رواية سيد القصر الجنوبي الفصل السادس والسابع بقلم رحاب إبراهيم حسن حصريه وجديده علي مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات
![]() |
الفصل_السادس
اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت ربي، وأنا عبدك لمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعاً، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله بيديك، والشر ليس إليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك.
صلِ على النبي 3مرات
لا حول ولا قوة إلا بالله 3مرات
وبدأ يردد بعض الأسماء وينادي بصوتٍ كالرعد، وكأنه يصرخ!. بينما تلك التي ترتجف رعبا تتخفى داخل كومة هائلة من الملابس والمفروشات التي تنتظر التنظيف، وتراقبه من بعيد بعينان مرتجفتان.
بأي غباء ساقتها قدميها لخارج غرفتها بتلك الليلة الموعودة لوصول .... سيد القصر الجنوبي.
وقف "أكرم" بجسده المنيف يصرخ مناديًا على من بالقصر، ورغم فساحة القصر ومساحته الرحبة التي تُزيغ البصر، ألا إن تردد صوته كالرعد وبدا قويًا مسموعاً برهبة مخيفة، وملأ حضوره المكان وخيّل لها أن حتى قطع الاثاث الجامدة بلا روح وشعور ترهبه وتخاف منه ..!
ودقائق وكان المكان مكدسا بالصغار الذين أتوا هارعين إليه ولا زال النوم متوسدًا أعينهم، بينما الفتيات يقفن بالطابق الأعلى ينظرن بريبةً وخوف واضح، وكانت أشهاد جالسةً على مقعدها المتحرك أوسطهن وتتمتم ببعض الادعية حتى لا ينكشف سر وجود الغريبة الحسناء وتقع كارثة.
نظر أكرم للصغار وهو في حقيقة الأمر يطرح الأسئلة بتلك النظرات الثاقبة كعين ذئب ينتظر الأنقضاض، فهتف وعرق بين حاجبيه الشديدة السواد ينتفض غضبًا:
_ مين اللي دخل القصر وأنا مش موجود ..؟!
كانت شفتي الصغير " بقلظ " ترتجفان بخوف شديد ولم يستطع الحديث، ولم يكن حال بقيّة الصغار أفضل منه، ربما كان "شامي" أكثرهم ثباتً وأخذ على عاتقه المسؤولية وأجاب:
_ محدش هوّب ناحية القصر يا زعامة، مين يقدر يدخله وأحنا هنا ..؟!
أكد حديثه "شاندو" وقال مؤكدًا وكافح لإخفاء توتره:
_ زي ما قال شامي بالضبط يا زعيم، محدش غريب دخل هنا ..
تجولت عينا أكرم على الأطفال ببطء، وشعر بحدسه أنهم يخفون شيء، فسأل بصوتً حاد فجأة :
_ وباب القصر مفتوح ليه وفي ساعة زي دي ؟! .. أنا مش محذركم محدش منكم يدخل هنا طول ما أنا مش موجود؟!
لم يفصح بما رآه للصغار، ربما لا يدركون بوجود غريب ويبث في قلوبهم الخوف ، وربما يخفون تلك الغريبة الذي رآها ولن يفصحوا بالأمر بهذه البساطة، بجميع الأحوال سيكتشف الأمر بنفسه، بينما الصغار ينظرون لبعضهم في ارتباك وخوف، ولا يجدون إجابة مناسبة ومقنعة يجيبون بها، حتى أنقذهم من تلك الورطة وجود العجوز عم "مغاوري" الذي أتى لهم عندما أتى بالصدفة ليطمئن أن مصابيح الإضاءة مغلقة بعد عودة التيار منذ دقائق وقال وهو يتوكأ على عصاه ويقترب لهم :
_ حمد الله على سلامتك يابني، ما تأخذنيش .. أنا اللي نسيته مفتوح لما النور قطع ودخلت أدور على شمع.
التفت أكرم ناظرًا للعجوز بثبات محاولًا اكتشاف صدق حديثه فـ رد عليه بغرابة:
_ مافيش شمع وأنت عارف ياعم مغاوري ..!
ابتسم الرجل وأخفى توتره وقال :
_ عمك مغاوري عجز خلاص وبقا ينسى، معلش يابني مش هتتكرر تاني ..
وبذلك قد وضع العجوز أكرم في موضع قبول الاعتذار عن الخطأ وقطع المناقشة والاسئلة، فتنهد أكرم مضيقا عينيه وكأنه يشعر بخطر بات منتشرا حتى بالهواء وقال للعجوز:
_ خلاص يا عم مغاوري عدت، بس ما تتكررش تاني، بناتي في القصر لوحدهم وماينفعش في وقت زي ده بالذات يفضل الباب مفتوح كده، أحنا في مكان مقطوع ومافيش غيرنا تقريبًا .. خد حذرك اكتر من كده لو سمحت.
وبتلك اللحظة همست "أشهاد" لصديقتها وصيفة وقالت:
_ أجري بسرعة يا وصيفة وصحي ماما جيهان قبل بابا ما يطلع ويلاقيها.
ابتلعت وصيفة ريقها بخوف وقالت :
_ من صدمتي اتجمدت مكاني يا أشهاد، بس هروح اهو.
وتسللت وصيفة دون أن يلاحظ أكرم الذي شغله العجوز بالحديث وغمز للفتيات أن يسرعن بأنقاذ الموقف قبل أن يصعد "أكرم" لغرفته، بينما ركضت وصيفة للغرفة الكبيرة وفتحتها وهي تلهث، ولكن لم ترى لجيهان أثرًا، ففتشت عنها جيدًا بالشرفة ولم تجدها، فنظرت للفراغ بخوف حتى وقع نظرها على رداء جيهان بصندوق الملابس المتسخة، فشهقت بذعر وركضت حتى خطفت الرداء من الصندوق، ثم نظرت جيدًا بالغرفة وحاولت ايجاد أي شيء ربما يثير شكوك أكرم، فما وجدت شيء سوى أن الفراش غير مرتب ... فما هي إلا دقيقة حتى اعادته لهيئته المنظمة مثلما كان وخرجت من الغرفة راكضة وهي تحمل رداء جيهان لتخفيه..
*************
ترك "أكرم" الصغار بالطابق الأرضي حتى يطمئن على الفتيات، وخاصةً ملاكه الصغير "أشهاد" .. حتى وجدها تقف بالأعلى قبل الدرجة الأولى للدرج، وجالسةً على مقعدها، ولأول مرة لا يرها مبتسمة لعودته وتناديه بـ " بابا" .. فاقترب منها وقد لانت ملامحه وضخ بعينيه حنان أبوي قائًلا:
_ جبتلك القطرة لعنيكي، ومحضرلك مفاجأة حلوة أوي هتعجبك يا أشهاد ..
ابتسمت أشهاد ببطء وتوتر جعله يشعر أن بالتأكيد هناك شيء يحدث بالقصر دون علمه، وقالت تتصنع الابتسامة وتتحدث بكلمات متقطعة :
_ بجد ..؟! .. أنا .. مبسوطة أوي ..
رفع أكرم عينيه من عليها، ونظر للفتاة الأخرى التي تقف بجانبها وكأنه يأمرها بقول الحقيقة، فابتلعت "رضا" ريقها بخوف وقالت دون أن يسألها :
_ ما فيش حاجة ..!
رد أكرم وقال لها بسخرية وهو يخرج شيء من حقيبة الصغيرة المعلقة بكتفه:
_ وهو أنا سألتك ؟! .. مالك متوترة كده ؟! .
اجابت عنها أشهاد بقصة مؤلفة لتنقذ الموقف قبل أن يتعمق شكه:
_ أصل أنا ورضا متخانقين كالعادة، فهي كانت خايفة أني أقولك .. بس أنا مكنتش هقول.
رفت ابتسامة بسيطة جدًا على وجه أكرم من براءة أشهاد، وارجع رأسها للخلف قليلًا بعدما فتح غطاء القطرة الطبية وبدأ يسكب عدة قطرات بكل عين وهو يقول لها برفق:
_ القطرة دي هتريحك بإذن الله، لو عنيكي ما اتحسنتش عليها يبقى لازم دكتور يشوفك.
قالت أشهاد وهي تغمض عينيها حتى لا يتسرب المحلول الطبي خارج مؤق عينيها:
_ لا أن شاء الله هرتاح عليها، حمد الله على سلامتك يا بابا ..
ربت أكرم بعطف أبوي على رأسها بحنان شديد وقال :
_ الله يسلمك يا أشهاد، بحب اسمع كلمة بابا منك ..
وبتلك اللحظة خرجت "وصيفة " من الغرفة وسارت بالممر الطويل الذي آخره يقف أكرم مع صديقتيها، فتوقفت جامدةً عندما رأته، فأن رفع رأسه قليلًا عن أشهاد سيراها بالتأكيد ويرى ما تحمله، فنظرت حولها تبحث عن أي شيء تخبأ فيه ذلك الرداء الذي أصبح كالجريمة، حتى وجدت صندوق صغير به بعض الأغراض القديمة وأشياء تالفة ومصابيح صغيرة ، فتسحبت ببطء ودست الرداء ضمن تلك الاشياء ثم أغلقته سريعا، وفي استقامتها وجدت أكرم ينظر لها مضيقا عينيه في ثبات، فارتجفت وصيفة بخوف، هذه عادته ونظرته المعتادة للجميع، ولكنها لا تعرف هل كشف أمرها أم لا ... وارتعبت عندما أشار لها أن تأت إليه وتقترب، فجف ريق الفتاة وهي كالمذنبة تقترب منه ببطء وأصبح وجهها بلا دماء تقريبًا، حتى قال لها متعجبًا من درجة شحوبها والخوف الواضح بعينيها :
_ خايفة كده ليه يا وصيفة ؟!
والتمعت عينا وصيفة وكأنها على شفير البكاء، ولم تجيب ثم نظرت للأسفل، فتدخلت رضا قائلة والقت اللوم على نفسها:
_ أنا اتخانقت معاها هي كمان، وكانت نايمة معيطة مني..
اشفقت أشهاد على رضا، لأنها ستنال عتاب وعقاب كبير من أكرم وهي بريئة كليًا، فقالت أشهاد مدافعة:
_ بس مش معيطة أوي يعني ، اتصالحنا والله ، وصيفة بس اللي كانت بتعيط عشان مصدعة .. مش كده يا وصيفة ؟
هزت وصيفة رأسها بالإيجاب وقالت :
_ أيوة صح ، أنا كنت مصدعة ودماغي وجعاني .. لكن أنا ورضا اتصالحنا.
لم يقتنع أكرم بما سمعه، ولكن من ضمن الأشياء الذي لم يقتنع بها بهذه الليلة، ويبدو أن هناك اصرار من الجميع على أخفاء ذلك الشيء عنه، فقال كأنه مقتنعا بتبريرهن :
_ تمام ... ارجعوا لأوضتكم وناموا دلوقتي، والصبح نتكلم بعد الفطار ..
***************
انتظرت المندسة بين طيات الأقمشة والمفروشات ذات الرائحة المُنفرة بنفاد صبر وانتظار ثقيل بسبب ضيق مساحة التنفس بموضعها هكذا، وعندما شعرت بابتعاد صوته بالطابق العلوي كشفت جيهان بجزء صغير عن وجهها ونظرت أمامها بحذر شديد وترقب، حتى وقعت عيناها على الصبيان "شامي" و"شاندو" بالقرب منها، فنطقت اسمهما بحرص شديد وتأكدت أن ذلك المخيف ليس بالجوار، ولكن رغم ابتعاده فهو لازال حاضرًا ويشكل خطرًا أن نهضت وكشفت مكانها، وبصعوبة حتى لاحظ شاندو التي تحاول لفت أنتباهه وقرَص صديقه شامي بذراعه حتى ينتبه، فقال شامي لشاندو :
_ اطلع أنت اشغله بأي حاجة على ما اخبيها، المهم يبعد عن السلم.
نفذ شاندو ما قاله صديقه وأخذ فريقا من الصغار وصعد تلك الدرجات البسيطة إلى السيد المخيف حيث يقف مع الفتيات، وقال له وهو يتصنع الحماس:
_ أنت قولتلنا يا زعامة أننا هنصلح العفش بتاع أوض القصر بإيدينا، وريهولنا وقولنا نعمل إيه ..؟
ثبّت أكرم عينيه على شاندو في عمق، حتى تيقن الصبي أن سيد القصر كشفه لا محال، فقال بتوتر :
_ أنت غيرت رأيك ..؟!
وبكل ثبات وضبط نفس حرك أكرم عينيه قليلًا نحو ساعة الحائط، ثم أشار له قائلًا:
_ أحنا الفجر ... !!
ارتبك الصبي وشعر أن حجته عمقت شك سيد القصر أكثر من أن تحمسه وتبعده عن شكوكه، فقال موافقاً:
_ آه .. عندك حق، نخليها بالنهار احسن ..
وقال أكرم للصغار بهدوء وهو يفكر في القلق المرتسم على وجوههم:
_ ارجعوا ناموا تاني ولينا كلام تاني الصبح ..
وانسحب الصغار من أمامه مبتعدين، والورطة أنه ظل واقفاً حتى خرج الجميع وأغلق العجوز الباب مرغمًا عندما أشار له أكرم بذلك، ثم توجه للفتيات وأمرهن أن يرجعن لغرفتهن في أمان .. وبعدما تأكد من ذهاب الجميع لأماكنهم توجه لغرفته في خطوات واثقة ...
وعندما فتح غرفته شعر بشيء غريب بالغرفة، رغم أنها مرتبة ونظيفةمثلما تركها، ولكن يشعر بتغيير ولم يستطع أن يحدد ما هو تمامًا..
ونفض أفكاره تلك فربما ما رآه خيالًا ووهما ، وتنهد بعمق وارتياح أنه أخيرًا عاد لحصنه وقلعته التي يستطيع بثقة فرض عدم دخول الغرباء فيها والأبتعاد عن الجميع ... سوى هؤلاء الأطفال الذين يشكلون عالمه كله الآن ...
القى حقيبة كتفه بأهمال على المقعد وخلع ملابسه وقرر أن يأخذ حماما سريعا قبل الخلود للنوم ..
ودقائق وكان يخرج من الحمام وشعره الاسود الطويل يتساقط منه الماء ويجففه بالمنشفة البيضاء، ثم ارتدى سروالا أسود رياضي وتيشرت خريفي باللون الأخضر الغامق، ثم تمدد على الفراش باشتياق شديد للنوم بإرياحية على سريره الدافئ ... ولكنه فتح عينيه قليلًا واشتم رائحة غريبة، رائحة ملتصفة بالوسادة، تشبه رائحة الفانيليا قليلًا ... فأنتفض أكرم من مكانه ينظر حوله وعاد لشكه من جديد ..
حتى قطع الشك باليقين عندما لمح شعرتان ملتصقتان بالوسادة يفسران وجود تلك الرائحة ... فرفعهما أمامه مفكرًا بعمق وهو يضيق عينيه بغضب، أن دخل أحدًا هذا القصر فأغلب الظن أنه أتى ليكشف أمره ليس لأي شيء آخر .. خاصةً أن كانت امرأة ... فإن كان مشهورًا بمغامراته النسائية ومعروف عنه بأنه زير نساء .. فالآن قد تغيّر الأمر للنقيض ..
وتعمق شكه بأن القصر يضم غريبًا .. غريبًا وبين قوسين المعنى ..امرأة ...!!
************
ارتجف جسد جيهان وهي تختبأ بكومة الملابس والظلام هو السائد حولها، شعرت وكأنها في كابوس وتتمنى أن توقظها مربيتها العجوز وتستيقظ بغرفتها الفخمة بقصر والديها وفراشها المخملي الدافئ والنظيف ..
وكأنها سجينة تلك الكومة اصبحت ؟!
وبدأت تشعر بالأختناق وهي لا تعرف لأين تتوجه بهذا الظلام والمكان المخيف التي لا تعرف اتجاهاته ومداخله.... ولا حتى تستطيع أن ترى بوضوح لأين تسير وغالبًا ستتعثر وتحدث ضجيج يوقظ من بالقصر ..
وما كان عليها إلا أن تنتظر حتى الصباح .. كل ما عليها أن تحاول أن تغفو بتلك الكومة التي تشبه الدوامة وهي بين ثناياها وطياتها كالريشة الملتصقة بالنسيج..
وكانت تريد البكاء .. ولكن الشعور الذي غلب عليها الآن هو غموض تلك المغامرة ولأين ستؤول وتنتهي ؟!
ولماذا الجميع يخاف من ذلك السيد ؟!
والأغرب أن الخوف سكن بقلبها منه دون سبب ولا معرفة وثيقة به ... !!
****************
كانت سمر تأخذ نبطشية هذه الليلة مع بعض زملائها بالمشفى، ولكن الغريب أن " أمجد" ظل ولم يذهب بعد انتهاء دوام عمله !! .. وحينما وجدت نصف ساعة أخيرًا للاستراحة لبعض الوقت أتى إليها وهو يحمل كوبين من " النسكافيه" وجلس بمقعد أمامها بغرفة خصصت لطاقم الممرضات ..وقال بابتسامة مستفزة :
_ هيعجبك النسكافيه، أنا عارف كويس بتحبي كام معلقة سكر ..
وللحقيقة كانت تشتاق لكوب النسكافيه فهو مشروبها المفضل، وقالت وهي تأخذ الكوب وتشكره :
_ هقبله واعتبره بدل فنجان القهوة اللي خدته مني، بس عموما ألف شكر يا دكتور ..
لم يسمح لها بأستفزازه فظل على ابتسامته وقال بصدق :
_ في الوقت اللي بحس فيه وكأني بتعرف عليكي من جديد، هو نفس الوقت اللي ببقى متأكد أني أعرفك من زمان حتى من قبل ما أقابلك ...!، فاهمة حاجة ..؟!
قطبت سمر حاجبيها بعدم فهم وهزت رأسها بالنفي، فاتسعت ابتسامة بلطف، ولاحظت سمر أنه أزداد وسامة وثقة بنفسه، أم أن ثقته من جعلته جذاب لتلك الدرجة ؟!
كأنها بالفعل تتعرف عليه من جديد ..!
فقالت بأستفسار ومراوغة :
_ مش فاهمة ... بس لو مش عايز توضح مش هضغط عليك .. !
وهنا بالفعل أغاظته، تلك حواء بداخلها التي تراوغ وتتلاعب وترمي نرد اللعبة بمهارة، وليست حبيبته الرقيقة في أصلها ومعدنها .. ولأن للرجل كيد أيضا احتفظ أمجد بابتسامته وقال بنظرة ماكرة :
_ طالما أنتي عايزة توضيح هقولهولك ..
رفعت سمر حاجبيها بأستفزاز، ولكنها تعترف أنها أرادت ان تضحك ، أعجبها حقا ثقته بنفسه، وثقتها أيضا، وأحبت طاولة الحديث بينهما، ولم تعطيه اهتمام الصمت، بل أشارت له ليتابع واكتفت برشفة اكتراث ، واهتمت أكثر أن تتذوق مشروبها الدافئ ، أما عن قلبها فالنبض النائم فيه قد بات عازفا ..!
فأستطرد أمجد قائلًا :
_ يعني رغم معرفتي بيكي، بكتشف فيكي كل يوم حاجة، حاجة بتقربني ليكي أكتر، وبتعرفني عنك مليون حاجة مكنتش أعرفها.
ابتسمت وقالت بتلاعب:
_ إجابة محتاجة إجابة .. ؟!
رد لها ابتسامتها وقال :
_ عشان أنتي في الاصل لغز ... المرأة اللغز ..!، اللي أحاول ١٠٠ مرة عشان أوصل منك لإجابة.
قالت ببعض الشرود:
_ المحاولة بتوصل لهوس الوصول، يعني لما توصل للحل يبقى أنتهى الهوس ! .. دي مش ميزة أبدًا أني أكون لغز !.
كانت عينيه توضح محبتة صادقة وأجاب :
_ ده لما اللغز يبقى لغز عادي، لكن لما يبقى اللغز ده انسان فحتى لو وصلت لإجابته، هوسي بيه هيفضل زي ما هو ، رغم أني بكره كلمة هوس ... الأصح نسميها محبة.
تحدثت سكر ببعض الحزن والعصبية عندما قالت وكأنها تتذكر تجربتها الكارثية:
_ كام واحد كان هيتجنن ويوصل لواحدة وفي الآخر ظهر أنه محبهاش أصلًا، ومحاولته في قربها كانت لهدف يخصه هو ؟!
وفهم أمجد رميتها، فهم أنها تقصد نفسها بما قالته فجاوب وهو يفرد أجنحة الأمان بكلماته:
_ وكام واحد لما حب بجد حاول بكل الطرق يكسب حبيبته وميأسش رغم أن مافيش قدامه أي أمل؟! ... لو مكنتش أحاول اكسب انسانة بحبها ومش عايز منها حاجة غير أنها تكون جانبي بالحلال .. يبقى أنا محبتهاش من الأساس.
ونهض وظهر على وجهه الضيق، ونظر لها بعتاب للحظات ثم ابتعد عدة خطوات، ولكنه توقف فجأة واستدار لها قائلًا :
_ مش همشي غير لما اطمن أنك مشيتي، وماتنسيش فنجان القهوة بتاع النهاردة ... وقللي السكر شوية.
بدا صوته وكأنه يتحكم ويأمر، ولكنها تعرف أنه عكس ذلك ، وعندما غادر ضحكت وحاولت أن تخفض صوتها ... ولم تستطع.
***************
اعتكفت فرحة بغرفتها طيلة ساعات النهار منذ أن دفعها بعيدًا عنه، ومنذ ما حدث بينهما وهي لا تستطيع أن تلمح حتى وجهها بالمرآة، كانت في تخبط عظيم من المشاعر والحيرة والقلق ... ولبعض الوقت سقطت دموعها وهي حتى لا تعرف هل بكت محبةً له وخوفا من الفراق، أم من صدمتها فيه وبماضيه، أم لضعف مقاومتها أمامه ولفظه لها بتلك الطريقة المُهينة ! ..
حتى تلك الساعة المتأخرة من الليل لم تجعلها تسكن وتهدأ لتنام وتطوي صفحة أفكارها المندفعة أقلًا حتى الصباح ..!
وفي خضم صراعها الفكري والنفسي وهي أسفل الغطاء على فراشها، شعرت بباب غرفتها يُفتح ببطء، فأغمضت عينيها وتظاهرت بالنوم ... حتى انتبهت بحدسها أنه دخل الغرفة وخطوات قدميه تقترب إليها، فأهتزت برجفة واضحة من التوتر تمنت أن لا يكون لاحظها .. ولكن زايد ظل واقفا ناظرا لها في أشتياق ... كأنه يعاتبها أنها لم تفتعل معه حتى ولو شجارا !!!
ودنى منها وهو يمرر أصابعه بين خصلاتها في رقة غير مكترثا أن استيقظت أو شعرت به حتى! ..
فهو أصبح لا يفهم ما يمر به مع تلك المخلوقة وتخبط مشاعره من أسفل سافلين للاشتياق والوله !!
وتأثرت فرحة بلمسة يده وكافحت حتى لا يكتشف أنها يقظة، وفجأة تجمدت حينما شعرت به يصعد الفراش ويتمدد بجانبها خالدًا للنوم، فتحت عينيها بصدمة وأرادت أن تستدير وتسأله ماذا يفعل ؟!...
وفكرت قليلا وما وجدت غير المواجهة كأنها استيقظت فجأة، فتململت واستدارت للجهة الأخرى وكأنها صدفة!، فوجدته قد أغمض عينيه ويستعد للنوم بالفعل ...!!
فأنتفضت من مكانها وهزته من ذراعه بعصبية وقالت :
_ أنت بتعمل إيه هنا...؟!!
أجاب ببساطة وهو مغمض العينان :
_ نايم ..!
ضغطت على أسنانها وكادت تسحقهما من الضغط لتسيطر على موجة الغضب التي جرت بدمائها وقالت :
_ ما تنام في أوضتك جاي هنا ليه ..؟!!
وكأنها لا تتحدث وظل على وضعه المريح، واستفزها أكثر فهزت ذراعه بعصببة ورددت :
_ قوم نام في أوضتك !!
تركها لبعض الوقت حتى جذب يدها لتنام هي أيضا، ونظر لها بتحذير وتهديد وهو ينظر لعينيها بقوة:
_ مش عايز صوت ولا أزعاج، نامي وأنتي ساكتة!! .. عارفك خوافة وبتخافي من خيالك .. وده اللي جابني، لأن غالبًا هتصحيني عشان شوفتي الهوا بيتنفس !.
اغتاظت منه وقالت بحدة :
_ ما أحنا الفجر وماصحتكش !! ..
تمدد زايد مجددًا وقال باستفزاز مرة أخرى وهو يغمض عينيه:
_ قولت مش عايز صوت ونامي ...!
سكتت مرغمة على ذلك، ولكنها لم تشعر إنها تستطيع حتى أن تتنفس وهو بهذا القرب ويقظا!! ...
فنهضت وجلست على مقعدًا قبالته وهي تزفر غيظا منه، ولن تستطيع المكوث بتلك الغرفة الأخرى التي شاهدت فيها فأرا منذ ساعات، ولا يوجد غرفة أخرى بهذا المنزل تلجأ إليها !! ..
وبعد مضي بعض الوقت كانت تاهت بغفوةً عميقة استيقظت منها بعد قليل ووجدت نفسها نائمة على الفراش !!!
ولا زال الوقت فجرا ..!
فاستدارت وعلمت أنه حملها لهنا، ونظرت له بغيظ وقررت الجلوس على المقعد من جديد، حتى أخذ زايد ذراعها ووضعه أسفل رأسه متوسدًا عليه بإرياحية، وقال بأستفزاز وهدوء:
_ لو عايزة تقومي أتفضلي ..
وحاولت جذب ذراعها من أسفل رأسه المكدس بالشعر الأسود ولكنها لم تستطع، فنفخت بغيظ وعصبية وبدأت تشعر بألم يسير بذراعها وصاحت :
_ ايدي وجعتني !! ..
رد بتساؤل وهدوء :
_ أعمل ايه يعني ؟!!
هتفت به بغيظ شديد وهي تحاول سحب يدها:
_ سيب ايدي أنت فاكرها مخدة ؟!!!
تنفس بعمق ومرر خده على قبضة يدها ليستفزها وقال ببساطة:
_ أسف ..
فضيقت فرحة عينيها بشر، وفجأة شعر بأظافرها تحفر في جلد وجهه، فنهض ثائرًا من الغضب وهتف :
_ أنتي فعلًا غبية !!
مسدت فرحة ذراعها وفجأة انفجرت بالضحك عندما نجحت خطتها ولم تستطع التحكم، فضيق عينيه غيظا منها وتمدد مرة أخرى قائلًا باستفزاز:
_ مش هنام غير هنا .. شوفيلك أي حتة تنامي فيها.
وجلست على المقعد مجددًا وهي حائرة، ولم تستصيغ تجربة النوم على الأرائك في الردهة نظرًا لبرودة المكان، فظلت على مقعدها حتى غفت ... وراقبها متظاهرا بالنوم وابتسم وهو يراها منكمشة في مقعدها بتلك الطريقة المضحكة .. ثم نهض وحملها للفراش من جديد ودثرها جيدًا ... ونظر لها جليًا وهو على يقين أنها نائمة بالفعل وحدث نفسه بألم ..
أنه في غمر ناره وجحيمه فهو لن يستطيع ألا أن يكون بردًا وسلامًا معها .. ليتها تدرك ..!
****************
وسطعت خيوط الصباح التي اقتحمت النوافذ المظلمة ..
وأوقدتها بعقود الضياء وأنارت الأرض بنور ربها ... حتى استيقظت جيهان التي غفت دون أن تشعر بتلك الكومة الهائلة من الملابس والمفروشات .. وبدأت تتثاءب بكسل وهي تعترف أنها نامت نوما عميقا رغم وضعها الغريب !!.. وهنا قررت الخروج والتحرر وإيجاد مسلك قبل أن يستيقظ سيد القصر ويكشف أمرها، فلا زال الوقت باكرًا وأمامها فرصة للهروب، خاصةً أن الضوء تسلل للنوافذ وأصبحت الممرات واضحة أمامها بعض الشيء ..
فنهضت بحذر وشعرت بتيبس جسدها، وعندما استقامت المها ظهرها وعنقها بعض الشيء ... وغلبها التثاؤب مجددًا ، حتى كاد أن يتوقف قلبها عندما هتف صوت كاالرعد من الطابق الثاني وهو يهتف عاليًا ويحدق فيها بثورة هائلة الغضب ويقول :
_ أوقفي عندك ....!!!
ولكن هيهات ، فقد قفزت كاالفأر راكضة وهاربة بأقصى سرعتها وهي تصرخ وتستغيث .. ودخلت الممر الضيق الذي يؤدي للمطبخ القديم بالطابق الارضي، وما اربعها أنها سمعت وقع خطوات ثقيلة تدب على الارض بقوة كأن حيوانا ضخما سيهجم عليها .... وما أنقذها هو وجود " برميل " مخبأ خلف الواح خشبية طويلة ومائلة على الحائط بأهمال ... فأختبأت فيه بسرعة لم تعهدها بنفسها، حتى دخل أكرم المطبخ ووقف ناظرًا وعينيه لا تنذر بالخير ... !
#الفصل_السابع
اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت ربي، وأنا عبدك لمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعاً، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله بيديك، والشر ليس إليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك.
صلِ على النبي 3مرات
لا حول ولا قوة إلا بالله 3مرات
كتمت "جيهان" أنفاسها وهي تشعر بالأختناق داخل هذا البرميل الضيق الذي بالكاد يحتوي جسدها، وحاولت أن تمنع أي صوتً لأنفاسها اللاهثة، فوضعت يدها على فمها بقوةً كي لا يصدر منها شيء يلفت أنتباه هذا السيد المُخيف.
ووقف الآخر تصدر عينيه نظرات باحثة ودقيقة على كل جانب بالمكان، ووضع احتمال انها لربما اختبأت بمكان آخر غير هذا المكان، ولكنه سيفتش عنها حتى يجدها، فلم يكن ما رآه منذ قليل حلما أو وهما ... هي امرأة وتمكث بالقرب من هنا.
ولكن من أتى بغريبة لقصره ؟!
فما إجابة يوضع تحتها خطا إلا أنها أتت هنا لمهمة كشف الستار عنه شخصيًا ... لا يجد تفسير آخر لوجود امرأة بهذا المكان المجدب وأيضا تهرب خائفةً منه رغم مكوثها بالقصر ؟!
وما كان هناك بالمطبخ كله إلا جانب واحد توضع مائلة عليه الواح خشبية وبرميل كبير مهمل ...
وكانت جيهان تستنجد وتضرع لأن يذهب هذا الرجل وتستطيع التنفس والخروج من هذا الجحر الضيق !! .
بجانب رعبها من وقع خطواته التي تقترب ويبدو أنها بعد لحظات قليلة فاصلة ستكون بقبضة يده وكأنها ضبطت بالجرم المشهود ..!
وكان هناك خطوة واحدة على كشف غطاء البرميل ومواجهتهما، إلا أن عارض المشهد صوت صراخ صادر من الطابق العلوي ويبدو أنه لإحدى الفتيات .. !
كان صوت الصراخ يبدو وكأن الفتيات اندلع حريق بغرفتهن أو هاجمهن أحد المجرمين ..!، وأكرم بعدما ترك المطبخ وصعد راكضا للطابق العلوي يرى ما حدث.
ولم يجد سوى خوف وشحوب مرتسم على وجوه الفتيات وهم يخبروه بأن هناك فأر يتجول بالغرفة!! ... تنفس بعمق وكتم غضبه قبل أن يأخذ جولة تفتيش وبحث، ويبدو أن هذا اليوم مخصص للبحث عن اللاشيء !! ... وبعد دقائق من البحث وقف قائلًا بحدة:
_ مافيش حاجة ..!
ابتلعت أشهاد ريقها وقالت وهي تتمنى أن تلك الحيلة تكون ناجحة واستطاعت الزائرة الحسناء الفرار من قبضة سيد القصر:
_ حسيت بالفار تحت سريري وفضلت أصرخ، معلش .. أنا اصلي بخاف من الفيران أوي ..
ورغم شكه فيما يحدث كله وأن الصغار ربما على علم بوجود تلك الغريبة، إلّا إنه لم يستطع أن يقسو على هذه الصغيرة المسكينة، فأقترب وربت على رأسها الصغير وقال بهدوء لم يكن يشعر به بالحقيقة :
_ حصل خير .. مافيش حاجة هنا أطمني.
وهدأت أشهاد ودعت ربها سرًا وخفية أن لا يكشف سر الزائرة على الأقل الآن .. فقال وهو ينظر لساعة يده :
_ ارجعوا ناموا، لسه بدري على الفطار.
وخرج بعد ذلك من الغرفة والغريب أنه لم يتوجه لغرفته، بل هبط للطابق الأرضي، وراقبته وصيفة بخوف، ثم عادت للفتيات واغلقت عليهن باب الغرفة وقالت لهن بارتياع:
_ أول ما سمعت صوته بيزعق عرفت أنه شافها، معلش خضيتكوا بس ...
قاطعتها أشهاد وقالت :
_ بس الحمد لله أنك اخدتي بالك قبل ما يمسكها.
تحدثت رضا بسخرية وقالت:
_ مش كنتي بتقوليلها أنه هيسمع كلامك وهيسيبها قاعدة معانا ؟! ... يبقى خايفة ليه يشوفها ؟!
اجابت أشهاد بضيق:
_ بس مش دلوقتي، ومش هو اللي يكتشفها، عايزة احنا اللي نقوله عشان مايفتكرش أننا كنا نقصد نكدب عليه، وكمان ماما جيهان مصممة تمشي .. وأنا مش عايزاها تمشي ..
وافقتها وصيفة وقالت وعينيها مليئة بالحرمان والأفتقاد:
_ والله عندك حق يا أشهاد، دي لما طبطبت عليا وخدتني في حضنها حسيت أنها أمي .. أتاري الأحساس ده حلو أوي !!
قالت رضا والدموع تملأ عينيها :
_ لا مش دايمًا الأم بتبقى حنينة، في أمهات ما تعرفش يعني إيه رحمة! .. بيخلفوا ويرموا في الشارع ..!
لم يجادلنها الفتاتان الآخيرتان، فهن يعرفن مآساتها مع أم لا يعرف قلبها الرحمة والأمومة.
*************
واستطاعت جيهان الهروب من القصر وقفزت من النافذة نحو المبنى الآخر حيث الصغار، وأخذها شامي وشاندو لحجرة بالطابق الأخير بالأعلى ، لأن بتلك الحجرة لا يصعد أحد نظرًا للطوابق الكثيرة ولا يوجد مصعد ... ووقفت أمامهما جيهان وهي تلهث بضيق شديد وتقول:
_ أنا مش هينفع أفضل هنا أكتر من كده ؟! ... أول مرة في حياتي اتعرض للي بيحصلي ده وكأني مجرمة وبهرب !!!
تدخل شاندو وقال :
_ حقك عليا أنا، بس ماينفعش الزعامة يكتشف وجودك دلوقتي، لحد ما نلاقي الطريق أمان ونلاقي طريقة نوصلك بيها، لو عرف هيمشيكي من القصر ومش هنعرف نعملك حاجة ...
صممت جيهان وقالت بكبرياء:
_ مش عايزة اقعد عنده، أنا مستنية آخر الليل وهمشي حتى لو هفضل لوحدي على ما الاقي أي مواصلة ...
فكر شامي قليلا وقال كاذبًا:
_ طب والمجرم اللي بيحوم حوالين القصر هنعمل فيه إيه ؟! ده لو طالك وأنتي لوحدك هتبقى مصيبة..!
تفاجأ شاندو وقال لصديقه :
_ هو لسه موجود حوالين القصر ؟! .. ماقولتليش ليه يا شامي أنك شوفته ..!
غمز شامي لصديقه ليصمت ولم تلاحظ جيهان، بل ارتبكت وشحب وجهها بخوف ثم قالت :
_ أنا حاسة أني تايهة ومش عارفة أفكر ..!
رد عليها الصبي شامي بلطف :
_ هتتحل بإذن الله، اسمعي كلامنا ومش هتندمي .. هنوصلك لحد بيتك في أمان وهتقعدي هنا من غير ما حد يكتشف وجودك ...
سكتت جيهان بحيرة وعجز تام عن التصرف، فهي حتى لا تحفظ أرقام هواتف أصدقائها لكي تحادثهم، وهاتفها قد فقد مع أغراضها ..!
وأدخلاها شامي وشاندو الغرفة، ثم حذروها أن تغلق الباب عليها من الداخل ... وفعلت جيهان بتوصيتهم ... وهمس شاندو لشامي بعتاب:
_ ما قولتليش ليه يا شامي أن ...
قاطعه شامي بابتسامة ماكرة وقال:
_ دي كذبة بس عشان تفضل هنا، أنا ما شوفتش المجرم ده تاني من آخر مرة أصلا، بس أشهاد اتعلقت بيها وخايف تزعل وتعيط لما الضيفة دي تمشي ...
التمع بعين شاندو المكر وقال :
_ فكرة جاحدة ... أنا برضو مش عايزها تمشي، وهفضل أخوفها بالمجرم ده ... وتفضل هنا.
وكتم الصبيان ضحكاتهما وهما يهبطان درجات السلم للطابق الأرضي ...
**************
وعاد أكرم لذلك المطبخ القديم، وتوجه مباشرة نحو البرميل والألواح الخشبية، ولكن لفت نظره شيء !! .. بل عدة أشياء ..!
أولًا هذا البرميل الذي كان منذ قليل بمكانه قائمًا، هو الآن ساقطا على الأرض !! ... والنافذة التي كانت مغلقة اصبحت مفتوحة على مصراعيها !! .. وتلك الرائحة اللعينة رغم إثارتها ونعومتها ولكنها تخنق صدره وأنفاسه وتنتشر بالغرفة !! .. وهنا اقتنع بتلك الاستكشافات التي أكدت شكه!.
لن يخبر أحد حتى يجد تلك المجهولة وتصبح بقبضته ويعرف منها سبب وجودها هنا بتلك الطريقة المريبة ..!
وصعد لغرفته بعد ذلك .. وبعد أن دخل الغرفة هاجمته تلك الرائحة المميزة التي وكأنها التصقت حتى بالأثاث !!، فتحرك نحو النافذة ليفتحها ويجدد لرئتيه وللغرفة الهواء، ولكنه لاحظ شيء جعله يقف منتهبا ...
قد لاحظ أكرم وجود حركة غريبة بالمبنى المجاور، وخاصةً بالغرفة الأخيرة على سطوح المبنى، فقد انتبه ليد تغلق النافذة الصغيرة لتلك الحجرة العلوية ... وكاد أن يتحرك خارجا من الغرفة حتى توقف وقال لنفسه:
_ لأ ... هتهرب مني ..
وفكر مليًا قبل أي خطوة، لأنها تبدو ماهرة في الفرار والهروب ..
****************
وبعد شروق الشمس ليوما جديد ..
تململت فرحة في فراشها بكسل وهي تتثاءب، ثم فتحت عينيها وفوجئت بعض الشيء أنها بالفراش بدلا من المقعد ..!
لم تصدم فهذا كان متوقعا، ولكن ما لم تتوقعه أنه استيقظ وجلس بمقعدها وهو يضع ساقا على ساق وينفث دخان سيجارته للأعلى وهو شاردًا تمامًا ..
اعتدلت بالفراش جالسةً وظلت على حالتها، ولكن توجست منه في نفسها، يبدو مختلفا هذا الرجل في كل يوم عن سابقه !!
في الساعات الفائته اعتقدت أنه عاد لسابق عهده العاشق المتيم .. أما الآن فكأنه غامضا يحجب ثورة مخيفة خلف صمته هذا.
وفجأة ارتبكت حينما قال بحدة غير مفهومة:
_ حضري شنطة هدومك ... وهدومي.
لم تفهم قصده فسألته:
_ ليه ..؟!
أجاب ونظره صوب عينيها مباشرةً وحقا خافت من نظرته النارية :
_ هنسافر لشهر العسل ..
حملقت فرحة فيه بذهول، أي شهر عسل يتحدث عنه وهما متفقان على الطلاق ؟! ... يبدو أنه فقد عقله ! .. فهتفت به :
_ أنت ليه بتفكر وتقرر لوحدك ؟! ... طالما الأمر يخصني يبقى لازم تاخد رأيي، وبعدين شهر عسل إيه اللي ..
قاطعها عندما هب واقفا بنفضة غضب، وابتلعت ريقها بخوف عندما سدد لها نظرات قاسية وقال:
_ نفذي اللي بقولك عليه من غير كلام كتير .. بكرة بليل هنسافر لشهر العسل زي ما الكل عارف .. وبعد ما نرجع هقولك الباقي ..
نظرت له بحدة رغم خوفها منه، وهتفت بحيرة:
_ أنت مين ؟! ... أنت بتتلون في كل لحظة!، كل ساعة بحال، اللي يشوفك من كام ساعة وأنت خايف عليا تسيبني لوحدي ، ما يشوفكش دلوقتي ! ..
اعربت ابتسامته الجانبية الساخرة عن سذاجة ما يسمعه، واقترب منها ببطء وعينيه مثبته على عينيها بتحد وقوة، حتى وقف بالقرب منها ومرر أصابعه على ذقنها قائلًا بنظرات ثعبانية جعلتها تحتار فيه أكثر:
_ بما أنك دلوقتي ما تلزمنيش فمش مهم تعرفي حقيقتي، اللي يهمني دلوقتي أرد الكورة في ملعبهم... بس ردي هيكون قاسي أوي لأني مابسيبش حقي ..
فهمت فرحة أنه يقصد زوجة أبيه وأبنها اللعين، فقالت له بعتاب:
_ وأنا ذنبي إيه في مشاكلك معاهم ؟!
وداعب زايد خصلة من شعرها وعينيه تتجولان على تفاصيل وجهها ببطء اربكها وأشعرها بالاضطراب، ثم أجاب بغضب:
_ ذنبك أنك خدتيني كتجربة .. في عز ما كنتي أكتر شيء اكيد في حياتي ... أنا يمكن المريض النفسي المجنون والمجرم في نظر الجميع، بس انا الخسارة اللي ما بتتعوضشي .. الحاجة اللي هينتهي عمرك كله وهتكتشفي أنك مش هتلاقي زيها تاني ... كانت فرصة كبيرة وخسرتيها ببساطة .. لأنك ما تستحقيهاش..!
ظلت ناظرة له بتعجب وريبة، من أين تلك الثقة المخيفة بنفسه؟! ... ولكن ما أخافها أن تكتشف بيوما ما أن ما قاله كان صائبا، لذلك شردت وبدا تعابير الخوف والقلق بعينيها، فسخر منها بابتسامة تحجب مرارة هائلة:
_ هتعرفي حقيقة اللي بقوله لما يعدي عليكي يوم بعد يوم وأنتي بتتمني تلاقي حد يحبك بجد .. لو كنت حابب أشوفك تاني، فعشان بس اشوف النظرة اللي هتسكن عنيكي بعد ما أبعد وكل واحد يبقى في طريق ...
سالته فرحة بصدق :
_ وتفتكر اللي أنا عملته يستحق منك كل ده ..؟!!
وقف أمامها ودقق النظر لعينيها عن قرب، ثم أجاب بعد بعض الوقت:
_ أنا لو كنت مُت قدامك .. كنتي هتفضلي مُصرة أنك تعرفي الحقيقة مني..!، مش هنسهالك اللحظة دي أبدًا .. لإني فعلًا كنت بموت.
ورماها بنظرة قاسية من الغضب المكبوت، وتركها وحيدة بتلك الغرفة الواسعة، وبدأت تفهم شيء من مسار تفكيره، ولكنها يجب أن تتحدث مع طبيبه النفسي بالقريب العاجل، لتفهم هذا الشخص الذي كلما اعتقدت أنها باتت تعرفه ... تكتشف إنها لا تعرف عنه أي شيء
***************
في تمام الساعة الثامنة صباحا..
قد آن وقت مغادرة "سمر" من دوام عملها الذي أنتهى تقريبًا منذ نصف ساعة، واستعدت للمغادرة بتلك الدقائق الإضافية حتى خرجت من المشفى وأوقفت سيارة أجرة .. وسألها السائق عن العنوان تفصيليًا، بينما عينيها كانتا تبحثان عن شخصا ما بالمشفى ... ولربما يأت ويرافقها مثلما حدث بالسابق .. ولكن لم تره ..؟!
شعرت سمر بالاحباط عندما لم ترى له طيفا حتى، واملت للسائق العنوان وتحرك بالسيارة في الطريق المزدحم.
وظلت طيلة الطريق تعاتب نفسها على مسار تفكيرها الجديد، ومتعجبة ومدهوشة من نفسها أيضا ..!
هل هذا أمجد التي كانت لا تحب الحديث معه بالسابق ؟!
باتت تنتظر رؤيته ولو من بعيد !!!
وبعد مضي الوقت وقف السائق أمام المبنى وخرجت سمر من العربة ودخلت مسكنها ...
وانشغلت بفكرة وجوده بالجوار أم لا، لم تره بعد اللقاء الليلي ! ... ولن تعرف أن كان بشقته المجاورة إلا إذا سألت عنه بنفسها وهذا من آخر المستحيلات أن تفعله.
وفكرت أن تخرج الشرفة، ربما يخرج عندما يجدها هناك ... !
فأسرعت بعدما القت نظرة على مظهرها بالمرآة، ولكنها وقفت بشرفتها قرابة النصف ساعة ولم يظهر بعد ..!
نفخت سمر بعصبية وغيظ ثم عادت لغرفتها وهي توثق جميع المعاهدات مع نفسها أن لا تخرج للشرفة مجددًا ...
وارتمت على فراشها بإرهاق وأحباط شديد يملأ نفسها ... حتى غفت بصعوبة بعد وقت طويل من التفكير والحيرة ....
*****************
دخل أكرم غرفة قد جعلها المطبخ بالطابق العلوي، ولكنه وجد فوضى عارمة تملأ المكان، ورائحة حلوى تفوح من الفرن الكهربائي !!
ويبدو أن الخزين المتبقي من الشهر الماضي قد نفذ !!
لم يعهد هذا التصرف بالصغار، كل شيء يصرخ مشيرًا إلى وجود يد غريبة لمست كل شيء بالقصر !! .. وهذا ما يشغل باله الآن، فتغاضى عن الفوضى وبدأ يُعد الإفطار، وارتاح أنه ابتاع ما يكفيه هو والصغار للشهر القادم ... وبعد ما قارب الساعة قد أعد فطورًا للجميع ...
ثم هبط الدرج ليفتح بوابة القصر ويأت بالصغار لبدء اليوم ... وعندما اجتمعوا حول المائدة الضخمة بدأو يتناولون الطعام بشهية واضحة .... حتى همست رضا لوصيفة عندما وجدتها تخبأ سندويتشا بملابسها وقالت :
_ بتعملي ايه يا وصيفة هتفضحينا ...!!
أجابت وصيفة بصوت خفيض:
_ بخبيه عشان ماما جيهان، وهخبي تاني عشان تفطر، لو استنيت لبعد الفطار مش هلاقي حاجة اوديهالها تفطر بيها ...
فهمت رضا الأمر، وقلدت ما فعلته وصيفة وخبأت ساندويتشا آخر بملابسها، ولأول مرة يتفقان الفتاتان على شيء، حتى أنهما ابتسما لبعضهما في مرح وهذا شيء كان من المستحيلات تقريبًا ..!
بينما همس بقلظ لعصفور وقال بمقت وهو ينظر للطعام بعذاب :
_ الأكل شكله حلو، بس طعمه مش حلو ..!
سخر منه عصفور وقال :
_ ما أنت من ساعة ما بلعت الكيكة بتاعت أبلة جيهان وأنت مش عاجبك حاجة !! ... المهم دلوقتي نخبي كام ساندويتش عشان هي تفطر ..
هز بقلظ رأسه بتأكيد وقال:
_ بعد ما أخلص أكل هعمل ساندويتش واطلع أجري برا، بس هروح اوديهولها.
همس له عصفور بتهديد:
_ هاجي معاك، لو مخدتنيش معاك هفتن عليك.
اقسم بقلظ له وقال:
_ والله هستناك برا والله ...
ولاحظ أكرم بشيء غريب يدور بين الصغار، وتلك الهمسات بينهم لم يغفل عنها ولكنه تركهم ... وبعد الإنتهاء نهض قائلًا:
_ في شوية خشب فوق السطح عندكم هنطلع نجيبهم ..
حملق الصغار فيه بخوف، من اين له تلك الفكرة واليوم تحديدًا؟!، وكانت نظراتهم تبدو مضحكة ولكنه تعامل بهدوء وثبات يحسد عليهما ... فسأله عصفور بقلق :
_ والخشب ده على السطح بس، ولا في الأوضة اللي فوق اللي مافيهاش حد خالص دي ؟!
سأل أكرم وهو ينظر له بدقة :
_ هتفرق يعني ؟!
قال بقلظ بإرتباك:
_ لا أن شاء الله على السطح بس مش في الأوضة .. دي فاضية أوي.
تجاهل أكرم رد فعلهم وقال :
_ تعالوا نرجع الأول الاطباق دي للمطبخ وبعدين نروح نشوف هنعمل إيه ...
ضرب شاندو بغيظ على كتف بقلظ وقال مرددا:
_ آه طبعا، لازم نشوف هنعمل إيه وبسرعة ...!
وكأنه بتلك الجملة ينبه الصغار ويلفت أنتباههم، ولكن لم يكن أحدًا منهم غافلا ... واتبعوا اكرم بتنظيم وترتيب ...
وبعد دقائق انتبهت جيهان بغرفتها لخطوات كثيرة كأن جيشا يزحف لحجرتها ... فانتفضت من فراشها وركضت نحو الباب تسترق السمع، بينما وقف أكرم بمنتصف مساحة سطح المبنى وهو يشير للأخشاب المُلقاة بأهمال وقال:
_ هننزل الأخشاب دي عشان الدفاية .. وبعدين هننضف السطح.
وكان يدا بيد معهم، وراقبت جيهان تحركاتهم من خلف الباب، وللغرابة أنها اندمجت معهم واستمتعت بمهارة أكرم الذي يواليها ظهره دائمًا في ترتيب المهام بين الصغار ... وأخيرًا بعدما فرغ المكان من الأخشاب وقف أكرم بين الصغار وقال عصفور له بارتباك :
_ هـ... هـ ... هتفتح الأوضة الفاضية خالص دي ؟!
نظر أكرم للصغير وغلب ضحكة كادت أن تظهر، ثم أجاب بمكر :
_ لأ مش هفتحها ... ما هي فاضية بقا!
رفع عصفور يديه بالدعاء وقال :
_ ربنا يديمك لينا نعمة ويحفظك من الزواج يارب ...
ضربه شاندو على رقبته وصحح:
_ الزوال مش الزواج ربنا ياخدك ...
ابتسم أكرم وهو يمرر يده على شعره ويكتم ضحكة أخرى بسبب ذلك الصغير، بينما انتبهوا جميعهم لصوت ضحكة أنثوية رنانة صادرة ... وردد عصفور برجفة وقال لأكرم:
_ ماسمعتش حاجة .. ومحدش سمع حاجة.
وكتمت جيهان فمها بيدها وهي تريد صفع نفسها بعد تلك الضحكة التي لم تستطع كتمها بعد رؤية ذلك المشهد المضحك ... ونظر أكرم للصغار وعادا الحدة والغضب لعينيه وقال :
_ يلا ننزل ..
وسبقه الصغار نزولًا، ولكنه بقا أخيرًا وراقبته جيهان من خلف باب الحجرة بتوجس وخوف، ونظر هو للباب بنظرة وكأنه مواجها لها، ولأول مرة تكتشف أن هذا الرجل يحمل من الوسامة والهيبة ما يدير رؤوس النساء ... ولكنها على يقين انها رأته من قبل، لكن أين لا تعرف !! ... وبغمر شرودها كان هبط الدرج وغادر المكان ... وتنفست الصعداء بعد ذلك، ورغم أنه غادر ولكن ظل بذهنها لفترة لا بأس بها .. لم تستطع أن تطرده ببساطة من عقلها .. فهو ليس بالرجل الذي تتجاوزه امرأة ببساطة ..!
وتعجبت من منحنى تفكيرها !! .. وشعرت بالسطحية بعض الشيء وكأنها عادت مراهقة ...!
بينما تعترف أن هذا الرجل به شيء خاطف للأنتباه..!
************
واستيقظت سمر مساءًا ... وشعرت كأنها نامت اليوم كله، وبقى أمامها ساعتين فقط لتعود للعمل ...فقررت أن تأخذ دشا وترتشف كوب قهوة بعد ذلك. .. وبعد قليل خرجت من الحمام وجففت شعرها ومشطته سريعا... ثم أعدت كوب قهوة ... واغتاظت عندما تحكم بها قلبها واجبرها أن تنكث الوعد والمواثيق وتخرج للشرفة !!
فأعدت القهوة وارتدت حجابها وخرجت وهي ترتشف كوب القهوة وكأنها لا تكترث بكل ما يدور بالكرة الأرضية ...!
حتى وجدته جالسًا بإسترخاء على مقعد بشرفته ويقرأ كتابا، ونظر لها بابتسامة ماكرة، وظل على جلسته للحظات قد بدأت تزفر فيها بغيظ منه ... فنهض من مقعده واقترب لها ببطء ثم قال :
_ نص ساعة تأخير .. أنا بحب اشرب قهوتي في ميعادها ...
استدارت له لترد، فأخذ كوب القهوة من يديها بسهولة ادهشتها، وأرتشف منه القليل ثم قال ببطء مستفز:
_ جميـــــــــــلة ... أوي.
اخفت سمر ابتسامتها وقالت بجدية:
_ انت هتفضل تاخد مني القهوة بتاعتي كتير ؟!
استند أمجد بذراعه على السور ورد مبتسما :
_ لحد ما توافقي وتقولي آه ...
سألته وكأنها لا تعرف السؤال :
_ أوافق على إيه ؟!
نظر لها مبتسما وقال ببساطة:
_ نتجوز ...
هربت الدماء من وجهها، ظنها حياءً وخجل، ولكن الحقيقة كان اضطرابًا وخوف، ليس الأمر بالبساطة الذي يظنها، تجربتها السابقة كأنت أكثر من معقدة وقاسية لأن تتركها دون أثر ... مجرد النقاش بالأمر يجعلها ترتجف بخوف ... تتذكر دموعها وعذابها وبكائها بتجربة شقت قلبها لنصفين ... انسحبت سمر دون رد ودخلت غرفتها تستعد للذهاب للعمل .... ولكنها هربت بدموع كرهت أن يراها ...
فتنهد أمجد بعمق، ويبدو أنه شعر بالاحباط واليأس، ثم قال وكأنه يطمئن نفسه :
_ هتوافق ... متأكد أنها هتوافق وقريب كمان ..
*****************
وقد غطت الظلمة السماء .. وأشتد الهواء بتلك الليلة حتى بدا وكأنه يتعارك مع الاشجار العالية ..
وقد استطاع الصغار توصيل الطعام لجيهان بحجرتها المنعزلة عن الجميع ... ولكنها شعرت بالقيد والاختناق بين تلك الجدران المغلقة، فقررت الخروج لبعض الوقت ولو كان في محيط سطح المبنى وليس أبعد ، وبذلك ستكن في أمان عن عيني الثعلب ...
فخرجت من الغرفة ولفحها الهواء الرطب والصق بعض خصلات شعرها حول وجهها وعينيها، فأنزعجت جيهان وفكرت أن تدخل الغرفة وتبحث عن شيء يدفئها قليلًا من الهواء ... ولكن بمجرد أن استدارت عائدة للحجرة حتى سقطت على صدر السيد المخيف ... الذي يبدو وكأنه أوقعها في مصيدته ..!
واصبحت يديه تقبضان على ذراعيها وهي تنظر له بهلع ، ولعينيه السوداء الناظرة لها بعمق وبعض الشرود ...
تابعووووني
تعليقات
إرسال تعليق