أخر الاخبار

رواية روح بلا مأوى الفصل الاول حتى الفصل العاشر بقلم ساره فتحي

رواية روح بلا مأوى الفصل الاول حتى الفصل العاشر بقلم ساره فتحي 

رواية روح بلا مأوى الفصل الاول حتى الفصل العاشر بقلم ساره فتحي 


 اقتباس 

مضت نحوه فى صمت وناولته المشط ثم جلست واعطته

ظهرها بتردد، اقترب اكثر يستنشق عبيرها وضع يده 

يمسد على رأسها وهو ينظر إلى خصلات شعرها البنى 

المنساب على ظهرها دس يده اكثر يتحسس خصلاتها 

شعرها الناعمة وفى بطء شديد بدء بتمشيط خصلاتها وبعد أن انتهى ازاحه على كتفها، ومد يده يفتح ازار القميص زر تلو الأخر وبدأ ظهرها يظهر أمامه وانفاسه الساخنة تلفحها 



شعرت بانامله على ظهر اخذت تتنفس بثقل، ضربات 

قلبها تزداد كانت تريد السيطرة على نفسها لكنها 

كانت فى حالة يُرثى لها فخرج صوتها بالأخير



-ضياء ضياء 



كان ضياء هو الاخر فقد السيطرة على نفسه مال بشفتاه 

يقبل كتفاها 



-وحشتينى يا بيلا وحشتينى، قولى أنى أنا كمان كنت 

واحشك قولى أنك كنتِ بتتعذبى زىّ



-ضياء عشان خاطرى ضياء 



احاط خصرها وهو يدفن رأسه فى عنقها هامسًا: 


-قلب ضياء


روح بلا مأوى (١)

****

الفصل الأول 

****

لماذا ؟؟

سؤال يثقل كاهلنا وتظل اجابته فى سردايب روحنا

***

الساعة الثانية عشر بعد منتصف الليل 

وضعت الهاتف على الفراش وابتلعت بصعوبة وتسللت

على اطراف اصابعها نحو المطبخ وفتحت احد الادراج 

وتناولت المدلاك الخشبى (النشابة) وتوجهت نحو باب

الشقة تسترق السمع وتأكدت لها ظنونها عندما نظرت 

من عين المراقبه من خلف الباب عزمت امرها وفتحت 

وفى لمح البصر كانت تنزل بمدلاك فوق رأس ذلك 

الشخص فوقع ارضًا، تلفتت يمينًا ويسارًا خشيًا من أن يراها أحد ثم سحبته للداخل 


****


فى صباح اليوم التالى فرق جفنيه بصعوبة اومضة خاطفة وعقله فى وقف زمنى عن الوقت الحاضر حاول استرجاع ما سار ليلة أمس لكنه شعر بألم شديد فى رأسه حاول رفع يده لكن انقبضت ملامحه  بصدمة شديدة 

عندما وجد نفسه مقيد بالاحبال على مقعد خشبى فى وسط البهو، ثوانٍ وكانت تتقدم بكل ثبات 

وبيديها كوب قهوة ترتشف منه بعض رشفات ثم 

اقتربت بتهمل تجلس على المقعد امامه 


أما هو كان زفرا ساخطًا ولاعنا وهو يتحرك بعشوائية 

فى محاولة لفك قيوده ثم نظر لها متسائلًا :

-انتى مين ؟!


رفعت السبابه وهى تهزها بالنفى قائلة : 

- لأ لأ السؤال مش كده انت اللى ميين ؟!

ده انا هوديك فى ستين داهيه 


ضحك باستهزاء وهو يرمقها من الاعلى للادناه : 

- فكنى احصلك انتى متعرفيش انا مين ؟! 


حدجته بغيظ قائلة باستخفاف: 

- حرااامى يعنى هتكون مين ؟!

انت عارف انا  هعمل منك عبره لزملائك الحراميه 


تحولت حالته من الحنق والغضب إلى الجمود ثم ابتسم 

بتهكم : 

- واثقه اوى من نفسك انتى ؟! 

عايز اعرف هتودينى فى ستين داهيه ازاى ؟!

وهتعملى منى عبره ازاى ؟! 


الغضب استفحل نبرتها الباردة وانفجرت هادرة فى وجهه : 

- ازاى ؟! 

حضرتك كنت بتتهجم عليا فى شقتى الساعة ١٢ بليل

عرفت انا ممكن اوديك فى داهيه ازاى 


تحكم فى اعصابه بصعوبة قائلًا : 

- مش لما تبقى شقتك من اساس 


رفعت عيناها ببهوت، نبرة الثبات فى صوته زعزعت 

ثقتها بداخلها : 

- مش فاهم انت تقصد ايه ؟! 

انت مين اصلًا ؟!


ارتسمت ابتسامة على شفتيه وهو يجيبها بكل قوة و ثقة : 

- انا كنان زهير الغامدى ابن صاحب الشقة ديه 

عرفتى انا ميين، دلوقتى تفكينى عشان نشوف مين 

اللى هيودى التانى فى داهيه 


***

بعد مرور ساعة الجم الصمت لسانها وهى تجلس امامه 

رفعت عيناها تطالعه عضلات صدره تنقبض و تنبسط 

دلالة على كتم غيظه، ثوانٍ وهدر فى وجهها بعنف : 

- أييييه هنفضل كده كتير نشاهد جمال بعض 


عارضته بضعف الشديد وبعض التمرد فى جرتا العسل خاصتها : 

- انا مش حراميه على فكره الموضوع بس ظروف 

حصلتلى لكن الشقة ذى ما هى انا ماخدتش منها 

حاجه والمفتاح اهو وانا همشى 


نهضت واقفه لكنه خبط بعنف على الطاولة التى امامه 

 وهو يزمجر بحده قائلًا : 

- انتى رايحه فين يا بت انتى هى بسهوله كده . انتى ايه حكايتك 

انتى شكلك نصابه وانا هتصل بالبوليس 


ارتجف بدنها حين شعرت بصدق كلامته جلسة ثانيةٍ

وطافت بعينيها بالمكان تبحث عن الثبات امامه تنحنحت بحرج قبل أن تهمس : 

- انا اسمى كيان انا مش حراميه حضرتك بس كل الحكايه إنى 

كنت ساكنه فى العماره اللى أول الشارع  اللى 

كانت واخده الناصيه اللى وقعت بسكان السنه اللى فاتت 

وانا كنت ساكنه مع خالة ماما الله يرحمها اتوفت 

من سنتين هى كانت على طول كل ما نعدى 

من تحت العماره هنا تقولى ان كانت ساكنه هنا 

صاحبتها سافرت من زمان وان الشقه فضلت 

مقفوله على امل انهم يرجعوا تانى على اغلب تقصد جدتك، فجاءة بعد ما بقيت ماليش مكان اروح فيه رجلى جبتنى

وقفت تحت العمارة طلعت وعرفت افتح الباب 

وقولت انا مرات ابن صاحب الشقة بس والله انا ما عملت حاجه انا دفعت الفواتير كلها وظبطت كل حاجه 

 فى شقة هنا صدقنى انا همشى مفيش 

داعى للبوليس لولا العماره اللى اتهدت وصاحبها منه لله 

استحالة كنت هعمل كده 


صمت صمت كل ما تلقته منه فنهضت مسرعه للداخل 

تحزم حقيبتها وترحل لتبحث لها عن مأوى ..

اما هو انحبس مصدر الهواء من رئتيه، أيعقل أن يهرب 

من تأنيب الضمير والذنب حتى يلاحقه هكذا 

امتعضتت ملامحه وذكريات سيئة تذكره بما مضى 

تزيده تمسكًا بقرره، رمق باب الغرفة وهو يفرك وجه 

ولا يعلم ما عليه فعله، قطع شروده صوت الجرس 

فتوجه نحو الباب وادار المقبض وطالع وجه شاب 

غريب متسائلًا : 

-هى كيان موجودة ؟! 


- انت مين ؟! وعايز أيه ؟! 


سأله بتوجس بينما اجابه الشاب باريحية وابتسامة واسعة : 

- انا جاى حسب معادى معاها 


تجهمت ملامحه للنفور والتقزز ثم صرخ به بحدة : 

- نعم !!! مفيش حد هنا بالاسم ده اتفضل متجيش 

هنا تانى 


***


خرجت من الغرفة تحمل حقيبتها فى يديها وتتوجه صوب

الباب لتنسحب بهدوء اوقفها نبرة صوته واتهامه الصريح : 

- هى الهانم كانت فاتحه الشقة هنا أيه ؟!

ومستغليه اسمى وحطته فى طين وبتدى المواعيد للرجاله هنا 


اتسعت عين كيان جحوذًا لا تصدق بجاحة شفتيه، 

القت الشنطة من يديها وهى تصيح بحدة : 

- حاسب على كلامك يا حضرة انا مسمحلكش 

انت ازاى تتهمنى كده .. انا دخلت هنا عشان معملش 

حاجه غلط واترمى فى الشارع 


التوت شفتيه بتهكم ثم جلس على اريكه خلفه وهو يضع ساق فوق الاخر  قائلًا : 

- أومال الأخ اللى كان جاى حسب الميعاد ده أيه ؟! 


حاولت كبح محابس عيونها لكنها فشلت وسقط ذلك 

القناع الذى تتسر ورائه قناع زائف من القوة فهمست بصوت مبحوح من البكاء : 

- ده كان مندوب توصيل لان بعمل اكل وببيع اونلاين 

وكان المفروض فى اوردر النهارده، انا عارفه انى 

غلط انى دخلت الشقة بس عمرى ما اعمل حاجه غلط زى اللى فى بالك


شعر ببعض بندم على تسرعه، التقط مفاتيحه وهاتفه 

وانصرف مسرعًا 


****

- هوووووبا السد العالى 

تلك الكلمة نطقها ضياء صديق كنان وهو يجلس معه فى مطعم فاخر على النيل وهو يطالع فتاة 

ذات منحنيات منحوتة بينما طالعها كنان من اعلاها لادناه 

وهو يحك ذقنه قائلًا

- ديه عبارة عن فلير وبوتاكس 


وقبل أن يجيبه دخلت فتاه ببشرة سوداء ذات منحنيات 

مرسومة ببراعة ضحك كنان قائلًا : 

- قابل يا سيدى سد النهضة 


قهقة ضياء وهو يغمز له قائلًا : 

- لا واحنا كشباب مصرى اصيل وعندنا روح وطنية

عاليه لازم نهدم حصون سد النهضة ولا أيه ؟! 

 ونحقق النصر ولا أيه ؟!


اجابه كنان بابتسامة وهو يغمز له قائلًا : 

- تفتكر؟!!! لو على الروح الوطنية موجودة 

واحنا شباب حسه الوطن عااالى، المهم سمعة مصر


نهض ضياء واقفًا وهو يقول : 

- عيب ياجدع فين الروح فين الوطنية قوم خلينا 

نرفع اسم مصر 


جز كنان على اسنانه مردفًا : 

- اقعد يا ضييياء بقى مش وقته


جلس ضياء وقلق يعتريه : 

- فى ايه يا كنان مالك ؟! 


تحدث بوهن وضعف شديدين وهو يهز رأسه يمينًا ويسارًا : 

- انا مش هيهدى ليا بال غير لما القى المقاول الحرامى

ده اللى ورطة اسم بابا واختفى حتى لو بابا عرف 

يقفل الموضوع بمعارفه


زفر ضياء بحنق : 

-  طب انت سبت البيت عشان 

حاجات فى دماغك ومش عايز تقتنع .. ايوه بابك بيشترى الأرض وبيدفع كل الفلوس للمقاول وهو يبنى 

ويأجر وعمى زهير بس بياخد نصيبه هو مالوش ذنب أن

المقاول غشاش ونصاب هو ماله وانت كمان مالك شاغل

دماغك ليه ؟!


تنهد وهو يفرك وجه بين يديه ثم سرد عليه ما سار معه : 

- تخيل انا قولت اسكن هناك عشان القى المقاول 

الحقير ده .. تطلع قدامى البت ديه حسيت انى 

ديه اشاره من ربنا إنى ماشى صح .. 


ضحك متعجبًا من صديقه قائلًا : 

- يا عم إشارة ايه هو انت داخل على جواز 

ضميرك ده محتاج مسكن شويه قوم خلينا نعمل 

العمل الوطنى ده .. ده احنا هنبقى فخر الدنيا


لمعت فكره برأسه ثم انتفض كمن لدغه عقرب مسرعًا للخارج واستقل  سيارته 

مندفعًا يسابق الريح حتى وصل اسفل البناية وانطلق 

مندفعًا للأعلى يطوى الدرجات فتح باب الشقة بحدة 

وهو يبحث عنها فى الغرف ولم يجدها اغمض عيناه 

بألم، ولج من الشقة للخارج ليبحث عنها وفجاءة توسعت عيناه بذهول كانت تنكمش على نفسها فى مدخل البناية 

تحت درجات السلالم وقف امامها قائلًا : 

- تتجوزينى ؟! 


روح بلا مأوى ٢

      ***

الفصل الثانى 

     ***

الهدوء ليس دائمًا معناه اننى بخير 

لكن هناك هدوء نتيجة التخدر من الألم  

      ****

كانت تجلس شاحبة الملامح تجلس فى الفراغ تحت السلم، ارتفع حاجبيها بتراقب وهو يقف امامها كالطود، 

رمقته بنظرة واحده كدليل على عدم اهمية وجوده 

فهى ضائعة بين افتراضيات تعلم انها ستعيشها، اغمضت 

عيناها الحارقتين من شدة التفكير، بينما هو رفع حاجبه 

مستنكر رد فعلها فتابع : 

- انت مش سمعتينى؟!

وبعدين أيه اللى مقعدك هنا ؟! 


نظرت نحو الأرض ثم اجابته بحزن يخيم عليها : 

- انا ما اخدتش حاجه من فوق وكل حاجه زى ما هى 

دلوقتى عايز أيه ؟! 


وتغلغلت الدموع داخل عيناها ولم يكن لديها القدره الكافيه على اجابته ولا على حتى النظر فى وجه 

فهى فى نظره سارقة تمتمات صغيره خرجت منها 

لتنهى النقاش : 

- الدنيا ليل خوفت أمشى دلوقتى مستنيه الصبح 

يطلع وامشى 


حاول التحدث معها بلطف : 

- طب ممكن نطلع فوق نتكلم ؟! 


- لأ طبعا مش هطلع معاك الشقة انت فاكرنى أيه 

هزت رأسها ثم اجابته بم يشبه الانفعال 


تأفف بضجر قائلًا : 

- طب ممكن تقومى نروح مكان عام نتكلم فيه مش 

هنتكلم فى بير السلم كده 


انهى كلماته تاركًا اياها لتفكر،  ثوانٍ قليلة وهزت رأسها 

بالإيجاب كالمغيبه ربما يكون اخر قشة نجاة 


****

-أيه رأيك فى عرض اللى عرضته ؟! 

تلك الجمله التى نطقها كنان


ارتفع حاجبيها بسخط لكنها هدأت نفسها عن التلفظ بأى 

كلمة خاطئة وردت باستنكار : 

- حضرتك تعرفنى عشان تطلب تتجوزنى، بلاش 

ده المفروض انك جيت ولقتنى واخده شقتك ولا تكون 

فكرنى واحده رخصيه بقى .. بعدين انت تعرف ايه عنى


تابع محاولًا اقناعها بدون الكشف عن نواياه : 

- ولا ده ولا ده الحكايه كلها إنى محتاج الشقة كام 

اسبوع وانتى صعبانه عليا هتروحى فين ومينفعش 

تقعدى معايا من غير مسمى .. وبعدين مش انتى 

قايله لناس كلها انك مراتى فين المشكله والاهم 

من كل ده انى هكتب الشقه باسمك مع ورقة طلاقك 

ولو على اللى معرفوش عنك عرفنى انتى 


رمشت عدت مرات وبدأت تهز ساقيها بتوتر قائلة : 

- مفيش حاجه عنى ممكن تعرفها اصلًا 

بعدين انت مستفاد أيه من ده كله 


نظراته كانت تقتحم اسوارها وهو يجيبها بنبرة صوته الخشن : 

- ولا حاجه بس فى حاجه اسمها ضمير 

هساعدك بس مش اكتر بلاش نظراتك ديه لو عايز حاجه 

غلط ماكنتش قولت اتجوزك 

لو موافقة هنكتب الكتاب بكره وعند مأذون عشان تبقى 

مطمنه 


لم يكن طلبه منطقيًا او يدل على شخص سوى 

لكنها ليس لديها رفاهية الرفض اين ستذهب 

او بالاحرى ستذهب لمن فهى تتعامل طيلة 

حياتها كأنها ستلوث من حولها

الخيبة ظهرت بائنه على وجهها كل ما تشعر به 

الحيرة والخوف من العواقب لكنها كانت وستظل 

اقوى من اى عقبه فى طريقها، ردت بثبات دون ان 

يطرف لها رمش : 

- انا موافقه بس امضى عقد الشقه مع عقد الجواز 


ارجع جسده على المقعد وهو يجيبها باريحية : 

- ديل 


*****


فى اليوم التالى 


كانت تجلس على المقعد وسط مشيخة الأزهر وامامها المنضده وفى جهة المقابله يجلس المأذون يقوم بتدوين 

البيانات، أخذت كيان شهيقًا لتمد رئتيها بالاكسجين 

اكسجين لا ترغب به ولا بالحياة حياة تمدها بندبة جديده فى قلبها، رفعت عيناها للجهة الأخرى برهبة وخوف حيث كان يقف هو مع  شخص اخر لكن هى ليس 

لديه خيار اخر ربما تكون الحياة عقدت معاها هدنه 


 على الجانب الأخر حدجه ضياء بنظرات ذهول 

قائلًا بدهشة : 

- انت بتهزر صح طب ما تكتب الشقه ليها من غير

جواز انت تعرفها ؟! طب فين اهلها ديه ؟! 


التوت شفتياه وتأفف قائلًا : 

- مش غريبه إنى اكتب الشقه ليها وامشى ما كده هى هتعرف ان ورا السبب ولو حاولت تدور كده ابقى بورط 

بابا اكتر ادعيلى القى المقاول ده، انجز وهات بطاقتك 


اطرق ضياء رأسه بخزى : 

- معايا الباسور ينفع اصلك كلمتنى ونزلت بسرعه 


جز كنان على اسنانه قائلًا باستهزاء : 

- لا الباسورد ده خليه ابقى....

صمت للحظة ثم قال وهو يغمز له :

- اتجوز بيه انت 


توجه كنان يجلس على مقعده بكل هدوء بملامح غامضه، بينما هى تحدجه بنظرات ريبة شديدة والارتباك جلى على ملامحها تحدث كنان بنبرة رجولية: 

- كل حاجه تمام يا حضرة الشيخ 


هز رأسه بابتسامة هادئة : 

- تمام بإذن الله 


بعد فترة قصيرة انهى المأذون اجراءات الزوج واعلنهم 

زوج وزوجه رسميًا، كان ضياء يراقب المواقف ببلاهة 

صديق عمره تزوج فى لمح البصر فتحمحم قائلًا : 

- فى مناسبة زى ديه انا المفروض احضنك ولا اواسيك 

ولا اوبخك 


رفع كنان حاجبه الايسر قائلًا بتحذير : 

- تسكت خالص فاهم 


التو ثغره بسخرية وتوجه نحو كيان ليمد يده بسلام

قائلًا : 

- مبروك يا احلى عروسه فى الدنيا 


امتقع وجهها ثم نظرت ليده الممدود ونظرت له قائلة ببرود  :

- انا اعرفك ايه عشم ابن خالتى ده .. انا مبسلمش على حد 


سريعًا التقط ضياء يد كنان ليبارك له لحفظ ماء الوجه 

وهو يهمس بجانب اذنه :

- ماشاء الله مش بس حراميه لا وكمان لسانها طويل 

طلقها وانفد بجلدك احسن 


*****


ولجوا لداخل الشقه وهى تقبض على حقيبة يديها 

بقوة فهى بداخلها نجاتها، عقدين سيحددوا مصير 

حياتها عقد قرانها وعقد الشقة امانها وسندها فى 

الحياه لكن هل هو حبل نجاة اما دوامة أخرى 

طاحنة ستوجهها بمفرده اذدردت ريقها واستدارت له تهتف بنبرة تحمل 

التهديد والتحذير كى تخفى خوفها : 

- بص بقى اما اقولك الجواز ده تحت ظروف 

معينه والشقة بقت باسمى يعنى هتقعد هنا 

بشروطى .. واوعى تفكر إنى هخدمك اه 

او اصرف عليك كمان  اصلا مش مرتحالك 


اقترب منها كنان بخطوات بطيئة ثم مال عليها متسائلًا 

بخفوت مرعب  : 

- انتى اتجنتتى انتى بتكلمينى كده ازاى؟!

اوعى نبرة صوتك تعلى تانى وبعدين مين اللى يرتاح لمين ده انتى هجانه


رجفة بسيطه سرت بداخلها ثم استعادت ثباتها الزائف 

وهى تضيق عيناها متسائلة  : 

- إلاه بالحق انت شغال ايه ؟! 


ضيق كنان ما بين حاجببه قائلًا باستنكار : 

إلاه بالحق ؟!! ايه اللغه ديه ؟!!

انا دكتور تجميل .. جراحة تجميلى


تشدقت كيان بغطرسة قائلة : 

- دكتور نفخ يعنى ايه التناكه ديه 


سقطت كلماتها عليه كصاعقة من السماء فوقف كصنم فى مكانه فاغر فمه وعيناه يحاول استيعاب الكلمة : 

- عيدى تانى قولتى ايه انا دكتور ايه 


اجابته بكل بساطه وهى ترى تحوله : 

- دكتور نفخ معروفه 


اقترب منها يجذبها من معصمها يهمس من بين اسنانه 

بنبرة تحذير وتهديد : 

- اسمعى بقى اما اقولك مش معنى انى سكت على السرقه انك تتمادى .. كلها كام يوم هخلص وامشى 

بنسبه لحوار الجواز ده بس عشان يكون فى مسمى 

لقعدتنا هنا مع بعض مش عشان لسانك الطويل 

فاهمه !! مش عايز دوشه !! 


ترك معصمها ثم توجه صوب غرفته واخذ معه حقيبته 

واغلق الباب بعنف فى وجهها انتفض جسدها على اثر 

الخبطه ثم رفعت وجهها للأعلى تهمس بتضرع : 

- يارب انا خايفه ومش عارفه اللى عملتوا صح ولا غلط 

بس مش عايزه اترمى فى الشارع يارب ماليش غيرك 

ثم استرسلت : ربنا يستر من دكتور النفخ ده 


****


على صعيدًا اخر .. سارت تنظر حولها بانبهار منظر 

الاشجار والنافورة المياه وهدوء المكان يبعث فى نفسها 

الراحه والطمائنينه ثم استدرات للذى يقف خلفها تهتف 

بحماس : 

- المكان هنا رووعه اوى يا طاهر تحفففه خلاص 

هو ده مكان المكتبه خلاص وكمان الافتتاح هيبقى هنا 

انا عايزه شغل دعايه جامد والحفله كلها مسئوليتك 


اجابها بابتسامة واسعة : 

- بس كده اوى اوى بس الست بيلا تؤمر واحنا ننفذ 

الحفله كلها تجهيزات اكل شرب ديزاينر كله عليا 


تمتمت تؤكد على كلامه لكن كان هناك اعتراض بسيط : 

- ميرسى اوى يا طاهر تعبتك معايا وعرف انى فى حاجات مش تخصصك وانت عملتها عشانى بس 

بلاش الأكل ده انا اعرف بنوته من فتره وهى شاطره اوى وهخليها تتوالى موضوع الأكل ..


ابتسم لها بحنو ثم قال : 

- متأكده ده انا هتفق مع اكبر شيفات المطاعم حاجه 

تليق بيكى 


- البنت ديه ممتازه مش هتصدق انها مش شيف فى اكبر المطاعم هتدوق وتحكم بنفسك فى الاحتفال 


اجابها فى هدوء مشجع : 

- رغم إنك عارفه مبحبش حد يتدخل فى شغلى بس 

تمام اوى ندوق ونحكم 


*****

قضت ليلتها ولم يغمض لها جفن، راقدة على الفراش

منكمشة على نفسها تنظر فى اللاشئ، فهى دائمًا فى 

مواجهة صريحة مع الحياة، حتى انها من كثرة الصعب

افقدتها القدرة على التمسك بغريزة الحياة، ابتلعت

ريقها بصعوبة بالغة فهى تخشى عواقب فعلتها وافقت 

على الزوج كطفل صغير يريد العبث بشعلة الشمعة 

المضيئة ولكنه لا يعى عواقب فعلته عواقب اللعب

بنار تشعر بالبؤس صبغ حياتها نهضت جالسة على 

الفراش وهى تفرك وجهها بيدها عندما تسللت 

اشعة الشمس لغرفتها فهى لم تستطيع النوم مع 

شخص الغريب داخل الشقة 


****


فى صباح اليوم التالى وقف هو امام النافذة يتحدث بنبرة 

صوت منخفضة اشبه بالهمس قائلًا : 

- قولتلك يا ماما انا اللى فى دماغى ده مش جنان 

ده واحد ورط اسم ابويا ومش هسكت حتى لو 

عرفنا ننوم الموضوع بردو مش هسكت 

ثم تنهد بثقل يهمس : مش لازم تعرفى انا فين 

ايوه بخير ارجوكى انا مش عيل صغير سلام 


واستدار فخبط بها فتأوهت بخفوت وهى تعض على 

شفتيها باستيحاء اقترب منها وهو يلقى نظرة متفحصه

إلى منامتها وحجابها الغير منضبط فهتف بنبرة غليظه 

حاده : 

- انتى واقفه عندك ليه انتى بتجسسى عليا 

انا مش قولت متقربيش من ناحيتى تانى 


هندمت من وضع حجابها سريعًا وهى تحاول أن تظهر بدور الفتاه القوية فهتفت فى مداعية البراءة : 

- انا كنت معديه عادى من هنا وبعدين انت صوتك واطى ليه ها ؟! 


جز على شفتيه وهمس من بين شفتيه : 

- معديه عادى منين ديه اوضتى ازاى تدخلى كده 


اجابته مستنكره : 

- اه اوضتك بس فى شقتى انت نسيت 

بعدين موطى صوتك كده وكلامك غريب هو انت 

عليك طار يا كابتن ؟!


توسعت عيناه بذهول وهو يشير باصبعه لصدره هامسًا بشراسه  : 

- انا كابتتتن !!! 


تمتت فى برود مستفز مستقصدة اثارة خنقته اكثر : 

- ده انت كابتن وسيد الكاباتن كلهم مالك بس 


-اطلعى بره ... بره 


قبل ان ينهى جملته دق جرس فأولته ظهر بكل غرور 

واندفعت صوب الباب وادارت المقبض فطالعت وجه 

ضياء وهو يحمل باقة زهور فامتعضت ملامحها وهى تهز رأسها متسائلة عن سبب وجوده ففطن لسؤالها 

ومده يده بباقة الزهور : 

- مبروك انا جاى ابارك ولا انا جيت فى وقت مش 

مناسب هو كنان فين 


مدت يديها تأخذ منه الباقة فى استغراب شديد 

ووجه متهجم قائلة : 

- انت عبيط جاى تبارك على أيه وامشى من هنا 

ولو على صاحبك ابقى رنه ينزلك على القهوة 


شعرت بخيال من خلفها وسمعته يغمغم بهدوء مخيف : 

- امشى ادخلى جوه حالًا 


تجاوز ضياء كنان وولج للداخل قائلًا : 

- عنوفه اوى المدام 


تهجمت ملامح وجه ثم انقبضت وهى تعكس انقباض

مخيفًا ثم تمتم مزمجرًا : 

- مدام ايه بس ؟!


قهقة بنبرة ماكرة وهو يغمز لها بطرف عيناه قائلًا بنبرة 

ذات مغزى : 

- ايه ده انتى بتعانى من مشاكل ولا حاجه ؟! 

قول احنا ستر وغطا على بعض 


صاح كنان بغضب هادر : 

- ضييياء مش فايقلك على الصبح 


رفع ضياء يديه عاليًا علامة الاستسلام وهو يكتم ضحكته 


****

فى الظهيرة فى مكتب بيلا 

تجلس وامامها كيان تسجل كل ملحوظه باهتمام جلى 

حتى انتهت ورفعت رأسها إليها بابتسامة واسعة : 

- ميرسى اوى لاختيارك ليا وثقتك فيا يا انسه بيلا 


ابتسمت بيلا بهدوء : 

- اولا بيلا بس .. ثانيًا وده الأهم انا مش بجاملك فى 

الشغل انتى بجد اكلك روعه ومتأكده إنك هتشرفينى 

قدام المدعوين المكتبه ديه حلم عمرى يا كيان 

المهم الديزاينر بتاع الحفلة  جاى عشان تظبطوا مع بعض 


نهضت كيان بابتسامة صافيه قائلة : 

- إن شاء الله اكيد .. بس ممكن الديزينر اقابله يوم 

تانى عندى محاضره وضرورى احضرها 


أومات بيلا براسها بهدوء بينما اندفعت كيان مسرعه 

واولتها ظهرها وخرجت من المكتب، سارت فى 

الردهة مندفعه حتى انصدمت بصدر عريض فارتبكت 

معتذره وحاولت ان تتجاوزه فوجدته يعترى طريقها 

ويقف امامها وعيناه مثبته على وجهها قائلًا : 

- طاهر حسين وحضرتك 


رفعت اصبعها السبابه فى وجهه محذره : 

- امممم.. طريقة جديده للشقط.. ابعد عن وشى بطريقة الرخيصه ديه 


وهمت بالرحيل ثم اعترى طريقها مجددًا : 

- مش بعاكس على فكره انتى متأكده اننا منعرفش بعض قبل كده 


تأففت بضجر وانطلقت فى طريقها بينما هو ظل يحدق 

بها وهو يهمس : 

- الشبه الجامده ده حقيقى يخلق من الشبه اربعين !!


روح بلا مأوى (٣)

    ****

الفصل الثالث 

   ****

هل تعلم ماهو شعور العجز

هو ذلك الشعور الذى ينهش قلبك لكن لا تقدر مقاومته

*****


انهت يومها الدراسى وعادت سريعًا فى محاولة لصرف تفكيرها عن اسبابه الخفيه للزواج منها التى تشغل تفكيرها فعرض بيلا مغرى 

ولابد من التجهيز من الآن فحفل بهذا الحجم يجيب 

أن يكون على اعلى مستوى من الجميع الجهات ولن 

يكتمل إلا بطعام فاخر ولجت لغرفتها وابدلت ثيابها 

 وعادة ثانيةٍ للمطبخ تفتح الاكياس وتفرغ المحتويات

وبدأت تعد الطعام وهى تشعر بالسعادة فهذا الحفل 

حتمًا سيعد خطوة مهمة لها وستتوالى العروض اكثر 

عند هذه النقطة اشتعل حماسها اكثر وتتقدمت نحو 

الحاسوب واشغلت الاغانى على اعلى صوت  واندمجت 

فى التحضير ولم تنتبه على الذى دلف من باب الشقه 

وما أن دلف ارتسم على وجه الانزعاج حين داعبت انفه 

روائح الطهى توجه نحو المطبخ وصاح من خلفها 

قائلًا بخشونه : 

- انتى بتهببى ايه كل صوت الاغانى وايه ريحة 

الاكل اللى ملت البيت ديه 


استدرت بفزع من نبرة صوته ثم هتفت بحدة طفيف : 

- فى إيه خضتنى ؟! 

حد يدخل كده مره واحده .. بعدين مالها ريحة الأكل 

ايه بتطبخوا فى بيتكم ببيرفيم يعنى 


تحولت ملامحه واتجه لحاسوب يغلقه قائلًا بقسوة : 

- انتى ايه مفييش دم واحده غيرك المفروض انها 

طلعت حراميه تكسف على دمها مفيش تربيه 

اهلك دول مبذلوش اى جهد فى تربيتك يعرفوكى 

الصح من الغلط 


شعرت بالاهانة فكلماته اخترقت روحها قبل اذنيها 

تتلألأت عيناها بدموع تشعر انها على وشك الانهيار فرمقته بنظرة اخيره قبل  ان تندفع لغرفتها مغلقه الباب 

خلفها بعنف 


****


بعد مرور اكثر من ساعتين يجلس كلا من ضياء و كنان 

فى المركز التجميل الخاص بهم لكنهزمازال تحت التجهيز، جز كنان على اسنانه

هامسًا : 

- ادينى بدور اهو من ساعة ما روحت المنطقة على 

اى خيط يوصلنى بيه مش عارف .. بس بنزل الف 

واقول انى محتاج شقة يمكن حد يدلنى عليه 


مط ضياء شفتيه بملل وحاول استملته قائلًا: 

- ما كفايه بقى وعمو زهير عرف يظبط الموضوع 

وهو مالوش دخل ولم يظهر السمسار  هتعرف توصلوا 

وخلينا نركز فى المركز اللى بنفتحه واللى عشان 

نزلنا من بره .. احنا لازم نتفق مع حد يصمم لينا 

الافتتاح انا كنت سمعت عن شركه بتنظم حفلات 

على اعلى مستوى 


اجابه كنان بتذمر : 

- فى ايه ضياء مالك حتة ايفينت مش هتعرف 

تنظمه مش لقيت الشركه خلاص روح وشوف 

مش كفايه عليا البلوه اللى فى البيت 


ابتسم ضياء وهو يهمس بنيرة لعوبه : 

- سيبك بس جمل يابا الحج 


هب كنان من مقعده واقفًا غالقًا زر سترته وصاح : 

- تصدق بالله انت ما عندك دم .. ماتنساش انها على 

ذمتى ياجدع انت 


انصرف كنان بينما قطب ضياء حاجبيه مستنكرًا :

-هو انا قولت حاجه غلط ولا ايه ؟!


****


فى المساء 


عيناها غارفة فى النظر إلى السماء والنجوم لتشيح 

بنظرها لتنظر إلى مصابيح الانارة فى الحديقة سمعت

اذنيها صوت طرق على الباب دلفت من الشرفه للداخل 

فطالعت وجه والدتها قائلة : 

- بيلا حبيبتى انتى لسه صاحيه ؟!


ابتسمت بعذوبة قائلة : 

- اه يا مامى لسه صاحيه 


جلست لبنى على حافة الفراش واشارت لابنتها بالجلوس، جلست بيلا بجوار والدتها وهى لايعجبها 

ذلك الغموض الذى تتخذه والدتها كقناع ساتر خلف 

رغبتها فى الحديث تنهدت بيلا قائلة : 

- خير يا مامى من الصبح وانتى عايزه تقولى حاجه 

وكمان بابى اتكلمى 


سحبت لبنى نفسًا عميقًا وزفرته على المهل قائلة : 

- ماشى يا بيلا من غير لف ودوران ليه رافضه 

العريس من غير ما تشوفيه 


تنهيده حارة خرجت منها لتهمس باسى : 

- لو سمحتى يا مامى الموضوع ده بقى يتعب اعصابى 

 ومفيش داعى اقول ليه لو سمحتى 

تحترموا رغبتى ..


انقلبت معايير وجه لبنى هامسه بنبرة بها بعض الحده : 

- لأ بقى كده كتير يا بيلا .. فى ناس كتير عندهم صعوبات ومكملين حياتهم فى امل ليه بتعملى كده 

كل ما يجيلك عريس ترفضى ده انتى قمر مش بتشوفى نفسك فى مرايه 


ضحكت ساخرة بألم يحتلها من داخل ياليتها تستطيع تجاوز تلك العقبه ملامح وجهها النضرة كساها الألم 

والاجهاد فهمست : 

- لا بشوف نفسى فى المرايا وكمان بشوف أن رجلى 

مبتوره ومركبه جهاز كمان، بشوف الحقيقة كاملة 

مش زيكم .. بعدين عرسان ايه اللى بتكلمى عليهم 

هااا اللى طمعان واللى مش مناسب نهائى بس بيتقدم 

على اساس انى ماهصدق بلاش دول  ناسيه لما وفقت

بالعريس اللى ألحتى عليا بيه فاكره .. فاكره البوست 

اللى نزله على الفيس انه مش فارق معاه الاعاقه اللى 

عندى وكل ده عشان يبقى تريند ومفرقش احساسى 

او حتى خد رأى بليز يا مامى بلاش الموضوع ده 


انهت حديثها والدموع تغرق وجنتها، تنهدت لبنى بوجع على حال ابنتها وعقبة بجمله واحده : 

- بس الناس مش زى بعض وانتى عارفه كده  

على العموم تصبحى على خير بيلا 


نهضت واقفه واولتها ظهرها للخارج وسحبت الباب 

خلفها، ارتمت بيلا على الفراش تمسح عبراتها وفجاءة

تسللت ابتسامة إلى شفتيها عندما مر طيف طاهر امامها

اغمضت عيناها وابتسمت قبل ان تسقط فى النوم

 

****


ولج كنان إلى الشقة ورمقها بنظره علم منها أنها لم تغادر 

غرفتها من الصباح توجه نحو المطبخ ليتأكد ظنونه ليجد كل شئ كما تركته، تنهد وهو يضرب السطح 

الرخامى بحدة هو لا يريد أن يقطع مصدر رزقها ولقمة عيشها توجه نحو الباب وطرق عليها ووقف ينتظر الاجابة ثوانٍ قليلة وكانت تضع الحجاب فوق رأسها وتفتح الباب طالع وجهها وعينيها المنتفختان من البكاء 

فاشاحت بوجه الجهة الاخرى تهمس باقتضاب : 

- خير !!


غمغم بصوت هادئ :

- انا مقصدتش اساءة بعتذر بس الريحه كانت صعبه 


للحظات لا يعلم كيف حدث ذلك كيف اعتذر منها، بينما هى رفعت عيناها تلاقت بعيناه الزيتونيه لتهمس بكل براءة : 

- على طول بنسى اشغل الشفاط مش بفتكر غير فى 

نص الاكل .. واعتذرك مقبول وحصل خير 


هز رأسه بملامح ممتنه وهم للمغادرة فأوقفته  : 

- كنت بعمل ورقة لحمة احضرلك تتعشا معايا 


ابتسم كنان بلطف قائلًا : 

- انا فيچتريان vegetarain(نباتى)


توسعت عيناها بذهول وهمست بنبرة تحذيريه : 

- انا مالى إذا كنت مدخلتش دنيا.. لا دماغك 

متروحش بعيد مش عشان بقولك تتعشا ده جدعنه مش اكتر 


ضيق عيناه الزيتونتين ثم سألها مستفرًا  : 

- انتى تقصدى ايه ؟! وايه مدخلتش دنيا ديه ؟!


لوت كيان شفتيها بتهكم : 

- هو ايه اللى  تقصدى ايه انا مالى اذا كنت فيجتريان

يعنى عذراء ولا لا 


اشار إلى صدره وتوسعت عيناه بذهول وكأنه وقعت 

عليه صاعقة السماء : 

- قصدك إنى فيرجن virgin (عذراء) صح ؟! انتى اتجننتى 


رفعت احد حاجبيها قائلة : 

- كل واحد عارف نفسه بس ده شئ ميخصنيش 

إذا كنت فيجتريان ولا لا .. اه لو سمحت تلزم حدودك 


جز على اسنانه بغيظ متسائلًا  : 

- انتى تقصدى فيچتريان يعنى عذراء !!! 


اجابته بكل ثقة وهى عاقدة ذراعيها امام صدرها : 

- معروفه فيچتريان يعنى عذراء هو انا جاهلة 


جحظت عيناه واجابها ساخرًا : 

- ابدًا العفو ده انا اللى جاهل عذراء يعنى فيرچن 

مش فيجنرين 


- مش فارقه يعنى حرفين 


طرق كفًا بالاخر متعجبًا من ثقتها الزائده : 

- لا تفرق كتير فيچترين يعنى نباتى مش باكل لحوم 

فيرجن يعنى عذراء وديه اساس للبنت مش للولد 

مدرسة ايه اللى كنت بتروحيها بيشرحوا ايه هناك 


اجابته مندفعه بتلقائية : 

- انا ماكنتش بروح المدرسه اصلًا انا كنت بنزل على الامتحان بس 


بنفس الاندفاع سألها : 

- لييه ماكنتيش بتروحى ؟!!


اطرقت عيناها ارضًا محاوله التملص منه : 

- بلاها اكل هعملك قهوة عن اذنك 


حك مؤخرة رأسه باستنكار : 

- شكلك وراكى مصيبة ولازم اعرفها 


ثم ضحك ببلاهة قائلًا : 

- قال فيرچن قال 


****


فى اليوم التالى تجلس بيلا فى مكتبها تتابع عملها 

على الحاسوب الخاص بها طرق على الباب قطع

تركيزها فرفعت معصمها تنظر لساعة فعلمت انه

موعد العميل فأذنت بالدخول وابتسامة ناعمة تزين 

ثغرها الوردى، ثوانٍ وولج ضياء طالع من تجلس وراء 

المكتب لثوانٍ توسعت عيناه بانبهار فتاه فى طور البدر 

تنير المكتب تقدم منها قائلًا : 

- يا صباح النوتيلا 


رمقته باستنكار رافعة احد حاجبيها قائلة بحزم : 

- نعم !!!!!


يكاد يقسم بداخله انها الأكثر جمال على الأطلاق تحمحم بحرجٍ محاولًا تغير معنى حديثه بخبث : 

- بقولك صباح الخير يا الأنسة بيلا

فى حاجه ؟!!


اتسعت حدقت عينيها مزفره فهى سمعته جيدًا هتفت بنفاذ صبر :

- صباح الخير .. اتفضل ارتح يا استاذ......


جلس على مقعد امامها وأوما بالايجاب : 

- ضياء نور الدين دكتور تجميل 


- اهلًا وسهلًا 

بدلته بابتسامة هادئة وهى ترحب به، بينما هو يشكر

بداخله عشوائية الصدف التى جمعته بإحدى أميرات 

ديزينى فابتسم بتوسع قائلًا : 

- انا كنت جاى عشان انظم حفل افتتاح للمركز التجميل 

بتاعى انا و شريكى وده بعد ما سمعت عنكم 


رمشت باهدابها وابتسمت بنعومة : 

 - تمام يا دكتور انا معايا هتتفق على تصميم الحفل 

وعايزها نوعها ايه وبعد كده هتكمل باقى التفصيل 

واللى هيروح معاك المكان الباشمهندس طاهر


اجابها باندفاع :

- بس انا عايزك انتى 


صمتت لبرهة ثم قطبت حاجبيها باستنكار : 

- افندم ؟!! 


اجابها بمراوغه :

- بصراحه عايزك انتى تخلصى كل حاجه انا جاى عشان 

شغلك الممتاز، واللى انا شفته 


- الشغل ده شغلى انا وباشمهندس طاهر وهو ميقلقش 

حاجه عن  وده نظام شغلنا للأسف لو يناسبك 


نظر لها باحثًا على رد لطريقتها الفظه ثم اردف : 

- مفيش مشكله انا ماكنتش اعرف نظام الشغل 

هتفق مع باشمهندس طاهر


اكمل الاتفاق معها فى اجواء متوترة وهو يختلس النظرات إليها حتى انتهى الاجتماع 


****


طرق على الباب قطع عملها ثانيةٍ فرفعت نظرها 

لكن هذه المره تبدلت ملامحها بسعاده اكثر 

هامسه : 

- تعالى ياطاهر اتفضل 


جلس على مقعد يتنهد بتعب قائلًا : 

- اليوم كان صعب اوى خلصت بس انجزت حاجات كتير 

والدكتور اللى اسمه ضياء ده غريب سأل عليكى كذا مره .. غير انه مش مهتم بأى حاجه بس المركز بتاعهم 

عالمى 


ارتبكت قليلًا متسائلة : 

- يسأل عليا ليه ؟! انا معرفوش 


اجابها ببساطة : 

- حسيته شخص فضولى .. المهم فين الشيف بتاعت 

الأكل انا لازم ابقى متفق معاها قبل الافتتاح ده مش 

افتتاح اى حد ده افتتاح ملكتنا بيلا 


ابتسامة واسعة زينة ثغرها واجابته بامتنان : 

- ميرسى .. هى عندها امتحان عشان كده معرفتش تيجى 


-طب هاتى رقمها واتصرف انا 


عدت انفاس متتالية اخذتها شعرت بثقل يجثو صدرها، تتسائل بينها وبين 

نفسها لما الخوف وتوجس، سريعًا التقطت هاتفها ولمست الشاشة عدت مرات باصابعها ثم ابتسمت 

بهدوء قائلة : 

- بعتلك الرقم ابقى شوف وقولى 


فتح هاتفها ثم همس فى ثقة : 

- احلى افتتاح لاحلى بيلا وهتشوفى بعينيك همشى 

انا عشان افتتاح وتجهيزات

****

ولج طاهر إلى غرفته وارتمى بجسده على الفراش 

من ارهاق يومه حاول ان يمد يدها ليضع هاتفه 

على الكومود المجاور لفراشه ولم يجده فنادى على 

والدته بصوتًا عاليًا فجاءت والدته تفتح الباب ومن 

خلفها هاجر ابنة عمته، فقطب حاجبيه قائلًا  : 

- هاجر ايه اللى دخلك هنا 


هتفت بحدة مصطنعة قائلة : 

- مش انت اللى ناديت خيييير 


نهض من على الفراش يقف امامها يهتف بغضب : 

- انا قولت يا امى انتى مالك وازاى تتدخلى اوضتى 

كده اصلًا ؟!


توسعت عين والدته بصدمة ثم تحدثت : 

- هو مفيش احترام ليا 


اسرعت هاجر تهز رأسه بنفى قائلة :

- حقك علي راسى اسفة يا مرات خالى 


ربتت على كتفها بحنو ثم نظرت لابنها : 

- افندم عايز ايه لكل الصياح ده 


لم يلتفت لهاجر وسأل والدته باقتضاب : 

- الكومودينوا فين ؟! 


- اه هاجر روقت وغيرت النظام 


رفع حاجبه باستنكار قائلًا : 

- وازاى هاجر تدخل اوضتى وانا مش موجود هاا

ايه اللى مقعده عندنا اصلًا 


القت والدته عليه نظر معاتبة بينما هى نطقت بمحاولة لكسب التعاطف :

- عشان امى الله يرحمها اتوفت فبطلع اعوض حنان الأم 

عند مرات خالى


قاطعها ببرود : 

-ايه ده، هشششششش، حنان ام ايه اللى بتطلعى تعوضى عندنا 

ده احنا يوم وفاة عمتى كنا محتارين نعمل فرح 

ولا نصب صوان،

طب واللى خلق الخلق الناس كلت وشنا عشان عملنا 

عز قال حنان ام .. عمتى عندها حنان


ضيقت عيناها بغيظ وقلة حيلة فهو محق، فتحدث ثانية :

- انا هنقل الزفت وإياك تدخلى هنا تانى وانا مش موجود، اتفضلى بقى خدى مرات خالك وحنان واطلعوا

بره عايز انام 


****


عملها كطهيه يتطلب منها جهدًا ومع وجود كنان اصبح 

يتطلب جهدًا جبار فهى تريد الانتهاء قبل عودته لا تريد 

المشاكل اكثر فبعد ايام قليلة سيرحل وتبقى الشقة 

ملكها هى وحدها هذه النقطة تجعلها تتحمل الأنفة 

والاستعلاء منه، لكنها ستحصل على لقب مطلقه لكن 

بنسبه لها لا يهم سوى الشقه فهى عانت كثير شردت 

فذكرى ..


** كانت طفلة فى الصف الرابع الابتدائى تقف فى احدى زواية غرفة الاخصائية الاجتماعية ودموعها 

تغرق وجنتها وشظايا الندم تحرق قلبها الصغير وعلى الجانب الاخرى تقف وام احدى صديقاتها تتحدث 

بانفعال مع الاخصائية الاجتماعيه وجدتها (خالة والدتها)

من قامت بتربيتها 

فتحدثت ام صديقتها: 

- استحالة بنتى تفضل فى نفس الفصل مع بنت ديه 

اللى حكيتوا لبنتى مش مقبول البنت ديه اللى عشتوا 

يخلى اى ام عايزه تبعد بنتها عنها اسفه بس استحاله 

اغامر بتربية بنتى انا عايزه انقل بنتى 


تنفست جدتها بصعوبة وهى تتحدث من بين اسنانها : 

- معقوله تكونى ام وبتفكرى كده .. البنت ديه مرت 

بظروف صعبه بس المفروض تفهمى بنتك الصح والغلط 

مش تبعديها بعدين هى بنتى غلطت عشان اتكلمت مع 

بنتك بس انتى كده بتدمري نفسيتها ومستقبلها فى المدرسه 


تدخلت الاخصائية مقاطعه حديثهم : 

- يا افندم كل واحد بيمر بظروف كيان غلطت انها اتكلمت بتلقائية بس ده لأن بنت حضرتك صديقتها المقربه وده اللى احنا هنحاول نفهموا لكيان ونعمل 

إعادة تأهيل  


تجاهلت حديثهم وهتفت بنبرة محذره : 

- بنتى هتنقل ولا انزل لمديره واعمل شوشره فى المدرسه كلها 


تقدمت هى  من جدتها ولم تمتلك شئ سوى دموعها احتضنت كفها بكفها الصغير وتحولت ملامحها من طفلة 

لم تتجاوز العاشره بعد إلى كهلة عجوزه ملامحها تصرخ 

بالقهر والعجز والحزن : 

- انا عايزه امشى من المدرسه ياماما هدى


عادت من شرودها على صوت رنين الهاتف فمسحت 

دمعه حارقه فرت منها وتناولت هاتفها لتجيب : 

- الو.. ايوه انا مين حضرتك 

- اه اهلًا باشمهندس طاهر.. انسه بيلا قالتلى اسفه انى 

معرفتش اجى 

- تمام انا هسجل رقمك واتس وابعت لحضرتك المنيو 

انا مجهزه حاجات معينه بس بردو انت تختار 


فى هذه الاثناء وصل كنان بينما هى موليه ظهرها 

وتتحدث بتلقائية : 

- اهم حاجه تعجبك انا يهمنى طبعا حضرتك تكون 

مرتاح فى التعامل معايا وماتكونش اخر مره 


- تمام نكمل واتس وهبعتلك الصور وتقولى رأيك 

مع السلامه 


صدح صوته عاليًا فى الارجاء : 

- انتى بتكلمى مين ؟!!!!


روح بلا مأوى (٤)

     ****

الفصل الرابع

   ****

الحب من طرف واحد هو عبارة عن شعور متناقض

لاتحب أن تفرض نفسك ولا تقو على إنكار فى نفسك 

  ****

يجلس ضياء فى مكتبه يقلب فى صور اميرة ديزني

كما لقبها يبتلع ملامحها بابتسامة واسعه فراقت له 

فكره فالتقط هاتفه يضغط على زر الاتصال ثوان قليلة 

واتاه صوتها الناعم الرقيق فابتسم قائلًا : 

- انسه بيلا معايا 

-اممم انا دكتور ضياء لو سمحتى فى حاجات عايز 

ابعتها ليك بخصوص الافتتاح اقدر ابعتهم ازاى 

- تمام اووى يعنى ممكن ابعتلك واتس على رقم 

ده طب تمام شكرًا اوووى 


اغلق الهاتف ونظر لسقف الغرفه وهو يحك ذقنه متسائلًا :

- يا ترى ديه هربانه من اى فيلم كارتون 

بس بتقفل اوى يا ترى ايه دخلتها 


****

بتكلمى مين ؟!!

تلك الجملة اردفها كنان مما جعلها تنتفض على اثرها 

وتستدير له ومازالت جفونها مبلله من اثر البكاء 


قطب حاجبيه مستعجبًا فوجهها يبدو عليه اثر البكاء

بينما نبرة وطريقتها فى الرد على الهاتف تنفى ذلك

لكنه مازال على اصراره فاشار بوجهه نحو الهاتف متسائلًا، عقدت ذراعيها امام صدرها : 

- خير مالك ؟! 


زفر بغضب  لكنه حاول تمالك اعصابه قائلًا بنبرة بارده  : 

- انا لا هتعصب اهو ولا هعلى صوتى 

الهانم كانت بتكلم مين وبتقولوا يارب الصور تعجبك ؟! 


اتسعت انظارها من تلميحاته ثم هتفت بهجوم : 

- انت فاكر نفسك ايه كل شويه تزعق وتشك فى اخلاقى .. انا كانت ليا ظروف عشان كده فتحت 

الشقه ديه واقعدت فيها بدل رميت الشارع،  غلط اه 

بس انا مش رخيصة زى كل شويه ما بتلمح فاهم


اقتربت منه بهاتفها بكل هدوء وثقه وهى تلمس بسبابتها الشاشه قائلة : 

- ده الرقم اهو اللى كانت بكلمه ده الواتس بتاعه 

ثوانى كده وديه الصور .. الاكلات... صور اكلات 


 وقد ارسلت الصور  فى التو واتاها الرد سريعًا امام 

عيناه بالمدح فى منظر الاكل والتنسيق ..

تبادل النظرات فى صمت تام

 القوة منها والندم منه، الثبات منها والخذلان منه 

اندفعت صوب الغرفه موليه ظهرها بينما هو ضرب 

بقبضة يده فى الحائط بتذمر : 

- لا كده كتير بجد ايه اللى بيحصل ده 

انا هقضيها اعتذرات انا جاى عشان ايه بس؟! 


****


ينفع ادخل ؟!! 

تلك الجملة اردفتها بيلا وهى تقف امام طاهر على حدود مكتبه 


اتسعت ابتسامته بترحاب : 

- يا سلام ده انتى تنورى المكتب وصاحب المكتب يفضى ليك مخصوص تعالى يا بيلا 


تقدمت بهدوء تجلس امامه والحماس يحتل ملامحها : 

- انا مش مصدقه بجد يا طاهر بعد بكره الافتتاح 


انتقل طاهر من مقعده ليجلس فى المقعد امامها قائلًا : 

- اولًا انتى تستاهلى كل خير .. كمان شئ بتحبيه 

لازم كنتى تاخدى الخطوة ديه من زمان .. بس 

اوعى تهملى المكتب هنا وتنسينى 


اجابته بنبرة رنانة سعيدة  وهى تطالع عيناه العسليه 

وذقنه الكثيفة: 

- استحالة بعدين لولاك انا ماكنتش اخدت الخطوة ديه 

وعلى فكره بالمناسبه ديه عزماك على حاجه نشربها 

بره أيه رأيك 


عبس بحاجبيه محاولًا ادعاء الانشغال : 

- مش هينفع 


بنبرة خافته غلب عليها الحزن : 

- لييه؟! 


اجابها معاتبًا بابتسامة واسعة : 

- بقى بعد المرمطة ديه كلها تقوليلى حاجه نشربها 

بدل ما تقوليلى عزماك على الغدا انتى بخيله ولا ايه ؟! 


تنفست الصعداء ثم رمشت باهدابها ولمعت عيونها الزرقاء بابتسامة واسعة قائلة بحماس : 

- بس كده خلاص يلا بينا ميعاد المكتب خلص 


قبل أن تنهى كلامها قاطعها طرق على الباب فأذنا طاهر

بدخول فطالعوا وجه ضياء، ابتسم طاهر بترحاب 

بينما هو شعر بنيران غير متوقعة بصدره  من جلستهم سويًا باريحية فتحمحم قائلًا :

- انا كنت جاى عشان اشوف التصميمات الجديده 

بس قالوا انك هنا فى مكتب الباشمهندس 


صمتت بيلا ثم اردفت باعتراض :

- بس للاسف مواعيد المكتب خلصت خلاص 


توسعت عيناه بعدم تصديق من طريقتها العدائيه الغير مبرر حاول طاهر تلطيف الاجواء قائلًا : 

- بس عشان الدوك نقعد مخصوص ونشرب فنجان قهوة، اعذر الانسه بيلا 

اصلها افتتاح مكتبتها بعد بكره والحماس مسيطر عليها 

عشان كده عايزه تخلص اللى وراها اتفضل اقعد 


نهض طاهر واقفًا يجلس خلف مكتبه بعدما رمقها تنظر 

ارضًا بندم بعد جملتها الاعتراضيه الطائشه .


بعد مرور عدة دقائق كان يرتشف اخر رشفه من فنجان 

قهوته ثم وجه حديثه إليها : 

- على العموم مبروك يا انسه بيلا واسف لو عطلتلك 


ردت بحرج : 

- لا ابدًا بس هو زى ما قال طاهر الحماس زيادة 


قهقة طاهر وهو يطالعها قائلًا : 

- شوفت الحماس ده كله اه لو تعرف اقعدت اد ايه 

اقنعها ايام وليالى والله  


حديث طاهر بهذه التلقائية كان يتطالب منه اقصى درجات الثبات حتى لا يسأله على طبيعة علاقتهم التى 

تجعله يقضى ليله ونهاره فى اقناعها بمشروعها 

تنهد معقبًا : 

- بالتوفيق اكيد طالما حاجه بتحبيها هتنجح 


قام طاهر بفتح احد الادراج واخرج منه دعوة ومد يده 

بها لضياء ثم اردف : 

- دعوة الافتتاح لازم تنورنا وبالمره هتشوف شغلنا على 

طبيعه يا دوك 

ولا ايه يا بيلا ؟! 


وضعت احدى خصلاتها الثائرة خلف اذنها وهزت رأسها 

بالإيجاب : 

- اكيد طبعًا 


- بإذن الله هحضر 

قال ضياء جملته ثم نهض واقفًا ليرحل وبداخله نبضات 

مغايرة عن نبضات قلبه 


****


بعد مرور عدة ساعات ولجت من غرفتها متجه صوب المطبخ متجاهله وجوده فموعد الافتتاح اقترب 

بينما هو كان يختلس النظر إليها وهى تعمل بمهارة 

وسط الاوانى وادوات مثل الفراشة بداخله مستنكرًا 

تلك القوة وكأنها تستمد قوتها من الطهى مر الوقت 

هى تعمل وهو يراقبها خلسة حتى تعالت طرقات 

الباب فنهض ليفتح وطالع وجه ضياء بملامحه 

المجعده ثوانٍ وتحاولت ملامحه وهو يمد انفه 

مستنشقًا رائحة الطعام ويسير خلفها كالمغيب قائلًا : 

- وسع يا جدع انت عندك مطعم جوه 


ولج لمطبخ فطالع كيان تعمل بجد فصاح قائلًا : 

- ياتكاتك يا حركاتك ايه الجمال ده الريحة تفتح النفس 


استجابة سريعًا لتعليقاته لتملأ ضحكاتها المرحه وجهها : 

- بجد؟!


فجأة كان يقفز فوق رخامة المطبخ متلاعبًا بحاجبيه : 

- لا طالما عايزه بجد يبقى لازم ادوق الاول واحكم 


تناولت صحن سريعًا تضع له من كل صنف والحماس 

يسيطر عليها بينما وقف كنان يغمض عيناه لبرهة محاولًا تمالك اعصابه كى لا يقوم بخنقهما معًا


مدت يدها بالصحن لضياء وقفت كمن ينتظر نتيجة 

الشهادة الثانوية لحصوله على الكليه التى يريدها 

اما هو كان يلتهم الطعام بنهم شديد كأنه كان عمرًا 

يتضور من الجوع 


قبل أن يهم كنان بالمغادره وقعت عيناه على شفاها 

الخوخى وهى تأكلهم باسنانها اثر الخوف اول مره 

ينتبه إلى بشرتها البيضاء الصافيه واهدابها السوادء 

 ملامحها بريئة طفلة مازالت فى روضه 

فاق من تأمله على صوت ضياء : 

- مش معقوله بجد انتى اللى عامله الأكل ده ؟! 

لا ده اكيد شيف عالمى 


- بجد عجبك كله انا اللى عملتوا ده اكل مطلوب منى 

ردت عليه والفرحه تتمالكها من الداخل 


صفق بيده عاليًا قائلًا : 

- لا بجد شابوه انا خلاص مش هاكل غير ايدك بعد كده 

المهم نبدء من جديد 

ضياء المحمدى .دكتور جراح تجميلى 


بابتسامة واسعة بادلته التعارف : 

كيان عاصم عز الكومى 

رابعة اداب تاربخ.. شيف مبتدئة 


كيله طفح منهما فاردف باغتياظ : 

- خلصت حفلة التعارف اتفضل قول جاى ليه ؟! 


هبط من على الرخامة : 

- طبعًا البيه فيجتريان محروم من النعم ديه 


التو فمه ساخرًا وهو يرمقها بنظرة ذات مغزى بينما 

هى نظرة له باستعلاء وتابعت عملها 


***


- انا كلمت كيان وشكلها حد لذيذ ويارب تطالع زى 

منظر اكلها

 دمها خفيف كمان على واتس لو كده هعتمد 

عليها الفترة الجايه 

قال طاهر جملته بتلقائية وهما يجلسوا معًا فى المطعم  بينما هى تبدلت ملامحها وصمتت لحظه ثم ردت مندفعه : 

- هى اكيد مش فاضيه هى بتدرس وديه اخر سنه ليها 


اشتعل الفضول برأس طاهر  فهتف : 

- انا مش مصدق انها بتدرس هى فى كلية ايه 

بس انا بحب النوع ده اللى مش بيفرق معاه لا سن 

ولا وقت المهم تحقق هدفها 


اجابته بضيق : 

- معرفش فى كلية ايه كانت قالت قبل كده ومهتمتش 

بتفاصيل اوى يعنى 

ثم استرسلت بارتباك : طاهر معلش عايزه اروح 


عقد حاجبيه من تحاول حالتها ثم مزحها : 

- كل ده عشان عزمتينى  خلاص هحاسب انا 


لم تتحمل بيلا مزحته فنهضت واقفه تهتف : 

- اسفه بس تعبت فجاءة يا طاهر محتاج اروح 


التقط سلسال مفاتيحه وهاتفه قائلًا بتوجس : 

- تعبانه تروحى المستشفى طمنينى 


- لا حاجه بسيطه هروح ارتاح 

قالت جملتها وهى تحمل حقيبتها وتحركت خارج اعتاب المطعم وهو خلفها قائلًا : 

- طب اواصلك طيب عشان اطمن 


- لا ميرسى يا طاهر انا لما هوصل هطمنك 


****


يستمع له مهتمًا ثم لوى فمه ساخرًا وهو يقول : 

- ايوه وانا مالى بكل ده بقالك ساعه بترغى خير مش 

فاهمك..

 او فاهمك ومش عاجبنى الحوار 


تنهد بعمق وهو يحاول تهدئة نفسه ثم اردف : 

- يا جدع مالك بقيت قفوش كده وانا جاى اشحت 

منك عايزك معايا بس فى الافتتاح الله مش ديه 

الشركه المصممه لينا 


هز كنان رأسه بنفى ليقول : 

- تؤ تؤ وانت رايح تجامل الشركة بقى ولا صاحبة 

الشركة أنا وضعى ايه


قطع حديثهم رنين الهاتف عقد ضياء حاجبيه قائلًا : 

- ده رقم دولى شكله ماما او مامتك عايزه تطمن 

عليك اصلى بقيت سكرتير بتاعك 


ثم نهض وتوجه نحو الشرفه ليجيب على الاتصال 

بينما كنان توجه صوب المطبخ مداعيًا العطش 

وقف على اعتاب المطبخ المفتوح ثم حمحم : 

- عاوز كوباية ميه بس اكيد مش هعرف ادخل 


اخذت تبرطم ببعض الكلمات ثم وضعت كوبًا من الماء 

امامه، فارتفع حاجبه تلقائيًا : 

- كل ده عشان كوباية ميه ما انتى كنتى فاتحها مائدة 

الرحمن من شوية هنا .. بعدين هو دكتور تجميل تقوليلوا اتشرفت وانا تقولى دكتور نفخ صح ؟!!


اجابته بنبرة بارده وتعمدت اغاظته : 

- انا بردو ليا نظره فى بنى ادميين وده شكله يدى دكتور 


جز باسنانه على شفتيه السفلى ويضع كوب الماء بعصبيه على سطح الرخامى فأدى إلى سقوط الكوب وسكب الماء منه قائلًا : 

- قصدك ايه ؟! 

لا تصدقى انا حتى مش عايز اعرف قصدك لانه ميفرقش معايا 


استدار كنان وخطى خطوتين فقط وكان ضياء يقف 

امامه يهتف : 

- ديه  بيسان خطيبتك ..


روح بلا مأوى (٥)

     ***

الفصل الخامس 

   ***

الاحتواء ليس صعبًا لكنه يتطلب ثقة كل طرف بالأخر 

   ***

الصدمة نزلت عليه الجمت لسانه وحواسه رمقه بنظرات 

نارية جزًا على شفتاه السفلى وهو يحذره من استكمال حديثه ثم استدار 

سريعًا ليرمقها وجدها تنهض من الارض كانت تجفف 

الماء ويبدو عليها انها لم تسمع شئٍ، بينما هى رمقتها باغتياظ ثم هتفت بحدة : 

- اييييه واقفين بتفرجوا على ايه ؟!


رفع ضياء يديه دلالة على الاستسلام هاتفًا : 

- أنا ماليش دعوه 


لكمه فى كنان فى كتفه قائلًا : 

- انجز يا عم المسالم انت 


تحرك معه صوب الشرفه ثم اقترب منه : 

- انت يا بنى ادم غبى ايه خطبتك ديه قدامها ها 


مال ضياء رقبته نحو اليسار قليلًا وهو رافعًا احدى حاجبيه : 

- هى ايه الحكايه بظبط ؟! 


- ولا حكايه ولا روايه الموضوع كله البنى ادمه اللى جوه ديه انا معرفش عنها حاجه غير انها فى نظرى 

حراميه .. كمان بيسان لسه مش خطيبتى ديه مجرد 

كلام بين الامهات مش اكتر مفيش حاجه رسمى 

قال جملته بتلقائيه رافعًا حاجبه باستهزاء، قهقة 

ضياء عاليًا قائلًا : 

- طب والله قولت انت جاى هنا مش عشان توريط اسم ابوك بس عشان تهرب من بيسان..


حك ضياء ذقنه بتفكير ثم رمقه بنظره ذات مغزى : 

- بس انت قد كلام ده .. ده نهلة هانم لو سمعتك 

تقلب الدنيا مراجيح وتركب على مقشه زى الساحرة الشريرة.


قاطعه كنان محذرًا : 

- متنساش انها امى اتلم 


ابتسم بمكر : 

- مين اللى جاى معايا الحفله بكره ؟! 


- مش انا ماليش فيه 


جلس ضياء على المقعد خلفه واضعًا قدمًا فوق الأخر 

قائلًا بخبث : 

- اولًا ده افتتاح مكتبه يعنى كتب وهتلاقى مزاجك 

ثانيًا واوعى تفهمنى غلط اصلى ممكن كلمه توصل لانطى نهلة على جو كرومبو اللى انت عاملوا والبحث عن الجريمه ده وان حياتك فى خطر  .. او طبق اكل من ايد كيان فقول انها 

احسن من خطيبتك تنكه هانم ..


توسعت عيناه بذهول من الصدمة : 

- ضياء انت بتساومنى انت اتجنتت 


صمت للحظه قبل ان يوجه بصره نحو طيف الواقفه هناك قائلًا  : 

- الضرورات تبيح المحظورات 

عايزك معايا انا حاسس انها مش طايقانى وده وحش 

فحق تاريخ الصياع بتاعنا


نظر له باشمئزاز ثم اردف بتفاخر : 

- لا حاسب انا تاريخى زى الفل

بعدين حاسس مش متأكد ؟!

 انا مش عارف انا مستحملك فى حياتى ليه ؟! 


صمت للحظه مفكرًا ثم اجابه : 

- الحب يا كيكو بقى 


*****


اشرابت بفيروزتها إلى السماء  التى غابت شمسها

لتحتجب خلف تلك الغيوم الرماديه الكئيبة مثل روحها 

تخرج زفيرًا  من فمها تشعر وكأن 

روحها تتبخر مثل الهواء المنبعث من فمها، قلبها محطم 

هل هى بالفعل عشقت طاهر تنهدت بأسى قطع شروها 

والدتها هامسه : 

- بيلا واقفه عندك ليه كده؟! 

وقافله الفون بتاعك ليه ؟! 

طاهر اتصل عشان يطمن عليكى 


انعقد حاجبيها تهمس باستنكار   : 

-طاهر ؟! 


هزت والدتها رأسها بالايجاب : 

- ايوه كلمى كان قلقان عليكى ؟! 

هو انتى تعبانه ؟! 


نظرة لها بأعين خاوية قائلة : 

- لا بس عشان ضغط الافتتاح متقلقيش 


لم تقتنع بحديثها لكنها انصاعت لرغبتها فى الا تضغط عليها فى الحديث مردفه : 

- طب ادخلى حبيبتى ريحى ونامى قبل الافتتاح 


هزت رأسها فى صمت وسارت خلفها ثم اغلقت الشرفه 

وتوجهت إلى الفراش تجلس ثم انحنت لتخلع الجهاز 


****


مر اليوم التالى سريعًا بدون احداث تذكر حيث جاء 

الموعد المحدد للافتتاح كان افتتاح ذو طابع كلاسيكى 

يتناسب مع شخصية بيلا، الاجواء هادئة والموسيقى 

هادئة ولجا كنان يرتدى حليته السوداء، وضياء الذى كان يرتدى قميصًا وبنطال باللون الاسود ويحمل هدية معه 

يبحث عنها بانظاره فوقع بصره عليها وهى تقف 

مع طاهر لا يسمع من حديثهم شئٍ ولا يرى سوى 

ابتسامة تزين ثغرها لا يعلم لَمِ شعر بضيق 

فى صدره تنهد واشار لكنان برأسه نحوها وهو 

يسبقه بخطوات فتباعه حتى وقف امامها ثم تحمحم : 

- مساء الخير 


استدار له طاهر بترحيب مددًا يده : 

- دكتور ضياء نورتنا بجد 


حاول ان يتغاضى عن صيغة المثنى التى يجمع نفسه 

معاها دائمًا ابتسامة فاتره قائلًا : 

- بنورك .. دكتور كنان شريكى 


- اتشرفنا 

تلك الكلمة التى اردفها معًا كلا من بيلا و طاهر 


ابتسم كنان ثم قال بنبرة هادئة : 

- الشرف ليا التنظيم بتاع الافتتاح على مستوى عالى 

بجد كده انا هطمن على شغلنا.. بس هو ده اكيد ذوق 

حد بيحب الكتب طبعًا


تحولت فجاءة لطفلة صغيرة سعيدة بالاطراء قائلة بنبرة طفولية : 

- بجد يعنى الافتتاح والاجواء حلوه انا تعبت عليها 

اوى .. بس متقلقش يا دكتور شغلك مش هيقل عن

كده نهائى 


اغمض عيناه بانفعال فهى لطيفه مع الكل سواه ثم 

فتحها هو يمد يده نحوها بالهدية، فرفعت اهدابها 

إليه باستيحاء ثم همست برسمية : 

- ميرسى .. ماكنش فى داعى تعبت نفسك 


كاد أن يختنق من طريقتها، فاستئذن طاهر ليرحب 

ببقية الضيوف وانسحبت هى ايضا بلباقة لتنضم 

لصديقاتها 


جاب كنان المكان بعيناه بانبهار ثم وقعت عيناه على

من يشتعل بجانبه فهز رأسه ضاحكًا : 

-ايه يا عم المشتعل مالك ؟! 

اوعى تكون بتحب وغيران وكده 


فاقترب منه ليردف بحزم ونبرة الضيق لم ينحج فى 

اخفأها : 

- مش فاهم مالها بتحاول تتجاهلنى ومش طايقنى 

ده غير الاخ طاهر الملزق اللى بيتكلم بصيغة إنهم واحد


قهقة كنان على حالته قائلًا بخبث :

- انت غريب ياجدع مش يمكن واحد فعلًا

سيبك الحفلة مليانه مزز تفتح القلب


- الصراحة ملبن بس انا بحاول اغض بصرى 


ابتسم كنان بتهكم قائلًا : 

- لا وانت اللهم قوى ايمانك اومال ايه ملبن ديه 


****


بينما على الجانب الاخر اصدرت تأوه خافتًا اثر ارتطمها بحائط بشرى ادى إلى 

وقوع حقيبتها ارضًا رفعت عيناها تنوى الاعتذار فهى 

كانت تسير فى عُجاله لكن عندما انصدمت بعيناه تحولت ملامحها لشراسة : 

- احنا هنستهبل بقى ؟! 


صمت لحظة ليهتف بنبرة مشدوهة : 

- انتى تانى ؟! 


عقدت ذراعيها امام صدرها وهى ترمقه بنظرات استحقار قائلة باستهجان : 

- والله !!

ده على اساس انها مش مقصودة 


تمتم مستغفرًا وبداخله مستعجبًا من تشبه الشكل والطباع بينما يميل برأسه ناحية اليمين ثم قال بابتسامة ساخره : 

- اكيد مش هوصل لكده يعنى .. بعدين انتى مكبرها 

فى حق نفسك 


توسعت عيناها بذهول وكادت تمطره بوابل من الشتائم 

لكنها صمتت  ومازالت متشبثه بنبرتها الغاضبة : 

- انت قليل الذوق ولولا الافتتاح كنت عرفت رديت عليك كويس 

ثم همست بنبرة خفيضة : 

- دلوع مامى اوى 


إلتقط أذنه همساتها، لوهة شعر برغبة فى صفعها لكنه 

تسلح بقناع البرود وهو يحك ذقنه قائلًا  : 

- دلوع مامى بس اعجبك اوى 


انفرج فاهها مصدومة من جرأته فهزت رأسها بيأس 

وتجاوزته، بينما هو وضع يده على صدره هامسًا : 

- لسانها عايز قصه بس عسل 

***


- مش ديه كيان مراتك اللى جايه هناك ديه 

تلك الجملة اردفها ضياء 


رفع عيناها يطلعها كانت ترتدى فستانًا اسود وحجابها 

الوردى الذى يتماشى مع بشرتها الحلبيه، تمعن النظر بها 

وهو يفكر فهو لم يفهما حتى، الآن وما دفعها للجوء لشقتهم، فهو عاش معها لكنه يجدها 

خليط غريب من الغموض والحيرة والالم والطفولة 

والأهم التسامح بداخلها طفلة تتراضى بكلمةٍ 

صدح صوت ضياء مناديًا : 

- كيان 


رفعت نظرها لهم فى نظرة سريعة ثم تحاشت النظر إليه 

وهى تتقدم بخطواتها نحوهم قائلة : 

- اهلًا 

 انتوا هنا ليه ؟! 


بادرها ضياء بالحديث : 

- احنا هنا مدعوين الانسه بيلا هى اللى بتصمم افتتاح 

المركز التجميلى بتاعنا 

انتى تعرفيها ؟!


ردت سريعًا وهى تهز رأسها كى تنهى الحوار وتنصرف : 

- انا بتعامل مع الانسه بيلا من فتره 

انا متعهدة الأكل بتاع الاحتفال 


كل ذلك وكنان يراقب ربكتها فى الحوار وهى تحاول 

أن تنهى الحوار معهم، يشعر انها تعانى من اضطربات 

نفسيه، تضع حاجز بينها وبين العالم الخارجى 


بينما توسعت عين ضياء بسعادة قائلًا : 

- بجد يعنى طلع ذوقها عالى زى فى الأكل 


- مش فاهمه تقصد أيه  !! 

سألته مستفسره عند قصده، ثوان وكان البوفيه يفتح 

ورفع بصره وجد بيلا تتوجه مع صديقاتها فقال : 

- لا متركزيش بس عن إذنكم مقدرش افوت الاكل 

والجمال ده 


قال كلمته وهو يغمز بعيناه لكنان ثم انصرف أما هى 

فلم تعيره انتبه وتقدمت تقف على بعد خطوات تراقب 

ردود الافعال على الطعام وهى تأكل شفتيها بتوتر 


بينما على بعد خطوات وقف كنان يراقبها هو لا يصدق 

انه تزوج من فتاه لا يعرفها لا يعرف عنها شئٍ، لا يصدق 

انه تزوج من لصه، تنهد بثقل ففى النهاية هى ضحية 

الدناءة والخسة لمن يغشون فى مواد البناء ولا يهتمون

بالاطفال والكبار هدفهم الاول والاخير الرابح ولسوء 

حظه تورط والده فهذه الصفقات المشبوهه تقدم ووقف

بالقرب منها وهو يضع يد فى جيب بنطاله والأخرى يقرص مؤخرة انفه قائلًا : 

- على فكرة اللى هيشوفك كده هيفتكر حاجه من الاتنين اما اول مره تشوفى الأكل اما حاجة تانيه 


استدارت له بحدة وهى تمتم مغتاظة : 

- تقصد أيه ؟! 


رفع كتفاه بلامبالاة ثم نظر امامه ونظرة هى ايضًا امامها مداعيه البرود والثبات بينما التوتر جلى على 

ملامحها ثم قالت : 

- ما يهمنيش رأى حد وانت حر فى تفكيرك 

بنى ادم مستفز اوى 


دنى منها اكثر بشكل ملفت وهو يجز على شفتاه السفلى وبابتسامة صفراء قال : 

- انتى قد الكلمة ديه ؟! 


ابتلعت بصعوبة وهى تجوب بعينها المكان قائلة : 

- انت ازاى تقرب منى كده انت اتجنتت 


ابتعدت عنه وهى ترتجف فأول مره رجلًا يكون بهذا 

القرب انصرفت مسرعه بعيدًا بينما هو هتف بنبرة 

مشاكسة : 

- انا مش هسيبك إلا لما عرف حكايتك 


****


- على فكرة انتى النهارده جميله اوى 

تلك الكلمات اردفها ضياء وهو يقف خلف بيلا 


استدارت بيلا والامتعاض على ملامح وجهها بقوة : 

- المره ديه سمعتك كويس هاا ؟! 


استكمل حديثه مراقبًا ملامحها وهو يحاول سبر اغوارها : 

- اجمل اميره فى الحفله النهارده، ده حقيقى واللى سمعتى حقيقى ومش معاكسه، بس انتى واضح ان 

شخصيتك عصبيه 


رمقته بنظرات هادئة حزينه، ملكومة مثل روحها 

هى دائمًا تشعر بعجزها ولم تقدر على تجوزه فهمست : 

- تملى الحقيقة مش كاملة ومش كل اللى بتشوفوا 

عينينا صح ولو سمحت مبحبش النوع ده من المجاملات عن إذنك 


وقف ينظر فى اثرها مصدوم، إهدار لكرامته غير 

مسبوق  ولا يعلم لِمَ العنف فى ردود افعالها 


**** 

انتهى الحفل وسار كنان بخطوات خارج مكان الحفل 

لمحها تقف فى زواية وتعبث فى هاتفها فاقترب منها 

يقف امامها قائلًا : 

- يلا 


رمشت عدة مرات تحاول ادراك مقصده ثم عقدت حاجبيها متسائلة : 

- يلا ايه ؟! 


- هوصلك 


تحولت ملامحها لتمرد والعناد قائلة : 

- لا شكرًا انا طلبت اوبر 


يشعر بالغضب يتصاعد داخله استنزفت طاقته اغمض

عيونه المشتعلة ثم تحدث من بين اسنانه : 

- بقول يلا انا مش هقف كده كتير 


عقدت ذراعيها امام صدرها وهى ترفع انفها بعلو : 

- محدش قالك تفف اتفضل 


فى لحظة كان يقبض على  معصمها ويجرها خلفه إلى السياره، توقف امام السياره فاتحًا الباب وادخلها السيارة 

واغلق الباب خلفها ثم استدار هو ليجلس على مقعد القيادة ثم مد يده يفك رابطة عنقه 


بينما هى كان يشتعل وجهها غضبًا من سحبها خلفه 

التفت له قائلة : 

- ممكن افهم بقى ايه اللى انت عملتوا 


شملها بنظرة ثم نظر امامه قائلًا : 

- مزاجى اعتبريها جدعنه منى 


رفعت حاجبيها وهى تهز رأسها بحنق ثم همست بصوت وصل لأذنه : 

- سمج اوى 


توسعت عيناه بذهول فلسانها اصبح طويلًا توعد لها بداخله، اما هى تجاهلت حديثه ثم اخرجت الهاتف تطالع صفحتها الاجتماعيه على موقع التواصل الاجتماعى 


بعد مرور نصف ساعة كان يصف سيارته امام المسكن فنزلت وركبوا المصعد، وما أن ولجوا الشقة اغلق الباب يسحبها من يديها ولصقها بالحائط خلفها ووضع يده يستند على الحائط فوق رأسها ودنى من اذنها يهمس : 

- انا ايه عيدى تانى كده ؟! 


حاولت السيطرة على رجفة جسدها بسبب قربه بهذه 

الطريقة، صوت انفاسها سار مسموعًا اجابته بتقطع : 

- لو سمحت كده ميصحش ابعد 


دنى منها اكثر وهو يمسك طرف حجابها يبتسم بتلاعب 

على حالها : 

- خلينا كده لحد ما تفتكرى بقى


اغمضت عيناها بقوة وضربات قلبها تتسارع حتى كاد 

أن يخرج قلبها من بين ضلوعها من فرط التوتر والخوف


التو ثغره بابتسامة ساخرة هامسًا ببحته الرجوليه : 

- طلعنا مش اد كلامنا 


فتحت عيناها وتلاقت بعيناه فرمشت باهدابها عدة 

مرات قائلة ببراءة الاطفال : 

- ماكنش قصدى، لو سمحت ابعد كفايه كده 


استقامه فى واقفته يدس يده فى جيب بنطاله 

قائلًا : 

- كفايه عليكى كده مش هعديها تانى ماشى 


انطلقت من امامه نحو غرفتها، فابتسم وهو يحك مؤخرة رأسه 


روح بلا مأوى (٦)

     ****

الفصل السادس

    ***

فى بعض الاحيان تجبرنا الحياة على تجاهل اشياء، 

وأن نصمت ونبتعد ونحن بأشد الحاجة إلى الوصال 

لكن هذه ما تسمى بعزة النفس 

    ***

وقف ضياء يحاول كبح مشاعره فى الاقترب منها ثانيةٍ 

يطالعها من بعيد وهى وتفف وسط صديقاتها، بالأخير 

انحلت عقدت قدميه وسار إليها بعد ما انصرفت صديقاتها، وقف خلفها ثم تحمحم فالتفت له باشراقة 

لم تر العين فى جمالها فقال : 

- كده كتير عليا والله 


بدت علامة استفهام على وجهها وسألته ببراءة : 

- فى حاجه يا دكتور ضياء ؟!


تنهد ضياء وهو يحك مؤخرة رأسه : 

- ضياء بس كفايه من غير دكتور 


هزت رأسها بالايجاب : 

- تمام 


ثوانٍ وانضم لهم طاهر بابتسامة واسعة : 

- ايه رأيك بقى يا دوك فى شغلنا 


اجابه بابتسامة فاترة وهو يجز على اسنانه : 

- جميل اوى زيك ياباشمهندس 


ثم استرسل موجهًا حديثه لبيلا : 

- الوقت اتاخر تحبى اوصلك فى طريقى 


قهقهة طاهر وهو يضرب كتف ضياء بخفة قائلًا : 

- لا ديه شغلتى يا دوك انا بقيت السواق الخاص 

بتاعها، سواق الهانم كده


احتقنت ملامح ضياء وهو يتمتم بخفوت : 

- ابو غتاتك جدع رزل، دم أمك يلطش 


ظن طاهر انه يحدثه فسأله : 

-  بتقول ايه يا دكتور ؟! 


طالع بيلا بابتسامة واسعة : 

- ده انت محظوظ بس 


ثم انصرف ضياء واضعًا يده على قلبه قائلًا : 

- طب ليه الغدر والخيانه ديه، مش كنا متفقين مالناش 

فى جو الحب والتلزيق ده عجبك سحلتى ديه وراها 


*****


وقفت كيان امام المرأة وهى تفك حجابها، مدت يديها تتلمس وجنتيها 

المشتعلتين، لازالت اللحظات السابقة تسيطر عليها 

تنظر لنفسها فى المرآة وهى تتأمل نفسها بضعف 

قائلة بنبرة متألمة : 

- يارب ماليش غيرك عارفه انى غلطت بس استرها

معايا لحد ما جدع ده يمشى 


ترجعت للخلف ترمى بجسدها على الفراش لتقع فى 

النوم على الفور 


*****


فى صباح اليوم التالى 


وقفت على اعتاب الغرفة ترمق البهو بتوجس فوقعت عيناها عليه يرتشف قهوته، خطت قدمها للخارج بصمت

وهدوء، فما حدث ليلة امس جعلها تراه بشكل مخيف 

وقفت فى المطبخ بارتباك تعد الفطور 


لاحظ وهو يجلس على الاريكة المقابلة لمطبخ مدى توترها وتخبطها بين ادوات الطهى ابتسم وهو يقرص

مقدمة انفه محاولًا كبح ضحكاته على الفوضى التى 

سببتها فى المطبخ من اجل كوب قهوة، نهض من مكانه

يضع كوب القهوة الفارغ فى الحوض ثم وقف وراءها 

يبتسم قائلًا بجوار اذنها : 

- معقول، مش سامع صوتك 


ابتلعت ثم استدارت وهى تستند على الرخامة خلفها طرق على الباب انقذها منه  

فرمقها بنظرة سريعة ثم هز رأسه وتجاوزها ليفتح 

الباب، طالع وجه ضياء فالتوا ثغره قائلًا : 

- نعم على الصبح خلفتك ونسيتك مش كلها 

شويه وهقابلك 


اغلق ضياء الباب خلفه، وسار للداخل : 

- انت ازاى اصلًا تمشى امبارح من غيرى ما تقولى 


وهو يسير للداخل وقعت عيناه على تلك الواقفه فى 

المطبخ  فابتسم ثم جلس امامها على المقعد قائلًا : 

- صباح الجمال على اجمد شيف فيكى يا مصر 


تلاشت ملامح القلق والتوتر وابتسمت برقة ثم قالت : 

- صباح الخير  


- ده ايه الصباح العسل ده اجمل صباح ده ولا ايه ؟! 


صدح صوت كنان وهو يزمجر به فاكمل ضياء حديثه 

معاها  : 

- قولت اجى الحق افطر من إيديكى فطرتى 


هزت رأسها بالايجاب ولم تستطيع ان ترفع عيناها من 

ذلك الذى يقف امامهم كالبركان الثائر، التفت له 

ضياء ببرود قائلًا : 

- ورايا نتخانق جوه براحتنا 


******


وقف كنان وضياء فى الشرفه ينظران امامهم بصمت خرج كنان عن صمته قائلًا : 

- خير يا ضياء ؟! ايه اللى جابك ؟! 


صمت ضياء لحظة متنهدًا : 

- شاغله تفكيرى اول مره اللى بيحصل ده 

حابب اتكلم معاها اعرفها ومش مدينى فرصة 

والبنى اللى اسمه طاهر ده لازق ليها مش عارف 

حاجه عنها كنان الموضوع لازم حل حاسس انه هيقلب 

بجد


اغمض كنان عيناه وهو يسند بمرفقيه على سور الشرفه

ثم استقام فى وقفته معارضًا لحديثه : 

- اللى هو ازاى مش يمكن بجد بيحبوا بعض مالك ضياء 

مفيش تفكير، بجد ازاى من يومين ؟! 


ضياء بحزن بلغ ذروته تنهد قائلًا : 

-  مفيهاش ازاى وممكن من اول ساعة من اول نظره 

هى كده، على العموم متشغلش بالك سلام 


سحب كنان نفسًا طويلًا ثم فرك وجهه بيديه مردفًا : 

- استنى هنا .. انا هحاول اتصرف واعرف حكاية 

الاستاذ لازق ده 


أوما برأسه ثم ضيق عيناه كمن يحضر افكاره لسرقة مصرف : 

- هنعمل يا كبير نخطف طاهر ونهدد او نقتله ونرتاح منه


نظر لها بقلة حيلة ثم تحدث من بين اسنانه : 

- امشى يا ضياء استنى تحت هلبس ونروح ليها 

الشركة وانا هناك هعرف بطريقتى  


تحمحم ضياء : 

- طب هفطر مع كيان الاول 


- ضيييياء 

صاح كنان بغضب، بينما رفع ضياء يده دلالة على علامة 

الاستسلام وانصرف من امامه 


*****


وصلا ضياء وكنان لمبنى الشركة وسار كنان بكل 

هدوء وثقة مال عليه ضياء يهمس فى أذنه : 

- ده مكتبها اهو 


مال عليه كنان هو الاخر متسائلًا : 

- مكتب طاهر فين ؟! 


هما ضياء بالمعارضة فقاطعه كنان : 

- هششششش انا عارف انا بعمل ايه 


اشار ضياء على باب فى جهة اليمين فتقدم كنان 

وخلفه ضياء طرق على الباب ثم ولج للداخل 

ابتسم طاهر بترحاب  : 

- اهلًا نورتونا .. نورت المكتب يا دكتور كنان 


رمقه ضياء بنظرات حائرة، بينما تحدث كنان بثقة : 

- امم، قصدك تقولى يا دكتور عشان اقولك يابشمهندس 


قهقة طاهر : 

- ابدًا، خلاص كنان 


- طيب معلش الفتره اللى فاتت معرفتش اجاى مع ضياء كنت مشغول ممكن اشوف الشغل والتصميم 


تحدث كنان برزانة بينما رد عليه طاهر بعملية شديده 

وفتح حاسوبه وشرع فى فتح الملفات كان كنان 

يتابع باهتمام شديد بينما كان ضياء يجلس على 

الجمر، انتهى كنان اوما برأسه ايجابًا قائلًا : 

- لا الشغل ممتاز، ده كمان تصميم الافراح روعه 

اكيد بعد الافراح ديه كلها وشعل ده ناويت على 

الجواز 


اشار طاهر إلى صدره ثم هز رأسه بالنفى : 

- مين انا .. لا لا استحالة لسه مجتش اللى تهز قلبى 

وتهدم حصونه 


فجأة نط ضياء من على  مقعده صائحًا : 

- الله اكبر .. الله اكبر 


جز كنان على شفتيه السفليه لاعنًا غباء صديقه 

اما طاهر قطب حاجبيه باندهاش 

لاحظ ضياء تسارعه فجلس على مقعده وهو يطالع 

كنان بتراقب ضحك كنان قائلًا : 

- اخيرًا لقيت حد شبهك عشان كل ده 

اصل ديه وجهة نظر ضياء ومصدق لقى حد زيه 


لا يعلم طاهر لَمِ صورة تلك المشاكسة ظهرت امامه 

الآن، اومأ برأسه بالايجاب مردفًا : 

- كنان انت مش معانا ؟! 


رفع كتفه ثم قال غير مكترس للأمر : 

- الصراحة ماليش فى الجو ده، اصل بحس انه رومانسيات بنات مش اكتر، يعنى اكيد الانسه بيلا 

هى اللى تبقى نفسها مفتوحة لجواز بعد الشغل ده 


اجابه طاهر بكل بساطة : 

- لا بيلا بقى رافضه الفكره كلها حاسس اننا مش 

لايقين على الشغلانه ديه 


انهى جملته ثم نهض واقفًا مصافحًا طاهر قائلًا : 

- طب يدوب نلحق نشوف المركز .. اسف عطلتك 


*****


- انت غبى صح اللى عملتوا فوق ده 

تلك الجملة اردفها كنان بعصبية 


- ما خلاص بقى يا كنان عدت خلينا فى المهم هنعمل 

ايه دلوقتى مع بيلا ديه طلعت كده معقده 

اردف ضياء ساخطًا وهو يفتح باب السيارة 


توسعت عين كنان وهو يضرب سطح السيارة : 

- ايه هنعمل ايه ديه ؟! 

انا مالى لحد كده وخلاص اهى طلعت مش مرتبط اكتر 

من كده ميخصنيش وتبطل تحشرنى فكل حاجه 

ثم إنك بتفتح باب العربيه ليه ؟! 


رافع ضياء حاجبيه مستنكرًا سؤاله : 

- جاى معاك ياجدع انا جاى من غير عربيتى 


اشار كنان برأسه على الباب وهو يزمجر قائلًا : 

- اقفل الباب ده اقفلوا يا ضياء متعصبنيش 


اغلق ضياء الباب مبتعدًا عن السيارة وهو يرمقه بسخط 

ثوانٍ وكان كنان يجلس خلف عجلة القيادة وانطلق 

مسرعًا فاصدار غبارًا فى الجو، لوح ضياء فى الجو 

ليبعد آثار الغبار قائلًا : 

- ما تلاقى ماما اللى جايبهالك، اه لو امه سمعتنى 


*****


ولج طاهر لغرفة مكتب بيلا ثم اطلق صفيرًا : 

- سيدى سيدى بقالى ساعة بخبط اللى واخد عقلك 


ابتسمت باستيحاء فكيف تقول له أنه هو من يشغل 

تفكيرها : 

- بجد، سورى مانمتش كويس من امبارح الافتتاح 

طير النوم من عينى 


سحب المقعد وجلس امامها يسألها : 

- بجد عجبك ؟! 


- اووووى 

قالت جملتها والسعادة تغمر روحها، ابتسم ثم اعتدل 

فى جلسته متسائلًا : 

- بيلا هو انت تعرفى كل البنات اللى كانوا امبارح فى الحفل 


هزت راسها بالايجاب وبداخلها ينقبض تشعر بما هو قادم ابتلعت ثم اجابته : 

- اكيد كل اللى كانوا موجودين اعرفهم 


حك مرخرة رأسه قائلًا : 

- اصلى فى بنت كده كنت شفتها مرتين وكل مره 

يحصل بين تصادم، هبقى اجيب الفيديو وتقوليلى 

مين ؟! 


دب الصداع برأسها فقالت بتثاقل : 

- تمام


رفع نظره لها فورًا وسألها سريعًا : 

- صحيح الأكل كان روعه، ايه رأيك نتعقد مع البنت 

ديه وتبقى معانا فى كل الحفلات، انا ليه مش شفتها 

امبارح المفروض تاخد باقى حسابها هى فين 


تمتمت بوجه عابس : 

- المفروض تيجى النهارده او بكره وقت ما تيجى هبلغك 


***


فى المساء ولج كنان للشقة فوجدها تجلس على الاريكة وامامها التلفاز على احد القنوات الافلام الكارتونية ودموعها 

تغرق وجنتيها، تنظر دون ان ترى شئٍ او لا تعى شئٍ تضع يديها على شفتيها تحاول أن تكتم شهقاتها

ظل واقفًا خلف الاريكة يوزع نظراته بينها وبين

التلفاز لا يجد سببًا لكل هذا البكاء وكأنها فقدت 

احد افراد اسرتها للتو يرى العجز والخوف يسيطر عليها 


بينما هى كانت شاحبة كالاموات فاقدة الحياة، حاضره امام التلفاز تشاهد فيلم كارتونى بينما هى فى عالم اخر

من الذكريات، مشاهد محفورة فى ذاكرتها تظل تخترق روحها ظنت ان الوقت هو المعالج لها، وانها تعافت لكن 

مازالت روح الطفلة بداخلها تتألم 


استدار ليقف امامها تشنج جسدها فور رؤيته ونهضت 

مسرعة تخفى دموعها وهى تنظر للأرض لكن دموعها 

العالقة باهدابها اعاقة الرؤية فتعركلت فى طرف السجادة وكادت ان تسقط لولا يديه التى حالت بينها 

وبين السقوط قائلًا : 

- فى ايه مالك ؟! 

حصل حاجه ؟! انتى كويسه ؟! 


انفلتت منه مسرعه دون ان تنبث بكلمة واحده واندفعت إلى غرفتها تتوارى بين حيطانها اما هو تنهد بثقل وهو يرتمى بجسده على الاريكة خلفه قائلًا : 

- وبعدين بقى مع البنت ديه 


*****


فى صباح اليوم التالى 


- صباح الخير، طلبتينى ؟!

تلك الجملة اردفها طاهر وهو يجلس امام بيلا 


اغمضت عيناها وتنهدت بثقل قائلة : 

- صباح النور يا طاهر، كنت عايزك تحضر باقى حساب 

كيان هى جايه دلوقتى وبلمرة لو عايز تتفق معاها 

تبقى معانا 


طرق باصابعه على سطح المكتب ثم تحمحم قائلًا :

- تمام الحسابات جهزوا اصلًا، امممم انا كنت نزلت فيديو 

الافتتاح على الفون وكنت عايز اسالك على البنت 

ديه 


رمقته بنظرة مستاءة ثم عقدت حاجبيها بتشكك قبل 

ان تسأله : 

- هى مهم اوى كده ؟! 


ابتسم وهو يمرر يده بين خصلات شعره قائلًا : 

- هى الحكايه 


قطع كلماته طرق الباب، فرفعت بيلا نظرها صوب الباب 

فطالعت السكرتيرة قائلًا : 

- الانسة كيان بره 


هزت رأسها بعملية : 

- تمام دخليها 


ولجت كيان للداخل بابتسامة واسعة قائلة : 

- صباح الخير 


ابتسمت بيلا :

صباح ..


لكن طاهر لم يعطيها الفرصه لرد، بلحظة اصبح امامها 

وهو يقول : 

- انتى ؟! 


روح بلا مأوى (٧)

    *****

الفصل السابع 

   ****

ماذا لو اجبرت على الاختيار بين الحب والكرامة ؟!

   ****

اتسعت عيناها بصدمة ثم جزت على اسنانها لتردف بذهول : 

- انت ايه اللى جابك هنا ؟!


غمز لها بطرف عيناه قائلًا بخبث : 

- لا بقى ده انتى بتراقبينى وماشيه ورايا 


رفعت سبابتها فى وجهه ثم قالت بنبرة تحذيرية : 

- مسمحلكش، حاسب على كلامك معايا


لم تعد تتحمل الصراع بينهم اكثر من ذلك لتحدث بحدة : 

- هو فى ايه انتوا تعرفوا بعض ؟! 


عاد طاهر ليجلس على كرسيه ثانيةٍ، نظرت له كيان شرزًا لتردف : 

- معرفوش صدف غريبه او على حسب بقى


قهقة طاهر وهو يطرق كفًا باخر قائلًا : 

- بردو انت مصممه 


علا تنفسها الحاد من شدة مشاحنتهم التى ارعبتها 

من داخلها بشدة قائلة : 

- كيان لو سمحتى اقعدى عشان نتكلم 


توجهت كيان تجلس فى المقعد المقابل له وهى تتجاهل النظر إليه، اما هو يراقبها  بابتسامة واسعة 


اغمضت بيلا عيناها لبرهة ثم تحدثت وهى تشير 

بيدها صوب طاهر لتبدء فى تعريفه قائلة : 

- باشمهندس طاهر يا كيان شريكى وهو اللى ماسك 

كل حاجه معايا 

ديه كيان الشيف بتاع الاحتفال يا طاهر 


مازال طاهر ابتسامته تزين ثغره ليردف بتسلية : 

- اتشرفنا فرصة سعيدة يا انسة كيان 


زمت شفتاها وهى تطالع امامها ثم همست بخفوت : 

- شكرًا 


تنهدت بيلا واكملت حديثها : 

- طب يا كيان الباشمهندس عجبه الاكل والتنسيق 

وحابب تنضمى لفريق بتاعنا .. انا قولتلوا انك مش 

فاضية عشان انتى فى سنة رابعة 


قاطعها طاهر مسرعًا وهو يحاول اقناعها قائلًا : 

- طب سنه رابعة وكلها كام شهر وتخلصى وتبقى معانا 

ديه فرصة كويسة 


مازالت تنظر لبيلا وتتحاشى النظر إليه ثم تحدثت بعلو 

وهى ترفع رأسها عاليًا : 

- هفكر واشوف ظروفى وهبلغك ياانسة بيلا 


يبتسم رافعًا احدى حاجبيه وهو يطالع طريقتها الطفولية

ولم يبالغ ان قال انها كتلة لطافة متحدثة قرر مشاكستها 

اكثر : 

- طب هستنى ردك بقى متاخريش 


زمت شفتيها بغضب طفولى ثم نهضت واقفة ومدت يديها لبيلا لتصافحها ثم استئذنت قائلة : 

- عن إذنكم 


اولتهم كيان ظهرها وتوجهت صوب الباب وادرت المقبض وخرجت 


تحمحم طاهر ثم نهض واقفًا وهو يقرص مؤخرة انفه 

قائلًا : 

- عنيفة اوى، همشى أنا بقى


****

يسير ضياء و كنان معًا فى اروقت المشفى ليتفقدوا تجهيزات، كلما تذكر أن اعمال البناء اوشكت على 

الانتهاء واقترب موعد رحيله ولم يصل لهدف الاساسى 

وهو ايجاد ذلك المقاول، يتعكر مزاجه ويشعر بثقل 

على صدره، نظر له ضياء بطرف عيناه وادراك ما به : 

- ايه روحت فين ؟! مش عجبك التجهيزات 


تجول بنظره فى المكان من حوله ثم رمقه ثانية قائلًا : 

- ممتاز، بس كده الوقت بيجرى وموصلتش لزفت ده 


رفع بصره وهو يحاول ايجاد سببًا لاجباره على البقاء معه : 

- ونسافر  ليه ؟!

طب ما الفرع اللى فى دبى عمو بيديروا واحنا هنا 

هنبدء من الجديد ليه نسافر 


انحنى كنان برأسه نحو اليسار وقد اتخذت الصدمة 

معالمه، لم يصدق أنه سيفضل المكوث هنا فهو قد 

بذل مجهودًا كبير لأقناعه لافتتاح فرع لمشفى هنا فتحدث كنان باستنكار  : 

- انت عايز تقعد هنا ياضياء ؟!


مالت شفتيه لليسار بابتسامة ثم اكمل : 

- شكلى  كده او مش عارف انا بقول نأخر سفرنا 

شوية مين عارف 


اكتفوا بتحديق فى بعضهم بابتسامة ثم ربت كنان على 

كتف ضياء قائلًا : 

- هفرح جدًا على فكرة 

بس ازاى ده ؟! 


اشار ضياء إلى صدره حيث موضع قلبه مردفًا : 

- العضو المهزأ ده فى جسمى ده شكله هيسحلنى 


رفع حاجبيه متعجبًا من رده ثم ضحك بشدة 

لكنه توقف وهو يرفع معصمه وينظر فى ساعته قائلًا : 

- همشى أنا، فى حد وعدنى انه هيجبلى مكان الرجل ده 

خلينى اكون هناك، هو كمان كان واخد شقة ولحسن حظه انه مسكنش كان فرحه اخر الشهر 


*****


وقفت فى قسم الحسابات تأخذ باقى مستحقاته الماليه 

وقبل ان تمد يدها تاخذ ظرف مستحقاتها كان يسحبه 

هو للأعلى، عقدت ذراعيها امام صدرها قائلة : 

- وبعدين بقى بردو المره ديه صدفة برود 


اجابها بهدوء تام : 

- لا مش لدرجة ديه انا نازل مخصوص عشانك 

بس ياريت تصدقى ان المرتين اللى عدوا صدفة 

كمان بجد انت شبه حد اعرفوا 


تنهدت الصعداء ثم قالت : 

- يخلق من شبه اربعين، وصدقتك،  الظرف بقى 

عشان اروح 


انفرجت شفته بابتسامة واسعة قائلًا : 

- طب نبدء من جديد طاهر وانتى 


- كيان اتشرفت يابشمهندس 


ابتسم ثم مد يده لها بظرف فاخذتها ووضعته فى حقيبتها واندفعت للخارج لتغادر الشركة بأكملها

بينما وقف هو ينظر فى طيفها مسلوب الارداة 

****

وما أن تحرك طاهر من مكتبها فتحت سريعًا شاشة المراقبة فى الشركة لتشاهد ما يحدث وتأكدت شكوكها 

ما أن راته يقف معاها والابتسامة تزين ثغره

قضمت شفتيها بقوة تكاد تدميهم، شعرت بمرارة 

والحزن احتل ملامحها وقلبها يتألم همست من بين 

دموعها :

- ليه كده يا طاهر ثم استرسلت : 

هو ايه اللى ليه كده؟! 

 هو انا اتجنتت وهو هيبصلى ليكى ليه اصلا؟! 

انتى خلاص اتأقلمتى  انك لوحدك


سمعت صوت خطوات تقترب من باب مكتبها فرفعت 

رأسها تمسح دموعها سريعًا فهى اعتادت ان تبقى 

كنجمة وحيدة فى سماء العتمة ..


*****


عادت إلى شقتها وهى تلعن كبريائها الذى جعلها تتردد

فى قبول عرض مثل هذا، رميت حقيبتها على الاريكة 

وسمعت صوت عاليًا يأتى من غرفته، تقدمت على طرف 

اناملها صوب غرفته وطالت من فتح الباب الموارب 

فكان يوليها ظهره ويبدو أنه يتحدث فى الهاتف  

بانفعال فوقفت على اعتاب الغرفة تسترق السمع 

إليه فكانت كلماته مريبه : 

- اسمع بس عشان نخلص كل حاجه من غير 

لما يبقى علينا حاجة انت بس هاتوا على مكان 

اللى قولتلك عليه والباقى عليه 

- ده انا هطلع مش بس قلبه لا كمان هطلع عينه 


خرجت شهقه منها دون قصد، فالتفت سريعًا وجدها تقف فى غرفته وتضع يديها على فمها، اقترب منها 

بقبض على معصمها : 

- انتى ايه اللى دخلك هنا ؟! 


كيان بخوف جلى وتوتر يبدو على ملامحها :

- تجار اعضاء، انت طلعت تجار اعضاء 


اشار لنفسه وعيناه تنذر بانفجار بركانى : 

- انا تجار اعضاء انتى اتجننتى 


أومات براسها بالايجاب مؤكدة على كلامها : 

- اومال اللى بيتاجر فى القلب والعين ده ايه ؟! 


رمقها بنظرات محتقنة ومغتاظة واجابها وهو يجز على اسنانه : 

- لا طبعًا انا مش تجار اعضاء 


فى ثانية كانت تملصت من يديه وتقفز فوق الفراش 

خلفها وصاحت برعب وهى تضرب بكفها على صدرها :

- مش تجار اعضاء يبقى اكل لحوم بشر مالهاش حل تانى

بس طب قبل ما تأكل اعضائى موتنى الأول

ما هو انا مش عايزه اتعذب 


طرق كفًا بأخر وهو يحرك رأسه يمينًا ويسارًا قائلًا : 

- لا تاجر اعضاء ولا اكل لحوم البشر انزلى من عندك

كل الحكاية ده واحد عملى شغل غلط وكلامى ده مجاز 


ابتلعت بصعوبة وهى تطالعه بتوجس : 

- ده بجد ؟!


ضرب بكفه الحائط لعنًا حظه الذى اوقعه فتلك المعتوه : 

- انزلى من على السرير وبلاش تتفرجى على افلام رعب كتير 


انزلت قدميها على الأرض وهى تشعر بالخجل من غباءها فتحدثت براءة وهى تتجاوزه للخارج قائلة: 

- انا مش بتفرج على رعب انا اخرى قنوات طبخ 

وكارتون بس 


قبض على معصمها برفق وهو يسألها : 

- انتى كنتى منهاره من العياط امبارح ليه ؟!


هزت رأسها بالنفى وقد بدت الدموع تغزو عيناها فاجابته كاذبة : 

- مفيش عادى 


التو فمه ساخرًا لا يصدقها لكنه سيتركها حتى يحين الوقت ..


****

تركها وتوجه لصنع بعض القهوة التى بات عقله يطالبه 

بها مع تزاحم رأسه بالكثير من الأفكار فشرد فى التفكير 

ولم ينتبه للقهوة المتساقطة على الموقد لكن انتزع عقله 

من شروده صوت صراخها وهى تقف خلفه : 

- يالههههوى انت بتعمل ايه القهوة كلها بقت على بوتجاز 

بهدلت الدنيا 


رمق الموقد ثم رمقها بتهكم قائلًا : 

- الصراخ ده كله ليه عشان القهوة فارت 


جزت على اسنانها وهى تلوح بيديها قائلة : 

- ما تفور القهوة فى داهيه البوتجاز يابشمهندس مش بحبه 

يتبهدل كده ماكنش خربوش قهوة 


ضيق عيناه وهو يقترب حتى التصقت بالحائط قائلًا : 

- انا باشمهندس مش قولتلك بلاش انا 

وايه خربوش ديه 


ابتلعت لعابها بصعوبة ثم اردفت : 

- يا دكتور ميصحش كده 


قهقة عاليًا وهو يهز رأسه مبتعدًا عنها : 

- دلوقتى بقيت دكتور، يعنى عارفه إنى دكتور وبتحاولى تستفزينى صح ؟! 

وايه خربوش ده؟!


أومات له ثم تحدثت بعينين لامعتين من دموع : 

- انت ممكن تروح تقعد بس وانا اللى هعملك القهوة 

يادكتور 


طالعها بتحفز وتوتر وهو يشاهد رجفة جسدها ثم غمغمة : 

- تمام


*****

دلف طاهر إلى منزله وتوجه صوب غرفته ومد يده 

يفتح الباب لكنه انصدم من تلك التى تخرج من غرفته 

عض على شفتيه محاولًا السيطرة على غضبه قائلًا : 

- خرج من اوضتى ليه يا هاجر ؟!

مش أنا قولت متدخليش اوضتى ؟!


رفعت هاجر احد حاجبيها بخبث وهتفت : 

- ايوه بقى ليه مدخلش ؟!


حاول ان يتمالك غضبه لأخر لحظة امامها فهى لاتنفك 

عن اخراج اسوأ ما به : 

- انتى مالك اوضتى وانا حر 


- اسباب مش مقنعة 

اجابتها وهى تضع يديها فى وسطها وتتمايل بخصرها، 

اعتلت الصدمة محياه ثم صاح بها بغضب : 

- هااااااجر 


فى هذه الاثناء اتت والدته من الداخل مسرعة 

وقطبت حاجبيها بتساؤل : 

- فى ايه يا جوجو ؟!

مالك يا طاهر ؟!


جحظت عين طاهر بذهول مستنكرًا : 

- مين ديه اللى جوجو ؟! 


رفعت هاجر حاجبيها وهى تشير لنفسها : 

- انا جوجو ايه مش عجبك، تعيش مرات خالى وتدلعنى 


ضم طاهر شفتيها بغيظ ثم تحدث قائلًا : 

- مرات خالك تدلعك بعيد عنى، وانا مش قولت يا ماما 

محدش يدخل اوضتى نهائى 


صاحت والدته بنفاذ صبر : 

- جرى أيه يا طاهر جوجو كانت بتساعدنى كتر خيرها 


وقفت هاجر وهى ترتسم الحزن ثم هتفت مداعيه البكاء : 

- سبيه يا مرات خالى هو انا عشان يتيمة بيعمل معايا كده 


اشفقت والدته عليها وضمتها إلى صدرها ونظرة لأبنها 

بلهجة امره لا تقبل النقاش : 

- اعتذر يا طاهر 


- وربنا ما يحصل ولا هعتذر 

ده هى فى قمة سعادتها من يوم ما عمتى ماتت

 صلى على نبى قال يتيمة 


علمت ان حيلتها لم تنفع فاستخدمت اخر وسيلة 

للدفاع وهى الهجوم انتفضت من حضن زوجة خالها قائلة : 

- وانت بقى الأوضة فى ايه مش عايزنا نشوف 

داهية لتكون بتجيب مجالات مراهقين ولا بتفرج 

على حاجات اعوذبالله 


تهالكت اعصابه ثم وجه حديثها لوالدته : 

- عجبك كده اطلع بروحها دلوقتى 


ضربت امه صدرها بصدمة : 

- يالهههوى يا طاهر السكة ديه اخرتها وحشه 


ضرب الجدار بيده وهو على وشك الخروج بروحها : 

- ماما اسكتى الله يسترك 

هاجر انتى قاعده عندنا ليه امشى انزل عند ابوكى 

وبعدين انتى مش سامعه ساهر ابن خالك اللى ادك 

طول النهار مذاكرة صوته مسمع البيت كله مفيش اى احساس بالغيره 


زمت شفتيها بضيق ثم اردفت :

- كل واحد وطموحوا 


- وطموح الهانم ايه ان شاء الله 


رفعت رأسها بعنجهيه وعلو : 

- اتجوز 


فرك وجه بيده وهو يتمتم بغيظ : 

- فين الطموح فى كده ومستعجله ليه انتى كبيرك 

اسبوع وتتطلقى ديه جينات عمتى


دلك جبينه فرؤيتها اصابته بدوار توجه نحو غرفته 

ودخل ثم اغلق الباب فى وجهها اما هى همست : 

- براحتك بكره تيجى تحف على بابى بس الصبر 

يا طاهر


روح بلا مأوى (٨)

     ****

الفصل الثامن

   *****

رغبة الحقيقة فى الحياة تأتى عندما نتمسك بالحياه بقوه نبتعد عن ما يحزنا ونتمسك بأمل جديد

   ****


مضى يومين عليها كدهر تغيبت عن عملها بحجة 

التعب والارهاق لم يخضع عقلها لنوم او يتوقف 

عن التفكير فى حال قلبها الاجوف الذى اعتاد الوحدة 

لكنها هذه المرة لملمت شتات روحها سريعًا وقررت 

حجب الحزن والضعف عن حياتها وأن تسير بعزم 

وقوة وتنظر للحياة بايجابية وتتجاوز عقباتها 

فهى افضل من غيرها تنهدت بعمق وهى تنظر حولها 

فى حديقة المركز قاطع شرودها صوت طاهر : 

- شكله مركز كبير والحديقة بتاعته واسعه عشان 

شغلنا، بس قوليلى انا حاسك متضايقة مش فكرة 

ضغط بس 


اخدلت كتفيها ثم همست بنبرة يغلب عليها الحزن : 

- شوية ضغوط كده بس تمام انا احسن دلوقتى 


-المكان نور وزاد جمال على جماله 

كانت هذه كلمات ضياء وهو لا يصدق نفسه أنه يراها 

امامه الآن، هز كنان رأسه من الخلف على افعال صديقه ثم تقدم بابتسامة واسعة، انضموا يجلسوا فى الطاولة معهم فقامت هى بفتح الحاسوب وبدءت فى شرح التنظيمات بمهنية 

عالية وهى تشير إلى أركان الحديقة، صدح رنين 

هاتف طاهر فنهض وقد استئذن ليجيب على هاتفه 

ثوانٍ ونهض كنان وهو يغمز بعيناه خلسة لضياء 

الذى فهمه مقصد صديقه وهو يقول  : 

- طب ضياء تكمل انت مع الأنسة بيلا 

وانا هتابع الشغل جوه 


ابتسم ضياء وأوما بالايجاب قائلًا : 

- تمام


رحل كنان بينما ضياء وجه نظره إليها قائلًا  : 

- تمام اتفضلى كملى 


رفعت كتفيها ثم اجابته بنبرة هادئة : 

- كده خلصت خلاص فى اى تعديلات 


- بعد اللى قولتيه والعظمة ديه مفيش 

ابتسمت لمجاملته فتحمحم قائلًا : 

- بصراحة كنت ناوى اجى ليكى المكتبة بس للأسف 

مش بفهم فى الكتب وماليش فى القراءة حسيت 

إنى شكلى هيبقى وحش 


ساد الصمت لثوانى ثم تحدثت قائلة : 

- انا القراءة كل حياتى ادمان كده 


اعتدل فى جلسته يقول مداعبًا : 

- كنان بيحب القراءة حاول معايا فأدنى كتاب من غير 

ما اقصد الأكل وقع عليه والعصير واتبهدل وماكنتش 

قرأت من غير ١٠ صفحات اصلًا واتخنقت عرفت إنه

مش كارى ده بعد كنان ما نفخنى 


قهقهت على حديثة وهى تهز رأسها بيأس : 

- صعب اوى اللى انت عملتوا ده .. انا ممكن ارشحلك كتب تقرأها هتشدك 


ارتسمت ابتسامة على شفتيه ولمعت عيناه 

بوميض، كأنه كان ينتظر هذه الفرصة فأجابها والحماس 

يسيطر عليه : 

- ياريت ومتقلقيش مش هوقع عليهم حاجه المره ديه 

ثم أكمل متسائلًا : 

- هو انتى اسمك الحقيقى بيلا 


هزت رأسها بنفى قائلة بنبرة هادئة : 

- لأ اسمى نبيلة 


- بيلا كله تمام اسف الفون كان من البيت 

اردف طاهر تلك الجملة بأسف، بينما هى هزت رأسها  عدة مرات بتوتر، اما ضياء صر اسنانه بقوة 

يهمس بصوت يكاد مسموعًا لنفسه : 

- يعنى اقوملك دلوقتى اسفلت وشك بالارض 


رافع حاجبيه متسائلًا : 

-بتقول حاجه يا ضياء ؟! 


قبل ان يجيبه جاء احد العمال من الداخل قائلًا : 

- دكتور ضياء عايزينك جوه تشوف الشغل النهائى 


تأفف بضجر بينما هى وقفت تحمل حقيبتها :

- طب نسيبك لشغلك واحنا كمان نشوف شغلنا 


هز رأسه على مضض اتجه لداخل وانصرف هما معًا 


**** 


فى السيارة تجلس بيلا بجوار طاهر ساكنه تنظر 

من النافذه بصمت بينما هو قطع الصمت قائلًا : 

- مين عيد ميلاده الشهر الجاى وهنعمل حفلة


اجابته بابتسامة شاحبة قائلة : 

- أنا بس بليز من غير حفلة 


بادرها برد سريع وهو يحدجها بنظرات تحذيرية قوية 

اما هى حاولت تغير مجرى الحديث فتحدثت قائلة : 

- انا كلمت كيان عشان الشغل معانا 


التفت إليها بملامح متلهفة : 

- بجد؟!! 

وقالتلك ايه ؟! 


حدجته بنظرة حزينه لكنه لم يفهم مغزها فابتسمت قائلة  : 

- وافقت 


تبادلت ملامحه فور سماع كلمتها لتحتل السعادة ملامحه قائلًا : 

- طب ما تقولى على طول ايه التشويق ده 


رمقته بنظرة سريعة ثم نظرت امامها تسأله بنبرة غلب 

عليها الحزن : 

- ماكنتش اعرف ان الموضوع مهم كده مش قصدى تشويق 


التمس الحزن من نبرة صوتها هو يعلم انها شديدة الحساسية فأكمل : 

- ولو حتى قصدك انتى تعملى انتى عايزه 


هزت رأسها على مضض تنظر امامها فى الطريق 


*****


اوقف كنان محركات سيارته اسفل البناية بعد أن صفها جانبًا لكن توسعت عيناه بصدمة حين رأها امامه تقفز فوق دراجة بخارية استرجل من سيارته مسرعًا يقف

امامها متسائلًا بصوت خشن : 

- انتى بتهببى أيه ؟! 


نظرت إليه كيان تجيبه بكل ثقة قائلًا : 

- ايه اول مرة تشوف حد بيركب موتوسيكل 


حدجها بنظرة مميته ثم صاح بغضب : 

- انتى اتجننتى شكلك.. هى الهانم بتركب موتوسكلات 


ارتجفت من نبرة صوته ثم هزت رأسها بنفى قائلة :

- لا بس اللى هيوصل الاورد اعتذر اعمل ايه 

استئذنت طنط اللى فى الخامس تقول لأبنه 

انى اخد الموتوسيكل بتاعه اوصل الاوردر واجى وبس 


طالعها بغيظ وهو يصر اسنانه : 

- وبس ايه البراءة ديه، انتى ناسيه انتى قايله انتى 

مرات مين انزلى من على زفت قال موتوسيكل ابن 

الجيران وهتسوقى كمان،  ما تطلبى اوبر او تاخدى مواصلات 


اجابته باستيحاء قائلة : 

- المكان بعيد يعنى اوبر غالى ويبقى الاوردر ماجبش همه، والمواصلات الأكل هيبرد والناس مش هيقبلوا يتعاملوا معايا تانى


اغمض عيناه بيأس قائلًا بحدة : 

- انزلى 


سار امامها وهى سارت خلفه بضجر حتى فتح باب 

السيارة قائلًا : 

- اتفضلى 


-انت عايزنى اوصل الاوردر بالعربية الفخامة ديه 


- اركبى وخلصينى احنا فى الشارع والناس ابتديت تتفرج علينا 

انهى جملته ورمقها بنظرات نارية اما هى فامتثلت 

لأوامره واستقلت بجانبه السيارة بعد مرور نصف 

ساعة من الصمت وهى تتابع البرنامج الخرائط على 

الهاتف قالت : 

- ايوه هنا .. شكرًا اوى .. ممكن تنزلنى هنا وتروح انا 

ممكن ارجع مواصلات عادى 


فاجأها بسؤاله وهو يحمل كيس الأكل قائلًا : 

- فى دور الكام ؟!


توسعت عيناها بذهول وهى تحاول خطف الأكياس من يده :

- لا لا شكرًا اوى ميصحش 


سحب نفسًا عميقًا فى محاولة لتهدئة نفسه : 

- فى دور الكام انجزى ؟! 


وضعت كف يدها امامه قائلة : 

- الخامس 


****


بعد مرور وقت تكتم ضحكاتها بصعوبة وهو يطالع 

بعض النقود فى يده باستنكار : 

- انتى بتضحكى، انا اخدت تبس 


حاولت التماسك قائلة : 

- حلال عليك 


مد يده لها بالنقود قائلًا : 

- اتفضلى فلوسك 


- هزت رأسها بالنفى :

- لا والله ابدًا ده حقك لو مش عايز الفلوس 

شوف حد يتيم محتاجهم اما انا لأ مش هاخدهم 


رمقها بطرف عيناه وهو يتابع الطريق امامه متسائلًا : 

- هو انتى مش يتيمة 


اجابته مندفعة دون تفكير قائلة  :

- معرفش 


فجاءة سمعت احتكاك السيارة بأرض وارتطم جسده للأمام فخرجت آنه نتيجة الصادم نظرة له بتوجس :

- أيه فى أيه ؟! 


فرك وجهه بيده قائلًا : 

- بصى بقى انا سبتك على راحتك على الأخر بس 

انا ممكن اجيب كل حاجه عندك وسيبك بمزاجى 

لحد هنا واستوب فى واحدة متعرفش إذا كان اهلها 

عايشين ولا لأ


شعرت بغصة مريرة بحلقها وتجمعت الدموع فى مقلتيها 

اطرقت رأسها للحظات تحاول تمالك نفسها 

فكم تمنت أن تولد للحياة يتيمة اهون من تترك 

طفلة وحيدة فى الحياة، تعلم أنها بمجرد البوح بما يعترى صدرها سيفتح عليه ابوابًا من الجراح لن

 تتحملها، سبقتها دموعها لتعبير عن حالتها 

تنهمر فوق وجنتها بائت كل محاولتها لتسلح بالبرود 

والصمت بالفشل حتى رفعت عيناها تسرد له ما عاشته : 

- معرفش ومش عايزه اعرف لانها مش هتفرق عايشين

زى مش عايشين اللى المفروض هى امى اتجوزت وهى 

١٦ سنه تحت السن القانونى بورقة عرفى بس بعلم 

اهلها يعنى عملوا الاشهار اهم حاجه بس اهل الرجل 

اللى خلفنى ماكنوش يعرفوا كانت جوازة لترفيه 

لمزاجه لأنه هو كان متجوز وطبعًا اهل امى ما صدقوا عريس شارى بقى، عدت اول سنة تمام لحد ما عرفت 

انها حامل نكر ومش بس كده شكك فى اخلاقها وان 

اللى فى بطنها مش منه، الوضع كده فضل لحد ما انا 

اتولدت وبعد كده منفعش اتسجل عشان هو رفض 

واترفعت قضية نسب اربع سنين فى المحاكم اصلها 

مش قضية حد مشهور لحد ما المحكمة حكمت بنسبى 

ليه وللأسف كانوا اهلوا عرفوا وقالوا لأمى افرحى بنسب

واحنا متبرين منها حتى هو كمان.. ومشيوا وغيروا 

كل اماكن ساكنهم ...الصراحة واللى هى امى مستنتش

كتير جالها عريس وهى كانت ٢٠ سنه وكل قال حرام تضيع عمرها عليا إذا كان ابوها رماها .. اتجوزت وطبعًا كان اول شرط انا لأ .. وهو كان راجل كويس معقولة هتخسروا عشانى.... كملت حياتها وانا فضلت فى بيت ابوها اترعب كل ليلة لوحدى طفلة اربع سنين مش لاقيه حد ولا حد يقول كلت شربت كنت ادور على أى لقمة اكلها ولما اتعب انام فى أى حتة لحد لما كملت ٧ سنين، ساعات امى كانت تيجى تشوفنى ومعاها بنتها كنت بقول اشمعنا وكانت تقولى غصب عنى..


على صوت شهقاتها وهى تحاول ان تكتمها بيديها 

تمزق نياط قلبه على حالتها ثم اكملت هى : 

 -ابتدا اللى المفروض هو اخو امى يعنى اللى هو الخال والد يتحرش بيا ماكنش ليا نصيب فى الأبوة من الدنيا 

لحد ما جدى مره خد باله وقرر لازم يخلص منى 

احسن تحصل مصيبة وابنه يروح فى داهية 

فاخد بعضوا ونزل بيا القاهرة عند خالة امى 

ماما هدى اللى ربتنى وقالها عايز اوديها ملجأ 

لانها كانت ربنا مرزقهاش الخلفة وكانت بتروح 

ملجأ كتير تعوض نفسها، لقت فيا العوض وانا كمان 

حسيت اول مره من ٨ سنين بالأمان هى اللى كبرتنى

وعلمتنى حتى الطبخ الله يرحمها، لحد ما البيت اتهد منه لله المقاول انا ساعتها كنت بوصل اوردر، قولت هروح فين اللى هى المفروض امى متعرفش لحد دلوقتى لأنها مش بتدور عليا اصلًا بقى ليها حياتها مع جوزها وعيالها، ارجع عند جدى اتوفى، 

ولا ارجع لخالى عشان يكمل عليا اصلًا

اول ما حد يعرف انى قضية نسب 

واهلى مش عايزنى يفتكرونى رخيصة ويبقوا عايزين 

ينهشوا فيا عشان كده الشقة كانت الحل انا مش حراميه 

والله انا عمرى ما مديت ايدى على حاجه بس خوفت 

من الناس وانا ماكنش معايا حاجة تثبت شخصيتى كل ضاع فى الشقة 

قضايا النسب اللى بينتج منها ناس مش سويًا زى

فكرة ان الأب رفض الاعترف بيهم ديه محتاج عمر 

اد عمرنا نتعالج علاج نفسى وهنفضل مكسورين من 

جونا بردو 


نزلت كلماتها عليه كسهام تخترق قلبه فأى اب تجرد 

من الأنسانية ينكر ابوة طفلته ليتركها تواجه قسوة

الحياة بمفردها، فدائمًا الأطفال يتحملون اشد وطأة العلاقة الاسرية الفاشلة، رفع نظره يطالعها دموعها تتساقط بغزارة ترتجف بشدة، ندم بداخله لنبشه فى جرحها الغائر، بداخله فيض من المشاعر الغير مفهوم

 لايعرف كيف ضمها إلى صدره فتلك الصغيرة احتملت 

ما لا يحتمل احد فربت على ظهره 

لتهدئتها، اما هى تشبثت به وتكتم شهقاتها بصدرة 

حتى ساكنة قليلًا بين احضانه، طرق على الزجاج 

افزعها كان شرطيًا قائلًا : 

- انزلونى كده يا حلوة انت وهى شاربين ايه 

عشان فى عز النهار عمل فادح فى طريق العام 


روح بلا مأوى (٩)


****

الفصل التاسع

****

أن تحاول أن تتدخل السعادة إلى قلب فلا تحتاج للمستحيلات بل بابسط الاشياء الصغيرة، الكلمات القليلة

قادرة على أن تهز اعتى القلوب

****

تجمدت ملامحها فور رؤيتها الضابط لتصيبها مشاعر 

الرعب والفزع ومازال جسدها ينتفض ودموعها تتساب 

على وجنتيها فاقترب منها الضابط يسحبها من ذراعها 

فانتفضت برعب جلى، اما هو وقف امام الضابط قائلًا :

- انت ماسكها كده ليه ؟! 


حدجه الضابط بنظرات غاضبه ثم اجابه مستهزأ :

- وانت بقى ضارب ايه وقلبك ميت كده 


سحبها كنان من يدها خلف ظهره قائلًا : 

- ما تلمسهاش ديه مراتى احنا هنيجى معاك من غير ما تقرب 


رمقه الضابط بنظرات متشدقة ثم اردف بانفعال وهو يلكزه بكتفه نحو الصندوق الخلفى لسيارة الشرطة قائلًا : 

- اركب اركب كلهم بيقولوا كده 


انفلت شهقة منها فالتفت لها يضغط على كفها وسحبها 

خلفه ليساعدها على الصعود جلست بجواره ومازالت 

ترتجف ربت بكفه على كفها فسحبت يديها سريعًا 

منه تنكمش على نفسها، تنهد بضيق ثم سأل المجند 

الذى يجلس امامه على وجهتم لأى قسم، فاخرج هاتفه 

يرسل رسالة لضياء وهو يطالعها وقفت السيارة 

استرجلت منها ورفضت قدمها الحركة وظلت 

تحدق فى المبنى وهى تهز رأسه ثم رفعت نظرها 

إليه فحثها بنظراته على السير دخلت وهى تتجول 

بانظارها فى المكان، وكل الذكريات المحاكم تقفز 

امامها، نعم كانت صغيرة لكن هناك بعض المواقف 

محفوره فى ذكراتها، وروحها ...لرجل يصرخ بها وبوالدتها انها ليست ابنته، كان يطالعها وهو يعى ما يدور فى خلجات نفسها من صراع، هو لا يعلم كيف ضمها لكن ما يعلمه أن كل خلية داخله نخت امام ضعفها 

وما عاشته، ما ألمه اكثر أن والده مساهمًا فى 

حزنها حتى لو دون قصد، ثوانٍ وكان يقف أمام 

الضابط فى مركز الشرطة الذى هتف بتهكم وهو يطالع 

دموعها قائلًا  : 

- بتعيطى دلوقتى لكن تتحضنى فى الشارع عادى 


اجفلت نظرها ارضًا لا تقوى على النظر إليه لم تجد الكلمات التى من الممكن أن تبرر بها، اما هو استفزه 

الموقف كله فتحدث قائلًا : 

- انا دكتور كنان وهى مراتى لسه متجوزين جديد 

عشان كده مش معايا ما يثبت لكن صديق ليا 

هيجيب القسيمة حالًا 

ثانيًا ماكنش فى عمل فادح ولا حاجة وده حتى يقولوا 

الظابط كل حكاية هى عندها مشكلة عائلية وكانت 

منهار زى دلوقتى وانا كنت بحاول اهديهم 


اثناء حديث طرق الباب ودخل العسكرى وادى التحية 

قائلًا : 

- فى محامى وبره تبع كنان يا افندم ومعاه واحد 

صاحبه 


أوما الضابط بالايجاب مردفًا :

- دخلهم خلينا نشوف اخرتها 


تقدم المحامى بعملية وهو يقدم وثيقة زواجهم طالعها 

الضابط باقتناع فطلب باخلاء سبيله بضامن حيث 

لا يوجد معه ما يثبت شخصيته وبدءت الاجراءات فطلب من ضياء التوجه باثبت شخصيته لضمنه فهز رأسه بالنفى : 

- انا مش معايا البطاقة بس معايا الباسبور 


جز كنان باسنانه على شفتيه السفلى وهو يهمس : 

- يابن *** جاى تضمنى من غير البطاقة 


رمقه ضياء بطرف عيناه وهو يتحشاه النظر إليه وهو 

يعلم ان صديقه سيفتك به حاول المحامى انهاء 

الاجراءات سريعًا والحصول على أذن اطلاق سراحهم

ثم انصرف المحامى وتركهم ثلاثتهم  


*****


وقفوا ثلاثتهم بقرب من سيارة ضياء، فكان كنان 

يتأفف ويمسح على وجهه بزفير حار قائلًا : 

- اقولك فى القسم جاى بالباسور انت فاكر نفسك 

رايح بورتو السخنة 


اجابة بتذمر مصطنع وهو يغمز له : 

- وانا اعرف منين انك ممسوك اداب قولت هات محامى 

والقسيمة واتصرف ايش عرفنى بقى، 

بعدين يا جدع مش عارف تستنى تروح البيت 


رفعت عيناها وطالعتهم بدموع سابحة من مغزى كلامه 

اشار لها كنان بركوب السيارة وتابعها بنظره حتى وصلت كانت ساكنه كالاموات ثم التفت له كالبركان الثائر : 

- تصدق بالله انا لو قتلتك قدام القسم هاخد مكافأ

انى خلصت البشرية منك 


ابتسم وهو يتحدث بخبث  : 

- هما اللى نيتهم وحشه ايه وضع مخل اللى كتبوها فى 

المحضر ديه النية فى ذمة لله 


زمجر كنان ثم قال بحدة : 

- ضياء ولا كلمة تانى وقدامى على العربية 


*****

امتثلت لأومره واستقلت السيارة من الخلف بعد مرور عدة دقائق كان ضياء يجلس خلف عجلة القيادة وبجواره كنان اما هى  تثبت نظرها على الطريق 

وبداخلها يرتجف بشدة تشعر بدقات قلبها تكاد تصم 

اذنيها من فرط الخوف، التوتر قاطع صمتهم ضياء 

قائلًا وهو ينظر فى المرأة :

- اسف بقى يا كيان لو انا عازول بينكم 


صرخ به كنان بحدة جعل الدماء تفر منه قائلًا : 

- ضياء على جنب وقف العربية 


قطب ضياء حاجبيه باستغراب قائلًا : 

- فى أيه خضتنى كنا هنعمل حادثة يا جدع 


اجابه بحزم  : 

- انزلى من العربية مش هتكمل معانا 


رفع حاجبيه بصدمة قائلًا : 

- على فكرة ديه عربيتى 


- انزل يا ضياء وانجز 


استرجل ضياء من سيارته وهو يتمتم بحنق ونزل 

ايضًا وقف مع معه امام السيارة فتحدث كنان : 

- انتى مفيش دم عازول ايه وزفت ايه 


- اومال ايه طاااه ده فى عز النهار 


صر كنان اسنانه : 

- هات المفاتيح وهبعتلك العنوان تجيب العربية بتاعتى 


التو ثغره بتهكم قائلًا : 

- نعم انت عايز تسبنى هنا انت بتتلكك عشان تستفرد 

بيها لا انت حالتك صعبة


تجاهل حديثه حتى لا يفتك به واسترجل السياره 

واندفع بها يسابق الرياح بينما وقف فغره فاه وعيناه

من الصدمة ثم صاح به : 

- كنان يالمتحرش .. يالمقفوش .. 

انت هتسبنى على الطريق يالمقفوش 


*****


اخيرًا ترجل كنان من سيارته وهى وايضًا سبقته بخطواتها إلى الداخل وقفت امام المصعد تضغط بإيدى 

مرتعشة على لوحة الارقام، فرفع عيناه هو لشاشة 

المضاءة اعلى وجده يهبط ثوانٍ و ولجت وهو خلفها 

ومازالت الدموع تغرق عيناها، تنهد بثقل انفتح 

باب المصعد فاندفعت صوب الباب تحاول الفتح 

بمفاتيحها لكنها سقطت منها أرضًا، فانحنى يلتقطهم 

من على الأرض وفتح هو، تعثرت بخطواتها نحو 

غرفتها فتنهد بضيق وهو يغلق الباب ثم نزع عنه 

سترته يلقيها على الأريكة 


*****


ولج طاهر إلى غرفته فوجد شقيقة الأكبر يجلس فوق الفراش ويفتح حاسوبه 

الخاص به فجلس على حافة الفراش وبدء فى خلع 

حذائة متمتمًا بضجر : 

- حمدلله على السلامة ياسيدى، ممكن افهم حضرتك قاعد فى اوضتى ليه ؟! 

وفاتح اللاب بتاعى ليه ؟! 


كرم  بكل برود دون ان يلتفت إليه اجابها : 

- اول ما رجعت من السفر امك لقتها داخلة عليا

وملامحها تخض ولما سألتها

مالك ؟! قالتلى انها شاكة فيك تكون بتعمل حاجه 

كده ولا كده وعايزنى اطمن عليك قبل ما تبلغ ابوك 

اصلى البت هاجر رعبتها 


اخذ نفسًا عميقًا يحاول تهدئة نفسه قائلًا : 

- هاجر هاجر هاجر سيب يا كرم اللاب واطلع بره 

وخلى امك تبلغ ابوك وانا هتصرف والله هجيب

اجل الزفته ديه 


رافع كرم احدى حاجبيه قائلًا : 

- خد بالك صوتك العالى ده هيضعف موقفك 

بعدين انا مش عايز اصدمك ماما قررت انى هنام 

جنبك هنا على السرير فخليك لطيف 


انفعل وسحب منه الحاسوب بعنف وهو يتمتم بغضب 

بينما ابتسم كرم ببرود قائلًا : 

- شكل كلام هاجر صح ؟! 

لا انا قاعدلك هنا نربيك من الأول بقى ونشوف وراك ايه ؟! 


- كررررم متهزرش اطلع بره انا مش بحب حد معايا 


تمدد كرم على الفراش ثم انقلب على جانبه وهو يسحب 

الغطاء مردفًا : 

- ولا أنا يابنى بس لازم نطمن قلب ماما ديه ناقص 

كانت تقول انك بتجيب نسوان فى الشقة 


فرك وجه بأرهاق ويلعن هاجر فى سره فهى منذ 

أن سكنت معاهم فى البيت هى والدها بعد وفاة 

والدتها وهى اوشكت أن تفقده عقله


*****


هناك احداث بحياتنا تقلبها رأسًا على عقب لم نكن 

نتخيلها يومًا، يمر الوقت وترى امامك الحقيقة كاملة 

فلا يستطيع غصن ضعيف الصمود امام الرياح العاتية

لينهزم امام كل محاولات الصمود خائر القوى 


يزرع الغرفة ذهابًا وايابًا بتوتر وغضب بالغ، 

ماذا يحدث له لا يفهم هو قلقًا بشأنها، لكن 

كلما لاحت امام عقله كلامها طفلة بريئة تتعرض

للعنف والقسوة والتحرش ايضًا، اصبح كالبركان 

فأى انسان تجرد من انسانيته يرفض ابوة طفلة 

هو يعلم جيدًا انها ابنته، ليترك تعانى نتبجة شهوته

ونزوته، صدره يعلو ويهبط بعنف كأنه لتو خرج من سباق ماراثون، حاول أن يغمض عيناه لبرهة ويتوجه 

نحو غرفتها ليطمئن عليها قطع الردهة ووقف أمام 

باب غرفتها : 

- امممم كيان ممكن تفتحى 


لم يجد اى استجابة منها فاعادة الطرق ثانيةٍ : 

- لو سمحتى افتحى


مرت دقائق قليلة وسمع صوت مقبض يفتح فتراجع 

خطوة للخلف وهو يثبت نظره على الباب  فطالعها 

واعينها منتفخة اثر البكاء فتحدثوا معنا فى وقت

واحد : 

- أنا اسف 


- أنا اسفة 


تريث لبرهة ثم عقب على جملتها بنفى : 

- انتى معملتيش حاجه عشان تعتذرى اصلًا 


التوت شفتيها بابتسامة منكسرة ثم همست : 

- كنت عايز حاجه بتخبط ليه ؟! 

عايزه انام 


نظر لها فى شفقة وحزن ثم حاول تغير مجرى الحديث : 

- عايزه تنامى ؟! 

انتى مش جعانه ؟! انا مكلتش حاجه من الصبح 


رفعت عيناها إليه ثم قالت بمزيد من الانكسار : 

- ماليش نفس 


تنهد بثقل وهو يشعر بالاخفاق والفشل التام برغم 

من محاولته البأسه لكنه لم ييأس فقال وهو يضع 

يده على معدته : 

- أنا قولت نتعشا مع بعض 


اطرقت رأسها وهى تجيبه : 

- ماليش فى الخضار أوووى 


قاطعها بابتسامة وهو يمزحها : 

- مش شرط خضار اى حاجه المهم نأكل 


رفعت رأسها فى دهشة وتبدلت ملامح الحزن وهى ترمقة غير مصدقة : 

- بجد!! 


ابتسامة نصف ابتسامة وهو يرمق تغير حالتها قائلًا بمكر : 

- لو مش هتعرفى او مش هتقدرى اطلب من بره 


اتسعت ابتسامتها وهى تتجاوزه نحو المطبخ قائلة : 

- هوووا الأكل يكون جاهز هتبطل فيچترين ديه 

خالص، بص هتدوق وتحكم بنفسك


سار خلفه للمطبخ وجلس فى المقعد امامها وهو يرمقها 

تعمل بابتسامة واسعة كان يعلم أن هذا هو الحل الوحيد 

للخروج من حالتها فهذا ما استنتجه خلال الاسابيع 

الماضية، بدءت روائح الطعام تداعب انفه فأغمض 

عيناه بضيق لكن سرعان ما فرق جفنيه حتى لا 

تلاحظ


بعد مرور ساعة وهى تعمل كانت تبتسم له ابتسامات 

خافتة وكل تركيزها على الطعام وضعت امامه عدت 

صحون وهى ترمقه بابتسامة قائلة : 

- اتفضل يارب يعجبك وتغير رأيك 


رمق الطعام ثم رمقها هى متسائلًا : 

- هو أنا هأكل لوحدى 


-انا ماليش نفس 

قالت جملتها وتحولت حالتها ثانية، ابعد هو الطعام بيده 

قائلًا :

- لو مش هتأكلى معايا بلاها 


ارتسمت بسمة بسيطة على ثغرها قائلة : 

- لا هاكل خلاص


احس بداخله بشعور جديد، غريب، قوى يغزى كل خلية 

جسده لمجرد انه نجاح فى ابتسامتها وما ان شرع 

فى الأكل احتلت الصدمة ملامحها ثم اكمل يتذوق 

باقية الطعام وهو يتلذذ مصدرًا اصوات عالية واكمل 

الطعام بنهم


أما هى كانت تطالع تعبيرات وجه والاصوات التى 

يصدرها لا تنكر أن طريقتها جعلتها تفرح من قلبها


انتهى من الطعام وهو يستند بمرافقيه على رخامة 

المطبخ يتنفس بصعوبة ثم رفع رأسه مردفًا : 

- ده انتى عالمية .. ايه ده انا عمرى ماتخيلت 

اكل الكميات ديه لا وفى نص الليل كده 

شابوووو ليكى 


لتعلم لما احمرت وجنتبها خجلًا من مدحه لطعامها وكأنه 

يمدحها هى فنهضت تلملم الصحون ففاجأها قائلًا : 

- خربوش قهوة بقى من ايديكى 


توسعت عيناها بذهول وهى تتردد بابتسامة : 

- انت بتقول خربوش 


- الحقينى بيه بليز 


هزت رأسها بسعادة وهى تتجه لموقد لصنع القهوة


****

فى صباح اليوم التالى 


تأوه طاهر عاليًا فرق جفنيه بصعوبة محاولًا أن يرى 

ما يحدث وقبل أن يرفع رأسه كانت لكمة أخرى فى 

طريقها إليه فانتفض من الوجع وهو يضرب كرم 

النائم بجواره كأنه فى حلبة مصارعة، لكزه طاهر فى 

كتفة : 

- انت يا بنى ادم انت نايم ولا بتصارع تيران 

قوم من هنا 


ركلة كرم بقدمه ادى إلى سقوطها ارضًا بينما كان مداعيًا النعاس فصاح طاهر وهو ينهض وينقض عليه قائلًا : 

- وربنا انت صاحى وشغال شغل غلاسة قوم اطلع 

بره اوضتى 


اعتدل كرم من نومته قائلًا وهو يتلاعب بحاجبيه :

- بعينك عايزينى اروح اوضتى وتجيب نسوان وخمر

هنا وتعمل ليالى حمر ابدااا البيت ده طاهر 


ثم نهض يراقص على الفراش وهو يغنى ويشاركه فى 

الرقص والغناء طاهر : 

- يا ام المطاهر رش الملح خمس سبع مرت 


توقف فجاءة طاهر وهو يصيح بغضب : 

- بااااااس .. عايزين تجننونى قال خمر ونسوان أيه بدخلهم 

فى جيب البنطلون 


رفع كرم كتفيه بعدم اكتراث  وهو يعود مرة اخرى لنوم 

قائلًا : 

- انا عارف ابقى اسأل امك او اسأل هاجر هى ادرى 


جز على اسنانة وهو يقول بغيظ : 

- ده انا هرش الملح فى عين هاجر يكش تتعمى 


****


وصل طاهر إلى الشركة وبداخله سعادة عارمة سيقابل 

تلك المشاكسة، توجه نحو مكتب بيلا مباشرة طرق 

الباب ودخل يجلس امامها فى المقعد، تركت الحاسوب 

من يديها وابتسمت له : 

- صباح الخير 


اجابته بابتسامة صادقة :

- صباح النشاط 


حك مؤخرة رأسة متسائلًا : 

- هو كيان مضت العقد خلاص 


 تنغصت ملامحها بألم ثم هزت رأسها بنفى : 

- لا لسه، اتصلت امبارح بليل عشان تعتذر عن النهارده 


تمتم فى سره بخفوت قائلًا : 

- طبعًا كفاية سيرة هاجر على الصبح تقفل اليوم 


قررت حزم الامر ففتحت الدرج والتقطت منه العقود 

ومدت يدها :

- ديه العقود يا طاهر خليها معاك وبكره ابعتها 

توقعهم عندك 


ابتسم بتوسع وهو يأخذهم منها طالع العقود وهو يقرأ 

البنود حتى توسعت عيناه بذهول والصدمة حينما وقعت عيناه على اسمها وهو يردده:

- كيان عاصم عز الكومى الجهينى 


روح بلا مأوى (١٠)

***

الفصل العاشر


***

اشتهى حقًا أن اغيب تحت الأرض، أو ربما لضمه

لأنعم ببعض الأمان

***

فاقت من النوم وهى تشعر بوخزات بكل جسدها اثر 

بكاء أمس فشعرت بدموعها تنساب مرة أخرى دون 

ارادة، لا تدرى كيف قصت له تاريخ حياتها بكل سهولة 

وكيف تشبثت بأحضانه بهذه الطريقة، حقًا لا تدرى 

فهى كانت دائمًا تعلم أن دموعها حكرًا عليها لا يحق 

لأحد رؤيتها لا تريد شفقة من احد فيكفى ما تعيشه من

المعاناة لا تتحمل نظرة شفقة من احد فحزنها يكمن بخبايا قلبها الصغير، لكن لا تنكر أن ضمتها بقوة 

وتهدئتها كطفل صغيرة كانت كطبطبة على روحها 


نزعت عنها الغطاء وارتدت خُفها المنزلى تطالع الساعة بجوار الفراش فانزعجت ملامحها فالساعة صارت الواحدة بعد الظهر خرجت بمنامتها بدون أن ترتدى حجابها فهو بطبع ذهب باكرًا توجهت نحو المرحاض 

وغسلت وجهها ثم توجهت صوب المطبخ لتقوم 

بصنع القهوة وهى تضع يديها على رأسها وتتأوه 

بخفوت قائلة : 

- آآآه دماغى هتنفجر 


- من عياط امبارح فنجان قهوة ومسكن هتبقى تمام 

وقف خلفها وهو يدس يده فى جيب بنطاله، اما هى 

انتفضت على صوته ثم استدارت ترمقه بصدمة : 

- انت لسه هنا ؟! 


أول مرة يراها بدون حجابها شعرها الاسود الفحمى 

يصل منتصف ظهرها بشرتها الحلبية وشفتياها الخوخى 

التمعت عيناه بوميض وهو يراها بتلك الهيئة المغرية 


نظرته جعلتها تنصهر فأطرقت رأسها أرضًا فتدلات 

خصلات شعرها فوضعت يديها على رأسها ثم 

هرولت للداخل قائلة : 

- انت بتفرج على ايه ؟! 

ودى وشك الناحية التانية 


توارت داخل غرفتها بينما ابتسم وهو يحك مؤخرة 

رأسه ودقات قلبه تعلو  : 

- ده ايه الجمال ده


*****


- فى أيه يا طاهر مالك ؟!


تلك الجملة قالتها بيلا بتوجس لطاهر وهو يقرأ بنود العقد بينما هو وضع العقود امامها واشار بسبابته 

نحو خانة الأسم قائلًا : 

- انتى مش ملاحظه حاجة فى الأسم 

كيان عاصم عز الكومى الجهينى 


توسعت عيناها بصدمة قائلة : 

- ايه ده ازاى ؟! 

معقولة !!! 

ازاى ماخدتش من الأسم 


مسح على وجه فى اضطراب ثم تمتم بتوتر جلى قائلًا : 

- بيلا مش عايز حد يعرف حاجه وخصوصًا كيان لحد ما 

اعرف ايه الموضوع 


*****


خرجت من غرفتها ثانية وجدته يجلس على المقعد 

المقابل للمطبخ فتحاشت النظر إليه قائلة : 

- مروحتش شغلك 


نظر لها بنظرات هادئة قائلًا : 

- بعد أكل امبارح معرفتش اصحى الصبح 


ابتسمت ابتسامة رائعة وهى تعد الفطار : 

- وهو انا كده عملت حاجه انا ماكنتش مستعدة

امبارح تحب اجهزلك فطار معايا 


هز رأسه بالايجاب ثم سمع طرق الباب فتوجه لفتح 

الباب فطالع وجه ضياء، فتركه وتوجه للداخل 

اغلق ضياء الباب خلفه وسار للداخل 

فوقعت عيناه على من تقوم بصُنع الطعام فتوجه 

إليها تلقائيًا هو يقول : 

- احنا هنفطر النهارده ولا ايه 


مازالت تشعر بالارتباك بعد ما سار امس فهزت راسها 

تجيبه بايجاز : 

- روحوا انتوا على السفره وانا هحضر الأكل 


اشار لنفسه ثم تحدث مستنكرًا قائلًا : 

- روحوا على السفرة، انتى قصدك انا ومين 

ولا انا بصيغة الجمع 


جذبه كنان معه وهو يتمتم ببعض الكلمات ثم سحب

له مقعدًا هامسًا : 

- اتفضل اقعد 


اراد استفزه فضحك ضياء وهو يغمز له : 

- بنفسك بردو يا كنان، بعدين الاخ النباتى هيفطر ازاى

معانا هااا ولا أيه بقى، بس تستاهل 


اجابه فى نظره مخيفة بعض شئ : 

- وبعدين بقى 


قبل ان يكمل جملته بدأت كيان فى رص الصحون على 

الطاولة بينما كان كنان يختلس النظر إليها وضياء 

يطلق صفيرًا عاليًا لأعجابه بالطعام وما أن انتهت 

فهمت بمغادرة فأوقفها ضياء : 

- مش هتفطرى معانا 


همت بالرفض فوقف ضياء يسحب لها المقعد وهو 

ينحنى بحركة مسرحية قائلًا : 

- الشيف العالمى تسمحى تتكرمى وتفطرى معانا 


فابتسمت باستيحاء على حركاته ثم جلست بتوتر 

وهى ترمقهم بخجل وبدءت فى الأكل مع مشاكسة 

ضياء حتى قاطعه كنان وهو يضحك : 

- الأخ مصحبش غيرى انا وواحد تانى 

وده لأن محدش كان بطيقوا فى المدرسة 

عشان سوء سلوكه 


برقت عين ضياء وهو يسعل بطعام : 

- ايه يا راجل سوء سلوكه ديه 

تفهم هى ايه دلوقتى 

ثم اكمل وهو ينظر لها : يا ستى والله هو سوء تفاهم 

بعدين كنت طفل 


- طب قول كده ايه سوء الفهم 


تمتمت كيان فى هدوء متسائلة : 

- لأ انا لازم اعرف 


اجابها كنان ساخرًا : 

- البيه معتقش مس محبهاش لا ومش بس كده ده يروح 

البيت ويصر على جواز منها، وبعد مايزعقوا فى البيت 

يروح يطلب من المس انهم يهربوا سوا ويتجوزوا 


لم تتمالك نفسها وقهقة عاليًا ثم هتفت من بين ضحكاتها :

- ده انت كنت خطر على المدرسات بقى 

بس متخيلة وانت طفل قمر بعنينن خضرا وشعر اصفر 

اكيد الميسات كانوا بيضعفوا 


اتسع بؤبؤ عين كنان، تعاكس رجلًا اخر امامه، وحتى 

وأن كان زواجهم صوريًا فلا يحق لها كاد أن ينفجر 

بها ولكنه ظل يراقبها بنظرات نارية

فانتبهت إلى نظرته فشعرت بالتوتر وسريعًا اشاحت 

بوجهها بعيدًا عنه، بينما هو تمتم بنبرة امرة موجهًا 

حديثة لضياء : 

- مش خلاص يا ضياء فطرت يلا انزل وانا 

هحصلك اتفضل 


رمقه ضياء بغيظ ثم نهض واقفًا يوليه ظهره صوب 

الباب، اما هو حدجها بنظرات حادة لا تعلم سببها 

لكنها اصابتها بحزن فشعرت بواخزت الدموع 

فمقلتيها تحركت بهدوء إلى غرفتها كان ينظر 

لها ساخطًا وهى تتحرك : 

- قمر.. اباجورة انا فى وسطكم


******


فى عصر نفس اليوم 


ولج ضياء للمكتبة فطالع فتاة تشترى كتابًا فوقف 

يطلعها بتمعن ثم همس : 

- لأ الفنش مش حلوة 


قطبت الفتاة حاجبيها باستغراب وبينما بيلا لا تقل 

دهشة عنها ثم اردفت الفتاة : 

- نعم!!!!


اخرج كارت من جيب بنطاله وهو يبتسم : 

- ضياء دكتور تجميلى ومعاكى فى الكارت مكان 

المركز هيفتتح قريب 


أومات بالإيجاب وهى تلتقط الكارت منه ثم تحدثت 

والتو فكها نحو اليسار قليلُا نتيجة عملية التجميل : 

- اتشرفت، ميرسى أوى 


ثم توجهت للخارج ومازالت بيلا تنظر له بدهشة 

فقهقة عاليًا : 

- شوفتى الفينش بايظ ازاى 


توسعت عيناها وهى تقول :

- اللى عملتوا ده بجد 


غمز لها بطرف عيناها ثم اردف :

- لأ انا فى الدعايه معنديش ياماا ارحمينى 

بس فعلًا الفينش بايظ شفتى بؤها مخاصم وشها ازاى 


ضحكت ثم هزت رأسها بيأس واردفت بجديه : 

- ده اسمه تنمر على فكرة 


امسك الكتاب الذى امامه يقلب صفحاته ثم نظر لها 

وتحدث بجدية : 

- اولًا الواحد مش بيتمر على حاجة خلقة ربنا 

ديه هى  اللى مجتهده فى نفخ بدرجة بشعه 

ثانيًا بقى انا اسمى نموره من كتر التنمر 


شعرت بضيق من طريقته لذلك فضلت اخفاء امر اعاقتها

ثم حولت مجرى الحديث قائلة : 

- طب خلينا فى النوع اللى ممكن تحب تقرأه ايه ؟!

ميولك يعنى ايه ؟!


اجابها سريعًا وبتلقائية : 

- انحراااف 


حملقت به بنظرات مندهشة حتى هتفت بغيظ : 

- نعم !!!!


ادراك ذلة لسانه ثم اجابها بكل ثبات وقوة : 

- انحراف النفس والسلوك كتب بتكلم عن علم النفس 

أيه مفيش هنا


عضت على شفتيها ثم اشارت للرف خلفه قائلة :

- فى رف ده هتلاقى طلبك 


تنفس بعمق وهو يراقب شفتيها : 

- هما طعمهم ايه بقى ؟!


اجابته ببلاهة : 

- هما ايه ؟! 


حك مؤخرة رأسه قائلًا : 

- الكتب .. يعنى القراءة بيقولوا ليها مذاق خاص


- هو انت هتختار الكتاب بناءًا على أيه لأ بلاش تقرأ احسن 

اجابته بنفاذ صبر بينما هو وجدها فرصة 

-أنا بقول كده عايز وقت عشان حوار القراءة ده 

شكله هيتعبنى ما تيجى نتغدا بره 


******


- هو بابا هنا 

تلك الجملة اردفها طاهر فور دخوله المنزل وهو يشيح وجه بعيدًا عن والدته 


التو ثغر كرم ثم اجابه ببرود : 

- ايه مفيش السلام عليكم تؤ تؤ اخلاقك اتغيرت 


ثم مال على والدته وهو يتلاعب بحاجبيه لطاهر : 

- لأ عندك حق طريقته  مش عجبانى اليومين دول 


ضربت والدته صدرها برعب وهى تمتم بحزن : 

- كده يا طاهر توجع قلب امك 


شد على شعره من منبته ثم جذب اخيه يهمس فى اذنية : 

- هسبلك اوضتى طول فترة الأجازة بتاعتك تمام كده 

وريحنى من الحوار ده 


ضيق كرم عيناه بلؤم قائلًا : 

- يابنى انا اخوك الكبير وكل اللى يهمنى انت مش 

الاوضة 


ثم استدار لوالدته يجلس بجوارها وهو يربت على كتفها 

بحنو قائلًا : 

- يا ست الكل طاهر انتى عارفه معقوله تشكى 

فيه، بعدين طاهر مش بتاع الكلام ده شاب رياضى 

وماشاء الله صحته زى الفل 


تنهدت براحة وهى تطالع كرم :

- بجد يعنى اطمن يا كرم يا حبيبى 


هز رأسه بالايجاب وهو يطالع اخيه بنصف عين 

طرق طاهر كفًا بالأخر ثم تحدث بنفاذ صبر قائلًا : 

- فين بابا بقى ؟! 


اجابته والدته مبتسمة : 

- جوه يا حبيبى ادخلوا 


هز رأسه بيأس من تقلبت والدته وتوجه لغرفة والده 

فى صمت 


******


توزع نظرتها بالمكان بتوتر حتى جاء النادل يضع 

صحون الطعام امامها فطالعتها بملامح متهجمة 

ثم انتظرت انصرف النادل وطالعت ضياء باستغراب : 

- هو انت متأكد انك كنت عايش فى دبى على طول 


رفع حاجبيه بدهشة وهو يردف : 

- متأكد بس بنزل مصر عادى .. ولازم اجى اضرب 

طواجن من هنا وفتة وكوارع 


أومات ثم قالت وهى تطالع الطعام :

- بس أنا مقدرش أكل الأكل ده ماليش فيه 


رمقها فى تريث ثم تنهد قائلًا : 

- انا حابب نتعرف على بعض اكتر يعنى كأصحاب

انا احاول اقرأ وانتى تحاولى تاكلى معايا ايه رأيك 


ابتسمت بنعومة حتى ظهرت غمزتها قائلة : 

- طب انا شايفه انك بلاها تقرأ 

وبلاها انا أكل كده .. يمكن تظهر حاجات مشتركة 

بينا من غير ما نضغط على نفسنا 


هز رأسه بتفهم ثم عقب على كلماتها بتنهيده تعلن 

عن خضوعه التام لرأيها : 

- تمام كده حلو اوى  اتفقنا 


******

يجلس فى مكتبه بنصف عقل، يحاول بكل طاقته 

يلملم شتات عقله وأن يصرف تفكيره عنها لكن 

طيفها يلزمه نظراتها المنكسرة، دموعها، شهقاتها 

خجلها عند هذا الحد تنهد بثقل 

ترى كيف حالها ؟! 

لا يعلم ماذا اصابه؟! 

إلا ان مجرد تذكرها يبعثر كيانه 

اصعب ما نمر به هو مايشغل بالنا وفكرنا ولا نعرف السبب

نهض واقفًا وهو يتجه للخارج 

*****


طرق على الباب ثم ولج للداخل وهو يبتسم بينما 

رمقه والده بحنق وهو ممسك المسبحة بيده 

اقترب منه طاهر يجلس بهدوء :

- مساء الخير يابابا 


ساد الصمت بينهم ثم رمقه بضيق قائلًا :

- مزعل امك ليه طاهر ؟! 

ليه مخليها قلقانه كده ؟! 


زفر طاهر بضيق ثم حدثة بجدية :

- انا عايزك فى موضوع مهم .. ممكن معلش تسيب 

الموضوع ده بعدين .. ده لو فى موضوع 


- هو فى اهم منك يا طاهر وبعدين معاك 


رمقة طاهر بتمعن ثم حدثة بجدية : 

-فى يابابا فى حاجه كبيره كمان 


اعتدال والده فى جلسته وحدثة بنبرة حازمة : 

- قول يا طاهر فى أيه وخلصنى 


مد طاهر يده له بالعقود وهو يشير على خانة الاسم 

توسعت عين والده بذهول وشرد امامه هو يطوى 

الورقة ليفكر من أين سيبدء فهو الآن وسط دوامات

الماضى، تناول نفسًا طويلًا ثم اطلق زفير وهو يتحدث 

بأسى : 

- عمك عاصم طول عمروا عايز كل حاجة

اتجوز مرات عمك بس عشان مصالح الشغل وهو اللى 

كان مخطط كده عشان ابوها وجدك الله يرحمه كان 

شركه مع بعض حب يبقى ليه النصيب الاكبر فى تجارة 

وهى زى ما انت عارف طريقتها صعبة مع الكل انا 

كنت مشفق عليه وانا مش شايفه مبسوط فى حياته 

بس هو اللى اختار لحد ما عمك ابتدا يتغير وبقى 

سعيد قولت اكيد الدنيا اتصلحت 


لحد ما فى يوم جه لينا واحنا متجمعين انا وعمتك 

وجدك ولقينه داخل ووش مش بيتفسر سألنا مالك 

قال انه كان متجوز عرفى ومراته حامل، أول رد 

كان منى ويشهد ربنا انه يكتب عقد رسمى فورًا 

عمتك الله يسامحها رفضت وقالت عايز تفضحنا 

وكبرت دماغ جدك، وعمك عشان مصالحه مع مراته 

سمع كلامها ...رغم أن مراته عرفت وكانت اول مره 

تتفق مع عمتك على رأى 


حاولت كتير معاه بس زى ما هو الطمع ماليه لحد 

بعد فترة جه والد البنت ديه عند الشغل بتاعنا 

وعمل مشكلة عشان عمك رفض يسجل البنت 

ساعتها قولتوا ازاى وحاولت اتدخل وجدك 

مانعنى قولتلوا اكتبها باسمك وهاتها هربيها انا 

وعمتك للأسف طلعت ف  دماغه وهو يعرف 

منين انها بنته هو .. ديه واحده اهلها جوزوها 

عرفى يعنى بيتجاروا بنتهم .. 

وللأسف عمك لقى حاجه يسكت ضميروا 

 حاولت اعرف 

اى تفصيل لكن محدش دلنى للأسف لما تعبت 

منهم ومن ظلمهم سافرت فترة بره حتى شغلى 

معاهم سبتوا لحد ما جدك اتصل بيا وخلانى 

ارجع 


وقال انهم رضوا البنت وسجلوها خلاص وامها 

اتجوزت واصرت تاخدها هى وعمتك ساعتها 

ورتنى شهادة ميلاد، انا كان نفسى اشوفها 

بس قولت يكفى انه اعترف بيها وهى اكيد 

من حق امها 


المهم شوفت انت البنت ديه اللى اسمها كيان 


اغلق طاهر عيناه بحزن ثم اجابه : 

- شوفتها .. شوفتها .. ومن أول مره لاحظت الشبه 

بس طبعًا مركزتش بس الأسم خلانى أتاكد 


والده فى حزن حقيقى قائلًا : 

- الدنيا صغيرة اوى .. اخلاقها يا طاهر ايه ؟!


تحولت ملامح طاهر من حزن لسخرية قائلًا : 

- اخلاقها ؟!!! 

احنا كمان هنحاسبها بأى حق ؟! 

احنا نعرف هى اتربت ازاى ولا مع مين ؟! 

ورغم كده شكل والدتها ربتها كويس ومتخلتش 

عنها زى عمى 


تنهد والده وهو يرمقه بجدية وخوف قائلًا : 

- اسمع انا مش عايز حد يعرف حاجه عن الموضوع 

ده وتخليها تحت عينك

لو كان زمان جدك وعمتك مقبلوش بيها 

دلوقتى موجوده الألعن منهم مرات عمك استحالة 

هترضى بيها تدخل حياتنا كده بسهولة 


احتقن وجه بدماء وحسم امره بنبرة غاضبة وانفعال : 

- ديه بنت عمى ومحدش يقدر يأذيها 

ومش هسمح من حد يقرب منها 


تكملة الرواية من هنا

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
CLOSE ADS
CLOSE ADS
close