القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية أحيت قلب الجبل الفصل الحادي والاربعون والثاني والأربعون الثالث والاربعون والرابع والاربعون بقلم ياسمين محمد

رواية أحيت قلب الجبل الفصل الحادي والاربعون والثاني والأربعون الثالث والاربعون والرابع والاربعون بقلم ياسمين محمد 



رواية أحيت قلب الجبل البارت الحادي والاربعون والثاني والأربعون الثالث والاربعون والرابع والاربعون بقلم ياسمين محمد


الفصل الحادي والاربعون 

*******************"


هي البرائة المدانة بتبديد ظلام قلبه ..وهو لن يكون فقط إثمها ..بل الإثنين معا (الإثم والعقاب )...

___________________________

: يعني ايه اللي انت بتقوله ده يا شاكر ..؟

هتف بها منصور بانفعال مستنكرا حديث شاكر ..بينما هناك ..داخل احدهم ..يولد رُهاب جديد .. وقف يتنفس بانتظام لا يعكس فوضى مشاعره ..اختلاجة قلبه خوفا ..فقط ينظر إلى شاكر بعدما تفوه به و عازل ما بينهم لم يكن سوى صورتها ..رد شاكر يحاول تبرير فعلته ..

: انت كنت في حالة صعبة يا منصور  و كنت مُصر ان حياة ما يكونش عندها علم بالجواز ..وما كانش في حل غير كده قدامي عشان اهد مخطط باسم ورشدي الله يرحمه بقى ..

خرجت الاخيرة منه بإمتعاض ..ثم أردف 

: انا كنت هخلص كل حاجه مع قصي على اساس انها خدمة انسانية منه باعتبار ان كل واحد يروح لحاله بعد كده ..من غير ما اقولك ان العقد باطل ..لكن بعد ما عرفت اللي حصل و ان قصي هو هو ابنك مازن كان لازم اوضح لك الأمور ..وان الجواز باطل وغير صحيح لعدم موافقة حياة او علمها من الاساس بالعقد..

زفر منصور بإرهاق ..بينما تحدث قصي بسهولة انسياب مياه جارية ..تخمد تلك النيران المشتعلة التي يخفيها بداخله ..

: تمام ..نكتب الكتاب تاني بعقد صحيح ..وبعلمها ..

: ماينفعش ..

هتف بها منصور ينظر الى ولده وكأنه يذكره بأمر ما ..بينما هو نظر امامه بصمت للحظات يهدأ ذلك المارد الناري بداخله ..(حيث لكل رجل ..مارد ما .. يستيقظ فقط في ظروف معينه ) ..التفت برأسه ببطء ينظر إلى والده، نظراته تستنكر اعتراضه بصمت ..ونظرات منصور تجيب أيضا بصمت ..وقبضة في القلب تسلل ظهورها إلى ملامح قصي على هيئة بهتان بشرته .."وبين اجابة منصور ..وقبضة قلبه يلوح الشيطان ..و بلغة أخرى ..ناهد .." فأردف منصور ناهيا بجدية ..

: ما ينفعش دلوقت خالص ...

اعصابه على وشك الإفلات ..دقائق أخرى وسيخرج الغامض عن طور رَزانته  ..بصعوبة تحكم بإفلاتها ..حتى انهاء المقابلة والخروج من الشركة يتجه بسيارته إلى مكان وجودها وفقط ..وللصدق.. بتعبير غير مجازي ..ما يحرك سيارته الآن افكاره ..و ذلك الهاجس بداخله الذي يستنكر احتمالية فقدها ...

__________________________

دائما ما تأتي المصائب يرافقها اللطف ..تواجهنا الصعوبات ..نتعثر ..نسقط ثم ننهض ..فنتعثر ونسقط مرة اخرى ..نظن انها نهاية الطريق ..فقط لحظة سقوط وكفي .. سينتهي كل شيء ..بينما وبدون انذار ..تبزغ الشمس ..تنير بصيرتك نحو طَريقٍ آخر لم تكن تراه ..

آتاها اللطف مبتسما يقبل جبينها قائلا 

: المحامي كلمني انهارده ..وقاللي ان نسبة نجاح القضية مضمونه ..

تنهدت بابتسام تحمد الله ..توجه إليه نظرات امتنان وحب ..لن تنكر انها في بداية الامر انتابتها بعض الشكوك رغم اطمئنان روحها جواره ..وقد لاحظ هو ذلك الريب بتعاملها ..ليحسم الأمر بذلك التحليل الذي أراح كليهما مع ثبوت الأخوة ..تحدثت بارتعاش ..تتجمع الدموع بعينيها على وشك البكاء ..بينما نظرتها خوف 

: انا مش عارفة من غيرك كنت هعمل ايه ..اوعدني انك مش هتسيبني تاني يا آدم ..

ابتسم يقترب منها يهدئها بمرح قائلا 

: بس بس بس .. رجعي الدموع دي تاني بسرعه ..

ابتسمت تمسح عينيها ..ليحتضنها مردفا بحنو ..

: مش عايزك تخافي ابدا طول ما انا جانبك ..واوعدك ياستي عمري ما هسيبك ابدا ابدا ابدا ..

شددت من عِناقه بسعادة .. بعد لحظات تحدث قائلا بحماس ..

: صحيح انا ما قولتلكيش ..

نفت برأسها ليردف 

: عايزك تجهزي شنطتك عشان محضرلك مفاجأة انما ايه ..هتعجبك اوي ..

ضيقت ما بين حاجبيها بتذمر مبتسم قائلة 

: لاء لاء قول على طول ..انا مش بحب المفاجآت ..

علت ضحكاته ليتحدث قائلا

: طب اطلعي البسي عشان نروح نشتري شوية حاجات ،وهقولك في الطريق ..

واتبع الاخيرة بغمزة مشاكسة من عينيه ..اومأت له سارة إيجابا بضحكة خافتة تتجه لتبديل ملابسها ..نظر في أثرها بشرود ونصف ابتسامة متنهدا يقطع وعدا مع نفسه قائلا بخفوت ..

: صدقيني هعوضك عن كل اللي شوفتيه في حياتك ..

_____________________________

خرج من باب غرفته يتجه نحو غرفة جدته ..منذ ايام و هي تأبى الجلوس معه على مائدة واحدة ،الجميع يجتمع بلا شهية ..ولا يلاحظ هو الجميع ..فقط يغرق في ادق تفاصيلها  ..وقد لاحظ تغيرها وطريقتها المتحاشية للتعامل معه بالمرة ..تنهد يطرق باب غرفة جدته ..لم يجد بدا من اخبارها بما حدث ..اذنت بالدخول ..وما ان فتح الباب ينظر اليها حتى غضبت ملامحها تشيح بوجهها بالاتجاه المعاكس ..ابتسم يقترب نحوها جلس ارضا امام الفراش يلتقط يديها مقبلا اياها قائلا بندم ..

: سامحيني يا جدتي ..

ترفض حتى ان تعيره محض انتباه ..ليردف بعتاب 

: مش عايزة حتى تكلميني ..؟ ماشي ..

تنهد بعمق ..ثم استقام يجلس جوارها على الفراش ينظر ارضا ..يستند بمرفقيه الى ركبته ..عم الصمت لدقائق ..ليتحدث بصوت خافت ..نبرته مزيج من الخِذي والأسف ..

: ما عملتش حاجه ..ما أذيتهاش ..

التفتت اليه بزهول  غير مصدقة ..ليرفع نظراته اليها ببطء ..نظرات حزن ..تحدثت تسأله بلهفة وبدأت دموعها بالتساقط باكية ..

: ص صُح ياولدي ..؟ بتقول الصدق  ..؟

تنهد بإيماء ينظر اليها بألم ..قائلا 

: والله العظيم ما لمستها ..ولا يدي جات عليها حتى ..

شهيق خافت استنشقته الجدة بارتياح وكأن روحها قد ردت اليها من جديد ..تبكي وتنظر إليه بعتاب بالغ الألم ..

: ليه ياسالم ..ليه ياولدي تكسر ضهري وتخيب املي فيك ..ليه توهمها انك عملت العملة دي ..؟

اذدرد ريقه بصعوبة ..يبتلع غصة صامته دون حديث ..لتردف الجدة بتسائل بما إستنتجته ..

: رايدها ..ميال ليها يعني ..؟

: لاء ..

وال(لا ) منه شملت النفي والنهي معا ..قالها بدون تردد  او تفكير .. فقط لأنها الحقيقة ..حيث لا يميل هو لغيرها ..واحدة فقط لا يريد سواها .. لتسأله الجده قائلة 

: لما هو لاء ..اومال عملت كده ليه ..؟

تحدث بحنق 

: عشان راسها زي الجزمة ..و دمها صعيدي صرف .. ماكانتش هتسكت ولا تقعد مغلوبة على امرها ..لاء ..

: قصدك عشان وليه مكسورة و مالهاش حد ..؟ 

قاطعته بها جدته تنظر اليه بحسرة..ليذدرد ريقه بأحراج مربك ..لتكمل قائلة 

: لوعندك اخت ترضى حد يعمل فيها كده يا ولدي ..؟

زفر بحنق ينظر إلى الجهة المعاكسة لها ..لتكمل مخاطبة ذلك الضمير بداخله ..تنعشه عله يفيق ..

: و لو ليه ..؟ ترضى حد يعمل اكده في قمر ،انت اللي مربيها وزي اختك تمام ..

ارادت مخاطبة ضميره فأخطأت المخاطبة إلى قلبه ..

نظر اليها ونظرة عينيه ثورة في ساحة حدقتيه المشتعلة ..تعارض أفكاره قبولها في خانة الأخت ..وتعارض دمائه  .. خفقاته  .. انفاسه .. نبض قلبه ..كيانه بأكمله ان يمس احدهم فقط شعرة واحدة من رأسها ..عندما عم الصمت ولم يجيب اردفت الجدة بجد ..بنبرة تحمل الأمر والرجاء معا ..

: رجع الحق لصحابه يا ولدي ..رجع الحق لصحابه ..

استقام ينهي الحديث غاضبا 

: اني قولتلها نصيبك من ريع الارض هيوصلك لكن انا ما هفرطش في ورث اجدادي ابدا لعيلة صغيرة ..

: واخوها ..؟ واد عمك ..؟  عيل هو كمان ؟،ليه خبيت علينا وجوده ..ليه نكرته عن اخته ..عشان تحافظ الورث بردك صح ..؟

قاطعته جدته بمعالم وجه ساخرة ..ليردف هو بحدة  

: ايوه ..عشان احافظ على الورث ..واد عمي اللى عتجولي عليه ده متربي طول عمره في بلاد بره وسط الخوجات ..يعرف ايه ده عننا  وعن ارضنا ومحاصيلنا وتجارتنا ..ها ..؟

حزنت ملامحها ترد بتأكيد 

: حقه يا ولدي ..حقه اللي ربنا قال عليه ..هتخالف انت كلام ربنا وتقسم الدنيا على مزاجك ..؟

نظر اليها للحظات ثم القى بكلامه دفعة واحدة خارجا من الغرفة باترا لأي حديث آخر

: حقه ده يبقى ياخده لو عرف يثبته ..اني كل حاجه باسمي دلوقت بيع وشرا ..وانا ما خالفتش حق ربنا ،نصيبهم  هيوصلهم على داير مليم كل سنة ..

نظرت في أثره بحزن لترفع عينيها دامعه إلى السماء تدعو له الله ان يرده إلى الصواب وينهاه عن طريق الباطل ...

~~~~~~~~~~

نزل الدرج تنكمش معالم وجهه بضيق ..منزعج ..شيئا من الانزعاج يوخذ ما تبقى له من ضمير وهذا الشعور يغضبه ..خرج من المنزل بخطوات متسارعة غاضبة يتجه نحو سيارته ..لمحها تجلس بحديقة المنزل ..توقفت خطواتة ..توقفت انفاسه .. توقف الكون من حوله ولا يتحرك امامه سواها ..كانت تجلس بارتياح ..تغمض عينيها رافعة وجهها نحو السماء وكأنها في مواجهة ما مع الشمس التي اهدتها بريق شعاعها الذهبي يتخلل بين خصلاتها المسترسلة على جانبي وجهها ..هدوء تام وسكينة اصابت مشاعره بفوضى محببة لديه ..وجد قدميه تقوده نحوها دون وعي منه ..وقف جوارها على مقربة منها ينظر اليها وتفيض عينيه بالعشق ..تنهدت تبتسم ومازالت عينيها مغمضة ..اذابت ابتسامتها قلبه ..فتحت عينيها وكأنها شمس اخرى .. شمس يدور قلبه حول مدارها ولا يوجد سواهما بالمجرة أكملها ..

: صباح الخير ..

رغم هدوء نبرته ..اجفلت ..وقد أطفأت نظراتها المتألمة اشراقة الشمس بعينيها ..

: صباح النور 

استقامت ترد التحية باقتضاب تاركة اياه متجهة نحو باب المنزل..

:صباح النور ..

شهقت بتفاجئ عندما اوقف سيرها بقبضة يديه فوق مرفقها ..التفتت اليه ..نظرت مباشرة إلي عينيه ..وكأنها تشكو جحيم عشقها له ..سنوات من العذاب ..سنوات كالحرب بين عجزها وقلبها النابض بعشقه ..حرب خاضتها مرارا والآن تود الانسحاب مرغمة ..

: مالك يا قمر ..تعبانة ؟

ارادت قول الكثير ..كم كانت تتمنى لحظة واحدة يمكنها فيها كشف الستار عن عشقها الدفين له بث ما يعانيه قلبها له ..كم كانت تتمنى رجوع صوتها ولو للحظة واحدة .. الآن وبعد اغتنامها الفرصة ..هي مقيدة بعجز من نوع آخر .. بكامل ارادتها تخفي الآن عشقها له ..والاسباب .. البوح بها مهزلة ..خرج صوتها مرتعشا تخلص يديها من قبضته 

:مم.. مافيش ..انا كويسة ..

تحدث بحزن بحر يفضل دائما المزيد ..

: ما بتقعديش ولا تتكلمي معايا زي الاول ..شايف كلام في عنيكي ما عيزش يخرج ..

نظرت اليه للحظات ثم ردت بعبارة ذات معزى 

: ما منوش فايدة يا واد عمي .. لو خرج مين هيسمعني ..من زمن وماحدش بيسمعني ..

ضيق مابين حاجبيه ينظر اليها بعدم فهم ..يشوب نبرتها الكثير من الألم ..اراد وبشدة معرفة سببه ..

: بس انتي ما كنتيش بتتكلمي ..

ابتسامة جانبية ساخرة شقت ثغرها قائلة 

: مش يمكن انت اللي ما بتسمعش ..

نظر اليها مطولا ..حديثها يحمل من المعنى وجه آخر ..لا يفقهه ..هي تتألم يستطيع أن يشعر بذلك ..ليتفاجئ بها تذهب من امامه مسرعة قائلة باقتضاب ..

: عن اذنك ..

لكنتها لها سحر خاص ..سحر يقلب كيانه رأسا على عقب ..شرد في اثرها تطرح افكاره العديد من الأسئلة حول حديثها المغلف بالغموض ..هو لا يحتاج افكاره لفهم حديثها ..فقط يحتاج تحديد وجهته ..ومن ثم اطلاق العنان لعشقه ..

______________________________

عاصفة من الأفكار ..تدور حول رأسه بلا هوادة ..زهيرة واختفائها المفاجئ ..بحث خلف كل الخيوط التي يمكن ان تؤدي اليها ..ولا نتيجه الا أن كل الخيوط خاطئة  .. يمنى وتغيرها المريب تجاهه ..يؤلمه كثيرا كونها ربما تكون هي الخيط الصحيح.. يعلم تماما ان زهيرة لها يد في فذلك التغير منها ..لكن كيف ذلك ما يخطط لمعرفته ..مراد وثأره الذي لن يتركه حتى يلفظ آخر انفاسه ..واخيرا .. حياة ..وجل ما يصيب قلبه ناحيتها ..رهاب جديد من نوعه ..ظلام قاتم لا يمكنه اعتياده  ..يخاف ..يخاف كثيرا فقدها ..ويخاف بقائها ..معضلة ..في فقدها بقاء ..وفي بقائها فقد ..يحتاج فقط عزلة لترتيب افكاره .. هدنة ..انتظار العاصفة حتى تمر ..ويخشي فقدها مع التيار خلف العاصفة ...التقط هاتفه يحادث والده قائلا بنبرة صوته المعتادة لكن التقط منصور التيه من بين حروفه 

: حياة عرفت بالكلام اللى شاكر قاله ..؟

اجابه منصور قائلا 

: لاء لسه ..بتسأل ليه ..؟

اجابه بوضوح ..

: مش عايزها تعرف دلوقتي ..

صمت منصور وضغط هو على اسنانه غضبا .. غيظا من اظهار شيئا مما بداخله ..وقد اخذ صمت ابيه على محمل القلق و عدم الثقة ..ليرد سريعا يهم بإغلاق الخط ..

: اسف ..هكلم حضرتك تاني ..

: انا وثقت فيك وانت غريب ..

ارتجع عن إغلاق الهاتف عندما قالها منصور بيقين اب ..ليكمل 

: آمنتك عليها وانا عاجز عن حمايتها وما كنتش اعرف انك ابني ..

اذدرد ريفه متنهدا بعمق يستمع إلى ابيه وقد اضفى كلامه بعض السرور الي صدره 

: وانا دلوقت بكامل صحتي وقادر احميها ..بس عمري ما هآمن لحد غيرك عليها ..انا واثق فيك يا ابني ..واثق انك هتحميها حتى من نفسك ..

ابتسم شبه ابتسامة بإمتنان ينهي مع ابيه المكالمة ..بعدما شكره على ثقته به 

~~~~~~~~~~

استمعت إلى صوت نحيب باكي اثناء مرورها عبر الشارع المؤدي إلى المنزل ..بكاء رقيق خائف ..تتبعت الصوت وقد خمنت انه لفتاة صغيرة .. صدق حدثها عندما رأت طفلة صغيرة باكية تجلس خلف سور المنتزه ..تمسك بين يديها حبل ما يتصل برقبة جرو صغير عبارة عن كتلة فراء ابيض يلعب حولها بمرح ..وباليد الأخرى تفرك عينيها من شدة البكاء .. اقتربت منها حياة تدنو حتى مستوى الصغيرة قائلة بابتسامة

:  مالك يا حبيبتي بتعيطي ليه وقاعدة لوحدك ليه كده ..

نظرت لها الفتاة تشهق ببكاء خائف ..تنثني شفتيها للأسفل قائلة 

: مش لاقية بابا ..تاه مني ..

نظرت حياة حولها لم تجد احد ..نظرت الى الفتاة مرة أخرى تطمأنها قائلة 

: طيب اهدي بس ماتخافيش ..

اسرعت الفتاة تشد من بكائها قائلة 

: لا انا خايفة يسيبني ويروح لماما ..

سألتها حياة تمسح دموعها بتأثر قائلة 

: طب هي ماما فين ..؟

: عند ربنا ..

شهقت تضع يديها على فمها تتجمع الدموع سريعا بعينيها تجذب الصغير في عناق عميق نحو صدرها ..بينما الجرو الصغير ينبح بمرح حولهم ..اخرجت الفتاة من احضانها تمسح دموعها قائلة بابتسامة هادئة ..

: ماتعيطيش ..انا كمان ماماتي عند ربنا ..

هتفت الصغيرة تتسع عينيها بحماس وقد نست بكائها منذ قليل

: مع ماما في الجنة ..؟

ضحكت حياة بخفوت من بين بكائها تومأ لها ايجابا لتسألها الطفلة بفضول ..

: وباباكي تاه منك بردو ..؟

ابتسمت حياة بحزن تنفي لها برأسها شاردة للحظات قائلة 

: لاء ..انا اللي توهت منه ..

وكعادة الاطفال في مثل سنها ..فقط مهد لهم ..وستنال وصلة كاملة من الاسئلة التي لا تنتهي ..

: ازاي ..؟

: قوليلي بس الاول بابا كان فين ..؟ كان معاكي هنا في الشارع ..؟

نفت الصغيرة برأسها قائلة 

: لاء ..كنا في الجنينة بنلعب احنا و بيكسي مع سوا ..

ثم اشارت نحو الجرو الصغير ..مردفة 

: و بعدين واحد عمو جه يكلم بابا وبابا انشغل معاه ..

كانت تروي ما حدث بتلقائية لتردف بعدها ببداية بكاء 

: و بيكسي طلع يجري مني وانا جريت وراه لحد ما جينا هنا ومش لقيت بابا معانا تاه مني ..

استقامت حياة توقف الصغيرة قائلة ..

: طيب خلاص ما تعيطيش ..انا عرفت بابا فين تعالي معايا ..

همت الصغيرة بالذهاب معها ليلتقط ذلك الجرو طرف فستان حياة يزمجر برقة مضحكة ..يمنع حياة من اخذ الطفلة ..دنت حيا تلتقطه كليا ضاحكة 

: انت ليك عين تتكلم يا سي بيكسي ..اسكت خالص لحد ما نشوف هنعمل ايه ..؟ 

ثم نظرت إلى الفتاة قائلة 

: انتي اسمك ..؟

ردت الطفلة ببرائة 

: اسمي حياة ..

نظرت لها بزهول تبتسم قائلة 

: انا كمان اسمي حياة ..

ابتسمت الطفلة باتساع لتسألها حياة 

: طب اسم بابا ايه يا حياة ..؟

: المهندس علاء ..

ابتسمت حياة فتلك الصغيرة تشبه قطعة السكاكر ..اتجهت حياة برفقة الصغيرة نحو الباب الرئيسي للمنتزه بنهاية السور ..عازمة على تسليم الطفلة إلى والدها بعدما تطلب مساعدة ادارة المنتزه ..لكن بعض النهايات تخالف توقعاتنا ..حيث توقفت سيارة قصي على الجانب الآخر من الطريق ينظر اليها باستغراب وتسائل ..بينما رجل راكض يقترب من حياة مباشرة ..صارخا باسمها امامه ..

: حيااااة ..

انطلق قصي كالصاروخ ويبدو ان المارد بداخله استيقظ أثر زعقة ذلك الرجل ...جذب الرجل حياة  من مرفقها بعنف دافعا اياها عن تلك الفتاة الصغيرة ينهرها وقبل ان ينطق بحرف واحد ..كان على موعد مع مقابلة المارد البركاني ....

_________________________


طوفان ما انجرف نحو ذلك الشخص الذي دفعها منذ لحظة واحدة يسحق معالم وجهه تحت قبضة يده الطاغية ..ظهر امامها فجأة من العدم ..لم يكن هو ..لم يكن ذلك الشخص الهادئ الوقور  في معظم اوقاته ..لم يكن انفعاله او حديثه معقد ومبهم الفهم بالنسبة اليها ..هو ثائر بوضوح ..مزيج مندفع بين غضب وخوف ،ردة فعله اعنف من المطلوب ...لم يكن الخصم الآخر واهن القوى ،هو ايضا فى طور ثورة فقد من نوع آخر ..حيث أخذ يرد لقصي ما كيله له من لكمات ..وهي تنظر لما يحدث بعدم فهم وارتياع .. كل تفكيرها يتمركز حول مرور اللحظة على تلك الطفلة التي تشاهد بانهيار عراك ابيها مع شخص ما " ايقنت انه ابيها عندما نادى الصغيرة باسمها وقد اكدت تلك الدفعة العنيفة منه "..اسرعت تحتضنها تدير وجهها إلى الخلف بعيدا عن تلك المشاجرة ..ليراها والدها وللمرة الثانية يظن ان ابنته بصدد اختطاف ..زعق بصراخ ينادي طفلته بحرقة 

: حيااااااة ...

صراخه بأسمها كان بمثابة حقن المارد بجرعة اشتعال زائدة ..مع تشتت انتباه الرجل نحو ابنته ..اصابه قصي بضربة رأس اعلنت عن هزيمة اب ..ترنح أثرها الرجل حتى سقط ارضا يشير بيديه نحو ابنته وكأنه سيلتقطها ..عينيه من بين دماء وجهه النازفة معلقة بها يراها تترك احضان تلك الفتاة راكضة نحوه ببكاء تكيل ضربات كعدمها إلى قصي الذي يلهث ناظرا له بغضب ..

والجرو المسكين "بيكسي"  يختب بعواء خافت خائف خلف شجرة ما ..

لم يعيرها قصي اي اهتمام ...فقط مال اليه يخرج من جيب سترته حافظة نقوده ..فظنت حياة انه سيضربه من جديد فأسرعت نحوه تشد ذراعه إليها تصرخ بحدة

: كفاية بقى حرام عليك كفاية .. 

قاطعها بنظرة لم تراها من قبل .. حسب التصنيف ..هي "نظرة مرعبة"  .. توقفت أثرها كل الكلمات بحلقها  .. ابتلعتها ..،نقل نظرته نحو يديها الممسكة به لتتركه سريعا ترجع بخطواتها إلى الوراء ..وبدون ادراك مازال يهتف الرجل بهذيان 

: حياة ..حي ...حياة ..

والطفلة الصغيرة تبكي مزيلة بذيل فستانها القصير آثار الدماء على وجه ابيها ..

اخرج قصي بطاقة هويته الخاصة من حافظة النقود ،نظر بها للحظات ليلقي إليه الحافظة مرة أخرى  آخذا بطاقته الشخصية .. بخطوات من جحيم اتجه نحو تلك الواقفة خلفه بإرتياع ..يجذبها نحو السيارة بعنف ..عبرت الشارع تتعلق عينيها دامعة بالطفلة الباكية خلفهم ..وفي عرفه هو عيونها معلقة بذلك الممدد أرضا ..

فتح باب السيارة بنبرة تخالف ما حدث منذ دقائق قال

: اركبي ..

ما ظهر منذ قليل كان فقط " مارد الغضب" .. اما عن "مارد العشق" فبكل غباء أصرت هي على لقائه ...

..مررت نظرها بينه وبين الناحية الأخرى بخوف شديد ولهفة قائلة باستنكار

: هنسيبه كده ازاي ده ...

: بقولك اركبي ...

صوت كالصاعقة ..نبرة مغلفة بالجحيم ..زعق بها امام وجهها مباشرة ..اتسعت عينيها فزعا تنظر له برعب ..تبتلع غصة بكاء حارقة لتركب السيارة سريعا تشتد خفقاتها بعنف ..ضغطت على شفتيها بقوة في محاولة فاشلة منها لمنع تساقط دموعها .. ركب جوارها بثبات كأن لم يكن شيئا ..لم يظهر عليه ذلك الغضب منذ ثوان فقط ..لكنها استشعرته عبر انطلاق السيارة بسرعة عنيفة و اصتكاك عجلاتها بالأرض مصدرة صوت مزعج ..كريه بالنسبة اليها ..يتجه نحو الاتجاه المعاكس للمنزل ..وجه  آخر تكتشفه به ..وجه مظلم ..قاتم لا يناسب ورديتها  ، لم تره من قبل ..لا تدرك انه سَيحتم عليها اعتياده ...

_________________________

نزل من السيارة برفقتها يصفها بالجراج الخاص بأحد أفخر مجمع تجاري قائلا بسعادة 

: انا كنت قلقان لترفضي ..

ابتسمت سارة بهدوء ولايزال الحزن ساكنا نظرة عينيها 

: بالعكس ..من زمان وانا نفسي اسافر بره مصر ..

اغلق السيارة يلف ذراعه حول كتفيها يخطو بجانبها إلى خارج الجراج قائلا 

: طب بصي بقى ..انا عاوزك تجيبي كل اللي نفسك فيه ..اي حاجه تعجبك شاوري عليها بس كده ..

باكتفاء تام بوجوده فقط ردت مبتسمة ..

: ربنا يخليك ليا ..بجد مش عايزة اي حاجه ..

بادلها الابتسام قائلا يتبع كلامه بغمزة

: ويخليكي ليا يا حبيبتي ..تعالي بقى و انا هختار لك على ذوقي 

اتجها سويا إلى الداخل ..وعلى بعد كافي منهما ..توقفت سيارته بنفس الجراج ..ترجل منها ليتفاجئ بصديق له لم يراه منذ مدة يناديه بحبور ..

: حمزة ..ازيك يا دوك ..

تبادلا التحية والسلامات ليسأله صديقه قائلا 

: انت غيرت رقمك ولا ايه  ؟انا بحاول اكلمك بقالي كام يوم رقمك مش بيجمع ..شوف محاسن الصدف بقى اني قابلتك هنا ..

ضحكا سويا ليرد حمزة باختصار 

: الحقيقة التليفون تقريبا وقع مني وحاولت اتصل بيه كان مقفول . انا حتى جاي اشتري واحد جديد من هنا ..

: طب كويس أوي هترجع نفس الخط أكيد ..؟

لحظة شرود عابرة لم يلاحظها صديقه ..تبعها بابتسامة مكلفة قائلا 

: لاء هغيره ..

لا يريد اية صلة له بالايام الماضية ...او بماضية الخالي تماما من حدث مثير ..سواها ..وربما كان خائف ..

اخرج صديقة ورقة صغيرة وقلم يخط له رقمه الخاص يناوله اياه قائلا 

: طب خد رقمي اهو اول ما تشغل التليفون كلمني اسجل رقمك الجديد ..ومبروك مقدما ..

ودع صديقه مع وعده بمكالمته ثم اتجه بخطواته نحو احد متاجر الهواتف الخلوية ..صدفة كانت ام تدابير قدر لايهم ..الجدير بالذكر انه حظ عاثر لكليهما ...

___________________________

معركة بين هادئ يقدر ذعر تلك المرتجفة جواره ..وبين ثائر لايرى امامه سوى جرئة دفعة ذلك الرجل لها ،ولا يسمع سوى اسمها من بين شفتيه الذي أدماهما بعدة لكمات من قبضته ..نزاع بين مهذب يحثه التريث ..وبين عربيد ..سيء الخلق يدفعه نحو الجنون ..كل ذلك وأكثر بداخله ..بينما هي تجلس جواره تربع يديها حول جسدها ..تذدرد ريقها بخوف من وقت لآخر كلما إغتلست النظر إليه .. تذرف دموعها تأثرا بحال تلك الصغيرة المسكينة ..(حقا على احدهم اخبارها توفير تلك الدموع لمسكينة اخرى بصدد مواجهة "عربيد" )...

اوقف السيارة فجأة ..فأجفلت .. مكان نائي فوق جبل ما  خالي من المارة ..لكن لا يزال ضوء النهار يضفى بأشعة ما قبل الغروب ..وقد طمئنها هذا بعض الشيء ..ينظر أمامه بجمود تستطيع رؤية حركة فكيه العنيفة تأثرا بضغطه على اسنانه غضبا ..اما عن المعركة والنزاع فهناك ثالث تولى ضفة الحوار ..للمرة الثانية أجفلت ..حيث سألها بجفاء ..دون النظر اليها قائلا 

: تعرفيه منين ..؟

بارتجاف يحتمي خلف قوة فولاذية ..مستعارة ..ردت 

: ما اعرفوش ..

نظر الي خارج السيارة عبر النافذة المجاورة له ..وتزفر هي بارتياح لاختياره عدم النظر نحوها حيث نظرته توقف نبض قلبها ارتياعا ..سرعان ما فرت انفاسها الى داخل صدرها هربا ..عندما ادار وجهه نحوها ينظر اليها باشتعال ثائر اخف وطأة  .."يبدو ان المهذب الهادئ بداخله يؤثر به" 

: يعرفك هو منين ؟

نبرته نفاذ صبر ..ونبرتها نصل على وشك قطع آخر حبال الصبر لديه 

: ما اعرفش ..

على صدره اثر استنشاق نفسا عميقا يحاول به اطفاء تلك النيران المشتعلة بداخله .. بدا لها وكأنه سحب جميع الهواء المحاط بهما ليزفره دفعة واحدة ..وبعرف مخيلتها الواسعة البريئة " هو تنين ..يزفر النار من فمه " ..التفت اليها التنين قائلا بآخر قطرة صبر 

: تمام ..مين البنت اللي كانت معاكي ..؟

سريعا اجابت بتلقائة صادقة تخلو تماما من الكذب الذي تتهمها به نظرة عينيه ..

: دي بنته ..

إلى هنا وكفى ..لكم العربيد الثائر ذلك المهذب يطرحه أرضا متحكما هو وبكل سرور به ..

: انتي بتستهبلي .. عارفه انها بنته وماتعرفيهوش ازاي ؟

زعقة ضارية خرجت منه ..اصابتها بخوف مهيب ..دائما ما ترتبك افكارها تتشتت ردود افعالها المصحوبة بذلك الخوف المعيق ..تلعثمت كالمذنب ..كالمدان دون فعل اي شيء ..ترتعش شفتيها السفلية في حالة بكاء دون بكاء ..

: اس . أسسس .اسمه ..المهندس ععع علاء...

رغم ثورته ..اشتعال نيران غضبه ..ذكرها لإسمه الاول الذي لاحظة في بطاقته الشخصية ..وما زاده هذا سوى تأكدا من انها تكذب ..الا انه وبدون ارادة منه في حركه انفعالية لرؤية تجمد نظراتها بذعر وذلك الخوف بنبرتها جذبها مهدئا اياها داخل أحضانه في عناق آمن ممتصا لذلك الرعب الذي تبدو عليه ..فليتنحى العربيد الثائر جانبا ريثما تهدأ فقط ..اما هي بمجرد ان وضع رأسها فوق صدره ..حتى اخذت تبكي بصوت عال ..تنتحب بين احضانه ..بعد بعض الوقت هدأت قليلا لكنها مازالت على وتيرة بكائها دفعته برقة تخرج من بين أحضانه باعتراض

قائلة باحتجاج على ما يفعل بصوت متهدج باكي 

: انا عاوزة اروح ..بعد اذنك روحني ..

والاجابة... صدمة غير متوقعة ..الاجابة هي نعي عن ولود رهاب جديد ..ظلمة عليها اختبارها ..

: مافيش مرواح ..

نظرة صادمة ..وشعور لاول مرة بالخوف في حضرته ..والتتمة سقوط ..سقوط نحو ابعد نقطة بقاع الصدمة ..عندما اكمل يحرك سيارته نحو المجهول ..

: مافيش مرواح قبل ما اعرف ايه هي علاقتك بيه ..؟

امابعد ..هي البرائة المدانة بتبديد ظلام قلبه ..و سيكون هو إثمها ... الإثم والعقاب ...

___________________________

اكتشف انه من بين ضحكاتها يزداد معدل ارتفاع سعادته ..يحمل الكثير والكثير بين يديه من الحقائب والمشتروات العديدة لها هي و فقط ..جلسا سويا في احد المقاهي الراقية بالمجمع التجاري يطلبا مشروبا باردا ..ليتحدث آدم ناهضا قائلا 

: هروح احط الشنط في العربية واجيلك نكمل ..

اوقفته هي بزهول تجلسه قائلة 

: نكمل ايه ..؟ اقعد يا آدم والله ما هشتري اي حاجة تاني ..كفاية اوي كده ..

ضحك آدم قائلا 

: طب خلاص هشتري انا ..هودي الشنط واجيلك تمام؟

اومأت له بابتسام ..جلست تنتظر النادل ليحضر المشروب .. فهي تشعر بالعطش الشديد .. تتفقد المارة ..المحلات التجارية المطلة على المقهى ..ونظرة عابرة جمدت اوصالها ..نظرة شرسة ..نظرة حارقة مستعرة .. لا تمتلك الجرئة الكافية  للتأكد منهت ..لإعادة النظر اليها ..فقط تصلبت نظراتها إلى اللا شيء .. رغم قوة شخصيتها الا انها لا تقوى على مجابهة نظرته لو كان هو ..تحدثت افكارها ..ليس هو ..من المؤكد انه ليس هو استقامت ترجو افكارها عدم النظر والتأكد . اصتدمت بالنادل دون قصد اوقعت المشروب ..لم تكترث  اخذت تخطوا بخطوات متسارعة خارجه من المكان بأكمله ..تتجه نحو الجراج ..نحو آدم ..أخيها .. أمانها ومأمنها الوحيد ..بانفاس متسارعة اخذت الخطوات المتسارعة تتسارع اكثر حتى بدت ركض روع .. تلهث ..انفاسها كالجليد والشمس بمقلتيها ..اقترب من الجراج.. توقفت يعلو صدرها بلهاث تحدد مكان السيارة ..وفجأة تفاجئت بالحظ العاثر ..يجذبها نحوه ..يجرها خلفه دون النظر اليها ..انفاسها تتسارع ..قلبها يرتعد ..خفقاته تنبض وكانها على وشك الموت ..لا تقوى على الصراخ ..احدهم سلب صوتها وانفاسها معا ..وللعبث ..أرادت رؤية وجهه وبشدة ..

اختطف هو شعاع الشمس بعينيها العسليتين نحو بقعة مظلمة بداخل الجراج بضوء خافت ..اتسعت عينيها بفزع ما ان واجهت نظراته القاتمة ..لتتحول نظرتها ما ان لمحت دكنة عينيه امامها الى نظرات عشق متألمة ..بينما هو ،انثنى جانب فمه بقسوة يمرر اليها عبر مسامعها أنصال مسمومة على هيئة كلمات ساخرة قائلا ...

____________________________


الفصل الثاني والاربعون 

*********************


وحش هائج ..يُسمى "الغضب" ..يختبئ خلف باب ما .. فولاذي الصنع ..مفتاحه الخوف ..

__________________

منذ ساعات فقط كانت متهمة باختطاف طفلة ..اما الآن هي المُختَطَفة .. في مكان مظلم بجانب الطريق الرئيسي ..لا ينيره سوى إحسان القمر على خوفها بشيء من إضائته .. تربع يديها بمثابرة داخلية تعزز قوى صمودها ..ثورته اعادتها لظلمة قاعها ..اعادت لها خوفا لم يزرها منذ وقت طويل ..خوف تعجز معه عن التفكير بعقلانية ..تنتج ردود افعال اكثر ميولا للحماقة ..ترتبك ..تخاف ..امام ثورة اشتعاله ..زعقته المخيفة ..تلك الشرارات المنبعثة من عينيه ..هي ببساطة ..خائفة ..تظهر قوة .. يعلم تماما بأن لا وجود لها ..جلس متصلبا ..القائد الآن في حالة حرب بينه وبين نفسه ..حرب يخوضها وحده ..حرب هو فيها والخصم شيئ واحد .. اعتقاد خاطئ ،تحتاج منطقية افكاره تفسيرا كافيا لتصحيحه.. وتحتاج هي قوة تفوق اضعاف قوتها لإقناعه .. ،بمكالمة هاتفية مختصرة لوالده اخبره فقط كي يطمئن ..( حياة معايا ) ..

وأخرى ليمنى ..تمهد له الطريق نحو ثغرة ..( انا هتأخر نامي ما تستنينيش )..

اتخذ وضعية الإستجواب ..قائلا بنبرة عادية تتيح لها الاعتراف ..

: انا سامعك ..

تحمست بنفس عميق ..وقد ساعدها هدوئه بعد بعض الوقت  لاسترداد المساحة الآمنة للرد .. نظرت اليه قائلة بانفعال منزعج

: انت بتكلمني كده ليه ؟،كأني عاملة جريمة ،انا كنت ماشية ولاقيت البنت بتعيط واما سألتها عرفت انها تايهة ..و قررت اساعدها وارجعها المكان اللي كانت فيه مع باباها ده اولا ..ثانيا انت مش من حقك تعاملني بالطريقة دي انا مش عيلة صغيرة وعارفة انا بعمل ايه كويس .. 

بنبرة مرتجفة على وشك البكاء اردفت تنظر اليه باستنكار حزين 

: و بكل همجية ضربت الراجل قدام بنته بدون اي مبرر ..انت ما شوفتش البنت كانت منهارة ازاي ..بجد تصرفك بشع مالهوش اي مبرر غير...

: ثالثا  شيء مايخصكيش ،اضربه ،اقتله ،ابلعه ، مالكيش فيه ..

قالها مقاطعا اياها بهدوء و برود تام رغم حدية اسلوبه ..نظرت اليه بزهول مستنكرة ..غاضبة .. تتعجب لتقلب حالاته ..مزاجيته ..كم يمتلك من الوجوه يمكنه اظهارها في آن واحد

: انا قصدي على البنت ..

  بصبر يحث به نفسه داخليا اردف يكمل مايشبه التحقيق ..

: ولما البنت تايهة وانتي بتساعديها زي ما بتقولي كان بينادي عليكي ليه ؟ !! ..يعرف اسمك منين ؟

صمتت .."هذا وان دل فيدل على غباء نثوي فطري لدي معظم النساء"  حمقاء هي بختم نصف دول العالم ،ان لم يكن جميعهم ..حيث ظنت ان في عدم اجابته والرد عليه.. ردا كافي يطفئ غضبها تجاه ردود افعاله الغير لائقة والغير مبرره ... التفتت برأسها جانبا تربع يديها بعناد ..مرت دقائق من الصمت ..لم يصدر هو اي ردة فعل تجاه امتناعها عن الرد وهذا يربكها ..التفتت ببطء تنظر إليه .. فاجفلت منتفضة عندما رأته مادا عنقه نحوها بغضب .. ملامحه جامده .. ناظرا اليها مضيقا عينيه بغموض .. ثم ابتسامة قاسية كابوسية ..شقت ثغره قائلا بنبرة جاحيميه..

: تمام ..انا هعرف بطريقتي ...

نظرت اليه بعدم فهم ..تتسائل ( اي طريقة هذه ..؟ وما الذي يقصده بتلك النبرة ..) لتحاول اصلاح الامر ..فهو يبدو غاضبا وبشدة ..

: بنته ..كان بينادي على بنته .. اسمها حياة على اسمي ...

قالتها بنبرة خافتة بعض الشيء بإقتضاب..ادار محرك السيارة ذاهبا وكأنها لم تتفوه بكلمة ..وكأنه لم يسمع منها شيئا قط .. نظرت اليه بقلق ..قائلة بخوف 

: انت رايح فين ..؟

لم يعير سؤالها اي اهتمام ..وكأن لا وجود لها جواره  فقط يحرك السيارة نحو الطريق بهدوء ..بينما في حقيقة الأمر ..يحترق خوفا ..هو في غاية الغضب إلى الحد الذي لا يستطيع معه التعبير عن خوفه عليها ...

لهدوء صمته وجه آخر ..هو يواجه الوحش بداخله ..حيث عليه ترويضه لا التغلب عليه ...

______________________

نحدد الهدف ..ثم نشد الوتر لآخره ..و بإنتشاء تام ..نطلق السهم ..نراقب اقترابه من الهدف بلهفة .. يخترق منتصفه تماما ..و تسيل الدماء ..و نتفاجئ أخيرا بالخسارة .. بدمائنا المُراقة أرضا .. حيث لم يكن الهدف سوى قلوبنا ...

~~~~

اختطف شعاع الشمس بعينيها العسليتين نحو بقعة مظلمة بداخل الجراج .. فقط ضوء خافت ..اتسعت عينيها بفزع ما ان واجهت نظراته القاتمة ..لتتحول نظرتها ما ان لمحت دكنة عينيه امامها الى نظرات عشق متألمة ..بينما هو..انثنى جانب فمه بقسوة يمرر اليها عبر مسامعها أنصال مسمومة على هيئة كلمات ساخرة قائلا ..

: اهلا يا عروسة ..ايه ..؟ شرفتينا تاني يعني ؟

نظر حوله مكملا باستهزاء

: لا ولوحدك  ..ايه العريس ما عجبكيش  فنزلتي تشوفي مزاجك هنا ولا ايه ..؟ ..

هو يشبع فقط تجويف طعنة ما أسدتها له سابقا .. ..يسد خانة كرامته المهانة حتى ولو لم يعترف ..

اما هي فاستقبلت نصل كلماته برحابة بائس لا يري في الموت سوى الشفاء ..التوقف عن الألم ..كانت تدرك اهتمامه بها ..كانت تعلم انه ربما كان على اعتاب "حب" ..لكنها لم تدرك انه وقع في الفخ الوردي ..فاكتشف انه بقاع بئر ذو ظلمة محببة ..بئر لا ينال الكثير رفاهية الخروج منه ..يسمى "العشق" .. 

حاولت افلات يديها من قبضته.. قلبها يخفق بسرعة صاروخية ..اشتعال حدقتيه امامها لا يخيفها بقدر ما يؤلمها .. تتألم لأجله و تكابر في الإعتراف .. هي باتت لا تصلح حتى للألم .. هي ذلك الثوب الثمين باهظ الثمن .. الذي شوهه احدهم ..اتلفه متعمدا ..لا يمكن شرائه ..ولا يتاح رميه بالمهملات ..يترك هكذا وفقط ..

: سيبني يا حمزه ..

قالتها بإيبآء حيث هي لم تعتاد الخضوع ..اشتعلت نيران غضبه اكثر ..هي حتى لا تشعر بكارِثية فعلتها ..تناظره و بكل تبجح .. تحدث يضيف المزيد من السم حول كلماته قائلا بعدوانية

: هقصر عليكي المشوار ..وانا اولى من الغريب ..على الأقل اخد تمن تعبي في السفر وراكي رايح جاي ..

يمرر فقط انفعال ..ربما ارتجافة عشق أخيرة .. المنطقية لا وجود لها بأفكاره ..يفكر فقط من وحي ألمه .. أغمضت عينيها  تضغط عليهما بقوة .. بقهر ..وقد انتحر الإيبآء فوق حد جفنيها ..وخضعت تلك الدموع اللعينة لرغبة البكاء المكبوتة ...ابتلعت غصة قاتلة ..تدفعه بعنف مديرة وجهها  إلى الجهة الأخرى تحاول إخفاء دموعها ..وقبل ان يفك حصار يديها من تحت قبضته همس قائلا بخفوت كان اشبه بالضربة القاتلة ..

: انتي عارفة العنوان بقى مش محتاجة اقولك عليه ..

خانتها نظراتها فأهدته التفاتة محملة بسحابات ممطرة من الدموع ..سحابات تعوق رؤيته لقرص الشمس بعينيها ..

تركها .. تركها منتفضا وكأنها وباءً ما ، تتسع عينيه باستنكار ..تعلو وتيرة نبضاته بعنف ..تركها عندما لاح الألم بداخله لرؤية دموعها ..عندما شعر برغمة ملحة في ازالتها عن عينيها ...تركض امامه ببكاء ..و بشدة اراد اللحاق بها ..ركضت هي دون حذر إلى ان اصتدمت بصدر صلب سرعان ما استشعرت هويته عبر احتواء ذراعيه لها وصوته القلق قائلا بلهفة 

: مالك في ايه ..؟ ..سارة ؟

: عاوزة امشي ..عاوزة امشي من هنا بسرعة..

نطقتها باختناق تام ..اختناق لجميع مشاعرها بلا استثناء ..ليجذبها آدم نحو سيارته بعدم فهم ونظرات قلقة عليها ..

بينما خلف عمود ما تطل نظراته من الجحيم ..ينظر اليها بين احضان اخيها مستغربا عدم وجود ذلك المسمى بابن عمها ..اطال النظر إلى اثرها حتى رحلت السيارة من المكان بأكمله .. بين النفور منها ..وإرادة بقائها بشدة ..يولد شعور ما يقتله دون هوادة ...

كل ما عليه ادراكه ..شيء واحد فقط....لقد غابت الشمس ..غابت دون عودة ...

________________________

في شقة ما بداخل بناية راقية ..جلس على الأريكة بإرهاق ..يحمل بين يديه كيسا من الثلج يمرره فوق تلك الكدمات بوجهه متأوها  بخفوت ..اسند رأسه إلى الوراء بإجهاد مغمض العينين ..يحترق قلبه كلما تذكر تلك اللحظة التي اوشك بها على فقدان صغيرته ..حياته كما يلقبها دائما ...بخطوات لطيفة اتجهت اليه الصغيرة بنظرات آسفة ترتدي جلباب نوم قصير يرافقها بجوارها "بيكسي" ..وقفت امامه قائلة بصوت باكي  ..

: بتوجعك صح ..؟ انا اسفة 

اعتدل بتعب ينظر اليها بشرود ..سرعان ما ابتسم جاذبا اياها يجلسها على قدميه قائلا 

: لا مش بتوجعني .. انا اللي اسف اني انشغلت عنك وعرضتك لموقف زي ده 

أخذت تمسح بيديها على وجهه فوق كدماته بلطف ..تنثني شفتيها إلى الأسفل بحزن ..بينما يقفز بيكسي نابحا بمرح فنظرت إليه تلتقطه قائلة 

: ماتزعلش يا بابي ..بيكسي وعدني مش هيسبني ويجري تاني ..

ثم نظرت إلى الجرو مردفة 

: صح يابيكسي..؟

اصدر الجرو صوتا خافتا وكأنه يقر بالموافقة ..لتتسع ابتسامة الاب يضمها إلي صدره يعانقها متنهدا بعمق ..هي حياته التي لا حياة له بدونها .. 

: انا لو شوفت عمو الشرير ده تاني مرة هخلي بيكسي يعضه عضة كبيرة عشان ضربك كده  ..

نبح بيكسي بحماس أسد مزمجرا للثأر.."ولو كان لتلك الشجرة لسان لأقرت باختبائه خلفها يرتجف خوفا " 

اشتعلت عينيه بحرقة ..اراد الفتك بذلك المجهول وتلك الفتاة برفقته ،حتما هم تابعي لأحد تلك العصابات المخصصة لخطف الأطفال ..لانت ملامحه يخرج الصغيرة من أحضانه ينظر اليها بعدم فهم عندما اردفت ببرائة تامة 

: بس طنط حياة طيبة يا بيكسي مش تعضها ..علشان هي اسمها على اسمي ..وكمان مامتها صاحبة ماما في الجنة .. 

رد عليها والدها قائلا بعدم فهم 

: طنط حياة مين يا حياة ..؟

نظرت إليه الصغيرة تجيبه بحماس 

: طنط حياة اللى جاتلي وانا بعيط ومش لاقياك ..وسألتني على اسمك وكانت هتوديني ليك عشان ما اعيطش تاني ..

ثم انكمشت ملامحها بحزن مردفة 

: اللي عمو الشرير أخدها معاه وهو ماشي بعد ما ضربك 

نظر اليها والدها حانقا من كثرة ذكر ضرب ذلك الرجل له ..ليتحدث بعدها قائلا وقد ادرك ان هناك لبث ما 

: مش طنط حياة دي اللي اخدتك من الجنينة ومشيت ..؟ مش دي اللي كانت هتخطفك ؟

نفت الصغيرة برأسها تروي له ماحدث بالتفصيل ويقر بيكسي على حديثها نابحا ..انتهت من قص ماحدث إلى والدها ..ليشرد زَاهلا وقد ادرك مدى فداحة خطأه ..زفر بإنزعاج ..فبدلا عن شكرها لصنيع المعروف ..اساء الفهم متصرفا بغباء ..نظر إلى صغيرته قائلا ..

: ماتعرفيش اسمها حياة ايه يا حياة ..؟

لم ترد الصغيرة عليه ..غفت غارقة في نوم عميق فوق قدميه تحتضن جروها الصغير بين يديها ..ابتسم يرتب خصلات شعرها للوراء مقبلا جبينها ..ثم حملها نحو غرفتها ..يفكر في خيط ما يوصله إلى تلك ال" طنط حياة الطيبة" حيث أساء الفهم وعليه الاعتذار ...

_________________________________

عرس آخر ..طبول وانوار متراقصة ..وكل متأهب على قدم وساق ..حيث كبير البلدة بذاته بين الحضور في استثناء لهذا العرس خاصة ..يجاوره كلا من سالم واسماعيل ..وعوض "وهو الجد للعروس " ..حيث عقد القران ..ومرة أخرى .. عرس بالإجبار ..ومرة آخرى السبب رصاصة ..يوقع اسماعيل فوق سطح الورقة بملامح جامدة ..لا تدل على اي آثر للفرح ..لم يرغب حتى في رؤية العروس ..فقط وافق لحقن الدماء ..ذاعناً لحكم كبيرهم ..هلل الحضور وعلت الزغاريد ..كناية عن اتمام الزواج ..بينما في غرفة مغلقة ..موصدة عمدا  ..في سبق لأول مرة من نوعه ..لم تحضر العروس ليلة زفافها ..دائما ما تتزين العروس بألوان الفرح ..وهي تزينت بالوان قاتمة تلون جميع جسدها ولم تكن بريشة فنان ..كانت الريشة سوط  اجاد تشويه جسدها بجدارة .. ..تضع يديها على أذنها في معارضة لكل ما يحدث ..تنهار باكية ..تنظر إلى السماء مناجية الخلاص ..هي لا تريد الزواج وكفى ..لا حق لهم في إجبارها ..لكن لم يكن هذا سبب بكائها ..هناك اجبار من نوع آخر ..حيث هي حورية البحر ..التي يجبرها احدهم على التحليق طائرة في السماء ...هناك مبادئ بالفطرة ..لا علاقة لها بالبيئة المحاطة ..وهي حورية البحر ..التي ستحلق تحت السماء ..دون اجبار ..ستحلق راغبة ..تاركة ذلك العالم المسيء لفطرتها ...انتفضت إثر فتح الباب حيث حان موعد تسليم العروس ..عروس مغلفة بالموت ..

دخل عوض يتجه إليها قائلا بجبروت ونبرة غامضة ..

: قومي يالا عشان تروحي مع جوزك ..

تتساقط عبراتها تتوسله رأفة لا وجود لها بقلوبهم ..تنحني مقبلة يديه برجاء حار ..

: ابوس ايدك يا جدي بلاش..ابوس ايدك مش هقدر والله مش ه...

صرخة قطعت بها حديثها ..حيث قبض هو على خصلات شعرها بعنف يجذبها للأسفل رافعا وجهها إليه قائلا بهسيس مرعب ..

: اسمعي يابت انتي اني خلاص صبري نفد منك  ..لو ما نفذتيش اللي بنقولك عليه قسما عظما ،اكون متوايكي وماهخلي الدبان الازرق يعرفلك طريق جره ..واياكي تفتحي بقك بكلمة ..قدامي يالا ...

قال كلمته الأخيرة دافعا اياها بقوة للأمام ..استقامت حور تمسح عينيها بقهر ..ليكمل هو قائلا

: مستنيكي بره ..اعدلي خلقتك دي وحصليني ...

خرج مغلقا الباب ..خرت هي باكية بحرارة تنعي حظها العثر بوجودها وسط هؤلاء الذين لا يمتون للإنسانية بصلة ..رفعت عينيها الممزوجتين بحمرة البكاء الى السماء قائلة ..

: يارب ..يارب خليك جانبي يارب ..

____________________________

بينما في الاسفل امام منزلهم وبعد انتهاء العرس ..وقفوا جميعهم بانتظار العروس، سالم برفقة كبار البلدة يتبادلون التهاني والمباركات ..بينما زفر اسماعيل حانقا بتذمر ..متجها نحو سيارته غير عابئا بركوبه وعروسه معا .. والجدة وفاطمة كلا منهما يجلسان بسيارة اخرى يسوقها احد رجال سالم ..بينما هي خرجت بخيلاء تخطو على اوتار عشقه لها مرفرفة كفراشة ما ..سرقت لب الجميع بالحفل ..بينما واحد فقط ..واحد فقط سرقت قلبه دون انذار ..اتجهت إلى السيارة القابعة بها والدتها وجدتها للركوب جوارهم ..بينما هو ترك الجمع مستأذنا يتجه إليها قبل ركوبها ..

: قمر ..

ناداها علي بعد خطوات منها وكادت هي ان تفتح باب السيارة لتركب ..التفتت له فخر قلبه صريعا لنظرة عينيها ..ود فقط لو تخلو الدنيا ..لو يخلو العالم من كل شيء ..سواهما فقط ..اطال النظر إليها ..فردت بتبرم واقتضاب ..

:خير في حاجه يا واد عمي ..؟

حمم قائلا 

: ااا ..لا مافيش ،هتركبي فين اومال ..؟

رفعت حاجبيها باستغراب قائلة 

: كنت هركب مع امي وجدتي ..

وقبل ان يرد خرج عوض من باب المنزل بحور تمسك بيديه تخطو ببطء وكأنها تخطو من جحيم نحو جحيم آخر .. لم تراه ..لم توافق من الاساس على هذه الزيجة ..او بالأحرى هذه الخطة المدبرة .. اقترب بها من السيارة وقد لاحظ اسماعيل قدومهما نحوه ..لم يكلف نفسه والنزول لاستقبالها فقط تنهد بثقل ينظر امامه غير عابئا بها ..فتح عوض لها باب السيارة فركبت هي وكان الختام منه ..

: خلي بالك منها يا ولدي ..

جملة روتينية ..لا معنى لها فقط تقال لمواكبة الموقف ..فهو بعيد كل البعد عن القلق عليها ..هي لا تعني له اي شيء من الاساس ..بإيمائة مقتضبة رد اسماعيل عليه دون كلام ..وأدار محرك السيارة منطلقا بها ..اغمضت عينيها باستسلام وليتولى القدر امر خلاصها ..

بينما سالم يقف جوار قمر ، .. طرق على السيارة بجواره قائلا ..

: اطلع يامحروس واني هحصلك ..

لتهتف فاطمة محدثة قمر ..

: اركبي يابتي يالا ..

: لا يامرات عمي اطلعوا انتوا قمر هتركب معايا ..

هكذا قالها دون تفكير ...اراد هذا وفقط ..

نظرت اليه بتعجب وقبل ان تعارض انطلقت السيارة فأخذت تسب محروس سرا ...

وضع يده خلف ظهرها دون لمس ،يشير إلى سيارته باليد الأخرى ..ليسيرا معا ..ناداه أحدهم من الخلف .. فأمرها بركوب السيارة وسيلحق بها ...التفت بجميع جسده يحدث مناديه قائلا 

: خير يا محسن بيه ..؟

حمم محسن قائلا بابتسامة واسعة ..

: كنت عايز اجي اشرب معاك الشاي ونتكلم في بيع المحصول، انت لازم تعمل لي خاطر دون عن الباقي ..

اومأ سالم نصف ايمائة بطيئة قائلا دون ابتسام 

: انت فوق راسنا يا محسن بيه ..تاجي تنور في اي وقت ..

التقط محسن يديه مسلما بحفاوة يشكره قائلا 

: تسلم يا سالم بيه .. هكون عندك بكره بعد الضهر ..

انتهي سالم من الحديث معه متجها نحو سيارته .. جلس جوارها ..ينظر اليها وكأنها قطعة مغناطيسية ونظراته معدن ما ..تجذبه كليا نحوها ..نظرت اليه فجأة فنظر امامه سريعا يتصنع تحريك السيارة ..ادار المحرك يحظى ببعض الوقت منفردا وقمره فقط ...

بينما خلفهم مباشرة ..احدهم يصفف شاربه بحالمية ناظرا في اثرهم ..احدهم يمني نفسه بالقمر خاصته ...

_________________________

وصلت العروس إلى بيت الزوجية ..في مهمة ما عليها اتقانها ببراعة ولا مجال للفشل ..نزل اسماعيل من السيارة وقد وصل اولا ..وهي غارقة في دوامة كابوسية تعج بالافكار والتوقعات المخذلة ..لم تلاحظ وقوف السيارة ووصولهم ..زفر بعنف يتجه ناحية الباب خاصتها ..ليفتحه بتعصب قائلا باقتضاب ..

: انزلي ..

اجفلت ..نظرت له بخوف من خلف وشاحها الابيض الذي يمرر وسامة ملامحه اليها ببشاعة وقبح ..وربما كانت تراه من خلف حديث جدها لا وشاحها .. أدلت بقدميها مترددة ..ببطء وقفت قبالته وكم بدت صغيرة بقصر سنفوري الشكل .. وصاحب الطول الشرشبيلي ينظر إلى السماء بضجر ..زافرا بعنف ..فإنكمشت على نفسها بخوف ..اشار لها لتتقدمه نحو المنزل ..فخطت برهبة متمهلة تذدرد ريقها ببطء ..وهو يقلب عينيه خلفها بملل ..اطلت ام السعد بالزغاريد العالية تشق الصمت بالمكان ..ولحظة توقف بها الكون حولهم ..رجفة ..انتفاضة ما اصابت خافقه  عندما انكمشت تلك الصغيرة تتحامى به داخل عبائته بخوف متشبثة بملابسه تغمض عينيها بقوة ..اذدرد ريقه ينظر اليها بتعجب لثوان ..ليزعق في ام السعد بعدها ينهرها قائلا ..

: جرى ايه يا ولية ...؟ كفايا اجفلي خشمك ..

نفضة اخرى ..نفضة ادراك ..ابتعدت عنه تنظر إلى الأرض بخجل لما فعل


الفصل ٤٣ و٤٤


الفصل الثالث والأربعون 

*********************


لا تنخدع خلف جمود قلبك ..فالعشق مقصلة ..تصتف امامها القلوب ..فقط لم يحن دورك بعد ...

~~~~~~~~~

من المفترض وصولهم الى المنزل منذ وقت ..لكن السيارة اتخذت المسار المعاكس .. تماما كما احلامها ..امنياتها ..التي سلكت الطريق المعاكس للتحقيق منسحبة بخذي تلملم اشلاء عشق لم يتاح له الظهور ...بصوت هادئ ونبرة مستغربة سألته ..

: انت رايح فين ..؟ ده مش طريق البيت ..!

بابتسامة عاشق لم تلاحض تصنيفها اجابها في حالة من الحنين ..

: عارف ..

نظرت اليه للحظة ثم نظرت إلى الطريق امامها متنهده ..

بعد وقت قصير ..انحدر بالسيارة إلى جانب الطريق على ما يشبه الحافة ..وتلقائيا ارتسمت على شفتيها ابتسامة رائعة مغلفة بالشغف ..تلتمع عينيها بحماس طفلة ..ابتهج قلبه مسرة بابتسامة مهللة لتلك النظرة بعينيها ..نزلت من السيارة بِتوق و صبوة ..تتجه نحو تلك الحافة تنظر إلى القرية من عِلٍ ..ابتسامة حزينة ونظرة أسف ظهرت على ملامحها ..تغيرت ..اختفت معالم البساطة بأنحائها ..تبدلت بمعالم معقدة موحشة  ..ظلمة .." وربما ما تبدل هي نظراتهم " ..اغمضت عينيها تستنشق ذلك الهواء الطلق تستعيد احتضانا ما على هيئة ذكريات ماضية .. وقف خلفها مباشرة يغمض عينيه بدوره ..يبتسم بانتشاء ..تحتضن انفاسه خصلاتها المتراقصة والهواء سويا ..التفتت ووازى التفاتها فتح عينيه ..تتحدث ببحة صوت رائقة تخصها وحدها قائلة 

: عارف ماجيتش هنا من قد ايه؟

تقدم خطوة حتى وقف جوارها ينظر بدوره إلى القرية مبتسما 

: من يوم ما عمي الله يرحمه اتوفى ..انا كمان ماجيتش من يومها ..

ابتسمت بحزن تتنهد متذكرة اببها ..ردت بشجن هامس

: الله يرحمه ..

: فاكرة لما كنت اخرج بالليل بعد ما ابوي ينام والاقيكي في وشي واقفة في وسط الدار مستنياني ..؟

اطلقت ضحكة خافتة ترد ..

: فاكرة ..وكنت بساومك إما تاخدني معاك او اطلع اصحي عمي و أقوله انك خارج في نص الليل ،وفي الاخر بتاخدني مغصوب وعينك بطلع شرار ..

ختمت قولها بضحكة صغيرة ..ضيق هو ما بين حاجبيه بابتسامة 

:انا كنت بستغرب ازاي عيلة صغيرة ماتخافش من الضلمة وتحب تيجي هنا ؟

نظرت اليه بصمت ..بينما نظرتها تحكي الكثير ..ارادت قول ( لم أكن لأخاف ابدا ما دمت معي ) ...

: اقولك على سر ..؟ 

ولا تحبذ هي الاسرار ..حيث الاسرار مخيفة ..مؤلمة حد الاختناق ..نظرت إلى عينيه مباشرة ليكمل 

: اول مرة اقول الكلام ده ..كنت ببقى عاوز اخدك معايا ..وكل مرة اقول يارب الاقيها مستنياني ..

اللحظة بينهما حالة ..لحن ناعم .. نسمة هادئة ..ربما لن تتكرر ..حتما لن تتكرر ..حيث تلاشت ابتسامتها وشيء من الألم اصاب خافقها ..وخذة ..تذكرها بعشق منحور مازال ينزف ..اكمل قائلا ينظر امامه

: البلد اتغيرت ..ما بقيتش زي الاول ..

بقتامة واقعية اجابت متنهده بأسف ..

: كل حاجة اتغيرت ..

: انتي ما اتغيرتيش ..!

العاشق يتحدث ..حان دوره ..تعانقت نظراتهم في حالة شاردة وكل منهما يتمنى لو يدرك الآخر مكنون قلبه ..المقصلة ترد ..

: بس انت اتغيرت ..

واقعية مظلمة حد القبور ..حقيقة وحق ..نظرتها مواجهة ..ونظرته خذي ..شرد بعينيها ..تفاجئ بردها ..اذدرد ريقه بارتباك ..عينيها حقيقة ..مرآة يري بها ما يخشى البوح به .. و إن تعلمه هي ما يخشاه أكثر ..

: كيف اتغيرت ..؟

الاجابة هنا هي بمثابة اعتراف ..اللوم والمعاتبة وجلده ..هي رجفة احتضار عشق اخيرة ..وبعدها لا شيء ..ما الفائدة .. قررت الانسحاب ..الاستسلام للصمت رغم تركه اياها .."والاستسلام سقطة "..تحسست ذراعيها كناية عن شعورها بالبرد ..

: مش يالا بقى ..انا بردت ..

تركته تتجه نحو السيارة تتخطى الحصاوي الصخرية بحذائها ذو الكعب الرفيع ..فانزلقت شاهقة ..كادت تسقط لولا ان تلقفها قلبه قبل ذراعه ..غامت عينيه سابحا بخمر عينيها ..نظراتها مسكره ..تبيح الغرق ..الغرق حد الثمالة ..اعتدلت وقد أربك كيانها كله ..ترجع خصلاتها خلف أذنيها بخجل ..وغضب ..وتلك المرة بخطوات حذرة اكثر حرصا على عدم "السقوط "مرة أخرى ..اتجهت نحو السيارة ..وبمجرد وصولها وفتح الباب ناداها ..

: قمر ..

كان ندائه هادئ ..خافت ..بلغة أخرى هو بمثابة رجاء ..وهي لن تلتفت ..اغمضت عينيها وندائه قد اخترق حصون صمودها ..لتتفاجئ بدفئ محبب يلف جسدها ..دفئ يحمل عبقه ..معبأ برائحته ..حيث نزع عبائته يلف بها جسدها الصغير من الخلف فاتحا لها باب السيارة ..والسقطة هي النظر بعينيه الآن ..لذا القت بنفسها سريعا داخل السيارة ..دون التفاتة ..او نظرة واحدة ..ولو فعلت لكان السقوط له ...

_______________________________

الحق نور ...والكذب ظلمة ..

ماذا لو كانت الحقائق مظلمة ..ماذا لو كان ما نحيا به من نور هو مجرد كذبة ...

~~~~~~~~

تندثر تحت غطائها بخوف ..تهدأ أنفاسها بفكرة قدوم والدتها لأخذها ..بينما خارجا يرتب القدر مقابلة ..مقابلة تأخرت لسنوات ..مواجهة كشف الستار عن حقائق تجهلها تلك الصغيرة التي هي بصدد ظلمة ربما لن تستطيع الخروج منها ..صدمة من العيار الثقيل ... 

--------------

مكالمات عدة وهاتفه لا يجيب ..بنهاية الامر حادثت منصور تسأل عنه بطريق غير مباشر ..ومن بين حديثها تسأله. .

: مازن معاك ..؟ ولا روح ..؟ ..

ترى نظراتهم المشفقة اليها ..تلاحظ نعتها بهوس الجنون ..ربما كانوا على حق ..هي ام ..بكل تعقيدات العالم هي ام فقدت ولدها الوحيد لمدة 25 عام ..ما المنتظر من ام مكلومة كل تلك المدة سوى الجنون ...اجابة منهكة القاها منصور وانهى المكالمة ..

:  مشي من بدري ..

اغلقت الهاتف والشوق يقودها إليه ..في قرار صارم دون تفكير مسبق ..ستذهب إليه ..حيث اشتاق قلب الام متعطشا للإرتواء برؤية صغيره ..اما عن التوقيت ..فكارثة ..تشبه وجود قداحة مشتعلة قرب قنطار من القطن ...

--------------

: ماتروحيش ..في خطر ..واحتمال يكون كمين ..

هو لا يكترث لها ..في الحقيقة هو لا يكترث لأحد ..هي فقط احدى وسائل الوصول إلى وجهته ..وبالنسبة إليه هي اقل الوسائل فائدة ..

: انا مش همنعك ..لكن واجب عليا انصحك ..

قالها بنبرة ثعبانية مغلفة بالبرائة ..

بينما هي تنظر إليه عبر شاشة الهاتف التي لم تفي بإظهار نواياه العفنة .." والتي تناسب كثيرا نواياها " ..بنبرة حانقة ردت بنفاذ صبر 

: يمنى ممكن تبوظ الدنيا ..انا عارفاها ..لو ما روحتش وهديتها كل حاجة هتبوظ ..

: خلاص هبعت الرجالة معاكي بالعربية عشان لو حصل حاجه ..

اومأت له بتفكير ..سرعان ما ردت تسأله 

: عملت ايه في الموضوع التاني ..عرفت توصل لحاجة ..

لحظات صامتة ..يضحك فيها الشيطان بداخله فخرا ..بينما بكلمة مقتضبة كاذبة رد 

: لسه ..

انهت المكالمة تنظر امامها بإصرار عازمة على الخروج ..تتبعث من عينيها شرارات خبث بألف فكرة وفكرة ..كلها في نقطة واحدة ..قصي .." وتدمير حياته" ...

استقامت خارجة بعدما تخفت خلف ملابس لا تناسب هويتها ..تبعها رجلين نحو سيارة وسائق يتحدث هاتفيا قبل وصولهم إليه ..يأتيه الأمر من الجانب الآخر 

: تخلوا المكان ..اول ما توصلوها تمشوا ..

انهى المكالمة ..تظهر تدريجيا ابتسامة ساخرة ..كان منذ دقائق فقط يسدي لها نصيحة .. الآن يلفظها ككيس قمامة لا رغبة له فيه ..وتحية يرفع الشيطان له القبعة ...

______________________

دخلت إلى الغرفة وأغلقت الباب خلفها ..كشفت عن وجهها مزيلة ذاك الوشاح الابيض ..تنظر حولها باكتشاف ..ورهبة ..تقدمت جالسة على طرف الفراش .. ومازالت عينيها تجوب انحاء الغرفة ..تنهدت بحزن ..تهمس لنفسها بخفوت عندما آلمها ذراعها آثر تلك العلامة الداكنة به ..

: منك لله يا جدي .. كان مستخبيلك كل ده فين يا حور ..

استقامت تبدل ملابسها للنوم ..هي عروس..والليلة ليلة زفافها ..و ببرائة قاتلة ظنت ان الغرفة لها بمفردها .. 

بدلت ملابسها بشيء مريح تلقي فستانها على الأرض بتذمر ..ثم تشوطه بقدميها غير عابئة به ..جلست على الفراش ..تودع الدموع عينيها متساقطة ببطء في وصلات متتالية .. تتذكر تلك الساعات الماضية ..تتذكر كل ما مضى من عمرها ..الذي بالمناسبة ليس بكثير ..نشأت بين جدها واعمامها ..وابناء عمومتها ..فكرة واحدة ترسخت بداخلها ..ولاتزال حتى الآن ..هي غير مرغوب بها ..دائما ما كانت مهمشة ..معاملة جافة .. إهانات لفظية ..على عكس المفترض، انها الفتاة الوحيدة بالعائلة ..اما عن الاب ..لم تراه قط ..واما عن الام ..لم تذق يوما طعما لحنانها ..حيث ماتت منذ ولادتها ...وقد لحقها الاب بعد ايام فقط ..هذا ما  اخبروها به ..انها نذير شؤم ...وختاما يطلبون منها شيئا فوق قدرات استطاعاتها ..وبكل اصرار لن تفعل .. نهضت جالسة تربع قدميها بأرق ..لا تستطيع النوم.  تبكي ..هي خائفة ..وجائعة ..

انتفضت واقفة بذعر ..عندما فتح باب الغرفة وظهر هو ..نظر إليها بتمعن ..تبدو كالسارق الذي ضبطه احدهم متلبسا بجريمته ..شعر بالغضب تجاه زعرها الغير مبرر ..اعتقد ساخرا انها مدللة العائلة المصون ..وما اكد له قولها 

: انت ايه اللي جابك هنا ..مش دي اوضتي ..؟

قالتها بخفوت هامس ..و عذرا ..انتهى وقت التدليل ..

اندفع تجاهها بمعالم وجه غاضبة ..يقبض على ذراعها يهزها بعنف ..

: ياكش تكوني مفكراه بيت ابوكي ..انا حر ..انتي عارفة انتي موجودة هنا ليه .. مش مرغوب فيكي واعرفي ده كويس ..

صرخت أثر ألم قبضته على ذراعها بقسوة تمحي قسوة سوط جدها وتتولى هي المهمة ..آلام كلماته لم يكن اقل من السوط بشيء ..صرختها من وجهة نظره مبالغ بها..دفعها ناظرا اليها بإزدراء ..ينفض عبائته خارجا من الغرفة يصفع بابها بعنف ...جثت ارضا تضع رأسها بين قدميها باكية ..غير مرغوبا بها من الجميع ..لم تفعل شيئا قط كي يكرهها الجميع هكذا ...

بينما هو خارجا بخطوات غاضبة إلى خارج المنزل ..زفر حانقا للحظة .. ثم عاد ادراجه مرة أخرى يصعد الدرج بخطوات تتسارع غضبا ..طرق باب غرفة فاطمة ..زوجة عمه ..فتحت له تتسع عينيها باستغراب لهيئته الغاضبة ..

: سايب عروستك ليه يا ولدي ..في ايه ..؟

اجابها بإستياء ..

: لا عروسة ولا زفت ..انا ما كنتش عايز اتجوز من الاساس ..

استعاذت فاطمة في ردة فعل معتادة كما باقى الامهات قائلة

: انتوا خدتوا عين ولا ايه ..دي عروستك طيبة وبت حلال ..ايه اللي حصل بس ..

زفر بغضب تاركا اياها متجها نحو الدرج مرة اخرى ..

: ابقي روحي شوفيها انا ماعايزش دلع ماسخ ..عرفيها ان في بيت ابوها شيء وهنا شيء تاني والا هتشوف وش ما تحبوش ..

وفر غاضبا يخرج من المنزل لم يستجيب لنداء فاطمة له ..ضربت كفا بكف تحوقل بأسف تتجه نحو غرفة العروس الحزينة ...

______________________

جلس شاردا بظلام الليل تلك الليلة يختلف كثيرا .. سمائه داكنة بلا قمر ..بلا نجوم ..يستعيد صورتها امامه باكية ..زافرا بنفاذ صبر ..كم اراد اختطافها واعادة تأهيلها وتلقينها درسا لن تنساه ..كم اراد بقائها لكنه ينكر ذلك ..استمع إلى جرس باب المنزل..احدهم يطرق بإلحاح ..استقام بلا رغبة في الحياة ليفتح ..وبمجرد ان فتح ..واجهته موجة غاضبة ..غضب فتاك ..لكمة قوية سددها له آدم بمجرد رؤية وجهه امامه ..وركلة عنيفة تبعها دفعه اياه حتى تناثرت شظايا بعض التحف متهشمة أرضا ..قبض على تلابيبه متحدثا من بين اسنانه بهسيس غاضب ..

: ما لكش دعوة بسارة يا حمزة ..قسما بالله لو اتعرضتلها تاني ..ما هرحمك ..وانا بقى اللي مش هبقي ساعتها على اللي بيننا ..

قال ما قاله ثم دفعه تاركا اياه ينظر اليه بيأس.. مسح حمزة قطرات الدماء المنبعثة من انفه وشفتيه بأكمامه يبتسم ساخرا ..

: هي قالتلك ..؟ ايه ..بتشتكيلك ..؟

نظر اليه آدم باحتقار يرد ..

: سارة ما قالتش حاجة ..انا اللي شوفتك وانت مستخبي في الجراج ..يا دكتور يا محترم ..يا صاحبي ..

وخرجت الأخيرة منه رغم السخرية مغلفة بعتاب لاذع ..

سعل حمزة عدة مرات يبصق تلك الدماء اللتي ملئت فمه .. ليتألم صديقه لأجله ..فيكمل صارخا 

: انت ليه بتعمل كده ...بتعمل في نفسك كده ليه ..؟

ومن بين لهاثه منحنيا نطق بما يعوق اكمال حياته ..نطق بمكنون جرحه ..نطق باعتراف كان يود كثيرا لو كان لها ..

بصوت لاهث وانفاس ثقيلة ..

: عشان حبيتها ..

اذدرد آدم ريقه زافرا بأسف ..ليكمل حمزة 

: عشان لسة بحبها ..ومش عارف مااحبهاش ..عشان هي *** وما تستهلش ...

: حمزااااه ..

قاطعه بها آدم غاضبا رغم شعوره بالألم تجاه .. يعرفه تمام المعرفة ..لن يجدي مع قولا ما دام يقتنع بشيء ..هو يحتاج إلى دليل قطعي ليبريء اخته وللأسف لا يملك ..

: سارة انضف وانقى بنت في الدنيا..

كان رده ضحكة ساخرة مريرة ،ليكمل آدم 

:انا مش محتاج اقولك ..مصيرك هتعرف ..بس اتمنى تعرف قبل فوات الأوان يا صاحبي ...

ثم تركه خارجا وقد ايقن تماما ان اخته تكن لذلك الأحمق مشاعر الحب ..هي ايضا تحبه ...حيث لم تتفوه بحرف من اسمه عندما الح عليها معرفة سبب حالتها تلك ...خرج صافعا الباب خلفه ..بينما العاشق الجريح أخذ يضمد جروحه وجرح واحد فقط لن يستطيع مداواته ...

______________________________

توقفت سيارة الاجرة امام الفيلا ..نزلت منها تتقدم إلى الداخل ..تطلب منصور هاتفيا قائلة 

: ايوة يا منصور انا عند قصي في البيت ،عدي عليا خدني ..

من الجهة الأخرى رد منصور ..

: هو قصي رجع ؟ كان مع حياة ...

اجابته محبطة بحزن ..

: يعني هو مش في البيت ؟..ده واحشني اوي قولت اجي اشوفه ..

تنهد منصور يجيبها ..

: خلاص انا هكلم حياة واكلمه يجي على البيت ..وانا جاي في الطريق ..استني ..عندك مش هتأخر عليكي ..

انهت المكالمة ..تدخل إلى المنزل ..تعجبت عندما رأت الباب مفتوحا قليلا ..دفعته برفق تنظر إلى الداخل باحثة عن تلك الصغيرة ..نادتها لم تجيب ..اما عن كارثية الوقت ..فتوقفت السيارة الخاصة برجال مراد امام الباب الخلفي لحديقة المنزل ..نزلت منها ناهد ..ترفع طرف الوشاح حول رقبتها إلى نصف وجهها ..التفتت إليهم قائلة 

: استنوني هنا انا مش هتأخر ..

اومأ لها السائق وما ان تقدمت داخلة ..حتى رفع هاتفه يجري مكالمة ما بأمر شيطان ..

: الو ..لو سمحت عاوز ابلغ عن مكان واحدة هربانة من عندكم ...اسمها ناهد عثمان ..موجوده في (...........)

ثم اغلق الهاتف ..متحركا بالسيارة من امام المنزل بسرعة فائقة ...

_____________________________ 

ولجت فاطمة إلى داخل الغرفة..وقعت عينيها على تلك المسكينة التي تتكور على نفسها أرضا يرتجف جسدها من البكاء ..آلمها قلبها بشدة لرؤيتها في ذلك الوضع ..سريعا خطت نحوها ترفعها من ذراعيها قائلة ...

: اسم الله عليكي يا حبيبتي ..ليه بس كده ..ليه ..اجلستها على الفراش ولم تدع لها الفرصة للحديث ..حيث أخذتها داخل أحضانها مربته على ظهرها بحنو ..وبسرعة فائقة هدئت تلك المسكينة وكفت فجأة عن البكاء من مجرد "ضمة" ..زحفت يد فاطمة تربت بها ذراعها ..فتأوهت حور تستقيم جالسة تمسك ذراعها  ..سريعا قالت فاطمة بتعجب 

: مالك يابتي ..بتتوجعي ليه ..؟

تسألها وتخشي ان تجيب بما يدور ببالها ..ايعقل ان يكون اسماعيل ...نظرت حور إلى الأرض بانكسار وحرج تمتنع عن الإجابة..فسريعا اخذت فاطمة تكشف ذراعها قسرا لتتسع عينيها ألما مما رأت ..شهقت تلطم صدرها وقد آلمها قلبها بعنف قائلة ..

: يامصبتي ..ايه ده ..هي حصلت يمد يده عليكي ..لا بنات الناس مانعملش فيهم اكده وديني ما انا سايبهالك يا اسماعيل ..وهبت خارجة تندفع إلى خارج الغرفة بغضب وجميع افكارها تضع تلك المسكينة بمكانة ابنتها قمر ..هرعت حور توقفها مانعة اياها تمسك ذراعها قائلة بلهفة ..

: استني بس يا خالة ..مش هو اللي عمل اكده ..مش هو ..

اتسعت عيني فاطمة أكثر تنظر اليها مباشرة..

: اومال مين يابتي اللي عمل اكده ..؟

انخرطت حور في البكاء مرة ثانية .. فدخلت فاطمة إلى الغرفة تجذبها في عناق حاني مغلقة الباب خلفها ..

علمت فاطمة دون كلام مافي الأمر..ان لم يكن هو ..فحتما احد اعمامها او جدها ..يبدو انهم ارغموها على الزواج ..اجلستها قائلة بحنو ..

: بس يا حبيبتي ..ما تبكيش ..ده جوزك والله ما في احن منه ..انتي لسه ما عرفتيهوش ..طب ايه قولك انه جه صحاني من النوم عشان اجيلك ..ماهونتيش عليه تبكي ويسيبك ويمشي ....بس يا ضنايا اهدي ..

مسحت حور عينيها بظهر يديها كالأطفال قائلة ..

: لا ..هو جال كلام شبه انه مغصوب عليا ..انا كمان ما عايزاش اقعد هنا ..

بتفهم اجابتها فاطمة ..بقلب ام تشير إلى ذراعها..

: بعد اللي انا شفته ده ..اني اللي ما هسيبكيش تمشي من اهنه ..اوعي تفكري ان عشان الجوازة جوازة صلح بين العيلتين يبقى هنعاماك معاملة شينه لا سمح الله يابتي ..

نظرت اليها حور وكأنها ليست من بني البشر ..لتردف بابتسامة وتربيته على قدميها 

: لا ..ده انتي هتعيشي وسطينا معززة مكرمه ..وان ماشالتكيش الأرض نشيلك جوا عنينا ..قومي يلا اغسلي وشك ياحبيبتي ..في عروسة تعيط اكده ليلة فرحها قومي يلا ..

دون سابق إنذار قبلتها حور من وجنتاها ملقية بنفسها داخل احضانها ..ضحكت فاطمة بخفوت تربت على ظهرها بحنو ..ادركت ان تلك الفتاة مكسورة الخاطر ..مخدوشة الروح ..بحاجة فقط إلى ترميمها ...

__________________________________

دخلت تخطو ببطء في الحديقة إلى باب المنزل ..وجدته مفتوح إلى نصفه تقريبا ..الغبية يمنى لقد أخبرتها ان تفتح فقط جزء صغيرا منه ..دخلت نظر بحذر تبحث عن ابنتها ..لتتفاجئ بمن تقف قبالتها مستديرة ..توايها ظهرها ..شريعا عرفتها دون ان تلتفت ..تحفظ تفاصيلها كاملة ..وكيف لا وهي نسخة منسخة منها ..تحسست جيبها بابتسامة جانبية ..ابتسامة جحيميه ..تخرج سلاح ما اعدته قبل خروجها ..تخرجه ببطء وازى التفاتة الأخرى ..شهقة ملائكية ..عينين متسعتين .. واجهت ضحكة شيطانية خافته ..صوبت السلاح إلى منتصف صدرها ..تماما نحو قلبها ..تتحدث بنبرة بركانية ..تشتعل عينيها بشرارات حقد قاتمة ..وحروف تقطر سُما..

: اهلا اهلا ..اختي العزيزة ...

______________________________


الفصل الرابع والأربعون 

*******************


الشر ..الظلام ..الزيف ...لا تفزع ..فلكل منهم ما يجابهه ..

الخير ..النور ..الحقيقة ..تلك هي المعادلة ..فقط تخشى عندما لا تملك القدرة على التفرقة بين النقيضين ...

________________

دخلت تخطو ببطء في الحديقة إلى باب المنزل ..وجدته مفتوح إلى نصفه تقريبا ..الغبية يمنى لقد أخبرتها ان تفتح فقط جزء صغيرا منه ..دخلت تنظر بحذر تبحث عن ابنتها ..لتتفاجئ بمن تقف قبالتها مستديرة .. توليها ظهرها .. سريعا عرفتها دون ان تلتفت ..تحفظ تفاصيلها كاملة ..وكيف لا وهي نسخة منسخة منها ..تحسست جيبها بابتسامة جانبية ..ابتسامة جحيميه ..تخرج سلاح ما اعدته قبل خروجها ..تخرجه ببطء وازى التفاتة الأخرى ..شهقة ملائكية ..عينين متسعتين .. واجهت ضحكة شيطانية خافته ..صوبت السلاح إلى منتصف صدرها ..تماما نحو قلبها ..تتحدث بنبرة بركانية ..تشتعل عينيها بشرارات حقد قاتمة ..وحروف تقطر سُما..

: اهلا اهلا ..اختي العزيزة ...

صوت هامس وعيون على وشك البكاء وافكار عدة ..خائفة ..كلها تصرخ باسم ولدها .."مازن"..

: ناهد ..؟

: بيتهيألي مش محتاجة تتأكدي ..الشبه واضح ..

قالتها بسوداوية قاتمة ..بينما الأخرى قبضة بركانية تعتصر قلبها ..بين جزء منها اشتاقت له ..ونفس الجزء هو سبب شقائها ..صمتت فقط تنظر لها وكون شيطان يقف امامها فلا مجال لتفسير الصمت على انه عتاب " العتاب نمط آدمي لا يناسب الشياطين"..الصمت صمت وفقط ..بسخرية لاذعة ونبرة مستنكرة..

: لاء ما تقوليش اني واحشتك .. لسه عايشة دور الملاك يا حنان ..؟ لسة بتاخدي كل حاجة من الدنيا ..

الأولى تحتاج لجواب  ..اما الاخيرة خرجت بحقد ..بإقرار ..بعقيدة راسخة ..لا تستلزم وضوح ...

: ليه ..؟ ..ليه ناهد عملتي كده ..؟ لو انا باخد كل حاجة من الدنيا ..انتي خدتي مني الدنيا كلها .. خدتي حياتي حياتي ..سرقتيها مني وانا مش دارية ..انا كنت بموت في كل يوم ابني فيها مش جنبي ،ومش عارفة هو فين ..عايش ولا ميت ..لسة فاكرني ،فاكر امه ولا نسيني ..ليه ..قوليلي 

القت بكلماتها باكية تذرف دموع الألم الخذل ..مازالت تتحدث من مبدأها ..تدفعها الانسانية البالية من وجهة نظر الأخرى ..لمعرفة السبب ..عيون صغيرة ..حائرة بألم تمرر نظرها بينهم،تقف أعلى الدرج تشاهد ما يحدث بعدم فهم ..بتخبط ..ايهما الحق وايهما الباطل ..ايهما والدتها ..ومن هي ناهد تلك ..اختلط عليها الامر ..الوضع مهزلة ..بينما هي تأهبت جميع حواسها بانتشاء تبتسم..اعترافها بالقمر لما فعلته كان بمثابة فوز ..مكافئة ..ضيقت عينيها ببأس قائلة 

: عايزة تعرفي ليه ..؟اقولك ليه ..

بفحيح اكملت ..

: عشان طول عمرك احسن مني ..طول عمرك والكل بيفضلك عليا ..

يوازي كلماتها اقتراب خطواتها منها ..

: عشان انتي الاحسن باقرار الجميع ..وانا ..ولا حاجة ..

اذدردت حنان ريقها بقهر ..لم تكن تدرك ان نصفها الآخر بتلك البشاعة ..لم تكن تتخيل بأسوء كوابيسها انها تكن لها كل ذلك الكره ..

: حتى الراجل الوحيد اللي حبيته ..رفضني عشانك ..

تحولت نظراتها إلى نظرات مظلمة ..تخرج الكلمات معبأة بنيران الضغينة 

: انا كمان كنت بموت في كل مرة يرميني فيها بره اوضتك،عشانك .. كل مرة بيتمسك بيكي فيها كنت بموت  

سكين ..احدهم رشق سكينا ما بمنتصف قلبها ..كانت لأول مرة تستمع إلى ما تتفوه به الآن ..منصور نفسه لم يخبرها من قبل ..نظرت اليها بزهول ..عينيها مازالت تفيض بالدمع في صمت ..والصغيرة تتسع عينيها اعلى الدرج بصدمة ..تتمنى الا تكون تلك اللتي تتحدث هي والدتها .." ولا يدرك المرأ كل ما يتمنى " ..اكملت ناهد بكلمات تنضح بالكره 

: وانتي كنتي ساذجة ..عايشة دور ملاك الرحمة اللي نازل من السما ..عملتي عملية ومابقتيش تخلفي وده بردو ماخلهوش يسيبك و يجيلي ..

بابتسامة هستيرية وعيون تلتمع بشرارات بركانية باتساع طفيف ..اردفت 

: اتنازلتلك عن نصيبي في الورث ..وهمتكم اني مت في حادثة ..واخدت منك اللي هيدمر حياتك وحياته ..مازن ..يايعيش معاكي من غير ولاد يضحي بحقه انه يبقى اب تاني ..يا يتجوز عليكي ويقهرك ..

بأسف وحسرة ..بقهر اردفت 

: وبردو اختارك انتي ..وفي الآخر اتجوزت انا راجل ما بحبوش .. خلفت منه وانا بكرهه .. وابنك اللي ربيته وسط ولادي قتل ابني ..

إلى هنا وتبخر ضباب الكذب ..كاشفا عن ظلمة الحقيقة ..الصغيرة سقطت بفوهة الظلام ..تصلبت تعابير وجهها ..والدتها هي من فعلت ..هي القائلة ..تصلب جميع جسدها الضئيل ..عينهيا متسعة بزهول ..بجمود ..بظلمة حقيقة والدتها ..وقتل اخيها لأخيها الآخر  ...شهقت حنان تنفي برأسها باستنكار ..

: لاء ..مستحيل ..مستحيل ..ابني ما قتلش حد  ..

اتسعت عينيها باختلال ..نيران تتأجج داخل حدقتيها تحترق حروفها جوار نبرتها قائلة 

: مش هسيبه ..هقتله ..زي ما قتل ابني هقتله ..

توقف قلبها عن النبض ..نظراتها فزع ..روع ..ابنها الوحيد تتوالى صدمات الفقد فوق رأسها والفاعل شخص واحد ..نفس الشخص ..قلب الام يثور ..العاطفة تكتسح جميع مشاعرها .. وجسد صغير يسقط من الأعلى مرورا بدرجات سلم المنزل ..ارتباك طفيف غير منفعل صدر من شيطانها .. تشتت انتباهه ..الصغيرة فقدت الوعي غارقة بالظلام ..وضربة قوية بمزهرية كانت بجوارها سددتها حنان إلى رأس ناهد مباشرة ..ترنحت الأخبرة بعدم توازن ..اما عن الأخرى صرخت ببكاء هيستيري تلقي المزهرية من بين يديها ولتوها تقترب بتردد لتتفقدها ..فطرتها نور لا يبدده ظلام ..خيوط رفيعة من الدماء تسيل منسابة على وجهها ..تستقيم بتأوه ..تدور بها جميع الاشياء من حولها ..وفجأة .. يستعيد الشيطان تماسكة ..انتباهه ..مع ادراك صوت صافرة الشرطة عن قرب ..وصوت احتكاك عجلات سيارة بالخارج تماما ..سيارة يبدو ان سائقها يعلم بوجودها ..انتفضت تركض هاربة من باب المطبخ الصغير المؤدي إلى الحديقة ..ركضت بهلع ..السيارة بانتظارها ،فقط ستركب وتفر من المكان بأكملة  .تتوعد بداخلها للعودة مرة أخرى ..خرجت من الباب الخلفي للحديقة ..ولحظة استدراك اخرى اشد قتامة ..السيارة ..لا وجود لها ..الشيطان متبسما يلوح لها من بعيد تاركا اياها بمنتصف الطريق ..مراد ..تخلى عنها ..افكارها لا تسعفها ..الشرطة تقترب ..لاتملك هي شيء قط ..سوى قدميها ..و سلاح ناري ..ركضت ..ركضت بلا وجهة محددة ..تتوعد بداخلها للجميع ..بلا استثناء ..صوت هادر اوقفها ..نبضاتها اخذت تتسارع عن معدلها الطبيعي ..صوت لم يزور مسامعها منذ زمن ..صوت طالاما كانت تعشق نبرته ..اللتي يلفها الآن الكثير من رباطة الجأش ..الثبات ..الانتقام ..

: نااااااااهد ...

صوت غاضب ..كانهيار جبل جليدي ..انفجار بركاني ..هي لا تكترث ..التفتت لتراه في لحظة ..كما هو بل ازداد الجبل شموخا وهيبة ..تتناثر شرارات غضبه تسبقه ..وكان ردها هو المتوقع دائما ..الخيانة ..رفعت السلاح بين يديها ..تصوبه نحوه ..حيث هو لم يعد وجهتها الآن هو يعوق الطريق نحو وجهتها الحقيقية ..اطلقت رصاصة واحدة انطلقت من سلاحها نحو قدمه مباشرة ..وفرت هاربة .....

_____________________________

المكان أشبه بصحراء خالية ..ففط كوخ صغير ..لا وجود لأي شيء حوله ..سوى الظلام ..يتطرف إلى مسامعها صوت امواج بحر هادرة ..لكنها لا تراها ..بارتعاش ونبرة مرتجفة تسائلت ..

: احنا فين ..؟

وهو يجيبها بصمت ..توقف بالسيارة ينزع المفتاح نازلا منها وسريعا هي تلحقه بالنزول ..خائفة ..تتجه إليه بخطواتها ويقابل هو خوفها بقبضته القاسية هول معصمها يجرها خلفه نحو ذلك الكوخ ..خائف ..وهي لن تفهم ..تناثرت عبراتها ترجوه باسمه فقط ..

: قصي ..

لم يعبأ بخوفها ..حيث خوفه اكبر ..خوف يفتح لغضبه الأبواب على مصرعيها .. فتح باب الكوخ ،ولجا سويا ..استمعت إلى صوت إغلاق الباب فانتفضت بذعر ..لا ترى شيئا امامها الظلام يغطي المكان بأكمله ..تسارعت نبضاتها ..او تباطئت لا تعلم ..شعور ما يشبه الموت سرى بجميع جسدها ..عندما ترك يديها فجأة ..اغمضت عينيها بقوة واضعة يديها عليهما رغم الظلام حولها ..لما يفعل هكذا هي لا تفهم ..وللعبث لن تفهم ..لحظات مرت عليها وكأنها دهرا ..ارتجافة نبرتها بإسمه وازت انارة الضوء بالمكان ..

: قصي اجوك ..انا خايفة ..

مازالت تغمض عينيها باكية ...نظر إليها ومع نبرة توسلها لم يستطيع تمالك مشاعرة ..اختطفها في عناق ..واحة مشرقة تحتل مساحتها اشجار و ورود ..كانت أحضانه بالنسبة إليها ..تشبثت به بقوة ..والهلاك له بنظرة عينيها تلتمع بالدموع ..حيث رفعت رأسها تنظر لعينيه مباشرة ..تتساقط دموعها على جانبي وجنتيها ..تشهق قائلة ..

: انت ليه بتعمل كده ..؟

عواصف بداخله تحمل جميع الفصول في آن واحد ..فقدها كفكرة يخيفه ..والخوف يغضبه ..يقوده باندفاع نحو حمايتها دون الالتفات لها ..حمايتها وامانها وفقط ..

: خايف ..! 

شرد بليل عينيها يجيبها دون تفكير ..وهي تستفسر عن السبب ويتلخص في كونها هي ..

: ايه السبب ..؟

ودون تفكير يجيبها مرة اخرى على عكس طبيعته ..

: انتي ..

معها فقط يكون مختلف ..عكس طبيعته ..وربما معها فقط تغلب عليه طبيعته ..غامت عينيها بحزن عميق تسأله 

: من ايه ..؟مني ؟

ومرهفة المشاعر يغزو مشاعرها ألم من نوع خاص ..هي عبئ يثقل ظهره هما ..هكذا ظنت ..

: عليكي ..خايف عليكي يا حياة ...انتي بذات مش هينفع اخسرك 

كانت تلك المرة الأخيرة التي يجيبها دون تفكير ..وببساطة هي لا تعي اي شيء ..وهو لا يضمن العواقب ..استعاد جموده سريعا يردف بحكم قاطع ..لا تمتلك بعده رفاهية الاعتراض حتى لو كانت حياتها 

: هتفضلي هنا ..لحد ما انا اللي اقرر امته ترجعي ..

نظرة استنكار منها وجهتها له ..ليستدير موليها ظهره ..تمسح هي وجنتيها سريعا تخطو نحوه تتوقف امامه مباشرة تنظر نحو عينيه بتسائل ورجاء ..تحمل نظراتها الاثنين معا ..

: قصي انت مش هتسيبني هنا صح ..؟ مش هتسيبني وتمشي ..

عينيها ترجوه بقول " لن اتركك " ..عينيها تعتم ..تغيم بقتامة ..حيث رده كان بمثابة ظلام ..

: لازم تفضلي هنا ..عنايات هتيجي تقعد معاكي ..

ان كان يتمادا فيما له حق به ..لن تسمح له بالتمادي أكثر ..اعتراضها كان على هيئة خطوات متسارعة وكلمات مبعثرة ترافق تبعثر عبراتها حول وجهها نحو الباب تحاول فتحه ..

: انا مش هقعد هنا دقيقة واحدة ..

يبدو انه اغلق الباب والمفتاح بحوزته ..التفتت له وقد جلس على مقعد ما بأريحية غير عابئا بما تفعله ..فقط ظاهريا ..

: افتح الباب انا مش هقعد هنا دقيقة واحدة ..انا عاوزة اروح ..

رفع الهاتف إلى اذنيه يضغط على زاوية عينيه بابهامه وسبابته في تعب ..

: ايوة ..انت فين ..؟ ..تمام ..

اغلق الهاتف يستقيم متقدما منها وهي تنظر اليه في ترقب باكية ..وقف امامها يسحق اسنانه غضبا من رؤيتها باكية ..بينما نبرته لا مبالية كاذبة ..

: اسمعي الكلام يا حياة ..انتي هنا في امان اكتر ..

يعلم انه مستهدف من الكثير ..وهي نقطة ضعفه ..بل النقطة الفاصلة بين الحياة والموت ..

: امان من ايه ..؟ وديني البيت وانا مش هخرج منه والله بس ماتسبنيش هنا ..

قالتها بلهفة تتشبث باكمام قميصة برجاء ..

بينما هو ضمها كليا إلى صدره يغمض عينيه بألم ..رن هاتفه برقم والده ..ليفتح متحدثا  ..

لحظات من الصمت وهي ترفع نظراتها نحو الهاتف بتسائل ..ملامحه جامده لا تقبل القرائة ..التفت يمسح على وجهه بعنف ..في رده فعل ارعبتها ..تحدث قائلا ..

: انت كويس ..فيك حاجة ..؟

تصلب جسده بنظرة مصدومة ..سرعان ما اظلمت بدكنة غابات مظلمة ..عندما تحدث منصور من الجهة الأخرى قائلا بتردد ..

: انا كويس ما تقلقش ..بس ااا ..يمنى 

: مالها ..؟

قالها وقد اخذت خفقات قلبه تنبض بعنف ..

:..جالها انهيار عصبي ..حنان بتقول انها تقريبا كانت واقفة على السلم وسمعت كلام ناهد ..

صغيرته ..واجهت ما يفوق قدرة تحملها ..زهرته لم تستطيع الصمود تحت غيمة رعدية سوداء تمطر جحيما هي ابسط من تحمل احتراقه ..رد بجملة مقتضبة لا تعكس اشتعال النيران بداخله ..

: انا جاي حالا ..

اغلق الخط يلتفت إلى المرتجفة خلفه تسأله 

: في إيه ..خالو ماله ..؟

ثبتت تلك المكالمة قراره اكثر ..هو على حق فليحترق العالم بأكمله ..فليعارضه الجميع ..و لتبقى هي فقط بأمان ..

طرق الباب الهادئ اجفلها ..توجه ليفتحه ناظرا اليها متحدثا بسرعة وتحذير قائلا 

: ما تخافيش هو كويس ..وجودك هنا حماية ليكي وعنايات هتبقى معاكي مش هتبقى لوحدك .. عندك هنا كل حاجة ممكن تحتاجيها ..

هل يمزح ..هي لا تحتاج شيئا سوى وجوده بقربها ..وجوده فقط يشكل لها امانا من نوع خاص ..امان هي على وشك فقده ..

فتح الباب فاندفعت نحوه تشده في توسل ان لا يتركها ..سريعا دخلت عنايات التي احضرها يوسف للتو بنائا على رغبة صديقة ..تتلقفها مهدئة إياها ..بينما هو دفعها برفق حازم مغلقا الباب خلفه ..ندائها له وطرقها على الباب من الداخل يقتله ..توجه إلى صديقه االذي ينظر إليه بلوم آسف قائلا 

: اللي بتعمله ده مش صح على فكره ..البت كده هتكرهك ..

التفت يدور حول سيارته راكبا اياها قائلا 

: مش مهم ..تكرهني بس تبقى بخير ..اطلع ورايا 

قالها بجمود يشرع في تحريك سيارته ..يتجه متلهفا للإطمئنان على قطعة من روحه باتت بلا روح ...

_________________________


تكالبت الحقائق فوق ادراكها ..فلم تحتمل ..حقائق كانت اثقل من ان تتحملها سنوات عمرها القليلة ..بعيون قاتمة تختبئ خلفها غابات محترقة ..دخل إلى غرفتها بالمشفى وحرب تشيد داخل صدره لا يهزم فيها سوى قلبه متألما ..اقترب منها ..مجمدة كالصنم .. تتمدد بروح باردة ..باهتة ..فاقدة للألوان ..قطب جبينه يضيق ما بين حاجبيه ينظر اليها بألم ..حيث عينيها مفتوحة معلقة بسقف الغرفة وحركة حدقتيها جامدة بلا حراك ..

: يمنى ..

بصوت متهدج ناداها ولم تستجيب ..هي حاضرة غائبة بعالم آخر ..ربما كانت حبيسة خلف قضبان الحقيقة تمد يديها لهفة لتطول حرية كاذبة ..

: يمنى ..

نداء آخر ..وقد ادرك انها لن تستجيب ..انفاس حارقة ..النيران على اهبة الاستعداد .. ركض كمن يلاحق شيطانا يجري ضاحكا بجنون ..حاول يوسف ايقافه فدفعه يكمل خطواته الراكضة بعزم ..

: مازن ..

صرخة واحدة منها كانت كافية ان توقفه ..رغما عنه ..والدته ...اغمض عينيه يسحق اسنانه غضبا وألما ..بدورها خطت نحوه دامعة العينين وكلمة اختها لها لا تفارق مسامعا ( هقتله ) ..ببكاء حار التقطت يديه تقبلها برجاء 

: عشان خاطري خليك يا ابني انا هموت يا مازن لو جرالك حاجة ..ابوس ايدك يا ابني ..

يعلو صدره ويهبط ..غضبه اشبه ببركان مختنق يريد الانفجار ..وجمله واحدة لفظها بهدوء حيث هي لا تستحق انفجار البركان ..

: مش هسيبها ..

وازت كلماته خطواته الراكضة يتبعه يوسف راكضا خلفه كظله ..اما عن قلب الام ..فشاخ حزنا ..مدت يديها في الهواء .. إلى أثره زاهلة العينين ..تفتح فاهها قليلا بصدمة ..وكل تفكيرها انها لن تراه مرة ثانية ..لحظة استسلام ..وسقوط في ظلام دامس ..ثم ارتطام جسدها الضئيل بالأرض فاقدة للوعي ...

___________________________

تهالك ..ركض حد الانهاك ..لهاث حارق وانفاس جليدية ..وقطعة لحم تضخ الدماء بغزارة عنيفة ..فالشياطين لا تمتلك القلوب ..جف لعاب حلقها أثر الركض دون وجهة ..الركض بلا سبيل .. حتمية النهاية لا تشكل لها العظة ..حتمية الجحيم ذاته لا تكترث لها ..وربما لا تعترف بوجوده من الاساس ..ستحرق ..تخرب ..تدمر حتى لفظ النفس الأخير ..انحنت خائرة القوى باستسلام ...اتجهت إلى احد الوحدات السكنية قيد البناء ..صعدت درجها الهيكلي الشكل ..فقد ابتعدت بالقدر الكافي عن الخطر ..ارتمت ارضا  تستند بكفيها وركبتيها فوق سطح البناية المحدد بسور صغير ..تسارعت انفاسها لبعض الوقت حتى بدأت تهدأ شيئا فشيئا ..وفجأة رفعت وجهها بنظرة ثاقبة مظلمة إلى الأمام وقد اخذت تلهث في ركض من نوع آخر ..صرخت تفرغ ما تعبئه داخلها من غضب ..كانت على مشارف هزيمة ..كاد الشيطان يحترق ..استندت بظهرها إلى عمود صخري حديث البناء تخرج من جيب سترتها هاتفها الخلوي ضاغطة على زر الفتح ..لتجري اتصالا بمراد .. وبنبرة انتقامية الصيغة تهمس من بين لهاثها ضاغطة على اسنانها عندما استقبلت عدم الإستجابة ..

: بعتني ..سلمتني تسليم اهالي يامراد الكلب ..

.. ولاول مرة لا يجيد الشيطان اختيار رعاياه .. وضعت الهاتف جوارها بإهمال حانقة فكما توقعت لن يجيب ..وثغرة ..فوهة صغيرة احدثها الجبل .. مدخل للوصول .. هاتف شقيقته وآخر رقما تحدثت إليه ..ومن ثم تحديد مكان الرقم بدقة ..كانت على مشارف هزيمة ..باتت الآن بوسط حرب ..بينها وبين شيطانها ..حيث اتسعت عينيها ينسكب منها الغضب منصهرا ..مع صوت اصتكاك حلقة معدنيه بأحد الأسياخ الملتوي طرفيها بداخل العمود ..واحتجاز يسراها بالحلقة المعدنية الأخرى ...اصفاد ..والشيطان رهن اعتقال .. نظرة بركانية قاتمة صوبها تجاهها قصي من أعلى ..يمر امام ناظره طفولته البائسة بتوقيعها ..آلام الفقد بعيني والديه..مرورا بفقد اخيه ..والخاتمة يمنى ..صغيرته .. قبضت يمناه بحزم على سلاح ناري موجه نحوها ..الأمر منتهي ..الآن بكل منون يضع الجبل توقيع نهايتها 

: خلاص ..دمرتي بما فيه الكفايه ..دورك انتهى ...

تضغط على اسنانها تطلق صوتا كالزمجرة ..تلهث ومن بين لهاثها تبتسم بسخرية قائلة ..

: لسة ..لسة يا ابن حنان ..

انتهى الامر .. رصاصة واحدة وينتهي كل شيء ..وهو لا يتردد ..

: قصي اوعى تعمل كده ..

بعيون متسعة قالها يوسف من بين انفاسه اللاهثة .. يرفع كفي يديه امامه في حركة مفادها تهدئة صديقه قائلا بتمهل ..

: بلاش تضيع نفسك يا قصي .. اوعى تعمل كده ..هي كده او كده ميته .. 

لا يرد ..فقط ينظر اليها وسلاحه مازال مصوبا نحو رأسها ..وهي تنظر إلى عينيه باستهزاء و يقين تام انه لن يطلق رصاصة واحدة ..تحدث يوسف يذدرد ريقه قائلا

: سلمها يا قصي ..ما تتهورش وسلمها  ..

التفت برأسه نحو صديقه ينظر إليه نظرة غامضة .. يحاول يوسف ردعه ببعض الكلمات ..بينما هي بحوزتها سلاح ..تنظر إليه جوارها بخبث ..مدت يديها ببطء لتمسك به فإذا بصوت رصاصة صرخ لها يوسف متسع العينين ..

: لاااااء ..

وازت صرخته صرختها المتألمة ...حيث استقرت الرصاصة بذراعها الأيمن مازال هو ناظرا إليه ، اقتنص اهتزاز حدقتيها في لمحة منه فصوب السلاح نحو يمناها ..التفت اليها ببطء ولم ينزل سلاحه بعد ..وهي تنحني بلهاث متسارع الأنفاس ..وصوت أخرى تردد صداها وكأنها احلال أسر ما .. ثم صرخة ثانية خرجت منها كان صداها أقوى من الرصاصة ..

: آاااااه ...

واستقرت الثانية بقدميها ..صرخ بعدها يوسف ينهره 

: كفاية ياقصي ...

انزل سلاحه ..ينظر إليها بغموض ..تتألم أمامه ولا يبالي بها ..البعض يستحق بجدارة عدم المبالاة بألمه ..اذا كان سيسلمها ..فليفقدها فرصة الهروب مرة أخرى ... اقترب منها يهبط لمستوى جلوسها ..يضع فوهة المسدس تماما فوق أعلى رأسها ..رفعت نظرتها اليه متعرقة الجبين ..تحترق انفاسها لا تقوى على النطق ..يسكن الشيطان حدقتيها ويتولى هو ارسال رسائل صامتة عبر نظرتها ..بصوت رزين تحدث قائلا

: عشان ما تحاوليش تهربي تاني ..

ثم اشار برأسه نحو المسدس فوق رأسها مردفا

: لو فكرتي تحاولي ..التالتة هتبقى في راسك ..

انفاسها عبارة عن مرجل متقد يصب احدهم الزيت فوقه ..تتأجج ..ومن بين دخان احتراقها تحدثت .. ويبدو ان الشيطان يحتضر خارجا منها كالروح ..بتقطع قالت

: هقتلك ..هقتلك يا قصي ..هاخد حق عمر ..مش هسيبه ..هقتلك زي ما قتلته ..

وانتزع الشيطان امانته منها ..غابت عن الوعي في سبات قهري نتيجة الشعور بالألم .. اتسعت عينيه اتساع طفيف ..تسائلات وخيوط عدة ..تعلم بموت عمر ..تتهمه بقتله ..يمنى وانهيارها وفقدها للحياة ..من المؤكد انها وشت به لها بما لم يفعله .. الصغيرة لم تحتمل ...

خيوط عدة ..وجميعها تؤدي نحو شيطان آخر ..لم تكن هي سوى وسيلة ضمن وسائلة ...

_________________

تبدد الظلام بأشباحه ..وأشرق نور ملائكي جديد ...

صعد بإرهاق درجات السلم الداخلى للمنزل ..لم يذق طعما للنوم منذ ليلة امس ..ليلة عرسه ..تنهد بحنق يتجه نحو باب غرفته ..هم بطرقه فتوقفت يداه بالهواء ..قائلا في نفسه ..انه مازال الوقت مبكرا ربما تكون نائمة ..فتح الباب ببطء حريص ..ولج يتجه نحو خزانة الملابس وقد لمح جسدها الضئيل متكورا بزاوية السرير في وضع غير مريح ..يتدلى رأسها فوق كتفيها غارقة في نوم عميق .."كل هذا من مجرد لمحة فقط "..اخذ ملابسه وعيناه تحول بينها وبين باب الغرفة بتردد ..يبدو عليها التعب وذلك الوضع غير مريح لها ..زفر باستسلام يتجه نحوها ..حملها برفق ممددا اياها على الفراش بوضع نوم مريح ..ثم دثرها بالغطاء وهم ان يستقيم ..فظل على وضعه ينظر بتمعن نحو وجهها ..ملامحها الصغيرة ..خط عينيها الطويل واهدابها المتراصة بكثافة طبيعيه عليه ..ينم عن عينين واسعتين ..تسللت ابتسامة لا هوية لها تظهر على شفتيه ..وشعور غريب بانها جزء منه وازى تسلله تسلل تلك الابتسامه ..سرعان ما تدارك نفسه خارجا من الغرفة بخطوات متسارعة ينهر تلك الفكرة اللتي نبتت بداخله .. يؤد شعورا ما قبل رعرعته ...

وهناك فوق السرير جسد ضئيل يتمدد على الفراش ..وقلب يخفق بعنف ..نبضاته كقرع الطبول ..كانت مستيقظة ..طوال الليل تقاوم نومها خوفا من عودته مرة أخرى ..وعندما شعرت به يفتح الباب تصنعت النوم بمكانها لم يسعفها الوقت لتتمدد على الفراش ..كانت تخاف من عودته ..التي انبتت نفس الشعور المتسلل بداخله داخلها ..وابتسامة نتاج فكر ..هل يوجد من يهتم لها ..من يهمه راحتها ..من يلتفت لوجودها  من الأساس ..؟ ..لم يكن كما ظنت امس ..يبدو ان تلك السيدة زوجة عمه محقة فيما يتعلق به ..

___________________

استيقظت تحتضن بين ذراعيها عبائته ..تستنشق عبقه بها ..ارتسمت ابتسامة عاشقة على شفتيها وبمجرد ادراكها وفتح عينيها اختفت الابتسامة ..متذكرة فعلته ..القت العبائة جوارها ثم نهضت جالسة تنظر اليها بشرود ..تساقطط دموعها ببطء قائلة بهمس ..

: صعبتها اوى سالم ..صعبتها عليا اوي ..مابقاش ينفع حتى افكر فيك .. عاملتك السودة في بت عمنا واقفة قصادي .. زي السور ..ومن الناحية التانية اللي شايلتني جميل لازمن اصونهولها العمر كله ..دمها بيجري جوايا ..لولاها كان زماني ميته ..صعبتها عليا اوي يا ابن عمي ...

تنهدت بحزن ثم نهضت تخفي عبائته بداخل خزانتها ..تتجه نحو الحمام تستعد للنزول ..او بالأحرى لمواجهة عاشق ثائر حان وقت ظهور عشقه ...

____________________

وقف امام تلك النافذة الزجاجية ينظر اليها بألم ..قطعة من روحه ..تتالم ،تبكي ولا يجد السبيل لكفكفة دموعها ..هو لها الآن كل عائلتها ..وهي بكل إصرار لا تريد رؤيته ..حديث الطبيب مازال يتردد صداه بأذنيه ..عندما دخل عليها الغرفة برفقة والدته منذ قليل ..وثارت ثائرتها خوفا وفزعا بمجرد رؤيتهم ..( صدمة نفسية أدت لانهيار عصبي مؤقت ..) ...

تفاجئ بيد حنونة لها أثر طيب تربت فوق كتفه ..التفت ليقابل اجمل ابتسامات الكون الباعثة للأمل والحياة ..

: هتبقى بخير ما تخافش ..

قالتها حنان ثم نقلت نظراتها إلى الصغيرة عبر ذلك الزجاج الشفاف مردفة بإشفاق  ..

: انا حاسة بيك وبيها ..اللي حصل كان صعب اوي عليها ..الحمد لله ان ربنا جابها على اد كده ..الحمد لله ..

تنهد قصي بعمق ناجي من اعماق الظلام ..لتسأله حنان بلهفة قائلة ..

: صحيح .. حياة فين ؟..منصور قاللي انها معاك ..

اغمض عينيه بهم ..فعليه المجاهدة لإرضائها بعدما فعله أمس ..بنبرة هادئة اجابها ..

: رايح اجيبها دلوقت ..

__________________

جلس  محسن بانتظار سالم  في مكتبه ..التقط فنجان قهوته يرتشف منه متنهدا بحرارة كلما مرت صورتها في العرس امس  بمخيلته .. ليفلت لسانه هامسا لنفسه ..

: آه .. قمر وهي قمر بصحيح ..

: بتكلم نفسك يامحسن بيه ولا ايه ..؟ 

اجفل على صوت سالم يلج إلى المكتب مرحبا به لم يلحظ ما تفوه به.. استقام يرد التحية بأيدي مرتجفة وضع فنجان القهوة فوق سطح الطاولة يسلم عليه بارتباك ..جلس سالم على كرسي مكتبه قائلا ..

: نورتنا يا محسن بيه ..تشرب ايه ..

اخرج محسن منديلا من جيبه يجفف جبينه المتعرق قائلا 

: لا لا ولا حاجة انا شربت قهوة خلاص ..

عم الصمت لبعض الوقت مما اثار حفيظة سالم لحدوث شيء لن يستهوية .. تحدث محسن مبتسما بحرج 

: انا في الحقيقة يا سالم بيه مش جاي بخصوص المحصول ولا الشغل .. انا جاي في موضوع شخصي ..

: ده بيانه نهار ازرق على الصبح ..

قالها سالم بخفوت ..ليتحدث محسن قائلا 

: بتقول حاجة يا سالم بيه ..؟

: لا بقول خير ايه الموضوع الشخصي ده ..

حمحم محسن متحدثا بابتسامة تكاد فيها شفتيه تصل إلى اذنيه ..

: انا ..طالب القرب منك في بنت عمك ..قمر ..

عفوا. ..! هل يشتم احدكم رائحة احتراق ما ..للحظة لم يستدرك ما تفوه به ذلك الثمين "النتن" كما نعته بداخله ،الجالس امامه .. وهناك بداخله مارد هو لم يوقظه بطلبة هذا ،لا هو دفعه نحو هاوية الجنون ليسقط بعدها فوق رأسه مهشما اياها بتلك الفكرة التي اشعلت غضب عاشق على محبوبته ..انتفض محسن أثر لكمة عنيفة ،تتسع عينيه بلهو ..تفاجئ المسكين ،انتقل من حلم وردي محلقا في السماء جوار القمر .. إلى حلبة مصارعة ثيران ..

: ايه ده ... في ايه ...؟ في ايه يا سالم بيه ؟

انقض سالم يمسكه من تلابيبه ينفجر زاعقا في وجهه بصوت جهوري وقلب ثائر  وعاشق غاضب ..

: قمر مين اللي طالب قربها يا ابن النتن  .. ده انت طلب قربك عزرائيل انهارده ،يومك مش فايت ...

____________________________

جلس امامها ينظر إليها بشرود ..كيف ومتى استحوذ عشقها على كيانه بأكمله لا يدري ..وكأن حبها شيء راسخ بقلبه ..ولد معه وظهر فقط بظهورها امامه ..تنهد بارتياح حيث زال خوفه ..الآن فقط استيقظ من كابوسه المرهق ..ذلك الكابوس طويل الامد ..لم يعد له وجود  ..فتحت عينيها ..جميلته ،حياته .. وقد بدا عليهما بقايا بكاء طويل كما اخبرته عنايات قبل رحيلها ..

استيقظت تنهض مستندة على كفيها تنظر إليه بتفاجئ ..سرعان ما نظرت إلى الجهة الأخرى بغضب ..

..ابتسم ابتسامة صغيرة ثم استقام وقد علم انها غاضبة مما فعله امس ..

: عنايات فين ..؟

سألته باقتضاب عندما لاحظت عدم وجودها ..ليرد بمراوغه مبتسما 

: مافيش صباح الخير ..؟

صمتت تأبى النظر إليه .. غاضبة ..تجهل سبب جفاء تركه لها بذلك المكان دون شرح ..همش شخصيتها بسطوة تحكمه بها ..همت ان تستقيم ناهضة فامسك بكف يديها برفق ..يسبل عينيه في برائة لن تنكر انها رقت لها ..

: عايز اتكلم معاكي ..عارف انك زعلانة من اللي عملته امبارح ..

سحبت كفها من تحت يديه تستقيم قائلة بجفاء يخالف مكنون قلبها ..

: ما فيش كلام ما بينا ..عنايات فين ..؟

نهض بدوره يضع يديه بجيب بنطاله يبتسم بمشاكسة.. يبدو ان بعضا من بنات حواء لا تجدي معهم البرائة ..

: مشيتها ..احنا هنا لوحدنا ..انا وانتي بس ..

استشاطت غضبا من تلميحه بوجودها معه بمفردها ..والعجيب انها لم تخف ..بنبرة حادة ردت 

: انا عايزة امشي من هنا ..لو سمحت روحني ..

تنهد يقترب من الفراش متمددا عليه يضع ذراعه خلف رأسه بأريحيه قائلا 

: مافيش ?


تكملة الرواية من هنا


بداية الروايه من أولها هنا


روايات كامله وحصريه

روايات كامله وحصريه


🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺

❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙❤️

الصفحه الرئيسيه للروايات الكامله اضغطوا هنا  

❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙❤️

🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺

♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️♥️


روايات كامله وحصريه


 لعيونكم روايات كامله من هنا 👇👇👇👇👇👇


رواية نعيمي وجحيمها كامله


رواية ملاك في عالم الشياطين كامله


رواية جبر السلسبيل كامله


رواية الصقر الجريح كامله


رواية ليلي وسجين الماضي كامله


رواية لثام الخلود كامله من هنا


رواية جميله في قلب الاسد كامله


رواية ليلي وسجين الماضي كامله


رواية الصقر والنمر كامله


رواية اختبار القدر كامله من هنا


رواية شهد القاسم كامله من هنا


رواية عشق الحور كامله من هنا












رواية بيت العيله كامله


رواية أجبرني على الإنجاب كامله من هنا


رواية صعيدي ولكن عاشق كامله من هنا


رواية زوجتي المصون كامله


رواية تار صعيدي كامله من هنا


رواية اصحاب المزاج من هنا


رواية الرغبه كامله من هنا


رواية وإذا تملكك الهوى


رواية نور عيني كامله


رواية عرف صعيدي كامله


رواية عشقها المستحيل كامله


رواية الصقر الجريح كامله


رواية عذراء علي حافة الهاوية كامله


رواية إعادة حب كامله


نوفيلا نبضي كامله


رواية نجمة القاسي كامله


رواية شهد القاسم كامله


رواية أحببت مصارع الجزء الاول


الجزء الثاني من رواية أحببت مصارع


رواية ضحية زواج كامله


رواية حور الشيطان كامله


رواية ليست خطيئتي كامله


رواية شمس ربحها القيصر كامله


رواية نيران انتقامه كامله


رواية عفريت مراتي كامله


رواية صغيرة رجل صعيدي كامله


رواية عشقت عمدة الصعيد كامله


رواية ست البنات كامله


رواية أحيت قلب الجبل كامله


رواية غنوة الداغر كامله


رواية عشق الأدهم كامله


تعليقات

التنقل السريع
    close