمي.
هتفت جهاد بنبرة عادية ولا تجد أي مشكلة في الأمر:
-مش كنت عمال ترن أكثر من مرة وهي مردتش من أول مرة وقالت أنها خافت تقلق عليا...
قاطعها سلامة بنبرة ساخرة:
-مش ده موضوعنا أنا كنت متعصب اصلا بسبب تأخيرك ومكنش ينفع أصلا تنزلي من البيت الساعة سبعة....
تمتمت جهاد بانزعاج جلي:
-أنتَ عايز تعمل فيها سي السيد وتقعد تتحكم فيا الكلام ده لما أكون في بيتك غير كده لا وألف لا وبعدين كان ضروري أنزل...
قاطع حديثها وهو يغمغم:
-اه كان المفروض تنزلي علشان خناقة الشحرورة وعمتها واحنا مالنا بيها..
هتفت جهاد بجنون وضيقٍ شديد:
-سلامة متجيش وخلي الشبكة معاك علشان أنتَ مفيش فايدة فيك..
-لا هاجي وهتلبسي الشبكة أن مكنش بمزاجك هيكون غصب عنك والله ليكي روقة معايا لما نتجوز ليكي روقــة..
-لا متجيش...
عقب سلامة على حديثها قبل أن يغلق المكالمة:
-لا جاي.
_____________
سافر شقيقه عماد كالمتوقع ولا يعلم متى سوف يراه مرة أخرى، وذهب للعيش في الفيلا الخاصة بعائلته برفقة رانيا التي جاءت معه مُجبرة، غير راضية أبدًا على الأمر...
يقضى اليوم كله مع شقيقته تقريبًا، رُبما لأنها الوحيدة التي تشاركه حزنه وتشعر بما يشعر بها ولأنها تمتلك من الشفافية ما لا يمتلكه أي شخصٍ أخر، الحديث بينه وبين أحلام شبه مُنقطع، فهو لا يجيب على هاتفه إلا نادرًا على الرغم من اتصالات اصدقائه، واتصالات أحلام التي لا تتوقف أبدًا ورسائلها الطويلة ولكنه غير مهتم بأي شيء......
نامت شقيقته نسمة بعدما شعر بارهاقها طوال اليوم التي قضته في البكاء ولأن قلبها لا يتحمل هذا كله، حاول مواساتها قدر المُستطاع وتهدئتها حتى نامت وترك قُبله على رأسها ودثرها بالغطاء وكأنها طفلته وهي بالفعل كذلك طفلته وصغيرته...
ذهب إلى غرفة نومه التي أصبحت خاصة به وبزوجته، ليجدها جالسة على الفراش تعبث في هاتفها، بدل ملابسه ثم جاء وتحدث معها متمتمًا حاول أن يكون حديثه معها هادئًا، وهو يجلس بجانبها على الفراش..
-أنا راجع الشغل بعد بكرا.
ردت عليه بلامبالاة ونبرة مقتضبة:
-كويس.
سألها جواد بنبرة عادية رغم أن يعرف أن الإجابة لن تروق له عند سماعها:
-منزلتيش تتعشي ليه معانا؟!..
تمتمت رانيا بانزعاج جلي ولم تخلف توقعاته:
-كده أنتَ عارف رأيي مش كفايا إني جاية مجبورة؟! عايز إيه مني تاني؟!.
استغفر جواد ربه ثم غمغم بنبرة منزعجة وهو يعتدل في جلسته قائلا بانفعال:
-جرا إيه يا رانيا هو حد عملك حاجة تضايقك؟!، هل حد لزمك بحاجة ولا طلبت منك تعملي أي حاجة أنتِ في حتة ونسمة في حتة، ولا طلبت منك أي حاجة علشان تعيشيني في النكد ده و مش مقدرة اللي بمر بيه...
هتفت رانيا بضيقٍ:
-جواد متزعقش..
نهض من الفراش ثم غمغم بانزعاج:
-يعني تحرقي في دمي وطول النهار مبوزه في وشي وتردي عليا من تحت ضرسك وعايزاني اعملك إيه بجد؟! أنتِ مش طبيعية، عايزة تعملي حوار وخلاص مش كفايا كنتي قاعدة على الغداء نظراتك لنسمة زي الزفت وهي بتحس أكتر منك على فكرة.........
قاطعته رانيا بسخرية وعتاب واضح:
-ده بدل ما تشكرني يعني إني عملت اللي أنتَ عاوزه وجيت معاك؟!. اسيطر على تعبيرات وشي كمان؟!
تحدث جواد بأعصاب مشدودة وغاضبة:
-اشكرك لما تكوني مريحاني على الأقل مش تكوني متكدرة ولا بتنزلي تأكلي ولا غيره ومحسساني اني ضاغط عليكي ومخليكي تعملي اللي فوق طاقتك وأنتِ النسمة مش بتشيليها من الأرض، دي أول مرة في حياتي من ساعة ما اتجوزتك أطلب منك حاجة دايما بتعملي اللي على مزاجك وبس....
كادت أن تتحدث ليغمغم جواد بنبرة قاطعة:
-يا تقعدي هنا باحترامك وتعرفي أن ده الوضع اللي هنستمر عليه وإني مش هسيب أختي، يا ترجعي شقتك لوحدك اقعدي ولما افضالك أبقى اجيلك ده أخر كلام عندي..
تمتمت رانيا بتهكم:
-ده نظام قلب ترابيزة علشان توزعني وتروح تتجوز السنيورة بتاعتك مش كده وتجيبها هنا...
ضحك جواد رغمًا عنه ساخرًا منها ثم غمغم:
-أنا ولا بقيت طايقك يا رانيا ولا طايق غيرك ومتقلقيش أنا مش ناوي اجيب حد غريب اقعده مع اختي، اما اللي بنت عمها ومتربية معانا قاعدة مش قادرة تستحمل يومين ومحدش طلب منها تعمل حاجة أصلا غير أنها تتعامل بضمير وانسانية، فسقف توقعاتي في الغريب مفرقش كتير عنك...
ذهبت إلى الفراش ودثرت نفسها بالغطاء متمتمة:
-لو سمحت انا عايزة أنام ومش عايزة اقضي يومي كله في الخناق علشان عندي اجتماع الصبح لو حابب كمل خناق لوحدك...
هتف جواد قبل أن يرحل:
-وأنا معنديش كلام أقوله يا تقعدي بأدبك يا تمشي يا رانيا....
____________
بعد عودته من العشاء وجلوسه لوقتٍ طويل في منزل عائلة زهران عاد إلى منزله والغريب أن والدته التي تنام مُبكرًا كعادتها كانت مستيقظة وفي انتظاره على الأغلب.....
أغلق دياب الباب وأقترب منها بعدما خلع حذائه متحدثًا:
-مساء الخير يا ماما عاملة إيه؟!..
-الحمدلله إيه موبايلك مقفول ليه؟!
كانت تلك الكلمات التي قالتها حُسنية "والدته" مما جعل دياب يأتي ويجلس على المقعد هاتفًا ببساطة:
-فصل شحن ونسيت اشحنه واتلهيت في كذا حاجة...
عقدت حُسنية ساعديها ثم غمغمت بنبرة ذات معنى:
-فصل شحن ولا قافله علشان متردش على ليلى.
هنا اتضحت الرؤية مما جعل دياب يتحدث بنبرة غاضبة:
-يعني حضرتك بقا قاعدة مستنياني علشان كده؟! واضح أن الهانم اتصلت بيكي وقعدت تشتكي ما هو ده اللي هي فالحة فيه.
تمتمت حُسنية ببساطة وهدوء:
-يا ابني البت صغيرة متبقاش حمقي كده وقدرها وهي عملت إيه لده كله يعني؟! ما طبيعي تزعل إنك سيبت شغلك..
قاطع دياب والدته بنبرة منفعلة:
-تزعل لما أكون سيبت الشغل بمزاجي مش اطردت منه بسبب اللي ما تتسمى دي، تزعل لما يكون خطيبها قاعد في البيت مبلطج ومش بيتشغل ومش طافح المرار علشان نتجوز...
قالت حُسنية بنبرة لينة:
-أهدى يا ابني كده احنا بنتكلم مع بعض، وهي زعلانة والله ومنهارة علشان أنتَ مبتردش عليها وبعدين دي ليلي حبيبتك اللي بقالها ثلاث سنين وأكتر موافقة على ظروفك ومكملة معاك ومستنياك علشان بتحبك....
قاطع دياب والدته للمرة الثانية وهو يتمتم بغضب جامح:
-اللي بيحب حد مبيجيش عليه، مبيقعدش يلومه كل دقيقة رغم أنه مش مقصر في أي حاجة وعامل اللي عليه وزيادة، مبيقعدش يشيله الهم والمرار.....
-أكيد مش قصدها هي بس اتصرفت غلط وأنتَ عارفها عبيطة في كلامها.
هتف دياب بنبرة مختنقة وهو ينظر إلى والدته:
-دي مكنتش أول مرة، لما سيبنا بعض أول مرة برضو كان بسبب كده لما قعدنا ثلاث شهور مفركشين كان بسبب كلامها وهي وعدتني أنها هتتغير وأنه مش قصدها، دي ظروفي ومش هغيرها ومش هروح أسرق علشان أخلص بدري وأتجوزها، وأنا عمري ما خبيت عليها ظروفي وعيشتها في وهم وقعدت أقول ياما هنا ياما هناك لا هي عارفة كل حاجة من الأول...
تمتمت حُسنية بانزعاج واضح:
-وأخرتها إيه ما طول ما أنتَ مطنشها مش هتوصلوا لحل لازم تقعد كده وتتكلم معاها و رد عليها...
تحدث دياب بنبرة منزعجة:
-أنا مش عايز ارد عليها مش علشان مش عايز اسمع كلامها بس لا أنا بحميها من لساني والقرف اللي ممكن أطلعه عليها ما أنا مش هفضل كابت نفسي وبسمع منها بس لا هرد عليها ردود مش هتعجبها، الأسبوع الجاي هكلم أبوها وأروح أقعد معاهم في البيت وهو واحد اتنين تلاتة مش عاجبها ظروفي خلاص كل واحد يروح لحاله....
هتفت حُسنية بعتاب لم تستطع كبحه:
-من الأول قولنا بلاش ليلى مش عيب فيها علشان بس أبوها ملهوش كلمة وأمها هي اللي ممشية البيت وممشية ليلى، بس اللي كان يشفع عندي أنها بتحبك وأنتَ بتحبها وكنت مصمم عليها.
ابتلعت ريقها ثم استرسلت حديثها موضحة موقفها نرة أخرى:
-ومش معنى إني كنت معترضة من الأول علشان الموضوع ده إني هسمح أنك تظلم بنات الناس لو طبعها مش ماشي معاك خلاص فضها سيرة مئة ألف خطوبة تتفشكل ولا جوازة تبوظ......
صمت دياب ولم يعقب لتهتف حُسنية قبل أن تنهض وتتوجه صوب غرفتها:
-أنا يوم الخميس هبات عند خالتك وهرجع يوم السبت أبقى متتاخرش برا علشان اختك متبقاش لوحدها في البيت..
-تباتي ليه عندها؟! من امته ما أنتِ علطول بتروحي زيارة وبترجعي؟!..
حاولت حُسنية قول أي شيء كاذبة:
-خالتك تعبانة شوية ووحشتني وأنا مبروحش عندها كتير..
_____________
تجلس أحلام في المنزل وتضع الهاتف على الطاولة وتجعله يستند على الزجاجة لأنها تتحدث مكالمة فيديو مع شقيقها وهي تتناول الطعام بعدما عادت من عملها..
تحدث طارق وهو ينظر لها وهو الآخر في منزله:
-إيه البت هدير نايمة ولا إيه؟!.
هتفت أحلام بعدما أخذت ملعقة من الأرز:
-اه نامت علشان صاحية من بدري أوي وكان وراها درسين بعد المدرسة.
تمتم طارق وهو يتحدث معها باهتمام كعادته كل يوم:
-في حاجة نقصاكم الفلوس بتكفي اللي ببعتها؟!.
-أيوة متقلقش...
رد عليها طارق بهدوء:
-أي حاجة تعوزها قولولي علطول..
-حاضر.
سألها طارق بفضول:
-أشرف مش بيجي خالص ولا بيتصل بيكم؟!.
هتفت أحلام بلا مبالاة:
-لا مجاش من ساعة ما جه في رمضان بس، ومش بيتصل البت هدير من وقت للتاني بتكلمه مع إني معرفش بتتنيل تكلمه على إيه هو بيسأل فينا ولا معبرنا..
قاطعها طارق بنبرة رزينة:
-ملكيش دعوة يا أحلام وسبيها براحتها حتى لو هو مش بيكلمكم متدخليش مدام هي حابة تكلمه سبيها، يمكن ربنا يهديه في يوم..
ردت أحلام بانزعاج:
-يهديه بقا ولا لا هو من ساعة أمك كده دلدول لمراته..
تمتم طارق باختناق رغم أن حديثها صحيح نوعًا ما:
-احترمي نفسك يا أحلام مهما كان هو أخوكي الكبير، خليكي في نفسك وفي أختك وبس، وخلينا في موضوعنا.
أخذت قطعة من الدجاج تناولتها أمامه وهي تسأله باستغراب وهي تضيق عيناها:
-موضوع إيه ده؟!.
رد طارق عليها ساخرًا:
-أنتِ بتفقدي الذاكرة فجأة يا دكتورة ولا إيه؟! موضوع عبد الرحمن مش قولتلك فكري، الواد محترم ومتربي وجارنا وعنده شقة وإمكانياته كويسة و...
قاطعت أحلام الحديث بنبرة منزعجة:
-إمكانياته مش كويسة؛ معقولة أي حد بيتحوز لازم يكون بيتشغل ويكون معاه شقة ده مش انبهار يعني، وبعدين أصلا ده خريج تجارة وشغال كاشير...
صحح طارق لها الحديث بنبرة مكتومة:
- شغال محاسب أول كاشير إيه؟!...
لم تهتم أحلام وهي تخبره:
-محاسب أول ولا كاشير، كلها نفس الشيء مختلفناش كتير، أنا دكتورة يا طارق يعني بعد السنين دي كلها وبعد الدراسة والماستر اللي بعمله، وبعد تعبك ومصاريفك عليا عايزني اتجوز محاسب؟!!.
تمتم طارق بنبرة متهكمة:
-انزلي من على المسرح يا دكتورة احنا بندور على شريك حياة وعلى راجل مش بناقش رسالة ماجستير ولا بنختار حد نعمل معاه مستشفى احنا بنختار واحد تتجوزيه يعني راجل يعتمد عليه ويقدر يفتح بيت وراجل محترم وبيصلي، راجل يقدر يعاملك بالمعروف مش بنشوف شهادة تخرجه وبعدين ده محاسب يعني خريج جامعة زيه زيك..
لا تدري لما شعرت أحلام بأنها رُبما جرحته دون أن تقصد كونه لم يستكمل دراسته من الأساس لذلك غمغمت بنبرة هادئة وجادة:
-قوله مفيش نصيب يا طارق أنا عموما مش بفكر في الجواز دلوقتي، ورايا ماستر بعمله غير شغلي، وغير أن هدير أكيد مش هسيبها لوحدها، قوله مفيش نصيب وخلصنا من الموضوع ده..
-براحتك يا أحلام ياريت بس تعدلي دماغك شوية، علشان طريقة تفكيرك مش عجباني..
____________
تجلس يسرا على الأريكة بينما ابنتها تجلس أرضًا أمامها، وهي تقوم بتمشيط خصلاتها...
غمغمت سلمى باستغراب:
-هو صوت جهاد عالي ليه؟! هي بتتخانق معاه تاني؟! هو لسه جاب الشبكة أصلا؟!.
ردت يسرا عليها ببساطة ورجاحة عقل:
-أكيد هي وهو بيزعقوا مع بعض علشان هي اتأخرت فعلا وأنا من قبل ما تنزل قولتلها متنزليش متأخر كده وهي صممت تنزل علشان ميار..
قالت سلمى وهي تتأوه بعدما جذبت والدتها خصلاتها:
-هو ملهوش حق يتكلم هو مجرد خطيبها...
قاطعتها يسرا بنبرة عادية:
-يا بنتي هو مش حكاية ملهوش حق هو خايف عليها وبيتكلم من منظور تاني وبعدين سلامة يعني مش الشخص الرزل اللي بيقعد يحكم، الموضوع مش موضوع عند ولا حكم الموضوع موضوع احترام لرأيه وده مش معناه أنه متحكم أنا لو شايفة أنه متحكم هتكلم معاه طبعًا..
تمتمت سلمى بنبرة منزعجة ومريرة:
-علشان هي ملهاش أب بيعمل كده.
انزعجت يسرا وشعرت بالضيق الشديد بسبب حديث ابنتها الذي لامس جرحها متحدثة بانزعاج وهي تجذب الجانب الآخر من خصلات سلمى:
-ملهاش علاقة بطلي كلام عبيط يحرق الدم وملهوش لازمة، وبعدين يعني دي صفة في الشباب كلها مش في سلامة بس.
هتفت سلمى بوجع نفسي وجسدي في رأسها:
-طب براحة طيب كفايا شد.
-مش أنتِ اللي عايزاني أعملك طاقية؟! علشان مبتعرفيش تعمليها مش عارفة هتكبري أمته؟!...
تمتمت سلمى باستنكار:
-يعني هو الكبر ده في أني ألف شعري طاقية بس؟!.
قالت يسرا باستنكار واضح بعدما انتهت مما تفعله:
-عليكي لسان مبرد يا سلمى، مش عارفة هيتحملك جوزك ازاي؟!.
-ده لو اتجوزت من أساسه وبعدين...
قاطعتها يسرا بغضب وهي تضربها على رأسها فهي مازالت تجلس ذات الجلسة رغم أنتهاء والدتها:
-احترمي نفسك ومتقوليش كده ان شاء الله هتتجوزي وهفرح بيكي أنتِ واختك وبعدين عارفة يا سلمى لو قصيتي شعرك تاني مش هبيتك في البيت أنتِ سامعة؟!.
حينما تتحدث في أمرٍ هام تعود جميع الأمور إلى أمر شعرها، أو حاجبها أو أي شيء..
يبدو أن والدتها ككل الأمهات لم تقتنع أن تلك القرارات شخصية وأنها لك تعد صغيرة...
أردفت سلمى بغموض وعدم ارتياح:
-سيبك من شعري وحواجبي وركزي معايا.
-أنا امك مش جهاد اتكلمي معايا عدل، هو أنتِ بتكلمي صاحبتك؟!.
تمتمت سلمى ببساطة شديدة وهي تستدير لها:
-اه بكلم اختي وصاحبتي وحبيبتي، المهم متخلنيش انسى أنا كنت عايزة اقول إيه..
-قولي..
-بنت عمي بقالها فترة بتخش على الاكونت بتاعي على التيك توك وعلشان أنا أدمن في جروب الجيم والصفحة لقيتها بقت فجاة متابعة كل بوست وبتعمل لايكات وأنا مش مرتاحة..
شعرت يسرا بالاندهاش مما جعلها تهتف:
-وإيه المشكلة يمكن حابة تتكلم معاكي او هي وأبوها عايزين يلطفوا الدنيا معانا، في النهاية هما في حالهم ولا شوفناهم لا في الحلو ولا في الشر وهما ملهمش علاقة باللي أبوكي عمله....
قاطعتها سلمى بنبرة جادة:
-بس أنا مش مرتاحة للموضوع ده..
تمتمت يسرا بعصبية وهي تنهض من مكانها هاتفة:
-لا أنتِ مش حكاية مش مرتاحة أنتِ نكدية، ربنا رازقني بجوز بنات اتنين حالفين ينكدوا عليا عيشتي، وقال يقولوا مفيش أحلى من خلفة البنات أنا داخلة أنام احسن...
رحلت يسرا ونهضت سلمى أمامها وهي تركض خلفها هاتفة:
-يا ماما استني نتكلم.....
____________
يوم الجمعة...
بعد الصلاة...
يجلس دياب في غرفته فهو أتى من المسجد قبل قليل، وقرر أن يجيب على الاتصال الألف من ليلى...
كان أول شيء قد قاله بمجرد أن أجاب عليها:
-تتحسدي يعني صاحية من بدري..
تمتمت ليلى بعدم تصديق:
-دياب أنتَ رديت عليا بجد؟!
-أكيد مش عفريتي يا ليلى..
عاتبته ليلى هاتفة بانزعاج شديد:
-أهون عليك متردش عليا كل ده؟! وكل يوم أنام معيطة بسبـــ...
قاطعها دياب بنبرة واضحة:
-وأنا هونت عليكي تقوليلي كنت اسيبها هي الشتيمة بتلزق، ليه مخطوبة لدكر بط لما اسيب واحدة تهزقني حتى لو علشان الشغل؟!..
هتفت ليلى باعتذار شديد وآسف:
-حقك عليا أنا عارفة اني غلطت أنا بس كنت بتكلم بعفوية والله ومش قصدي حاجة أنا بس متوترة الفترة دي وأنتَ عارف أن ماما ضاغطة عليا وأنا عايزة نتجوز علشان طولنا أوي فقولت كده من غير ما أقصد يعني..
تمتم دياب بنبرة واضحة:
-أنا مكدبتش عليكي في يوم يا ليلى وأنتِ عارفة حياتي وظروفي وعارفة إني بعمل اللي فوق طاقتي مش طاقتي بس علشان كده وأنتِ محتاجة تقدري ده يا أما كل واحد يروح لحاله..
ردت ليلى عليه بلهفة:
-يعني أنا اتصل بيك أصالحك تقولي كل واحد يروح لحاله؟! أنا حتى كنت هعزمك على خطوبة اختي يوم الجمعة الجاية ان شاء الله..
لم تجد منه رد فعادت ليلى تعتذر مرة أخرى:
-دياب أنا آسفة ومتزعلش مني بقا بجد مش عارفة لا أنام ولا أكل ولا أشرب طول ما أنتَ زعلان مني.
شعر باللين قليلًا رغم عدم اقتناعه كليًا وفي الوقت نفسه جاءت شقيقته الصغيرة حور البالغة من العمر سبعة عشر عامًا:
-أنا جهزت الفطار..
...بعد مرور دقائق...
كان دياب يجلس على السفرة وشقيقته بجانبه:
-فين الفطار؟!.
أشارت حور ببساطة على الطاولة والاطباق:
-الفطار اهو مش شايفه ولا إيه؟!..
حمل دياب طبق البطاطس الذي أقترب لونها من الأسود متمتمًا:
-يعني البطاطس المحروقة والبيض اللي بسمنة اللي لسه بيلعب في الطبق وبيجري ده، والعجة اللي المعلقة مش عارفة تفصلها عن الصينية من كُتر ما لزقت هو ده الفطار؟!!!..
تمتمت حور بتوتر:
-ما تسيبك من حوار أن العين بتأكل قبل البوق ودوق وشوف الطعم أهم....
رد عليها دياب ساخرًا:
-طعم إيه، طعم إيه اخرسي، ده أنا قولتلك هجيب سندوتشات من المطعم ونخلص قولتلي لا أنا هعملك فطار زي اللي ماما بتعمله..
هتفت حور بنبرة جادة:
-معلش كنت بذاكر وبتابع الدرس على اليوتيوب ونسيت البطاطس فاتحرقت مني..
أردف دياب بسخرية:
-هي المشكلة في البطاطس بس يا حبيبتي؟! يلا مش مشكلة..
أسترسل حديثه وهو يتناول البطاطس مُرغمًا:
-أهم حاجة ركزي في مذاكرتك ومتخبيش زي اختك اللي قررت تضيع مستقبلها وتتجوز، وركزي كده واعملي اللي عليكي بس أهم حاجة عارفة ايه؟!.
تحب حزر شقيقها دياب، فهو ليس مجرد شقيق بل هو أب وقدوة لذلك هي تنتظر نصيحة منه:
-إيه يا ديبو؟!.
-متعتبيش باب المطبخ تاني علشان ملبسش وشك في الطبق..
-حاضر..
أخذ الاثنان يحاولا تناول أي شيء إلا أن قاطع دياب هذا الصمت الغريب والطعام الذي لا يصلح للتناول:
-تعالي نروح للبت إيناس علشان وحشتني بقالي كتير مشوفتهاش وهي بقالها كتير مجتش..
غمغمت حور بتفكير:
-معنديش مشكلة أخلص اللي ورايا وننزل بس اتصل قولها الاول لأنها مبتحبش نروح على غفلة يعني وكده.....
تمتم دياب ساخرًا:
-احنا مش رايحين نأكل ولا رايحين نكلفها ودي اختنا لازم نطمن عليها، نروحلها بعد العشاء مش هنكمل نص ساعة ونمشي ونأخدلها شوية حاجات معانا ليها هي والعيال مش هندخل فاضيين عليها أكيد..
-اللي تشوفه...
______________
في وقت الغداء كان يجلس سلامة ونضال على الطاولة التي يترأسها زهران، يتناول الجميع الطعام بصمت بعدما مدح زهران كالعادة ما يصنعه ولده نضال يقسم بأنه لم يرى شخص لديه المهارة في الطهي كـ نضال...
صدع صوت رنين الجرس فنهض سلامة ثم فتح الباب ليجد سامية تقف أمامه بحجاب مضبوط بشكل أكثر بكثير مما كانت تفعل في السابق وقال بنبرة عفوية:
-ادخلي يا سامية.
وتزامنًا مع دخولها، نهض نضال وترك السفرة وتوجه إلى غرفته بكل هدوء وثبات وأغلق الباب خلفه..
هتف زهران مرحبًا بها:
-أهلا يا سامية يا بنتي ادخلي جيتي في وقتك تعالي اقعدي كلي..
أغلق سلامة الباب ثم جاء وجلس على مقعده ثم استكمل طعامه وكأنه لم يحدث أي شيء..
تمتمت سامية بنبرة متوترة تحديدًا من انزعاجها من مغادرة نضال بهذا الشكل:
-أنا هنزل وهطلع تكونوا...
قاطعها زهران رافضًا:
-مدام طلعتي على الأكل تعالي اقعدي كلي عيب يا سامية تعالي أقعدي..
بالفعل جلست وتناولت القليل جدًا بسبب إصرار عمها وبعدما انتهى عمها وغسل يده ثم حضر أرجيلته جاء وجلس بجانبها على الأريكة وهو يقوم بضبط وضعية الفحم بينما سلامة جالسًا في النصف الاخر من الاستقبال ويشاهد أحدى المقاطع..
تمتمت سامية بنبرة متوترة:
-أنا طالعة اعتذر لحضرتك بسبب اللي عملته أنا آسفة وفعلا لما قعدت مع نفسي حسيت قد إيه اللي عملته غلط ومينفعش وأنا اوعدك يا عمو إني مش هكررها تاني أبدًا..
كان زهران ينظر لها بهدوء شديد وتأمل، فالصوت والكلمات رائعة جدًا، والهيئة محتشمة إلى حدٍ كبير أكثر من هيئتها السابقة، الأمر إلى حدٍ كبير رائع، لكن ما أفسده في نظره أو يفسده هو أنها سامية والذي يعلم جيدًا بأنها لن تعود إلى رشدها في تلك الفترة القصيرة جدًا، وهو لا يؤمن بالمعجزات، قد انتهى زمنها في نظره......
أسترسلت سامية كلماتها بتردد:
-أنا عارفة إني غلطت وزعلت حضرتك مني وأنا طالعة أعتذر منك حضرتك في مقام والدي وربنا يعلم غلاوتك عندي قد إيه وإني مقدرش على زعل حضرتك أبدًا.
قاطعها زهران بنبرة جادة بعدما سحب نفس من أرجيلته:
-بلاش موضوع إني في مقام عبد السميع الله يرحمه، لأن محدش بيحل مكان الأب ولو كنتي فعلا معتبراني كده وغلاوتي عندك كبيرة زي ما بتقولي مكنتيش عملتي كده وصغرتيني...
احتقن وجهها بالدماء بسبب كلماته التي كالرصاص ليلحقها بكلمات واضحة:
-يا سامية أنا مقصرتش معاكي؛ أنتِ فعلا بنتي اللي مخلفتهاش، مكنتش بدخل في حياتك أنتِ وأمك ولا عمري قولتلكم بتعملوا إيه ومبتعملوش إيه، علشان مكنتش عايز أحسسكم إني مدخل في حياتكم بشكل يضايق امك ولا يضايقك علشان بس تفضلوا معانا.
-أنا أسفة.
حاول زهران أن يختصر الأمر هاتفًا:
-أهم حاجة مترخصيش نفسك يا سامية وافضلي غالية في عين نفسك وحافظي على نفسك، ولا تعملي حاجة تقل منك ولا تغضب ربنا منك، اللي عملتيه مينفعش بكل المقاييس أنتِ كبيرة مش مراهقة يا سامية اللي عملتيه ده متعملهوش العيال الصغيرة لامؤاخذة.
تمتمت سامية بنبرة متوترة:
-عارفة وأنا طالعة أصالح حضرتك واقولك متزعلش مني واوعدك إني مش هعمل أي حاجة تضايقك مني وإني اتغيرت، بس لو سمحت انزل شغلي زي الأول لأن دي أكتر حاجة بحبها في حياتي ومعنديش حاجة غيرها اعملها..
تمنى زهران أن تكون صادقة رغم يقينه الشديد بأنها أتت فقط من أجل يسمح لها بالخروج ولكنه رغم عقله وكل ما يفعله يعلم جيدًا بأنها راشدة بما يكفي ولم يعد إناث يسجنون في المنزل....
لكنه تمنى ولو واحد في المئة بأن يكون احساسه خاطئًا وأنها أدركت خطأها فعلا...
...داخـــل غــرفــة نضال...
فتح سلامة الباب ثم هتف بنبرة عادية:
-على فكرة سامية نزلت لو عايز تخرج.
لم تتغير تعابير وجه نضال وهز رأسه بإيجاب مما جعل سلامة يعقب رغمًا عنه:
-غريبة يعني أول مرة ألاقيك كارفها بالشكل ده بجد مش كلام قولته لما كنت بتحكي لأبوك...
-كارفها لأنها مبقتش تلزمني ولو حد له حكم عليها فهو أبوك؛ أنا من اليوم اللي شوفتها شايلة فيه طرحتها وماشية في الشارع وبتبجح بالشكل ده متلزمنيش لو بقت رابعة العدوية بعد كده خلاص مبقاش له لزوم...
نظر له سلامة باستغراب شديد مما جعل نضال يعقب وهو يتذكر كلمات دياب الذي اقتنع بها:
-اللي مش هيعوزني مش هعوزه، خلاص أنا وسامية عمر ما هيكون لينا عيش مع بعض لو هي أخر واحدة في الدنيا؛ ده لو فرشتلي الأرض ورد من بعد النهاردة خلاص، خلص الكلام.....
الفارق بين سلامة ونضال كبير..
سلامة في وقت غضبه يتفوه بكلمات هو غير قادر على تنفيذها وبعدها يدرك بأنه كاذب أما نضال حينما يتفوه بشيء يعلم سلامة بأنه حقيقي ولن يغير رأيه مما جعله يشعر بالاستغراب الشديد لطالما كانت سامية حب طفولة نضال هل تخلي عنها إلى تلك الدرجة؟!..
حينما خلعت حجابها خلعت كل شيء في نظر نضال، تخلت عن دينها، عن أخلاقها، مبادئها، ثقة أهلها بها، لم يعد هناك شيء لم تفعله بتلك الفعلة لذلك هي قطعت كل شيء قبل أن يبدأ...
____________
بعد طريق طويل بين منطقته والمنطقة النائية البعيدة التي تقطن فيها شقيقته، كان يقف أمام شقتها وبجانبه حور، يحمل بعض العلب الكرتونية الخاصة بالحلويات.......
يسمع أصوات تكسير غريبة أثارت قلقه وصوت صراخ شقيقته يعلو وهي تهتف بجنون غير بكاء الأطفال..
"مش نازلة ولا هروح لأمك يعني مش نازلة حتى لو هتقتلني أنا قرفت"...
" ماما"
يعلوها صراخات أخرى ودياب أسودت عيناه حتى ما يحمله سقط من يده وأصبح بيد واحد يقرع الجرس واليد الأخرى يطرق بها على الباب بغضب وهو يرغب في كسره....
-أفتح الباب....
أما حور بدأت تشعر بالرعب ولا تعلم لما شعرت بالقلق الشديد وأخيرًا استجاب عمرو وفتح الباب ليجد أمامه دياب، كان عمرو بين يديه حزامه الجلدي وقبل حتى أن يفهم أو يستوعب وجوده كان قد سقط أرضًا مواجهًا لكمات وهجوم لا يستطيع حتى صده........
تحت صراخ دياب الهستيري الذي تفوه:
-ليلة أمك واللي خلفوك كلها مش معدية يا عمرو يا ابن منى....
أما حور حاولت الولوج وهي تجد شقيقها أنهال باللكمات على عمرو الذي حاول التماسك ونهض وهو يترنج ليقذفه دياب بعدما لما هيئة شقيقتها على الخزانة الزجاجية، "النيش" ليصدع صوت تكسير مُريب وعالي جدًا...
حور والصغار ركضوا ناحية إيناس التي كانت تقف في أحدى الزوايا مذهولة مما يحدث...
الفصل الرابع من #عذرًا_لقد_نفذ_رصيدكم
#شارع_خطاب
بقلم #fatma_taha_sultan
____________
اذكروا الله.
دعواتكم لأهلكم في فلسطين والسودان وسوريا ولبنان وجميع البلاد العربية.
_____________________
ده الي كان نفسي فيه لو تيجي صدفه تجمعني بيه فرصه عمري اضيعها ليه مش معقول
عيني قدام عنيه باكتر من الي حلمت بيه ده اليوم الي انا مستنيه عشان اقول
وياه الحياه هتحلي وانا معاه هو ده الي انا بتمناه والي عيني شيفاه احساس انه احلي واغلي الناس
خلي قلبي يقولي خلاص اهدي بقي لقيناه
ايوه هقول واعيد مهو بقي جنبي ومش بعيد فرحه قلبي كانو عيد مستنيه
يلا اهوه جه الاوان مش هستني ليوم كمان لازم اقولو من زمان عيني عليه
كلمات الأغنية تصدع بقوة من الخارج، بشكل ازعج نضال الذي خرج من غرفته وسار بضعة خطوات ليجد سلامة في المطبخ يرتدي مريول المطبخ في حالة نادرة جدًا، هو أقصى ما قد يفعله هو الشاي والقهوة وبضعة شطائر....
يرتدي مريول المطبخ لأنه يصنع قهوة سريعة الذوبان فقط وهذا ما استنتجه نضال وهو يجده يدندن كلمات الأغنية ويسير في المطبخ بطريقة مسرحية وهو يحمل المضرب الكهربائي.....
تمتم نضال بعدما خرج وأوقف الاغنية من ريموت التلفاز:
-هما اخترعوا السماعات ليه؟! وكل شوية يخترعوا حاجة جديدة منها بشكل جديد؛ علشان الواحد يسمع مع نفسه مش يطرش اللي في البيت...
ضحك سلامة من منظر شقيقه الغاضب على الأغلب والحانق لكنه أسترسل بخفة وهو يدندن:
-خلي قلبي يقولي خلاص اهدي بقي لقيناه....ايوه هقول واعيد مهو بقي جنبي ومش بعيد فرحه قلبي كانو عيد مستنيه..
هتف نضال بنبرة جادة:
-أنا هشيل السماعات وهخرب الساوند سيستم اللي في الشقة ده لجل خاطر عيونك يا سلامة.
عبس سلامة وهو يهتف ساخرًا:
-أنا معرفش أنتَ نكدي لمين؟! بكرا أتجوز واكون في شقتي لوحدي أنا ومراتي وتبقى تقول ولا يوم من أيامك يا سلامة، ياللي كنت مالي الشقة عليا يا سلامة وساعتها ولا هعبرك هكون مجرد جار ليك وهسمعك الاغاني من فوق.
تحدث نضال بنبرة حاول جعلها جادة:
-والله أنا ما هفتقد حد غير الأستاذ عمرو دياب وتامر عاشور والفنانة أصالة، وبعدين ساعتها لما تكون جاري هعملك محضر ازعاج..
وضع سلامة يده على قلبه بطريقة مسرحية ليدندن:
-اه الفنانة أصالة اه، وياك لو حتى وأنتَ بعيد، الشوق إليك بيزيد وأفضل أفكر فيك...
ابتلع ريقه ثم تحدث بجدية:
-هخلص النسكافيه واشغلها...
رغم أنه دومًا يتشاجر معه ويستنكر علاقته بخطيبته لكنه يتمنى أن يظل سعيدًا وصاحب مزاج رائق هكذا.........
هتف نضال بنبرة متهكمة:
-ياريتك بتطرشني على حاجة عدلة..
قاطعه سلامة بنبرة ساخرة:
-هو لازم اسمع أغاني من العصر الحجري علشان اعجبك؟!..
-اللي ميسمعش ألحان بليغ حمدي ورياض السنباطي والموجي وعبد الوهاب يبقى محتاج ينضف ودنه، مفيش حاجة اسمها مبحبش الاغاني القديمة في حاجة اسمها لسه مكتشفتش إني بحبها..
تمتم سلامة بهدوء:
-خلاص روح شغل لينا حاجة على ذوقك يمكن اكتشف المرة دي إني بحبهم..
رد عليه نضال ببساطة:
-لا، أنا مش بسمع عمال على بطال يعني، وأنتَ مش كل يوم أغاني قرفتنا بقا..
كاد أن يتحدث سلامة ويخبره بأنه أصبح مثله هو وأبيه لديه تقلبات مزاجية عنيفة بعدما كان يسخر منهم لكن صدع صوت الهاتف المتواجد في يد نضال ليجد دياب هو المتصل أجاب عليه:
-ألو...
جاءه صوت دياب بنبرة مقتضبة:
-أيوة يا نضال أنا في القسم، تعالى..
هتف نضال بدهشة وقلق شديد:
-ليه حصل إيه؟! عملت إيه يا دياب؟!.
-تعالى بس وهتعرف لازم حد يجي يضمني أو يكون معايا حد لأني أنا هنا ومعايا حور وايناس...
لم يفهم نضال كليًا ما يحدث ولكنه سأله:
-حاضر، حاضر جاي حالًا، قولي في قسم إيه طيب..
تحدث سلامة مستفهمًا بقلق هو الآخر:
-في إيه يا نضال؟!!!
______________
الدخول إلى الفرع الأول والرئيسي لمجمع المستشفيات كان أمرًا صعبًا عليه، أن يدخل ولأول مرة بدون والده، والده الذي كان بمثابة قدوته، معلمه، صديقه الأول الذي لم ينافسه أحد في مكانته.....
كان كل شيء بالنسبة له...
إنسان حنون قبل أو يكون أب وجراح...
كل ركن في المستشفى له ذكرى مع والده، منذ أن كان طفل صغير يأتي مع والدته لزيارة والده بين الحين والأخر في عمله...
في نهاية اليوم ولج إلى مكتب والده الخاص بالإدارة كان المكتب مثلما تركه كل شيء فيه يحمل بصمته ولمسته....
لم يستطع أن يجلس في مقعده لكنه جلس على الأريكة الجلدية مع الدكتور مصطفى صديق والده الذي أخذ يحاول تعزيته وتقويته، ويجعله يهتم بما تركه له والده وهذا من حسن البر به، استكمال عمله والدعاء له، وفعل ما كان يفعله..
كان الحديث روتينيًا..
ففي وقتها قد تظن بأنه حديث أحمق، لأنه يخرج من شخص حتى لو تعرض للشيء نفسه هو قد تخطاه أو تأقلم عليه بينما أنتَ مازالت في خطوتك الأولى فيه لم تعتد على الأمر حتى.....
لذلك تجد حديثهم عبثًا...
تركه مصطفى ورحل ليستكمل دوامه وظل هو جالسًا في مكانه يتصل تارة بزوجته وتارة أخرى يطمئن على أحوال شقيقته...
لا يظن بأنه سوف يستطيع اليوم ممارسة عمله بشكل فعلي مازال يحتاج إلى وقت، هو لن يطيل جلسته لليوم الأول على أي حال، ليلقي التحية على الأطباء ويتابع كل شيء مثلما كان يفعله والده بالإضافة إلى عمله....
مرت ساعة أخذ يسير فيهما في المستشفى ثم عاد مرة أخرى إلى الغرفة يظن بأنه قد أتى الوقت حتى يرحل..
لكن قبل أن ينفذ ما رغب فيه كان هناك طرقات خافتة على الباب وهادئة، أذن جواد إلى صاحبها في الدخول...
وولجت أحلام بالفعل بابتسامة صافية من الدرجة الأولى وأغلقت الباب خلفها، فهي شخصية بشوشة على أية حال وهذا ما جعله ينجذب لها من البداية:
-كُنت ناوية أصبح عليك، بس اعمل إيه وقت الصباح عدى، ممكن أقول مساء الخير؟!.
عقب جواد وهو يعقد ساعديه يناظرها:
-مساء النور يا أحلام، عاملة إيه؟!.
تمتمت أحلام بنبرة عادية وهي تأتي وتجلس على أحد المقاعد:
-أنا الحمدلله بخير، مكنتش متوقعة أنك جاي النهاردة، ومعرفتش غير من الدكتورة عبير، مع إني بعتلك الصبح ومكلفتش نفسك ترد عليا، ولفيت على المستشفى كلها إلا القسم بتاعنا و....
قاطعها جواد بنبرة جادة لكنه كان كاذبًا:
-أبدًا صدفة مش لسبب معين وأنتِ عارفة الظروف اللي أنا بمر بيها الفترة دي فبلاش تزودي الضغوط عليا لو ممكن يعني أنا مبقتش زي الأول.
ردت أحلام عليه ببساطة ونبرة لطيفة:
-أكيد أنا مقدرة اللي أنتَ فيه، بس بصراحة أنا مش مطمنة..
سألها جواد باستغراب لكن نبرته لم تكن فضولية هي فقط نبرة باردة وجامدة إلى حدٍ كبير:
-ليه حصل حاجة عندك؟!..
هتفت أحلام بنبرة جادة وهي تخبره بما تشعر به حقًا:
-جواد أنا حاسة أنك بتبعد عني كل يوم أكتر من اليوم اللي قبله ومتقولش من ساعة وفاة والدك علشان أنتَ من قبلها بفترة وأنا حاساك متغير معايا اه بتكلمني وبنخرج بس مش معايا زي الأول و...
تمتم جواد بانزعاج وهو يحاول غلق هذا الأمر مؤقتًا لكن بالتأكيد سيتحدث معها فيه مطولًا وقريبًا جدًا....
-أحلام لو سمحت أنا مش حابب أتكلم في حاجة دلوقتي ولا حابب أدخل في أي نقاش، أنا ولا ببعد ولا بقرب، لكن دلوقتي أنا حياتي وحسبتي مختلفة عن قبل كده ومسؤولياتي زادت، ونفسيتي مش جايبة إني اتكلم في أي حاجة، لما أحس إني قادر أتكلم هقولك ونتكلم زي ما أنتِ عاوزة...
شعرت بأن هناك دلو من الماء المثلج قد أسكبه فوق رأسها وللحق يُقال هي شعرت بالقلق من حديثه هذا...
هل صرف نظر عنها تمامًا؟!
هل يرغب في إنهاء كل شيء؟!!!...
هل حساباته الجديدة هي ليست موجودة فيها؟!!..
ومن كثرة قلقها لم تنتبه إلى صوت هاتفها الذي يصدع بقوة وهو موضوع في "البالطو" الطبي التي ترتديه مما جعل جواد يهتف بنبرة هادئة:
-أحلام موبايلك بيرن..
هزت رأسها بحرجٍ ثم نهضت وأخرجت الهاتف من جيبها وأجابت على إيناس التي قالت لها شيئًا ما جعل أحلام تتحدث بنبرة جادة:
-وده حصل أمته ده؟! خلاص أنا جاية، أنتم فين دلوقتي...
صمتت لثواني ثم تحدثت:
-خلاص هجيلكم على البيت تكونوا وصلتوا، أنا خلصت شغل عمومًا ماشي سلام..
تمتم جواد وهو يراها قد انتهت من المكالمة:
-في حاجة ولا إيه؟!.
عقبت أحلام بهدوء:
-أبدًا في مشكلة كده عند صاحبتي ولازم امشي، عن إذنك نبقى نتكلم يوم تاني ان شاء الله..
____________
كان هناك بعض الكدمات البسيطة جدًا في جسد دياب مقارنة بالكدمات والجروح العميقة جدًا في رأس عمرو زوج إيناس وجسده، تجمع الجيران وحاول فصلهما ولكن لم يكن دياب يتركه أبدًا تحت صراخ شقيقتيه بأن يتوقف....
لم يتوقف أبدًا حتى طلب أحد الجيران الشرطة لأنه لم يكن أي شخص قادر على أن يوقف الاثنان أبدًا وفي النهاية ذهب الاثنان إلى القسم وأخذ دياب يخبرهم بما حدث وكذلك عمرو الذي أخذ ينفي كل شيء وأخبر الشرطي بأنه هو من تهجم عليه في منزله دون سبب..
لكن إيناس كذبته، لو كان موقف أخر لكانت صمتت لكن عند شقيقها لم يعد لها قدرة على الصمت وأخبرت الشرطي بما حدث بأنه كان يتهجم عليها لذلك فعل شقيقها ما فعله...
وفي ذلك الوقت كان نضال قد أتى مع والده زهران، بمجرد معرفة زهران من سلامة ما حدث جاء خلف نضال فورًا، هو لن يترك دياب هو ابن ثالث له،...
ويعلم بأنه لا يتواجد له أب أو قريب يستطيع الوقوف بجانبه لذلك حاول مساندته هو ونضال، حتى أن الشرطي تعاطف مع دياب بداخله ويعلم بأن ما فعله يفعله أي رجل حُر قد علم بإهانة شقيقته...
أخبر الشرطي زوج إيناس بأن زوجته لديها عدة جروح في جسدها بالإضافة إلى يدها الجريحة والتي أقرت بأنه هو السبب في هذا الأمر، لذلك حاول الشرطي إخافة عمرو بأن هذا سيكون ضده في الوقت ذاته لذلك أسلم حل له أن يتنازل عن المحضر وأن يكتب الاثنان تعهد بعدم التعرض للآخر وكان زهران هو الذي يحاول أن يسعى إلى هذا الأمر وحاول إقناع دياب بصعوبة الذي كان على وشك بأن يتعدى عليه في قسم الشرطة وأن يضعف موقفه.....
لقد قضى على الرجل حقًا ليس هناك مكان في جسده سليمًا أن كان كدمه تحولت إلى اللون الأحمر والأرزق أو جروح بسبب الزجاج غير الجرح الغائر في رأسه وساقه......
انتهت الليلة بأقل الخسائر وأخذ زهران دياب في سيارته حاول تهدئته وكان معه ابناء شقيقته وفي السيارة الآخرى الخاصة بـ نضال كانت تجلس ايناس وحور مع نضال حتى أوصلهما إلى المنزل ورحل أبيه لمقابلة أحد أصدقائه....
ظل نضال واقفًا في الطابق الثاني، لم يرغب في الذهاب حتى يتأكد من أن دياب لن يهبط مرة أخرى، تحديدًا بعدما أتت أحلام وألقت التحية عليه حينما وجدته واقفًا على الدرج..
صدع صوت هاتف نضال فأخرجه من جيبه وجده والده فأجاب:
-أنا في البيت يا بابا، واقف في الدور التاني عند شقة بهية، مرضتش ادخل معاهم علشان اسيبهم على راحتهم وفي نفس الوقت مش عارف امشي.
"صوتك بيقطع يا ابني"
حاول نضال التحرك قليلا من مكانه:
-معلش أنا واقف على السلم الشبكة وحشة؛ سامعني؟!.
"أيوة كده سامعك"
-بقولك واقف عند شقة بهية، خايف المجنون ده ينزل تاني ده حالف أنه يروح يقتله..
"ايوة خليك معاه متسيبهوش، أصل الواد الصغير ياريته ما ركب معانا في العربية فضل يقوله دي مش أول مرة بابا يعمل كده في ماما، جننه أكثر؛ صاحبك صعب خليك معاه علشان ميوقعش نفسه في مصيبة لو عرفت هاته يبات معاكم هنا".
تمتم نضال بنبرة منزعجة:
-حاضر ممكن خمس دقائق كده وأطلع او انزل اقعد في العربية، لغايت ما اطمن انه مش هينزل، ولو نزل هحاول أجيبه.
"ماشي أنا هخلص مع عمك فتحي وهتصل برضو أطمن عليكم، المهم متسيبهوش علشان ده دماغه مفوتة أنا عارف أن معاه حق بس في حاجة اسمها عقل ودياب مقطع بطاقته ده عايز يضربه في القسم".
" بـــداخـــل شـقـة عائـلـة ديـاب"
-كنتي عارفة، كنتي عارفة طبعًا ما أنتِ مخزن الأسرار، وجنى قالت أنك روحتي وغيرتي على الجرح..
كان دياب يصرخ بهستيريا أمام أحلام التي تجلس بجانب صديقتها وردت عليه بغضب هي الأخرى:
-متزعقليش يا دياب، وبعدين أه كنت عارفة أعمل إيه يعني؟!! كنت ببقى عايزة اجي اقولك أنتَ وطنط حُسنية واختك مش راضية، اعمل إيه اجي اقول بالعافية واكون أنا اللي بخربها وبخرب بيتها.
تحدث دياب ساخرًا وهو يدور في أرجاء الشقة ولم يجلس لثانية حتى منذ صعودهما:
-صح العيب مش عليكي العيب على الهانم اللي ساكتة ومخبية وكل ما نكلمها تقول أنا كويسة، وشارطة علينا نيجي في ميعاد ونمشي في ميعاد وسايباه يمد ايده عليكي.....
يصرخ بشكل جنوني مما جعل إيناس ترد عليه بنبرة لا تقل عنه:
-أيوة كنت بضرب وساكتة، ومش عايزة أعرفكم علشان كنت عارفة أن ده اللي هيحصل يا دياب وأنك مش هتتحمل، وممكن تضيع نفسك، سكت مش علشان بحبه ولا زفت ولا علشان حاجة، سكت علشان أنا مش عارفة اعمل حاجة ومش عايزة أشيلك حِملي أنا كمان، علشان مجيش اطب عليكم هنا واضايق أختك وهي ثانوية عامة...
انفجار آخر...
كما انفجر هو وأخرج كل طاقته وغضبه من كل شيء يحدث، انفجرت إيناس بما يتواجد بداخلها، لقد تحملت كل شيء على أمل أن ينصلح حال زوجها، قامت بالدعوة له في كل صلاة بأن يصلح الله شأنه من أجل أطفالها، ومن أجل ألا تصل إلى تلك النقطة..
لكن لم ينصلح أي شيء...
جاءت حور في الوقت نفسه من الداخل متمتمة بتوتر وأعصاب متوترة بسبب هذا اليوم الصعب:
-يا جماعة وطوا صوتكم شوية العيال منهارة من العياط، اليوم ده صعب عليهم...
نهضت إيناس وخلفها أحلام ولجوا إلى الغرفة التي يتواجد بها الأطفال وعلى عكس المتوقع فتح دياب باب المنزل وهو يشعر بالغضب الشديد يفتك به يحاول تخيل معاناة شقيقته من أجله ومن أجل الظروف الشاقة، لن يتركه حتى ولو قتله...
أغلق باب المنزل خلفه وهبط على الدرج وحينما شعر نضال بأن هناك من يهبط من الدور العلوي وضع هاتفه في جيب بنطاله، اتضح له الأمر أنه دياب فاقترب من دياب متحدث بنبرة جادة:
-رايح فين؟!.
سأله دياب بملامح مُبهمة:
-أنتَ واقف بتعمل إيه هنا؟!.
غمغم نضال كاذبًا:
-كنت طالع ليك أطمن عليك..
-مش وقتك..
أمسكه نضال من ملابسه حينما وجدته يتحرك مقررًا الهبوط:
-استنى بس رايح فين..
-رايح للـ*** ده...
كان دياب مقررًا أن يتحرك عنوة عن نضال الذي يمسك في أحد أكمام سترة صديقه ويشده منها تحت حركة دياب مما جعل الكم ينفصل عن باقي السترة تحت صرخة دياب:
-عاجبك كده قولتلك سيبني...
صرخ نضال فيه هو الآخر وهو بيده الاخرى لأن الاولى يتواجد بها أحد أكمام السترة:
-مش سايبك، إيه عايز تروح تلبس نفسك مصيبة تانية؟!.
-خليك في حالك وأبعد عني أنا مش طايق نفسي وعلشان متزعلش من ردة فعلي يا نضال أبعد عني وخليك في نفسك..
-ممكن تخرس شوية وبعدين مش هخليني في حالي ولو أنتَ مش خايف على نفسك أنا خايف عليك..
ثم صرخ نضال فيه غاضبًا:
- وبعدين أنتَ ماضي تعهد على نفسك ولسه ماشيين من القسم عايز تروح تهبب إيه؟! شغل دماغك شوية.
"مساء الخير"....
صوت أنثوي لفت انتباه الاثنان، لم يدرك نضال ودياب بأن هناك فتاة تتابع هذا العرض الرائع وهي تقف أمام شقة بهية تطل منها بعدما فتحت الباب وكانت على وشك أن تصعد وتذهب إلى شقة الخالة حُسنية والدة دياب...
أستدار نضال فالصوت ليس غريبًا أبدًا على مسمعه، بينما دياب هتف أولًا بنبرة قلقة رغم عقله المشحون:
-ازيك يا سلمى عاملة إيه؟!.
ردت سلمى عليه بنبرة هادئة:
-الحمدلله، أنا جيت علشان أدي الحقنة لبهية، وكنت لسه هطلع عندكم أقول لطنط أنها تنزل تقعد معاها شوية لغايت ما تنام علشان أنا اتأخرت...
سألها نضال بنبرة غريبة وهو ينظر بها بأعين واضحة يتمنى أن تفهم ما يرمي إليه رغم اندهاشه من وجودها هنا، وكان يشير إليها من خلف دياب الذي أصبح أمامه:
-ليه هي تعبانة ولا إيه؟!.
فهمت سلمى ما يريده منها لكنها على أي حال لن تكذب هذا هو حالها بالفعل:
-هي فعلا تعبانة شوية وعايزة حد يقعد معاها لغايت ما تنام لأني اتأخرت جدًا...
______________
مازال عقابها مستمرًا هي لا ترى حتى والدها...
لا تراه أبدًا ولا يسمح حتى بخروجها خارج غرفة نومها...
تشعر بالضيق الشديد....
لا يتواجد معها هاتف، ولا أي شيء، فقط التلفاز المتواجد في غرفتها لا تغلقه حتى في نومها على عكس المعتاد؛ الوقت يمر ببطئ شديد عليها...
حتى الجامعة لا تذهب لها ولا يسمح والدها تحت أي ظرف أن تخرج من المنزل...
تجلس ريناد على الفراش، فُتح باب الغرفة بعد طرقات خافتة أذنت ريناد لصاحبتها بالدخول وبالتأكيد هي زينب لا يدخل أحد إلى غرفتها سواها تقريبًا..
دخلت وهي تحمل صينية الطعام ووضعتها على الطاولة متحدثة:
-العشاء يا حبيبتي.
ردت ريناد عليها بنبرة منزعجة:
-مليش نفس ومش عايزة أكل حاجة أنا خلاص زهقت حاسة إني هتجنن من القعدة في الأوضة..
جاءت زينب وجلست بجانبها على الفراش متمتمة:
-معلش يا حبيبتي استحملي شوية بس أكيد هو هيروق وهيقعد يتكلم معاكي وبعدين يعني اللي عملتيه مش شوية...
قالت زينب كلماتها الاخيرة معتمدة على رواية ريناد لها التي أخبرتها بما فعلته وسط بكائها حتى تستحق عقاب هكذا.....
هتفت ريناد بنبرة متألمة:
-والله العظيم كانت أول مرة أروح مكان زي ده والله أول مرة وأخر مرة ومش هعملها تاني، أنا حبيت أجرب حاجة جديدة ومشيت ورا كلام صحابي أننا مش هنخسر حاجة ومش هيحصل حاجة...
قالت زينب بنبرة جادة وهي تنظر لها بحنان بالرغم من ذلك:
-واهو حصل يا ريناد، حصل حتى ولو من أول مرة، المهم دلوقتي تفكري ازاي تصالحي والدك يا حبيبتي، من ساعتها وهو متعصب طول الوقت ومش كويس خالص...
تمتمت ريناد بنبرة منزعجة:
-وأنا هعرف منين اصالحه وهو مانعني أخرج من الأوضة، ومش طايق يبص في وشي...
-أعذريه أكيد شوية وهيروق يا بنتي هو أكيد كان خايف عليكي وبيفكر في ألف احتمال واحتمال...
رفعت زينب يدها ووضعتها على وجنتي ريناد متمتمة بنبرة هادئة:
-كلي أنتِ وكل شيء هيتحل وأنا هحاول اتكلم معاه قبل ما اروح ان شاء الله خير اهم حاجة تكوني عرفتي وأدركتي غلطك يا بنتي..
-عرفته والله مش هكررها تاني..
______________
-خلع إيه يا متخلفة؟!..
قالت أحلام تلك الكلمات وهي تنهر صديقتها التي تجلس بجوارها على الأريكة بعدما جعلت طفليها يخلدون إلى النوم بعد نومة بكاء مريرة...
تمتمت إيناس بانزعاج شديد:
-أمرك عجيب يا أحلام بقالك سنين بتقولي ليا أطلق ولما...
قاطعتها أحلام بنبرة واضحة:
-بقول اطلقي وتاخدي كل حقوقك لكن الخلع ده هتعملي فيه جميل وهو نفسه يأخد كل حاجة ما الخلع ده يعني هتتنازلي عن كل حاجة وهو ميستاهلش نسيب له حاجة...
هتفت إيناس ساخرة:
-عمرو لو عايز يطلقني كان طلقني من زمان لكن هو مش هيرضى يخسر حاجة وأنا مش هدخل دياب في مشاكل أكتر من كده، لولا الظابط ابن الحلال اللي كان هناك وعم زهران، عمرو مكنش اتنازل عن المحضر؛ اخويا أهم عندي من أي حاجة وعمرو أصلا استحالة يرجعني بعد اللي حصل ومش هيطلقني برضو.
قاطعتها أحلام وهي تعقد ساعديها بتفكير:
-استني اكيد ليها حل اهدي كده، أهم حاجة متسبيش للحيوان ده أي حاجة..
_______
في الطابق الثاني...
كان يجلس دياب على المقعد بينما بهية مستلقية على الاريكة وكان نضال واقفًا في مكانه، قد رحلت سلمى منذ حديثها معهم مخبرة أياهم بأنها قد تأخرت وعليها الرحيل الآن...
تمتمت بهية منزعجة:
-ازاي يعني معكش رقمه؟!.
رد دياب عليها موضحًا الامر:
-مهوا الحظ بقا أنتِ موبايلك سلم نمر وأنا موبايلي البوردة بتاعته والشاشة لما اتغيروا كل حاجة اتمسحت بس متقلقيش هتصرف أنا..
تحدثت بهية بانزعاج شديد:
-ياريت يا ابني واحشني أوي وأول مرة يغيب كده وقلقانة عليه...
ثم توقفت عن الحديث وأخذت تحرك رأسها متمتمة:
-في حد هنا غيرك صح ودخل معاك؟!..
تمتم دياب بنبرة ساخرة:
-اه ده نضال صاحبي، شكلها شمت ريحتك يا نضال وغريبة عليها...
ردد نضال كلماته باستنكار:
-شمت ريحتي؟! ما تحسن ملافظك..
هتفت بهية بترحاب:
-طب أقعد يا ابني واقف ليه؟!.
شعر نضال بالقلق وجلس على المقعد وهو يميل على دياب قائلا:
-هي بتشوف؟!.
رد عليه نضال ساخرًا:
-لا، مخاوية..
تحدثت بهية بنبرة غاضبة:
-احترم نفسك يا واد سمعاك؛ وبعدين أنا أه مش بشوف بس بسمع كويس وبشم كل حواسي التانية شغالة بشكل أحسن منكم..
وجهت بهية حديثها إلى دياب متمتمة:
-وبعدين قولي كنت فين وإيه اللي حصل مع اختك..
أخذ دياب يخبرها بما حدث، مما جعلها تشعر بالأسف والحزن الشديد على فتاة في عمر إيناس مرت بهذا كله مما جعل دياب يختم حديثه....
-مرضيناش نقول لماما علشان متجيش مفزوعة لغايت ما ترجع هي بكرا بقا وتعرف لوحدها، معتقدش يعني عمرو أو حد من اهله هيتصل يعرفها حاجة...
ثم حاول تغيير الموضوع متحدثًا:
-كنت ناسي أن ميعاد الحقنة النهاردة، كويس أن سلمى افتكرت لوحدها بنت حلال والله.
تحدث نضال هنا باستغراب:
-أول مرة أعرف أن سلمى بتدي حقن يعني أو أنها تعرف بهية أصلا..
رد دياب عليه تحت صمت بهية:
-سلامة اللي قالي، أحلام ساعات كانت بتيجي بس مبقتش تعرف تيجي لما تكون في المستشفى ومش من النوع اللي تعتمد عليها في مواعيد فلما كنت مسافر أنتَ وعم زهران العمرة وكنت قاعد مع سلامة على القهوة بتكلم في الموضوع راح قالي وكلمناها ومن ساعتها وهي بتيجي عموما بتزور بهية وبتديها الحقن في مواعيدها..
هتفت بهية بنبرة ساخرة معقبة على حديث دياب:
-قول شعر عنها بالمرة، وبعدين سيبني أرد هو أنا مفيش فيت لسان يعني أرد على الواد اللي ريحته غريبة ده...
عقب دياب على حديثها متهكمًا:
-يا ابني ما تروح تستحمى قرفتنا بقا..
تمتم نضال ساخرًا:
-يا حجة بهية والله عماله تشككيني في نفسي أن ريحتي فايحة ولا إيه؟! أروح أخد دش وأرجعلكم تاني ولا أعمل وإيه؟!...
تجاهلته بهية ثم وجهت حديثها وهي تحاول التقاط يد دياب متحدثة بحنو:
-كلام صاحبك صح يا ابني اطلع كده وريح دماغك شوية، وإياك تروح تاني للواد ده الحمدلله أن ربنا سترها استنى امك لما ترجع وساعتها يحلها الحلال لكن متوقعش نفسك في مصيبة...
بدأ يشعر دياب بالاقتناع لرأيهم، وشعر باهتزاز هاتفه للمرة التي لا يعرف عددها وكان صاحب الاتصال معروفًا وهي خطيبته ليلى الذي لا يمتلك أي مزاج رائق ليخبرها بكل ما حدث..
___________
أخذ القرص الأول من المُسكن بعد هبوطه من عند دياب لكن الآن وهو يتواجد في منزله برفقة أبيه لا يظن بأن باقي الشريط قد يُسكن ما يفعله أبيه الآن في رأسه...........
غير ضحكات سلامة الغير منطقية مقارنة بما يسمعه والذي تسبب في جنون نضال...
تمتم نضال بنبرة جادة:
-بابا هو اللي بتقوله ده بجد ولا بتهزر لأن لو بتهزر علشان افك بعد اليوم الغريب ده فصدقني الموضوع مش مضحك خالص زي ما ابنك مش قادر يبطل ضحك كده...
ترك زهران الارجيلة متحدثًا بقوة وهو يؤكد على حديثه مرة أخرى:
-يعني أنتَ تعرف عن أبوك كده؟! أبوك يا نضال يهزر في أي حاجة إلا الجواز والطلاق ده مفيهمش هزار، خط أحمر.
هتف نضال بنبرة ساخرة بعض الشيء:
-يعني إيه؟! بعني أنتَ خلصت على كل الستات اللي تعرفهم خلاص ومبقاش غير أم خطيبة ابنك؟!.
تمتم زهران ببساطة شديدة وبدأ سلامة يعتدل في جلسته ويحاول أن يتوقف عن الضحك:
-كيفي كده، القلب وما يريد يا أخي.
قاطعه نضال بنبرة ساخرة:
-قلب إيه وكبدة إيه؟ ده أنتَ مبقالكش أسبوعين مطلق ده أنتَ بتخلص الموف أون بسرعة الصاروخ، الموف أون اللي عندك يا بابا محتاج يتصدر للشباب ده علشان يعرفوا يكملوا بقية حياتهم، ده أنتَ ملحقتش...
هتف زهران بجدية وهو ينظر له:
-أنا بنجز وبخلص بسرعة..
هتف نضال بنبرة هادئة حاول تصنعها فـوالده سيفقده عقله:
-بابا شوف أي حد غيرها أحسن أنتَ هوائي وهطلقها بعد فترة زي أي واحدة قبلها وهتعمل مشاكل لابنك فيما بعد وهدخله في حوارات..
رد زهران عليه ببساطة:
-ما أنا هتوب على ايديها نويت اتغير فيها إيه دي؟!.
-يا مثبت العقل والدين يارب...
قالها نضال ثم وجه حديثه إلى سلامة متحدثًا:
-ما تتكلم وتبطل ضحك..
غمغم سلامة من وسط ضحكاته:
-والله مش عارف اقول إيه بس يسرا طيبة أنها تأخد صفة مرات الأب والحماة...
هتف نضال بسخرية:
- يا روقانك أنتَ وأبوك، هو أنا الوحيد اللي مش عاجبني الكلام؟!
تمتم زهران بجدية وهو ينظر له بانتصار:
-لا أنتَ الوحيد اللي مش متربي ومش عايز يقف جنب أبوه..
قاطع سلامة الحديث بنبرة حاول جعلها جادة قدر المستطاع:
-أنا مع نضال بصراحة بس مش قادر مضحكش.
عقب زهران بغضب:
-ولا ابو شبكة رايحة جاية ده كمان أتربى..
تمتم نضال وهو يسأل والده بنبرة جادة:
-طيب هي تعرف؟! أو لمحت ليها عن حاجة؟.
رد زهران عليه نافيًا:
- حد الله، لا طبعًا أنا مش بلمح ولا بقول حاجة لأي واحدة أنا بقول في وشها مرة واحدة عايز اتجوزك وافقت أهلا وسهلا موافقتش أهلا وسهلا هو أنا لسه عيل صغير هقعد ألمح..
هتف نضال بغضب مكتوم:
-طيب عرفت منين أنها عايزة تتجوز أصلا مهي بقالها سنين مطلقة لو كانت عايزة كانت اتجوزت من زمان...
تمتم زهران ببساطة بعدما أمسك خرطوم الارجيلة وسحب نفس منها:
-أعتقد أنا عريس مترفضش.
هز نضال راسه بإيجاب وهو يتحدث بسخرية:
-طبعًا ده مفيش حاجة تخليها ترفض أنها تكون الزوجة الثامنة هي تطول أصلا....
هتف زهران بنبرة غاضبة:
-عمومًا أنا اللي غلطان إني بتكلم مع شوية عيال زيكم وبأخد رأيكم، عموما أنا حر في اللي أنا هعمله بيكم ومن غيركم أنا بس حبيت أخد رأيكم وسديتوا نفسي..
تمتم نضال بنبرة صريحة:
-لا متقلقش يا بابا أنتَ نفسك بتتسد عن أي حاجة في الدنيا إلا الجواز..
رد زهران عليه بابتسامة صفراء:
-عقبالك يا حبيبي لما نفسك تتفتح على الجواز زي أبوك..
وقبل أن يُفتح في جروح ولده تحدث بنبرة جادة تحت نظراته إلى سلامة الذي نهض بسبب اتصال هاتفي من أحد أصدقائه:
-أهم حاجة بكرا تجيب ليا الواد دياب أتكلم معاه أنا معرفتش أتكلم معاه لازم يهدى كده وميعملش أي تصرف غبي وميروحش يأخذ حاجة أخته ولا يعمل حاجة لغايت ما الموضوع يهدى وقتها نقعد مع الواد وأهله سواء هترجع أو مش هترجع برضو نروح معاه ونتكلم بالاصول وييطل يشغل دراعه ويشغل دماغه شوية...
_____________
في صباح يوم السبت...
تستيقظ بهية مع صوت أذان الفجر لتتوضأ وتقضي فرضها وتظل جالسة لمدة تقوم بقول أذكار الصباح وإذا أرادت النوم مرة أخرى تفعل...
لكن اليوم كانت تشعر بأنه سيأتي رغم أن دياب لم يجد رقمه ولم يتصل به...
تجلس على الأريكة تقوم بسماع القرآن من الراديو كعادتها كل صباح، سمعت رنين الجرس فنهضت من مكانها بعدما حركت يدها لتبحث عن عكازها وحينما لمسته استندت عليه ونهضت وهي تحفظ كل شبر في شقتها عن ظهر قلب لذلك ذهبت إلى الباب بسهولة وما أن فتحته تحدثت وكأنها تراه حقًا:
-محمد...
رد عليها بهدوء متعجبًا من أنها تعرفه بسهولة في كل مرة:
-أيوة أنا..
رفعت كف يدها التي ترتعش قليلا كـ حركة طبيعية لمن هم في عمرها، محاولة الوصول إلى وجهه لتضعها عليه وساعدها هو حينما أمسك معصمها..
تحدثت بهية بنبرة عاطفية وهي تحاوط وجهه بكفيها بعدما تركت عكازها يسقط أرضًا:
-كنت مستنياك يا حبيبي وكنت حاسة أنك هتيجي، أنتَ كويس؟! طمني عليك يا حبيبي...
تمتم محمد بآسفٍ وهو يحتضنها:
-حقك عليا اتأخرت عليكي المرة دي أوي..
-ولا يهمك يا ابني تعالى ندخل جوا مش هنفضل واقفين على الباب...
بعد مرور نصف ساعة تقريبًا..
كان محمد يجلس فيها مع بهية خالته، شقيقة والدته الراحلة التي كان يأتي معها لزيارة عائلتها بين الحين والاخر ولكن بعد وفاتها انقطعت زياراته لفترة لأن والده لم يكن يسمح له أو بمعنى أصح لم يكن الأمر في أولوياته...
وحينما نضج محمد وكبر أصبح يأتي بين الحين والأخر حتى أنه عرض عليها الكثير من المساعدات ولكنها لا تقبل أي شيء هي فقط تريد رؤيته ولا تريد الانتقال من المنزل كما يريد أو أخذ نقود منه هي فقط تقبل الهدايا التي يأتي بها لها على مضض لا أكثر من ذلك...
حتى أنه عرض عليها في وقت من الأوقات أن يأتي بـ جليسة لها في المنزل تساعدها نظرًا لوضعها وفعل وأرسل لها بدل الواحدة ثلاثة ولكنها لم تتكيف ولم تشعر بالراحة بأن يكن هناك نفس غريب في منزلها ولأن الشخص الكفيف يصعب عليه العيش مع أناس غريبة لأنها لا تقبل أي تغيير أبدًا في المنزل هي تحفظ خطواتها منذ سنوات عدة...
ولا تستطيع التكيف مع أي تغيير حتى ولو بسيط ولن تأخذ راحتها لذلك كانت تغلق جميع الأبواب في نظره لمساعدتها...
لذلك اقتصر الأمر لزيارتها في أوقات فراغه وحينما يشعر بالضيق وأن جميع الأماكن لا تناسبه.....
"مالك يا ابني فيك إيه؟!".
هذا السؤال كررته بهية أكثر من مرة وفي النهاية أخبرها محمد بكل شيء تقريبًا وبما فعلته ابنته وجعلته في تلك الحالة وشعور عميق بالذنب يحتله لن ينكر......
فهو يفكر هل أخطأ بحقها؟!
هل قام بالتقصير معها؟!
لكنه سعى دومًا أن يعوضها عن كل شيء...
عقبت بهية بنبرة هادئة:
-مش شرط تكون أنتَ السبب في اللي هي عملته أنتَ زي أي حد حب يعوضها عن موت امها وينفذ طلباتها ورغباتها ويدلعها، بس هي فهمت الدلع ده غلط وبعدين هي صغيرة وطايشة والعيال في السن ده ممكن يعملوا تصرفات غريبة ده وارد عند أي حد بيكون عندهم طاقة عايزين يعملوا كل حاجة ويجربوا كل حاجة جديدة وغريبة....
تمتم محمد بنبرة جادة:
-ده مش مُبرر للي عملته أنا حابسها في البيت مش عقاب قد ما هو خوف عليها، خوف أنها تعمل حاجة تضر نفسها، تقريبًا هي بقت متخيلة أن من كتر ما حياتها سهلة يبقى أي حاجة عادي ومش متحملة مسؤولية حاجة لدرجة أن صحابها أثروا عليها وخدوها معاهم، الحمدلله أن الخبر متسربش كمان..
كانت بهية تسمعه باهتمام وإنصات نادرًا ما تقاطعه هي تريده أن يفرغ ما بداخله....
تحدث محمد بضيقٍ:
-سيبك مني وقوليلي أنتِ عاملة إيه؟؟.
لا تختلف إجابة بهية مهما حدث هي شاكرة وحامدة:
-الحمدلله في أحسن حال.
______________
-ازاي كل ده يحصل ومحدش فيكم يكلمني؟!.
قالت حُسنية تلك الكلمات وهي تجلس على الأريكة وفي أحضانها جنى حفيدتها، وقبل أن تتفوه بتلك الكلمات كان دياب قد جاء من غرفته فهو كان قد خلد للنوم حديثًا بعد ليلة كان يحرق ذاته بدخان سجائره....
كان يحاول أن يخرج غضبه في أي شيء..
ولم يكن الأمر صعبًا على دياب وهو ينظر إلى حور هاتفًا:
-الست ملحقتش تغير هدومها حتى وبعدين تعرفيها، مهوا طبعا الراديو معرفش يسكت لازم ست حور تنطق وتقول ملخص كافي ووافي بسرعة في أقل من خمس ثواني..
تمتمت حسنية بسخرية:
-كل ده اللي هامك يا أستاذ دياب؟! مكنش همك أنك تودي نفسك في داهية؟!.
هتف دياب بنبرة مقتضبة وهو يجلس جوار حور:
-بنتك اللي كانت المفروض تفكر في كل ده قبل ما تقبل على نفسها الإهانة وأرجوكم محدش يحاول يفتحني، المهم الـ *** ده لازم يطلقها..
ثم سأل باستغراب:
-هي إيناس فين أصلا؟!.
ردت حور عليه مثل الصحفي أو المذيع الذي يتفوه بالنشرة الإخبارية:
-إيناس دخلت تنام شوية علشان طول الليل معرفتش بسبب الواد..
تحدث دياب ساخرًا:
-مش عارف من غيرك هعرف أي خبر في الدنيا ازاي..
هتفت حُسنية بنبرة جادة:
-سيبك من ده كله بلاش تتسرع في موضوع الطلاق خراب البيوت مش بالساهل كده يا دياب..
رد دياب عليها بقوة:
-اه يدوبك نرجعها ليه علشان يخلص عليها ولا أنتِ عايزة إيه؟!...
تمتمت حُسنية بغضب:
-أكيد أنا مقولتش كده بس في نفس الوقت مينفعش نستعجل، وقت الخناقات والمشاكل مينفعش حد يأخذ قرار وبعدين احنا لازم نفهم و عمرو له أهل نتكلم معاهم..
-يولع بجاز وسخ هو وأهله ومش هنتكلم مع حد وأعلى ما في خيلهم يركبوه يا يطلقها بالذوق يا أنا هخليه يطلقها بمعرفتي...
هتفت حُسنية بلومٍ واضح يكفي ما حدث لها خلال اليومين الماضيين يكفي ما عرفته:
-دايما كده أنتَ صوتك من دماغك وصعب التفاهم معاك ودايما تاعب قلبي..
غمغم دياب بنبرة متشجنة:
-صح أنا غلطان فعلا كان المفروض لما أروح ألاقيه ضارب أختي أروح اقوله كمل يا حبيبي حقك عليا، عطلتك صح؟! ده اللي أنتِ عايزاه مني علشان مبقاش بتاع مشاكل صح؟!.
ردت والدته عليه بانزعاج واضح:
-هو ده اللي باخده منك تريقة وبس يا دياب، كل اللي بقوله اهدى علشان نعرف نفكر محدش بيأخد حقه وقت المشاكل المفروض نفكر كويس..
قال دياب قبل أن يدخل إلى حجرته مرة أخرى:
-اللي عندي قولته؛ الراجل ده يطلق اختي ومش هتقعد في بيته من تاني لو إيه اللي حصل، ولا حد يقولي عقل ولا يقولي منطق، ده لما نكون بنتكلم مع راجل مش مع **** بيمد إيده على اللي مش هتقدر عليه...
_______________
بعد مرور أسبوعين..
هبطت ريناد برفقة والدها..
كان اليوم هو اليوم الأول الذي دخل فيه إلى حجرتها بعدما طلب من زينب تحضير حقيبة ملابس منزلية لها......
ذهبت ريناد برفقته دون أن تعرف إلى أين سوف تذهب، مازال الحديث بينهما منقطع فقط سمعت صوته وهو يخبر الفتاة التي تقف معهم في المتجر بأن تأتي لها بملابس تناسب قياسها، تكون لائقة ومحتشمة إلى حدٍ ما..
لم تكن ريناد ترتدي ملابس قصيرة أو بها شيء مُلفت إلى حد كبيرة ولكن الوضع الجديد يناسبها ملابس جديدة مختلفة التصميم قليلا عما كانت ترتديه.
لم تعترض ريناد يكفي بأنها خرجت من المنزل أخيرًا بعد كل هذا الوقت...
شعرت بأنها عادت إلى الحياة مرة أخرى...
بعد شراء ملابس كثيرة من اختيار والدها هي فقط كانت تقوم بالقياس، ذهبت معه إلى "سوبر ماركت" كبير أخذ يقوم بشراء بعض الاحتياجات الضرورية وهي كانت تراه شيئًا غريبًا والدها ليس من عادته أبدًا شراء أغراض إلى المنزل...
لكنها كانت صامتة تسير جانبه ولا تعلم متى سوف ينتهي هذا اليوم ومتى سوف ياحدث معها كالسابق وإذا مازال ممتنع عن الحديث معها لما أخبرها بأن ترتدي ملابسها حتى تهبط معه؟!..
في طريق العودة لم يكن طريق منزلهما بل كان طريق أخر جعلها تمر على بعض المناطق المكتظة وبها ازدحام مروري لا ينتهي، بعدها بمدة ولج إلى حي شعبي كما ترى ولكنها كانت تخشى أن تعترض لو كان في السابق لأظهرت إعتراضها بشكل واضح..
هل أتت هنا من قبل؟!.
هي ترى المكان مألوفًا رُبما أتت في طفولتها لا تتذكر...
تقرأ أسماء الشوارع وهي تسير على اللافتات الزرقاء الموجودة ومعبئة بالاتربة، ومنها كان شارع خطاب.
وبعدها ولج والدها إلى شارع جانبي ثم أصطف بالسيارة أمام بناية رقم 14....
-أنزلي..
فتحت ريناد الباب وهبطت من السيارة وكذلك والدها وأخذت تتأمل الشارع بشكل مخيف، تلك الأماكن لا تراها إلا في التلفاز حتى ولو كان المكان مألوفًا لها وتشعر بأنها أتت من قبل إلا أنها خائفة......
هتفت ريناد بتردد أخيرًا خرج صوتها المهزوز:
-أحنا فين هنا؟!.
-قدام البيت اللي فيه الشقة اللي اتولدت فيها أمي، جدتك وعايشة فيها دلوقتي خالتي اللي هي تعتبر جدتك برضو......
أسترسل محمد حديثه ببساطة:
-لو تفتكري مرة جيتي معايا زمان وأمك جت بس من بعدها محدش جه معايا فيكم...
سألته ريناد بتردد وخوف لا تعلم لما يرافقها:
-بس حضرتك ليه جايبني هنا؟! علشان نزورها؟!.
تحت ذهول ريناد كان يجيب عليها محمد:
-لا علشان هتقعدي هنا........
الفصل الخامس من #عذرًا_لقد_نفذ_رصيدكم
#شارع_خطاب
بقلم #fatma_taha_sultan
____________
اذكروا الله.
دعواتكم لأهلكم في فلسطين والسودان وسوريا ولبنان وجميع البلاد العربية.
_____________________
يحنو علينا الحُب مرّة
ويقسو ويردَع ،ألف مرّة
لكننا رُغم هذا لا نملكُ سوى أن نُحب لنعيش .
#مقتبسة
••
وما الحبُّ إلَّا للذينَ تمكَّنوا
من القلبِ، إنَّ القلبَ مَأوى الأحبَّةِ .
#مقتبسة
_______________
في فيلا عز الدين...
كان يجلس جواد ونسمة على الطاولة، يراقبها وهي تتناول طعامها ببطئ لكن الدموع لا تفارقها...
توقف جواد عن الطعام الذي لم يكن يتناوله بشهية من الأساس متحدثًا وهو يراها تنظر ناحية مقعد أبيها الفارغ الذي يتوسط السفرة:
-خلاص يا نسمة كفايا عياط، أدعيله يا حبيبتي..
ردت عليه نسمة بنبرة متلعثمة وهي تنظر له بأعين تغمرها الدموع:
-حاضر، أنا بدعيله كتير والله بس هو واحشني أوي..
نهض جواد من مقعده وتوجه صوبها وأنحني مُقبلًا وجنتيها ورأسها هاتفًا وهو يحاول أن يكون متماسكًا قدر المستطاع تحديدًا أمامها هي...
-وحشنا كلنا، وبعدين أنا مش قولتلك هاخدك تزوريه يوم الجمعة، أكيد لو روحتي وأنتِ كده هيضايق منك......
-خلاص هكون كويسة أن شاء الله...
هبطت رانيا من الدرج؛ وكانت على وشك الرحيل من دون حتى إلقاء التحية...
استوقفتها نسمة هاتفة ببطئ وهي تبتسم ببراءة رغم الدموع التي تهبط من عيناها:
-تعالي أفطري معانا يا رانيا قبل ما تمشي..
لم تعقب رانيا على الحديث بل ظلت تنظر لهما بانوعاج واضح وهنا تحدث جواد بنبرة جادة:
-لا رانيا مش هتفطر معانا كملي أنتِ اكلك هي وراها ميعاد مش كده يا رانيا؟!.
عقبت رانيا على حديثه بلا مبالاة تحت عبوس نسمة الشديد بعدما اختفت ابتسامتها:
-فعلا ورايا ميعاد كلوا أنتم عند أذنكم..
غادرت رانيا من الباب بعدما سارت بضعة خطوات وهنا تحدث جواد بنبرة جادة:
-منيرة..
جاءت أمرأة في الاربعينات من عمرها ليغمغم جواد وهو يداعب خصلات شقيقته:
-خليكي مع نسمة عقبال ما أجي.
سألته نسمة باستغراب:
-رايح فين؟!.
-أبدًا في حاجة نسيت أقولها لرانيا كملي فطارك عقبال ما أجي..
رحل جواد وخرج من البوابة الداخلية للمنزل وسار بضعة خطوات ليجد رانيا تجلس في سيارتها وكانت على وشك الرحيل ليشير لها هاتفًا بنبرة مرتفعة:
-استني...
وما أن أقترب من السيارة حتى هتف:
-أنزلي..
نظرت له رانيا بضيقٍ ثم فتحت باب السيارة؛ وهبطت منها ثم أغلقت الباب خلفها متححدثة بانزعاج:
-خير يا جواد في إيه على الصبح؟!.
تمتم جواد باقتضاب:
-النهاردة مترجعيش بعد الشغل على هنا..
سألته رانيا بعدم فهم وهي تنظر له رافعة حاجبيها بذهول:
-أومال أرجع على فين مش فاهمة؟!.
-ترجعي على شقتنا، مترجعيش هنا، ولا هتدخلي البيت ده تاني..
ابتلع ريقه ليعقب ساخرًا:
- كده كده أنتِ مجبتيش حاجتك لسه هناك، خليكي هناك لغايت ما أفضى وأجيلك ونتكلم...
نظرت له رانيا بغيظٍ:
-ويعني إيه ده بقا؟! هو أنا بمزاجك شوية تعالي نروح وتجبرني أجي وشوية أقعدي لوحدك؟! هو في إيه؟!..
أمسكها من معصمها بعنف لم يستعمله معها أبدًا من قبل:
-أنتِ بجحة بحاجة مشوفتهاش على بني أدم...
ابتلع ريقه ليقول هادرًا بعنفٍ وقسوة:
-كل يوم بيعدي علينا بقول هتعقلي، هتتعاملي زي البني أدمين الطبيعية بس مفيش فايدة، نسمة نفسيتها أهم من أي حاجة وكفايا أصلا اللي هي حاسة بيه بسبب بابا، أنا مش هسمح أنك تتسببي بانتكاسة ليها، اقعدي في شقتك لغايت يا تعقلي وربنا يهديكي وساعتها تعالي يا أما هيكون لينا كلام تاني مع بعض، ويلا مش ناقص تعككني عليا أكتر من كده....
ردت عليه رانيا بنبرة منفعلة:
-ماشي براحتك يا جواد وأنا في انتظارك بس أفتكر انك أنتَ اللي طردتني....
-طب امشي قبل ما أرتكب فيكي جناية..
___________
يقف "دياب " في الشرفة والسيجارة تتواجد بين أصابعه يشربها بحرية لأنه في الداخل أصبح هناك أطفال يزعجهم الدخان.......
مر أسبوعين دون أن يتلقى خبر من عمرو أو عائلته وفي الواقع هو يكبح نفسه بصعوبة بالغة من الذهاب وتكسير عظامه....
الآن يبحث عن عمل حتى أنه سوف يُجبر إلى أخر حل......
فهو لا يستطيع أن يظل عاطلًا أكثر من هذا، تحديدًا في المسوؤليات الجديدة التي تم إضافتها إلى ما يحمله، لا يستطيع أن يجعل المنزل يستمر بهذا الشكل...
صدع صوت هاتفه الذي يتواجد بين يديه فأستند على السور الحديدي وهو يجيب عليه:
-ألو.
جاءه صوت خطيبته ليلى الحانق:
-والله كتر خيرك أنك اتنازلت و رديت يا دياب أنا قولت شكلك نسيت أنك خاطب من أساسه.
رد عليها دياب بنبرة جادة فقد فاض به الكيل ولا يستطيع أن يكون صبورًا وأن يصبح رجل لين في تلك الأيام:
-ليلى أنا أقسم بالله العظيم ما فيا حيل أناهدك ولا اتخانق معاكي حتى؛ ولا أنطق بكلمة ولا ناقص نكد هتقولي حاجة عدلة قولي معندكيش أقفلي.
تحدثت ليلى بانزعاج واضح فهو تحاول أن تتحمل الأمر قدر المُستطاع رغم كلمات والدتها التي كالرصاص في وجهها:
-والله أنا اللي عايشة في نكد داخلين في شهر ولا بشوفك ولا حتى بترد عليا ومعظم الوقت بتتجاهلني دي مبقتش عيشة...
أردف دياب بنبرة ساخرة هو الآخر وهو يرى السيارة المتواجدة أسفل المنزل والذي يعلم صاحبها جيدًا بأنه قريب الخالة بهية التي ترفض أي مساعدة منه، هي أمرأة ذات كبرياء حقًا، لكن لحسن الحظ أنه أتى فهي كانت تشعر بالقلق عليه...
-والله أنا مش حاجز شهر عسل ولا متجوز غيرك أنا قاعد ورايا هم ما يتلم وأنتِ عارفة وعرفتك اللي حصل مع جوز إيناس ومش مخبي عليكي حاجة يعني..
تمتمت ليلى بتردد:
-ماشي وأنا مقدرة ده يا دياب بس قدرني أنتَ شوية.
لم تجد رد ولكنها أسترسلت حديثها بنبرة جادة:
-بكرا ماما عازماك وقالتلي أكلمك أقولك، خطيب منة كمان جاي..
تحدث دياب بانفعال طفيف:
-يعني ده وقت عزومة...
قاطعته ليلى بغضب وانفعال طفيف يكاد يشعر بأن دموعها قد هبطت في تلك اللحظة:
-قدرني شوية يا دياب لو سمحت ومتكسفنيش، أنتَ بقالك كتير مجتش ولا شوفتني وماما كلت وشي بالكلام بصراحة...
الأمر كله يكمن في..
"ماما".
رد عليها دياب بنبرة جادة:
-ان شاء الله جاي يا ليلى خلاص متعيطيش ولا تزعلي خير ان شاء الله...
___________
-ده هزار، استحالة...
استحالة....
تتحدث ريناد وهي تضع أصابعها في خصلاتها وفي رأسها، على وشك أن تصاب بالجنون مما تسمعه، هي لم تتحمل الدخول في المنطقة قط؛ لا تتحمل رائحة الرطوبة التي تفوح عند صعودها إلى المنزل..
كيف يريدها أن تقطن هنا؟!..
هتف محمد بنبرة جادة:
-أنا مش بهزر معاكي يا ريناد، يا هتعملي اللي أنا بقولك عليه يا هترجعي معايا البيت وهتكملي حياتك متخرجيش من أوضتك..
تمتمت ريناد بنبرة جادة وهي تصرخ واقفة في منتصف شقة بهية التي تضع يدها على أذنيها بسبب الصةا..
-أنا استحالة أعيش هنا، مش علشان غلطت غلطة واحدة تعمل فيا كده....
نهض محمد متحدثًا بنبرة ساخرة وهو يقف أمامها:
-لما أجيبك من القسم علشان كنتي سهرانة وسكرانة أنتِ وصحابك تقوليلي غلطة واحدة..
تنظر له ريناد وتبكي ليتسرسل حديثه:
-القرار قرارك، أنا قدمت ليكي في كلية تجارة جامعة ******** ، خلاص جامعتك مش هتدخليها تاني، موبايلك هيكون اللي هناك ده.
وأشار إلى هاتف يتواجد على الطاولة، لتنظر له ريناد باختناق شديد هذا الهاتف ضعيف جدًا وقليل الإمكانيات مقارنة بالهاتف التي كانت تحمله...
ستموت، هي لا تتحمل هذا كله...
تمتم محمد وهو ينظر لها موضحًا:
-عربيتك مش هتشوفيها تاني، وبعدين متعمليش نفسك زعلانة أوي أنتِ سقطتي سنتين في الجامعة، وفيهم ترم مروحتيش الامتحان فيه علشان مودك مكنش حلو ونفسيتك تعبانة وروحتي سافرتي مع نفس الشلة الصايعة بتاعتك..
ابتلع ريقه لسترسل حديثه بنبرة غاضبة:
-ساعتها عديتها ليكي بس علشان خاطر خالك وكنت غلطان إني سكت على اللي عملتيه وده خلاكي تتمادي في قلة أدبك وفي غلطك، هتقعدي هنا ومن بكرا تروحي الجامعة تشوفي إيه اللي فايتك لأني دخلتك بصعوبة أساسًا..
ثم أخرج من الحقيبة التي تتواجد على الطاولة الخشبية الصغيرة محفظتها:
-دي محفظتك فيها بطاقتك وحاجتك..
أخذتها ريناد بغضب وهي تفتحها بغيظٍ واضح لتجد كل بطاقاتها الائتمانية غير موجودة، فقط هناك بضعة ورقات نقدية سحبتها ريناد وهي تهتف:
-إيه ده؟!.
-ده مصروفك..
تمتمت ريناد بعدم استيعاب بعدما قامت بعدهم:
-دول ثلاث ألاف جنية؟! مصروف شهري إيه؟! أنا بصرف أكتر منهم وأنا بتعشى مع صحابي في يوم..
رد محمد عليها ببساطة:
-ده علشان لو في كتب أول حاجة أو حاجات هتشتريها للجامعة، بعد كده هيكونوا ألفين بس كل شهر...
صاحت ريناد مستنكرة وهي تصيح بجنون:
-استحالة ده يكون حقيقي ألفين جنية إيه دول مش ثمن الماسكرا اللي بحطها، استحالة، أنا لا يمكن أعرف أعيش كده، وكمان بنزين العربية...
قاطع محمد حديثها بنبرة جادة :
-مهوا مفيش عربية، لما تروحي الجامعة هتروحي بالمترو أبقي اعملي اشتراك الطلبة..
صاحت بهية التي تتابع الموقف وتسمعه في جلستها:
-وطي صوتك أنتَ وبنتك هطرش بسببكم، مش كفايا عيني هيكون السمع كمان...
تمتم محمد بتحذير بسيط:
-أنا نازل دلوقتي رايح مشوار هكلمك أنا جيبتلك خط جديد في الموبايل الجديد بتاعك، هتصل بيكي بليل لو حابة ترجعي البيت هترجعي بس زي ما كنتي عايشة الأيام اللي فاتت لا جامعة هتروحي ولا خروج هتخرجي وكلامي خلص..
ثم أسترسل حديثه بتوضيح:
-اي حركة ملهاش لازمة هتعمليها هعرف، ومتفتكريش إني حتى هنا هسيبك لنفسك، لا موبايلك مفتوح عندي وكل خطوة هتروحيها هعرفها، غير ان في الجامعة عندي اللي هيقولي بتروحي ولا لا وبتحضري ولا لا...
صمت لدقيقة وهو يناظرها يراقب رد فعلها على حديثه وصمتها الغريب:
- جدول محاضراتك معايا هعرف بتنزلي أمته وبترجعي امته، ومش هتخرجي، من الجامعة لهنا ومن هنا للجامعة، وأنا كل ما أجي أشوفك وهجيب ليكم طلبات البيت وأحمدي ربنا أنها مش من المصروف..
______________
-تعالى يا إيناس عايز اتكلم معاكي...
قالها دياب وهو يقف في الصالة أمام أمه الشاردة والتي تحتضن حفيدها، بينما حور تجلس على السفرة وبجانبها تجلس جني تقوم بالكتابة أو النقش على الورق والتلوين حتى تترك حور تنهي واجباتها في سلام فحاولت حور أن تجد شيء يشغلها عنها..
بالنسبة إلى ايناس كانت جالسة على الأريكة صامتة وشاردة هي الأخرى..
فكان كل شخص شارد في همه، وقاطع دياب شرودها بجملته تلك وهنا تحدثت حور منزعجة:
-ما تقول قدامنا عادي، أنا مبحبش كده مش هعرف أكمل اللي بعمله لو معرفتش أنتَ عايز إيه منها..
تمتم دياب ساخرًا:
-خليكي في نفسك يا حشرية أنا عايزها هي وخلصي اللي وراكي لأن لو حد كلمني من مساعدين المدرسين وقالي حاجة، هخلي يومك مش فايت أنتِ سامعة..
هتفت حور مرددة بحماقة:
-ياريتني حطيت رقم عم حودة اللبان أحسن من النزاهة اللي أنا فيها دي.
اقترب منها دياب هاتفًا بانزعاج:
-بتقولي حاجة؟!.
ردت حور عليه بابتسامة كاذبة:
-لا مبقولش غير ادخلوا جوا اتكلموا علشان اعرف أكمل الواجب.
بداخل حجرة دياب التي أصبحت حجرة إيناس وأطفالها بينما حور تنام مع والدتها في الغرفة الأخرى، أما دياب أصبحت الأريكة مكانه وفراشه الجديد...
كانت إيناس تجلس بجانب دياب على الفراش الذي سألها بنبرة واضحة:
-إيناس أنا عايز أتكلم معاكي بوضوح.
ردت عليه إيناس بنبرة هادئة:
-أتكلم يا دياب سمعاك.
ولج دياب في صلب الموضوع ولم يطيل الأمر:
-بما أنه عدى أسبوعين اكيد زمانك اتكلمتي مع امك وصاحبتك وحسبتي الأمور مع نفسك واكيد فكرتي أنتِ عايزة إيه، أنا رأيي في الموضوع ده معروف وواضح وقبل ما أعمل أي حاجة تانية أنا حابب أعرف رأيك..
هتفت إيناس بنبرة جادة لا تظن بأن تحملها الأمر أكثر من ذلك قد يفيد أطفالها على الأقل التي كانت تتحمل من أجلهم كل شيء؛ وتعلم أن الطلاق لن يكن أمرًا سهلًا في ظروفها:
-هخلعه علشان مش هيرضى يطلقني أنا هخلعه، ومش عايزة حاجة منه وهشتغل وهصرف على ولادي....
قاطعها دياب متجاهلا هذا كله ليؤكد على قرارها ولتترك خططها المستقبلية لوقتٍ أخر:
-يعني أنتِ عايزة تتطلقي؟!.
-أه مش عايزاه تاني ومش هينفع اقعد معاه تاني أنا كنت بسكت نفسي وبحاول أقول الوضع هيتحسن بس هو كان عمال كل شوية يتنيل عن قبل كده مش بيتحسن...
رد دياب عليها بنبرة لم تفهمها جيدًا:
-تمام أوي كده...
طرقات خافتة على الباب طرقتها حور ثم فتحت الباب هاتفة:
-اتمنى مكنش جيت في وفت غير مناسب..
قال دياب مستنكرًا:
-مش هتبطلي حشرية بقا...
دافعت حور عن نفسها بشراسة:
-أنا مش حشرية مع أن كل الظروف بتقول إني حشرية، بس المرة دي مظلومة، أحلام برا وجت عايزة تشوف إيناس...
"بعد مرور نصف ساعة"
كانت تجلس إيناس برفقة صديقتها أحلام التي تشعر بالانزعاج منها؛ أحلام شخصية مزاجية من الدرجة الأولى تحدثها وقتما تشاء وتختفي وقتما تشاء، حتى أنها لم تطمأن على أحوالها منذ أسبوع لم تتصل بها ولم ترسل رسالة واحدة حتى...
وها هي الآن تخبرها بمشكلتها..
-جواد متغير معايا أوي، مش طبيعي، مش عادته يكون معايا كده..
ردت إيناس عليها بتلقائية:
-يمكن بسبب الظروف اللي بيمر بيها وفاة أبوه وكده.
-مش مُبرر أنه يبعد عني بالشكل ده..
هتفت إيناس باستغراب شديد:
-مدام بتحبيه أوي كده من بدري رافضة تتجوزيه ليه؟! مع ان أبوه كتن عارف علاقتكم ومراته نفسها عارفة وهي معندهاش مشكلة يتجوز ولا هو عنده مشكلة وعرض عليكي الجواز..
قالت أحلام بمنطقية واضحة:
- مش حكاية بحبه ولا لا بس لما عرفته كنت لسه صغيرة ولسه خارجة من الكلية ومكنش منطقي أوافق عليه بالسرعة دي، كان ممكن يجيلي حد أحسن أكيد..
قالت إيناس باستنكار وهي تنظر لها متحدثة بدهشة:
-أحلام لازم تقبلي أن محدش بيأخد كل حاجة، مش هتاخدي اللي قدك ومعاه فلوس واللي معاه كل المميزات اللي مش موجودة عند حد، مينفعش تكوني رابطة الانسان اللي تشاركيه حياتك بفكرة أنك ممكن تشوفي حد أحسن؛ ما لو اتجوزتي حد ولقيتي حد أحسن إيه هتروحي تطلقي؟!..
تمتمت أحلام بسخرية:
-أنتِ بتهزري يا إيناس..
-بتكلم بجد أنا مليش نفس أهزر عمومًا..
سألتها أحلام بعفوية وهي تنظر لها باهتمام حتى لا تتحدث في أمر علاقتها مرة أخرى على ما يبدو لن تسمع كلام يرضيها:
-الموكوس ده كلمك ولا اتصل بيكي؟!..
-لا من يوم المشكلة مسمعناش صوته....
______________
مر أسبوعين وبدأت تعود إلى عملها...
لكن بنفس غير راضية أبدًا...
لم تتلقى أي اتصال من حمزة خلال تلك المدة، لم يتصل بها، ولم يرسل لها رسالة واحدة حتى يسألها عن أحوالها...
لا تعلم هل فعلت شيء ازعجه دون أن تدري؟!
رُبما أنزعج منها حينما لم تأتِ بسبب عمها ولم تفِ بوعدها له..
لاحظت أيضًا إختفائه من على مواقع التواصل الاجتماعي أيضًا لذلك شعرت بأنه قد أصابه مكروه ويجب عليها السؤال عنه، ألتقطت هاتفها وأخذت نفس طويل وقامت بالبحث عن اسمه ثم قامت بالاتصال به لتسمع صوته الهادئ بعد ثواني معدودة ليُربكها..
-ألو ازيك يا ساسو عاملة إيه؟!.
هتفت سامية بتردد:
-الحمدلله، أنتَ عامل إيه؟!.
-تمام بخير..
طال الصمت بينهما لمدة دقيقتين ولوهلة شعرت بأنه لم يكن يجب عليها الاتصال به، كيف تخبره بأنها كانت تراقبه إذا كان قد قام بتنزيل أو مشاركة أي منشور وأنها كانت تنتظر اتصال منه...
أنه شيء محرج من الدرجة الأولى...
شعر حمزة بما ينتباها لذلك تحدث معها بـ لباقة:
-أسف كنت محتفي الكام يوم اللي فاتو كان عندي شوية مشاكل كده وحاجات في الشغل؛ وفي نفس الوقت حبيت أسيبك براحتك علشان متحسيس إني بضغط عليكي تيجي وكده حتى كنتي لسه على بالي النهاردة وكنت هكلمك..
تمتمت سامية تحاول قول أي شيء قد يحفظ ماء وجهها لكن كل الإجابات تقريبًا لن تخفف من موقفها:
-خير ان شاء الله، أهم حاجة تكون أمورك كويسة دلوقتي.
-تمام أحسن، المهم أنتِ عاملة إيه؟! طمنيني عنك أخبارك واخبار شغلك؟!.
قالت سامية ببساطة وأكثر أريحية:
-يعني الأمور زي ما هي روتينية سواء في الشغل أو في الحياة عادي، يمكن اللي هيختلف إني هجيب عربية وده هيكون أريح بالنسبة ليا علشان إني بتنقل طول الوقت..
-بجد كويس جدًا، مبروك يا ستي ده كده ليا عزومة أكيد حلاوة العربية...
وقبل أن تجيب عليه كان هو يسترسل حديثه بنبرة هادئة:
-هو أنتِ أصلا بتعرفي تسوقي أو معاكي رخصة؟! ولا لسه هتتعلمي على العربية الجديدة؟!...
ردت سامية على أسئلته ببساطة:
-اه معايا رخصة وبعرف، في الصيف كنت بتعلم وكده، عمي اللي كان بيعلمني علشان كان واعدني بالعربية، وخلاص كلها كام يوم وهتكون معايا..
-خلاص هستناكي تيجي بقا بالعربية الجديدة والمرة دي مش عزومة مراكبية أنا عايزك تيجي واتكلم معاكي شوية...
تمتمت سامية بأختصار:
-حاضر ان شاء الله، صحيح ياسمين عاملة إيه؟!.
-كانت في المالديف الفترة اللي فاتت علشان الـ Honeymoon وخلاص راجعة بكرا خلاص..
-ترجع بالسلامة ان شاء الله، سلم عليها كتير بجد كانت عسولة ورقيقة ومريحة جدًا في التعامل.
رد عليها حمزة بنبرة خافتة:
-وهي كمان حبيتك جدًا ومتأكد أنه أكيد هيكون ليكم لقاء مع بعض قريب جدًا....
____________
يجلس "سلامة" على الفراش ويضع الهاتف على أذنيه يتحدث مع جهاد كعادتهما في الآونة الأخيرة يتم النقاش في الأمور التي تخص شقتهما...
الأمر الذي يحمل العديد والعديد من الشجارات الغير متناهية..
-لا يا جهاد البوتجاز أربعة شعلة مش هتجيبي خمسة كده أحسن للمساحة هيكون حلو ومدي مكان للرخامة لأنك أصريتي أن المطبخ ميتفتحش كان ممكن ده يوسع مساحته...
كان هذا رد سلامة على جهاد التي تخبره بأنها في الغد سوف تذهب من أجل شراء "الموقد" و "الميكرويف"...
جاءه صوت جهاد ساخرًا وغاضبًا:
-أنتَ مالك أجيبه أربعة ولا خمسة ولا ستة حتى؟! وبعدين أربعة شعلة مش عملي الخمسة أحسن..
رد عليها سلامة متهكمًا:
-لا وأنتِ يا بت طباخة ماهرة أوي هتشغلي خمس عيون مع بعض علشان كده قلبك حارقك، الأربع عيون أحسن مش هيأخد مكان وهو مرسوم كده...
هتفت جهاد بغضب شديد ونبرة مرتفعة:
-ملكش فيه يا سلامة أنا هجيب البوتجاز خمس عيون يعني خمس عيون، أنا حرة متدخلش في المطبخ وبعدين أه انا طباخة وهشغل الخمس عيون مع بعض..
-الاربع عيون عملي يا جهاد وأنتِ مبتعرفيش تطبخي ابقي اعملي أكلات الحلة الواحدة ولو الاكل معجبناش هنطلب أكل من عندنا أو حتى هننزل نأكل مع نضال يلا عدي ليلتك بقا.
جاءه صوت جهاد التي تشعر بالغيظ الشديد منه:
-سلامة خليك في حالك وعدي ليلتك أنتَ، علشان أنا هعمل اللي في دماغي ومش هتمشي رأيك...
قاطعها سلامة ببساطة:
-لا وأنتِ الشهادة لله بتمشي رأيي في حاجة طب يا جهاد عارفة أن المطبخ كمان اللي الراجل بيعمله لو معجبنيش مش هركبه ويلا سلام..
-سلام يا سلامة والقلب داعيلك يا حبيبي لو مش عاجبك تعالــ
قاطعها سلامة ولم يجعلها تستكمل حديثها الذي يعرفه جيدًا وهو يقلدها:
-تعالى وخد شبكتك.
ابتلع ريقه ثم أسترسل حديثه ساخرًا:
-جملتك المحفوظة بس أنا مش جاي ومش قادر مليش مزاج أفشكل النهاردة لما يكون ليا مزاج هقولك سلام...
-ماشي سلام.
انتهت المكالمة وخرج سلامة من الغرفة ليجد نضال جالسًا أمام الشاشة في الخارج وبين يديه يد التحكم البلاستكية واللاسلكية الخاصة بـ البلاستيشن...
-بتزعق ليه؟!.
عقب سلامة وهو يجلس بجواره متحدثًا بانزعاج:
-جهاد عايزة تجيب البوتجاز خمسة شغلة وأنا عايزاها تجيب أربعة علشان المساحة وهي مصممة مفيش فايدة...
ثم لثواني ثم تحدث مستنكرًا:
-وبعدين ده هي واختها عشرين شعلة لوحدهم..
تمتم نضال وهو يرتدي نظارته الطبية التي لا يرتديها طوال الوقت وتركيزه الكامل مع اللعبة..
-احترم نفسك وبطل غلط في حد مغلطش فيك....
ثم عاتبه وهو يسخر منه:
-وبعدين عامل زي خالتي اللتاتة ليه؟! ولا أنتَ ولا هي بتعرفوا تطبخوا مالكم بالمطبخ؟! سيبها تجيب اللي يريحها وخليك في نفسك وبطل مشاكل ملهاش لازمة، أنتم مش ناقصين مش كل ركن في الشقة هتقعدوا تتخانقوا عليه كده هتتجوزوا بعد عشر سنين...
تحدث سلامة منزعجًا وقد أصبح حديث شقيقه منطقيًا في عقله فهو في العادة المنطق يذهب من رأسه حينما يتحدث معها هي..
-ماشي.
هتف نضال بنبرة جادة وهو يسأله:
-أبوك اتكلم معاك تاني في الحوار ده؟!.
تمتم سلامة نافيًا:
-لا متكلمش في حاجة يعني ممكن كان بيقول كده وخلاص يعني، مهوا علطول بيفكر يتجوز ومدام مأخدش خطوة يبقى فكك اكيد كلامك معاه خلاه يتراجع..
قاطعه نضال ساخرًا:
-أنتَ غلبان أوي يا سلامة وشكلك متعرفش أبوك كويس، وبعدين أنا مش قلقان غير منك أنتَ أول واحد بتعوم على عومه..
تحدث سلامة وهو ينفي التهمة عن نفسه رغم صدقها:
-انا؟! أبدًا...
نظر إلى نضال بخبثٍ ثم حازل استفزازه:
-وبعدين ليه لا يمكن الراجل بيتكلم بجد وهو فعلا بيحبها وناوي يستقر يعني وبعدين في كل طلاق حصل بيكون في أسباب مش بيروح يطلق من نفسه يعني علشان فاضي..
-اه بيحبها، ومستغرب أنتَ أنا ليه أنا بقول أنك بتعوم على عومه وبشك فيك أنه بيعرف يقنعك بكلامه..
ضحك سلامة ببساطة وهو يرد عليه:
-الهوى ملهوش سلطان يا نضال يمكن فعلا حبها..
غمغم نضال بسخرية وهو يستكمل لعبه:
-يا عم أنا غلطان هي جوازتي أنا اللي هتبوظ ولا أنتَ اعملوا ما بدالكم وأنتَ قوم وسيبني لوحدي أحسن...
أستكمل حديثه بتهكم:
- روح اتخانق معاها يلا ومتوجعش دماغي قولها مينفعش تجيب خمسة شعلة كفايا أربعة..
-شوفت أنا قولت كده برضو....
بــــعـــد..
مرور ثلث ساعة كان دياب يقف أمام نضال في منزله.
-هتيجي معايا ولا لا؟!.
-يعني ده اللي اتفقنا عليه؟!.
رد دياب عليه ساخرًا ومغتاظًا:
-اتفقنا إني معملش حاجة لوحدي واديني اهو جيت ليك أقولك تعالى معايا وأنتَ اللي مش عايز...
يبدو أنه مصممًا إلى حدٍ كبير...لذلك تمتم نضال بنبرة منزعجة:
-خلاص استني ألبس وهاجي معاك بس أنتَ قولت مش هتعمل حاجة هتتكلم معاه وتأخد الحاجة بس صح؟!..
رد دياب عليه بنبرة غاضبة وهو ينظر له:
-أيوة صح يلا خلص وأنجز.
بعد بضعة دقائق...
كان يهبط نضال برفقة دياب، وإجباري يجب أن يمر من يهبط من البناية الخاصة بعائلة خطاب على محل الجزارة، مما جعل زهران الذي يجلس على المقعد البلاستكي على الرصيف في مسافة ليست بعيدة كليًا عن المتجر وأمامه طاولة بلاستيكية وبين يديه خرطوم أرجيلته المفضلة..
-على فين العزم ان شاء الله يا حلوين كده...
هتف دياب مختصرًا بعدما توقف الاثنان:
-رايحين نقعد على القهوة شوية..
تمتم زهران وهو يشير إلى مكان ما يبتعد عنهم بمسافة تكاد ترى بالعين المجردة:
-القهوة بتاعتكم اهي مفرقتش كتير أقعدوا معايا واطلب ليكم شاي وقهوة على هنا..
رد دياب ببساطة وهو يكز على أسنانه:
-رايحين قهوة تانية هو لازم القهوة دي؟!
ضيق زهران عيناه ونظر إلى ابنه هاتفًا:
-اخرس أنتَ معجون بمية الكدب، ما تتكلم يا نضال رايحين فين؟! ولا أنتَ واكل سد الحنك.
غمغم نضال بنبرة مقتضبة وعيناه تفضحه، فـ نضال لا يتقن الكذب:
-رايحين مشوار.
عقب زهران على حديث ولده ساخرًا بعدما سحب نفس من الارجيلة:
-وهو المشوار ده ده ملهوش اسم، ملهوش مكان ولا موقع على الخريطة يا بهوات...
تمتم دياب بانزعاج واضح من استجوابه لهم:
-في إيه يا عم زهران هو أنتَ بتكلم عيال في ابتدائية؟!..
هتف زهران بجدية ووضوح:
- ما أنتم مش هتمشوا من هنا غير لما أفهم أنتم رايحين فين علشان أنا مش واثق فيكم ومش مرتاح ليك..
رد دياب عليه تحت انزعاج نضال:
-لا خلاص خلي ابنك معاك تحكم عليه براحتك، علشان أنا ماشي يعني ماشي ومحدش هيمنعني...
تمتم زهران ببساطة شديدة واهتمام في الوقت ذاته:
-ماشي يا بجح قولي رايح فين وانا مش همنعك بس انطق......
_____________
تقوم سلمر بعمل بعض التمارين المنزلية قبل أن تخلد إلى النوم...
نعم الساعة لم تتخطى الثامنة ونصف ولكن تلك حياة سلمى تنام مبكرًا وتستيقظ مبكرًا جدًا حتى قبل موعد عملها...
لذلك ينتهي يومها قبل الجميع..
رُبما هذا سبب خلافها مع والدتها وشقيقتها طوال الوقت، أنها تحب أن تفعل كل شيء مبكرًا بينما لم يبدأ أحد يومه في المنزل وحتى العشاء تجعلهم يتناولوه مبكرًا ليصبح العشاء بالنسبة لها؛ غداء بالنسبة لهما..
دخلت جهاد الغرفة ثم صرخت هاتفة:
-بسم الله الرحمن الرحيم.
ردت سلمى عليها بنبرة منزعجة:
- في إيه شوفتي عفريت..
هتفت جهاد بعدم تصديق:
-سلمى أقسم بالله كل مرة بشوفك فيها فاتحة حوض وعلى الارض كده بحس أنك مش هتعرفي تقومي، هتيجي في مرة مش هتعرفي تقومي أنا بقولك أهو وهنجيب ماس من الشارع تشيلك...
تمتمت سلمى ساخرة منها:
-يلا يا بت روحي برا شوفي بتعملي إيه عقبال ما اخلص علشان هنام ومش هستحمل رغيك طول الليل جنبي ولا الفيديوهات اللي بتشغليها متدخليش الاوضة إلا لما تكوني هتنامي...
-الواحد حاسس بالقهر والظلم في بيته...
قالتها جهاد وكانت على وشك الرحيل لتوقفها سلمى هاتفه بنبرة جادة وتحذير:
-المكوجي هيبعت الأخمرة بتاعتي خديهم، الراجل ده معاه الليل وأخره ولما تاخديهم مترمهمش في أي حتة علشان ميتكسروش زي المرة اللي فاتت علشان مش هرحمك المرة دي، المرة اللي فاتت كانوا كأنهم طالعين من بوق كلب لما رمتيهم بطريقتك المتخلفة دي..
تمتمت جهاد ببساطة:
-أوك متقلقيش وبعدين بطلي طولة لسان وأنتِ في عرض تقومي تقفي على رجلك أساسًا؛ قومي أنتِ بس ولو احتاجتي حد يقومك ناديني..
-ماشي يا ظريفة..
صدع صوت هاتف سلمى بعد رحيل جهاد مباشرة، لتنهض سلمى بمرونة ورشاقة، ثم توجهت صوب الكوميدنو المتواجد عليه هاتفها لتجد رقم غريب فأجابت:
-ألو؟! مين معايا...
-أنا أحمد يا سلمى وحابب أتكلم معاكي شوية..
تمتمت سلمى بانزعاج واضح:
-مش محتاجة أقول جيبت رقمي منين علشان واضح أنه من اختك لكن ازاي تتصل بيا في وقت زي ده؟!.
رد عليها الشاب بنبرة متوترة:
-والله لثانية واحدة افتكرت أن الساعة عدت اتناشر من كلامك الساعة لسه مجتش تسعة يا سلمى في إيه؟! وبعدين أنتِ مش عايزة تديني فرصة ليه؟! أنا مش فاهم مش برضو.
عقبت سلمى على حديثه بجدية شديدة:
-علشان مش عايزة اتجوز معتقدش في شيء محتاج أني اشرحه ولو سمحت متتصلش بيا تاني يا أحمد من فضلك...
جاءها صوته وهو يحاول شرح نفسه:
-سلمى أنا عايز اتجوزك، وأنتِ قاطعة كل الطرق لدرجة أن مجرد ما قالتلك اني هاجي اتقدم ليكي اتخانقتي معاها وعلشان متعمليش معاها مشكلة أنا اخدت رقمك من موبايلها من وراها..
حاولت سلمى أختصار الوقت وتلك المكالمة التي لا ترغب في أن تطيل:
-ربنا يوفقك يا أحمد ويرزقك بـ بنت الحلال لكن أنا مش عايزة أتجوز، ولو سمحت متتصلش بيا تاني سلام..
أغلقت المكالمة دون أن تسمع رده حتى..
وجاءت والدتها متحدثة وهي تحمل بعض الملابس المبللة في الوعاء:
-بتزعقي ليه يا سلمى صوتك عالي كده ليه؟!.
ردت سلمى عليها وهي تخرج بعد الملابس من خزانتها:
-مفيش يا ماما أنا خلاص هاخد دش وأنام...
__________
"بعد مرور ساعة ونصف تقريبًا"
كان زهران يجلس على الأريكة الخشبية الخاصة بحارس البناية المقابلة للبناية التي تتواجد فيها شقة الزوجية الخاصة بـ عمرو وإيناس..
وحارس البناية يجلس بجانبه، بينما الصبي الخاص بأحدى المقاهي في المنطقة يكون بضبط الأرجيلة له بعدما تركه دياب ونضال، الذي ذهب الثاني لشراء بعض الفواكة تحت غضب دياب الواضح...
"الراجل مدشمل لازم ندخل عليه بحاجة مينفعش ندخل عليه وأيدينا فاضية"
وكان وقتها هذا رد نضال عليه..
في الواقع لم يقبل زهران أن يجلس في السيارة بل فضل النزول بعدما تعرف على حارس البناية، وهو من طلب الارجيلة له...
فـ بعد إصرار زهران الشديد عليهما وتصميمه الواضح أخبره نضال إلى أين هم ذاهبين ولم يعترض فهو لو كان في مكان دياب سيفعل مثله وأكثر...
لكن على الاقل رغب في الذهاب معهم لعله يستطيع التصرف إذا حدث شيء...
-اه يعني لبني دي مطلقة ومعاها ثلاث عيال؟!.
هز الحارس رأسه متمتمًا:
-اه بس مش بفضلها ليك يا معلم أنا هشوفلك عروسة مناسبة؛ أصل دي ست بتاعت مشاكل وكانت رافعة خلع على جوزها وخليته على الحديدة..
رد زهران عليه منزعجًا:
-ولما هي بتاعت مشاكل بتقولي عليها ليه؟! ليه بس يا عبدالعزيز بتزعلني منك ما كنا ماشيين مع بعض حلو....
-خلاص عندي واحدة تانية ولا تزعل نفسك...
يتحدث زهران هو والرجل وكأن العلاقة بينهما تخطت سنوات بينما هي في الواقع لم تتخطى النصف ساعة.........
بينما في البناية المقابلة وتحديدًا في الدور الثامن كان نضال يقف أمام باب الشقة وخلفه دياب بعدما قرع الجرس..
كان نضال يلتقط أنفاسه بصعوبة بالغة بسب صعوده تلك الأدوار فـ لم يكن في البناية مصعد لذلك لم يصعد زهران معهما....
بعد وقت فتح عمرو ورأسه ملفوفة بالشاش الطبي، وكذلك ذراعه هذا فقط ما يظهر، احتضنه نضال بعدما أعطى الأكياس البلاستيكية التي تتواجد في يده إلى دياب بينما في الوقت نفسه نضال كان يدفع عمرو نحو الداخل:
-ازيك يا عمرو عامل إيه؟!...
ولج دياب خلفه وأغلق الباب مما جعل عمرو يدفع نضال عنه بصعوبة بالغة:
-إيه اللي جابكم هنا أطلعوا برا بيتي بدل ما أصوت ألم عليكم العمارة كلها..
وقبل أن يتحدث دياب كان نضال يسبقه:
-عيب والله لما تبقى راجل شحط كده وتقول جملة النسوان دي أنك هتلم علينا الناس، عيب عليك يا راجل..
ابتلع نضال ريقه ثم تحدث وأسترسل حديثه بسخافة:
-وبعدين هنكون جايين ليه؟! مش علشان نطمن عليك؟! ده أنا حتى جايبلك شوية تفاح وبرتقال اخضر حقك عليا البرتقال الحلو لسه مطلعش وشوية موز.
تمتم عمرو بنبرة جنونية:
-إيه السخافة دي؟! اطلعوا برا بيتي بدل والله ما هطلب البوليس وأعرفهم أن الباشا جاي يتهجم عليا في بيتي وهو ماضي على عدم تعرض..
أمسكه نضال من ذراعه المصابة بقوة وهو يتحدث بمرونة تعكس نظرته ويده:
-وليه بس الطريقة دي؟! ده دياب جاي بس يأخد شوية حاجات لاخته وللعيال مش جايين نعمل مشاكل فـ بلاش تزعله..
تأوه عمرو ثم صاح بغضب واضح تحت نظرات دياب الهادئة؛ هدوء ما يسبق العاصفة:
-مفيش حاجة هتخرج من البيت، ترجع بيتها هي وعيالها وتقعد وأنا هنسى اللي حصل بس تقطع علاقتها بأخوها..
تحدث دياب مستنكرًا هنا:
-قولت ترجعلك وتقطع علاقتها بمين؟!
-بيك أنتَ.
هنا تحدث نضال منزعجًا وهو يعاتب عمرو:
-ما بلاش تعصبه بقا أنتَ مفيش فيك حتة سليمة لوحدك، ده شكلك شبه سوسن بدر في فيلم الفرح، اهدى كده وكل موز وأسمع الكلمتين اللي هو جاي يقولهم...
تمتم دياب بنبرة جادة:
-ياريت تسمع كلامه لأن والله العظيم لولا إني حالف لعم زهران إني مش همد إيدي عليك ولا هاجي جنبك ولا هلمسك لكنت....
صمت دياب لثواني ثم قال معترفًا بـ صدقٍ
- مع أني والله ما لاقي حاجة تنفعلك بعد اللي أنتَ فيه..
عقب نضال وهو يمسكه من موضع إصابته تحديدًا ويجبره أن يجلس على المقعد الخشبي قائلا:
-بس أنا محلفتش ممكن أكمل عليك أنا واهدى كده لأنه هيكون دشملك قبل ما تصوت يا ***..
تمتم دياب بنبرة هادئة بعد صديقه:
-أنا جاي أخد هدوم أختي وعيالها، و ورقتها توصلها وتجيب المأذون وتطلقها..
عقب عمرو رغم ألمه من حركه نضال:
-طلاق مش هطلق وأعلى ما في خيلك اركبه، أختك عايزة تطلق يبقى مش هتأخد أي حاجة لأنها هي اللي عايزة تتطلق مش أنا، لو عايزة ترجع أهلا وسهلا لكن متحلمش أنها تطلق وتاخد أي حاجة...
هتف دياب بنبرة باردة وكأنه لم يخبره بحديث يزعجه عكس المتوقع، بينما نضال رفع قدمه ووضعها على الطاولة محاصرًا جسد عمرو تقريبًا بها وبين يديه موزه يقوم بتقشيرها ويتناولها ببرود:
-بقا أنتَ مش عايز تطلق علشان اختي متأخدش حاجة صح كده؟!
هز عمرو رأسه موافقًا بجمود رغم قلقه...
رفع دياب أحدى المقاعد الخاصة بالـسفرة على حين غره وقذفها باتجاه التلفاز، "الشاشة المعلقة" ليصدع صوتها بشكل مخيف..
عقب دياب بعدها:
-أنتَ بتتذاكي علينا صح، فاكر إني هقولك خلاص طلقها يا عمرو وأحنا مش عايزين حاجة، أو اقولها تروح تخلعك علشان مندخلش في قواضي كتير ونوجع دماغنا..
خرجت من دياب ضحكة ساخرة ليعقب بعدها بـصلابةٍ:
- لا ده أنا أكسرك و***** وأكسر كل حاجة في الشقة جيبتها أنا وأبويا بشقانا ومخلكش تتمتع بيها ولا تفرق معايا أنتَ ولا التعهد ولا ***** يا ابن اعتماد...
ابتلع دياب ريقه ثم غمغم:
-أنا داخل ألم حاجة أختي والعيال، وياريت لما أرجع متضطرنيش اكسر حلفاني لو لسه مصمم على كلامك ده أنك مش هتطلق لأني هبدأ بيك قبل ما أكسر بقيت الشقة على دماغك....
اختفى من أمامهما ليتحدث نضال منزعجًا وهو يتحدث بجدية غريبة وهو يتناول الموز:
-هو أهلك فين صحيح؟!، لامؤاخذة يعني مدشمل و ***** وسايبينك لوحدك بدل ما يجوا يكونوا جنبك، والله زعلت عليك..
ثم نظر إليه متحدثًا باستنكار واضح:
-أصلا مش عارف ازاي ليك قلب تقعد هنا وكأنك مستنيه يجي يكمل عليك...
هتف نضال بعدها وهو يضع يده على رأس عمرو تحديدًا على جرحه:
-طلقها واديها حاجتها بالمعروف احسن علشان أحنا ماسكينه بالعافية وزي ما أنتَ شايف زي الثور الهايج ولا قسم بيوقفه ولا تعهد بيخوفه وهتكون أنتَ شغلانته الفترة الجاية أنا قلبي عليك..
رد عمرو عليه باقتضاب وكأنه أدرك بأنه لن يتخلص من شر دياب فعلا كما نصحه والده وفي نفس الوقت يريد أن يكسب وقتٍ حتى يفكر في شيء يردعه:
-هطلقها، هجيب المأذون يوم الخميس واطلقها....
قام نضال بتقشير الموز ووضعه في فم عمرو بدون مقدمات وهو يقبل رأسه في موضع الجرح:
-أحسنت والله وريحت نفسك وريحتنا علشان السلم بتاعتكم صعب أوي بصراحة..
ثم ابتعد عن عمرو ووصل إلى باب الشقة ليخرج الهاتف من جيبه ويتصل بوالده...
"في الأسفل تحديدًا امام البناية"
أجاب زهران على ابنه ليعرف ما حدث
-خلاص هقول لعبد العزيز يجيبلكم عربية نقل دلوقتي تشيل الحاجة؛ ومش هنستنى ليوم الخميس علشان يكون كلم حد ويغير رأيه، أنتَ تنزله معاكم دلوقتي وأنا هكلم أحمد سعيد المأذون اللي عندنا يجيلنا على شقة دياب..
ثم قال بعدها زهران:
-اصل أنا ليا جمايل عليه هيجي علطول مفيش حد مشغله غيري أصلا..
كان رد نضال عليه:
-أنتَ هتقولي يا بابا..
تجاهله زهران وأسترسل حديثه:
-ولو على المكان هفتحلك الشقة اللي في الدور الارضي عندنا يحطوا فيها الحاجة لغايت ما يعرفوا هيعمل إيه، يلا سلام علشان نلحق نشوف عربية...
أنتهت المكالمة ليسحب زهران نفس من الأرجيلة قائلا وهو يتحدث مع حارس البناية:
-قولتلي بقا الست عبير دي كام سنة وساكنة فين؟!.............
______________
صباح اليوم التالي..
بعدما انتهت الليلة كما أراد دياب وقام عمرو بطلاق إيناس في حضور أحد الجيران من المنطقة، زهران ونضال...
لم يكن هناك المتسع من الوقت ليلة أمس أن يذهب دياب لزيارة بهية، كان يومه مشغولًا وطويلًا جدًا................
يجلس "دياب" على الأريكة يشاهد أحد الأفلام الكرتونية مع ابناء شقيقته، بينما ايناس كانت جالسة في غرفتها منذ ليلة أمس تقريبًا تجلس بمفردها إلا لو قرر أطفالها اقتحام خلوتها مع ذاتها أو عُزلتها...
جاءت حُسنية من الداخل هاتفة:
-في ريحة شياط و غاز يا دياب أنزل كده شوفي أحسن تكون خالتك بهية ناسية البوتجاز، مهوا أصل مفيش غيرنا وغيرها في العمارة محدش في الدور الأول....
نهض دياب قلقًا وهو يبحث عن ميدالية مفاتيحه وما أن وجدها حتى هبط وهبطت خلفه حور وهي ترتدي إسدال المنزل..
كانت خلفه على الدرج ليتوقف دياب هاتفًا بانزعاج:
-مش هتبطلي حشرية يا بت أنتِ نازلة ورايا ليه؟!
تحدثت ريناد بسُخطٍ:
-اهو سيب البيت اللي هيولع من وركز معايا أنا دي مبقتش عيشة..
جذبها دياب من يدها لتهبط منه وهو يخنقها بذراعه بخفة ويقوم بقرع الجرس الخاص بشقة بهية...
لكن لا تتواجد إجابة...
أخذ يبحث عن المفتاح في الميدالية التي يتواجد بها العديد من المفاتيح بعدما ترك حور التي تحدثت:
-الريحة جاية فعلا من الشقة فايحة أوي من أول ما قربنا من الباب...
أخرج المفتاح أخيرًا وفتح الباب ليجد صريخ فتاة يأتي من أحد الغرف ليتوجه ناحيته برفقة حور، ليجد بهية على الفراش نائمة أو لا يدري ما الذي ينتابها....
وفتاة زادت صراخاتها حينما وجدتهما أمامها وحتى الآن لا تعرف هويتهم..
-أنتم مين ودخلتم إزاي؟!!!!..
ثم قالت ريناد وهي تبكي كطفلة صغيرة رغم أنها لم تتعرف على هاوية الشاب ولا حتى من معه لكنها تريد أن يمد أحدهم يد العون لها:
-هي تقريبًا مغمى عليها الحقوني أنا مش عارفة أتصرف...
حاول دياب أن يفهم وهو ينظر لها وإلى بهية في الوقت نفسه، لا يعلم ما الذي تفعله الفتاة التي تسببت في طردته ويرغب في النيل منها في شقة جارته بهية الحبيبة..
والحقيقة أنه في الوقت ذاته بدأت ريناد تتذكر هويته...
أما حور ركضت فورًا إلى المطبخ بسبب رائحة الغاز الواضحة جدًا....
صرخ دياب في وجهها وهو يقترب من بهية...
-أنتِ إيه اللي جابك هنا وبتعملي إيه هنا؟!..
______يتبع_____
لو وصلتم لهنا دمتم بألف خير...
ونتقابل في فصل جديد ان شاء الله
متنسوش الفوت والكومنت....
لأن التفاعل على الفصل اللي فات كان وحش جدًا🙂🙂🙂🙂🙂🙂🙂🙂🙂
تقريبًا نص الناس معملتش فوت......
تفاعل حلو على الفصل اللي فات والفصل ده...
ورغم أن التفاعل وحش...
بس بوتو يُحبكم..
الفصل السادس والسابع والثامن والتاسع والعاشر من هنا
❤️🌺❤️💙🌺❤️💙🌺❤️💙🌺❤️💙🌺❤️💙🌺
الروايات الكامله والحصريه من هنا
انضموا معنا على تليجرام ليصلكم اشعار بالروايات فور نزولها من هنا
🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺
اتفضلوا حضراتكم كملوا معنا هنا 👇 ❤️ 👇
وكمان اروع الروايات هنا 👇
انضموا معنا على تليجرام ليصلكم اشعار بالروايات فور نزولها من هنااااااااا
🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺