رواية أكل الذئب زينب الفصل الاول والفصل الثاني بقلم الكاتبه الكبيره سندريلا الروايات أمل نصر حصريه وجديده
اسفل مياه الأمطار التي كانت تهطل في هذا الوقت بغزارة، تتشربها التربة الصفراء ولا تؤثر فيها، نظرًا لشدة الجفاف بها، لطبيعتها الصحراوية القاحلة، لكنها تروي النباتات التي وهبها الله القدرة في التحمل، والانتظار حتى يأتيها الغيث، فتزهر وتنبت داخلها الحياة لتصبح ظلًا او طعامًا للبشر احيانا إن ضلوا الطريق، أو مرعى للحيوانات الأليفة،
كانت هذه الصغيرة، رافعة وجهها المستدير لأعلى، كي يتلقف المياه التي تهطل فوق بشرتها، فيبلل ضفيرتيها، وتلتصق غرتها الامامية بجبهتها، مستمتعة بالبرودة اللذيذة، تاركة أمر الغنم التي ترعاها تأكل في حشائش الأرض كيفما تشاء، حتى لا تفوت هذه الفرصة في المرح كعادتها، ومن ناحية أخرى تخاطبها شقيقتها الأصغر:
- ياللا بينا يا زينب أبوي جال لما تنطر تعالوا على طول.
استفاقت الأخيرة من متعتها لتلتف نحو شقيقتها المتخصرة ترد بسأم:
- ويعني شوفتينا هنبيت يا مريم، ما النطرة مسيرها تبطل والشمس تظهر من تاني، العصر مبجالوش ساعة مأدن، ولسة بدري جوي ع المغرب .
جادلتها بعدم رضا:
- وافرضي مظهرتش تاني الشمس والدنيا ليلت علينا، نجعد بجى لحد ما تطلع ديابة الجبل وتهجم علينا! أنا همشي بالبهايم وإنتي اجعدي مع نفسك.
قالتها مريم وتحركت على الفور، تهش بعصاها الرفيع على الاغنام ، كي تجعلهم بصف واحد يسبقونها نحو المنزل، لتضرب زينب بقدمها على الأرض بضجر مغمغمة:
- يا بوووي، طب حتى نصبر شوية، الدنيا مطرتش يا مريم .
سمعت منها لتلتف رأسها نحوها بتسلية ، تسرع بقيادة الغنم في الركض، لتضطر زينب لملاحقتهم بخطواتها السريعة مجبرة، خوفا من أن يصيبها شيء، فهي الأكبر والأجدر بحمل المسؤلية، حتى لو كان عمرها لم يتخطى السابعة بعد، ولا تفرق عن شقيقتها ذات الخمس سنوات سوى عامين.
وفي خضم غضبها وحنقها من فعل شقيقتها، وقعت عيناها على تلك التلة البعيدة عن مرعاهم الدائم، كلما نظرت إليها ينتابها الفضول في معرفة ما خلفها، والتحذيرات الدائمة من والديها، بألا تصعدها، مما زاد بداخلها الشغف عدة مرات لاستكشافها، ولكن كلما اقتربت منها دفعها الخوف إلى التراجع قبل ان تصل إليها ، ترى سوف سيأتي هذا اليوم الذي تغلب فيه ضعفها وتنفذ رغبتها؟
❈-❈-❈
واصلت الصغيرتان بدفع الغنم حتى اخترقا الشارع، الذي يوجد به منزلهما، وكانت المفاجأة انه تقريبا كان مغلقًا بأعداد البشر الضخمة والتي جاءت اليوم لتحضر ذبح الذبائح وتوزيعها من قبل زيدان الدهشوري، كبير البلدة وأغناها على الإطلاق، فهو الوحيد الذي يملك منزلا ضخما كالقصر، بفرق شاسع عن بقية سكان البلدة الصغيرة، فمعظم المباني بها مبنية بالطين ، وعدد قليل بالطوب الاحمر ولكنها لا تضاهي نصف منزل زيدان، الذي يملك معظم الأرض التي يعمل بها أفراد البلدة المتواضعة في الموارد.
لدى زيدان العديد من الأبناء، ولكن أفضلهم هم أبناء زوجته الأولي، حامد اليد اليمني لأبيه، وضاحي المدلل صاحب الحظ الأوفر عن جميع أقرانه، بما وهبه الله من وسامة، وبنية جسدية متناسقة في الطول والعرض، بشرة بيضاء تقارب أهل المدينة، نظرًا للرفاهية التي يتنعم بها، مهما حدثت منه أخطاء، ونال السخط على أفعاله، ينال الحظ الأوفر بأقل مجهود كما يحدث الآن، فهذا الاحتفال اليوم هو من أجله، بعدما نجح أخيرا، بعد سنوات من الرسوب ليدخل الجامعة، والمؤكد هو مساعدة أبيه وشقيقه الأكبر له.
- بعدوا يا اخوانا شوية، البهايم معدية
هتف بها احد الأشخاص، ليفسح الرجال لقطيع الاغنام تخترق الصفوف في طريقها الموجه نحو المنزل، وخلفهما الصغيرتان، يصيبهم الحرج الشديد وقد وجدوا أنفسهم محط أنظار الجميع .
️
بهدوء شديد واصلتا المرور حتى قُطعت نصف المسافة، وقبل الوصول الى المنزل، شهقت زينب بإجفال حينما وجدت نفسها رفعت لأعلى وأقدامها معلقة في الهواء، ، لتجده صاحب الإحتفال، يطوق خصرها الصغير بذراعه الكبيرة يردد بمرح للشباب من أصدقائه:
- وادي عروستي اها، ايه رأيكم بجى، بلا تعليم ، بلا كلام فارغ.
ضحك الشباب من أقرانه فصاحت به تنهره رغم فزعها من فعلته:
- نزلني يا ضاحي، عيب عليك أنا كبيرة مش صغيرة.
- إنتي إيه؟
ازدادت ضحكاته صخبًا لتذمرها، مرافقًا لتعليق أحد أصدقاءه:
- طب اختار البيضة الحلوة، مختار السمرة يا ضاحي!
قالها بإشارة نحو شقيقتها مريم التي سبقتها بالغنم نحو المنزل.
- البياض في الحيطان على رأي جدتي، أنا عجباني دي.
ختم يخطف قبلة من وجنتها، لتندفع الدماء برأسها، شاعرة بأنها أصبحت أضحوكة بينهم، فجاهدت بقوتها الواهيه، تطوح أقدامها في الهواء تهدر بغضب:.
- نزلني يا ضاحي، والله لو ما نزلتني لاجول لابويا ، عيب كدة عيب.
شدد ذراعه عليها يردف بسماجة:
- بجولك عروستي وهتجوزك يا بت، فينه العيب ده؟
كادت ان تبكي لولا تلك الصيحة القوية التي صدرت من الخلف:
- سيبها يا ضاحي بلاش غلاسة، ولا عايزها تجيبلك أبوها صح.
قال الأخيرة بلهجة مرحة، ضحك لها ضاحي بسخرية:
- ايوة صح واحنا مش كد زعل عم مطاوع الجفاص.
أنزلها على الأرض بعد ذلك تنفيذًا للأمر، فالتفت هي إلى الآخر، شقيقه الأكبر حامد، الرجل الثاني بعد أبيه، بهيبته الطاغية ، وشاربه ذو الخط المستقيم، بواجهة تصلح للقيادة والوجاهه الإجتماعية التي لطالما سمعت بها، رمقته بامتنان، قبل ان تطلق ساقيها للريح، وتطير إلى والديها ومنزلهم
❈-❈-❈
- هدومك كلها مبلولة يا جزينة، دي عمايل برضو يا بتي، عايزة تتزكمي ولا تاخديلك دور ينشفك وتموتي فيها يا زينب، إحنا فينا حيل إحنا للدكاترة ولا الكشوفات.
هتفت بها والدتها عزيزة تعاتبها بلوم، وهي تخلع عنها ملابسها وتجفف جسدها بمنشفة قطنيه، ثم تبدلها بأخرى جافة، وكالعادة جادلتها زينب:
- ياما ما أنا زينة جدامك اها، هي النطرة عمرها موتت حد .
صاحت عزيزة بضجر وهي ترفع الملابس المبتلة عن الأرض لتذهب بها؛
- موتت كتير يا مضروبة الدم، بطلي مجاوحة، انا دماغي مش حاملة اللت معاكي يا زينب..... سرحيلها شعرها يا عمة.
توجهت بالاخيرة نحو جدة زينب الجالسة بزاوية المنزل، رحبت المرأة على الفور بحفيدتها الغالية:
-،تعالى يا عين ستك وهاتي المشط من ع التسريحة في أوضة امك.
نفذت زينب لتأتي بطلبها، ثم جلست أمامها مستسلمة لاختراق المشط الخشبي شعر رأسها من الخلف ، والجدة الحنون كالعادة، تردف بكلمات الدلال لها:
- يا حلاوة يا حلاوة ع الشعر السبيب الناعم، حتى من غير دهين بيتسرح بسهولة،
حينما لم تعقب زينب استرسلت الجدة باستغراب تلكزها بخفة على كتفها :
- مالك يا بت مكشرة ليه؟
- مش مكشرة يا جدة.
قالتها بفتور وعيناها منصبة على مدخل المنزل والباب الخشبي الكبير، مفتوح على مصراعيه، يظهر في الخارج لها وبكل وضوح، والدها وشقيقتها بجوار الأقفاص والأشياء الأخرى التي يصنعها من فروع النخيل والسعف، حيث يقع منزلهم على مساحة شاسعة نصفها تم بناءه لسكنهم، وحظيرتان للغنم والبهائم والطيور، وما تبقى اصبح كفناء مفتوح لوضع الأقفاص والأشياء التي تصنع للزبائن، ثم بعض المزروعات والأشجار التي تم زراعتها على مدار السنوات.
كان في هذا الوقت متوقفًا عن العمل بين أدواته، مشغولا في الحديث مع مريم ومداعبتها، مما أثار الفضول داخل زينب لتسألها:
- هو ايويا بيحب مريم عشان احلى مني يا جدة؟
توقفت المرأة عما تفعل ، لتسألها باندهاش:
- مين يا بت اللي جالك الكلام ده؟
اعتدلت زينب لتواجهها ، تقول بعبوس طفولي:
- انا بسمعهم دايما بيجولوا عليا السمرة يا جدة ومريم البيضة، وابويا على طول يحب يهزر معاها .
تبسمت المرأة الحنون تمسكها من طرف ذقنها مداعبة، لتعقب على كل ما اردفت به:.
- يا عبيطة يا مخبلة افهمي، هي البيضة بس انتي برضو الاحلى، سمارك دا اللي فاكراه عيب اكتر حاجة حلوة فيكي، مفرودة وملامحك مسمسمة، عليكي مناخير منصوبة كيف القلم وضحكة تخطف جلب اللي يشوفها .
تبسمت زينب لوصف جدتها ، وقد أسعدها الغزل ، لتسترسل العجوز بإقناع:
- أما عن ابوكي، فهو من امتى فرق ما بينكم؟ لو كان بيجلع مريم زيادة عنك فدا عشان هي الصغيرة، نفس الأمر كان بيعمله معاكي ، ياما لف بيكي على كتفه، وبكره يجى عيل تاني ياخد الزهوة من مريم ، كل واحد بياخد دوره يا جدتي.
اومأت برأسها وقد هدأت سريرتها بكلمات العجوز المريحة، ثم ما لبثت تتذكر ما حدث معها اليوم:
- صح يا جدة البت دي حكتلك ع اللي عمله ضاحي النهاردة معايا؟
قطبت المرأة بريبة:
- عمل ايه يا بت معاكي؟
- شالني وانا جاية من المرعى بالبهايم يا جدة، وف وسط اصحابه اشتغل يقول دي عروستي.
- عروسة في عينه جليل الحيا، الشالح دا كمان مش ناوي يبطل مسخرته، سحبتها لتعاود تصفيف شعرها مردفة:
- انتي شدي حيلك عشان تطلعي أبلة، والجواز ياجي بعد كدة براحته.... المهم بس تبطلي شجاوة، عمايلك بتزعل ابوكي وامك منك .
دافعت عن نفسها ببرائة:
- وانا بعمل ايه بس يا جدة، دا هما اللي بيتعصبوا على اجل حاجة اعملها .
زامت من خلفها باستنكار:
- اممم يعني هما بيتبلوا عليكي، يا بت اسمعي الكلام من سكات ومن غير رط أنا جدتك وبجولك، مينفهش بجى تسمعي الكلام زي العيال الهادية المأدبة؟
رددت من خلفها بمرح:
- حاضر يا جدة هبجى مأدبة.
❈-❈-❈
️
في المساء كانت الليلة العامرة بمنزل زيدان الدهشوري، والنصب الضخم في استقبال المدعوين وغير المدعوين، يقف في استقبالهم جميع أبناءه الرجال ، وفي مقدمتهم حامد وضاحي، والذي كان يوزع جلسته ما بين أصدقائه، وصفوة الحاضرين الجالسين مع والده في ركن خاص به.
دلفت زينب وشقيقتها بملابسهم التي تم تفصيلها حديثًا، بصحبة عزيزة والدتهما، والجدة روحية والتي كانت لها الحفاوة بترحيب سيدة الدار الأولى، التي كانت جالسة في رأس المجلس مع السيدات، والدة زيدان دهشوري وجدة أحفاده، الحجة فضيلة، وصاحبة سلطة على قلوب الجميع .
كالعادة تتم التحية بين المرأتين، بعادة قديمة مازالت تصر عليها النساء العجائز، ان تُقبل كل واحدة ظهر كف الأخرى، ويتم ذلك عدة مرات، وكأن تقبيل الوجنتين شيء حديث لا يعترفن به في التحية ما بين بعضهن البعض.
- اجعدي جمبي يا غالية، وحشتني جعدتك وكلامك يا حبيبة.
تمتمت فضيلة بالكلمات لها وهي تجلسها بالفعل بجوارها، قبل ان تتجه وترحب بعزيزة والدة الصغيرات بمودة لا تخلو من عتب:
- وانت يا عزيزة، ياللي رجلك تجلت من الجية عندينا.
بررت الأخيرة ردًا لها:
- لا والله يا خالة ما تجلت، انا بس مطحونة في شغل البيت ومساعدة مطاوع ، ما انتي عارفاه اليوم كله شغال..
- يا ختي ربنا يعينك ويعينه
تمتمت بها فضيلة بادعاء الاقتناع، قبل ان تنتبه للصغيرات الملتصقات بجلباب الأم، لتسحبهم إليها وتمازحهم:
- لازجة في أمك كدة ليه يا بت انتي غريبة؟ سلمي عليا ووريني جرأتك.
استجابت زينب لها وكانت لها الاسبقية حينما رفعت كفها بحماس تصاحفها، فلحقت بها مريم.
- ازيك يا جدة
- اهلا يا عين جدتك .
- ازيك يا جدة.
- وانتي كمان! طب تعالوا بجى.
قالت الأخيرة لتقرب الاثنتين منها، ثم تقبلهم على وجنتيهما بصوت عالي، اخجل الفتيات، لتعقب هي بافتنان:
- يا حلاوتكم وانتوا بتتكسفوا وخدودكم تحمر، عزيزة... احجزي البتين دول انا هدخهم لاتنين من العيال، خلاص دول بجوا من أهل البيت رسمي
ضحكت عزيزة معلقة:
- وه يا حجة هتحجزيهم دلوك، طب استني حتى لما يكبروا ولا يتمو خمستاشر ولا ستاشر.
- مش محتاجين نستني يا ختي، البنتة بنتتنا ولا انتي ليكي رأي تأني، والنعمة ما اسمع انك ليكي غاية لحد من عيال خواتك، لاعلجك من رجليكي.
ضحكت عزيزة بسعادة لإطراء المرأة، عكس روحية التي جذبت الاثنتان بلطف تصرفهم، تكتم رفضها بالداخل:
- خلاص يا بنات، روحوا انتوا العبوا ولا اتفرجوا ع الزمارة ولا رجص الحصنة
سمعت الفتيات، ليركضن سريعًا نحو ما أتين من أجله مخصوص، لتقف زينب بجوار شقيقتها بفاه منفرج ببلاهة، يشاهدن بانبهار، تحكم الرجال بسرج الحصان والرقص به، وعليه أيضًا.
المتعة الشديدة في التركيز مع افعال الحصان المدرب وما يفعله الفارس في السيطرة عليه، كان ضاحي وشقيقه من اشد الناس تمكنًا ولكنهما اليوم ، في انشغال حتى عن المشاهدة، حامد يباشر على اخوته ويوزع اهتمامه على الجميع، أما ضاحي صاحب الليلة نفسه ف........
انتبهت زينب على رؤية المذكور واقفًا بمكان مظلم قريب من ساحة النساء ، وعيناه مباشرة نحو إحداهن..... من نظرة واحدة تبينت الى ما يرنو إليه، إنها حربية ابنة عظمة جارهم الأعمى، والملقبة بتفاحة نظرا لحمار بشرتها وجمالها الفاتن ، تبادله هي الأخرى الهمسات والابتسام بدلال دون حياء أو خجل برد فعل تتوقعه زينب من كل الفتيات حينما يجدوا من يشاغلهن هكذا وفي الظلام.
التوى ثغر الصغيرة بعدم رضا، ثم سرعان ما انصرفت عنهم ، مع انتباهها لوابل الأعيرة النارية التي اطلقت لتنير ظلمة السماء بالشرار المحترق
❈-❈-❈
بعد انتهاء الليلة ورجوع الأسرة للمنزل ، كانت الجلسة في هذا الوقت فوق السطح، متربعين على فراش النوم الذي تفرشه والدتها كل مساء، بغرض المبيت ولكن بعد مرور فترة من السمر والأحاديث في موضوعات شتى .
والكلام الآن كان متوقعًا:
- وه يا مضاريب، يعني الحجة فضيلة بنفسها حطت عينها عليكم.
قالها مطاوع بمرح نحو صغيراته بعد سماع زوجته والتي تابعت بحماس:
- البنتة عجبوها جوي يا مطاوع، مرة عشان حلوين، ومرة عشان مأدبين.
- يا حلاوتهم.
تمتم بها مطاوع يدغدغ مريم التي اصبحت تقهقه بصوت عالي، قبل ان تصدمه والدته بردها:
- ومالك فرحان جوي كدة يا خوي، انا بس ربنا يديني طولة العمر واحصلهم عرايس، والنعمة ما اجوزهم لاي حد منهم، ما بنتتهم كتير مالهم ببنتتنا.
تطلع إليها بصدمة يسألها امام الوجوم الذي حل على فتياته وزوجته:
- ليه ياما الكرهه دي، هو احنا نطول نناسب زيدان الدهشوري عين أعيان اليلد وكبيرها، ولا هو أساسا يرضى بينا اصلا؟ دا كلام واد عم حديت يا غالية.
- يا سيدي ولا احنا نرضى بيه، مش هما ناس عليوي ومالكين البلد باللي فيها، احنا بجى ناس على كدنا، نحب الغلابة اللي زينا، بلا دهشوري بلا بهبوري.
قالت الأخيرة بنبرة كوميدية أثارت ضحكات الجميع، ليتحول الحديث بعد ذلك الى مواضيع اخرى، قبل ان تذهب عزيزة بصحبة روحية، ويهبطن للأسفل، تاركين الفتيات الصغيرات بصحبة ابيهم الذي يضمهم اليه على الفراش للمبيت به، هروبًا من حر الصيف في المنزل المغلق، يسكرهم هواء الطبيعة، أسفل السماء ونجومها التي كانت تبهر الصغيرة، وتحفظ اماكنهم وتحركاتهم، حتى يغلبها سلطان النوم في حضن أبيها مع شقيقتها،
....يتبع
الفصل الثاني
داعبت نسمات الصباح بشرتها الرقيقة، لتتململ مع اختراق الضوء اجفانها المغلقة، حتى استسلمت في الأخير، لتفتح اهدابها للنور ، وتنهض جالسة بجذعها توقظهم:
- ابوي، جوم يا بوي، مريم، جومي يا خيتي الشمس بجت تنزل على الحيطان،
سمع منها مطاوع لينهض جالسًا هو الاخر، ثم يوقظ الصغيرة:
- مريم، جومي يا بتي، خلينا نلم الفرش، جومي يلا.
تفوه بالاخيرة يداعبها بأنامله في تجويف عنقها حتى تخلت عن التمثيل بادعاء النوم لتكركر بضحكاتها ثم تنهض سريعًا، ليرفعها والدها ثم يخاطب زينب:
- ارفعي معايا الحصيرة والغطا يا زينب نسندهم ع الحيطة عشان ننزل نفطر، زمان امك حلبت الجاموسة وفورت اللبن كمان.
- يارب يا بوي انا جعانة
تمتمت بها زينب بعفويتها وقد اتمت ما أمرها به، لتنال منه قبلة على وجنتها قبل ان يسحبها من يدها ويهبط بها مع شقيقتها الى الطابق الأرضي في المنزل والإفطار قبل ان يذهب كل فرد الى شئونه
❈-❈-❈
أنهى مطاوع وجبة إفطاره ، ليسحب على الفور حماره نحو مهمته الصباحية في الذهاب الى الحقل لرعاية عدد من المزروعات بقطعة الأرض التي يملكها ، فتكفيه بإنتاجها في سد احتياجات المنزل من الخضروات والثمار وإطعام الماشية ، ثم في الأخير يأتي بفروع النخل والسعف ليعود بها إلى المنزل ، ويقضي باقي يومه في صناعة الأقفاص للطيور والمقاطف والسلال، حرفة ورثها من أبيه، وتساعده بها زوجته وبناته الصغار ، حتى أذان العصر فيأتي وقت المرعى، وهو ذهاب الفتاتين بالغنم إلى الأرض القريبة منهم ، تلك التي تنتشر بها الحشائش مصدر أساسي للطعام لهم.
ندهت عزيزة على الفتيات وهي تفتح الباب الخشبي للحظيرة:
- بت يا زينب إوعي تنسي زمزمية المية وتاجي من غيرها، انا مش كل شوية هدورلك على واحدة.
- حاضر
تمتمت بها الأخيرة بتركيز تام مع صغار الحملان التي كانت تشرد بعيدا عن القطيع، وشقيقتها من الناحية الأخرى نفس الأمر، ثم يتم السير بهم في صف مستقيم، حتى الوصول لوجهتهم
اثناء المرور بهم قابلت زينب صديقتها نورا والتي اوقفت بمشاكسة صف القطيع كي تصافحها
- بس اجفوا هنا على ما اسلم على صاحبتي.
تبسمت لها الأخرى لتقترب منها وتصافحها بتقبل ، عكس مريم التي زفرت بعبوس طفولي، غير راضية عن هذا التعطيل.
- عاملة ايه يا صاحبتي، محدش شايفك
- انا يا إما في البيت يا في المرعى .
- انتي كل عيشتك في المرعى، ولا بشوفك خالص.
قالتها نورا تؤديها بفكاهة استجابت لها زينب لتضحك، حتى انتبهت على فزع الغنم باقتراب الأحصنة التي تركض بخفة باتجاههم، فانتفضت تأمر شقيقتها.
- سوجيهم معايا يا مريم نبعدهم بعيد عن الطريج.
دبت المذكورة اقدامها على الأرض، تحدج نورا بنظرة غاضبة:
- ابويا كذا مرة ينبه علينا الوجفة في نص الطريج اساسًا غلط.
قالتها وانكفئت تنفذ الأمر بسوق الغنم:
- هرررر ، هرررر.
ساعدتهم نورا حتى حشروا القطيع في ركن واحد كي تمر الاحصنة دون أن تؤذيهم، والتي ما أن اقتربت منهما حتى تبين اصحابها:
- حامد الدهشوري والذي مر بظهر منتصب وغرور ليس بغريب عنه، يوزع أبصاره في كل النواحي، بجولة يفعلها دائما لمباشرة زراعاته، ومن خلفه ضاحي، ذاك الذي يتخذ الجولة بلهوه كعادته، حتى أبصر زينب وشاكسها كعادته:
- بعدتي النعاج ليه يا زينب؟ كنت عايز اخدلي واحدة منهم، ولا اخطفك انتي بدالهم........
عبست زينب بضجر قابله هو بضحكاته الصاخبة حتى اختفى عنهم بحصانه، لتعلق نورا:
- ضاحي بيهزر معاكي يا زينب
- بيغلس مش بيهزر، دا واد لطخ أساسًا تمتمت بها، لتعود لغنمها فتوجههم لنفس الطريق الاول، فسارت هي معهم ترافقها وشقيقتها الساخطة لوجودها معهم من الأساس:
- نفسي انا كمان ارعى معاكم، كذا مرة اتحايل على ابويا يشتري حتى عنزتين، يجولي احنا مش كد وكلهم، اجولوا هرعى بيهم مع زينب صاحبتي، يجولي وغداهم وعشاهم نجيبوا منين؟
- زني عليه تاني يا نورا وانا ابجى اديكي حشيش من عندينا توكليهم. نفسي تروحي معانا يا صاحبتي.
- وانا كمان والله يا صاحبتي نفسي جوي.
قالتها نورا، قبل ان تنتبه على نظرة الأخرى والتي تعلقت بجهة منزل عمتها حيث كان واقفًا بانتظارها بابتسامته الحلوة، ذاك الوسيم الصغير ابن عمتها المقارب لها في نفس العمر.
بادلته نفس الابتسامة، قبل ان تعود لصديقتها التي لكزتها بمرفقها على خصرها بمرح، ثم يستمر الحديث الطفولي البريء بينهما حتى تتفرقا، تعود نورا ادراجها نحو منزلهم، وتتابع زينب وشقيقتها حتى يصل القطيع الى الأرض الشاسعة، فتجد الصغيرتان الفرصة مرة أخرى باللعب حولهم ، بالركض او إدخال أقدامهم في حوض مياه الزرع المالحة بعض الشيء نظرا لطبيعة الأرض، وهنا المتعة الخالصة، ضحكات تصدح وتبادل رشها على بعضها حتى يقترب موعد غروب الشمس، فيتم جمع القطيع نحو الذهاب .
فتتعلق زينب عينيها كالعادة بهذه التلة
- نفسي اعرف ايه ورا الجبل ده هناك يا بت يا مريم.
- اكيد ديابة وعفاريت، امال ابويا بيحذرنا منها ليه؟
كانت هذه الاجابة الروتينة من مريم والتي تلقيها بوجه شقيقتها في كل مرة ذكرت امامها امنيتها، لتعبس ملامح زينب بضجر، وتلتف نحو طريقها دون رد ، ولكن هذه المرة لفت نظرها شيء ما، لتهتف بلهفة:
- ارنب جبل يا مريم؟
نظرت مريم نحو ما تشير لتقفز هي الأخرى بلهفة:
- اه والله صح، تعالي نمسكه يا زينب، ونروح بيه على بيتنا، دا بيجولوا لحمه حلو جوي .
- وكبير كمان، شايفة ازاي؟
اضافت بها زينب قبل أن تصدر امرها لشقيقتها:
- تعالي بسرعة نحلج عليه.
- طب والبهايم.
- اهي جاعدة في الحشيش وبتاكل، همي معايا يا مريم.
سمعت منها الأخيرة، وصارت تفعل مثلها في ملاحقة الأرنب الجبلي المراوغ بطبيعته، فكلما اقتربن منه بعد تربص، يركض سريعًا، حتى ابتعد بهن بمسافة بعيدة عن القطيع ، ليلتفتا فتجدا الاثنتين نفسها امام التلة المحظورة مباشرة، فخرج صوت مريم بفزع.
- وبعدين يا زينب، احنا كدة بجينا عند التلة بتاعة العفاريت وزمانهم هياجوا يا خدونا، اول ما الشمس تغيب والدنيا تضلم.
صاحت بها زينب بحنق:
- عفاريت ايه يا مجنونة انتي كمان؟ انتي صدجتي خليكي هنا استني مكانك، وراجبي البهايم، انا هطلع وراه، دا دخل في الجحر بتاعه، يعني بسرعة هيبجى في يدي .
لم تعترض مريم، ف الشغف داخلها هي الأخرى كان يقتلها نحو الإمساك بهذا الارنب الضخم ، ولكن الخوف يمنعها من الفعل مثلها:
- ماشي بس بسرعة عشان بخاف
اومأت رأسها زينب بعجالة:
- هوا
قالتها وانطلقت على الفور تعرج هذه التلة بالدعس على الأحجار بها ، أبصارها على الجحر ، تخفف من خطواتها حتى لا يشعر ويهرب قبل الإمساك به، خطوة، اثنان، وفي الثالثة، حطت قبضتيها عليه، ولكنه انزلق منها سريعًا هاربا منها، فصرخت بغيظ:
- والله لاطبك النهاردة، مش هسيبك.
قالتها واصبحت تركض خلفها فوق التلة، وقد اخذها العند وروح التحدي ، للقبض على هذا المراوغ، فلم تعطي بالا لشقيقتها وهي تنادي عليها من الأسفل:
- انزلي خلاص يا زينب، بلاها منه الارنب ده.
- كفاية يا زينب، ابويا هيدبحنا لو عرف ان احنا قربنا من التلة
في الاخير حينما ضجت من تحذيراتها، التفت إليها صارخة
- لا يا مريم ، النهاردة مش هروح غير وهو في يدي، لازم...... ااه
قطعت في الأخيرة، بصرختها، وقد وجدت نفسها تنزلق دون ارادتها، ثم تتدحرج بجسدها عدة مرات، وهي تصرخ مع دفعات الالم تشعر بتكسر عظامها، حتى انتهي بها الأمر ليستقر مقرها خلف التلة من الجهة الأخرى، غير قادرة على الوقوف او حتى تحريك ذراعها الايمن، وقدمها اليسرى، تتوجع بضعف شديد بألم لا يمكنها وصفه، عيناها تجول في الخلاء الغريب حولها، ودموعها تسقط بعجز، تشعر أنها نهايتها
- ااه، اااه، مريم..... مريم.... حد ينجدني
طال مكوثها بهذا الوضع، حتى اصوات شقيقتها التي كانت تأتيها مع تردد الصوت، صمتت منذ لحظات، والرؤية أمامها اصبحت تتشوش، لحظة لحظتان، فجأة ظهرت شقيقتها الصغرى أمامها فوق التلة:
- انتي ايه حصلك؟ مالك؟
أخرجت صوتها بصعوبة، رغم الدوار الذي بكتنفها:
- ارجعي يا مريم ع البيت بالبهايم، واندهي حد ياجي يرفعني من هنا.
- ليه انتي حصلك ايه؟ اجي انا ارفعك.
تحركت رأسها تحذرها وتنهيها، لكن الأخرى رفضت ان تذهب وتتركها.
- انا هاجي ارفعك، وانتي هتتسندي عليا، مش هسيبك لوحدك ياخدك العفريت ولا ياكلك ديب .
- بجولك روحي اندهي ابويا.
ظلت تردد بها وصورة شقيقتها التي تحاول النزول على الاحجار الزلقة، تزيدها دوارا وتشوشا، خوفا ان يحدث وتقع هي الأخرى، رويدا رويدا حتى غطت عينيها سحابة سوداء، ولم تعي بأي شيء آخر.
❈-❈-❈
استيقظت اخيرا لتفتح عينيها للنور ، ترفرف اهدابها وتجول مقلتيها على السقف الغريب وهذا الجدار الذي يختلف تماما عن منزلهم، كادت ان تفزع ولكنها انتبهت على وجود جدتها بالقرب منها، والتي هللت فور ان اصطدمت عيناها بها مستيقظة:
- حمد الله ع السلامة يا بنيتي اخيرا صحيتي.
- صحيت.
تمتمت زينب بغرابة، وجدتها الحنون تقبل رأسها، وكفها وظهر كفها، لتستدرك الآن لوضعها بداخل مشفى الوحدة الصحية، فهذه الغرفة تعرفها جيدا، هي غرفة الطبيب الذي تدخلها للكشف حينما تكون هي مريضة او شقيقتها....... شقيقتها.
عاد إليها وعيها جيدا لتتذكر ما حدث وتتذكرها؛
- مريم يا جدة، فينها مريم؟
تحركت شفتي جدتها بعجز لم تفهمه مع هذه النظرة الغريبة والغامضة، وقبل ان ينبت فمها بكلمة مفيدة، وجدت والدتها تخرج من حمام الغرفة، بشرود غير مفهوم ، قبل ان تسألها مباشرة:
- انتي متعرفيش مريم راحت فين؟ دا احنا مستنينك تصحي عشان نسألك.
- تسألوني على ايه؟
سقطت عزيزة تجيبها ، وقد خارت قوتها عن الصمود والوقوف:
-،عن اختك يا بت.... اختتتك.
اردفت الأخيرة بشفاه مرتعشة، لتنطلق في بكاء مرير، ادخل في قلب ابنتها الرعب بعدم فهم، فالصورة ما زالت غير واضحة امامها، تريد الاستفسار، تريد التذكر ، حتى اندفع باب الغرفة فجأة يلج منه اباها بهيئة غاضبة، وأعين حمراء تفزعها بالسؤال دون مقدمات:.
- اختك فين يا بت؟ كيف انتي جاعدة وهي اختفت ؟
انكمشت زينب مرتعبة منه، حتى حاولت التحرك، ولكن اوقفها الوجع الشديد في يدها وقدمها الملتفة حولهم الجبيرة فتأوهت بألم،
اشفقت عليها جدتها لتنهض فتحول بينها وبينه:
- براحة يا مطاوع، البت توها فايجة
صرخ بها مقاطعًا:
- لكن حية ياما، اما اختها بجى مختفية من ليلة امبارح، من ليلة امبارح ياما ما حد عرفها عايشة ولا ميتة،
انطجي يا بت اختك فين وايه اللي وداكي عند التلة.
ابتلعت ريقها بجزع ودموعها تسقط بغزارة تجيب بما تتذكره:
- والله يا بوي انا جولتلها امشي وهاتي ابويا، هي اللي اصرت تنزلي، بعد كد معرفش ايه اللي حصل.
افلت مطاوع من قبضة والدته المتشبثة به خوفا على حفيدتها، ليلتف نحو التخت من الناحية الأخرى
بصيحة غاضبة ارتجفت لها الصغيرة:
- وانتي ايه اللي وداكي عند التلة من اصله؟ عملتي ايه في اختك يا بت؟
نهضت عزيزة أيضًا لتحمي ابنتها من الفتك بها ، فتحول بينهما مع روحية التي حشرت نفسها بجوار الصغيرة تضمها جسدها إليها بحرص
- البت جسمها متكسر، هتطلع روحها كمان!
زجرها على الفور دون تردد:
- بعدي يا عزيزة بدل ما ارمي عليكي اليمين، خليها تنطج وتجول ودت اختها فين، بدل ما اخلص عليها
خرج صوت زينب بصعوبة من فرط خوفها منها، لتقر بسجيتها عما حدث:
- كنت بفر ورا الارنب، واتزحلجت من فوج التلة ، نزلت مكحكلة، لجيت نفسي ع الارض في الناحية التانية من التلة،.... بعدها جات مريم تشوفني، انا كنت بصرخ عليها متنزلش بس هي جالت هنزل اسندك تروحي معايا..... وبس كدة..... مش فاكرة اي حاجة تاني والله .
- أرنب! ضيعتي اختك عشان بتجري ورا أرنب؟
صارت صرخاته تصدح لاخر المشفى، لا يستطيع التحكم في غضبه يريد ان ينقض عليها، حتى وهو
يراها في هذا الوضع، حتى اجبر الرجال في الخارج، ليلجوا اليه ويسحبوه بقوة للخارج.
- تعالى معانا يا مطاوع، مينفعش العمايل دي.
- يا عم سيبوني، سيبوني ادعكها بت الكلب دي...
خرج اخيرا وابتعدت عنها عزيزة لتسقط على الأرض تنتحب وتولول، فظلت زينب لمدة من الوقت ترتجف بحضن جدتها ، وهي تهدهد فيها رغم حزنها، حتى اذا هدأت قليلا خرج صوتها الى المرأة ببرائة:
- هو ابويا بيصرخ ليه يا جدة، ما تخليه يدور عليها مع البهايم، يمكن نامت على النجيل من الخوف للعفريت يطلعها ولا الديب ياكلها .
ربتت المرأة على رأسها بحنان تعقب بحسرة:
- ابوكي ويا رجالة العيلة كلهم من امبارح بيدعكوا ويدورا على شجيجتك، مخلوش حتة في الجبل مدورش فيها، اما عن البهايم، فدول رجعوا لوحديهم ع البيت لما الدنيا ليلت عليهم.
🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹
ادخلوا بسرعه حملوه وخلوه علي موبيلاتكم من هنا 👇👇👇
وكمان اروع الروايات هنا 👇
انضموا معنا على تليجرام ليصلكم اشعار بالروايات فور نزولها من هنااااااااا
🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺
تعليقات
إرسال تعليق