رواية وبقي منها حطام انثي الفصل الخامس عشر والسادس عشر بقلم الكاتبه منال سالم حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات
![]() |
رواية وبقي منها حطام انثي الفصل الخامس عشر والسادس عشر بقلم الكاتبه منال سالم حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات
الفصل الخامس عشر
'' ذاب الحنين وتركني إليها مسافراً..ويعلم إنها بعهد هذا الحب .. هي هاجــرة ''
_ تابعت إيثار خطواته المبتعدة عنها وسيل الدموع ينهمر من عينيها ..هي تُكذب أذنيها التي سمعت توبيخه اللاذع لها وكلماته القاتلة التي ضغطت على وترها الحساس ..طالعت ذلك المكان الذي طالما جمعهما معاً وكأنها تطالعه للمرة الأخيرة ..زادت عبراتها المنمهرة ، وزاد الآلم بداخلها ...اقتربت من ميـــاه البحر وانحنت لتلمس أمواجه بأناملها ، فتخللت رائحة البحر أنفها واعتلى منسوب الدموع حينما تذكرت لحظات أخـــرى مميزة ، فأغمضت عينيها قهراً لتسترجع ما مضى ..........................................................
((( _ أغمضت عينيها لتسمح لصوت تلاطم الأمواج بإختراق مسامعها ، واستنشقت عبير البحر وكأنه عبير زهور برية ينشر صوت حركة أغصانها بالمكان ،مـــال مالك برأسه للأمام ليتأمل هيئتها وعلى ثغره بسمة واسعة ثم هتف بصوت خافت لمس صميمها :بتعملي إي؟فتحت إيثار عينيها لتنظر له بحب ، وأجابته بنعومة تتماشى مع الأجواء :بشم ريحة البحر ، بحبها أويزادت إنفراجة فمه وهو يضيف ببسمة واسعة ضاقت لأجلها حدقتيه : ده بجد!! انا كمان بحب ريحة البحر جداً ، تحسي إنها بتفصلك عن اللي حواليكي !
أجابته نظراتها بدلاً من شفتيها المنمقتين .. وأسبلت عينيها لتنظر إلى صفحة مياه البحر الزرقـــــاء ... ))).....................................................
أفاقت إيثار من ذكراها التي باتت أكثر إيلاماً ، ثم حاولت الإنتصاب في وقفتها ولكنها عجزت عن ذلك ،لقد انحنى ظهرها وشعرت بإنكساره وكأن الهموم تثاقلت على كتفيها ..سارت مبتعدة عن المكان ونسمات الهواء تجفف من عبراتها المتعلقة بأهدابها والملتصقة بوجنتيها حتى قادتها ساقيها لمنزلها ...
( قسا القلب بداخله والعين أظلمت ،تقطعت أوتار عشقه والمودة قد محت ،صرخ قلبها بعشقه وبالرجاء توسلت ،أيا قلبا عشقت لا تقسو فقد أمت ،أهان عليك قلبي ؟ وبالافتراء ترميني ؟كفاك بالجراح عمقا ، فلا يوجد مايداويني ،فوالله يا حبيبي إن جفاءك يقتلني وبعدك لن يحييني ).................................................................
_ في منزل إيثار ، كان أخاها قد حضر قبلها بلحظات .. و دون النظر حيالها هتف مبتسماً :تعالي يا إيثار اتفرجي جيبتلك إيه؟لم تنظر نحوه إيثار .. بل ظلت واجمة في مكانها ، وكأنها تتلقى العزاء في أغلى ما عندها .._ حضرت تحية من المطبخ وهي تجفف كفيها بالمنشفة القطنية ثم دققت النظر في الأكياس البلاستيكية الموضوعة على الطاولة ..زادت إختناقة إيثار ، و همت بالتحرك لحبس نفسها في حجرتها ولكن إستوقفها أخيها قائلاً بإندهاش :دي حاجات جيبتهالك على زؤي عشان جوازك
وكأن كلماته كانت كالملح الذي وضع على جرحها المفتوح فزاد من حدته ..استدارت نحوه ، وعقدت ساعديها أمام صدرها وهي تنطق مستنكرة وقد تحولت نظراتها للإظلام :مين قالك محتاجة حاجة منك !إرتفع حاجبي عمرو لاإرادياً بإستغراب : مش لازم تقولي ، اعتبريها هدية !إيثار وقد تلوت بشفتيها بإمتعاض : مش عايزة
_ ثم تركت المكان وولجت إلى داخل حجرتها في حين تحركت والدتها نحوه وتفحصت محتوى الأكياس لتجد العديد من ثياب العروس المنزلية .. فجلست على الأريكة وهزت رأسها بتحسر وهي تنطق: ادخل طيب خاطرها بكلمتين ، ولا خلاص متعرفش يعني إيه حنية!!- عمرو وهو يطأطئ رأسه للأسفل : حاضر ياماما_ التقط الأكياس ثم ولج لحجرتها بعد أن طرق الباب ، ووضعهم أعلى المنضدة وجلس على حافة الفراش بينما لم توليه هي أدنى إهتمام ..
انكمشت على نفسها وأسندت رأسها على حافة السرير وكأنه نكرة ... مد هو كفه ليطبق على كفها برفق ، ولكنها سحبت يدها بعنف من بين أصابعه ، فشعر عمرو بحجم الفجوة التي أصبحت بينه وبين شقيقته عقب قسوته المفرطة وخشونته في التعامل معها گأنثى على الأقل ، وغزة آلمته بصدره وهو يجاهد للحديث معها قائلاً بصعوبة :مكنتش أتخيل أبداً إن هييجي يوم وتبقي مش طيقاني فيه ياإيثار
أطبقت إيثار على جفنيها لتزيد من شعوره بعدم إكتراثها ، ولم تجبه ..
عمرو مستكملاً بنبرة حانية : يا بت انتي أختي ، يعني محدش هيخاف عليكي أدي ولا حد يحبلك المصلحة غيري !!
_ لحظات صمتها كانت العقاب الأمثل له ، ونظرات العتاب واللوم التي حدجته بها أطبقت على أنفاسه .. فأطلق تنهيدة تابع بعدها حديثه :بكرة لما تبقي في بيتك مع جوزك وعيالك حواليكي هتفتكري كلامي وتشكريني في سرك !
نظرت له بسخط ، وتمتمت مع نفسها بإستنكار :مش هسامحك عمري كله ، كـــله ياعمرو !!!!
_ طال حديثه معها وهو يرسم أمامها خطوط المستقبل المبشر الذي ستحظى به بكنف زوجها ، كما تعمد التأكيد بعباراته بالإشارة عن نيته الطيبة ورغبته في أن تتنعم بحياة آمنة معه ..
لم تصغ إلى كلمة واحدة مما قالها ، بل غرقت في بحور أفكارها وذكرياتها التي أصبحت گسراب الضوء في حياة مظلمة..
قطع شرودها صوت هاتفه الذي صدح عالياً فاضطر للنهوض والخروج من الحجرة ..اعتدلت هي في جلستها لتنهض فما زالت تاركة خلفها المزيد لتجهزه من أجل هذه الزيجة المشؤومة ، ولكنها لم تستطع ، فقد شعرت بثبوط عزيمتها وقواها الخائرة .. فعادت تستند على فراشها ولم تهتم بالبقية ...................................................................
_ مرت عدة أيام ، كان مالك قد عزم افيها بأن يغادر أراضِ مصر كاملة ..نعم ، فقد إعتقد أنها لن تسعه بعد الآن بعد شعور الغدر والخيانة ، ولكنه أخفى ما انتوى فعله حتى يتأكد من إنتهاء كل شيء بدون ضغوط من عمته وزوجها وحتى شقيقته الصغيرة .. خاصة وأن الفرصة التي جاءته لا تعوض ...
.............................كذلك كانت الاستعدادات والتجهيزات لزفاف إيثار في أوج مراحلها .. فقد أصر والدها ( رحيم) على إصطحابها لإختيار الأثاث المتبقي لبناء منزل الزوجية ، كما ذهب الجميع لرؤية محل الشُقة التي ستقطن بها إيثار ..وما أن عبرت إيثار عتبات المنزل الذي سيكون منزلها شعرت وكأن الدنيا تطبق عليها وتحبس أنفاسها بداخلها..شعور بالإنقباض سيطر عليها لم تعرف مصدره ، ولكنها لم تكن مرتاحة على الإطلاق ...حدقت في الفراش الذي ستشارك زوجها بنظرات مصدومة حتى شعرت بالإشمئزاز من حالها ـ فغضت بصرها عنه ، و قررت - مجبرة - إنجاز هذه المهمة المرغمة عليها لتترك سجنها المستقبلي سريعاً .....................................................................
_ كان المساء قد حل ، صعد مالك درجات السلالم فوجد رجلاً غريباً لا يعلم هويته ، حاملاً بيده العديد من الصناديق والحقائب الممتلئة بالحوائج المختلفة وكاد يقرع على باب منزله فإستوقفه بعبارته الجادة قائلاً :حضرتك عايز مين!؟_ نظر له ذلك الغريب بنظرات حائرة ، ثم دقق النظر بالورقة المدون بها الاسم والعنوان ، و عاود النظر إليه محدثاً إياه بشكل رسمي :أنا حسن من سنتر عروستي يافندم ، مش دي شقة الأستاذ رحيم عبد التواب ، أنا جاي أسلمه آآ...
قاطعه مالك وهو يبتسم من زاوية فمه بتهكم : قصدك أبو العروسة؟رد عليه المندوب حسن وقد انعقد ما ببن حاجبيه بعدم فهم : أفندم!هـــز مالك رأسه بعدم مبالاة ، واجابه بفتور :ولا حاجة_ مرت لحظات معدودة من الصمت ثم تابع مالك بنبرة محتقنةوهو يشير بأصبعه للأعلى وقد تغيرت معالم وجهه للعبوس : الأستاذ رحيم في الشقة اللي فوقينا
ابتسم له حسن ، وهتف بنبرة ممتنة : شكرا يافندم
_ لملم المندوب الصناديق والحقائب القماشية ثم صعد للأعلى ، استطاع مالك أن يستنبط لماذا حضر هذا الرجل ، فهو مندوب من أحد المراكز الخاصة بتجهيز العرائس ، تلوت شفتيه بسخرية مريرة ، ثم هتف من بين أسنانه حانقاً :اشبعي بيهم وبيه !!!!
_ عقب أن عبر عتبة منزله صفق الباب بعنف بيّن ، ولم ينتبه لوجود زوج عمته في الصالة الخارجية ، ولكن عندما وقعت عينيه عليه طأطأ رأسه ثم هتف معتذراً :أسف ياعميضغط ابراهيم على شفتيه ليقول وهو يهز رأسه متفهماً :ولا يهمك يابني ، تعالى طمني عليك_ اقترب منه مالك ثم جلس على مقربة منه ونطق بلهجة جافةبعد تنهيدة مطولة :الحمد لله ، عايز أبلغكوا بحاجة ، بس لما تيجي عمتي !
_ حضرت روان من الخارج والأرق بادي عليها بشدة ، نزعت الحقيبة عن كتفيها وهي تغلق باب الشُقة ثم هتفت بضجر :مساء الخيرأجابها إبراهيم بهدوء : مساء النور ، حمدالله على السلامة ياروانردت روان وهي تحاول رسم البسمة على ثغرها :الله يسلمك ياعمو !
نظرت هي لأخيها بنظرات معاتبة ، وهتف بصوت شبه متذمر :-أخيراً الواحد شافك يامالك.. انا فقدت الأمل ياراجل !
_ نهض مالك عن مكانه ثم اقترب منها ليحتضنها بقوة ، فقد مرت بالفعل أيام عديدة لم يستطع أحدهما رؤية الأخــــر ..ربت على كتفها برقة وهو يبتعد ، ثم تأملها لوهلة قبل أن ينطق بنبرة مازحة :واضح أن الدروس خدت بطاري منك !_ أراحت روان رأسها على صدره ثم نطقت بإنهاك :أتبهدلت خالص يامالك ، الثانوية العامة هتجيب أجليمالك محاولاً الشد من آزرها : انتي أدها ياروني
_ حضرت ميسرة من المطبخ وهي تحمل بيدها حامل بلاستيكي ( صينية ) عليه صحون صغيرة زجاجية ، وما أن رأت الوّد بين ولدي أخيها الراحل حتى دار بمخيلتها أن تضاهي بين نموذجين للأخوين ، مالك وروان .. عمرو وإيثار ...والحق يقال لا يجوز المقارنة ولا وجوه لها بهذه المضاهاه ، فاحتلت الفرحة بؤبؤي عينيها ثم تقدمت صوبهم وهتفت بحماس أثناء إشارتها للصحون الصغيرة بعينيها :عملالك الرز بلبن اللي بتحبه يامالك ، يلا غير هدومك وتعالى !
ابتلع مالك غصة مريرة عالقة في حلقه ، فقد بدى الأمر عسيراً عليه ..وأردف قائلاً بصعوبة :عايزكوا في حاجة الأولميسرة وهي تسند الحامل على الطاولة : قول ياحبيبيمالك هاتفاً بمرارة : أنا مسافر كمان أسبوعين
انفرج فم روان بذهول گالبلهاء : هه ، بتقول ايه !!ميسرة وقد انقبضت عضلات قلبها بقوة : مـ.. مسافر ؟ إنت مسافر فين وليه؟!
تحاشى النظر إليها ، وهمس من بين شفتيه بحذر : تركيا !!
ثم صمت لوهلة قبل أن يضيف موضحاً :صاحبي هناك وجاتلي فرصة شغل كويسة ومينفعش أضيعهااحتج إبراهيم قائلاً :بس انت متعرفش لغة ، ولا هتعرف تتأقلم وسط ناس متعرفهمش !!
مالك مبتسماً من زاوية فمه :متقلقش عليا ياعمي ، هعرف أتصرف وبعدين صاحبي هناك وعارف كل حاجة ، وهيساعدني !_ أحست ميسرة وكأنها على وشك خسارة ولدها البكري الذي لم تنجبه وإنما إبن قلبها الذي صنعته لها الأيام ،جلست بتروي على مقعد المائدة بعد أن شعرت بإنهيار ساقيها ، وجاهدت لتخرج صوتها المتحشرج من بين شفتيها ولكنها شعرت بجفاف حلقها .. فخرج الكلام منها متقطعاً غير متناسق :ميسرة : بـ.. بس انت مبسوط هنا وشغلك موجود ، يعني ليه ، قصدي ملهاش لزمة البهدلة يابني .. ليه عايز تبعد عننا ؟
تنهد مالك بعمق ، وخرج صوته صعباً :مش هقدر أقعد هنا ياعمتي ، صدقيني
تجمعت الدموع في عيني روان ، واختنق صوتها وهي تعاتبه : وتسيبني لمين يامالك، أنا ماليش غيرك يعني يرضيك تسيبني في نص الطريق ؟!أطبق مالك جفنيه ليكبح رغبته المميتة في البكاء ، وهمس بمرارة : هابقى معاكي دايماً ياروان ، وبعدين سنة ، ولا اتنين وهتلاقيني نطيت هنا من تاني وهقرفك !
صرخت روان بصوت مرتفع أذهل الجميع ::كله بسبب إيثار ، هي اللي بوظت حياتك وحياتنا معاك.. أنا بدأت أكرهها عشان اللي بيحصل !!
لم تكن حالتها المنفعلة أقل من تلك الثورة الهائجة في صدر أخيها ، ولكنه عقد العزم على ألا يذكرها بأي حال ، فانفلت رغماً عنه زمام الهدوء ، وصدر صوته مخيفاً وهو ينفعل عليها : روان_ ألقت روان حقيبتها على الأرضية ثم تحركت نحو حجرتها وقد على صوتها بالنحيب ، في حين نكست ميسرة رأسها للأسفل وهي في حيرة من أمرها .. بينما خرج إبراهيم من حلقة الصمت وأردف بلهجة رذينة :مالك ، اللي بيسافر يابني مبيرجعش وبتحلاله العيشة بره ، لو عايز تسيب أسكندرية وترجع بعدين ماشي .. إنما بلاش يامالك تركيا ديتابع مالك قائلاً بهدوء حذر :هرجع ياعمي ، أنا سايب روحي هنا ، روان هنا ومستحيل أديلها ضهري ومرجعش تاني وأنتوا أهلي !
_ بكت ميسرة بصمتٍ فأنتبه لها مالك مما أجج من النيران المشتعلة بداخله فجلس نصف جلسة ليكون موازياً لها ثم مسح على وجهها ونطق بحنو :أرجوكي ياعمتي متصعبيهاش عليا ، أنا ربنا وحده اللي يعلم إي جوايا !_ أحس إبراهيم بأن وجوده بهذه اللحظة الخاصة بين الأم الروحية وإبنها لا يجوز ، فإنسحب في صمت ليترك لهما المساحة المتسعة للحديث والعتاب ...نطقت ميسرة بنبرة باكية :روح القاهرة وأقعد هناك ، لكن متسيبش أمك هنا يامالك ، أنت أبني ياحبيبي !_ تعمق النظر بعينيها ليرى شبح والدته المتوفاة فأندلع اللهيب بصدره ..غمامة سوداء غطت ناظريه فلم يعد يقوى على الرؤية .. أطلق تنهيدة مريرة وهو يتابع بصعوبة :ربنا يخليكي ليا ، أنا لو لفيت الأرض مش هلاقي زيك .. بس مش هاقدر ، سامحيني !_ نهض ليتركها وحيدة تفكيرها ، بينما شعرت الأخيرة بحجم البغض الذي حملته داخلها من إيثار وأسرتها أكمل دون تمييز .. حيث لعنت اليوم الذي حضرت فيه تلك الأسرة لتهدم حياته .................................................................
_ كان الأسبوعين اللذين توالا بعد هذا اليوم ، من أعسر الأيام التي مرت بها إيثار وعاشها مالك ..فانقطع الأمل عنهما وأختفى بريقه عن حياتهما ،ورغم تعذر اللقاء ، إلا أن إيثار لم تترك وثاق الأمر بل جاهدت للتمسك به ليكون هو عضدها ..حاولت مراراً الوصول إليه ولكنها عجزت عن ذلك وسط الحصار الفولاذي الذي أُقيم حولها ،وعندما سنحت لها فرصة ملاقاة روان ما كان من الأخيرة إلا الإجابة عليها بفظاظة وعنف وهي تحملها في نظراتها المسئولية :'' مالك مسافر خلاص ، سيبيه في حاله وكفاية الكسرة اللي عملتيها جواه '' !!!
لقد قضت بكلماتها على أخــر أمل متبقٍ لرؤيته ..انتهى الحلم ، وتلاشت الأمـــال ، وظلت المرارة وألم الفقدان ..
_ علمت لاحقاً بأمر سفره القريب والذي تصادف مع موعد الزفاف الذي حدده والدها مع محسن ..كان هذا الخبر هو القشة الذي قصمت ظهر البعير ..فقررت بيأس الاستسلام لمصيرها المحتوم ...
..................................
جاء يوم زفافها ،وأصرت هي عدم الذهاب لمركز التجميل ، واكتفت بوجودها في المنزل لتزين نفسها بنفسها ، اعترضت والدتها كثيراً ولكنها لم تجد من إبنتها الأذن الصاغية لها ، فتركت لها حرية التصرف بعد فشل محاولاتها في إقناعها ..ولكن لم يترك عمرو هذا الأمر لها ، حيث أحضر لها فتاة متخصصة في إعداد العرائس وتجهيزهن لتتولى مهمة تجميلها ...
_ على الجانب الأخر ، كان مالك يحزم أخر حقائبه لمغادرة مصر الليلة..احتفظ بصور والدته ووالده وبعض من ذكريات عائلته القديمة التي احتقظ بها منذ صغره ، ووضعها بعناية داخل حقيبته لتكون سلواه في تلك الغربة القاسية .... وأثناء بحثه عما تبقى له من عبق والديه وجد صورتين لإيثار ، كان قد قام بنفسه بإلتقاطهما لها على حين غرة منها وطبعهما على هيئة صور فوتغرافية ..احتقن وجهه بالدماء وبرز عرق عنقه الغاضب وأطبق كفه عليهما فأصبحتا كرتين صغيرتين ، وبشكل لاإرادي ألقاهما بحقيبة سفره بدلاً عن إلقائهما بسلة المهملات ، ثم أغلق الحقيبة والضيق يعتريه ، واعتدل في وقفته ليكمل إرتداء ملابسه .......................................................................
_ كانت خبيرة التجميل قد انتهت من ضبط وضعية الحجاب الأبيض والطرحة الطويلة التي انسدلت على ظهر إيثار التي كانت متبلدة المشاعر ، ومتجمدة بمحلها ، فتابعت هيئة العروس على المرآة العاكسة وابتسمت وهي تردف لها بإعجاب :ماشاء الله بدر في ليلة تمامه !!أدمعت عيني تحية وهي تنظر لإبنتها العروس : ربنا يحفظك ياحبيبتي ويسعدك ياربأمسكت الخبيرة بذقن إيثار لتوجه رأسها نحو والدتها : إيه رأيك ؟ قمر مش كده !؟تحية بنبرة فرحة :قمر طبعاً_ثم صــد حت أصوات أبواق السيارة من الأسفل فأستشفت والدتها حضور محسن ، وأسرعت تنظر من الشرفة لتجده متواجداً بالأسفل فعادت لإبنتها مرة أخرى واقتربت منها لتهمس لها :متنسيش إي حاجة من اللي قولتهالك ياإيثار ، وأوعي متنفذيش الوصايا اللي قولتلك عليها ، سمعاني يا حبيبتي
لم تعلق إيثار بل شردت في صورتها الباهتة المنعكسة على المرآة ..هي شبح عروس ، بقايا أنثى ...
_ بنفس التوقيت الذي تأهبت به إيثار لصعود زوجها المرتقب ، كان محسن ينهي مكالمته التليفونية مع تلك المرأة التي تحدثه بصوت متذمر :لأ طبعاً متجيش النهاردة ، أنا برضوه عريس ، ومن حقي أعيش يومين ..
لوى ثغره بتأفف وهو يضيف :-خلاص متزعليش ياستي بس مينفعش برضو ،!
أبعد الهاتف عن أذنه ، وأطلق سبة خافتة ، ثم وضع الهاتف على أذنه وتابع بإمتعاض :-حقك عليا ياست الكل .. طيب هقفل معاكي وأكلمك بعدين ، يلا سلام !!!
_ ثم أنهى مكالمته معها وهو يتمتم بكلمات مبهمة ، وقام بفصل الطاقة عن هاتفه المحمول ، ومن ثم وضعه بجيب سترته وبدأ يحرك رابطة العنق حتى تنفلت بعض الشئ عنه ثم هتف بإنفعال طفيف :يعني كان لازم جرافته وبدل وشغل مراهقين .. ده أنا أتخنقت !!!!
_ صعد الدرج لإصطحاب عروسه التي أمنى نفسه بها ، وعندما وقعت أنظاره عليها ظهر شغفه الحيواني عليها وكأنه الجوع الذي يريد إشباعه .. انقلاب سرى بكيانه وهزه رجولته بعنف لمجرد رؤية هذا الجمال الكائن باللون الأبيض ،
اقترب محسن منها ليمسك بكفها ثم قبله بعمق وكأنه يغرز أنيابه بها .. فدبت القشعريرة داخلها خوفاً مما هو أتٍ ومما هي مقبلة عليه ..
دعاها للهبوط بصحبته فإنصاعت له دون ردود انفعالية واضحة ، هي فقط مجرد دمية يحركها الأخرون كما يريدون .. هي مساقة ليس لها الحرية ..
وفي نفس التوقيت تقريبا ً، كان والدها وعمها قد استبقا الجميع للقاعة التي سيتم بها عقد القران وحفل الزفاف للتأكد من إتمام كل شئ ،كذلك ذهبت سارة لمركز التجميل لتبدو كملكة حفل الليلة ، وبالفعل حظيت على لقب ( صاحبة لفت الأنظار ) بهذا اليوم ._ أنهى المأذون عقد القران بعبارته الشهيرة'' بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير ''
_ فإنتشرت البهجة وعلت أصوات الزغاريد وبدأ الجميع يتسابق في تقديم التبريكات والتهنئات للعروسين السعيدين ...كانت أول بادرة قام بها محسن هي طبع قبلة صغيرة على شفتيها بصورة مباغتة مما وضعها أمام الجميع في موضع حرج ، فحدجته بنظرات حانقة مشتعلة ثم نطقت متذمرة من فعلته الجريئة أمام الجميع : إزاي تعمل كده قدام الناس!!لف محسن ذراعه حول خصرها ، وشد من قبضته عليها ، وهمس لها من بين أسنانه بلؤم مخيف :مراتي، واللي عنده كلمة يلمها ياحبيبتي !!!
_ جاهدت إيثار للإبتعاد عن صدره الذي أصبح ملاصقاً لها بإختلاق عذر أنها تبادل التهنئة مع المدعوين ثم جلسا سويا على الأريكة الذهبية المغطاة بقماش الستان الذهبي اللامع و المخصصة للعروسين ،
كانت الفتيات تتسابقن في الرقص بوسط القاعة وبينهن سارة .. لاحظت تحية إمتعاض وجه ابنتها والتي بدت وكأنها مرغمة على الزواج فتوجهت نحوها وانحنت بجسدها لتوازيها وهتفت بأذنيها لتحثها على رسم البسمة أعلى ثغرها ، فرضخت لها إيثار وجاهدت لفعل ذلك لتقع عينا مالك عليها بهذه اللحظة ..
كانت إبتسامتها گالسرطان الذي يسير في جسده ملاحقاً الألم لصاحبه ..بغضاً وكرهاً حمله بداخله لها ، نعتها بخائنة العهود ، محطمة القلوب ، هادمة الأحلام ..جاهد مسبقاً للحصول على عنوان القاعة التي سيقام بها العرس ، واستطاع بكل سهولة الحصول عليه من سارة عن طريق الإيقاع بها في الحديث وكأن الأمر كان أتفه مما كان يظن ...
_ رغب في قتل حبها داخله ..تعمد رؤيتها بهذه الليلة دوناً عن غيرها حتى يقضي على بقاياها العالقة بداخله ..ولكن ما كان من محاولته البائسة إلا أن أقحمت فؤاده في مصيبة الحنين لها من جديد ..وبخ نفسه كثيراً وعاتب حاله على اشتياقه لرؤية بسمتها ولكن ليس بيده حيلة ، هو أضعف مما كان يظن .. أسير ذكرياتها وضحكتها ونظرتها .. هو أسير حبها . ..
'' ياليت الموت من روحي يسرقني..فقد نقضت عهدها وعهدي..وأرتدت الأبيض لأجل غيري ''
ترقرقت عبرة خائنة في عينيه فنزحها سريعا بطرف أنامله ثم أطرق رأسه واستدار ليترك هذا المكان الذي أفضى عليه بالكثير من الحزن والضيق وجعله يشعر بأن الكوكب لا يتحمل وجوده ولا يسعه ..
_ لم يكذب الذين قالوا بأن شعورك يقودك نحو من يدق له قلبك ، فقد زادت نبضاتها واستنشقت عبقه الذي تستطيع تمييزه عن بعد ..
ارتجفت أوصالها ، وسيطر الحنين لرؤيته على كيانها ،بحثت عنه بأعين مشتاقة وسط الحاضرين ،وحدقت في الماريين أمامها عسى أن تلمحه ولكن دون جدوى .. تسائلت في نفسها هل حقاً كذب حدسها؟ أم أنها فوتت فرصة رؤيته دون وعي ...أفاقت من شرودها على قبضة محسن لكفها ليقودها نحو ساحة الرقص ..كانت تتمايل بجسدها بين يديه دون إدراك منها لما يحدث، جسد بالي لا حياة فيه ، تنهدت بعمق ثم انتبهت للمحيطين بها وهم يصفقون لإنتهاء رقصتهم الأولى .. فبادلتهم البسمة الودودة وأصرت على الجلوس مرة أخرى مخترعة حجة ضيق نعل الحذاء على قدميها مما يفقدها قدرتها على الرقص ........................................................................
_ اعتلى مالك سطح الباخرة التي ستقله إلي بلد أخرى غريبة لا يعرف بها أحد .. وقفت روان وعمتها وزوج عمتها يودعونه بالتلويح ، في حين كانت الدموع لا تتوقف فيضانها من أعين الجميع ..كان وداعاً مؤلماً أيقظ ذكريات الفراق بصميمهم .
_ تحرك مالك لسطح الباخرة ووقف ينظر لظُلمة البحر ، لطالما عشق البحر بكل حالاته ولكنه الآن بات يخشى هذه الظُلمة ..تساءل مع نفسه بخوف طبيعي ، هل ستكون حياته گظلمة البحر في ساعته هذه أم ماذا يخبئ له القدر؟لمس جبينه لفحة من الهواء أغمض جفنيه على أثرها ثم راح يشرد بعالم آخر .. عالم من الذكريات قد جرفه للعيش بداخله سجيناً بين جدرانها الموجعة.................................................................
_ وكأن الساعات لا تمضي ، وقت ممل ودقائق تمر بصحبته وكأنها أدهر .. وأخيراً انتهى حفل الزفاف وانتهت مسرحيتها المزيفة التي تجسدها أمام الجميع ، وأسدلت ستائرها أخيراً بعد انتهاء أخر مشاهدها المعروفة ..نعم هي مسرحية السعادة التي ارتسمت كذبا على محياها .. ولكن ما بقى بداخلها هو .. هو ( حُطـــــام أنثى )
انطلقت السيارات في موكب العرس ، وأخذت الأبواق في إصدار صوتها المزعج مما سبب لها ألم بالرأس حتى وصل الجميع أسفل بناية محسن ..نظرت إيثار للبناية بإمتعاض وقد تشكل بذهنها مشهداً لتلك الليلة الحميمية مع زوجها ..فشعرت برغبة في الانتحار لتتخلص من هذا الجحيم الذي تعيشه ..وإذ به فجأة يسد عنها الرؤية عندما فتح لها باب السيارة لتخطو خارجها ..فأمسكت بفستانها ثم حاولت الخروج من السيارة بمفردها دون الإهتمام بذراعه الممدودة إليها..نظرت للمحيطين من أصدقاء وأقرباء وهم يتمنون لهم حياة زوجية سعيدة بنظرات خاوية من الحياة ، وكأنها تُســاق إلى الموت لا إلى عش الزوجية الهانيء ...اقترب منها والدها وهو يحفر بذهنه صورة ابنته العروس ..كان كفيفاً عن رؤية قلبها وشعورها المؤلم ، فقط يرى ما أراد رؤيته وغض الطرف عن سعادتها الحقيقية ..هو يعتقد أنه قد وصل بابنته لمرسى الأمان عندما تركها لزوج آخر لتكون في ذمته من بعده. .._ وضع رأسها بين راحتيه ثم ابتسم لها ، وقال متمنياً السعادة من شفتيه :ربنا يسعدك يابنتي
ردت عليه بجفاء واضح في نبرتها وقد نطقت نظراتها عما يجيش في صدرها :شكراًشعر رحيم بنظراتها المعاتبة ، و بتقلب مزاجها ، فحاول طمأنتها قائلاً :بكرة مش هتفكري غير في عيلتك وبيتك !
_ دنا عمرو منهما ثم أزاح كف والده عنها وهو يمازحه قائلاً :سيبني أسلم عليها يابابا ولا هتقضيها طول الليل هنا
_ قبّل رأسها ثم مسح على وجنتيها برفق وهو يردف بحنو :مبروك ياإيثار ، صدقيني أنا مبسوط عشانك أوي ياحبيبتيإيثار وهي تبتسم من زاوية فمها بتهكم : كويس إن انبساطك بقى على حسابي
بدت كلماتها كالخنجر المسموم في صدره ، فجاهد ليحافظ على هدوئه أمامها ، ورد بحذر :أعقلي ياإيثار ، السعادة قدامك متسيبهاش وتمشي !
_ رقعت تحية الزغاريد المتتالية وهي تقترب من إبنتها ثم دفعت عمرو برفق واحتضنتها بقوة وقد انفلتت العبرات من عينيها فرحاًلتقول بسعادة :عيشت وشوفتك عروسة ياحبيبتي ، ربنا يهنيكي يارب !حك محسن مؤخرة رأسه ، وانزعج من طول الوداع ، فصاح هاتفاً بعجالة :مش كفاية ياجماعة ولا إي ، عايز أخد عروستي وأطلع_ ربتت تحية على ظهر ابنتها فشعرت بتقلص ملامحها ، وبرعشتها الخفيفة ، فطمأنتها قائلة بحنو :بكرة هجيلك الصبح إن شاء اللهعمرو مقوساً فمه بإستنكار : صبح إي ياماما؟ سيبيهم على راحتهم
_ هز محسن رأسه رافضاً لما يقال ، ثم هتف بنبرة متعجلة :لالا متتعبيش نفسك ياحجة ، انا هاخدها ونسافر الصبحيةفغرت إيثار فاهها بصدمة ممزوجة بالرفض ...
بينما تساءل رحيم بإستغراب وقد أنعقد حاجبيه بذهول : رايحين فين؟أجابه محسن بنبرة جافة : مسافرين البلد عندي ، في مانع ولا إي؟!رحيم وقد شعر بالحرج وأنه قد تطفل على حريتهما : لأ مفيش يابني ، بنسأل بس !ابتسم محسن ابتسامة صفراء فبرزت أسنانه التي تغير لونها على أثر النيكوتين ، وتابع ببرود : مراتي يعني وأخدها مكان ماأنا عايز_ شعرت إيثار بالريبة والتوتر من تصريحه الأخير ...ولكن لم يكن بمقدورها فعل شيء ، فأخـــر ما يمكن أن تصدره هو نظرات معاتبة نحوهم ..أمسك محسن بكفها وشبك بين أصابعهما ثم هتف بفحيح أرجفها :مش يلا ياحبيبتي؟ردت إيثار بإنصياع وهي تجاهد للحفاظ على هدوئها :ماشي
_ دنت إيثار من شقيقها ، ثم مالت برأسها نحوه ، وهمست بصوت خفيض مختنق اخترق آذانه :يارب تكون خلصت من همي اللي كان متشعلق فوق كتافك !!!
نظر لها مذهولاً ، وتابعها بنظراته وهي تمسك بثوبها الأبيض لترفعه عن الأرض ثم سارت مع ( زوجها ) لداخل البناية ، وروحها المعذبة ترتعد مما هي مقبلة عليه ........................................................................
#الفصل_١٦ج١
الفصل السادس عشر الجزء الأول
((( أدخلني حبّك سيّدتي مدن الأحزان
وأنا من قبلك لم أدخل مدن الأحزان
لم أعرف أبداً أنّ الدّمع هو الإنسان
وأن الإنسان بلا حزنٍ ذكرى إنسان )))
شهقت إيثــــار مصدومة ، ودبت رعشة قوية في أوصالها حينما وجدت ذراعي محسن تطوق جسدها وتحملها فجــأة ..
توترت من قربه الشديد ، وشعرت بالنفور من نظراته الجائعة التي تكاد تلتهمها حية دون أن تلمسها ..
كذلك شعرت بالإشمئزاز من أنفاسه اللاهثة التي تحرق وجنتيها كأنها ألسنة اللهب ..
بعد أقل من عدة دقائق ، وصل بها إلى باب منزلهما ، أو ما أسمته سجنها الأبدي ، وهو يتحرق شوقاً للتنعم بجمالها الملائكي ..
فتح الباب ، وهمس بنبرة خشنة :
-خشب برجلك اليمين يا عروسة
ازدردت إيثار ريقها المرير بصعوبة ، وانحنت لترفع أذيــال فستان عرسها ، وولجت للداخل بخطوات بطيئة متثاقلة ..
جابت بنظرات خاطفة وسريعة للمكان من حولها ، تأملت الصالة بنظرات أكثر دقة محاولة تذكر ما فعلته لترتب الأثاث ..
ولكن باءت محاولتها بالفشل ، فهي كانت شــاردة معظم الوقت ، تساق كالمغيبة ، وترك أغلبية الأمور لأمها وأخوها ..
فاقت من غفلتها السريعة على صوت صفق الباب بعنف ، فانتفضت مذعورة بجسدها ، وأدارت رأسها للخلف لتنظر إلى محسن الذي كان يحاصرها بنظراته الجريئة ..
التوى ثغره بإبتسامة صفراء وهو يقول :
-نورتي بيتك يا حلوة ، والليلة ليلتك يا قمر ! أظن بقى مافيش أحلى من دي ليلة !!!!
ثم زاد من نظراته الوقحة نحوها ..
شهقت مصدومة من أسلوبه الفظ في الإشـــارة إلى ليلة عرسهما ..
ضاقت نظراتها نحوه ، وهمست بصوت شبه متحشرج :
-أنا هاغير هدومي الأول
-مش عاوزة مساعدة
قالها محسن وهو يتقدم صوبها ، فتراجعت مذعورة للخلف .. وهزت رأسها معترضة بإصرار وهي تقول بهلع قليل :
-لأ .. أنا هاتصرف مع نفسي
رمقها بنظرات غامضة قبل أن يرد عليها بمكر :
-وماله ، خدي راحتك يا عروسة ، ما انتي معذورة لسه مش واخدة عليا !
ســارت مسرعة نحو غرفة النوم وهي تعض على شفتيها قهراً .. وفكرة واحدة مسيطرة على عقلها كلياً .. أن أخيها قد زج بها في تلك الكارثة بلا رحمة ...
أغلقت الباب خلفها ، واستندت بكفها عليه قليلاً محاولة السيطرة على نوبة البكاء التي تهدد بالإنطلاق في أي لحظة .. أغمضت عينيها بقوة ، ونكست رأسها حزناً ..
لم تكن هي ليلة عرسها التي تخيلتها ولطالما حلمت بها ، ولم يكن محسن هو فــارس الأحلام الذي انتظرته بعشق لتتوج قصة حبهما بالزواج ..
أخذت تتنفس بعمق في محاولة بائسة منها لنفض ذكريات الماضي عن عقلها .. والتطلع إلى مستقبلها المجهول مع شخص بالكاد عرفته ..
تحركت بتثاقل للأمـــام ، فوقعت عينيها على الفراش .. فتسمرت في مكانها مشدوهة ..
تذكرت كلمات والدتها المقتضبة حول ماهية ليلة الزفـــاف ، وما على العروس من فعله لتنال رضــاء زوجها وتوقعه أسير غرامها ...
فإنتابتها حالة من الإرتباك الممزوجة بالرعب.. تنفست ببطء لتسيطر على إنفعالاتها المتوترة ..
ثم بحذر شديد أزاحت حجاب رأسها عنها ..
مدت يديها للخلف لتفك السحاب الخاص بفستانها ، ولكن انتفض جسدها فزعاً حينما رأت محسن يقتحم عليها الغرفة دون سابق إنذار ..
تراجعت برعب للخلف ، وحدجته بنظرات نارية وهي تصرخ فيه معنفة إياه :
-في ايه ؟ إنت ازاي تدخل عليا كده
برقت عينيه بشرر مخيف وهو يرد عليها بنبرة حادة :
-جرى ايه يا حلوة ، مش إنتي مراتت ولا أنا غلطان ؟!
ابتلعت ريقها بصعوبة وهي تهمس برجاء:
-لو سمحت ، أنا محتاجة آآ...
قاطعها وهو يهجم عليها مطوقاً إياها من خصرها بذراعيه وكأنها فريسة قد وقعت في شباكه :
-أنا مش قادر أصبر أكتر من كده
حاولت إيثار دفعه بقبضتيها من صدره ، وقد بدى النفور واضحاً على تعابير وجهها ، وتوسلت له بنبرة مختنقة :
-لو .. لو سمحت أنا محتاجة أخد الأول عليك ، اديني فرصة آآ...
قاطعها قائلاً بهمس فحيح وهو يحاول تقبيلها رغماً عنها على وجنتها :
-تاخدي عليا ؟! هو احنا لسه هنتعرف ، ده انتي مراتي !
زاد شعورها بالإشمئزاز والغثيان من قبلاته المتتالية التي تحرق روحها قبل بشرتها ، واعترضت بخوف وهي تتلوى بجسدها :
-سيبني !
زاد من قبضتيه حولها ، وعمق من تقبيله إياها بصورة أعنف وهو يقول لها بنبرة غاضبة :
-انتي بقيتي مراتي ، وحلالي ، وأنا من حقي أعمل اللي عاوزه فيكي
ثم أطبق عليها أكثر بذراعيه حتى كادت تشعر أن عظامها ستحطم مما يفعله بها ، وصرخت مستغيثة :
-لأ .. ابعد عني !
أغضبه بشدة نفورها منه ، وهتف وهو يصر على أسنانه بغلظة :
-الظاهر إن حبيب القلب لسه في بالك !
ارتعدت من أسلوبه العنيف ، ومن نظراته المميتة المسلطة نحوها ، وتحركت شفتيها قائلة دون أن تنطق
-مـ.. مالك !
وكأنه قرأ ما قالته في صمت ، فإهتاج بشدة ، وزاد عنفه نحوها وهو يصيح بجنون :
-أنا هاعرفك مين هو محسن ! إنتي مش متجوزة عيل !!!!
دفعها بقوة للخلف لتسقط على الفراش ، فصاحت بذعر ثم ألقى بنفسه عليها ليزيح عنها فستانها غير عابيءٍ بصراخها ولا ببكاءها ...
قاومته بشراسة ، لكن إصراره بإفتراسها كان يزداد مع كل مقاومة منها ، نجح في نزع فستانها عنها ، فكشف عن جسدها ، وانتزع بعنف ما بقي من ثيابها التحتية لتصبح هي تحت رحمته ..
لم تجد منه إلا العنف المفرط معها ..
حاول إخضاعها لرغباته متجاهلاً توسلاتها ..
لم تهدأ ثورته الهائجة للحظة معها .. فإصراره على تملكها كان يزداد بإثبات رجولته عليها ...
تمزقت روحها مع ما كان يفعله بها ..
لم تستطع المقاومة .. فالآلم بات أكبر من قدرتها على التحمل ....
انهارت قواها تماماً ، وخارت روحها مع ارتخاء جسده ..
بكت بحرقة ، وأغمضت عينيها قهراً وخزياً .. فها قد تدمرت أخر أحلامها الناعمة .. وحل محلها ذكرى أخرى بائسة لن تمحى من ذاكرتها ..
طالعها محسن بنظرات مطولة ممرراً عينيه على كل تفصيلة في جسدها البض وهو يهمس لها بصوت أصابها بالغثيان :
-انتي ليا وبس !
طبع على جبينها قبلة عميقة ، ثم وضع يده على فكها ليدير رأسها نحوه ، وإنهــال عليها بقبلات أخرى أصابتها بالإختناق ..
كم كرهت وجودها معه ، كم احترقت شفتيها بسمه الذي يبثه فيها مع كل قبلة ينالها منها ..
أخذت تئن بصوت مكتوم وهي تكافح لإلتقاط أنفاسها ..
أرادت أن ينتهي هذا الكابوس .. لكن أبت آمالها ألا تتحقق .. وظلت في عرض مستمر حتى لم تعد تشعر بشيء ...
مــــر الوقت بطيئاً عليها حتى وجدته قد تراجع مبتعداً عنها لينهض تاركاً الفراش وهو يتمتم بكلمات لم تتبينها ..
لم تتحرك قيد أنملة ، كانت كالصنم .. روحها تحترق ، وجسدها يئن من لمساته المقززة عليها ..
جفت عبراتها بعد ساعات من البكاء المتواصل ..
وأغمضت عينيها مستسلمة لأوجاعها التي بدأت للتو ..
................................................
رست السفينة على رصيف الميناء ليبدأ ركابها في التحرك نزولاً منها ..
تملك مالك إحساساً غريباً بالغربة ، لمحة من الحنين الممزوج بالضيـــاع قد بدأت تتغلل فيه ..
هو متيقن أنه فعل الصواب برحيله وبقبوله لعرض صديقه بالسفر إليه والعمل في تلك الوظيفة الشاغرة ..
كانت الفرصة الوحيدة لكي يبتعد عن أوجـــاع الماضي ، عن تلك الذكريات الآليمة التي أصبحت كظله ..
أكثر ما آلمه هي نظرات الفراق مع عائلته الغالية ..
وما أوجعه هو اعتقاده بخيانة إيثار له وتخليها عنه بتلك السهولة ..
اعتصر قلبه بشدة من ذكراها .. وشد من قبضة يده الممسكة بالدرابزون المعدني وهو يتحرك نزولاً عن السفينة ..
جاهد ليمحو طيف صورتها التي تتشكل أمامه بين الفنية والأخرى ، وكأنها تتعمد إلهاب جرحه ..
ابتلع ريقه بصعوبة ، وحبس أنفاسه في صدره ليهدأ من تلك النيران المستعرة بداخله ..
جاب المكان أمامه بنظرات خاوية ، وحدق في أوجه الواقفين على رصيف الميناء بنظرات واجمة ..
-مالك ، يا مــــالك ، أنا أهوو
صوت تردد بنبرة مرتفعة أثار انتباهه وجعل رأسه يدور في أغلب الاتجاهات بحصاً عن صاحبه ..
وبالفعل وقعت أنظاره على رفيقه نـــادر ..
ابتسم له ابتسامة مجاملة ، وتحرك صوبه
استقبله رفيقه بحرارة ، وضمه بشدة إليه وهو يضيف بحماس :
-أخيراً يا سي مالك حنيت عليا ووافقت تيجي !
التوى ثغره بإبتسامة خفيفة وهو يسأله :
-ازيك يا نادر ؟
أجابه نـــادر بنبرة مفعمة بالحيوية وهو يجر حقيبة سفره من حاملها :
-الحمدلله ، قولي ايه الأخبار معاك ، والرحلة كانت عاملة ازاي ؟
رد عليه بنبرة مرهقة وهو يعلق حقيبته الأخرى على كتفه :
-الحمدلله ماشي الحال
وكأن رفيقه قد رأى لمحة الحزن المتجسدة في عينيه ، فســأله متوجساً :
-في ايه مالك ؟ انت شكلك مش آآآ...
قاطعه مالك مسرعاً حتى لا يترك له الفرصة لإستجوابه :
-متخدش في بالك ، ده بس من تعب السفر
أومــأ الأخير برأسه موافقاً وهو يضيف :
-أها .. عندك حق ، برضوه السفر بالمركب بيتعب ، يالا بينا ، هوديك عند بيتي تغير هدومك وتاكل وترتاح
-ماشي
ثم تحرك الاثنين في إتجاه إحدى السيارات المصفوفة خـــارج الميناء ليستقلاها بعد أن وضع نادر الحقيبتين في صندوقها ..
............................................
كانت ليلة كئيبة بحق ، لم يغمض فيها جفن لإيثار التي ظلت تبكي في صمت مرير ..
نـــام محسن إلى جوارها ، وغط في سبات عميق بعد ذلك المجهود المتوحش الذي استنفذ طاقته كلها ..
وبعد أن اطمأنت إلى انتظام أنفاسه وسكون جسده كالموتي ، وعدم احساسه بما حوله ..نهضت عن الفراش ، وركضت إلى المرحاض وهي تحاول التماسك كاتمة فمها بيدها .. فهي لم تعد تطيق جسدها من لمساته الحقيرة عليها ، بالإضافة إلى ذلك الآلم الذي يجتاح جسدها من حميميته القاسية معها ..
لقد فـــاق ما فعله بها تصورات والدتها التي كانت تخبرها بها على استحياء ..
أوصدت الباب خلفها ، وأسرعت بفتح صنبور المغطس لتنهمر المياه على جسدها لتبرد نيرانه المحمومة .. ولكنها لم تفعل ..
ظلت تغتسل وتغتسل وتغتسل وهي تبكي بآسى وحسرة لعلها تزيل تلك الأثار المقيتة عنها ..
ولم تمنع شهقاتها من الظهور ..
بقت لفترة في المرحـــاض حتى زاد وهنها ، فأغلقت الصنبور وخرجت منه وهي تلتف بروبها القطني ..
لم ترغب في العودة إلى غرفة نومها ..
وســارت بضعف في اتجاه الصالة ، وألقت بجسدها المنهك على أقرب أريكة .. ثم لفت نفسها بذراعيها وكأنها تحتمي من ذلك الشر القابع بالداخل ..
أرجعت رأسها للخلف ، وأغمضت عينيها وهي تتنهد بإنكســــار لم تتذوق سواه ، وما هي إلا لحظات واستسلمت لصوت جسدها المتعب ، ونامت ودمعاتها الدافئة تنســـاب على وجنتيها ...
.......................................
انتهى مـــالك من ترتيب متعلقاته الشخصية في خزانة الملابس بغرفته في منزل رفيقه نــــادر ..
ذلك الرفيق الذي ندر وجوده في تلك الأيـــام ..
كان عرضــه سخياً بحق .. فرصة عمل - مميزة من وجهة نظره - بإحدى شركات الإستيراد والتصدير متعددة الجنسيات والتي يعمل بها كمدير تنفيذي ..
لم يستطع الرفض ، خاصة وأنه كان يحتاج إلى مكان يبعد فيه عن كل ما يتعلق بالماضي المؤلم ..
أراد فرصــة ليبدأ فيها من جديد ..
فرصــة تتيح له الوقت ليلملم شتات نفسه ويستعيد هويته التي ضاعت بخيانتها ..
إيثـــار .. مازال صدى اسمها يتردد في أذنيه ، وطيف ضحكاتها الناعمة تداعب قلبه ، ووميض نظراتها الباسمة تسيطر على عقله ..
غمازتيها .. تلك العلامتين التي طالما أسرته ..
إيماءة رأسها ، وإلتواءة شفتيها وهي عابسة ..
كم يقتله الحنين إليها ..
تنهد بعمق لأكثر من مرة محاولاُ إبعادها بيأس عن ذاكرته ..
ظل يذكر نفسه مراراً أنها لم تعد له ، هي خائنة العهود ، هي التي إرتضت بغيره لأنها أقدر مادياً ، وأوهمته الحب .. فتركته يقاسي بمفرده في غربة موحشة ..
فردد مع نفسه إحدى قصائد نزار الشعرية مواسياً روحه :
(( وما بين حُبٍّ وحُبٍّ،
أُحبُّكِ أنتِ
وما بين واحدةٍ ودَّعَتْني
وواحدةٍ سوف تأتي
أُفتِّشُ عنكِ هنا وهناكْ
كأنَّ الزّمانَ الوحيدَ زمانُكِ أنتِ
كأنَّ جميعَ الوعود تصبُّ بعينيكِ أنتِ
فكيف أُفسِّرُ هذا الشّعورَ الذي يعتريني
صباحَ مساءْ ((
.....................................
مــــد محسن ذراعه - وهو شبه غافٍ – إلى جواره ليتلمس زوجته الجميلة ، فوجد مكانها خاوياً وبارداً ، ففتح عينيه فجــأة .. وضاقت نظراته المنزعجة وهو يفتش عنها سريعاً ..
اعتدل في نومته ، وحك مؤخرة رأســـه ثم تثاءب ، ونهض بتثاقل من على الفراش ..
جرجر قدميه وهو يتحرك للخـــارج ..
رأها وهي غافية و متكومــة على نفسها على الأريكة في روبها القطني ، فأثارته ، وحركت غرائزه نحوها ..
تقوس فمه بإبتسامة عابثة ، ودار برأســه أفكار طائشة ..
اقترب منها ، وجلس إلى جوارها .. وظل يطالعها بنظرات دقيقة أكثر جرأة ..
مــد يده لينزع ببطء عنها روبها وهو يمتع عينيه بمفاتنها الأنثوية ، فقد ظل محروماً لفترة من امرأة جميلة ترضيه وتلبي رغباته ..
تململت إيثار في نومتها الغير مريحة ، وشعرت بلمسات حذرة على بشرتها أصابتها بالقشعريرة ..
رعشة بـــاردة دبت فيها فجــأة ، ففتحت عينيها مذعورة ، وحدقت فيه بهلع ..
رأت يديه على جسدها ، فأبعدتهما بخوف ، وضمت سريعاً فتحتي روبها لتغلقه جيداً ..
تحولت نظراته للإظلام وهو يرى ردة فعلتها ، فصــاح بها بقوة :
-في ايه ؟ شوفتي عفريت !!!!
نظرت له متأففة ، وحاولت النهوض وهي تجيبه بتلعثم :
-أنا .. انت آآ...
قاطعها قائلاً بشراهة أرعبتها أكثر :
-أنا عاوزك
جفل جسدها من نبرته ، وتفاجئت به يميل عليها ليقبلها رغماً عنها وهو يتابع بهمس زاد من شعورها بالنفور :
-لسه بتتكسفي مني يا عروسة !
وضعت قبضتيه على ذراعيها ، فدفعته بعيداً عنها بركبتيها المضمومتين رافضة أي محاولة منه لتحقيق مبتغاه ، ولكنه أبى ألا يتركها ..
فقد طـــاب له التمتع بها ..
وهـــا قد عـــاود تكرار فعلة الأمس ليزيد من إزدرائها لنفسها .....
....................................
جمعت تحية صحون طعام الإفطار الفارغة وهي تتنهد بحزن ..
كانت ملامح وجهها عابسة للغاية ، نظراتها شــاردة ..
تشعر بإشتياق إلى ابنتها الوحيدة رغم أنها لم تفارقها إلا بالأمس ..
رأها عمرو على تلك الحالة الواجمة ، فاقترب منها ، وسألها متعجباً :
-ايه اللي مضايقك ؟
ردت عليه بإقتضاب :
-مافيش !
أدرك عمرو دون أن تنطق والدته أن سبب حزنها هو شقيقته ، فإبتسم قائلاً بمرح :
-شكل البت إيثار وحشتك
ردت عليه بصعوبة وهي تحاول منع عبراتها من الإنهمار :
-اسكت ياعمرو ، قطعت بيا !
لف ذراعه حول كتفيها ، وقبل أعلى رأسها وهو يضيف بتحمس :
-ياماما هي لحقت ، ده تلاقيها متهنية مع محسن ومتمرمغة في العسل !
تنهدت تحية قائلة بتمني :
-يا ريت يا بني ، لأحسن قلبي واكلني عليها أوي !
وكأن شكوك والدته قد أرقت ضميره الذي حاول إسكاته منذ الأمس .. فكلمات إيثار الجافة قد أحدثت أثراً غائراً في نفسه حتى لو حاول إنكار هذا ...
..............................................
تراجع محسن بجسده للخلف بعد أن فرغ من بث رغباته المشحونة ، ومسح لعاب فمه بكفه ، وحدج إيثار بنظرات غريبة ، ثم أردف قائلاً بجمود :
-قومي يا حلوة جاهزيلنا بايديكي الطعمين دول لقمة ناكلها قبل ما نتوكل على الله ونسافر !
لم تعقب عليه ، بل إكتفت بالنظر إليه شزراً وهي تعيد غلق روبها بيدين شبه مرتعشتين ..
نهض عن الأريكة ، وتحرك نحو المرحــــاض ليغتسل ، فدفنت إيثار وجهها في راحتي يدها لتبكي بأسف حالها ..
هي ليست كأي عروس سعيدة بزواجها .. هي تعاني بمرور اللحظات وهي في أحضان ذلك السمج المقيت الذي تبغض اقترابه منها ..
وها هو يحطم فيها مشــاعر الود والألفة من جديد ..
لم يدفعها لحبه بالرفق واللين ، بل تجاهل مشاعرها تماماً ، وكأنها مجرد وعــاء ينفث فيه طاقاته المكبوتة قاتلاً فيها أي إحساس بالحب والرغبة ...
.......................................
أعدت تحية وجبة الطعام للعروسين وأضافت عليها الكثير من الفاكهة والحلوى ..
تأمل رحيم تلك الأكياس البلاستيكية بنظرات ممعنة ، وتساءل قائلاً بجدية :
-خلصتي يا تحية ؟
أجابته بنبرة شبه مرتفعة وهي تلج من المطبخ :
-أيوه يا حاج ، مش ناقص بس غير احطلها العصير
هز رأســه بحركة خفيفة وهو يضيف بتنهيدة حزينة :
-ماشي ، ابقي سلمي عليها أوي
بادلته ابتسامة هادئة وهي تقول :
-يوصل يا حاج !
هتف عمرو بنبرة عالية وهو يقف مستنداً بجسده على باب المنزل :
-يالا يا ماما عشان ألحق أوصلك
ردت عليه بصياح :
-حاضر ، هاربط الطرحة وأجيلك يا عمرو !!
-طيب ، أنا هاخد الشنط وهاسبقك على تحت
-ماشي يا بني
وبالفعل أمسك عمرو بالأكياس البلاستيكة ، وخرج من المنزل ، وأغلق الباب خلفه لينزل هبوطاً على الدرج ..
في نفي التوقيت كانت روان صاعدة إلى منزلها ، وما إن وقعت عينيها عليه حتى حدجته بنظرات قاتلة تعجب منها ..
كانت تحمله هو وأخته اللوم في فراق أخيها ..
لم تستطع إخفاء مشاعرها العدائية نحوه ، واستشف ببساطة سبب تلك النظرات ، فهي لم تكن بحاجة إلى أي تفسير .. فالسبب كان واضحاً للعيان ، ورغم هذا نظر لها بجمود ، وتحرك بخطوات بطيئة للأسفل ...
...................................
توقفت سيارة الأجرة أمــــام محطة القطارات ، فترجل منها محسن بعد أن دفع للسائق أجرته ، ثم تبعته إيثار وهي تنظر حولها بإرتياب ..
سحب حقيبة سفر مليئة بثيابها خلفه ، وأمسك بقبضته الأخرى إيثار وكأنها يخشى إفلاتها منه ..
دفعها للركوب في عربة القطار بعد حجز التذكرتين .. وجلست كالتائهة حيث أمرها ..
بعد برهـــة تحرك بهما القطار بعد إطلاق صافرته إلى وجهة لا تعلمها بعد ..
وضعت هي نظارة شمس قاتمة لتحجب عينيها المنتفختين عنه .. لكنها لم تستطع منع عقلها من التفكير فيما سيحدث لاحقاً ..
فقلبها ينبئها بوجود خطب ما في تلك السفرة مجهولة المعالم ..
رن هاتف محسن في جيبه ، فأخرجه لينظر في شاشته ، ثم أطلق سبة خافتة انزعجت منها إيثار ، وفغرت شفتيها مشدوهة من وقاحتها .. ومن ثم أجاب على ذلك الإتصــال بنبرة ممتعضة :
-ايوه يا عمرو
كانت كمن أصابته الصاعقة بعد تلك الكلمات المقتضبة ، وارتفع حاجبيها في ذهــــول عجيب .. فمن كان ينعته بتلك الصفة البشعة هو أخيها الوحيد ..
تأججت النيران بصدرها ، واشتعلت عينيها غضباً ، كيف يجرؤ على هذا ؟ ويسيء إلى أخيها في حضرتها ، وفي غيابه ، وهو الذي يدعي رفقته وصحبته الطيبة ..
بدأت خصاله السيئة تنكشف أمامها ، تلك الصفات التي تغاضى الجميع عنها عمداً من أجل تزويجها له ...
ظلت على حالتها المصدومة وهي تتابع باقي حديثه الجاف :
-احنا مسافرين .. لأ .. لسه مش دلوقتي .. معلش ، مراتي وأنا حر معاها .. هانبقى نكلمك .. أها .. سلم عليها ، ماشي .. شكراً
أنهى المكالمة وهو يرسم ابتسامة صفراء على شفتيه ، ثم رفع رأســه لينظر إليها ببرود قاتل وهو يقول :
-أنا هافصل الموبايل ، مش ناقص خوتة من أهلك
اتسعت حدقتيها الحانقتين وهي تســأله بنبرة حادة
-انت .. انت ازاي تشتم أخويا كده ؟
رد عليها ببرود يحمل التهكم :
-عــادي ، غلطت في البخاري ياخي
ثم مــــال للأمام بجسده نحوها ، ورمقها بنظرات قاسية وهو يتابع بفظاظة :
-وبعدين انتي مراتي ، وأنا حر معاكي في تصرفاتي ، فلا أخوكي ولا حد من عيلتك ليه الكلمة معايا ، فاهمة !
اكتفت بالضغط على شفتيها بقوة ، وزادت نظراتها الكارهة له .. ثم أشاحت بوجهها بعيداً عنه وهي تدعو الله أن يرحمها من تلك الكارثة التي وقعت فيها ، ويهون عليها القادم ............................
تابعووووووني
تكملة الفصول السادس عشر والسابع عشر من هنا
رواية زواج لدقائق معدودة كامله من هنا
رواية خيانة الوعد كامله من هنا
رواية الطفله والوحش كامله من هنا
رواية جحيم الغيره كامله من هنا
رواية مابين الضلوع كامله من هنا
رواية سيطرة ناعمه كامله من هنا
رواية يتيمه في قبضة صعيدي كامله من هنا
الروايات الكامله والحصريه بدون لينكات من هنا
إللي خلص القراءه يدخل هيلاقي كل الروايات اللي بيدور عليها من هنا 👇 ❤️ 👇
❤️🌺🌹❤️🌺❤️🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹🛺🛺🛺🛺🛺
الصفحه الرئيسيه للروايات الجديده من هنا
جميع الروايات الحصريه والكامله من هنا
انضموا معنا علي قناتنا بها جميع الروايات على تليجرام من هنا
❤️🌺🌹❤️🌺❤️🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹🛺🛺🛺🛺🛺
تعليقات
إرسال تعليق