أخر الاخبار

رواية جبر السلسبيل الفصل الاول والتاني والتالت والرابع والخامس بقلم نسمه مالك

 

رواية جبر السلسبيل الفصل الاول والتاني والتالت والرابع والخامس بقلم نسمه مالك 

🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺

❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙❤️

الصفحه الرئيسيه للروايات الكامله اضغطوا هنا  

❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙❤️

🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺

 رواية جبر السلسبيل الفصل الاول والتاني والتالت والرابع والخامس بقلم نسمه مالك 

✍️نسمة مالك ✍️


رواية جبر السلسبيل الفصل الاول والتاني والتالت والرابع والخامس بقلم نسمه مالك 


♥️♥️♥️

"تمهيد"..

مرحباً.. أنا "سلسبيل" دعوني أخبركم بحكايتي العجيبة، اليوم أكثر الأيام سعادة بالنسبة ليِ، اليوم قد مَن الله علي و حررني من سجان لقبوه بزوجي، غمرة قلبي الفرحة حين وصل لسمعي صرخات حماتي "بخيته" المدوية معلنة عن وفاة المدعو "عبد الرحيم" زوجي بكل أسف، رغم إسمه هذا إلا أنه كان بعيد كُل البعد عن الرحمة،


صرخاتها كانت تقطع نياط قلوب من يسمعها، بينما أنا يتراقص قلبي فرحًا، و كم وددت أن اتمايل راقصة على تلك الصرخات،


تزوجته منذ خمسة سنوات، قبض هو و والدته علي عنقي بقبضة من حديد حتي عجزت عن التنفس، و لأول مرة أشعر بالهواء يملئ رئتي بعدما انقطعت أنفاسه هو للأبد و بلا رجعة، وأخيرًا أصبحت حرة..


كُنت أنوي الفرار من سجني هذا دون إنتظار مراسم العزاء، و لكن عائلتي أجبرتني على المكوث حتي تنتهي عدتي لمدة أربعة أشهر و عشرة أيام،


تحملت خلالهم قسوة و جبروت من كانت حماتي، التي أصبحت أشد كرهً ليِ بعد رحيل ابنها، كنت اتغاضي عن جميع أفعالها الحمقاء، لا يهمني سوي انقضاء مدة حبسي بنفاذ صبر حتي أغادر هذا المنزل بأكملة دون رجعه.


و ها قد مر الوقت بشق الأنفس،تنازلت عن جميع حقوقي، حتي ثيابي لم أخذ منها شيء، لا أريد شيء يذكرني بالجحيم الذي عشت فيه، بصقت بكل ما أوُتيت من قوة على تلك الغرفة الحقيرة بشقة حماتي التي كانت تجمعني بمعذبي..


استدارت نحو الخارج عازمة على الرحيل لكن فُجأت ب "بخيته" تقف خلفي مباشرةً، و للعجب لم تكن غاضبة مني بعد رؤيتها لما فعلت، كانت مبتسمة ابتسامة زائفة، و عينيها تشملني بنظرة مستهزءة و هي تقول..

"هل تظني أنكِ ستغادرين من هذا المنزل بتلك السهولة؟!"..


هنا اتسعت ابتسامتي بفرحة ظاهرة على ملامحي التي زادت اشرقًا مؤخراً بشكل ملحوظ، فقد رحل من كان سبب انطفأي، و أجبتها بقوة لم أُعاهدها من قبل..

"بكل تأكيد.. أنا سأرحل من هنا بلا عودة حتي ترتحين مني كما كنتِ تتمنين دومًا"..


أنهيت جملتي، و سرت من أمامها بخطوات واسعة متجهه لباب المنزل المفتوح، شعرت بروحي تنتعش كلما ابتعدت عنها، للحظة شعرت أنني ولدت من جديد..


"أنا طلبت يدك لأبني" عبد الجبار" من والدك، و هو أكثر من مرحب بزواجك منه"..

هكذا أوقفتني" بخيته" بصوتها الخبيث، تسمرت مكاني جاحظة العينين، فاقدة القدرة على الحركة و الحديث كأن السموات السبع سقطت فوق رأسي..


استمعت لصوت خطوات أقدمها البطيئة تقترب مني، و بدأت تدور حولي و هي تقول بنبرة ساخرة..

"تعلمي جيدًا أنني بعد موت زوجك الذي كان ابني الصغير   سأصبح وحيده، لذا اقترحت على إبني الكبير أن يعقد عليكي حتي تظلي هنا معي"..


صمتت لبرهةً و تابعت بستفزاز قائلة..

"و كوني مطمئنة أنتي ستكوني له زوجة على الورق فقط، لأن عبد الجبار كما تعلمي هو متزوج و يقيم مع زوجته و بناته بالقاهرة، و لا يأتي إلى الصعيد إلا نادراً كما رأيتي"..


وقفت أمامها تتأمل وجهها الذي اختفي رونقه، و انسحبت منه الدماء حتي أصبحت شاحبة كشحوب الموتي، و تابعت بابتسامة مصطنعه..

"اليوم كتب كتابك على "عبد الجبار" زينة رجال الصعيد و لن تذهبي إلى أي مكان أخر.. فمن اليوم ستكوني خادمتي إلى الأبد رغمًا عن أنفك يا سلسبيل!!!".. 


انتظرو باقي الحكاية..

حبيت أجرب الفصحي سرد و حوار يا بنات لو حابين أكملها اكتبولي في الكومنتات..

واستغفرو لعلها ساعة استجابة..

الفصل الأول..

جبر السلسبيل..

✍️نسمة مالك✍️..

"سلسبيل" كانت هادئة و هي تستمع لحديث "بخيتة" السام، و كلماتها المُهينه لها، تنعتها بالخادمة بل والأدهي أنها تريدها زوجة لابنها الأخر المُسمي ب "عبد الجبار"!!!


يا الله لقد كان شقيقه يدعي "عبد الرحيم" يعاملها بمُنتهي القسوة، طريقته كانت تصفها بالعذاب مما دفعها تقدم على الأنتحار مرات عديدة خسرت خلالهم حملها مرتين قبل معرفتها حتي بوجوده ،كان لا يتحدث بلسانه مطلقًا معاها، الكثير من الصفعات تتلقاها منه على وجهها طيلة اليوم بسبب و بدون سبب فماذا سيفعل بها شقيقه؟؟..


تبطأت دقات قلبها و شعرت بالفزع، و الرعب يدب بأوصلها جعل جسدها تنخفض درجة حرارته حتي جُمدت أطرافها و أصبحت كالثلج رغم تلك النيران التي تتآجج بصدرها خاصةً بعدما استمعت لجملة أدمت قلبها، و جعلت عبراتها تنهمر علي وجنتيها الشاحبة دون بكاء حين قالت "بخيتة" بسخرية..


"بالك انتي لو خرچتي من أهنه أبوكي هيهملك لحالك تدوري على حل شعرك و تدلي على البندر عند أهل أمك إياك!! .. أخرتك مرات أبوكي هترميكي في الزريبة مع المواشي، و أول ما والدي طلب يدك وافجو عليه طوالي"..


أطبقت عينيها على الفور حين ضربتها ذكريات مؤلمة، تذكرت معاملة زوجة أبيها لها كلما تركت منزل زوجها غاضبه، كانت تجعل والدها يلقنها ضربًا مبرحًا حتي تفقد الوعي بين يدية، لتستيقظ تجد نفسها نائمة داخل الحظيرة أسفل أقدام البهائم، و من ثم تعود مجبرة غير مخيرة لتنجو بحياتها من ضرب والدها المبرح، فصفعات زوجها، و كلمات والدته السامة أرحم بكثير من ضربات سوط والدها الذي يمزق لحمها ..


ارتجف جسدها بقوة حين ربتت "بخيتة" على كتفها أفاقتها من دوامة ذكراها المريرة مردفة بتعقل لا يخلو من صرامتها..

"لو فكرتي في حديتي زين يا مرات والدي هتلاقي چوازك من والدي "عبد الچبار" و جعادك حدايا أهنه رحمة ليكِ"..


مّر الوقت و هي واقفة محلها كالصنم تمامًا بلا حراك، تتابعها "بخيتة" بنظرات جامدة كعادتها،حديثها أصابها بمقتل، تبخرت جميع أحلامها إلى سراب..


رأت نفسها وحيدة لا ظهر لها و لا سند حتي في وجود والدها الذي كان السبب بزيجتها هذه و هي لم تتم عامها الخمسة عشر حتي، و الآن سيزوجها مرة أخرى دون مشورتها ..


...................................... لا حول ولا قوة الا بالله🌼........


توقفت سيارة من الطراز الحديث بعد رحلة سفر استمرت لساعات طويلة من القاهرة إلى الصعيد، أسرع السائق بمغارة مقعده ليفتح الباب ل "عبد الجبار" الذي وصل للتو، كان يجلس بجانب السائق بينما زوجته "خضرا" تجلس بالخلف بجوار ابنتيها "فاطمة، حياة"..


"حمد لله السلامة يا "عبد الچبار" بيه.. نورت الصعيد يا كبير"..

أردف بها السائق بترحاب شديد..


"أنت هتتچوز على أماي يا أبوي؟"..

نطقت بها "فاطمة" ابنته الكبري صاحبة العشر سنوات، جعلته يمد يده و يغلق باب السيارة الذي فتحه له السائق..


شهقت" خضرا" بخفوتٍ، و أسرعت بوضع كف يديها على فم ابنتها مرددة بغضب..

" اجفلي خشمك يابت"..


تمالك "عبد الجبار" أعصابه معبئًا نفسًا عميقًا إلى رئتيه

 قبل أن يلتف لهم ،تحدث بهدوء لا يخفي غضبه المشحون من زوجته و هو يتنقل بنظر بين ابنتيه قائلاً..

" صوح يا فاطمة.. أنا هتچوز الليلة".. نظر لزوجته نظرة جعلت قلبها يرتعد بخوف بين ضلوعها مكملاً بأسف  ..

"الفضل يرچع لأمك وچدتك اللي مسلمتش من زنهم على دماغي واصل"..


"ربنا يتمم لك بخير يا أخوي، و يرزقك من سلسبيل خيتي بالولد اللي يبجي في ضهرك و سند أخواته البنات"..

قالتها" خضرا" بابتسامة دافئة تخفي بها حزنها الذي يفطر قلبها العاشق له،فهي لن تستطيع الإنجاب تانيةً بعدما تعرضت لنزيف شديد بعد ولادة ابنتها الصغري انقذوها منه الأطباء بشق الأنفس..


زفر" عبد الجبار" بضيق، و اصطك على أسنانه بقوة كاد أن يهشمهم، و هو يطلع لزوجته بأعين يتطاير منها الشرر، و من ثم رفع كفه وضعه على مؤخرة رأسها جذبها عليه مغمغمًا بهمس داخل أذنها..

"أنتي خبرة زين أن الچوازة دي هتكون حبر على ورج وبس، و إني مريدش الواد طالما مش منك أنتي يا خضرة، و كفاياكي حديت ماسخ جدام البنات عاد"..


حديثه هذا أثلج قلبها، و جعل الراحة تغزو قسماتها، فمالت على كتفه لثمته بعمق..

"منحرمش منك و لا من حنيتك عليا واصل يا أخوي"..

أردفت بها بخجل بصوتها الحنون الدافئ، ليهديها

"عبد الجبار" ابتسامته نادرة الظهور، و فتح باب السيارة و هبط منها ليظهر ضخامة حجمه، و طوله الفارهه، و قد زادته جلبابه الصعيدي طول و هيبه تليق بملامحه الصارمة، و اضاف لمظهره وقار و حضور طاغي..

فتح باب السيارة الخلفي لعائلته الصغيرة بنفسه، و سار أمامهم بخطوات واثقة نحو منزل والدته..

....................................... سبحان الله العظيم 🌼..

"بخيتة"..

فرت راكضة تحتمي خلف إحدي الارائك المحطمة، و هي تردد بصراخ مذعور..

"يا مري.. أنتي اتچننتي يا بت البندرية"..


كانت "سلسبيل" بحالة من الانهيار التام بعدما وصل غضبها لذروته بسبب حديث "بخيتة" الجارح،  بدأت تحطم كل ما تقع يديها عليه، و تصرخ بجنون مرددة..

"أنا ما صدقت خلصت من قرفك أنتي و ابنك.. تقومي تطلبي أيدي من أبويا للعملاق ابنك اللي أكبر مني بخمستاشر سنه لييييييه يا وليه يا بنت المفترية"..


"بخيتة" بصدمة.. "وه وه وه بتشتميني كمان يا بت المركوب"..


"انا مش هشتمك بس.. لا دا أنا هعملك عاهة مستديمة و ادخل فيكي سجن الحكومه هيبقي أرحم من أبويا و من سجنك أنتي و ابنك".. 

قالتها  "سلسبيل" بصراخ و هي تجذب يد خشبية من إحدي المقاعد بعدما قامت بتحطيمها، و ركضت بها نحو "بخيتة" و همت بضربها بالعصا على رأسها بكل قوتها، و لكن يد قوية قبضت على معصم يدها فجأة، و صوت يصيح بحدة،و هو يتطلع فيها مدهوشًا ..

" أنتي يومك أسود.. دي حياتك كلها هتبجي سودة"..

قالها "عبد الجبار" بغضب عارم، و تقابلت عينيه بعينيها  للمرة الأولى ثم قال بصوتٍ أجش..

"أمي عندها حج أنتي صحيح حرمة جليلة الرباية، و أني هعلمك الأدب على يدي "..

الفصل الثاني..

جبر السلسبيل..

✍️نسمة مالك✍️..


أيقنت "سلسبيل" أنها ستلقي حتفها اليوم لا محالة، بعدما شعرت بألم مبرح بسبب قبضة "عبد الجبار" على معصمها حتي وصل لسمعها صوت تكسير عظامها من قوة ضغطه على يدها الصغيرة جدًا بين قبضته الفولاذية..


استرخت عضلات جسدها المتشنجة أثر غضبها العارم، و انقطعت أنفاسها وهي ترفع رأسها ببطء 

كانت مضطرة أن تتطلع لأعلى حتى تصل لوجهه، فقد كان طويل القامة و ضخمًا بصورة مخيفة،


أرتعد بدنها من نظرته التي تصعقها، و صوته الغليظ الجاف جعل الدماء تنسحب من عروقها حتي بهتت ملامحها من شدة خوفها،


الخوف كان دومًا رفيقًا لها طيلة حياتها، أما في تلك اللحظة، و هي واقفة أمامه مباشرةً شعرت بخوف جديد عليها كليًا، خائفة من هيبته، ضخامة بنيته التي تفوقها أضعاف مضاعفة جعلتها كعصفور مبتل وقع بين أنياب فك مفترس سيلتهمها حية بعظامها، لكنها استجمعت شتات نفسها، و رسمت قوة زائفة على محياها المرتعدة..


"أنا مش قليلة الرباية.. أنا طول عمري محترمة و شايلة أمك و أخوك رغم معاملتهم ليه اللي مترضيش ربنا"..

همست بها "سلسبيل" بصوت تحشرج بالبكاء، ارتجفت شفتيها بل ارتعش جسدها بأكمله و أطلقت آهة خافتة و هي تحاول جذب يدها من بين كفه الضخم مكملة بضعف..

"أنا شربت المُر في بيتكم و عرفت معنى الذل، و لما قولت أخيراً هترحم من العذاب اللي أنا فيه القي أمك تقولي إنك طلبت أيدي من أبويا علشان أبقى خدامة ليها!!!"..


ساد صمتٍ آخر، بقى"عبد الجبار" خلاله يرمقها بنظراته الثاقبة.. إلى أن قال مادًا عنقه للأمام قليلًا يحذرها و يرهبها في آنٍ واحد..

"جولك ده ميعطكيش الحج تتهچمي على ست كبيرة في مجام والدتك!!"..


"مش جولتلك على عمايلها السودة.. شوفتها بعينيك بتشندل أمك شنديل.. أضرُبها على خشمها يا "عبد الچبار"

غمغمت بها "بخيتة" ببكاء مصطنع، و هي تهجم على "سلسبيل" فجأة و تصفعها بقوة على وجهها دون سابق إنظار مكملة بقسوة..

"اتفرعنت من قلة ضرب المركوب بنت الفرطوس"..


لم تتفاجئ "سلسبيل" بضرب "بخيتة" لها بل كانت أخذه وضع الأستعداد،رفعت ذراعها الأخر بحركة دفاعية تحمي به وجهها أمام أعين "عبد الجبار" المنذهلة من رد فعلها، و ملامح وجهها الجامدة التي تجاهد بصعوبة حتي لا تبكي،


كانت نظرتها ذائغة و هي تتنقل بعينيها بينه و بين والدته و قد ظنت أنه سيهجم عليها و يلقنها علقة ساخنة كما كان يفعل معاها شقيقة حتي يطفئ غضب والدته، و بعدما ينتهي من ضربها يحملها على كتفه، و يسير بها نحو غرفتهما و ينهال عليها بنوع أخر من العقاب المميت لروحها، و أنوثتها،


شحبت ملامحها كشحوب الموتي، بدأت ترتجف بشكل ملحوظ، و تصطك على أسنانها بقوة، 

هنا خفف قبضة يده حول معصمها، و جذبها برفق أصبحت واقفة خلفه ظهره،كم كانت ضئيلة للغاية بالنسبة له حتي أنه اخفاها تمامًا عن والدته التي ثارت بجنون و بدأت تدفعه بشراسة حتي تتمكن من الوصول لتلك الصغيرة المختبئة خلف ظهره.. 

" كفياكِ عاد يا أمه"..قالها و هو يسيطر على حركتها الهستيرية بأحتضانه لها مقبلًا جبهتها قبلة مطولة..

"همليها لحالها خليها تغور من أهنة.. أني معيزهاش بعد اللي حُصل"..


تراقص قلب "سلسبيل" فرحًا و ظهرت شبه إبتسامة على قسماتها حين استمعت لجملته هذه، و لكن تلاشت ابتسامتها حتي اختفت و حل مكانها الفزع حين تحدثت "بخيتة" وفهمت هي مخزي حديثها هذا.. 

"صُح حديتك يا والدي..خليها ترجع لأبوها و مرته"..

نطقت بها "بخيتة" بخبث فهي تعلم جيدًا أن والدها سوف يعود إليها بها مكبلة اليدين و القدمين بعدما ينتهي من ضربها كعادته، ابتسمت بصطناع و هي تمد يدها و تدفعها بكتفها دفعة سقطت على أثرها أرضًا..

"غوري من أهنة.. جبر يلم العفش"..


أسرعت" خضرا" التي كانت تقف بعيدًا عنهم تتابع ما يحدث بنظرات حزينة على ما تفعله حماتها بتلك الصغيرة، هرولت نحوها و مالت عليها تأخذ بيدها لتساعدها على النهوض مرددة بنبرة حانية..

"جومي يا خيتي"..


تحملت "سلسبيل" على نفسها، و وقفت ثانيةً بمساعدة "خضرا"، تنفست الصعداء و هي تسير بخطي غير متوازنة نحو الخارج، و قد حسمت قرارها أنها ستفر هاربة من البلد بأكملها، و تبحث عن عائلة والدتها بمحافظة المنصورة، كادت أن تصل لباب المنزل إلا أن صوت بخيتة أوقفها مكانها بأمر ..


"أستنى أهنة"..نظرت لابنها و تابعت..

"سلمها بيدك لأبوها يا عبد الچبار لتُهرب على البندر زي ما عملت جبل سابق و تچبلنا وچع الدماغ"..


تهاوي جسد "سلسبيل"بعدما أغلقت بوجهها كل طرق النجاة، و شعرت أن أقدامها لم تعد تحملها و هي تتخيل ما سيفعله بها والدها و زوجته، ، سقطت أرضًا على ركبتيها و بدأت تبكي بصوت أشبه بالصراخ مرددة..

"حرام عليكي.. أنتي بتعملي فيا كل ده ليه.. أنا عملتلك اييييه.. منك لله.. حسب الله ونعمة الوكيل فيكي أنتي وابنك"..


جن جنون "بخيتة" و همت بالهجوم عليها لولا يد "عبد الجبار" التي تمنعها..

"عملنا فيكي أية علشان تدعي عليا أنا و ابني اللي بجي بين ايدين اللي خلقه يا وكلة ناسك".. 

بينما"خضرا" تجلس جوارها، تربت على ظهرها بحنان بالغ، و انفجرت باكية من شدة تأثرها حين رأت" سلسبيل" تنظر لزوجها نظرة متوسلة و تهمس بصعوبة من بين شهقاتها..

"متودنيش لأبويا هيرميني في الزريبة و يقلعني هدومي ويضربني بالكرباك و أمك عارفة كده كويس"..


جحظت أعين "عبد الجبار" على أخرها، و شلته الصدمة عندما زحفت "سلسبيل" راكضة حتي وصلت أسفل قدميه و تمسكت بكلتا يديها بثيابه، و رفعت رأسها تنظر له بعينيها التي تذرف عبراتها بغزارة مكملة بجملة أعتصرت قلبة على حين غرة..

"أدفني مع أمي حية بس متودنيش لأبويا أبوس رجلك"..


الفصل الثالث..

جبر السلسبيل..

✍️نسمة مالك✍️..


انقضي النهار سريعًا، و أسدل الليل ستائرة السوداء ، كانت "سلسبيل" عادت مجددًا لغرفتها التي تبغضها، و تشعر بالاختناق فور دخولها..


عادت لها بعدما توسلت ل "عبد الجبار" حتي لا تعود لوالدها، و الآن هي في إنتظار قراره الذي تأخر لساعات طويلة و هي حبيسة دون طعام أو شراب ، أنتهزت "بخيتة" انشغال إبنها بالحديث مع الغفر، و دفعتها بعنف و أغلقت عليها الباب بالمفتاح مثل العادة،


تركتها وحيدة تدور حول نفسها كالمهرة الحبيسة، كم تتمني لو تُتيح لها الفرصة و تستطيع الهروب من هذا المنزل بل من البلد بأكملها، حينها لن تعود مطلقًا مهما حدث..


"يارب ساعدني أنا مليش غيرك".. ترددها بقلب ملتاع بلا توقف، كان التعب ظاهر على ملامحها المجهدة،خاصةً معصم يدها التي كانت بين قبضته، بدأ الألم يزداد و يتدافع بها جعل العبرات تغزو عينيها، لكنها كعادتها تكبح دموعها، تعلمت تتأقلم مع ألامها..


و بالرغم كل ما تمر به إلا أن الإبتسامة وجدت طريق نحو شفتيها حين تذكرت أن ذلك العملاق أبي أن يمد يده عليها، بل ادهشها دفاعه عنها عندما أخفها خلف ظهره، وقتها تمنت لو تظل هكذا طيلة عمرها، تحتمي برجل يكن لها بعد الأهل أهل..


أطلقت زفرة نزقة من صدرها، حتمًا سيزول كل هذا الألم يومًا، تثق في قدرة الله، و تنتظر العوض الجميل بعد الصبر الطويل، 

لم تجد أمامها سوي النوم، السبيل الوحيد الذي يفصلها عن واقعها المرير و لو قليل، جذبت إحدي الأغطية و قامت بوضعها على الأرض و ارتمت عليه رغم وجود سرير، إلا أنه يذكرها بما عانته مع زوجها السابق، منذ رحيله و هي لا تقربه،


احتضنت جسدها بيدها بوضع الجنين، و أغلقت عينيها غارقة في نومٍ متعب لا يخلو من كوابيسها المفزعة..


................................. لا إله إلا الله 💐...........


"عبد الجبار"..


بعدما تناول الغداء التي أعدته "سلسبيل" بيدها قبل حضوره، دلف برفقة زوجته داخل غرفتهما التي قامت "سلسبيل" أيضًا بتنظيفها لهما بنفسها بأمر من "بخيتة"..


"البنته وچعت جلبي جوي يا أخوي.. أُقف چنبها يا عبد الچبار دي وليه و أحنا حدانا ولاية"..

أردفت بها" خضرا" بصوتها الحنون، و هي تساعده على أرتداء جلبابه..


مد "عبد الجبار" يده و أخذ عبايته من على كتفها، وضعها حول كتفيه مغمغمًا..

"إني شيعت لأبوها مع الغفير يچيني أهنة هتحدد معاه لول و أنهى موال الچواز، و بعد أكده ياخد بته في يده"..


شهقت "خضرا" و ضربت على صدرها بكف يدها و هي تقول..

"يا مري يا عبد الچبار.. هترچعها لأبوها اللي بيُضربها بالكرباچ؟!" ..


نفخ بضيق، و رمقها بنظرة غاضبة مردفًا..

" خضرا و بعدهلك عاد ..قعدتها أهنة ملهاش عازة.. أني مهتجوزش عليكي.. تبجي ترچع بيت أهلها مع أبوها اللي عمره ما هيضر بته"..


لمح لمعة عينيها تدل على فرحتها التي غمرت قلبها، و إضاءة وجهها ذو الملامح الرقيقة، و اللون الخمري..

"بس أمه بخيتة هتزعل منِك يا أخوي.. هي ريدَك تتچوازها"..


"ملكيش صالح بأم عبد الچبار أني هتحدد معاها هي كَمان"..

غمغم بها و هو يقترب منها و يتوق خصرها بذراعيه، و مال عليها قاصدًا و جنتيها لثمها بقبلة عميقة مكملاً..

"مافيش حُرمة تملي عيني غيرك يا خضرا"..


"إلهي يخليك ليا و لا يحرمنيش منِك واصل "..

همست بها بستحياء و هي تندس بين حنايا صدره غالقة عينيها تنعم بالراحة لبرهةٍ، و لكن قلبها يملؤه الخوف، و القلق من رد فعل حماتها بعد معرفتها بقرار زوجها..


كل هذا الحديث أستمعت له "بخيتة" الواقفة أمام غرفتهم، واضعة أذنها على الباب تستمع بتركيز لكل حرف يُقال..

" سحراله.. ساحرة لوالدي يا خضرا يا بت نفيسة، و إني هچوزه عليكي و أفك سحرك يا وش الشوم"..


"يارب يا ساتر.. يا أهل الله يلي أهنة"..

كان هذا صوت "محمد القناوي" والد "سلسبيل" الذي وصل للتو و دلف لداخل المنزل برفقة إحدي الغفر عبر الباب الذي يكن دومًا مفتوح..


هرولت" بخيتة " بخطوات مسرعة تجاه مصدر الصوت، و قد التمعت برأسها إحدي أفكارها خبيثه، و عزمت على تنفيذها..

" يا مُرحب يا قناوي"..

قالتها "بخيتة" بصوتها الصارم، بعدما دلفت بهيبتها مستندة على عصاها الخشبية، فهي تمتلك قامة طويلة و جسد ممتلئ بعض الشيء، لتستطرد دون أن تمنحه فرصة للرد..

"والدي چابك انهارده علشان تاخد بتك في يدك من أهنة.. خلاص چوازة بتك من أبني الكبير مبقاش ليها عازة عندينا"..


نظر لها بصدمة و هو يقول مستفسرًا..

" ايه اللي حُصل بس يا حاچة.. عملت أيه بنت المركوب زعلك مننا أكده.. قوليلي و أنا اقطعلك من لحمها، و أخليها تحب على يدك و يد عبد الچبار بيه كُمان"..


شعرت" بخيتة " بانتصار و قد نالت مرادها، فازادت من إشعال نيران غضبه تجاه ابنته حين قالت..

" بتك ناقصة رباية، و غلطت في حجي غلط كبير تستاهل عليه قطع رقبتها يا قناوي"..


برزت عروق" قناوي" بخطورة، و قد وصل غضبه لزروته، و تحدث بهدوء ما قبل العاصفة..

" هعيد ربيتها من أول و چديد و أرچعلك بيها تحب على رچلك قبل أيديكي يا ست الناس"..


"لو أكده ممكن أرضى عنِها، و رضا والدي من رضايا.. وقتها أني هقنعه يتتم چوازه من بتك".. أردفت بها و هي تشير له تجاه غرفة أبنته، و تابعت بأمر..

"هم جوام خدها و مشي قبل ما والدي ينزل.. لو اتحدد معاك دلوجيت يبجي مافيش رچعة في حديته.. حجي يرچع لول بعدها تتحدد وياه"..


"اللي تؤمري بيه يا حاچة".. قالها" قناوي" و هو يسير نحو غرفة أبنته و قام بفتح الباب عبر المفتاح الموضوع به، دلف للداخل بخطوات غاضبة، و دون سابق إنذار كان مال على تلك النائمة تصارع إحدي كوابيسها التي لم تخلي من تعذيبه لها، و قبض على عنقها، و بدأ يكيل لها لكمات متتالية دون رحمة..


هكذا أيقظها جاحظة العينين و قد تحقق أبشع كوابيسها برؤيتها له الآن ..

"الرحمة يا أبوي.. هموت في يدك"..همست بها و هي تلتقط أنفاسها بصعوبة بسبب ضغط يده على عنقها..

"اكتمي يا واكلة ناسك"..

نطق بها و هو ينتصب وقفًا ساحبها معه، وسار بها للخارج و هي تبكي بحرقة و تدور بعينيها تبحث عن هذا الظهر الذي أخفاها خلفه من قبل، حتي أستمعت لصوت حمحمته تقترب، كادت أن تصرخ بأسمه إلا أن كف والدها كمم فمها بعنف، و همس بأذنها بتهديد جاد..

"أكتمي لشق جلبك دلوجيت يا هاملة"..

رمقته بنظره تخبره بها أن قلبها مملوء بطعناته القاتلة، توقفت عن مقاومته و قد استسلمت لقدرها، و سارت معه بخطوات مهرولة حافية القدمين و كم تمنت أن تلقي حتفها على يده هذه المرة..


"هو قناوي كان أهنة يا أمه؟"..

قالها "عبد الجبار" بتساؤل.. لتجيبه" بخيتة" بأمأه من رأسها و هي تقول ..

"خد بته و توك ماشي"..


اعتلت الدهشة ملامحه و تحدث بغضب قائلاً..

"وه كيف ياخدها، و يمشي لحاله أكده؟!"..


"بخيتة".. "أباي عليك يا عبد الچبار مش أبوها يا والدي.. هو راچل غريب، و أنت قولت ماريدهاش يبجي تغور من أهنة"..

رسمت الحزن على ملامحها الماكرة مكملة..

"فرقها صعبان عليا ولا أكنها بهيمة من بهايمي بعد كل عمايلها المقندلة معايا"..


ارتفع حاجبين" عبد الجبار" بتعجب مرددًا..

" بهيمة أيه بس يا أمه!!! "..


" بخيته" بعبوس..

" أيوه قولت هتبجي مننا و أني عرفتها و هي كمان عرفت طبعي و عوايد الدوار حدانا بدل ما تتچوز واحده منعرفهاش و تبجي غريبة عليا.. قصروا منعلمش النصيب مخبي أيه يا والدي..و لو على العرايس في ياما تنجي اللي تعچبك"..


"أني مش هتچوز على خضرا يا أمه و ده أخر القول"..قالها"عبد الجبار " بنفاذ صبر جعلها تصطك على أسنانها بغيظ شديد، و كادت أن تُصاب بشلل حين تابع بصوته الصارم..

" و أرملة أخوي ليها حق عندينا في ورث چوزها أني هقدروا و أشيعه لحد عنديها"..


أنهي جملته و سار من أمامها مغادرًا المنزل بأكمله، لا يعلم لما يشعر أنه خذل تلك ال" السلسبيل"، يتسأل بداخله لو كان حديثها صحيح عن عذاب والدها لها فلما سارت معه دون أن تستغيث به؟..


...............................................لا حول ولا قوة الا بالله 💐....


كان الوقت فجرًا، لحظات ظلام الليل الأخيرة، الجميع نيام، و الهدوء سيد الموقف..


أستيقظت "خضرا" على صوت أنين زوجها، مدت يدها لمفتاح الإضاءة الخافتة بجوارها ضغطت عليه، و اعتدلت جالسة تنظر تجاهه مردفة بلهفة..

"عبد الچبار أصحى يا أخوي"..


"لااااااااا بعد عنِها".. صرخ بها فجأة و هو يهب من مرقده مذعورًا..


"بسم الله الحفيظ.. ده باينه كابوس واعر جوي"..

أردفت بها "خضرا" وهي تسكب له كاسة مياه، و تساعده على تناولها، و يدها تربت على ظهره مرددة بسرها بعض الآيات القرآنية..


كان" عبد الجبار " ملامحه جامدة، ينظر للفراغ بشرود، فاق من شروده حين همست "خضرا" قائلة بابتسامة باهته..

"شوفت سلسبيل مش أكده"..


تطلع لها مدهوشًا و هم بالرد عليها إلا أنه استمع لصوت طرقات عنيفه متتالية على باب المنزل جعلته يغادر الفراش مهرولاً..


"مين هيچينا دلوجيت".. قالتها" بخيتة " التي قابلته فور خروجه من غرفته رغم معرفتها الإجابة..


"مخبيرش يا أمه"..

قالها" عبد الجبار " و هو يتخطاها و يندفع تجاه الباب، و فتحه مسرعًا ليصعق من هول ما رأي..


كان يقف "قناوي" أمامه بفخر و كأنه حقق أكبر إنجازاته ..

"أني مرضيتش استني لشروق الشمس و قولت اچيب

 بتي تحب على رچل الحاچة الكبيرة ".. 

، بينما "سلسبيل" ملقاه أرضًا بحالة يرثي لها تنزف الدماء من جميع جسدها، مكبله يديها بقدميها بسوط غليظ هيئتها كانت كما رأها في حلمه تمامًا..


الفصل الرابع..

جبر السلسبيل..

✍️نسمة مالك✍️..


صرخات متتالية لا تنقطع، توسلات حارة تابعها ندم شديد لا و لن يجدي نفعًا على الأطلاق مع هذا الثائر.. الغاضب حد الجنون، كاد غضبه أن يحرق الأخضر و اليابس، ممسك بيده السوط الغارق بدماء تلك  "سلسبيل" يعاقب به معذبها على فعلته الحمقاء بحق ابنته، رغم أنه لم يعد يصدق أن هذا المُجرم يكن والدها بعد ما فعله بها،


كلما تذكر هيئتها الدامية و هو يقوم بفك قيدها بنفسه ليتمكن من حملها بين يديه، كان جسدها ممزق حرفيًا من قوة و عنف ضربات الكرباچ على جلدها الرقيق، آهاتها الخافتة التي تقطع نياط القلوب، و تُبكي الحجر، و الأدهي من هذا همسها الضعيف بأسمه الذي وصل لقلبه قبل أذنه..


حالتها كانت و مازالت صعبة للغاية، لها أكثر من أسبوع فاقدة الوعي تمامًا، تفيق للحظات معدودة، و تغرق ثانيةً بأغماء أشبه بالغيبوبة، تحيا على المحاليل الطبية فقط و بين الوعي و اللاوعي تردد دائمًا حروف أسمه..


أطبق عينيه التي تتآجج منها نيران الغضب حين شعر

أنه مُدان لخاطرها بألف اعتذار، لكن ماذا عساه أن يفعل لها؟! ، هو رجل مكتفي بزوجته الخلوقة، يكن لها مقدار كبير من الحُب و الإحترام و لن يكون سبب جرح قلبها مهما حدث،بينما هناك في مكان ما بقاع قلبه جمرات صغيرة تزدهر سريعًا، و يزداد لهيبها، لهيب يسمي العشق.. 


"أعطيني بتي يا عبد الچبار بيه و هملنا لحالنا"..

قالها "قناوي" بأنفاس متهدجة، و صوت مبحوح أثر صرخاته المتواصلة..


"دلوجيت افتكرت أنها بتك يا عديم الرچولة"..

أردف بها و هو يقترب منه حتى توقف أمامه مباشرةً ليظهر فرق الطول الشاسع بينهما، انكمش "قناوي" بخوف من هيبته، و ضخامة جسده القوي، و ذراعيه المعضلة..


 "أنت هتغور لوحدك من أهنة، ملكش بنات عندِنا، و لو عُدت مرة تانية هطُخك بالنار، و أنت خابر زين حديت عبد الچبار المنياوي "..أردف بها بصوت جوهري حاد، و هو يقبض على عنقه بكف يده كاد أن يزهق روحه..


جاهد "قناوي" و تحدث بصعوبة بصوت مرتجف متقطع..

" يا بيه أهمل بتي ليك كيف و أنت جولت مريدش چوازك منِها.. أكده الناس تاكل وشي، و أبجي مسخرة وسط الخلق"..


دفعه" عبد الجبار " بعنف، و أخذ يفكر في حديثه للحظات، و َمن ثم أجابه بتعقل، و نبرة لا تحمل الجدال..

"بتك ليها حق في ورث چوزها اللي هو أخوي الله يرحمه، و هتقعد في حقها معززة مُكرمة، محدش يقدر يمسها بكلمة واحدة طول ما هي في حمايتي"..


جحظت أعين" قناوي" بذهول مرددًا..

" أفهم من أكده إن سعادتك هتعطي بتي حقها في أرض چوزها و ماله، و الدوار، و شغله اللي في مصر وياك كمان!!!"..


"وه كُنت فاكرني هاكل حق الولاية و لا أيه يا واكل ناسك أنت "..

غمغم بها و هو يجذبه من ياقة جلبابه، و سحبه خلفه دفعه لخارج أسطبل الخيل الذي كان يحتجزه داخله دفعه أطاحت به أرضًا مكملاً بأمر..

" غور من قدامي.. معيزش أشوف خلقتك مرة تانية أهنة "..


" الله يعمر بيتك يا عبد الچبار بيه.. يا أصيل يا ولد الأصول.. يلي هتقعد بتي في ورثها "..

ظل يرددها" قناوي" بصوت مرتفع، و فرحة غامرة ظاهرة على وجهه الملطخ بالدماء بسبب الضرب المبرح الذي تعرض له، يريد أن يستمع لحديثه كل أهل البلد ليكون هذا مبرره بترك أبنته بمنزل أهل زوجها المتوفي..


بينما ظل" عبد الجبار " يقف مكانه يتابعه بشرود، و قد أدرك خطورة الوضع الذي أصبح فيه، فوجودها هنا بمثابة سكب الزيت فوق الجمرات المشتعلة بقاع قلبه..


.............................. لا إله إلا الله 💐...................


"سلسبيل"..

كلما أستعادة وعيها تجد "خضرا" تجلس بجوارها، تربت على شعرها تاره، تبكي على حالها تاره، تقرأ لها بعض الآيات القرآنية تاره أخرى،


ظلت ترعاها بنفسها بكل طيب خاطر تحت نظرات "بخيتة" المغتاظة، و كلماتها المسمومة التي تلقيها على سمعها، لكنها لم تتركها بمفردها بأذن من زوجها، أظهرت معدنها الأصيل، و رونق قلبها الصافي،عاملتها كما لو كانت بنت من بناتها..


و أخيرًا بدأت تستعيد عافيتها، و رمشت بأهدابها الكثيفة قبل أن تفتح عينيها الذابلة، تنظر حولها بنظرات مرتعدة،تسارعت نبضات قلبها،تلاحقت أنفاسها وقد ظنت لوهلة أنها مازالت بمنزل والدها.


تنفست الصعداء حين لمحت "خضرا" تجلس بجوارها على الفراش مستنده برأسها على يدها، و قد غلبها النعاس.. 

"أبلة خضرا".. همست بها "سلسبيل" بصوتها الضعيف، لكنه وصل لسمع تلك الحنونة، فنتفضت مسرعة تتفحصها بلهفة و هي تقول بفرحة..

" أنتي فوقتي يا خيتي"..


أرغمت "سلسبيل " نفسها على الابتسامة لها، و رسمت قوة زائفه على ملامحها الحزينة، و حاولت تعتدل جالسة.. لتسرع "خضرا" و تساعدها برفق، و تضع لها الوسائد خلف ظهرها بوضع أكثر راحة مدمدمة..

"أيوه أكده شدي حيلك و فوقي يا خيتي، و إني هچيبلك أحلى وكل من عمايل يدي يرم جتتك "..


جاهدت "سلسبيل" حتي تتحكم بعبراتها التي تغزو عينيها و هي تقول بامتنان.. "متتعبيش نفسك أكتر من كده يا أبلة خضرا.. كفاية كل ما أفتح عيني بلاقيكي جنبي" ..


صمتت لبرهةٍ تلتقط أنفاسها، و تابعت بتنهيدة مُتعبة..

" أنتي أول واحدة تعاملني بحنية كده بعد أمي الله يرحمها مع إنك المفروض تكرهيني علشان كنت هبقي دورتك"..


هنا بكت "خضرا" و ضمتها لصدرها بحنان بالغ، يدها ترتب خصلات شعرها الحريرية المشعثة..

"جلبي عليكي يا بتي.. لساتك أصغيرة على المرار و الغُلب ده كله"..


أستكانت "سلسبيل" بحضنها، عينيها تذرف العبرات دون بكاء، و ابتسامة باهته تزين شفتيها المزمومة، و قد تذكرت حضن والدتها التي حُرمت منه إلى الأبد منذ سنوات، و من حينها لم يحنو عليها مخلوق بعدها..


" أنا مش عايزة أخد منك جوزك يا أبلة خضرا والله.. و في نفس الوقت مش عايزه أرجع لأبويا، و مش عارفة أعمل أيه و لا أروح فين"..

قالتها "سلسبيل" بصوتها المُجهد، و ابتلعت ريقها و تابعت بجملة جعلت شهقات "خضرا" تزداد..

"أنا كنت بتمني أموت في أيد أبوي المرادي.. كنت هروح عند ربنا و أرتاح من عذابي ده"..


" بعيد الشر عليكي يا خيتي.. متقوليش اكدة مرة تانية"..

قالتها" خضرا" و هي تربت على صدرها بكف يدها، و تابعت بنبرة مُطمئنة..

"متشليش هم واصل.. أني اتحدتت مع عبد الچبار و قالي إنك هتقعدي حدانا في حقك"..


"حقي!!!"..غمغمت بها و هي تبتعد عن حضنها، و تنظر لها بعدم فهم، فتابعت" خضرا" بابتسامة و هي تزيل عبراتها..

" أنتي ليكي حق في ورث چوزك الله يرحمه.. و عبد الچبار قالي أقولك لو ليكي غرض تنزلي معانا مصر تقعدي حدانا في ورث چوزك يا مُرحب بيكي.. و لو رايده تاخدي حقك مال هو هيقدروا و يدفعلك حقك وزيادة كمان"..


تهللت أسارير "سلسبيل" عندما علمت أنهم سيأخذونها معاهم إلى مصر، هذا كل ما تريده، لا تريد الورث، و لا المال.. تريد حريتها فقط حتى تستطيع البحث عن عائلة والدتها..

" بجد يا أبلة خضرا هتاخدوني معاكم مصر؟!"..


فرحة" خضرا" لفرحتها، و احتضنت و جهها بين كفيها مردفة..

" إحنا كنا ناوين نقعد يومين اهنة و نعاود علشان مشاغل أبو فاطمة ياما.. و قعدنا كل الوقت ده لخاطرك يا ست البنتة..قولنا نستنى نطمن عليكي و تبقي زينة و نعاود طوالي"..


تحاملت" سلسبيل " على نفسها و غادرت الفراش بخطي مترنجحة و هي تقول بفرحة غامرة..

"أنا بقيت زينة أهو يا أبلة خضرا.. خدوني معاكم و خلينا نمشي من هنا قبل ما أبوي يجي ياخدني تاني الله يخليكي"..


اقتربت منها" خضرا " بخطوات مهرولة، و ساندتها قبل أن تسقط أرضًا بسبب عدم اتزان جسدها الهزيل..

"على مهلك عاد يا بتي.. خليني أوكلك لقمة تقويكي لول، و بعد أكده هتحدد مع عبد الچبار و أقوله إنك بقيتي زينة"..


حديثهم هذا بأكملة أستمعت له" بخيتة " الواقفة على باب الغرفة تتجسس كعادتها الحمقاء، تصطك على أسنانها بغيظ، و قد إذداد غضبها منهما أضعاف مضاعفة..

"فاكرة نفسها ست الدار خضرا بنت نفيسة و بتتحدد على هواها.. الله في سماه لطين عيشتك يا خضرا و ما هيرتاح ليا بال إلا و إني مچوزة ولدي عليكي"..


انتفضت راكضة حين أستمعت لصوت حمحمة "عبد الجبار" يعلن بها وصوله، و سارت متجهه نحوه بخطوات غاضبة و هي تقول..

"معقول الحديت اللي چاني ده يا عبد الچبار.. أنت صُح هتاخد اللي ما تتسمي سلسبيل معاك على مصر!!! "..


أجابها" عبد الجبار " بهدوء أغضبها أكثر..

" أيوه يا أمه.. و انتي كمان هتيچي معانا.. أني مههملكيش لحالك اهنة بعد أكده واصل"..


"بخيتة" بغضب، و صوت عالِ وصل لسمع" سلسبيل " جعل قلبها يسقط أرضًا من شدة خوفها.. "تيجي معانا بصفتها أيه العقربة دي.. لا هي مرتك، و لا أنت رايد تعقد عليها.. تبقي تسافر معانا ليه يا ولدي.. ارميها لأبوها و غورها من أهنة ملناش صالح بيها عاد"..


نظر لها" عبد الجبار " قليلاً نظرة جامدة، بينما "سلسبيل " تنتظر رده عليها بنفاذ صبر، و أنفاس متهدجة، و قد بدأ جسدها يرتجف بقوة بعدما انسحبت الدماء من عروقها تاركة وجهها شاحب من شدة فزعها.. 


" عبد الجبار " بعقلانية.. "أنتي خابرة زين أني لو رچعتها لأبوها هيقتلها من قسوته عليها"..


"ما يقتلها و إحنا أيه خاصنا بيهم"..قالتها "بخيتة" بجحود جعلت "عبد الجبار" يحرك رأسه بيأس من طباعها مردفًا بأسف.. 

"طول عمري بقول عليكي قوية يا أمه.. بس قوتك المرادي بقت جبروت"..


سار من أمامها متجهه نحو زوجته التي خرجت للتو من غرفة" سلسبيل " تاركة بابها موارب قليلاً، و تابع بصرامة قائلاً..

"نهاية القول أرملة أخوي في حمايتي من انهارده يا أمه من غير ما اتچوازها.. لأني متچوزش ست الحريم كلياتهم.. 

و سلسبيل هترچع معانا على مصر وقت ما تقوم على حيلها و تبقي زينة "..


أنهى جملته و اقترب من" خضرا" الواقفة تنتظرة بابتسامة هائمة تزين ملامحها الطيبة التي أضاءتها الفرحة بحديث زوجها، لف يده حول كتفيها و سار بها تجاه غرفتهما المقابلة لغرفة ابناتيهما التي أصبحت تمكث بها" سلسبيل" مؤخرًا، فتح الباب و دلف بها للداخل، و هو يميل عليها يحاوط خصرها بكلتا يديه ضمها له بعناق محموم ظهرها مقابل صدره غالقًا الباب خلفهما بقدمه..


كانت "سلسبيل" تتابعهما بأعين منذهلة،  لم تري بعمرها الذي لم يتعدي العشرون عام رجل يحتضن زوجته، رغم أنها كانت زوجة لخمسة أعوام لكنها لم تجرب هذا العناق خلالهم ولا مرة..


اعتلت ملامحها ابتسامة خجوله حين رن بأذنها أسمها بصوته الذي لمس شيء بداخلها شديد الحساسية، فاغمضت عينيها ببطء و هي تهمس بأسمه هذه المرة و هي بكامل وعيها ببوادر إعجاب..

"عبد الچبار"..


الفصل الخامس..

جبر السلسبيل..

✍️نسمة مالك✍️..


أشرقت شمس نهار يومًا جديد،استيقظ الجميع منذ بكرة الصباح يجمعون أغراضهم إستعدادًا للسفر برفقة "عبد الجبار" إلى مصر، بينما "سلسبيل" لم تأخذ شيء معاها مطلقًا،حتي إنها قامت بخلع ثيابها البيتيه بأكمالها، و ألقتهم بالقمامة ، و ارتدت عباية سوداء كبيرة للغاية على جسدها الصغير و حجاب من نفس اللون أخذتهم من "خضرا" ، لا تريد أخذ شيء من هذا المنزل يذكرها بما عانته، و قد حسمت قرارها فور خروجها منه لن تعود إليه مرة أخرى، بل لن تعود إلى البلد ثانيةً..


كان قلبها يرفرف بفرحة غامرة بين ضلوعها، كالطير الحبيس لسنوات داخل غرفة مظلمة ، و أخيرًا رأي شعاع نور الحرية عندما صعدت برفقتهم سيارة "عبد الجبار" المجهزة لسفر المسافات الطويلة ،لسوء حظها جلست بجوارها "بخيتة" بينما جلست "خضرا" خلفهما بجانب أبنتيها، و جلس "عبد الجبار" كعادته بجانب السائق، يتابعهم عبر المرآة بأعين كعيون الصقر..


لم تبالي "سلسبيل" لنظرات "بخيتة" الحارقة و كلماتها السامة التي تلقيها على أذنها من حين لآخر،حتي وصل بها الأمر أن تلكمها بعنف بكوعها مرات متتالية ببطنها من شدة غيظها منها، و لكن بنفس الوقت كانت سعيدة بقدومها معاهم، و بداخلها تنوي أن تزوجها لابنها رغمًا عن أنف "خضرا" ..


كانت "سلسبيل" مستندة برأسها على نافذة السيارة التي تحركت بهم للتو، نظرت للطريق بشرود تتذكر عندما أخذها والدها من عائلة والدتها بعد وفاتها و هي لم تتم عامها السابع بعد، و أتى بها إلى زوجته التي أذاقتها معه كل أنواع العذاب، و كانت وراء زيجتها السيئة و هي طفلة بعمر الرابعة عشر..


وبالرغم لكل ما حدث لها على يد والدها، إلا أنها تريد أن تودعه قبل أن تغارد البلد، أطلقت زفرة نزقة من صدرها، و نظرت تجاه "عبد الجبار" و تنحنحت بحرج و هي تقول..

"لو سمحت يا أبو فاطمة!!"..


زمجرت "بخيتة" بشراسة، و لكمتها بكوعها بقوة مرددة..

"كك خابط اسمه سيدك عبد الچبار"..


"وبعدهالك عاد يا أمه.. مش أكده أمال".. قالها "عبد الجبار" و هو ينظر لهما من فوق كتفه، و تابع موجهه حديثه ل"سلسبيل " التي ترقرقت بعينيها العبرات..

" كملي حديتك"..


ابتلعت لعابها بصعوبة، و قد ظهر الخوف على ملامحها الحزينة، و همست بصوت مرتجف..

"عايزة أسلم على أبوي قبل ما نطلع من البلد"..


" أصيلة يا خيتي".. نطقت بها "خضرا" و هي تمد يدها و تربت على كتفها بحنو، لتشهق" بخيتة" بقوة و ترمقها بنظرة  حادة مدمدمة..

" اممم أصيلة.. دي كهينة و مية من تحت تبن يا عبد الچبار أسألني أني"..


ساد الصمت لدقائق قطعه عبد الجبار بصوته الصارم قائلاً..

" قناوي بيكون فى غيطه دلوجيت مش أكده؟"..


حركت "سلسبيل" رأسها له بالايجاب سريعًا رغم أنه لم يكن ينظر لها، لمحها في المرآة و قد رسمت ابتسامة باهته على محياها المرتعدة، و عينيها تنظر له بامتنان و انبهار بشخصيته القوية..

"فوت على أرض قناوي فى طرقنا يا حسان"..


" حسان" بطاعة.. " أمرك يا كَبير ".. 


مرت دقائق قليلة و توقفت السيارة على جانب الطريق الخارجي المؤدي للأراضي الزراعية..

"سلمي عليه و ترچعي طوالي.. متعوجيش"..

قالها "عبد الجبار" دون أن ينظر لها..


"حاضر.. أنا مش هتأخر والله.. بس متسبونيش و تمشوا ونبي".. أردفت بها "سلسبيل" بصوت تحشرج بالبكاء، و هي تتنقل بنظرها بين "خضرا" و زوجها..


"خضرا" بابتسامة حنونة.. "اطمني يا بتي هترچعي تلاقينا مستنيك أهنة"..


فتحت" سلسبيل" الباب بيد مرتعشة، و خرجت من السيارة على مضض، و هي تستجديهم بنظرتها المذعورة أن لا يتركوها.. نظرتها هذه جعلت" عبد الجبار" ينفخ بضيق، و تحدث بنفاذ صبر قائلاً.. 

" روح معاها يا حسان و عاود بيها، و أوعاك قناوي يمسها بسوء.. هو خابر زين أنها في حمايتي"


انصاع" حسان" لحديثه على الفور، و غادر السيارة، و سار برقفة "سلسبيل" التي تخطو بخطي غير ثابتة بسبب أرتجاف بدنها الملحوظ أثر خوفها..


ساروا مسافة ليست بقليلة حتي رأت والدها ممسك بالفأس و منشغل بعمله في الزراعة..أخذت نفس عميق تملئ رئتيها بالهواء بعدما شعرت بأنفاسها تتلاشي، و نبضات قلبها تتباطئ..

"أبوي".. قالتها و هي تقترب منه بحذر، و تفرك يديها ببعضهما بتوتر..


توقف "قناوي" عما يفعله عندما وصل صوتها لأذنه، استدار ينظر تجاه مصدر الصوت بوجهه مكفر اشتعل بالغضب فور رؤيتها برفقة الغفير الخاص ب "عبد الجبار" ، و قد ظن أنها أخطأت بحقهم فأرسالها له مرة أخرى..


" هببتي أيه تاني يا بت المركوب".. نطق بها  و هو يهجم عليها دون سابق إنظار، و أمسكها من حجابها و بدأ يكيل لها الصفعات مرددًا..

"غلطتي في الحاچة المرادي و لا في البيه الكبير نفسه.. انطقي لأدفنك مكانك"..


هرول تجاهه "حسان" و حاول دفعه عنها و هو يقول بذهول..

"وه وه وه أيه اللي بتهاببه ده يا راچل يا مخبول أنت.. بعد عنِها دي في حماية عبد الچبار بيه"..


كان "قناوي" قابض على شعرها من فوق الحجاب بقبضة من حديد جعلت" حسان" يفشل في أبعاده عنها، و يده الأخري تهبط على وجنتيها الناعمة بصفعات أدمت شفتيها و أنفها، و مع كل هذا كانت "سلسبيل" لا تبكي، و لا حتي تُدافع عن نفسها، تركته يصب جم غضبه عليها كعادته،


ركض "حسان" عائدًا تجاه سيارة رب عمله، و هو يصرخ بصوت جوهري..

"ألحق يا عبد الچبار بيه.. قناوي هيموت بته في يده"...


"يا مُري.. الحقها يا أخوي من يد الراچل المفتري ده

 أحب على يدك".. صرخت بها "خضرا" و هي تضرب على صدرها حين وصل سمعها صرخات "حسان" المستغيثة من بعيد..


صك "عبد الجبار" على أسنانه بقوة كاد أن يهشمه، و غادر السيارة بثبات و هدوء رغم الضجيج الثائر بداخله، رفع عبائته على كتفه و سار بخطوات واسعة، و ملامح غاضبة لا تبشر بالخير أبدًا..

"بعد يدك عنِها!!!"..

قالها بصوت جوهري قبل أن يصل لهما، و لكن لم ينتبه له "قناوي" بعد، مما دفع هذا الغاضب لمد يده داخل جيب جلبابه، و أشهر سلاحه المُرخص، و أطلق عيار بالهواء يصم الأذان..


انتفض "قناوي" قفزًا بمكانه حين رأي "عبد الجبار" يقترب عليه مهرولاً، كان القلق واضحًا عليه لمرآي تعابير وجهه الغضوب، و تحول القلق إلى خوف حين وجده يستعد للهجوم عليه فدفع ابنته من يده بعنف أسقطها على الأرض الغارقة بمياه الري.. 


هنا صرخت "سلسبيل" عندما انحصرت العباية و كشفت عن ساقيها أمام أعين "عبد الجبار" الذي لجمته الصدمة و تقطعت نياط قلبه حين لمح أثار حروق متناثرة بطول قدميها منهم القديم، و منهم الحديث، و أيضًا أصبح مذهولاً لعدم أرتدائها شيئًا أسفل ملابسها، لكنه انتبه حين أسرعت هي بستر نفسها أن هذه العباية تكن لزوجته، و أدرك حينها بعقله الواعي أنها بالتأكيد تركت جميع ثيابها عن قصد..

حينها قام بخلع عباءته من حول كتفيه، و ألقاها عليها بغمضة عين كساها بها،


"يا مُرحب يا كبير"..

قالها "قناوي" و هو يبتعد عنه للخلف بخوف ظاهر على ملامحه القاسية مكملاً..

"خير يا كبير عملت أيه تاني بت الفرطوس!!"..


قطع حديثه حين قبض "عبد الجبار" على عنقه بعنف، و تحدث بغضب عارم قائلاً..

"أنت صنفك اييييه يا ابن ال *** علشان تعمل في بتك اللي من لحمك ودمك أكده!!!!! "..

أنتهي جملته و سدد له ضربه عنيفه بجبهته جعلت "قناوي" يصرخ متألمًا..


"أبوي"..صرخت بها" سلسبيل " وهي تنهض من مكانها بصعوبة، و هرولت تجاه "عبد الجبار" تمسكت بذراعه بكلتا يدها تحاول ابعاده عن "قناوي" و هي تقول بتوسل..

" خلاص يا سي عبد الجبار سيبه الله يخليك"..


لم تتزحزح يد "عبد الجبار" عنه، و ظل قابض على عنقه، و من ثم مال على وجهه و نظر بعينيه و هو يقول بصوت أجش..

"بتك چاية لحد عندِك تسلم عليك قبل ما تسافر بعد كل عمايلك المقندلة فيها.. تقوم تُضربها تاني حتي بعد ما قولتلك أنها بقت في حمايتي!!!! "..

فور إنتهاء حديثه سدد له ضربة أقوى جعلت أنفه تنفجر منها الدماء..


"أبوس أيدك سيبه يا عبد الجبار".. همست بها بتقطع من بين شهقاتها الحادة، و هي تقف على أطراف أصابعها وتمسك كف يده الضخمة بيدها الصغيرة، و تبعد أصابعه عن عنق والدها حتي خلصته من بين قبضته الفولاذية..


"يله مشي قدامي من أهنة قبل ما أرتكب چناية انهاردة" 

..قالها "عبد الجبار" و هو يلقي عباءته على كتفه مرة تانية بعدما سقطت من "سلسبيل" فلتقطها "حسان"، اعطها له..


أنصاعت "سلسبيل" لحديثه على الفور و سارت أمامه بخطوات متعبه، و عينيها تطلع لوالدها بنظرات وداع، فهي على يقين أنها لن تعود له ثانيةً مهما حدث..

"مع السلامة يا أبوي"..قالتها بغصة يملؤها الآسي، و كم تمنت أن تستمع منه و لو كلمة واحده يطيب خاطرها بها إلا أنه خيب ظنها به كالعادة حين قال بنبرة محذرة..

"إياكِ يوصلني شكوة واحدة منِك.. يوصلني خبرك و لا يقولولي كلمة بتك قليلة الرباية دي مرة تانية يا سلسبيل.. فاهمة يا واكلة ناسك"..


" أتمنى يا أبوي.. أتمنى يجيلك خبري ساعتها أنا اللي هرتاح".. غمغمت بها و هي تسير بجوار "عبد الجبار" الذي أطبق عينيه بقوة بعد جملتها هذه الذي اعتصرت قلبه..


" جبر يلم العفش".. قالها" عبد الجبار " و هو يلقي نظرة أشمئزاز أخيره على" قناوي"..


بينما" سلسبيل" شهقت بصوت خافت حين شعرت بيد"عبد الجبار" تضع حولها عباءته، و يتحدث بصوته الصلب بنبرة أمره..

" متقلعهاش واصل"..


أمسكت طرفيها تضمهم عليها بيدها بصمت، فعباءتها كانت ملطخة بالوحل و المياه التي جعلتها  لاصقة بجسدها..ظلت خافضة رأسها لم تستطيع النظر له من شدة خجلها، 

حتى وصلوا للسيارة مرة أخرى و همت هي بالصعود لكنه اقافها حين قال..

"فاطمة هاتي خيتك و اقعدي چار چدتك"..


عملت من جملته هذه انه كان يري ما تفعله والدته بها منذ صعودهم السيارة،ضيقت "بخيتة" عينيها و رمقته بنظره مغتاظة، بينما تراقص قلب "سلسبيل" بفرحة غامرة من أهتمامه هذا الجديد عليها كليًا، و الأكثر من عبق رائحته التي تملئ عباءته، حواطتها و داعبت حواسها..


"تعالي يا خيتي جلبي عليكي ".. قالتها" خضرا" و هي تفتح ذراعيها لها، ارتمت "سلسبيل" داخل حضنها عالقة عينيها بتعب، فهي و النوم على وفاق حينما يأتي توقيت الهرب، لأول مره منذ سنوات طويلة تغرق بنومٍ أمن بعدما انطلقت بهم السيارة أخيرًا مغادرة البلد.. 


مرت ساعات ظلت" سلسبيل " نائمة خلالهم تصارع كوابيسها الدائمة التي جعلتها تصرخ بفزع فجأة أكثر من مرة ، حتي شعرت بيد حنونه تربت على وجنتيها الظاهر عليهما أثار صفعات والدها..

"أصحى يا حبيبتي"..


رمشت بأهدابها أكثر من مرة، و نظرت حولها لم تجد سوي "خضرا"، و السيارة فارغة، ببنما" عبد الجبار" يقف خارج السيارة ينتظر خروجهما..

"إحنا وصلنا مصر يا أبلة خضرا!!!"..


ابتسمت لها "خصرا" مغمغمة.. "أيوه الحمد على السلامة.. نورتي مصر يا ست البنته"..


" الله يسلمك يارب".. نطقت بها "سلسبيل" بسعادة بالغة و هي تستند عليها و تغادر السيارة بخطي مترنجحة قليلاً أثر انفعالتها المتضاربة..


"ما تهمي يا حُرمة منك ليها علشان تچهزولنا الوكل"..

كان هذا صوت" بخيتة" الغاضب الواقفة بالشرفة التي تطل على حديقة المنزل الواسعة..


"همليهم يرتاحوا لول، و الوكل چاي في الطريق يا أمة..متشليش هم واصل"..

قالها "عبد الجبار" و هو يتجه لسيارة أخري كانت مغطاه بحديقة المنزل، و يقوم برفع الغطاء من عليها، و استقل مقعد السائق مكملاً..

" هوصل للشركة اطمن على الشغل"..


"متتأخرش علينا يا أخوي..هنستناك على الوكل"..

أردفت بها" خضرا "بنبرة راجية، و هي تتنقل بنظرها بينه و بين والدته التي ترمقهم بنظرات ثاقبة..


"متقلقيش هعاود طوالي".. قالها وهو يتحرك بالسيارة لخارج المنزل..


هنا ابتسمت "بخيتة" ابتسامة خبيثة، و تحدثت بأمر قائلة..

" خضرا شهلي و نضفي البيت الا التراب ياما.. حركي جتتك اللي شايلة لحم دي"..


صمتت لوهلة و تابعت بجحود قائلة..

"عارفة تتخني و تشيلي لحم زي البهيمة اللي بنعلفوها للضحية، و منتيش عارفة تشيلي حته عيل يشيل أسم ولدي"..


جملة أصابت "خضرا" بمقتل، جعلتها تسمرت محلها تحملق فيها بأعين تحجرت بها العبرات، و قد شعرت أن الدنيا تدور من حولها، و سقطت فجأة مرتطمة بالأرض الصلبة مغشيًا عليها ..


" أبلة خضراااااا"..


انتهي الفصل..

يهمني رأيكم يا حبايبي..

واستغفرو لعلها ساعة استجابة..


لقراءة تكملة الرواية اضغطوا هنا


الصفحه الرئيسيه للروايات الكامله اضغطوا هنا  


❤️💙❤️💙❤️💙❤️💙❤️

لعيونكم أجمل متابعين

روايات كامله من هنا 👇👇👇


تابعونا من هنا الجدد الروايات



رواية فتاه حطمت كبريائي


رواية عشق الزين كامله


رواية عشق الزين الجزء الثاني


رواية خادمة الصقر كامله


رواية جميله في قلب الاسد كامله


رواية عشق الحور كامله من هنا



رواية العاصي كامله




تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
CLOSE ADS
CLOSE ADS
close