رواية أكل الذئب زينب الفصل الخامس والفصل السادس بقلم الكاتبه أمل نصر سندريلا الروايات حصريه وجديده
الفصل الخامس
صوت الاعيرة النارية التي كانت تدوي في هذا الوقت بصخب وضجيح الأصوات المهللة التي تصل إليها، حتى جعلها تخرج من داخل غرفتها مجفلة لتستطلع الامر ، لتجد والديها وأشقائها الصغار جميعهم يقفوا خارج المنزل كباقي افراد المنطقة، وأعينهم منصبة نحو المنزل الكبير، والذي بدا كما يشبه الفرح.
- ايه في ايه، ايه اللي حصل لضرب النار دا كله؟ مالهم بيت الدهشوري؟
تساءلت بها فجاء الرد من أحد اشقائها الصغار بسجيته:
- عمي ضاحي هيبجى نائب في مجلس الشعب .
- ضاحي مين اللي هيبجى نايب؟
ردت والدتها وهي تعود اليها لداخل المنزل بابتسامة لاحت على ملامحها:
- ضاحي الدهشوري يا ست زينب، جدم ورقه للترشيح في الحكومة واتجبل، ومدام إتجبل ترشيحه اعرفي انه ناجح ناجح، عشان تتأكدي بس انها مش بالعلام ولا الكلام الفارغ بتاعك.
اعتلت الصدمة معالمها، تزبهل لبعض اللحظات ف محاولة للاستيعاب، ثم رددت بعدم تصديق:.
- انتي بتتكلمي جد ياما؟ يعني ضاحي..... هيبجى نايب في المجلس الموقر.
ضحكت عزيزة بمرح:
- ومالوا يا بت لما يبجى سيادة النايب ؟ ان مكانش هو ولا اخوه البيه التاني حامد حد فيهم يا خدها، مين في بلدك كلها يستاهلها؟
- حامد
غمغمت داخلها كلمة السر فيما يحدث، انه هو من أتى بشقيقه من اجل ان يضعه على رؤوس الجميع كما قال والدها، لكن هذا تعدى التصور ، وبهذه السرعة يريد ان يضعه في منصب هام كهذا؟
- طب وحامد باشا دا ان شاء الله، متجدمش هو ليه؟ على الاجل هو ليه ارضية وهيبته واصله لبرا البلاد اللي حوالينا؟
صدر منها التساؤل، وكأنها تحدث نفسها، فجاء الرد من والدها الذي دخل بالصدفة اثناء الحديث:
- وهو حامد محتاج هيبة يا بت؟ ولا معاه وجت اساسًا للمجالس والكلام الفاضي دي؟ دا راجل عملي وبتاع فلوس ماليها عدد...
تنهد يجلس على الارض ويتابع:
- العز وز يا عم، فلوس ووجاهة وكله، احنا نحمد ربنا اننا عايشين فيها اساسًا .
علقت على قوله زوجته:
- بس برضك اهي فايدة للعيلة يا مطاوع، دلوك اللي عايز خدمة هيروحله يخلصهالو بسهولة، واللي عايز وظيفة كمان، انت اول حاجة تعملها بعد ما تباركله، تطلب منيه يوظف بتك.
- يوظف مين ياما؟
صرخت بها وكأن عقرب لسعها، لتعبر عن رفضها بوضوح تام:
- ضاحي دا لو اخر واحد في الدنيا انا مش عايزة مساعدته، إن مكانتش تاجي الوظيفة من عند ربنا مش عايزاها.
بصقت كلماتها وتحركت نحو غرفتها على الفور، لتردد في اثرها باندهاش:
- لو اخر واحد في الدنيا مش عايزاها، طب ياختي خليكي في خيبتك كدة على ما ربنا يفكها عليكي.
اضاف مطاوع على قولها:
- بتك فجرية يا عزيزة، سبيها في هبلها دا مرنخة من غير فايدة، مفكرة ان في حد اساسا بيتوظف في الزمن ده من غير واسطة، هي اللي خسرانة.
❈-❈-❈
دلفت لداخل الغرفة تغلق بابها عليها بحالة من الغضب تكتنفها حتى تجعل الدماء تغلي برأسها، وعدد من الأسئلة تصدح داخلها، لماذا لا يوجد ميزان عدل في بلدهم؟ كيف يخطأ اثنان، فيتحمل الذنب جميعه شخص واحد والأخر يقضيها دون حساب او عقاب، رغم معرفة الجميع بخطيئته
تفاحة ماتت وووالدها الأعمى مات خلفها، شقيقها الذي عاش من بعدهم الحياة بطبيعية رغم جرمه هو الاخر ، ترك البلدة الان للعمل في إحدى المحافظات الحدودية، ولا احد يعلم كيف تم ذلك في يوم وليلة.
وهو المجرم الاكبر، قضى العديد من السنوات بعيدا عن اي منغصات، والآن يعود لينول الوجاهة بمنصب هام، يالها من كوميديا سوداء ، ذلك الذي يعيشه المرء الآن.
تنهدت بأسى تتذكر الرجل المريض الآن زيدان الدهشان والده، حينما اصدر امره بإبعاد ابنه عن البلدة، انه لم يكن عادلا في هذا الأمر، ولكنه كان مراعيًا على الاقل لمشاعر الخلق.
تنهدت بضيق متعاظم مع تذكرها وقوفه بالشرفة وتحديقه بها دون مرعاة اثناء غسل شعرها بغفلة منها قبل ان تنتبه له، لقد تكرر الموقف يوم امس، حينما دخلت خلف والدتها تساعدها في اعداد الخبز بالفرن الطيني خاصتهم، وقد كانت منهمكة معها وللمرة الثانية انكشف شعرها وهي غافلة ولم تنتبه الا بعد فترة من الوقت، لتجده بنفس الوقفة، فبرقت عينيها بغيظ تنبه والدتها ، والتي ما ان رفعت رأسها إليه، حتى لوحت له تحيه بعفويتها ، ليبادلها هو الاخر بمكره، ثم ينسحب للداخل، ليبدو الأمر عادي ويمر كما يمر كل شيء من حولها.
❈-❈-❈
في المساء
وكما توقعت ازدحم المنزل من الداخل والخارج بأعداد البشر التي أتت تبارك لمجرد قبوله بالترشيح للمجلس الموقر، حتى والديها ذهبا هما الاخران وأشقائها الصغار مع باقي الاطفال هناك، ينالون جانب من الاحتفال بالحلوى والمشروبات الغازية التي توزع عليهم،
اما هي فظلت على عهدها ولم تتحرك من منزلها إلا اذا جاء احد الزبائن لاستلام حاجته من الاقفاص التي صنعها والدها، ، أو يسجل طلبه معها حتى يأتي والدها وتخبره، فما بالها ان كان الطالب من تنتظر اللقاء به يوميا،.... ابن عمتها
لتخرج إليه خارج عتبه المنزل، في الجزء الذي يعمل به والدها، بابتسامة، لا تخفي لهفتها في لقاءه:
، ايه اللي جابك دلوك يا مختار؟ ابويا مش جاعد .
قابلها بابتسامته الحلوة:
- طب وانا ايش عرفني ان خالي مش جاعد، انا جاي مرسال من امي ، اصلها بتستعجله على طلبها ، يا ترى خلص اللي جالت عليه؟
نفت بهزة خفيفة بكتفها، وكأنها لا تتذكر الدلال إلا بحضوره:
- بصراحة معرفش يا استاذ مختار انت جصدك على ايه بالظبط؟
طالعها بافتنان يجيبها:
- والله حلوة منك استاذ دي، بس انا بسأل ع الكفاية ( شيء يشبه القفص، ولكن اكبر واضخم) اللي طلبتها امي منه عشان فروجها اللي بينزل عليه الصيد كل ليلة،
نقلت بعيناها نحو احد الاركان لتشير بكفها والابتسامة لم تغادر شفتيها:
- اممم افتكر يعني اللي جاعدة هناك دي، كان ابويا نبه انها بتاعة عمتي وخلصت، يعني لو عايز تاخدها خدها.
- اخدها وامشي على طول
غمغم بها بضيق، شاعرًا بعدم الاكتفاء بعد من رؤيتها، ليعبر عما يعتريه من حزن:
- اه انا دلوك بس اتمنى عمي يبجى حاضر، ع الاجل هجعد براحتي وتطول شوفتي ليكي.
اسبلت اهدابها عنه بخجل، فهي أيضًا ينتابها الشوق للجلوس والحديث معه بحرية كما كان يحدث ايام الجامعة، وفي سنين التعليم التي مروا بها معًا.
ردت حينما طال صمته:
- مينفعش الوجفة كدة في الشارع، الكفاية جاهزة ان كنت هتاخدها معاك.
اومأ رأسه بتفهم ليقول ببعض الجدية:
- تمام، انا برضوا عامل حسابي وجيبت عربية النص نقل عشان اخدها.
لم تجد ما ترد به، ليتنهد هو بقلة حيلة ويتوجه نحو ما أشارت إليه، ليغمغم بداخله:
- الله يسامحك يا خالي، وانت محيرني كدة ومش راضي ترسيني على بر واصل.
️
رفع القفص الضخم وما هم ان يتحرك به ، حتى وجد ان طرفه انزلق منه، ليتمتم بحرج:
- يا دي الكسوف.
ضحكت هي من خلفه مهونة:
- لا متتكسفش انا برضو ستر وغطا،.
رمقها بغيظ زاد من تسليتها، لتضحك غير قادرة على التوقف، حتى فوجئت بالسيارة الضخمة التي هدأت سرعتها لتبطئ بالقرب منهما ، وصاحبها من الخلف يطالعها بنظرة غير مفهومة قبل ان ينقل نحو ابن عمتها الذي اعطاها ظهره في هذا الوقت ، قبل ان ينتبه لهويته، ويومئ له بالتحية والتهنئة:
- عجبال ما يبجى الفوز رسمي يا سيادة النائب.
اومأ له بتعالي دون رد ، ليخطف بنظرة اخيرة نحوها ، وكأنه ينتظر منها التهنئة هي الأخرى، ولكنها ادعت عدم الفهم، لتشيح بوجهها ناحية منزلهم، وانتظرت حتى اختفى صوت مرور السيارة، لترفع رأسها وتتأكد
فتزفر بارتياح متمتمة:
- يا سااتر.
❈-❈-❈
كان ضاحي في هذا الوقت، قد وصل منزلهم، ليقابل بالتهاني والمباركات من حشد لا بأس به خارج المنزل،
كان يبادلهم المصافحة وعيناه تنقل كل لحظة نحوها وهي تتحدث مع هذا الشاب الصغير الذي لم يعرفه، حتى غادر من أمامها بسيارته العتيقة نصف نقل، لا تصلح سوى لحمل الغنم الصغيرة
وهي ظلت للحظات تتابع مغادرة السيارة باهتمام، عكس ما فعلت معه، حين تجاهلت مروره، لتبعد عيناها عنه تماما، هل كان نكرة امامها لتفعل ذلك ولا تعطيه اهتمام كباقي فتيات القرية التي تتلهف على رؤيته، كلما مر طيفه امامهن، انها حتى لم تكلف نفسها لتهنئته كما فعل ويفعل الجميع الآن ومنهم...... كما يرى اباها الآن.
في خاطره الاخير، كان قد وصل الى المذكور وقد وجده جالس مع مجموعة يدخنون الشيشة، لينتفضوا جميعا في استقباله، ف اقترب يصافحهم ويبادلهم التحية حتى اتخذ مقعده بجواره، فلم يكن يصدق نفسه.
- لو تحب تاخدلك حجر جوزة معانا يا سيادة النايب؟
رد ضاحي بابتسامة ماكرة:
- لا يا سيدي انا مش عايز اشرب ، لأني مليش في الدخان اصلا، لكني كنت عايزك في طلب.
سمع منه مطاوع ليتمتم ردا له بحماس:
- أؤمر طبعا يا ضاحي بيه، رجبتي سدادة.
- الأمر لله وحده يا مطاوع، انا بس كنت عايز أسألك في البداية، بما انك خبرة تعرف تعمل كراسي حديثة من الجريد؟
رد بحماس:
- طبعا امال، دي صنعتي ابًا عن جد، انا بس اللي بشتغل على حسب طلب الزبون.
❈-❈-❈
في اليوم التالي
وكما تفعل دائما ف الاستيقاظ متأخرا، الا انها في هذا اليوم اضطرت للنهوض من تختها مبكرا على غير ارادتها، مع سماع أصوات الجلبة التي كانت تصلها من الخارج، لتنهض عن تختها مغادرة الغرفة نحو مصدر الصوت بالخارج، لتجد الحركة الغير معتادة، وابيها يعمل في هذا الوقت من الصباح بجد ونشاط على اعداد من السعف وفروع النخيل كثيرة وجديدة، وكأنها قطعت للتو ، ينظفها بالالة الحادة قبل ان تدخل على مراحل التصنيع، ووالدتها هي الأخرى تساعده، والتي ما ان انتبهت لوجودها حتى بادرتها بالقول :
- صحيتي يا زينب، زين جوي، روحي وكلي الطير والبهايم، انا مش فاضية خالص النهاردة اشتغل في البيت واسيب ابوكي.
خرج رد زينب باندهاش:
- وليه الهمة الزيادة النهاردة ياما؟ انتوا اصلا من امتى بتشتغلوا من صباح ربنا كدة؟ دي مش عادته اصلا يشتغل جبل ما يروح الزرع..
صدر الرد من اباها اثناء انهماكه بما يعمل عليه:
- لا ياست ابوكي ما انا طلعت النهاردة من الفجرية على زرعتي، جطعتلي شوية الجرايد الحلوين دول واديني شغال عليهم، عشان اخلص الطلبية اللي قي يدي، حكم دي كبيره وربنا يرزقني منها جرشين حلوين.
- امين يارب، يفتحها عليك يا بوي
تمتمت بها زينب بابتهاج، وقد اسعدها حماس ابيها، لهذه الطلبية التي يبدوا ان بها رزق جيد له، ليدب النشاط بداخلها هي ايضا، ثم تدخل المنزل وتنوب عن والدتها في فعل الأشياء التي تقوم بها يوميا تجاه الغنم والطيور وما يتعلق بطعامهم وشرابهم، ثم ترتب المنزل وتجلي الأواني، وقبل ان تهم بإعداد طعام الغذاء وصلها الصوت المحبب إليها في الخارج يشاكس اباها كعادته:
- علمني صنعتك يا خال، انا راجل عاطل ومش لاجي حد يشغلني.
- بعد ما شاب ودوه الكتاب، يعني بعد ما خيبت نفسك في المدارس، جاي دلوك تتعلم الصنعة؟
ضحكت عزيزة على مناكفة الاثنان، ثم انتبهت بقدوم ابنتها والتي القت التحية بلهفة:
- صباح الخير يا مختار، انت كمان بتساعد ابويا .
قالتها بإشارة نحو الفرع الذي يقوم بتقشيرة من الخوص بيده، ليستغل هو بدرامية:
- خدتي بالك يا بت خالي، شغال بيدي اها، وهو ياجي بعد دا كله يجولي خيبت نفسك في المدارس، بجى انا راجل خريج حقوق ومحترم يتجالي كدة يا ناس؟
- مدام عاطل يبجى خايب
قالها مطاوع وانطلقت الضحكات على رد فعل الاخر ، حينما عبس بمظلومية، جعلتها تضحك بمرح ، تؤازره بنظرتها وكأنها تصبره على جفاء ابيها معه، رغم مزاحه معه، ولكنه لم يوافق حتى الآن على طلبه بالزواج منها، يراوغه بالحديث ولا يعطيه رد حاسم، وكأنه يستمتع بعذابه.
واصل مختار ووالدها تبادل المزاح وانضمت هي معهم في تجهيز الفروع وتقطيعها باَلة مخصصة لذلك، والبدء في التصنيع، حتى اجفلت على صاحب الصوت الذي تمقته :
- الله ينور يا عم مطاوع، دا الشغل ماشي تمام .
انتفض المذكور يستقبله بالترحاب والتهليل:
- سيادة النايب، اتفضل يا باشا، المكان مكانك.
رد التحية ضاحي يصافحه بكفه، ثم اتجه لعزيزة يصافحها أيضًا، لينقل بنظره نحوها وقد كانت جالسة على الأرض ولم تكلف نفسها بالنهوض في استقباله، لتضطره ان يومئ بذقنه نحوها كتحية من محله، غمغمت بهمهمة غير مسموعة كرد له، لتعود لعملها على الة التقطيع وينتبه هو على نفس الشاب الذي رأه بالأمس معها، يستقبله بحفاوة هو الاَخر:
- منور يا سيادة النايب.
اومأ له بتعالي ثم التف نحو مطاوع بنظرة استفسار فهم عليها الاخير ، ليجيبه على الفور :
- دا مختار واد اختي يا ضاحي بيه، كلية حقوق هو التاني، مخلص مع زينب في نفس السنة ، مستني عقد الوظيفة على ما يحدد موقفه من الجيش الاول، اتفضل اجعد معانا، دا لو وجتك يسمح يعني؟
قال الاخيرة مطاوع وهو يشير على احد المقاعد التي صنعها بنفسه من الجريد ، وعلى عكس ما توقعت، وجدته يوافق على الفور:
- يسمح يا عمي ما يسمحش ليه.
جلس ضاحي مقابلا لها ولمختار الذي كان يتحدث بسجيته:
- والله دا تواضع منك يا سيادة النايب
اغتاظت داخلها من بلاهته في التحدث الى هذا الرجل ، ولكنها اعطته عذره في عدم معرفته الجيدة به، لتظل على صمتها تسمع الحديث وتركز فيما تعمل، حتى ثقلت يدها وتجمدت محلها حينما علمت انه صاحب الطلبية التي ينكفئ عليها اباها منذ فجر اليوم.
- وانتي يا زينب كمان جدمتى على شغل ولا مستنية المسابقة الحكومية؟
توجه بالسؤال لينزعها من شرودها، فنظرت له بحدة لتنهض مستئذنة بإجابة مقتضبة:
- ربنا يسهل ان شاء الله، عن اذنكم هروح اطل ع الطبيخ .
- طب ممكن لو فيها رزالة تعملي كوباية شاي معاكي يا زينب.
اجفلها بطلبه حتى انها لم تجد الفرصة في الرفض مع ترحيب والدها:
- وه يصح يا ضاحي بيه، هو انت هتستأذن كمان؟ دا احنا نعملك براد بحالة لو عايز؟ دا الواجب علينا نحضر فطور ، حضري فطور يا زينب .
جلجلت ضحكته الصاخبة بالرفض :
- لا يا عم مطاوع، كتر خيرك والله هي بس كوباية شاي لو تسمح الأبلة زينب .
بصعوووبة جمة كبتت رفضها، لتضطر مزعنة على مضض لأمر والدها، وتدخل لإعداد الشاي، لتخرج إليه بعد دقائق حاملة عدة اكواب على صنية صغيرة، له ولوالدها ولمختار الذي وجمت ملامحه، وكأنه بدأ يستشعر عدم الراحة، اما اهو فقد كان يرتشف بتمهل وتلذذ وعيناه تتابعها ، حتى ان همت بالدخول اوقفها بقوله:
️
- انا سألتك يا زينب عن موضوع الشغل، عشان لو عايزة من بكرة الاجيلك وظيفة هنا في مدرسة البلد، بدل ما تستني ولا ياجي حظك في بلد بعيدة
يدعي الحديث برزانة وعيناه الوقحة تشملها بنظرة لا يفهمها الا رجل مثله، يغفل عنها مطاوع بسجيته، لكنها لفتت انتباه مختار الذي اسقط أعواد الجريد دفعة واحدة بصورة عنيفة اجبرت الجميع أن يلتفت له، فتمتم مبررًا بحجة واهية:
- معلش يا جماعة فلتو مني مخدتش بالي .
قالها ثم توجه اليها بملامح ممتقعة فهمت عليها لتسأذن خشية غضبه دون ان تجيب الاخر:
- عن اذنكم يا جماعة، شكل الطبيخ فار ع البوتجاز.
حركت قدميها سريعا في الذهاب، ليتوجه مختار الى الاخر بتحفز اثار تسليته ليناكفه بابتسامة مستترة:
- نسيت أسألك انت كمان يا مختار لو عايز وظيفة في الحكومة او خاص، انا احب اخدم كل اهالي الدايرة.
صدر رد مختار برفض قاطع:
- لا متشكرين يا سيادة النايب، انا اصلا وظيفتي محجوزة في مكتب الدكتور اللي كان بيدرسلي، محامي تحت التمرين، وان شاء الله اتطور عنده وابجى محامي كد الدنيا.
❈-❈-❈
- كل دا جعاد عند مطاوع الجفاص يا ضاحي؟
هتف بها شقيقه يستقبله بها فور ان صعد اليه في الطابق الثاني في منزلهم والذي لا يضم سوى جناحين كبيرين لهما دونا عن باقي الاخوة، قام بتصميمه حامد بنفسه..
وجاء رد الاخر بابتسامة غير مفهومة:
- ومالوا مطاوع الجفاص، ما هو راجل زين وعال العال، دا كفاية انه من العيلة. دا انا حتى حبيته، حبيته جوي
زوى حامد ما بين حاجبيه يطالعه بتمعن ومغزى كلماته المكشوف لا يحمل الا معنى واضح، لينتصب بجذعه بعد ان كان متكًئًا على سور شرفته، يخاطبه بحدة:
- ضاااحي، كلامك مش عاجبني يا واد ابوي، اتعدل الله يرضى عنك وافتكر زين العهد اللي واخده عليك، انك تلف الدنيا كلها وتعمل اللي انت عايزه، لكن عند بنات العيلة لا، مطاوع راجل خفيف وبته من الأساس عيلة صغيرة عليك .
- ومين جالك اني عايز العب ببته؟ ثم حكاية صغيرة دي متنفعش يا عمنا طول ما عدت العشرين ، يعني عزها في الجواز وانا في عز شبابي
ازبهل حامد يردد بعدم تصديق:
- جواز مين؟ وتتجوزها كيف يعني؟ انت بتتكلم جد؟
- اه والله بتكلم جد
قالها ببساطة أثارت غضب الاخر:
- عايز تتجوز بت الجفاص؟ ضاجت عليك يا واد ابوي؟ ولا انت ناوي تمشي ورا كلام جدتك؟ طب دي كان جصدها على عيال ستهم وبهانة، انما انت كبير وبكرة تبجى نايب في مجلس الشعب يعني عايز واحدة تليجلك.
انتظر ضاحي حتى توقف شقيقه ليرد بجدية خلت من عبثه الدائم:
- وان جولتلك ان ميهمنيش رأي حد، يجولوا ابوها جفاص ولا كناس، انا ميخصنيش الا البت، بصراحة بجى داخلة مخي ومعششة، ومش هستريح غير لما الاقيها في بيتي وعلى فرشتي.
- اتعدل يا ضاحي ونجي كلامك.
هدر بها حامد بغضب لم يكترث له الاخر فتابع بتصميم:
- ماااشي يا سيدي هنجي كلامي، المهم بجى انت افتكر زين الوعد اللي وعدتني بيه عشان ارجع البلد ، جولتلي هنفذلك كل اللي انت عايزه يا ضاحي، مش ده كان كلامك؟
اضطرب حامد بتذكيره بالوعد الذي قطعه عليه، ليتراجع عن حدته مخاطبًا له بعتب:
- انا فاكر ومش ناسي يا ضاحي، انا فعلا جولت كدة عشان عايزك جمبي، انت شقيقي، يعني مفيش اي حد يسد مكانك، لا خوات ولا اصحاب ولا حتى حريم ، انا جربت الجواز مرة واحدة، ومتحملتش بت الناس رغم انها كانت كاملة من كله جمال وعز وأصل، ومع ذلك مطجتهاش .
- اديك جولت بنفسك.
تمتم بها ضاحي، يلوح بكفيه امامه، ليواصل اثبات وجهة نظرته:
- كان فيها كل المميزات وبرضك مطيجتهاش، يبجى انا ايه اللي يغصبني، انا راجل بدور على راحتي، والبت دخلت مزاجي يبجى استنى ايه؟
ظل حامد صامتًا للحظات ، يبحث عن حجة تقنعه، ولكن في النهاية امام تصميمه خفف حدته في الحديث:
- طب وهتعمل ايه في موضوع الانتخابات؟ انا من رأيي تخلص خالص وبعدها تشوف موضوع الجواز ده.
قهقه ضاحي ضاحكا :
- يعني عايزنى استنى شهور يا حامد يمكن انسي، لا يا حبيبي دا انت اللي تنسى، انا من بكرة هكلم ابوها، والم الموضوع ع السريع اخدلي يومين حلوين معاها جبل ما اتلهي في انتخاباتي، جولت ايه بجى؟
صدر رد حامد بقلة حيلة:
- يعني هجول إيه وانت مرتب وعامل حساب كل حاجة، مبروك يا ضاحي
صاح ضاحي بتهليل:
- ايوة كدة، هو دا اللي انا عايزه، عجبالك يا واد ابوي.
....يتبع
الفصل السادس
- ضاحي مين؟
تمتمت بالإسم بعدم استيعاب، بعدما أخبرها والدها وهو يزف البشرى عليها وعلى والدتها التي صاحت بتهليل وتكبير:
- الله اكبر الله اكبر، انت بتتكلم جد يا مطاوع، ليكون بيهزر معاك ولا انت اللي عامل فينا مجلب؟
دوت ضحكة صاخبة من الاخير ليعقب على قولها:
- يا مرة يا مجنونة، والكلام ده فيه هزار برضو، بس اجولك؛ انتي فعلا معاكي حق، اذا كنت انا بلمت معاه وخليته يعيد عليا الحديت كذا مرة عشان اصدق، دي حاجة ولا في الخيال والله .
رددت خلفه عزيزة توافقه الرأي بتأثر وحماس :
- دا عشان ربنا بيحبنا يا مطاوع، وبتنا برضك زينة وتستاهل، اه امال ايه، ربنا عايز يعوض صبرك خير يا حبيبتي .
توجهت بالأخيرة نحو ابنتها التي تجمدت تنقل بنظرها بينهما وتسمع الحديث وكأنه يخُص واحدة غيرها، لا ليست هي المقصودة، لا يمكن ان تكون هي المقصودة.
- مالك يا بت مبلمة كدة؟ لتكوني انتي كمان مش مصدقه زينا؟
عقبت بها عزيزة بابتسامة ممازحة لها، والحماسة تتراقص بمقلتيها قبل ان تصدمها ابنتها والتي هبت تنفض عنها تأثير الصدمة، لتعبر عن رفضها:
- وحتى لو صدقت ياما الكلام دا لا يمكن يحصل، ضاحي الدهشوري اخر واحد ارضى بيه يتجوزني.
- هو مين اللي اَخر واحد ترضي بيه؟
صدر الرد من والدها الذي برقت عينيه بغضب يسترسل باستفساره نحوها، يسبق عزيزة التي تصنمت بذهول:
- انتي واعية يا بت للي بتجوليه؟ بجى انتي يا بت مطاوع الجفاص، مش عاجبك ضاحي الدهشوري؟ ليه؟ هي الدنيا اتشجلب حالها اياك.
ردت بحدة وثقة:
- ايوة يا بويا واعية للي بجوله، انا افضل الموت على اني اتجوز النايب الباشا بتاعك، هو باشا ومفيش منه يروح يدور على واحدة تليق بيه، ضاجت عليه الدنيا، وملجيش غير زينب عشان يتجوزها؟
خرجت الاخيرة بصيحة غاضبة لتنهض من جوارهم تود الذهاب، ولكن والدها أبى ان ينهي الحديث:
- اجفي مكانك يا بت، عايزة تمشي بعد ما بخيتي في وشنا وقطعتي فرحتنا.
ياله من تعبير موجع، ان تتسبب بقطع فرحتهم، ولكن أين هذه الفرحة من الزواج بشخص مثل هذا الفاسد؟ لانت لهجتها لتخفف من حدتها:
- بعد الشر عليكم يا بوي من جطع الفرحة، بس الجواز اساسه الجبول، وانا عمري ما جبلت الراجل ده، دا غير انه كبير عليا في السن
خرج صوت عزيزة هذه المرة بمقاطعة:
- سن ايه يا جزينة؟ هو كان عجوز؟ دا بنات البلد كلها هتموت على نظرة منه، ضاحي الدهشوري ده يتجالوا لاه ازاي يا بت الفجرية؟
أومأت لها بهز رأسها:
- هو فعلا كدة ياما، انا فعلا واحدة فجرية، يعني مفيش داعي تتعبوا وتحطوا امل على شيء لا يمكن يحصل إلا على جطع رجبتي.
سمع منها مطاوع، لينفجر غاضبًا، بملامح ذكرتها بالذنب القديم وكرهه لها وقتها:
- مش انتي اللي فجرية، دا احنا اللي ولاد ستين كل...... اللي تعسنا الزمن وبلانا بواحدة زيك، كل البنتة فرحة إلا انتي، كل البنتة بتحس وعندها دم إلا انتي؟
ابتلعت بصمت وقد تحجر الدمع بعيناها، لا تتحمل نعته القاسي لها، ليسترسل بحزم يأمرها:
- اسمعي يا بت راجعي نفسك زين جوي، عشان انا يستحيل ارفض واد الناس اللي اتنازل من مجامه عشان يناسب واحد زيي، مين انا عشان اجول لضاحي لا؟ جاكي نصيبة تاخدك طول عمرك مشيلاني الهم.
بصق كلماته وتحرك يستدير مغادرًا المنزل بأكمله، يغمغم بالسباب والشتائم، لتنهار هذه المسكينة وتنطلق نحو غرفتها، تفرغ قهرها بالبكاء دون توقف، تنعي حظها وهذه الكارثة التي حطت فوق راسها بدون سابق إنذار.
❈-❈-❈
في وقت لاحق
وبعد أن اهلكها البكاء، لم تجد إلا صديقتها، تستدعيها كي تشكي لها وربما تفهمها:
- معجول يا زينب، كل المناحة اللي انتي عملاها دي عشان ضاحي الدهشوري اتجدملك؟ ليه يا حبيبتي؟ عينك مدغششة ولا مبتشوفيش اصلا؟
تمتمت بالكلمات نورا بعدم تصديق لتزيد من قهر الأخرى:
- انتي كمان هتبكتيني يا نورا، طب ياريتني ما بعتلك، شالله كنت موت حتى من الزعل.
رددت نورا ببعض اللطف:
- لا حول ولا قوة إلا بالله، يا حبيبتي اعذريني وسامحيني، بس انتي عارفاني صريحة ومدب، ومعلش يعني اي واحدة في مكاني هتجولك كدة، انا مش فاهمة ايه سر كرهك لضاحى بالشكل ده؟
ترددت داخلها بحيرة ما بين اخبارها عن السر الذي تكتمه داخلها منذ سنوات، وضمير يؤنبها اذا افشت وتحدثت عما اندثر مع الزمن وماتت صاحبة الأمر .
- ايييه يا بنتي انتي سرحتي؟
- لا مسرحتش بس انا فعلا كارهة الراجل ده، ثم كمان متنسيش اني جلبي ميال لمختار، واد عمتي اللي اتربيت معاه وخدنا كل سنين الدراسة مع بعض.
عبست نورا بضجر لا تخفيه:
- مختااار، مختار يا زينب؟ بجى دا واحد يتقارن اصلا بضاحي، مختار اللي لسة بيدور على عتبة يجف عليها ويبني نفسه بتفضليه على ضاحي اللي بكلمة منه يجلب حال بلدك بحالها، طب حتى خديها بالشكل ولا المظهر ، دا واد عمتك الهدوم بتسقط فيه ، انما ضاحي عليه جسم ولا اللي بيرحوا الجيم، دا غير الصورة ولا الهيئة، مال وجمال تبارك الله .
توقفت نورا على استرسالها، حينما انتبهت بنظرة العتب التي تطل بعيني صديقتها ، لتخفف من عدتها باعتذار:
- انا أسفة يا حبيبتي للمرة الالف ، بس صدقيني انا بتكلم كدة عشان مصلحتك والله، عايزاكي تشوفي اللي الناس شايفاه وتعيشي الواقع، الحالمية والمثالية اللي انتي عايشة فيها دي متنفعش
توقفت برهة ثم تابعت:
- ثم كمان متزعليش مني يعني، انا لازم اجولهالك في وشك، ابوكي مينفعش يجوله لا، صعبة جوي انه يرفض
ضاحي الدهشوري.
رغم عقلانية المنطق الذي تتحدث به صديقتها، إلا ان روح التمرد داخلها ابت الاستسلام، لتحتد لهجتها بتحدي:
- صعب ليه ان شاء الله؟ كان الباشا، هو السلطان واحنا عبيد ومنجدرش على رفض طلبه، طب ايه رأيك بجى، انا هصمم على رأيي، وان شالله حتى ابلغه بنفسي، اشوف الباشا يجدر يغصبني ازاي؟ ولو حصلت اني ابلغ عنه عشان احمي نفسي واهلي منه هعملها، عشان يعرف بس ان مش كل الناس خاضعين لجنابه، ولا كل الطير يتاكل لحمه.
كان هذا هو الرأي الي صممت عليه بالفعل، بثقة وعند غير طبيعي، فتحملت كل اشكال الضغط والالحاح من والديها، حتى حينما كان ابيها يضج منها ويسبها بالشتائم، تمسكت زينب بموقفها، بل وكانت تصر عليهم بالرد عليه بالرفض، ولكن مطاوع ورغم يأسه من موقفها ظل لعدة ايام يماطله في الرد دون ان يملك الشجاعة لإبلاغه بالامر، على أمل ان يلين رأسها اليابس، او تقتنع، ليظل الوضع هكذا معلقا ، ما بين استعجال الاخر على معرفة الرد وما بين استماتتها هي لإبلاغه برفض الشرف العظيم بالارتباط به، حتى التقت بخضرة نقالة الكلام كما تسميها اثناء ذهابها الى المدينة وتقديم اوراقها في إحدى مسابقات التوظيف، لتوقفها المرأة اللئيمة بأسلوبها الملتوي في معرفة الحقائق من اصحابها:
- يا بسم الله ما شاء الله ع الحلوة اللي لابسة ومتأنتكة ولا بنات البندر، ايه يا بت عزيزة الحلاوة والجمال ده.
جذبتها من مرفقها نحوها لتحتضنها وتقبلها من وجنتيها ، فتبسمت لها زينب بامتعاض تتقبل غزلها:
- من بعض ما عندكم يا خالة خضرة، معلش بس مستعجلة عايزة ألحق مشواري .
قالتها وشرعت بالتحرك إلا ان الأخرى اوقفتها:
- استني بس دقيقة، دا انا مصدجت اشوفك يا زينب، دا انتي حتى ما بتطلعيش خالص من بيتكم زي باجي البنتة في البلد، اكنك عايشة في بلد تاني مش معانا .
اومأت بابتسامة صفراء تريد التخلص منها حتى تذهب:
- معلش يا خالتي، انا فعلا تعتبريني زي اللي عايشة في بلد تاني، اصلي بصراحة بجيت اتخنج من الناس وكهنهم ف الحديث معايا ولا في أذيتهم للبشر.
قالت الأخيرة بمغزى نحو الأخرى، ولكنها وكالعادة تتجاهل لتواصل ضغطها ببرود متناهي؛
- جدعة يا بت دا انا اللي اسمي مرة كبيرة مبخلصش منهم وكل شوية يدخلوني في كلام وحديت، الا صح بمناسبة الحديت والرط.
توقفت تميل عليها وتهمس بصوت منخفض وكأنها ستخبرها بسر حربي:
- انا سمعت جال ان ضاحي الدهشوري بجلالة جدره اتجدملك يا زينب.
تبسمت زينب بفراسة وقد فهمت على مكر المرأة، وعلمت داخلها انها لن تهدأ الا بمعرفة الجديد، لذلك لم تجد غضاضة من اخبارها حقيقة موقفها وربما كانت فرصة ليصل الى الاخر ردها وتتخلص من طلبه:
- ايوة يا خالتي، هو فعلا اتجدملي، بس انا رديت وجولت لابويا لأ، بس لسة مردش.
شهقة بصوت عالي خرجت من فم خضرة، لتضرب بكفها على صدرها تستنكر:
- يا مرك يا خضرة، كيف يا بتي؟ هو معجولة في واحدة في الدنيا كلها ترفض ضاحي بيه؟ لا يا زينب انتي شكلك بتضحكي عليا، كيف يعني انا عمري ما اصدجها دي.
- لا يا خالتي صدجي، ضاحي باشا تتمناه اي واحدة، بس انا جولت لابويا لاه ومش عايزاه، يروح للبنات اللي هتموت عليه ، ولا اخطبيلوا انتي يا خالتي، دا انتى تعرفي بنات البلد كلهم حتى. عن اذنك بجى عشان متأخرة على مشواري.
تحركت زينب تترك المرأة فاغرة فمها بدهشة، بعدما باحت لها برفضها لضاحي الدهشوري، بعلم تام منها انها لن تغلق فمها وتكتم المعلومة داخلها، سوف تنشر الخبر لكل الدنيا ان لم تكن تخبره هو نفسه، فيصله رفضها فتتخلص منه مادام ابيها لم يملك الشجاعة حتى الآن لإخباره.
كان هذا ظنها والفكرة التي طرأت برأسها في هذا الوقت، لتذهب وتتقدم بأوراقها للمسابقة التي تنظمها الحكومة لتوظيف المعلمات، ثم عادت لتسلك نفس الطريق الوحيد المؤدي لمنزلها، بجانب زراعات اشجار الموز التي تمتد بالفدادين وعلى مد البصر، وكانت المفاجأة حينما شعرت بيد احدهم تجذبها وعلى حين غفلة وقبل ان تتمكن من الصراخ او طلب النجده وجدته امامه، لتتوسع عينيها بفزع حينما علمت هويته ، حتى همت ان تصرخ ولكنها لحق على الفور ليكتم بكفه على فمها فيطل عليها من مستوى طوله المهيب، ويخاطبها بتحذير:
- اياك اسمعك تصرخي ولا تطلعي حس، لتخسري نفسك وسمعتك بالمرة، خليكي هادية عشان نتكلم بهدوء واحترام.
طالعته بازدراء تود الهجوم عليه وخدش وجهه بأظافرها، ولكنها تعلم ضعف موقفها في هذه اللحظة ان قاومت او صرخت ، لذلك أبدت من الاستكانة بعض الشيء، لتوميء له بريبة حتى يرفع كفه عنها، وفور ان فعل وهمت بتوبيخه، اجفلها بفعله لتشهق بفزع حينما وجدت نفسها تسحب من خصرها على حين غرة، ليلصقها بالشجرة خلفها، فهتفت بوجهه ناهرة:
- شيل يدك عني ، انت اتجننت ولا مخك طار منك، وديني لو ما سبتني لكون مصرخة ولامة عليك خلق الله.
ضحك بصوت ليقول:
- يبجى انتي كدة فعلا هتفضحي نفسك يا زينب وتعجلي بأمر جوازي منك
شحب وجهها وتوسعت عينيها باستيعاب قاتل، ليتابع لها بتسلية:
- متخافيش يا جلبي ولا تجلجي عشان انا مش هأذيكي ولا امسك دلوك
قالها ونزلت عينيه عليها بوقاحة يتابع:
- حتى والشوج هيموتني دلوك، لكن انا مضطر استنى لحد ما تبجي حلالي وبين يدي، عارفة ليه ، عشان متأكد اني لا يمكن هشبع منك واصل .
- شهقة بجزع خرجت منها، لتدفعه بكفيها حتى يبتعد عنها، ولكنه كان كالصخر لم يتزحزح عن موضعه ولو إنش واحد، لتهتف به بغضب، تخفي خلفه بصعوبة ارتجاف جسدها من الخوف:
- انت جليل حيا ومش متربى، بعد عني يا جدع انت ، بتعمل معايا كدة ليه؟
ردد خلفها بملامح تحولت وقد ذهب منها العبث
- بعمل معاكي كدة عشان تعرفي ترفضيني زين يا زينب، وتروحي تبلغي خضرة عشان تيجي هي توصلي بعدها.
توقف يزأر كالوحش أمامها متسائلًا:
- كيف جاتلك الجرأة تعمليها؟ بجى ضاحي الدهشوري يترفض من عيلة زيك؟
تتماسك بصعوبة عن السقوط أرضًا، فكيف لها اذن الاستمرار في مواجهته؟ وبرغم ذلك أبت ان تظهر له ضعفها:
- ولما انت عارف اني عيلة، بتتجدملي ليه؟ ما تخليك في اللي يناسبك؟
تبسم بشراسة صدر منها التصميم بشكل جلي ووجهه يزداد قربا منها:
- عشان دخلتي دماغي، وانا عمري ما عوزت حاجة ومطولتهاش يا زينب، وبعد اللي عملتيه شعللتيها في راسي اكتر.
إلا هنا وانفرط العقد لتنفجر به وتفرغ ما في جعبتها:
- تشعلل ولا تولع في راسك حتى، انا لا يمكن هرضى بواحد زيك، واحد عمل عملته وسافر يسيب المسكينة تتحمل ظلم العار والنصيبة لوحدها.
تجمد لوهلة يستوعب مغزى حديثها، ثم تسائل بارتياب:
- تجصدي مين بكلامك ده؟ وضحي اكتر.
قابلت صيحته الأخيرة بشجاعة قائلة:
- جصدي انت عارفه كويس جوي يا ضاحي، انا كنت عيلة صغيرة وجتيها لكن سمعت كل كلامك انت وتفاحه الله يرحمها، وان كنت ساعتها مفهمتش، لكن الزمن خلاني عرفت زين بندالتك، ذنبها في رجبتك يا ضاحي.
بدت على ملامحه الصدمة حتى فك كفيه عنها، يطالعها بصفحة مغلفة بصمت مهيب، لتتنفس هي بعض الارتياح، وقد ظنت انها نالت منه، لتردف بأنفاس لاهثة:
- انا خبيت السر عن الناس كلها عشان عارفة ان مفيش منه فايدة، لكن ربنا مطلع وشايف.
حينما ظل على وضعه، متجمدا محله، مضيقًا عينيه بغموض لم تفهم منه أي تفسير، تحركت قدميها تشرع بالذهاب ، ولكنه اوقفها بعد عدة خطوات قليلة، يهتف بلهجة حملت الاستخفاف:
- متشكر جوي يا زينب انك عرفتيني على سر رفضك ليا ، نلتقي جريب يا زوجتي العزيزة.
- دا في المشمش.
هتفت بها بتحدي قبل ان تلتف مغادرة بخطواتها المسرعة ، لتصدح ضحكاته خلفها بصخب، غير أبهًا بكل الحديث السابق منها، مظهرا عدم اكتراثه بثورتها .
❈-❈-❈
تحرك اخيرا بعد عدة ساعات من التفكير، ليمتطي حصانه حاسمًا الأمر بداخله، على التنفيذ في اقرب وقت، وقد تشبث بها أكثر بعدما كشفت له عن معرفتها بالسر القديم، بعقلية طفلة ظنت انها نالت منه ليبتعد عنها، ولا تعرف انها زادته تعلقا ليقترب اكثر وكانت فرصته حينما تذكر حضور معظم افراد العائلة في هذا الوقت عقد قران أحد أبنائها فلم يضيع الوقت، ليغير اتجاه السير نحو دار المناسبات المُقام فيها الحفل.
❈-❈-❈
- السلام عليكم عقبال البكاري يا شباب.
هتف بها فور ان طل بجسده من مدخل الحفل بصوته العالي لينول الرد من جميع الأفراد بنفس الحماس والترحيب بحفاوة ، ثم يتبادل التهنئة والمباركات مع أهل العروسين وباقي الحضور الذي كان يوزع ابصاره عليهم حتى وقعت عيناه على شقيقه ، الذي كان جالسًا في موقع متميز يليق بمقامه وسط اعداد البشر التي تتملق القرب منه كالعادة، لوح له يده ، ليرد الاخر برزانة وهيبة، قبل ان يعود ضاحي نحو الحضور وعيناه تبحث في الأجواء، حتى اذا عثر على وجهته هلل بصوته العالي مخاطبًا له:
- منور يا عم مطاوع، عامل ايه يا غالي؟
توجهت الأبصار نحو الرجل الذي ذهل بالتقدير المميز من شخص كضاحي، فتبسم منشكحًا بزهو يرد التحية:
- تشكر يا سيادة النايب دا من زوقك.
تابع ضاحي استعراضه:
- دا من بعض زوقك انت يا سيد الكل،
توقف متوجهًا نحو النادل:
- انت يا واض راعي عمك مطاوع، نفذلوا كل اللي يطلبه، جوزة، قهوة، شاي، ساقع، متخليهوش محتاج لحاجة واصل، اهم شيء راحته عندنا، يمكن يحن ويرضى علينا.
اثار بكلماته حالة من الصخب والهمهمات المتسائلة بفضول نحو الرجل الذي تسمر بارتياب رغم سعادته بهذا الاهتمام ، ليبتلع ريقه بتوجس امام النظرات المصوبة نحوه قائلًا:
- العفو يا ولدي، وانا اجدر برضو؟
تدخل احد الأشخاص معقبًا؛
- ما تفهمونا يا جماعة، ايه الحكاية امال؟
هم مطاوع ان يرواغ الرجل ولكن ضاحي كان الاسبق بصياحه شاكيًا بدراما:
- الحكاية اني عايز اتجوز يا عم خليفة، راجع من الغربة وعايز استقر، اريح جلبي عشان اشوف اللي جاي وامر الانتخابات، اتجدمت لعمي مطاوع عشان يجوزني بته اللي بجت عروسة تشرح الجلب، هكمل سبوع دلوك وهو لسة مردش عليا، شكلي كدة مش عاجبه وعايز يرفضني.
- وه
- يرفضك كيف هو اتجن؟
- ولما انت متعجبوش امال مين اللي يعجبه؟
- جرا ايه يا مطاوع؟ هتستخسر بتك على واد عمها واللي هيبجى نايب ديرتنا
تلك الجمل وما يشبهها من عبارات الاستنكار التي توجهت نحو الرجل الذي تعرق بحرج شديد حتى تلجلج بعدم مقدرة على رد مناسب على أي أحد منهم ، باضطراب طبيعي بعد هذه المفاجأة الغير متوقعة على الإطلاق، والأخر يدعي المسكنة رغم ابتسامته الثعلبية، حتى انه لم يكترث لتوبيخ شقيقه بالنظرات المعاتبة، والذي لم يعجبه هذا الأمر وظل على صمته، ليواجه باستفسار احد الوجهاء من عائلته:
- ساكت ليه يا حامد يا ولدي؟ ما تشوف شكوى سيادة النايب.
اضطر ان يخرج عن صمته ليرد:
- وانا هجول ايه بس يا جدعان؟ عم مطاوع حر ان كان يقبل بنسبنا او يرفض، دي حاجة مفيهاش الجبر.
بكلماته القليلة استطاع ان ينهى الأمر ليبرر مطاوع بدافعية امام الجمع الغفير الذي يشاهد ما يحدث بذهول:
- وانا اجدر ارفض برضو يا ولدي؟ انا بس كنت مدي البت فرصة تفكر وتاخد وجتها مش اكتر، دا انتوا نسبكم على عينا وراسنا والله.
هلل ضاحي مستغلًا زلة الرجل:
- يعني موافق اها، طب ما تبلغني وتريح جلبي يا راجل بدل ما انت معلجني كدة بجالي اسبوع، حيث كدة بجى، يبجى خير البر عاجله ونتمم على طول .
ازبهل مطاوع بارتباك ملحوظ، لا هو بقادر على مجاراته، ولا يملك الشجاعة لإبلاغه برفض ابنته، امام هذا الحشد الغفير من البشر، لقد اوقعه بالفخ وهو رجل متواضع الفهم، بماذا يرد؟ وكيف يلين رأس ابنته العنيدة؟
- ربنا يقدم اللي فيه الخير ان شاء الله.
تمتم بها كرد محايد واضعًا في ذهنه ان يغادر الجلسة سريعًا ولكن ضاحي أبى إلا أن يستغل الفرصة
- وهو في خير اكتر من كدة يا عم مطاوع، العيلة تقريبا كلها متجمعة، بكبارها وصغارها، وفي مناسبة فرح مفيش احسن منها، يبجى نستنوا ايه؟ يدكم معايا يا رجالة نجروا الفاتحة بالتوفيق.
قالها وارتفعت كفيه على الفور يتمتم بأيات القران الكريم، لينصاع خلفه الرجال، فلم يتبقى سوى حامد، الذي عض على نواجزه من الغيظ لفعل اخيه، ولكنه في الاخير اضطر الا يخذله، اما مطاوع والذي تجمد لحظات لم يجد مفرا هو الاخر من ان ينصاع لهذا الماكر، ويذعن لمطلب الجميع، حتى اذا انتهوا من قراءتها، اطلقت الأعيرة النارية والتهليل بالمناسبة الجديدة بخطبة احد وجهاء العائلة من ابنة الرجل المتواضع الحال مطاوع القفاص، وبدأت التهاني والمباركات.
.... يتبع
🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹
ادخلوا بسرعه حملوه وخلوه علي موبيلاتكم من هنا 👇👇👇
وكمان اروع الروايات هنا 👇
انضموا معنا على تليجرام ليصلكم اشعار بالروايات فور نزولها من هنااااااااا
🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق