القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية ليل ياعين الفصل السادس والسابع والثامن بقلم الكاتبه رضوي جاويش حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات

رواية ليل ياعين الفصل السادس والسابع والثامن بقلم الكاتبه رضوي جاويش حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات 



رواية ليل ياعين الفصل السادس والسابع والثامن بقلم الكاتبه رضوي جاويش حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات


 ٦- مدار محترق

ثلاث ليال مرت وهي على حالها قابعة بذاك الركن المنعزل بالغرفة التي يتمدد فيها على فراشه

وقد تحسنت حاله قليلا .. غير ان جابر احضر لها مرتبة وغطاء صوفي كبعض من رفاهية توفر لها نوما اكثر راحة والقليل من الدفء ..

نهضت من موضعها في اتجاهه حيث يستلق غارقا في سبات عميق من اثر العقاقير التي يتناولها ..مدت كفها الى ذاك الكبس البلاستيكي الذي يحوي عدة أدوية تناولت بعضها لتحقنه بها فقد حان موعدها اليومي ..

جلست على طرف الفراش في هدوء تغض الطرف عن جزعه العاري الا من تلك الضمادة التي تبرز موضع جرحه بلون احمر قانِ ..

تطلعت اليه تستطلع اذا كان استيقظ لاقترابها من فراشه اوحتى جلوسها جواره ..فأمثاله يغلقون عينا ويفتحون الأخرى اثناء نومهم مثل ذئاب الجبال حتى يتجنبوا القبض عليهم ووقوعهم بايدي الشرطة وبراثن القانون ..

تأكدت انه يغط في النوم ما منحها فرصة سانحة لتتفرس بملامحه .. حاولت ان تستنج عمره وتوقعت انه لا يتعدى الثالثة والثلاثين عاما على أقصى تقدير ذو شعراسود حالك سبط لا هو بالمجعد ولا بالمسترسل .. جبهة عريضة وحاجبان كثيفان يحتلان قاعدتها يحرسان عيون ثاقبة النظرة تغير ملامح ذاك الوجه المستكينة في تلك اللحظة لغفوتهما الي ملامح اكثر شراسة وقسوة .. انف يعلو في غطرسة ملكية وفم واسع بشفاه غليظة قليلا وأخيرا شارب منمق يتصل بلحية مهذبة تمتد بطول ذقنه المنحوت كما تمثال من صوان ..

انتفضت حتى كادت تسقط حقنة الدواء عندما همس في لامبالاة وهو يضع ذراعه الأيمن فوق جبينه :- بجالك ساعة بتطلعي فيا والحجنة حمضت ف يدك .. مش تنچزي !؟..

اطاعت في اضطراب وهي تمد كفها بحقنة الدواء تجاه ذراعه اليسرى الممددة في اتجاهها .. حقنته فلم يحرك ساكنا ..انتهت وهمت بالنهوض في محاولة للهرب بعيدا الا انه قبض بكفه على معصمها ليعيدها موضعها هامسا وما تغيرت وضعيته :- مش هتغيري ع الچرح .. ولاااه نسيتي !؟..

كان محقا فقد كانت رغبتها في الهرب مبتعدة مسيطرة على عقلها كليا حتى انها نسيت بالفعل ان عليها تغيير الضمادة بأخرى جديدة ورغم ذلك همست مدعية :- لا منستش بس هروح اجيب الشاش والقطن ..

ترك معصمها في هوادة وما ان تأكدت انه فك أسرها حتى انتفضت مبتعدة تتشاغل عن ذاك الاضطراب الذي يشملها بالبحث عن المقص حتى تبدأ مهمتها ..

جمعت كل ما هي في حاجة اليه وجلست على طرف الفراش كالمعتاد .. ما ان استشعر قدومها بقربه حتى رفع ذراعه من فوق جبينه وسطعت عيناه بتلك النظرة التي تكبلها كليا ..

استند على ذراعه الأيمن حتى رفع جذعه مستندا على ظهر الفراش ..

اصبح اللحظة بعيدا عن متناول يدها وستضطر للاقتراب اكثر حتى تصبح قادرة على التعامل مع الضمادة التي تطوق صدره ..

اقتربت مكرهة بالفعل وأمسكت المقص بكف مرتعش حاولت قدر إمكانها منحه الثبات وخاصة مع تلك النظرات المتفرسة التي يسلطها عليها في إصرار يورثها توترا بلا حدود ..

تنفست الصعداء عندما تخلصت من الضمادة القديمة بقصها .. وبدأت في تعقيم الجرح ..

رفعت ناظريها اليه مستطلعة مما قُد هذا الرجل الذي لم يهتز للحظة جراء وضع ذاك الدواء الموجع على جرحه الحي لتصطدم نظراتها بعينيه الصارمة لتأسرها بلا فكاك لبعض الوقت ..

لا تعرف كيف استطاعت ان تفك ذاك الاسر المضني لروحها وعادت تضع بعض القطن مع محاولة لف الشاش حول صدره ..

وهمست داخليا في غيظ :- راح فين جابر .. كان بيساعد كل مرة ..

اضطرت لتميل نحوه قليلا حتى تمرر الشاش من خلف ظهره لتعاود لفه من جديد ..

كررت فعلتها عدة مرات وفي كل مرة كان هو يقترب قليلا مع ميلها نحوه حتى يساعدها على قدر استطاعته لكن كل هذا كان على حساب ثباته الداخلي .. كان اقترابها بهذا الشكل وكأنما هي باحضانه له وقع عجيب على نفسه وفي كل مرة كان يقترب منها كأنما يقترب من قلب الشمس فيشتعل للحظة ليعاود الابتعاد ثم الاقتراب من جديد وكأنه كوكب هرب من فلكه معربدا لاحتراق مداره الذي يضبط إيقاع حركته فأضحى تائها بلا هداية..

انتهت وصلة التعذيب لكلاهما ليظهر جابرعلى اعتاب الحجرة حاملا صينية الطعام هاتفا في ضيق عندما وجدها قد قامت بتغيير الجرح لليل بمفردها دون مساعدته :- استغفر الله العظيم ..اتاخرت عليكِ يا داكتورة معلش .. بس كنت بشوف ايه الأخبار ..

هتف ليل وهو لايزل تحت تاثير اقترابها منه وعينيه لم تحد عنها رغم ابتعادها :- وايه الاخبار!؟.. فيه چديد !؟..

اكد جابر:- ايوه .. حداد تايه مش لاجي حد يبيع له بضاعة كيف اللي عندك.. خليه يورينا شطارته ونشوفوا هيعمل ايه مع سيده مرعي لما يعرف اللي عِمله معاك !؟..

هز ليل رأسه في رزانة هامسا :- طب تمام ..

هم جابر بوضع صينية الطعام على فخذيه وان يتناول عدة أطباق منها ليضعهم امام عين لتتناول طعامها وحيدة حيث تكون على راحتها الا ان ليل هتف رافضا وأمره :- حطها ع الأرض وكلنا نكلوا سوا ..

هتف جابر معترضا :- بس لساك تعبان يا بيه .. ليه تجوم من ..

قاطعه ليل امرا من جديد :- اني بجيت كويس وزهجت م الرجدة .. حط الصينية مطرح ما جلت لك ..

اومأ جابر برأسه في طاعة منفذا ليضع الصينية على احدى الحصر بوسط الغرفة .. نهض ليل في هوادة بمساعدة جابر وجلس حول الصينية مشيرا لعين هاتفا :- مدي يدك يا داكتورة بِسْم الله ..

هتفت رافضة :- لا مش جعانة ..

اكد جابر :- طب حتى عشان يبجى عيش وملح ..

هتفت في تهور ساخرة :- عيش وملح مع اللي خاطفني !؟..

هتف ليل معترضا :- احنا مخطفناش حد .. انتِ اللي رميتي بلاكِ علينا ..

هتفت مستدركة :- بس انتوا محتجزني هنا بدون وجه حق ..

هتف ليل معترضا :- مين جال !؟.. احنا سايبنك هنا لأننا بنأمنوا نفسينا .. وده حجنا .. وجلنالك لما نخلصوا امورنا على خير هنسيبوكي .. حد غيرنا كان جتلك وتاوي جتتك ومحدش عرفلك طريج چرة .. وتعالي كلي بدل ما تكبر ف دماغي ونخلصوا منيه دلوجت الموال الماسخ دِه ..

هتف بتهديده الأخير في نبرة جعلتها ترتجف داخليا وبنظرة بسيطة اليه ايقنت انه ليس تهديدا اجوفا بل هو قادر على ذلك تماما فتحركت في هوادة وجلست حول الطاولة ليزفر هو في ضيق أمرا إياها :- كلي ..

همست متطلعة الى الطعام الذي لم يكن معتادا بالنسبة لها :- اكل ايه !؟..

تعرفت على بعض الأصناف خلال اليومين السابقين لكن اليوم لا تعرف معظم ما هو موجود بالأطباق ..

اشارت لطبق به بعض الخضروات المطبوخة متسائلة :- ايه ده !؟..ده شبه الملوخية ..

هتف جابر شارحا :- ايوه صح يا داكتورة.. دِه عندينا اسمه جاكود .. عبارة عن سبانخ محطوط عليها بامية مطحونة .. تشبه الملوخية ف الشكل لكن طعمها غير .. جربيها ..

مدت كفها بملعقة تتذوق الطعم وهمهمت مستحسنة:- طعمها حلو فعلا ..

كان ليل يدعي انشغاله بالطعام يرنو اليها بطرف لحظه من ان لأخر مستمتعا بما يحدث ..

لتشير مرة أخرى لاحد الاطباق البعيدة عن متناول يدها :- وده ايه !؟..

هتف جابر وهو يناولها الطبق :- دِه الكرمديد ..زي ما تجولي كده فتة معمولة بعيش الدوكة اللي دوجتيه جبل سابج وعچبك وخليط من المية والزيت والحلبة المطحونة ..

ومد جابريده بطبق اللحم لتتناول منه ما تشتهى هاتفا :- ودِه اسميه الكاشيد ..

تناولت بعضه فاعجبها كذلك وهتفت في أريحية ندمت عليها لاحقا :- انا عقبال ما ارجع هكون تخنت بتاع عشرة كيلو .. والدنيا برد والأكل حلو بجد..

نهض جابر يحضر قلة المياه بينما همس ليل في لهجة تقريرية وهو يتفرس بها من جديد :- كام كيلو زيادة مش مشكلة يا داكتورة .. بالعكس ..

وتفرس فيها بنظرة شاملة وابتسم ابتسامة ماجنة كانت كافية وزيادة لتخبرها ما كان بصدد قوله عندما عاد جابر بالقلة الفخارية والتي أتت بوقتها تماما لانها غصت بلقيمتها وكانت تحتاج للماء بشكل فوري حتى تستطيع ان تبتلع التلميح الماجن لذلك الوقح ..


*****************


٧- اباياسا !؟..


وقفت على ذاك الجرف العالي تضم معطفها في وجه ذاك الهواء البارد تتطلع للأفق البعيد الى النيل الساحر وبيوت القرية النوبية الملونة بألوان من فرحة تشرح قلب الحزين وتملأه املا ..

شعرت بسكينة عجيبة وسلام نفسي لم تستشعره منذ زمن بعيد .. ظهر جابر ليقف جوارها متطلعا الى الأفق بدوره وتنهد في حسرة لتوجه ناظريها اليه متسائلة في قلق :- هو ليل بيه بخير !؟..

اكد جابر بإيماءة من رأسه ولم يعقب بحرف فتنهدت في راحة هامسة :- المنظر من هنا رائع بجد وكأنك بتطل ع الجنة ..

ابتسم جابر في مرارة :- الچنة راحت يا داكتورة .. الچنة الحجيجية غرجت في تعليات خزان أسوان ومن بعده السد العالي .. اللي انت شيفاه ده يا دوب بواجي من النوبة الأصلية جبل ما مية الخزان والسد يغرجوها ونتهچروا كلنا ..

وتنهد من جديد بقلة حيلة هاتفا :- أوعي تفتكري اني مضايج ..الخزان والسد العالي مصلحة لمصر كلها .. بس هو الحنين اللي ذرعه فينا أهالينا لأرضنا الجديمة وحلم الرچعة ..

هزت رأسها وشعرت بغصة الالم في حديثه فتحركت مبتعدة في هدوء احتراما لقدسية الوجع الكامن داخله وجلست على احد المقاعد الكائنة على مدخل الدار المنحوتة داخل الصخر ..

بدأ جابر في الغناء بصوت شجي اثار داخلها شجنا تعجبته لانها لم تكن تفهم ما يشدو به .. فقد كانت على ما يبدو أنشودة نوبية قديمة :-

اباياسا ابا فيسكيرو ...

وي شوب دارلينايا ...

توبة وووه مالينتو ..

تنبهت ان شخصا ما جلس ليستقر جوارها فإذا به ليل وقد تحامل على نفسه حاملا ذراعه ذات الكتف المصاب بحامل حول رقبته وقد استشعرت انه اصبح افضل حالا .. همست تسأله :- بقيت احسن دلوقتي..!؟..

اومأ برأسه مؤكدا وهو يتطلع الى جابر فاستطردت هامسة :- هو بيغني يقول ايه !؟..

همس ليل وقد حاد بناظريه متطلعا للافق الخلاب امامه :- دي اغنية حنين للنوبة القديمة ..

همست :- بتقول ايه !؟.. تعرف معناها بالعربي !؟

اكد بإيماءة من رأسه وهمس مترجما كلمات جابر النوبية :-

اباياسا ابا فيسكيرو ..

هل يا ترى سيكون في وسعنا !؟

وي شوب دارولينايا..

ان نعتبر كأن شيئا لم يحدث ..

نوبة ووه مالينتو ..

يا نوبة يا وطن الجميع وحبهم الكبير..

شورتي تول كولوستو ...

مكانك في القلب ..

موادي وادي جاجا فارسون باني يدي..

سيرتنا وحكايتنا في دروب القرية الحلوة..

تار كومبا كاشا ناجرشا اراجيد ويي ...

ايقاعات الدفوف وانغامها وحلقات الرقص..

تري هل ذهب هذا بلا عودة ..!؟..

ابجيسمونا تار يوم ويي..

هل سيمن علينا القدر برؤية هذه الأيام

نوبة تووو مالينتو ....

يا نوبة ياحبنا الكبير يا محبوبة الجميع..

انتهى جابر من غنائه ليسود الصمت للحظات وقد انتهى ليل من ترجمة كلمات جابر الذي ظل يقف كتمثال صخري لا يحرك ساكنا وأيقن ليل بحدسه انه يبكي فلم يشأ ان يناديه وتطلع اليها ليجد دموعها تنساب في رقة على خديها .. استشعر اضطرابا ما داخله فحاد بناظريه بعيدا عن محياها محترما تأثرها المُهلك ذاك والذي أورثه تسارعا في نبض خافقه ما خبره من قبل ..

تحرك جابر راحلا ينحدر التلة لينتفض خلفه ليل هاتفا في تعجب :- على فين يا چابر !؟..

هتف جابر مؤكدا في حنق معتاد :- اووف .. استغفر الله العظيم .. رايح اچيب لكم العشا ..

عاد ليل موضعه جوارها ولم ينبس احدهما بحرف واحد الا انها نهضت في اضطراب تهم بدخول الدار هامسة بأحرف متلعثمة لا تدري ما دهاها :- عن اذنك..

هتف ليل في تجهمه الفطري :- مش هتتعشي !؟.. ما انت سمعتي چابر .. جال رايح يچيب العشا .. خليكي جاعدة لحد ما يرچع وبعدين ابجى ادخلي نامي ..

عادت موضعها جواره تجلس في عدم راحة لا تدري مصدرها.. حاولت الا يسقط ناظرها عليه فظلت عيونها تتطلع للافق حتى غابت الشمس مخلفة ورائها لون برتقالي حار شمل الاجواء وسكب الدفء بارجائها...


**************

قلب الهاتف بين يديه مترددا هل يتصل بها ام لا داعِ !؟.. ظل حائرا لبعض الوقت حتى حسم امره وضغط على زر الاتصال بها ..

لم يستغرق الامر الا لحظة حتى جاءه صوتها الشجي على الطرف الاخر ليُذهب براحة باله الى غير رجعة وهي تهتف في لهفة :- الو .. الو يا حضرة الظابط ..

هتف هشام ما ان استجمع شتات نفسه :- الو.. السلام عليكم يا آنسة نجوى .. اخبارك ايه !؟..

هتفت في عجالة :- الحمد لله .. تمام ..

هتف يحاول إطالة الحوار :- وأخبار صحة الوالدة..!؟.. يا رب تكون ..

قاطعته نجوى هاتفة في لهفة :- ماما بخير فيه اخبار عن عين !؟..

تلعثم هشام هاتفا :- هو الصراحة .. لا .. مفيش أي أخيار جديدة .. بس

هتفت نجوى في ضيق وقد شعرت بإحباط رهيب:- بس ايه !؟..

اكد هشام متلعثما :- بس خير ان شاء الله .. انا اتصلت عشان اطمنك اني مش سايب الموضوع ..

هتفت في هدوء :- متشكرة لحضرتك ..

ساد الصمت للحظة ظل يبحث خلالها عن ايه اعذار يمكن ان يطيل بها عمر المكالمة لكن عقله المشوش لم يسعفه فهتف في قلة حيلة :- طب اقولك سلام عليكم ..

همست نجوى :- وعليكم السلام ..

أغلقت الهاتف ليتطلع هو لهاتفه في غيظ هامسا في حنق :- مكنتش قادر تطول المكالمة شوية !؟..كنت قول أي حاجة ..

هتف العقيد حسان وهو يدخل على هشام مكتبه ليجده على هذه الحالة :- انت بتكلم نفسك يا هشام..!؟..

انتفض هشام مؤديا التحية هاتفا :- لا يا فندم بكلم نفسي ايه .. بعد الشر عليا .. انا كنت بفكر ف القضية .. اصلها عويصة قوي ..

ابتسم العقيد حسان في خبث ولم يعقب ..

*************

انتهوا من تناول الطعام لينهض جابر مبعدا الصينية الفارغة حاملا ركوة يصنع عليها الشاي

هتفت عين وهي تراه يحضر الأكواب على صينية صغيرة :- انا عايزة ..إتشي جيلّة .. يا جابر ..

قهقه جابر مؤكدا :- من عنايا يا داكتورة .. بقيتي خبيرة باللغة النوبية ..

قهقهت بدورها وليل يتابعها :- خبيرة ايه بس ده انا يا دوب حفظت أسماء الأكلات بالعافية .. واسم الشاي باللبن عشان بحبه ..

اكد جابر مبتسما :- احنا النوبيين المشروبات المفضلة عندنا تلاتة .. ال اتشي جلة ده الشاي بلبن .. والكركدية الساقع ف الصيف .. والأبريه ده ف رمضان أساسي ..

هتفت عين مازحة :- لا خلينا ف الشاي بلبن .. مفيش احلى من اتشي جلة ف الشتا ده ..

ناولها الكوب فتناولته محتضنة إياه ليبعث ببعض الدفء في اوصالها وقد بدأت درجات الحرارة في الانخفاض عندما اخذ الليل يرخي سدوله ناشرا العتمة بالافق ..

تناول ليل كوبه كذلك مرتشفا منه في استمتاع .. تطلعت الى جلبابه الخفيف في مثل ذلك الطقس البارد وهمست :- لازم تلبس حاجة اتقل من كده.. انت تعتبر لسه تعبان .. وممكن يجيلك مضاعفات..

همس ليل دون ان يوجه اليها ناظريه :- انا مرتاح كِده .. ومتعود ع البرد ..

همست معترضة :- الكلام ده لما تكون بحالتك الطبيعية ابقى اعمل اللي انت عاوزه .. لكن انت دولوقتى تعبان يبقى لازم تلتزم بكلامي ..

ادار وجهه ناحيتها هامسا بتعال :- ليه !؟..

همست بتعال مماثل :- عشان انا اللي بعالجك وعارفة المصلحة فين ..

همس يحاول استدراجها :- وتهمك مصلحتي ف ايه !؟..

همست مؤكدة :- عشان تخف وتخلص م العملية المتأجلة دي وتعتقني لوجه الله ..

ابتسم بمرارة :- اذا كان كِده تبجى اتفهمت .. جومي جيبيلي حاچة تجيلة من جوه احطها على كتافي ..

جزت على أسنانها وهو يأمرها بهذا الشكل وكأنها جاريته بدلا من ان يأمر جابر بذلك لكنها زفرت في نفاذ صبر واندفعت للداخل تحضر له غطاءً صوفيا وضعته على كتفيه ليتدثر به جاذبا إياه على جسده متلمسا دفئه وهو يرمقها بنظرات لم يكن لها تفسير بقاموسها الشحيح ..

هتف جابرهاتفا فجأة :- تعرفوا ايه هي حكاية ليل وعين اللي بيتغنوا بيهم !؟..

قالها جابر ببساطة ليتطلع كل منهما للأخر للحظة ثم يحيد ناظريه عن صاحبه ليستطرد جابر مستجمعا اهتمامهما من جديد هامسا بصوت شجي:- حكولنا زمان ف الحواديت ان ليل كان عاشج .. وعين كانت معشوجته .. تاهوا ف البلاد وفرجتهم الدروب .. لكن عمرهم ما نسيوا بعضيهم وفضلوا يدورا على بعض .. هو يلف بلاد وينادي ياااعين .. وهي تلف بلاد وتنادي يا ليل .. لحد ما جمعهم المغنى .. وعمر ليل چه من غير عين .. ولا عمرها عين اتجالت من غير ما يكون مرافجها ليل ..

كان كل منهما ينصت لحكاية جابر الأسطورية غير قادرعلى التطلع الى الاخر ليبدأ جابر في شدوه مترنما بمطلع يا ليل .. يا عين .. ثم استكمل مترنما بموال عن العشق وحال العاشقين :-

ومنين نچيب ناس لمعنات الكلام يتلوه

وانا جلبي يابا فرسه فدرب الهوى طلجوه

لا عارف أرده يا بوي

ولا واعي الصبر فين نلجوه ..


**************


٨- قاتلتها السمراء


ظهر جابر على مطلع التلة التي تفضي الى الدار الحجري حيث يقيمون .. كانت تجلس على ذاك المقعد الحجري المستطيل الشكل الذي على ما يبدو انه جزء لا يتجزأ من احد جدران البيت ..

هتف جابر في مودة فطرية يتميز بها اهل النوية بوجه عام مشوحا بيده متسائلا عن حالها :- ماسكاجنا .!؟..

هتفت عين الحياة مبتسمة بدورها تحاول تذكر الرد المناسب بالنوبية لتخبره انها بخير :- ماسكاجر ..

قهقه جابر مؤكدا :- بتتعلمي بسرعة يا داكتورة .. ده شوية ومنعرفش نفرجك عنينا ..

قهقهت بدورها هاتفة :- بحاول ..

واستطردت وهي تشير للقرية النوبية البعيدة نوعا ما :- ايه الدوشة اللي هناك دي يا جابر !؟..

اكد جابر :- ده فرح يا داكتورة .. عجبال فرحك عن جريب ..

طل ليل في تلك اللحظة متطلعا اليها لتشيح بناظريها عنه وهو يعاتب جابر هاتفا في نزق :- جاعد انت تحكي حكاوي الحريم دي وسايبني متلجح چوه .. مش تاچي نشوفوا هنعملوا ايه !؟.

انتفض جابر هاتفا :- استغفر الله العظيم .. يا بيه ما اني كنت فاكرك نايم .. وبعدين كل اللي اتفجنا عليه اتحضر ومستني أوامر چنابك ..

جلس ليل على طرف المقعد الحجري مشاركا إياه معها فشعرت بضيق عجيب يشملها ورغم بعد المسافة بينهما والتي تزبد عن المتر قليلا الا انها شعرت به اقرب مما ينبغي فتملمت في جلستها وهمت بالنهوض مغادرة لداخل الدار الا ان جابر هتف يستوقفها :- يا داكتورة !؟..

استدارت تستفسر فإذا به يسألها :- ليكِ شوج تنزلي تتفرچي ع الحنة اللي هتكون الليلة باذن الله ..

نقلت نظراتها بين ليل وجابر وتساءلت في تردد:- هو ينفع !؟..

نهض ليل ووقف على حافة التلة متطلعا للأفق هاتفا في نبرة مسالمة على غير العادة :- اه ينفع .. واني كمان نازل ..

هلل جابر في سعادة :- تمام جوي .. وانا كنت عامل حسابي وچبت لِك دِه يا داكتورة .. لازما تلبسيه مينفعش تنزلي بهدومك دي عشان يعني ..

لم يكمل جابر حديثه لكنها استنتجت ما كان يعنيه فهزت رأسها موافقة وتناولت منه تلك اللفافة التي لا تعلم ما تحويه ودخلت لتبدل ملابسها ..

ساد الصمت وليل لايزل يقف موضعه شاردا حيث سادت الظلمة على مدد نظره وبدأت أصوات الاحتفال تعلو وتناهى صوت الموسيقى بالدفوف الى حيث موضعهما لكنه استفاق من تيهه على أصوات رنانة جعلته يلتفت الى حيث مصدرها كانت عين قد ظهرت هاتفة في حرج :- انا خلصت..

وقفت عند باب الدار حيث يغمرها ضوء المصابيح التي تم إشعالها ما ان قررت الشمس الأفول لتظهر بذاك الزي الذي جعلها ايه من جمال رغم بساطته..

كان صوت تلك القلائد الذهبية التي ترتديها هو ما جعل ليل يستديروظل يتطلع اليها في صمت غامض ولم يعلق بحرف واحد رغم انه لم يحد بناظريه عنها مما جعلها تضطرب خجلا الا ان جابر هتف في انشراح :- الله يا داكتورة .. الچِرچار عليكِ حاچة عظمة ..

ابتسمت حياءً هامسة :- متشكرة يا جابر بس هو اللبس ده اسمه الجرجار !؟..

اكد جابر :- اه يا داكتورة .. ده عباية ملونة وفوجيها عباية سودا من التل .. دِه الزي النوبي ..

تطلعت عين لطرف الزي الخلفي وهتفت :- طب وليه طويل من ورا شوية عن قدام !؟..

قهقه جابر مفسرا :- ما دِه سبب تسميته يا داكتورة .. چِرچار .. يعني طرفه بيتچرچر وراكِ وانتِ ماشية عشان يخفي اثر خطوات الحريم .. نوع من أنواع الأمان يعني ..

هزت عين رأسها متفهمة ليخرج ليل من صمته أخيرا وهتف بنفاذ صبر :- مش ننزلوا ولا لسه فيه حكاوي تاني !؟..

تحرك جابرمستغفرا يهرول نازلا التلة ليتبعه ليل بخطوات متمهلة وهي تتبعه .. كانت تعتقد انه لايزل متعبا جراء جرحه الذي بدء يطيب الا انها تأكدت انه يبطئ الخطى من اجلها .. كانت تجاهد لكي تهبط بشكل صحيح غير مندفع قد تكون نهايته ملقاة اسفل التلة ..

تحققت مخاوفها حرفيا فقد بدأت في الاندفاع هبوطا رغما عنها وكأنما احد يدفعها عنوة وتخيلت نفسها ممددة بجرف التلة بعد ان تعثرت في خطواتها الا ان ليل كان الأسبق ليقف في طريق اندفاعها مكونا حائطا منيعا صد جسدها عن الانحدارالمتهور نحو الأسفل ..

نوقف الاندفاع وألتقطت أنفاسها في تتابع محموم وهي تدرك انها نجت بأعجوبة لكن ذاك الوضع الحميمي الذي وجدت نفسها به كان الادعي لتستمر ضربات قلبها في التزايد وهي تضع كفيها مفرودتين على صفحة صدره الملاصقة له تحاول الابتعاد لكن لا مجال لذلك وقدماها مغروزتان في الرمال ..

رفعت ناظريها اليه تحاول ان تقول شيئا .. أي شيء يخرجها من متاهة المشاعر التي تدور فيها ولا تجد لها مخرجا الا انها على العكس وجدت نفسها في متاهة اكثر تيها عندها تلاقت نظراتهما وغابت تماما عن حدود الزمان والمكان وهي تبصر بقلب هاتين العينين السمراوتين عالم من عجب.. ودنيا من حلم ..وأطياف من بهجة ..وحياة من ابدية .. مشاعر خرقاء واحاسيس تعربد بين جنبات الروح في عشوائية حلوة وصخب صامت اشد ضجيجا من عزف ألاف الدفوف .. وحشة وانس ودود ووحشية تعلن عن نفسها في همجية متحضرة بقرع طبول قبائل بدائية قد أتخذت من العشق مذهبا ..

انتفضت لكنها لم تشح بنظراتها عنه اوترفع كفيها عن صدره وهو يمد كفيه ممسكا كتفيها يثبتها موضعها حتى يتسنى له الحركة مبتعدا ليفض اشتباك المشاعر ذاك وفوضى الحواس التي غرق فيها حد الثمالة وأخيرا ما ان اطمئن انها بخير تحرك يوليها ظهره مستكملا طريقه وهو يضع كفه على موضع جرحه الذي اعتقدت انه يؤلمه جراء اندفاعها بهذا الشكل تجاهه الا انها تنبهت انه يضع كفه على موضع قلبه ولم يرفعه عنه الا عندما اقترب من حدود القرية النوبية فمد كفه يغطي وجهه بطرف عمامته ليدخل القرية خلف جابر ملثما لا يظهر من خلف لثامه الا عينيه قاتلتها السمراء ..

تنبهت انه اتجه لموضع الرجال في أقصي المكان يحاول ان لا يكون ظاهرا على قدر الاستطاعة اما هي فقد توجه بها جابر لتستقر جوار شقيقته مستورة التي أهدتها الجرجار الذي ترتديه اللحظة لتصبح واحدة من فتيات كثر يجلسن مصفقات او مشاركات في حلبة الرقص على قرع الدفوف وأنغام الأغاني النوبية المبهجة ..

جذبتها مستورة لتشاركهن الرقص الإيقاعي المتمايل فتمنعت قليلا الا انها نهضت تشارك بالفعل وقد غمرتها عدوى الفرحة التي استجابت لها بكل كيانها .. بحثت عنه بناظريها حيث جلس منذ وصولهم الا انها لم تجده .. بحثت عن جابر فلم تجده كذلك .. شعرت ان في الامر سرا .. قررت تجاهل غيابهما والاستمتاع ولو قليلا وخاصة عندما عرضت عليها مستورة رسم بعض الحناء على ظاهر كفيها فوافقت على الفور .. لكنها بعد فترة قصيرة ما ان انتهت من رسوم الحناء عادت تبحث عنهما بعيون زائغة حتى ظهرا أخيرا قرب نهاية الحفل ..

أشار اليها جابر لتتبعهما فأطاعت ترفع اطراف الجرجار حتى تستطيع اللحاق بهما ..

دخلا الدار الصخري أخيرا فتنهدت في تعب بعد ما عانته لصعود التلة وشعرت برغبة شديدة في النوم..

دخل ليل الغرفة وتبعته متجهة الى ركنها المعتاد الا انه هتف يستوقفها مشيرا للفراش :- السَرير بجي ليكِ يا داكتورة .. انا بجيت تمام ومش محتاچ حد معاي خلاص .. هفرش لي ف اوضة تانية وانتِ خدي راحتك هنا..

لم تعقب بحرف فهذا من دواعي سرورها ان تمدد جسدها المنهك على فراش دافئ أخيرا .. جمع حاجياته المبعثرة بالغرفة وما ان هم بالخروج منها الا واستوقفته هاتفة :- انت خدت الأدوية والغيار ع الجرح ليه !؟.. خليهم ووقت ما ..

قاطعها ليل مؤكدا :- مفيش داعي .. الچرح طاب ولوهحتاچ غيار عليه هخلي چابر يجوم بالواچب .. كفاية تعبك لحد كِده .. تصبحي على خير ..

واندفع خارج الغرفة مغلقا بابها خلفه لتتطلع الى الفراغ الذي خلفه رحيله مستشعرة امرا ما غير اعتيادي وخارق للمنطق يدب بصدرها محدثا قرع على أبواب القلب وجدران الروح .. فماذا يمكن ان يكون !؟..

جلست على طرف الفراش وتحسست موضعه حيث تمدد جسده لعدة ايّام وتركت جسدها يتمدد بدوره لا تعلم ما دهاها وهي تتطلع لسقف الغرفة الذي يتراقص عليه شعاع المصباح البعيد متذكرة حالتها العجيبة آنذاك وهي تحاول الخلاص من شرك احضانه لكنها اللحظة تدرك بعين مفتوحة وعقل واعِ انه لا خلاص .. مما جعلها تنتفض مذعورة تحاول ان تنفي هذه الحقيقة التي باتت جلية امام ناظريها .. اكثر جلاءً وواقعية من نبضات قلبها التي تتقاذف بين أضلعها اللحظة معلنة ميلادا لخفقة فؤاد تحمل اسمه الرنان الذي ظل يتردد داخل عقلها المشوش ..ليل الجارحي ..


************

يتبع 



لاتلهكم القراءه عن الصلاه وذكر الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم 


الحلقه الاولى من هنا



الحلقه الثانيه من هنا



الحلقه الثالثه من هنا



الحلقه الرابعه والخامسه من هنا



الحلقه السادسه والسابعه والثامنه من هنا


اللي بيحب الروايات الكامله والحصريه من هنا 👇 ❤️ 👇 


روايات كامله وحصريه



❤️🌺🌹❤️🌺❤️🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹🛺🛺🛺🛺🛺


الصفحه الرئيسيه للروايات الجديده من هنا


جميع الروايات الحصريه والكامله من هنا


انضموا معنا علي قناتنا بها جميع الروايات على تليجرام من هنا


❤️🌺🌹❤️🌺❤️🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹🛺🛺🛺🛺🛺









تعليقات

التنقل السريع
    close