رواية في قبضة اللعنات الفصل الاول والتاني والتالت بقلم مريم غريب
رواية في قبضة اللعنات البارت الاول والتاني والتالت بقلم مريم غريب
رواية في قبضة اللعنات الفصل الاول والتاني والتالت بقلم مريم غريب
~¤ تمهيد ! ¤~
قد تكون تلك النهاية، في الغالب !
عذاب، قهر، جحيم، مقبرة... يرقد بداخلها المرء طوعاً بعد أن يجتاحه المزيد و المزيد من اليأس و الإستسلام، ربما يظل فيها إلى الأبد، لا يجسر على القيام مرةً أخرى و مواجهة من عمد إلى تدميره، و لكن في بعض الحالات الأخرى لا يفلح هذا
فعندما يشتد الآذى، و يبلغ العدوان أقصاه، يمسى الظلم ظلمات كالحة، و الخطايا لعنات تندفع كالحمم في هشيم الأنفس المحطمة، تذيبها.. لترممها، ثم تعدّها لبدء وصلة جديدة من حلقات الشر، تخوض معارك دامية حامية الوطيس تنال من الجميع على حد السواء، فلا يكون هناك فرق بين جاني و مظلوم
يفقد المنطق معاييره، و تنهار الضوابط و الأخلاقيات، تتحول الحياة إلى غابة يُهلك فيها البريئ الضعيف، إنما تكون فردوساً في أعين وحوشها، أو شياطينها، و ما أسوأ من أن يتحول الملاك إلى شيطان ؟!
و لكن من يصدق أن هذه هي ؟.. من يصدق أن تكون تلك التي تقف في شرفة منزلها الفخم الآن، و تبتسم بكل هذا الهدوء المريب الذي لا يحمل إلا معاني نواياها الشيطانية فقط... من يصدق أن هذه هي "يارا" !!!
الفتاة الشجاعة الرقيقة، الحنونة اللطيفة، في الواقع لم يعد لها وجود، لقد ماتت.. يوم أن مات طفلها، ماتت و ولدت أخرى، على نفس صورتها الجميلة، إنما جوهرها الطيب فقد تلاشى و إختفى تماماً كما تختفي قطعة السكر بالماء، لم يعد يملأها سوى الحقد، و الحقد وحده
حقد على كل شخص و كل شيء، ربما كانت تخفيه، حتى تتسنى لها فرصة إيجاد الضحية المناسبة، الضحية التي تستحق العناء كما يقولون
و مع كل الآسف كان زوجها، الرجل الصالح التقي، الذي وضع كل ما يملك بين يديها، و الذي لم يهبها حياته فقط، إنما رُزق منها بطفلتين أيضاً هما قرة عينيه و كنوز الدنيا بين يديه
ها هي تجرده من كل شيء الآن، من أملاكه و أمواله و منزله و حتى سيارته، ذلك بعد أن قامت بتحويل الملكية إليها بورقة التوكيل الذي أسنده لها بدافع الثقة الكبيرة و الحب الشديد الذي يضمره لها، ثم منها هي و الطفلتين برفعها دعوة طلاق ضده سرعان ما ربحتها، هكذا طردته من حياتها عارياً، خالي الوفاض
كان إستمتاع رهيب تشعر به، و هي تراه في تلك اللحظات يغادر المنزل _ منزله _ قسراً و جبراً و بدفع من أيدي رجال آمن مستأجرون، حقائبه تُقذف الآن بالخارج أمام البوابة، بينما يصرخ المسكين صراخا مدوياً و هو يقاوم الرجال الأشداء بكل قوته :
-إوعـوووو.. سيبونـي يا كـلاب.. ده بيتي أنا. سامعيــن ؟ بيتي أنـا ...
و رفع رأسه لأعلى، و فوراً إلتحمت نظراته المتآججة بنظراتها الشامتة، فصاح بصوت جهوري كان من شأنه أن يزلزل كيانها :
-مش هاسيبك يا يارا.. مش هاسيبك تتهني بشقايا. و حياة بناتي لأرجع كل مليم سرقتيه مني. و حياة حبي ليكي لأحطك تحت رجلي و أدوسك. هاذلك. سامعاني ؟ مش هاسيبك. مـش هــاسيـبك !!!
-مع السلامة يا قلبي !.. هكذا حركت "يارا" شفاهها هامسة و هي تلوح له مودعة بإبتسامة وديعة
أدارت له ظهرها و ما لبثت أن صارت بالداخل، وقفت بمنتصف حجرة المعيشة، شاهدت الطفلتين واحدة تجلس وسط ألعابها و تبكي، و أخرى تحبو نحو الردهة الخارجية
علا صوتها و هي تنادي بصرامتها المعهودة مؤخراً :
-هيلجا. هيلجا. هيلجآااااا !
و سرعان ما حضرت "هيلجا"، المربية الفلبينية ...
-Yes MI's Yara !
يارا بإسلوب حازم :
-Take my daughters to the room and don't leave them alone
هيلجا: Yes Ma'am !
و توجهت صوب الصغيرتين، حملتهما بسهولة و سارت بإتجاه حجرتهما مسرعة ...
و هنا تنفست "يارا" الصعداء، عندما أصبحت بمفردها أخيراً، تلاشت كل المشاكل و معها كل الضجيج أيضاً، كم كانت تنشد هذه اللحظة منذ وقت طويل، ها قد أتت !
-عملتي إللي في دماغك ؟!!
إنتفضت "يارا" مذعورة إثر هذا الصوت الأنثوي الخشن، إلتفتت في الحال لترى أمها.. السيدة "ميرڤت" تقف عند عتبة الباب الجرار، و بجوارها حقيبة ملابسها الكبيرة ...
-ماما ! إيه يا حبيبتي الشنطة دي ؟! .. تساءلت "يارا" بدهشة و هي تشير بسبابتها إلى الحقيبة
إحمّر وجه "ميرڤت" و هي ترد عليها بغضب :
-أنا من إنهاردة مش أمك. إوعي تناديني تاني أبداً بالكلمة دي. من دلوقتي لا عايزة أشوفك و لا أعرف عنك حاجة. و يحرم عليا بيتك ده و بناتك كمان يا يارا هانم
و رفعت حقيبتها عن الأرض و همت بالذهاب، لتستوقفها "يارا" بغلظة :
-إستني هنا يا ماما ! .. و تقدمت نحوها مكملة :
-كل إللي حصل كان على إيدك. كنتي عارفة كل حاجة و شايفاني و أنا بخطط و من بدري. بالرغم من كل ده فضلتي معايا و ماتكلمتيش. دلوقتي بقى عايزة تسبيني ؟ بعد ما نفذت إللي كان عندك علم بيه أصلاً.. عايزة تقطعي علاقتك بيا ؟!!
رمقتها "ميرڤت" بنظرة جانبية و قالت بجفاء :
-كنت عارفة و شايفة كل حاجة. بس ماخطرش على بالي أبداً إنه يجي يوم و تتجرأي تعملي عاملة زي دي. مش بنتي أنا إللي تعمل كده
ضحكت "يارا" قائلة بإستنكار :
-بنتك ؟ بنتك الخايبة دي إتعمل فيها كتير. الدنيا و الناس لطشوا فيها بالجامد. خلاص يا أمي مابقاش ليها وجود. ماتت. دلوقتي مافيش غير يارا شهدي إللي واقفة قدامك دي. مدام يارا شهدي. أكبر بيزنس وومن في مصر و الشرق الأوسط كله. و أقوى ليدي ممكن تقابليها في حياتك. بكره تشوفيها هاتعمل إيه و هاترجع حقها من كل إللي إستهونوا بيها إزاي. مش هاتسيب حد في حاله أبداً هاتشوفي
رمقتها "ميرڤت" بإزدراء و قالت :
-أنا بنتي ماتت فعلاً. معاكي حق.. مش عايزة أشوفك تاني. سامعاني ؟ و لا صدفة حتى !
و ذهبت
لتبقى "يارا" وحدها، ليس تماماً، فهناك عقلها المدبر، الذي لا ينفك عن العمل و التخطيط للآت ...
-مش هاسيب حقي و لا حقك يا عبد الرحمن. أوعدك يابني !.. و هكذا قطعت العهد للمرة المئة
و يبدو أن الإصرار يملأها، لن تهدأ أبداً حتى يتم مرادها، و سوف يتم، و لو بعد حين ...... !!!!!!
في_قبضة_اللعنات
( 1 ) (2) (3)
_ المجهولة ! _
الثانية عشر بالدقيقة، منتصف الليل تماماً ...
كانت ساحة الحفل ممتلئة عن أخرها، جميع الرواد هنا من فئة الشباب و المراهقين، المسرح العريض معتم الآن، و الكل في إنتظار لحظة البدء الموعودة
سكون لا يحركه سوى بعض الهمهمات المنخفضة، إلى أن حانت اللحظة المنتظرة... أضأت الأنوار فجأة، و طل المغني المشهور، إبن الثالثة و العشرون ربيعاً، إنفجر الصياح و الهتاف من كل مكان، إنما بقيت أصوات الفتيات واضحة كالعادة و هن يصرخن بإسمه بمنتهى الحرارة
بالطبع، فهو غير أنه شاب ينحدر من عائلة ثرية ذائعة الصيت في الكثير من المجالات و الأعمال التجارية و الإستثمارية الضخمة، إلا أن صوته الرائع الآخاذ و وسامته منقطعة النظير كلها أشياء مهدت له طريق النجومية و التألق في عالم الغناء الذي لطالما كان ينشده
ها هو... "سُفيان عز الدين"، في حفله المهيب، بين جماهيره العريضة، يمسك بـ"المايك" أمام مستوى فمه، لينساب صوته بأنغام ساحرة عبر المكبرات المستحدثة الضخمة، كانت كافة الأعين عليه و نظرات الفتيات الهائمة تكتنفه من كل حدبٍ و صوب، إنما بقيت عيناه عليها هي فقط، تلك التي ترتاد حفلاته بإستمرار منذ بدأ
نظره لا يخطئها أبداً، المجهولة الجميلة، تقف في الصفوف الأولى كالمعتاد... إنها شديدة الحسن، ربما تكون قد جاوزت الثلاثين من عمرها، لا يوحي شكلها بأكثر من ذلك.. ليته يتعرف إليها، ليته يعرف إسمها فقط، ليتها هي تعلم أنه لم يكن يغني الليلة إلا لها وحدها، هي دون غيرها !
من بين آلاف الفتيات الحسناوات اللاتي تعثر بهن خلال سنوات عمره السالفة، لم تلفت إنتباهه أخرى سواها، لا يعلم السر، حقاً لا يعلم.. لعله الغموض في عينيها الجميلتين، أو الثقة في إبتسامتها البسيطة، أو حضورها الهادئ دائماً
أو لعله رحيلها المفاجئ في كل مرة، قبل إنتهاء الحفل !!!
إمتقع وجهه و تجلى حزناً شديداً في عينيه و هو يلحقها بنظراته الآن، أخذت تعدو و تبتعد، حتى تلاشت تماماً.. عندها إنتابه نفس الشعور الذي يراوده كلما ذهبت بهذه الطريقة
فقد رغبته في الغناء هذه الليلة، و سرعان ما أنهى غنوته و أدار ظهره إلى جمهوره الصادح، كان مساعده ينتظره وراء الكواليس، سار خلفه حتى غرفته الخاصة و هو يقول :
-يا نجم ميرا هانم إتصلت أكتر من مرة. بتقول عايزاك ضروري ! .. و مد له الهاتف
تآفف "سفيان" و هو يخلع سترته الجلدية و يلقيها فوق أحد المقاعد بإهمال قائلاً :
-مأمون. 100 مرة أقولك مابحبش أرد على تليفونات بعد أي حفلة. رد عليها إنت شوفها عايزة إيه
مأمون: ماينفعش حضرتك. أخر مرة رديت بهدلتني و إنت عارف. هي عايزاك إنت
-إفففففف هات يا أخي ! .. و أخذ منه الهاتف
أجرى الإتصال بوالدته، و فوراً أتاه صوتها الناعم الذي لا يخلو من الغضب دوماً :
-خلصت يا باشا ؟!
سفيان بضيق: ماما. خير يا حبيبتي حصل حاجة ؟
-إنت فين يا سفيان ؟؟
-ما أنا قولتلك إن عندي حفلة إنهاردة !
-و خلصت ؟ تعالالي حالاً عايزاك
زفر "سفيان" بنفاذ صبر و قال :
-حاضر. هاخلص إللي ورايا و جايلك. باي ! .. و أغلق الخط
أعطى الهاتف للمساعد و إلتفت يطالع كومة الهدايا و باقات الزهور التي جلبها معجبيه، فتش بنظراته عن باقة معينة و هو يخاطب المساعد :
-الورد بتاع كل مرة ماجاش و لا إيه يا مأمون ؟
رد "مأمون" بإندفاع محبوراً :
-يآااه ده أنا نسيت أقول لحضرتك. إزاي أنسى حاجة زي دي.. المرة دي البوكيه عليه إسم و رقم تليفون !!
-بـجد !.. صاح "سفيان" غير مصدقاً
كان قد إستدار نحوه في أقل من ثانية، أمسك بكتفيه و أخذ يهزه قائلاً بإلحاح :
-هو فين يا مأمون فـين ؟؟!!
أشار "مأمون" بسبابته نحو باقة مخصوصة وضعت فوق طاولة الزينة... لم يكذب "سفيان" خبراً و إنطلق مسرعاً صوبها، إلتقط الكارت من بين رؤوس الزهور الناضجة
وضعه نصب عينيه و قرأ بتمتمة خفيضة ما كُتب فيه : "كنت هايل الليلة. صوتك دايماً بياخدني لعالم تاني. أنا من أشد المعجبين بيك... إذا حبيت تسمعني حاجة مخصوصة هاكون شاكرة أوي"
و مضت بأول حرفين فقط من إسمها !
عقد حاجبيه و هو يستل هاتفهه من جيبه الخلفي بأصابع مرتعشة، بالكاد إستطاع أن يضرب الأرقام من شدة إضطرابه و لهفته في آن
أصرف "مأمون" أولاً، فخرج الأخير بعد أن رشقه بنظرة خبيثة، فهو تقريباً على مشارف مغامرة جديدة من مغامراته النسائية الساخنة !!
ألقى "سفيان" بنفسه فوق الآريكة الصغيرة، ضغط زر الإتصال، ثم وضع الهاتف فوق أذنه و بقى في إنتظار الرد دون أن يكف قلبه عن الخفقان بعنف شديد ...
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
ولجت "ميرا" مرة أخرى إلى قاعة الجلوس الفخمة، مشت بخيلاء و جلال كبيرين نحو تلك الفتاة اليافعة، كانت صغيرة نوعاً ما و على قدر من الجمال، و كانت تجلس في هدوء و صمت، حتى أنها لم تحاول أن ترفع وجهها لملاقاة نظرات سيدة المنزل
جلست "ميرا" أمامها واضعة ساقاً فوق ساق، بقيت صامتة لبعض الوقت، فقط تشملها بنظرات فاحصة لا تخلو من البرود... ثم إستهلت حديثها البارد :
-بقالكوا أد إيه مع بعض ؟
تطلعت الفتاة إلى "ميرا" و قالت متلعثمة :
-حـ حضرتك عارفة إننا كنا قريبين أوي من بعض من وقت طويل و آ ا ...
-أنا طبعاً عارفة كل حاجة ! .. قاطعتها "ميرا" بحدة شديدة
-أنا أعرف كل حاجة تخص إبني يا حلوة. مافيش شاردة و لا واردة في حياته ماعنديش علم بيها. و سؤالي ليكي كان محدد ..
إزدردت الفتاة ريقها بتوتر و قالت :
-إحنا مع بعض بقالنا 3 شهور تقريباً !
أومأت "ميرا" قائلة :
-هممم.. يعني ممكن نقول إنك حامل في شهرين مثلاً ؟ واو. أسرع علاقة دي و لا إيه ؟ سيفو حبيبي مابيضيعش وقت. عرفك في شهر و إتصاحبتوا و هووب. في الشهر التاني كنتي حامل علطول !
الفتاة بإرتباك: آ أنا جيت أقول لحضرتك إللي حصل. إنتي مامته قبل أي حاجة و هو بيتهرب مني اليومين دو آ ...
-خلاص يا حبيبتي فهمتك .. قاطعتها للمرة الثانية
رمقتها بنظرة مزدرية و قربت منها الطاولة المحاذية، فتحت صندوقاً صغيراً فوقها و أخرجت دفتر الإئتمان، فتحته و أمسكت بالقلم قائلة دون أن تنظر إليها :
-500 ألف كويس ؟ و مش عايزة أسمع عنك تاني أبداً
لمعت أعين الفتاة للحظة، قبل أن تقول بإباء متكلف :
-حضرتك فهمتيني غلط. أنا ما آ ...
-مش هانقعد نتكلم في صح و غلط ! .. و هكذا أخرستها بلهجتها العنيفة
حدجتها بنظرات مخيفة و هي تقول بصرامة :
-مليون جنية. تاخديهم و تبعدي عن طريقه نهائي. و لو سمعت بس إنك حاولتي تظهري في حياته مرة تانية. صدقيني هازعل. و أنا زعلي وحش بجد !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
حل ضيق شديد على مزاج "سفيان".. هذا الرقم الذي تركته له مجهولته الجميلة، قام بمخابرته لأكثر من عشرون مرة و لم يحصل على أي رد
أوقف سيارته أمام باحة منزله المنيف، ثم نزل و إتجه نحو الدرج المفضي للباب مهرولاً...
إصطدم في طريقه بصديقته السابقة، رمقها بنظرات مستغربة، إرتبكت الأخيرة عندما رأته و لم تطيل وقوفها، غادرت مسرعة، بينما إندفع "سفيان" للداخل
وجد أمه تقف بمنتصف الرواق، و كأنها تنتظر حضوره ...
-ماما. البنت دي كانت هنا ليه ؟ كانت عايزة إيه ؟!
كتفت "ميرا" ذراعيها أمام صدرها و قالت :
-و الله المفروض أنا إللي أحقق معاك كده يا أستاذ. ثم ماتنساش إنها صاحبتك !
سفيان بغلظة: لأ مانستش. كنت مصاحبها فعلاً. فترة قصيرة و خلاص. دلوقتي ماليش علاقة بيها
-إزاي بقى يا حبيبي ؟ إزاي مالكش علاقة بيها ؟ دي بتقول إنها حامل !
صاح "سفيان" مستنكراً :
-إيه إيه إيه ! مين دي إللي حامل ؟ و من مين ؟!!!
ميرا بهدوء: قالت منك يا حبيبي
سفيان بحدة: الكلام ده ماحصلش. أنا مالمستهاش أصلاً. إنتي أي حد يقولك حاجة تصدقيه ؟!
-و هي هاتكدب ليه ؟ و بعدين فيها إيه يعني ؟ ما إنت راجل يا حبيبي و لازم يكونلك تجارب. إوعى تكون فاكرني زعلانة
سفيان منفعلاً: تاني بتقوليلي كده ؟ قولتلك ماحصلش. لو حصل كنت قولتلك هخاف منك يعني !!
إبتسمت "ميرا" بوداعة قائلة :
-و ماله لو مثلت مثلاً إنك خايف مني ؟ مش أنا أمك بردو ؟!
تآفف "سفيان" بضيق شديد و هو يشيح بوجهه عنها ...
تنهدت "ميرا" و لا زالت إبتسامتها كما هي، مشت صوبه بتمهل، وضعت كفها فوق صدره، و مسحت بالكف الآخر على شعره الأسود الأملس و هي تقول بلطف :
-سفيان.. حبيبي. نفسي تفهم إنك أغلى حاجة في حياتي. و تعرف إني مش ممكن أتسبب لك في أي مضايقة. و إللي يحاول يآذيك أكله بسناني. و بعدين أمسحه مسح من على وش الأرض. أنا مش بحاسبك يا قلبي. أنا بس كنت عايزة أطمنك. مافيش أي مشاكل ممكن تواجهك طول ما أنا موجودة. أنا عيني عليك دايماً يا حبيبي
أغمض عينيه بشدة و هو يقول من بين أسنانه :
-البنت دي بتكدب عليكي. و إنتي لازم تصدقي إللي قولته. ماحصلش حاجة بيني و بينها. و أكيد كانت جاية تستفيد منك زي إللي قبلها
-حتى لو جاية تستفيد. أنا ماعنديش أغلى منك زي ما قولتلك
فتح عينيه و نظر لها بغضب قائلاً :
-أي منطق بيقول كده ؟ إنتي عندك إستعداد يتنصب عليكي عادي ؟ إحنا مش قليلين زي ما إنتي عارفة
وافقته مبتسمة: و هو كده بالظبط. مش عايزاك تقلق من حاجة. أنا بعرف أتصرف كويس
رمقها بنظرات مذهولة، لكنه قال بغير إكتراث :
-براحتك !
و هنا شعر بإهتزاز هاتفهه، قبل أن يسمع صوت النغمة المدو ...
سحبه من جيب سترته و نظر في الشاشة الساطعة، إتسعت حدقتاه إثارةً مما إسترعى فضول "ميرا"، لكنها لم تشأ التدخل في شؤونه... فقط قالت حين وجدته يندفع نحو الأعلى :
-باباك راجع بكره من لندن. إعمل حسابك لو وراك أي حاجة تتـCancel
رد عليها ملوحاً بيده :
-أوكي. Goodnight !
ميرا بإبتسامة حب :
-Goodnight يا قلبي !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
صفق "سفيان" باب غرفته خلفه، ولج إلى شرفته مسرعاً و هو يرد على الإتصال قبل أن ينقطع بلحظة :
-ألـووو !.. كانت اللهفة واضحة بصوته
-هاي يا سفيان ! .. و أخيراً إستمع إلى صوتها
-Sorry ماردتش على إتصالاتك علطول
لسا واصلة البيت !
-إنتي مــين ؟؟؟ .. خرج السؤال دون تحضير
-مش شايف إنه بدري شوية على السؤال ده ؟ ده لو كنت عايزنا نتعرف و نبقى صحاب يعني !
-أكيد عايز. أكيد عايز أعرفك
-و إيه إللي مخليك مصمم على كده أوي ؟
أجفل بتوتر للحظات، ثم قال بشئ من الإضطراب :
-بقالي 3 سنين بشوفك. و الورد إللي كنتي بتبعتيه. كنت حاسس إنه منك إنتي.. أظن إنتي كمان عايزانا نتعرف !
هدرت ضحكتها الرقيقة عبر سماعة الهاتف، فدغدغت حاسته السمعية، لتكمل بعد برهة بصوتها الرقيق :
-يبقى أنا ماكدبتش لما قلت عليك إحساسك عالي أوي. بس خلي بالك. أنا خلاص مش هاحضرلك أي حفلات تاني
سفيان بوجوم شديد :
-ليه كده ؟ حصل حاجة ضايقتك الليلة ؟!
-لأ بس أنا و إنت بنتكلم. و لا إنت مش عايز تكلمني ؟
-لأ طبعاً عايز !.. و ندم قليلاً على هذا التسرع، فقال :
-طيب أنا ممكن أقابلك ؟
-تؤتؤتؤ يا نجم. مش ممكن نتقابل دلوقتي خالص
-ليه ؟
-لازم نتعرف الأول على الأقل
-ما ده ممكن يحصل لما نشوف بعض و هايكون أحسن
-تؤ. ده شرطي. و آسفة مش هقدر أطول معاك معاد نومي جه و عندي شغل الصبح بدري
قال بإسراع: إستني طيب قبل ما تقفلي. ممكن سؤال ؟!
-إتفضل !
-إسمك إيه ؟؟
ساد صمت لما يقرب الدقيقة، قبل أن تقول بهمس مغرٍ :
-إسمي يارا !!!.................... !!!!!!!!!!!!!
*******
( 2 )
_ لقاء ! _
كانت "ميرا" في إستقبال زوجها، عندما عاد من سفره صباح باكر... أمرت الخدم بنقل حقائبه لأعلى، ثم إلتفتت لتعانقه قائلة برقة :
-عمرو ! حمدلله على سلامتك يا حبيبي. وحشتني أوي
رد "عمرو" بفتور و هو يحاوط خصرها النحيل بذراعه :
-الله يسلمك يا حبيبتي. إنتي وحشتيني أكتر !
كان كلاهما يعلم أن تلك الكلمات يتبادلاها على سبيل المجاملة فقط، لم يشعر طرفٍ منهما تجاه الآخر بأي شيء خلال سنوات زواجهما على الإطلاق، لم يكن هناك سوى البرود و الجفاف في هذه العلاقة، و مع ذلك لم يجسرا على إنهائها.. فالأمر لا يتعلق بهما فقط، هناك أمور يدركا مدى أهمية الإبقاء عليها، هذا هو التفاهم الوحيد بينهما !!
-طنط و أنكل كويسين ؟ .. سألته و هي ترتد عنه قليلاً لتتمكن من النظر إليه
إبتسم بتكلف و هو يرد بكلمات مقتضبة :
-كويسين الحمدلله و بيسلموا عليكي أوي
-I hope تكون رحلتك تمت زي ما إنت عايز !
-Everything is fine ماتقلقيش
و الشغل كله مشي تمام
-طيب Good. دي أخبار هايلة !
ثم تطرقت بتردد للسؤال المترقب :
-المهم قولي.. قابلته ؟
أومأ "عمرو" قائلاً :
-أيوه يا حبيبتي. قابلته طبعاً !
إزدردت لعابها قبل أن تقول بتوتر :
-طيب.. هو عامل إيه ؟ كويس ؟ ما سألش عليا ؟!!!
-أولاً هو تمام و صحته زي الفل. ثانياً إنتي أول حاجة بيبدأ بيها أي كلام معايا. تقريباً مابيتكلمش غير عنك
أفلتت ضحكة صغيرة من بين شفاهها و سرعان ما تجمعت الدموع بعينيها الرماديتين، تتهدت و هي تضم قبضتها إلى صدرها متمتمة بحنين :
-وحشني أوي. نفسي أشوفه !
-الصبر يا حبيبتي. و بعدين إنتي كنتي لسا معاه من سنة. مش مدة طويلة دي. مش عايزين Junior ( الإبن ) سفيان.. يحس بأي حاجة. أكيد إنتي فاكرة الـRules ( التعليمات ) !
وافقته بإيماءة قصيرة و دموعها تسيل ببطء فوق خديها ...
إبتسم "عمرو" لها، وضع يده فوق مؤخرة رأسها، قربها منه و طبع قبلة فوق جبهتها، ثم ضمها إلى صدره قائلاً بصوته الهادئ :
-هو عارف مصلحتنا. و عارف بيتصرف إزاي. إطمني يا حبيبتي.. أكيد هايجي يوم و ينتهي الفراق ده. ده كان وعده !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
قامت "يارا" من فراشها ساعة الظهيرة، لم تذهب إلى العمل كما إدّعت أمس و هي تهاتف هدفها الساذج، نعم هو هكذا تماماً في نظرها.. مجرد ولد، ساذج !
سارت بتكاسل للخارج، إصطدمت بإبنتها الصغرى ذات الستة عشر سنة... "يسرا" الأكثر جمالاً و دلالاً عندها
إبتسمت "يارا" مرفرفة بأجفانها الناعسة و هي تقول :
-يسرا مش معقول ! إيه إللي قومك من سريرك يا حبيبتي ؟ ده إنتي يومك يادوب بيبدأ بعد العصر يا قلبي !!
عبست "يسرا" من دعابة أمها المزعجة، لكنها ما لبثت أن إبتسمت هي الأخرى، ثم قالت برقتها المتكلفة :
-مامي. أنا علطول بصحى بدري على فكرة
قهقهت "يارا" قائلة :
-طبعاً يا حبيبتي. إنتي هاتقوليلي. معلش أنا ساعات بظلمك.. و أكملت بتساؤل :
-أومال أختك فين ؟ دي بقى إللي تخصص صحيان بدري. الفالحة الوحيدة في البيت ده
زمت "يسرا" شفتاها و قالت مغالبة ضيقها :
-يمنى مش هنا يا مامي. خرجت من شوية
يارا بإهتمام : راحت فين ؟!
-راحت لتيتة ميرڤت
-إشمعنا ! مش كانت عندها من يومين ؟
-ما أصل إنهاردة ذكرى وفاة بابي الخامسة. إنتي عارفة إن هما الإتنين متعودين يروحوا يزروه
و هنا كسا الوجوم وجه "يارا"... لم تعلق على كلام إبنتها بعد ذلك، إنما قالت و هي تتجاوزها لتهبط الدرج :
-طيب أنا هانزل ألف شوية في الـPool.. خلي هيلجا تعملي القهوة بتاعتي و تجبهالي على هناك
-أوكي يا مامي !.. تمتمت "يسرا" بلهجة هامسة
و ظلت واقفة كما هي تراقب ذهاب "يارا"، لم تستغرب ردة فعلها هذه المرة، فقد ألفتها أريعة مرات من قبل، ريما يخالجها بعض الشعور بالذنب إزاء تلك المسألة الحساسة
لكن في الحقيقة هي نفسها لا تهتم، فمهما سمعت عن والدها أو تذكرت بضعة مواقف مرت جمعتها به، في النهاية لا تنتمي إلا لوالدتها، ولائها و حبها لها وحدها !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
جلس "سفيان" جلسته الصباحية المعتادة بغرفة نومه، هنا فوق آريكته الصغيرة.. حمل جيتاره الثمين و أخذ يداعب الأوتار بأصابع ماهرة
رغم شروده و نظره الذي لم يفارق الهاتف الساكن أمامه فوق الطاولة، كانت النغمات الجميلة تتصاعد و تنتشر في كافة أنحاء الغرفة... و لكن ياللبؤس !
هل سيظل جالساً هكذا طيلة النهار ؟ تلك الحورية الفاتنة التي تعرف عليها أخيراً، لقد نبهت عليه بألا يتصل قبل أن تغلق معه ليلة الأمس، لكنها أيضاً وعدته بأنها سوف تهاتفه في الصباح، و ها هي ساعات الصباح تمضي دون أن تفي بوعدها !!!
تآفف "سفيان" بضيق و دفع بالجيتار بعيداً، كاد يقوم من مكانه ليبدل ملابسه أو يشغل نفسه بأي شيء ريثما يأتي إتصالها.. إلا إنه سمع نقرتين على باب غرفته، عرف فوراً لمن تلك الأنامل المميزة
صاح و هو يستقر مجدداً بمكانه :
-إدخل !
صدق حدسه و ولجت "ميرا" في اللحظة التالية، يا لها من إمرأة جميلة هي الأخرى.. كم عمرها الآن ؟ لقد تجاوزت عامها الثامن و الثلاثون منذ أشهر قليلة، و لا تزال كالزهرة الربيعية الناضجة... إنها رائعة دائماً، لولا هذا العبوس الذي لا يزول عن وجهها إلا لماماً !!
-صباح الخير يا حبيبي ! .. قالتها "ميرا" بلهجة ناعمة لم تخدعه
سفيان بإبتسامة : صباح النور يا ماما. أكيد جاية تتأكدي إني قاعد ماخرجتش.. ماتقلقيش أنا سمعتك كويس إمبارح
ميرا و قد إحتدت نبراتها الآن :
-طيب لما إنت سمعتني مانزلتش ليه على الفطار ؟ أنا مش قولتلك باباك راجع إنهاردة ؟!
سفيان ببراءة : قولتيلي بس ماقولتيش راجع إمتى بالظبط !
ميرا بحزم : طيب قوم خد شاور من فضلك و حصلني. مش معقول تبقى بالبرود ده و باباك غايب بقاله شهر.. عايزاك تكون قدامي في 5 Minutes سامعني ؟
أدار عيناه قائلاً بضجر :
-أوك. و في أقل من كده كمان. أنا تحت أمرك
لم تطيل "ميرا" معه أكثر و سرعان ما تركته و ولّت خارجة ...
قام "سفيان" بعد أن أغلقت الباب خلفها، مضى صوب خزانته و شرع بإخراج بعض الملابس، حين دق هاتفه فجأة
قفز عائداً إليه، تناوله مسرعاً و رد بتلهف واضح :
-ألـو ! .. و كان يعلم أنها هي، قبل حتى أن ترد
-ده إيه السرعة دي ؟ إنت لسا قاعد زي ما إنت من إمبارح و لا إيه ؟!
و دغدغت أذنه بضحكتها المغناجة مرةً أخرى ...
-على فكرة كده مش نافع ! .. قالها "سفيان" بصوت أجش
ردت بنعومة خبيثة :
-هو إيه ده إللي مش نافع ؟!!
سفيان بغضب : ماتلعبيش بأعصابي لو سمحتي. أنا عايز أشوفك. و لازم أشوفك. و إلا تبعدي عني نهائي. إنما شغل الأفلام ده مابحبوش
-يعني إنت لما تشوفني هاتعمل إيه ؟
-إيه إللي هاعمل إيه ؟ هاتعرف عليكي أكتر طبعاً
-و بعدين !
عبس حائراً و قال :
-مش فاهم. عايزة توصلي لإيه ؟ على فكرة إنتي إللي بتطارديني. بقالك 3 سنين ورايا في كل حتة. إنتي مين ؟؟!!
صمت قصير... ثم قالت بهدوء :
-إنهاردة في مطعم ".......".. هاكون هناك الساعة 8. ما تتأخرش !
و أغلقت
جمد "سفيان" عن الحركة للحظات، نظر في شاشة الهاتف المضاءة بعدم تصديق... و فجأة علت إبتسامته و تمتم :
-هاقابلها إنهاردة ! ......... !!!!!!!!!
❤❤❤
( 3 )
_ مبادئ ! _
وقفت في الإنتظار، بعد أن دقت جرس الباب، و بالفعل كان يغمرها الشعور بالحنين و الشوق لهذا البيت، حيث أنها نشأت هنا، و كبرت، و قضت أسعد فترات حياتها، هنا تشتم عبق ذكرياتها الجميلة الطيبة، قبل أن يدنسها العالم.. و يحيل قلبها إلى قطعة من صخر !
و فُتح الباب في هذه اللحظة ...
-ماما ! .. قالتها "يمنى" الإبنة الثانية لـ"يارا"، و توأم شقيقتها "يسرا"
-آ أهلاً بحضرتك. إنتي أكيد جاية عشاني صح ؟ ماكنش في داعي تتعبي نفسك و تيجي تاخديني أنا كنت هاتغدا مع تيتة و أروح علطول
كانت تتحدث بإرتباك واضح، بينما ترمقها "يارا" بنظراتها الفاترة، و سرعان ما تجاوزتها و مرت للداخل و هي تقول بلهجة تنم عن سخرية :
-أولاً أنا ماجتش عشانك يا قطتي. ثانياً إنتي فاكرة إن البيت بيتك يعني و واقفة تحققي معايا على الباب ؟ ده كان بيتي قبلك على فكرة !
-و بيتي أنا قبل ما عينك تشوف النور يا ست هانم !
جمد صوت "ميرڤيت" كل شيء للحظات، إلتفتت "يارا" نحو مصدر الصوت، لتجد أمها العجوز، تجلس هنا بحجرة المعيشة أمام طاولة الغداء، كانت تجلس فوق الكرسي المتحرك بالطبع
لوهلة إهتزت دفاعاتها، و إنتابتها رغبة قوية في الإنطلاق صوب أمها و الإرتماء بين ذراعيها ثم البكاء حتى تجف عينيها... لكن ليت الأمر بهذه البساطة، ليته بيدها
فرغم كل شيء، هي قد وعدت نفسها بأنها لن تضعف أبداً، مهما حدث لها، لن تسمح للتخاذل بالتمكن منها، و لو رأت الموت أمامها... ستظل قوية و متجبرة حتى النهاية !
-إيه إللي جابك ؟ إنتي رجلك خدت على هنا. أنا مش قولتلك مش عايزة أشوف وشك تاني ؟!!
تجاهلت "يارا" حديث أمها الحاد، خاطبت إبنتها بحزم دون أن تحيد عن "ميرڤت" :
-يمنى. إدخلي جوا شوية. عايزة أتكلم مع جدتك لوحدنا
-مافيش كلام بينا يا هانم. و إتفضلي منغير مطرود
-يمنى ! .. كررت "يارا" بهدوء حازم
و في الأخير إضطرت الفتاة للإذعان لأمر أمها، رمقت جدتها بنظرة إعتذار و فرت نحو الداخل، حيث غرفتها المخصوصة و التي كانت بيوم من الأيام تخص أمها ...
-يعني لازم أرجعلك جثة عشان تسامحيني و ترضي عني ؟!
تساءلت "يارا" و هي تجلس مقابل والدتها ثابتة على موقفها القوي.. تطلعت "ميرڤت" إليها، عبست قائلة بقساوة :
-ياريت كنتي رجعتي جثة من زمان. أحسن ما كان يجي عليكي اليوم إللي تبقي فيه مجرمة و قاتلة !
-أنا كنت باخد حقــي ! .. صاحت "يارا" بإنفعال شديد
و هكذا تملك منها الغضب فجأة رغم أنها لم تكن تود ذلك... صوّبت نحو أمها نظراتها المحتقنة و هي تستطرد بصوت خشن :
-شكلك نسيتي أنا إتعمل فيا إيه.. نسيتي إنك أول واحدة رمتيني في النار. بعتيني و كل ده عشان الفلوس. و في الأخر كسبنا إيه ؟!!!
ميرڤت بغضب : إخرسي يابت إنتي. من دي إللي باعتك ؟ هو كل أم تدور على مصلحة بنتها تبقى باعتها ؟؟!!
يارا بتهكم لاذع :
-و كانت مصلحة زي الفل. إتجوزت سفاح. قتل عمه و إخواته. و لما مات بقدرة قادر يختفي كل دليل يثبت إني كنت متجوزاه. حتى عمي إللي شهد على جوازنا بنته إشترته بالفلوس و خلته ينفي حكاية جوازي منه بمنتهى البرود و الوقاحة. حتى إبني الحاجة الوحيدة إللي كنت حاطة عليها كل أملي.. راح. كلكوا بعتوني. و دلوقتي جاية تحاسبيني ؟ على إيـه ؟؟؟
و هنا صمتت "ميرڤت".. بعد أن نجحت "يارا" في إخماد ثورة هجومها، و هذا ما ظنته "يارا"، أنها لن تبادر لمهاجمتها مرةً أخرى، لكن خاب ظنها عندما قالت الأم محدقة فيها بنظرات حادة :
-و جوزك أبو بناتك.. ذنبه إيه ؟ غدرتي بيه و ظلمتيه ليه ؟ ده ماعملش فيكي حاجة وحشة. كان منى عينه يسعدك و يعيشك في هنا طول عمرك. ده جزاؤه ؟
يارا بغلظة : رؤوف موته كان طبيعي. أنا ماليش يد فيه. ماينفعش تقولي عليا قاتلة بسبب حاجة مش بإيدي !
ميرڤت بإستنكار : تسرقي فلوسه و أملاكه و تطرديه من بيته و تخلعيه.. و جاية تقولي مالكيش يد في موته ؟ الراجل إتشرد و مات بحسرته. و كل ده بسببك. إنتي السبب يا يارا. سامعة ؟ إنتي السبب
-خلاص بقـى !! .. هتفت بعصبية
-قولتلك ده قدره. محدش بيموت ناقص عمر
رمقتها "ميرڤت" بنظرة مشفقة، لتقول "يارا" بنفاذ صبر و هي تقوم ممسكة بحقيبة يدها :
-ماما.. أنا عملت إللي عليا و جيتلك للمرة الألف. خليكي فاكرة بس إنك في كل مرة كنتي بتقفلي بابك في وشي. سلام !
و إستدارت مغادرة
-ربنا يهديكي يابنتي ! .. تمتمت "ميرڤت" بخفوت و هي تراقب رحيلها
ما أن سمعت باب الشقة و قد أُغلق، حتى سمحت لدموعها الحبيسة بالإنهمار.. دموع الحزن و الحسرة على إبنتها الوحيدة، متى تعود إليها ؟ هل يأتي اليوم و تعود "يارا" الحقيقية ؟ إنها تحيا على هذا الأمل ....
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
فرغ "سفيان" أخيراً من توقيع الإهداءات العديدة للمعجبين، تنفس الصعداء حين إبتعدوا جميعاً عنه، أشار للحراسة خاصته بالإبتعاد قليلاً هم أيضاً
و الآن يستطيع أن يسترخي لبعض الوقت حتى تصل تلك الفاتنة الرقيقة ...
شرع بإحتساء فنجان قهوته الذي نهلت منه بعض البرودة، لكن لا بأس لو إرتشف القليل منه، نظر في ساعة يده من جديد ثم نظر بالصدفة تجاه باب المطعم الفخم
كادت القهوة تنسكب على ملابسه و يده، فها هو يراها تلج عبر الباب الضخم في كامل أناقتها.. بصعوبة إستطاع تفادي حادث الإنسكاب هذا، وضع القهوة مكانها فوق الطاولة و قام ليستقبلها
.لم يحيد عنها للحظة، كان يشملها كلها بنظرات فاحصة متلهفة، رباه !
ما هذا الجمال الذي تتمتع به تلك المخلوقة الرائعة !!
و ما هذا الرداء الجميل الذي يصف و يشف روعة قوامها... رغم جرآة ما ترتديه إلا أنها بدت في غاية البراءة، رغم حدة زينتها و خاصةً طلاء شفاهها الناري، إلا أنها لا تزال رقيقة، كزهرة ربيع في طور التبرعم !
-أهلاً أهلاً. أخيراً جيتي ! .. قالها "سفيان" و هو يقبل عليها مبتسماً
يارا و هي ترد له الإبتسامة :
-مساء الخير يا سفيان. إزيك ؟!
-بقيت كويس جداً لما شوفتك .. و أخذ يدها و رفعها لفمه حتى يقبلها
يارا بصوتها الرقيق :
-ميرسي. You're so kind !
رمقها بنظرة شغوفة، و مضى ليسحب لها الكرسي لتجلس :
-إتفضلي إقعدي !
جلست "يارا" و هي تشكره ثانيةً، و جلس بدوره أمامها و هو يقول متذمراً :
-أنا جيت في معادي بالظبط. بس إنتي إللي إتأخرتي شوية
إبتسمت "يارا" و ردت بلهجتها المغناجة التي أذابته منذ الوهلة الأولى لسماع صوتها :
-آسفة و الله يا سفيان. الطريق كان زحمة أوي في وسط البلد. لحد ما أقدرت أوصل كان فات كتير. و أنا قلت أجيبك في مكان محدش يضايقك فيه. ما أنا عارفة إنك Star مشهور و كده !
سفيان عابساً : هو من ناحية المضايقة خلاص حصلت. أنا سلمت على كل الموجودين حوالينا تقريباً حتى صاحب المكان جه يسلم عليا و يتصور معايا.. ثم قال بإبتسامة :
-بس خلاص طالما جيتي في الأخر يبقى كله يهون عشانك
-Thank you بجد
-تشربي إيه بقى ؟ و لا أطلب العشا الأول ؟
-لأ يا حبيبي أنا مابتعشاش. ممكن أي Fresh Juice بس
إزدرد "سفيان" لعابه بتوتر و هو يتابع حركة شفاهها المرنة و رفرفة أجفانها المثيرة، تفاصيل تقتله في الصميم، و بالكاد إستطاع إستدعاء النادل و أملا عليه طلباتهما ...
عاد يركز معها مرةً أخرى، وجد لسانه ينطق من تلقاء حاله :
-مش هاتقوليلي بقى إنتي عايزة مني إيه ؟!
يارا بهدوء رصين :
-إنت إللي عاوز يا نجم. مش أنا
سفيان بدهشة : أنا !!
أومأت له : آه.. أنا لحد إمبارح كنت مجرد معجبة عادية زي كل معجباتك. غصبتك تتصل بيا ؟
-لأ !
-جبتك تقابلني بالعافية ؟ و لا إنت إللي طلبت ؟!
-أنا إللي طلبت.. بس إنتي ...
-أنا إيه !
عثر "سفيان" على كلماته بصعوبة و قال :
-إنتي ذكية. دلوقتي بترمي الكرة في ملعبي بعد ما نجحتي في لفت نظري ليكي. عايزاني أقولك إيه دلوقتي ؟؟!!
هزت كتفيها قائلة :
-قول إللي إنت عايزه طبعاً. قول إللي إنت حاسس بيه.. إنت حاسس بإيه دلوقتي يا سفيان ؟
أجابها بدون تفكير :
-أنا كمان معجب بيكي. من فترة كبيرة. يمكن من أول مرة شوفتك فيها. حاجة فيكي شدتني مش عارف إيه هي !!
إبتسمت مجدداً و هي تقول :
-حلو. أدينا متفقين على حاجة.. بس تفتكر أخر الإعجاب ده إيه ؟!
عبس حائراً : مش فاهم !!
و هنا جاء النادل، وضع المشروبات الطازجة أمامهما و رحل سريعاً... لتخاطبه "يارا" الآن على نحو جدي تماماً :
-بص يا نجم. أنا ست حرة آه. مستقلة بنفسي و محدش واصي عليا. بس في نفس الوقت عندي مبادئ مش ممكن أغيرها
-و إيه إللي ممكن يغيرها من ناحيتي يعني ؟
قالت بصراحة أكثر :
-أنا مش برافق حد. لا عمري عملتها و لا عمري هاعملها. و لو حقيقي إنت معجب بيا و عايزني معاك بإستمرار فلازم ده يحصل في شكل رسمي
-رسمي إزاي ؟ أكتر من كده ؟ ما إحنا مع بعض أهو قدام كل الناس
يارا بجمود : مش هانستمر على الوضع. لو عايزني معاك علطول كده مش هاينفع. أنا كمان واحدة معروفة و ليا سمعتي
إزدادت حيرته بالفعل، فسألها بجدية :
-طيب أنا ممكن أعمل إيه ؟ أنا مش في نيتي أبعد عنك. زي ما قولتلك أنا فعلاً معجب بيكي جداً و عايز أقرب منك أكتر و أتعرف عليكي أكتر
عادت البسمة إلى وجهها من جديد و قالت :
-يبقى مافيش غير حل واحد عشان أسمحلك بكل ده !
سفيان بتلهف : إيه هو ؟!
صمتت لبرهة، ثم قالت :
-نتجوز !
-نتجوز ! .. لم يقلها على سبيل المفاجأة، بل قالها بصيغة الموافقة
رفعت حاجبيها قائلة بدهشة :
-معقول وافقت بالسرعة دي ؟ مش عايز تسأل عني الأول و لا تاخد رأي أهلك حتى ؟!!
سفيان بجدية : أنا مش عايز غيرك إنتي. مش عارف إنتي عملتيلي إيه بس كل إللي أعرفه إني مستعد أعمل كتير عشان إبقى جمبك. مش هبالغ لو قولتلك إني يمكن أكون حبيتك يا يارا !
-معقولة ! حبتني بالسهولة دي ؟ ده إنت ماتعرفش عني إلا إسمي بس. سني حتى ماتعرفوش.. و أكملت بمكر :
-يمكن لو عرفته تغير رأيك !
-لا طبعاً مش هاتوصل لكده. أنا عارف إني جمبك أبان صغير شوية. بس ده لأني فعلاً صغير. أنا ماكملتش 24 سنة. لكن إنتي بردو جميلة جداً. و جمالك يديكي كذا عمر. وشك مش محدد سنك أبداً
-طيب و إنت ؟ تديني كام سنة يعني ؟! .. تمتمت مبتسمة و هي تميل صوبه بدلال
قبض "سفيان" على حافة الطاولة بيداه و هو يتآمل جمالها الآخاذ بنظرات إعجاب واضحة، ثم قال بصوت أكثر توتراً :
-مجرد تخمين.. مش أكتر من 32 سنة. و أنا آسف لو طلعت غلط إنتي شكلك صغيرة أصلاً !
و حبس أنفاسه حين إنفجرت ضاحكة بقوة، إرتبك و هو يتطلع حوله ليرى رواد المطعم جميعاً ينظرون نحوهم... نظر لها مجدداً
فكفت عن الضحك بصعوبة و هي تقول :
-الله يحفظك يابني و الله.. معلش هاخيب ظنك بقى. الشهر إللي فات تميت 48 سنة
و عادت للضحك، بينما جمد هو من الصدمة... بذهلت جهد كبير لتهدئة نفسها، ثم نظرت إليه قائلة بإبتسامة عريضة :
-أنا مقدرة شعورك دلوقتي. عشان كده مش بطلب منك أي رد. و لو ماردتش خالص. مش هاكون زعلانة أبداً. كفاية إني شوفتك و إتكلمت معاك !
نظر لها عاجزاً عن الكلام، فأردفت و هي تقوم مستعدة للرحيل :
-كانت فرصة سعيدة أوي يا نجم. و هاتفضل My Best Idol . على فكرة.. و غمزت له
ثم رحلت
إنما بقى هو بمكانه، لم يتحرك أبداً، و لا يزال تحت تأثير الصدمة ....... !!!!!!!!!!!!
تعليقات
إرسال تعليق