رواية عذراً لقد نفذ رصيدكم الفصل الرابع والخمسون شارع_خطاب بقلم fatma_taha_sultan حصريه وجديده
اذكروا الله.
دعواتكم لأهلكم في فلسطين والسودان وسوريا ولبنان وجميع البلاد العربية.
نظرتْ لعينيكِ ذاتَ مرة
وأنتِ تضحكين
أدركتُ حينها
إنني سأقضي ما تبقى من عمري
عالقٌ
في هذهِ النظرة الحنونة .
مقتبسة
الأمانُ إطارُ الحُبِّ وتبسيطُ معانيهِ وأسمى خِصالهِ.
فلو أَمِنتَ أحببتَ، وإنْ أحببتَ بذلتَ!
مقتبسة
تستحقين أنّ يبيع كل الدّروب السّهلة ويشتري سفرًا إليكِ.
مقتبسة
"انتِ الوحيدة التي أريدُ أن احمل عنها قلقها وعثراتها
وجراحها واهديها ضحكاتٍ حقيقية و بالاً مطُمئِن."
مقتبسة
لم يفيقًا إلا على شهقة عالية:
-بسم الله الرحمن الرحيم....
التفتا بفزع، فإذا بسلامة واقف عند أول الدرج، يحمل حذاءه في يده، يبدو أنه صعد حافيًا القدمين........
بعدما ترك حقائب السفر خلف الدرج في فناء المنزل حتى لا ينتبه لهما أحد.....هو يريد مفاجأة الجميع....
وكانت المفاجأة كافية لتجعلهما ينتفضان دفعة واحدة.......
تحدث سلامة وهو يضع يده على صدره لاهثًا:
-منكم لله خضتوني، وصرعتوني أنتم بتعملوا إيه هنا؟..
قال نضال وهو يحاول أن يستوعب الصدمة بينما سلمى تجمدت كمن ابتلعت لسانها حقًا...
تتساءل هل هناك لعنة أو تعويذة ألقيت عليهما؟!
![]() |
-أحنا اللي خضناك برضو؟.
تمتم سلامة مؤكدًا على حديثه السابق:
-اه أنتم، أنا راجل جاي أعمل مفاجأة لمراتي قفشت اتنين قاعدين على السلم...
كاد نضال أن ينهض من مكانه، لأن الغضب والحرج يتصارعان داخله، لكن سلامة رفع يده بإشارة هادئة:
-زي ما أنتم بنفس وضعيتكم دي هخش أفاجئ مراتي واجيلكم وكله هيتحاسب ما أنا مش هسكت؛ نرجع لنفس الوضعية اللي جيت عندها عشان تفضلوا متلبسين علشان لما أخرج تكونوا بنفس الحالة، اهو اخر حاجة كنت اتوقعها منكم..
قبل أن يلقى حتفه على يد نضال، أخرج مفتاح الشقة من جيبة بلهفةٍ ثم فتح الباب وولج إلى الداخل مغلقًا الباب خلفه تاركًا نضال وسلمى يتبادلان نظرات متوترة، وكان أول تعليق خرج من فم سلمى بسخطٍ:
-عاجبك كده؟
قال نضال بتعجب وحدة يدافع عن ذاته:
-عاجبني إيه؟ وبعدين هو أنا مالي هو أنا أعرف منين يعني أنه هيجي مرة واحدة كده؛ ده كان لسه اسبوعين على ميعاده..
عقدت ساعديها ثم قالت مغمغمة:
-معرفش بقا، اللي ناقص أن عم زهران يجي بكريمة ويطلع يقعد وسطنا زي المرة اللي فاتت.
قهقه نضال ساخرًا ثم تحدث بعتاب:
-الحق والذنب على اللي مقعداني على السلم وموقفة الحياة على حدود السلمتين...
"داخــل شقة سلامة وجهاد"
صعد "سلامة" على الفراش وجلس بجوار زوجته هاتفًا بنبرة خافتة ولهفة، يحاول أن يوقظها بخفةٍ والشوق في أشد مراحله...
والحماس في الوقت ذاته يسيطر عليه..
فهو ينتظر رؤية السعادة في عينيها بعودته...
-جهاد، اصحي يا حبيبتي؛ جهاد...
فتحت جهاد عينيها ببطء، اتسعت حدقتاها، وهنا ارتسمت ابتسامة على شفتي سلامة وكأنه يعلم بأن القادم هو عناق ليس له مثيل؛ وقد اشتاق له من الأساس...
هذا هو السيناريو الطبيعي والمتوقع أن ترتمي جهاد بين أحضانه لكن مع جهاد وسلامة في الغالب الأمور لا تسير وفقًا للمألوف...
قفزت جهاد فجأة وكأنها لا تشعر بالثقل طوال الأيام الماضية، ثم جلست على ركبتيها على الفراش بعدما ابعدت عنها الغطاء بحركة اندفاعية منها؛ أمسكته من ياقة قميصه بعنفٍ، فاختفت ابتسامة سلامة ونظر لها بارتياب حقِا تحديدًا حينما قالت:
-بقا أنا يا أبو عين ضيقة ومحبي العيون الضيقة وشرق أسيا وضد المنتج المحلي، عايز تتجوز عليا أنا؟؟؟ والله لاوريك يا سلامة، أنا هوريك...
تلعثم سلامة، وهو يرفع يديه مستسلمًا، وخرج منه تعليق عبثي:
-والله العظيم أنا لو فكرت أتجوز عليكي، هتجوزك إنتِ تاني بسبب اللي بتعمليه ده..
-اه يعني الباشا بيفكر أو عايز يفكر في المستقبل حلو الكلام ده برضو..
أردف سلامة يدافع عن نفسه:
-والله كنت بهزر ياستي، بهزر عايز أعملها مفاجأة حلوة....
رمقته جهاد بنظرة مشككة وردت بجدية ساذجة تحمل من الغضب ما يكفي وعدم الاستيعاب:
-مفاجأة حلوة؟ يعني أنتَ شايف أن جوازك عليا مفاجأة هتكون حلوة بالنسبالي؟ ده في أنهي قاموس ده عايزة أفهم بس؟؟؟...
ضيق سلامة عينه يحاول السيطرة على ذاته حتى لا يرد بغباء مماثل وكأنها سوف تنقل به عدوى؛ فأخذ يخبرها وهو يحاوط خصرها:
-جهاد حبيبتي، أنا قدامك، وفي بيتنا ده ميخليكش تحسي بحاجة أو تفهمي حاجة يا شيخة...
أفلتت ياقة قميصه فجأة، استدارت لتدير ظهرها له، واستلقت على الفراش متدثرة بالغطاء، مغمغمة بسخرية:
-هو أنا مش هصحى بقا ولا إيه في ليلتي دي؟ هقضيها طول الليل أحلام..
انحنى سلامة من الناحية الأخرى حتى يصبح أمام عينيها، وقال يؤكد لها بأنه ليس حلمًا:
-أنتِ صاحية أصلا يا جهاد، والله العظيم أنا هنا وكنت قايلكم ميعاد غلط علشان كنت ناوي أعملكم مفاجأة..
نظرت له والدمعة محبوسة في عيناها، ثم أردفت:
-الكلام ده لو طلع هزار وهصحى من النوم هنكد عليك من غير ما تعرف أنا بنكد عليك ليه، وأنتَ عارف نكدي كويس...
تحدث سلامة بنفاذ صبر وكاد يفقد أعصابه حقًا:
-يا ستي أجيب مصحف أحلف عليه؟ وبعدين هو نكد يا نكد؟ مفيش أوبشن تالت، قومي احضني جوزك يا بت اللي راجع من السفر وفوقي وصححي بدل ما هخش اجيب جردل مياة وأدلقه عليكي..
دعكت جهاد عيناها بعنفٍ وبدأت بالفعل تتأكد من أنه ليس حلمًا بل واقعًا ملموسًا، فنهضت وقفزت في أحضانه مرة واحدة..
وبعد ثوانٍ من العناق الدافئ والمتلهف وبضعة قبلات سريعة قد تفي بالغرض سألها سلامة قاطعًا سحر اللحظة وهو يشعر بالجوع:
-هو أنتم عاملين أكل إيه؟ أكل الطيارة استغفر الله العظيم، أنا عرفت قيمة أكلك يا مراتي يا حبيبتي..
"بينما في الخارج"
تستند سلمى رأسها على كتفه تسأله عن طول وعرض الفراش، ثم أردفت وهي تحدق في شاشة الهاتف ترى أشكال مختلفة من المفروشات:
-مش عارفة الملايات الاستك في ناس كتير أوي بتشكر فيها وناس لها، مبقتش عارفة حاجة، اجيب شوية كده وشوية كده؟..
كان نضال لديه خبرة نوعًا ما في الأمور التي تخص المنزل عكس الكثير من الرجال، لأنه عاشر زوجة عمه كثيرًا وأحيانًا كان هناك بعض الأشياء الذي عليه أن يفعلها في البيت، لأن المرأة التي تأتي للتنظيف تأتي مرة واحدة أسبوعيًا وهذا غير كافي في الغالب:
-ممكن أه نوعي، بس خليكي في الحاجات المعروفة واللي بنستخدمها كلنا في البيت، الاستك ده جديد بلاش تكتري منه، وعمومًا لو عجبك بعد كده نجيب منه عادي مش هنبطل شراء يعني...
-يعني وجهه نظر تحترم برضو، أنا بفكر بقا أدخل اغير هدومي وأروح البيت..
انتفض نضال برفض قاطع:
-لا تروحي إيه؟؟ الساعة اتنين خلاص، إيه اللي ينزلك متأخر كده، باتي مع وفاء أو باتي معايا..
كلماته الأخيرة كانت عابثة ومشاكسة فنظرت له سلمى بجدية متحدثة:
-هعتبر نفسي مسمعتش الاقتراح التاني من الأساس، بس وفاء زمانها نامت وأكيد خش هدخل ازعجها ومش كل شوية هغير مكان وبعدين يا نضال أنتَ لو اتكلمت في بلكونة بيتكم وعليت صوتك شوية هسمعك من عندنا والله؛ يعني مش بعيد.....
ضحك نضال دون تفكير ثم قال:
-باتي مع جهاد، سلامة ينزل يبات معايا.....
كادت سلمى أن تعارضه لكن وجدته ينهض كان قد نهض فعلًا وبدأ يطرق باب شقة سلامة، اتبعته سلمى بسرعة وهي تهمس باستياء:
-أنتَ بتعمل إيه؟ اللي بتقوله ده مينفعش طبعًا...
فتح سلامة الباب وهو ممسك بطبق مكرونة بشاميل مع قطعتين بانيه، واحدة في الطبق والأخرى عالقة بين أسنانه...
قبل أن ينطق بحرف، خطفه نضال من ذراعه إلى الخارج وهو يقول بحماس مصطنع:
-وحشتني يا سلامة والله، علشان كده لازم تبات معايا النهاردة، يلا يا سلمى ادخلي نامي بقا الوقت اتأخر...
ابتلع سلامة ما يتواجد في فمه بصعوبة ثم ضحكت سلمى رغم إحراجها، بينما نضال ضغط على كتف سلامة ليجره معه قائلًا بهمس:
-يلا بقا ادخلي وبعدين سلامة هينزل معايا هيستنى بابا لما يجي علشان يتفاجئ بأنه رجع.....
______________
تجلس مع والدها على الأريكة...
تتظاهر ريناد بالهدوء بينما قلبها يقفز فرحًا تحديدًا وهو يخبرها بحديثه مع دياب وموافقته الواضحة إذا كانت هي تريده، منعت ريناد نفسها بصعوبة حتى لا تنهض وترقص رغم أنها لا تتقن الرقص، كانت الأفكار تأتي في عقلها...ففكرت هل الأمر يحتاج زغروطة مصرية أصيلة؟!
لكنها لا تتقنها أيضًا.......
كل ما استطاعت فعله هو أن تحافظ على تماسكها، وتركز على صوته الهادئ وهو يقول:
-دي حياتك، وأنا مش هجبرك على حاجة خصوصًا لو في موضوع الجواز لكن نصيحتي ليكي انكم مختلفين، يمكن ده مش باين دلوقتي بس في أي مشكلة ما بينكم هتشوفي الفرق والاختلاف ده مش بس المادي، لا في الفكر وطريقة الحياة..
نظرت له بإحباط!
لماذا الآن؟ لماذا يصرّ على أن يضع حجرًا ثقيلًا فوق قلبها، بسبب القلق الذي يحاول أن يشعرها به....
رغم أنه أعطاها هدية من السماء بموافقته من دون أن تعاني حتى في اقناعه...
أردف محمد ببسمة هادئة يحاول ألا يحزنها في الوقت ذاته:
-أنا مش بقولك كده علشان أكسر فرحتك بس أنا واجبي كأي أب أنصحك وأنا خليت فترة الخطوبة طويلة علشان كده، ومعنديش مشكلة تعدي السنتين كمان يكون هو كون نفسه وظبط أمور حياته وعلى الأقل تكوني أنتِ كمان خلصتي جامعة ودرستوا وعرفتوا شخصية بعض كويس....
تنهدت ريناد ثم نظرت لها وقالت بجدية مفاجئة لا تستعملها كثيرًا:
-عارفة أن الفرق بيني وبينه في التفكير فرق السماء والأرض بس أحنا بنحاول نوصل لنقط مشتركة ما بينا، ساعات هننجح، ساعات هنفشل، بس دياب شخص كويس أوي، عمومًا ارتباطه بيا مش شيء سهل وممكن يسمعه كلام وحش من أي حد، علشان الفرق ما بينا، أنا مختلفة عنه في كل حاجة ومع ذلك هو جه واتقدملي، هو بيحاول علشاني، عارفة أن الحياة مش دايما هتكون وردي ما بينا..
سكتت لحظة، وعيناها تلمعان بمزيج من الحماس والخوف، ثم أسترسلت حديثها:
-بس الأكيد أن مفيش حد حياته طول الوقت حلوة والمهم أن الشخص ده يحبني ويعاملني كويس ويحترمي ويتقي ربنا فيا زي ما نينا بهية دايما بتقول..
رغم دفاعها إلا أن عقلها ظل يلح عليها بالسؤال..
هل سوف تندمي يومًا على اختيارك؟؟
لكن قلبها رفض هذا السؤال بالمرة هي أحبت رجلًا وتثق فيه، لا يوجد شيء أخر قد يخفيها...
نهض محمد من مكانه اقترب محمد منها، وربت على رأسها بحنان قبل أن يطبع قبلة أبوية دافئة فوقها، متحدثًا بهدوء:
-ربنا يسعدك واللي فيه الخير يعملوا ربنا، أنا عمومًا يومين كده هبلغه بموافقتك وهحدد ميعاد يجي فيه....
تركها وغادر إلى غرفته، بينما بقيت هي جالسة، تبتسم بخفة بسبب يقينها بحبها وهي تحاول تنفي أي شكوك حاول والدها أن يشعرها بها..
المهم هو سعادتها الآن..
حتى لو كان الطريق مليئًا بالتحديات..
دياب سيكون لها في نهاية المطاف وهي ستكون له، هكذا كانت تخبر ذاتها، نقطة ومن أول السطر.....
شوف تبدأ بداية صحيحة ومناسبة...
___________
يجلس زهران بجوار سلامة على الأريكة هاتفًا بسعادة وفخر كأنه اكتشف سرًا عظيمًا:
-كنت عارف والله...
رمقه نضال من مقعده باستغراب وهو يغمغم:
-كنت عارف إيه؟، هو قايلك ولا إيه؟!.
قال سلامة موضحًا:
-لا أنا مكنتش قايل لحد خالص، عرفت منين يا بابا؟
رفع زهران رأسه وأجاب بجديّة فيها لمسة تعالي لا تليق سوى به:
-معرفتش من حد، مفيش حد قالي ده قلبي هو اللي قالي، قلبي دليلي..
ضحك نضال ثم تحدث مستنكرًا بسبب ما يسمعه فكرر كلمة زهران:
-قلبك دليلك!!..
أومأ زهران بثقة وهو يخبره:
-ايوة قلبي العامر بالإيمان، وأنا قاعد في الفرح مع جبورة حسيت أنه جاي، حاجة من جوايا قالتلي ابنك سلامة، ابن عمرك جه..
ابتسم له سلامة ثم تحدث بما لا يناسب أبدًا ما سمعه من والده:
-أنا جعان ما تطلبولي أكل، جعان أوي..
هنا تحدث نضال ساخرًا:
-هو فيه بلاعة جوا؟ يا ابني أنا مش منزلك من فوق وأنتَ شايل طبق مكرونة بشاميل وبانية، وكلته، وروحت حطتلك بامية ولحمة ورز بعدها، هتأكل إيه تاني؟ وجعان إيه؟؟؟ احنا عايزين ننام..
استدار سلامة نحو والده باستياء مفتعل:
-شوفت يا بابا؟؟ بيعد عليا الأكل، هو أنا مش راجل متغرب المفروض لما ارجع أكل، وبعدين أنا عايز حاجة خفيفة اطلبولي مشويات، وحشني الأكل..
أردف زهران وهو يلتقط هاتفه يستعد لطلب الطعام من مشويات خطاب:
-من عنيا يا حبيب أبوك، كل واتهنى ملكش دعوة بالعاق ده، اهو نتعشى أنا وأنتَ سوا وهو أخره يتفرج علينا..
أشرق وجه سلامة بنصر ثم تحدث بمكرٍ:
-حبيبي يا معلم زهران؛ وبعدين أهو بالمرة أقولك واحنا بنأكل كده لما جيت لقيت إيه على السلم، لقيت إيه في بيت خطاب، منظر خدش حيائي...
-أنا اللي هقوم أخدش وشك وحيائك بجد بقا...
خرجت تلك الجملة من فم نضال...
الذي أنقص على سلامة وقبل أن يلمسه كان يصيح ويصرخ..
بينما كان المشهد سخيفًا، في الخلفية كان زهران يتحدث في الهاتف:
"الو يا مصطفى عامل إيه"
"عايزك تجهزلي كيلو كباب، ونص ريش، وكفتة وطرب، ولا بقولك إيه اعملي صينية المعلم زهران اللي موجودة في المنيو وابعتهالي قبل ما تقفلوا"
"لا متقلقش ده الولاد بيلعبوا بس، مفيش حاجة"
بعد مرور ساعة ونص..
كان سلامة يتقلب في الفراش بجوار نضال، يتأفف بلا توقف، نام بجوار نضال لأن حجرته بدأ زهران في إعدادها منذ مدة حتى تناسب وفاء التي تقيم فيها أحيانًا...
تحدث سلامة بانزعاج جلي:
-مش عارف أنام، منك لله يا نضال قلبي وربي غضبانين عليك
كان رد نضال عليه منطقي جدًا وهو مستلقي على الفراش بجواره:
-مش عارف تنام أكيد من كتر الحش اللي قعدت تحشه طبعا لو عرفت تنام علطول كنت هستغرب عمومًا..
سخر سلامة وهو يحدق بالسقف:
-لا أنا زي الفل الاكل مأثرش عليا، الاكل ده حاجة طيبة عمومًا، ياريت بس أنتَ تبعد عينك عني شوية...
ثم اختلف صوته وكأنه على وشك البكاء وهو يغمغم:
-منك لله يا نضال؛ أنا ولا زي الفل ولا نيلة، ليه راجل متغرب يرجع يسيب مراته لوحدها وينام جنبك أنتَ كمان ياريت في اوضته، عملت إيه في حياتي علشان يحصل معايا كده؟؟
تحدث نضال بنبرة جادة وهو يلتفت إليه:
-اومال اسيب مراتي تنزل في أنصاص الليالي علشان خاطر جنابك؟؟
هتف سلامة وهو يلوّح بيده في الهواء منفعلا:
-هي نازلة فين؟؟ ده في نفس الشارع وكنت وصلتها أنتَ يا شملول؛ ولا هو مش بنيجي إلا على سلامة وبس؟؟ أنا ليه منامش واخد مراتي في حضني ليه أنام وأنا باصص لخلقتك وشعر ذقنك..
قال نضال ببساطة قاتلة:
-عادي ما أنتَ بقالك شهور نايم لوحدك اعتبر نفسك لسه هتيجي من السفر بكرا وبقولك إيه هتدوشني روح نام جنب أبوك ولا جنب كريمة في الصالة..
تحدث سلامة ساخرًا:
-فكرة كويسة على الأقل كريمة أجدع منك..
لكن قبل ما يكمل كلامه، فتح بال الغرفة، وظهر زهران وهو يحمل الارجيلة، يتحدث بحماس:
-مين قال كريمة؟ أهي جاتلكم بنفسها طول عمرها بنت حلال، وبنت أصول تيجوا نقعد نسهر ونلعب دوب دومينو لغايت ما الفجر يأذن، خلاص قرب، وأنا زهقان ومش جاي ليا نوم..
غطى نضال وجهه بالغطاء تحت ضحكات سلامة.....
_____________
بعد مرور يومين..
تجلس سلمى في شقتها تقوم بتنظيف المنزل كالعادة تحديدًا في يوم إجازتها، تحافظ دومًا على عادات والدتها، فهي كانت دومًا تساعدها في تنظيف المنزل تنظيفًا عميقًا يوم الإجازة، كانت لا تترك شبرًا في المنزل إلا وقامت بتنظيفه..
أنهت سلمى غرفتي النوم والمطبخ وتبقى غرفة المعيشة، التي أصبحت مبعثرة جدًا بسبب ما فعلته بها، تحولت إلى ساحة فوضى بعدما نزعت مفروشاتها وسجّادها...
رن جرس الباب فجأة، مما جعلها تتوقف، أطفأت المكنسة الكهربائية ثم ارتدت أسدالها سريعًا الذي كان يتواجد على الأريكة بجوار سجادة الصلاة، فتحت الباب، لتجد أخر زائر من الممكن أن تتوقعه مما جعلها تتجمد في مكانها...
ســامــيـة...
مازالت تتذكر المرة التي أتت فيها إلى هنا بعد خطبتها إلى نضال حاولت أن تخبرها بطريقةٍ ما أن نضال شخصًا غير صالح لها وكأنه مازال مغرمًا بها..
مازالت سلمى تتذكر بضعة كلمات مما قالتها..
"أنتِ في مقام أختي وأنا بصراحة حابة انصحك واحذرك من نضال، وتحديدًا موضوع هدير ده، صراحة نضال شخص هوائي جدًا ومش عارف هو عايز إيه يعني كان بيجري ورايا علشان يخطبني وبيقول أنه بيحبني، وبعدها بمدة قليلة جدًا اسمع أنه اتقدم ليكي، اهو خطبك الله اعلم ليه، وكمان البت الصغيرة اللي مهتم بيها دي شيء مريب بصراحة ومستغربة ......"
يومها ردت عليها سلمى بما لا يُرضيها أو يسرها وكانت تستحق ما قيل لها..
لم تتذكر حتى إن كانت سامية جاءت لتعزّيها في وفاة أمها أم لا؟ فهي كانت في دوامة أخرى لم تهتم بمن أتى ومن لا...
كسرت سامية من حدة الموقف وقالت وهي تبتسم ابتسامة باهتة:
-ازيك يا سلمى عاملة إيه؟؟.
استجمعت سلمى بقايا هدوئها وردت عليها بأدب اعتادت عليه مع الضيف كما تعلمت من والدتها، رغم قلقها من هذه الزيارة المفاجئة، ولشعورها بالشفقة لأنها صعدت الدرج ببطنها المنتفخة بالتأكيد هي تشعر بالارهاق الشديد كونها تحمل جنينًا في أحشائها:
-الحمدلله بخير، اتفضلي..
تنحت سلمى جانبًا حتى تعطيها الفرصة للدخول، بالفعل ولجت سامية وجلست على الأريكة هنا أردفت سلمى بارتباك طفيف:
-معلش الدنيا مكركبة شوية لأني كنت بنضف..
لم تكن سامية في حالة أفضل منها؛ بل كانت متوترة في الوقت نفسه وهي تخبرها:
-حصل خير ومفيش أي حاجة، أصلا كان المفروض اتصل قبل ما اجي..
نظرت لها سلمى بملامح عادية لا تحمل أي تعابير لكنها سألتها بنبرة عملية معتادة:
-تشربي إيه؟؟ عصير؟؟.
-ملهوش لزوم تتعبي نفسك أنا جاية أسلم عليكي وأتكلم معاكي...
ردت عليها سلمى بنبرة هادئة لا تعبر عن ترحاب مبالغ فيه لكنها تعودت على إكرام الضيف رغم قلقها من زيارتها...
وظل السؤال الذي يأتي في خاطرها: لماذا جاءت سامية إلى هنا؟
-لا لازم تشربي حاجة هعملك عصير برتقان بالجزر، بتحبيه؟
قلقت سلمى أن تكون لا تتناوله أو لا تحبه وستكون أعدته بلا داعي أو فائدة..
-عادي بس صدقيني ملهوش لزوم...
لم تهتم سلمى باعتراضها بل ذهبت إلى المطبخ حتى تعده، وبعد مدة ليست بالقصيرة ولا بالطويلة جاءت به، ووضعته على الطاولة وجلست على الأريكة.....
كانت تشعر بأن سامية لم تأتِ هذه المرة لمجرد الزيارة هي ليست صديقة لها، ولا تظن أنها حمقاء بما يكفي حتى تأتي من أجل أن تفتح جراحًا قديمة أو تتناقش فيها!!!
ما السبب إذن؟!..
لم تترك سامية للصمت مجالًا طويلًا، وتحدثت بلهجة مباشرة:
-حددتي ميعاد الفرح أنتِ ونضال ولا لسه؟.
ارتفع حاجبا سلمى دهشة، كان هذا أخر سؤال تتوقعه سلمى أن يخرج من فمها لكنها أجابت بثبات:
-لسه بس بعد ما جهاد تولد ان شاء الله يعني..
أرادت سامية أن تخفف ثِقل اللحظة بكلمات عابرة، وأن تجعل الحوار بينهما سلس نوعًا ما:
-ان شاء الله، في ميكب أرتست في بالك؟! أو مكان للفساتين..
قالت سلمى بنبرة عادي تجيبها وهي تشعر بالاستغراب من أن هذا الحديث قد يكن بينها وبين سامية:
-الفستان لسه لما نكون خلاص حددنا ميعاد هبقى انزل اشوف، والميكب مش بفهم فيه أوي بس هتفرج و
وأدور ..
تحدثت سامية باندفاع وحماس مفاجئ:
-أنا ممكن أعملك ميكب فرحك ولو حابة أعرف أماكن كتير للفستان...
نظرت لها سلمى بارتياب!!
ليس لأنها قالت شيء قد يزعجها أو استفزتها
لكن الحديث بينهما بتلك الطريقة غريبًا جدًا بالنسبة لها، علقت سلمى على اقتراحها بهدوء:
-تسلمي، تمام مفيش مشكلة..
تحدثت سامية تحاول أن تفسير سبب زيارتها واقتراحاتها العفوية، وزيارتها الغير مألوفة:
-يمكن تكوني مستغربة إني جيت هنا، تقريبًا لما جيت قبل كده قولت كلام غريب ومعرفش أصلا قولته ازاي فأنا أسفة..
ابتسمت سلمى ابتسامة باهتة وهي ترد ببساطة كاذبة، فهي لم تنسِ حرفًا من تلك المحادثة التي دارت بينهما:
-حصل خير، وموضوع وعدى.
أردفت سامية وهي مستمرة فيما ترغب في فعله، لم تكتفِ بما قالته:
-أنا جيت لغايت هنا علشان أحاول أخلي النفوس ما بينا صافية، واعتذر عن أي حاجة سببتها ليكي، في النهاية أحنا عيلة واحدة وأنتِ من ساعة ما بقيتي مرات نضال وأنتِ بقيتي واحدة من العيلة ومش حابة أنك تكوني زعلانة مني لأي سبب....
ابتلعت ريقها، وعادت تكمل بنبرة أكثر جدية وسلمى تستمع إلى حديثها بإنصات واهتمام دون أن تعطي ردة فعل:
-أنا خسرت كتير في التجربة اللي مريت بيها، يمكن أكون خسرت نفسي قصاد أني اتعلم حاجات كتير..
تحدثت سلمى برفقٍ وكانت كلماتها تحمل في طيّاتها شيئًا من التعاطف، ما مرت به ليس شيئًا هينًا على أي أمرأة وهي تدرك ذلك:
-ده كان نصيب يا سامية بلاش تحملي نفسك فوق طاقتك وبالنسبالي مفيش أي حاجة ولو كان فيه كفايا مجيتك لغايت هنا وكلامك...
لم تكن تعرف سلمى...
هل تصدق نبرة الاعتذار أم تعتبرها مجرد محاولة لفتح صفحة جديدة بلا ماضٍ؟!
هي لا تريد أيضًا أن تبقى أسيرة شكوكها القديمة....
اعتادت دومًا أن تخفي قلقها تحت غطاء من الهدوء وهذا ما فعلته الآن، تزن كل كلمة، تحاول أن تفهم إن كان حديث سامية صدقًا خالصًا أم مجرد محاولة لفعل شيئًا ما؟؟
لكن قلبها مال نحو الخيار الأول..
فأردفت ببسمة هادئة:
-اشربي العصير يا سامية....
______________
تجلس في العمل، تباشر بعض المهام البسيطة التي يوكلها والدها إليها، فهي مازالت لا تمتلك الخبرة الكافية حتى تدير شيء، أو تعمل بشكل مباشر...
هو يلقي عليها المهام تباعًا...
كانت اليوم متحمسة..
بل في أشد أيامها حماسة..
أخبرها والدها صباحًا بأنه سيتصل بدياب ليخبره بالموافقة حتى يأتي مع عائلته ويحدد له موعد رسمي لزيارتهما...
بالمناسبة هي لم تتحدث مع دياب من أيام، منذ ذلك اليوم الذي عبرت عن قلقها فيه أن يوافق والدها على الزيجة أو حتى يقابل دياب للمرة الأخيرة.....
طرقات خافتة على الباب جعلتها ترفع النظر عن حاسوبها وتأذن للطارق بالدخول، ولجت أحدى الفتيات وهي تحمل باقة من الزهور الحمراء، كانت أنيقة ورقيقة في الوقت ذاته تشبهها جدًا، ملفوفة بورقة سوداء لامعة....
-في حد جه وساب الورد ده لحضرتك...
رحلت الفتاة بعدما شكرتها ريناد، بعدها ظلت تحدق في الباقة تستوعب الصدمة، وأخيرًا تجاوزتها وهي تنهض من مكانها تحمل الباقة، لم تجد أي علامة أو بطاقة تدل على أنه هو ولم تنتظر بصراحة...
بل على الفور أمسكت هاتفها واتصلت به، ليجيب عليها بسرعة فهو كان ينتظر اتصالها ويعلم بأنها سوف تتصل به حينما تصل إليها الباقة، أصبح يعرفها جيدًا على أية حال....
تحدثت ريناد ولم يصل منها رد، فقالت:
-الو..سامعني..
جاءها صوت دياب متلهفًا:
-سامعك، سامعك، إيه الورد وصل؟!.
ردت عليه ريناد بنبرة أرادت أن تمازحه:
-أيوة وصل، علشان كده بكلمك، وبعدين يعني اشمعنا ورد أحمر؟ ليه مش روز، ليه مش أبيض...
تمتم دياب بسخرية لاذعة:
-اتنكي عليا يا ريناد اتنكي، وبعدين المفروض تحمدي ربنا، أصلا أنا اخدت رأي حور، وبعدين من ساعة ما اتولدت أنا اعرف أن الورد أحمر...
ضيقت عينيها بخبثٍ وهي تخبره بتسلية:
-لا في ألوان كتير بس أنتَ اللي متعرفهاش وغافل عنها، وعلى العموم ممكن تستعين بـجوجل تتفرج وتشوف بنفسك يمكن تغير نظرتك للورد..
سمعت صوته قلقًا لكنه هادئ:
-ولا هتفرج ولا غيره، هو معجبكيش خالص؟.
سمع صوت ضحكتها بعدها أخبرته بجدية:
-عجبني دي كلمة قليلة أصلا...
عاتبها وهو يقول:
-اومال بتقطمي فيا ليه؟!
قالت بنبرة رقيقة تخفي خجلها بها:
-عادي حبيت أهزر معاك، أنا بحب الورد كله، بس ده مش معناه أنك كل مرة هتجيب ليا ورد أحمر عايزاك تنوع ليا، بجد شكرًا أوي يا دياب حلو جدًا...
سمعت صوته الذي تغير مئة وثمانين درجة وهو يرد عليها بعدما تأكد من أنها تمزح كعه ليس حقيقة:
-مبسوط أنه عجبك، بصراحة فكرت في الفكرة من بعد ما باباكي قفل معايا، وكنت حابب أخليه يوم مميز، مقدرتش استنى بصراحة لغايت اليوم اللي هاجي فيه بيتكم...
قالت بصوتٍ مرتجف من شدة السعادة التي تشعر بها:
-أنا متحمسة أوي بجد، وفرحانة جدًا...
ثم أسترسلت حديثها بجدية شديدة:
-بس الورد ده ملهوش علاقة بالورد اللي هتجيبه وأنتَ جاي على فكرة علشان تبقى عارف.....
ضحك من قلبه وهو يرد عليها:
-بصي أنا في إيه وأنتِ في إيه؟!..وبعدين أنا عنيا ليكي ياستي....
______________
في اليوم التالي...
قال زهران وهو يسحب نفسًا عميقًا من أرجيلته جالسًا في مكانه المفضل بجوار الجزارة، بينما كان دياب يحدثه عن موافقة والد ريناد على الخطبة:
- يعني أبوها قالك موافق؟؟
تمتم دياب بنبرة هادئة وهو يفسر الأمر:
-ايوة وافق يا عم زهران أومال أنا بقالي ساعة بقولك وافق، وأكيد هتيجي معايا لما اروح مع جوز خالتي وماما..
قطب زهران حاجبيه بدهشةٍ ثم غمغم:
-غريبة يعني..
أردف دياب بعدم فهم واستنكار شديد:
-جرا إيه يا عم زهران، ده أنتَ مندهش أكتر مني أنه وافق، في إيه لكل ده؟..
أخذ زهران نفسًا آخر من أرجيلته ثم غمغم بجدية:
-أصل الرجالة اتجننت، الراجل ده مش عارف مصلحة بنته على فكرة، ازاي يوافق يجوزها راجل صايع زيك؟؟ أنا عندي بنت ومدهاش لواحد زيك أبدًا، صايع وبتشرب سجاير، يعني تدخين سلبي على البت وتبوظ الرئة وصدرها، وتبقى ريحة البيت سجائر..
تأمل دياب الأرجيلة الموضوعة أمامه، ثم رفع الخرطوم بين يديه قائلًا:
-أنا طول عمري نفسي أسال سؤال يا عم زهران..
-أسال يا صايع..
تمتم دياب بجدية بالغة:
-هو أنتَ مش شايف الشيشة تدخين؟ يعني مش شايفها زي السجاير؟ ولا إيه بالظبط؟؟ أصل أنا محتاج افهم المشكلة فين يعني احنا بس اللي بنشوفها وأنتَ لا
-كريمة غير أي شيشة ومفهاش ضرر...
قال دياب ساخرًا:
-ليه يعني بتتخلص من الدخان بطريقة مناسبة وصالحة للبيئة يعني ولا إيه؟ محتاج أفهم بصراحة...
وفي تلك اللحظة، كان نضال قد عاد من توصيل سلمى إلى عملها، فاتجه إليهما مغمغمًا:
-السلام عليكم
رد زهران ودياب في الوقت ذاته:
-وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته...
هتف نضال بهدوء بعدما سحب مقعد وجلس بجوار دياب:
-ايه الاخبار؟ ياترى ماسكين في بعض كالعادة؟
لم يعطِ زهران فرصة لدياب حتى يتحدث وهو يغمغم بهدوء:
-هو أنا أقدر؟ ده دياب ده ابني الرابع، وفرحان بيه أنه هيتقي الله كده ويكون مسؤول عن واحدة ويمشي في طريق الجواز، اهو الراجل مننا لما يمشي في حوازة ربنا بيزرقه من حيث لا يحتسب..
لم يتمالك دياب نفسه من الضحك وقال مازحًا:
-علشان كده طول عمرك يا عم زهران ربنا بيرزقك من كتر المشي في الجوازات، مع أن والله لو هنحسبها كده المفروض تكون ملك يا عم زهران..
فرفع زهران رأسه بكبرياء مصطنع وقال:
-أنا أهم من أي ملك، وأفخم وبرضو هتفضل صايع، أنا هقول لابو عروستك أنه ميتأمنش على البت معاك، كل ما أحاول اصفى ليك تعصبني، هستنر إيه من راجل بيشرب سجاير..
_______________
مر الشهر..
اليوم كان عقد قرانهم....
وأصبحت إيناس زوجته كما أراد وفي المدة الذي رغب فيها..
وافقت إيناس، ولا تعلم كيف وافقت؟
هل وافقت بسبب إصراره المميت وحديثه أكثر من مرة مع عائلتها؟! لا تدري هل كان هذا هو السبب حقًا أم أن مشاعرها نحوهه تتحكم فيها أكثر مما يجب؟؟!
وقلبها يميل إليه أكثر مما تظن....
لا تعلم السبب الأساسي لكنها أصبحت اليوم زوجته...
وزوجة للمرة الثانية..
أقيم عقد القران في قاعة أنيقة بأحد الفنادق الكبرى، بحضور الأقارب والأصدقاء من العائلتين كان حفل بسيطًا ودافئًا يصحبه الزغاريط المصرية الأصيلة من فم والدة إيناس، شيرين وحور....
تألق جواد في بدلة سوداء وقميص أبيض كان أنيقًا كعادته ويزين معصمه أحدى الساعات المفضلة بالنسبة له التي تعود إلى أحدى العلامات العالمية، أما إيناس ارتدت فستانًا أبيض ناصعًا، مشغولًا بالدانتيل الناعم الذي ينساب على جسدها به زخارف دقيقة تلتف على القماش في نقوش متداخلة، الأكمام واسعة تنفتح عند الرسغين، لم يكن الفستان مجرد ثوب زفاف بسيط وحجاب من اللون الأبيض، بل كان رمزًا للبدء من جديد...
لم يدعُ جواد أو إيناس أي شخص لن يسعد لهما حقًا وسوف يفرح من قلبه لهما..
من جهة إيناس: كانت عائلة خطاب حاضرة حفل الزفاف، عائلتها، وصديقاتها في العمل، كما حضرت بهية وبعض الجيران، ووالد ريناد، خلال هذا الشهر تمت قراءة الفاتحة وارتدت فيها ريناد دبلة ذهبية بسيطة تم حفر اسمها واسمه عليها، وكان هذا اقتراح دياب حتى يتم توثيق تلك الخطوة، وحفل الخطبة قريبًا جدًا....
أما من ناحية جواد، فقد حضر شقيقه عماد وزوجته، شقيقته نسمة ومنيرة، وأصدقاؤه المقربون وعلى رأسهم أحمد، وبعض زملائه من المستشفى، ومعارفه..
كان حفل بسيط ورائع، تم توثيقه بجلسة تصوير هادئة وناعمة حيث جمعت لحظات دافئة بينهما لأول مرة تُمسك يده، لأول مرة يحيط خصرها، ينظر لها بعمق كبير....
شاركهما المقربون في جلسة التصوير وبالاخص طفليها، كانت ترتدي جنى فستان أبيض صغير من الدانتيل من نفس قماشة فستان والدتها لكن بطابع طفولي، كانت المصممة صديقة إلى عائلة جواد وهي من صنعت فستان إيناس وابنتها...
أما جواد الصغير تألق في بدلة سوداء مع خاله دياب، وحور ارتدت فستان من اللون الرملي أما ريناد تألقت في فستان أسود مناسب نوعًا ما ، لم يرض عنه مئة بالمئة لكن على الأقل كان أفضل من خيارها المرة الفائتة...
للمرة الثانية شكل الاثنان ثنائي رائع بألوان متشابهة...
في الفندق ذاته، كان جناح خاص بانتظارهما ليقضيا أول ليلة معًا قام جواد بحجزه، على أن يسافرا في اليوم التالي إلى وجهة ساحلية.....
منذ دخولهما الجناح تقريبًا..
وانتهى الحفل ورحل الجميع..
وبقيت هي معه بمفردها..
جلست إيناس تبكي، دموعها تنهمر بلا توقف حتى اختلطت بمساحيق التجميل، فتمتم جواد وهو يجلس على الأريكة بجوارها بعدما خلع ساعة يده ورابطة عنقه وسترته بقى بقميصه الابيض وبنطاله الاسود:
-أنا عايز أفهم أنتِ داخلة في ساعة بتعيطي، في إيه لكل ده؟..
لم يكن بالنسبة له الخجل التي قد تتسم به المرأة حتى ولو سبق لها الزواج في تلك الليلة سبب كافي للبكاء بهذا الشكل الهستيري المتواصل!!!!
رغم كل محاولاته لتهدئتها...
أقترب من الطاولة بجسده وسكب لها كوب من المياة ثم مدّ يده لها به، فأخذته وتناولت منه وحاولت اختصار العديد من المشاعر بداخلها والمخاوف بقول سبب واحد فقط:
-جنى وجواد وحشوني أوي أنا مش متعودة أبعد عنهم وهما أكيد هيتعبوهم من غيري زمانهم بيعيطوا أصلا...
-بس دي مش أول مرة..
كان تعليقه عفوي وأحمق رُبما لكنها بررت بكائها بامتعاض كونه يقصد تلك الفترة التي أخذ والدهما الأطفال فيها، كانت تحدق فيه بانزعاج جلي:
-متقلقش كنت بعيط ساعتها برضو.
مد يده يربت على كتفها برفق، وصوته أكثر هدوءًا هذه المرة:
-اهدي طيب...
بكت أكثر.
كأنه يخبرها ألا تتوقف...
حتى تورمت عيناها فشعر بالشفقة الشديدة عليها فغمغم مقترحًا:
-طيب كلميهم..
حدقت فيه بدهشة تلك المرة كأنه قد لها حلًا سحريًا بعدما توقفت عن البكاء فجأة!!..
هو يخبرها بشيء لم يأتي على عقلها رغم سهولته، فنهضت من مكانها متوجهة صوب الجزء الثاني من الجناح الذي يتواجد فيه الغرفة وأخذت تبحث عن هاتفها فهي لا تدري أين تركته..
لكنها وجدته أخيرًا..
فأمسكت به وقامت بالاتصال بـ حور من دون تفكير...
لم تجب عليها حور في المرة الأولى وهذا ما جعلها تشعر بالضيق بالتأكيد تضع هاتفها على الوضع الصامت كعادتها، لكنها لحسن الحظ أجابت في المرة الثانية..
"ايوة، يا إيناس؟ بتتصلي ليه؟"..
______________
جلست بجواره في السيارة بعد أن حضرا عقد قران إيناس وجواد..
كانت جهاد مع سلامة، ووفاء مع زهران، لكن كل واحد منهم استقل سيارته وغادر.
تمتم نضال بضيقٍ وغيظٍ شديد:
-اهو خليني أنا رايح جاي بيكي الافراح وأنا وأنتِ زي ما احنا على نفس السلمتين، حتى السلمتين الناس استكترتهم عليا....
ضحكت سلمى رغمًا عنها وحاولت كتم ضحكتها لكن فشلت، كان غاضبًا ومغتاظًا بالفعل، فلم ترد عليه واكتفت بالنظر أمامها حتى لا تزيد الأمر سوءًا......
لكن نضال أوقف السيارة فجأة إلى جانب الطريق، وكان المكان يسمح بالتوقف، فلم يكن كوبري ولا طريقًا سريعًا.
تمتمت سلمى باستغراب:
-وقفت ليه؟..
أجاب بعناد، وصوته يزداد صرامة، خاصة وقد أوشك عام كامل أن يمر على وفاة السيدة يسرا؛ يعلم بأن الحزن سيظل في قلبها وأن بضعة أشهر ليست كافية حتى ينتهي الحداد، لكن إلى متى سوف ينتظر؟ فهو لا يعجبه وجودها بمفردها في شقة والدتها، منذ عودة سلامة؛
-كده أنا عايز ميعاد، ميعاد ومش هنروح إلا لما تقولي ميعاد حتى لو فضلنا هنا للصبح بقا هي حبكت في دماغي ووقفت على كده، مش هروح إلا لما اسمع ميعاد محدد، ومش كل مرة بقا هنهي النقاش من غير مت نوصل لحل.
جاء رد سلمى سريعًا، منطقيًا من دون تفكير:
-جهاد لسه مولدتش..
-جهاد في التاسع يعني كلها أيام ان شاء الله وتولد بلاش تأخديها حجة..
تمتمت سلمى وهي توضح له موقفها الذي أصبح يفهمه ويحفظه عن ظهر قلب:
-يعني أنا هقعد مع اختي اخدمها فترة ولادتها ولا أقعد أكمل اللي ناقصني؟؟..
لم يترك لها منفذًا للهروب هذه المرة وهو يجيب على حديثها:
-كل حاجة البيت جت، وأنتِ نزلتي كذا مرة مع صحابك ومع وفاء، ومع جهاد نفسها وجيبتي اللي أنتِ عايزاه ولو باقي حاجة ابقي هاتيها وأنتِ في بيتي، أنا عايز ميعاد يا سلمى مش عايز حجج ومبررات....
تنهدت بعمق وقالت بعد تفكير:
-شهرين كويس؟ جهاد تكون ولدت وفاقت وبقت كويسة..
زفر نضال بضيقٍ وتحدث بعدم اقتناع:
-كتير....
أصرّت هي الأخرى بعناد:
-لا مش كتير، شهرين هيعدوا هواء....
رد بنبرة جدية، عازمًا على إنهاء الجدل:
-النهاردة يوم عشرة، عشرة الشهر الجاي، اللي بعده هيكون فرحنا، وهي قفلت على كده وبجد مش هقبل أي مماطلة.
فقالت سلمى مستسلمة وهي تحاول تهدئة الجو:
-ان شاء الله خلاص بلاش قلبة وش، أنتَ ليه نكدي؟.
أشار نضال إلى نفسه متصنعًا الدهشة وهو يجيب بسخرية:
-يا شيخة أنا نكدي؟.
قالت وهي تشاكسه:
-اه جدًا كمان...
_________________
غضبت إيناس من سؤال شقيقتها الذي بالمناسبة كان منطقيًا، لماذا تحدثها شقيقتها العروس الذي تتواجد مع زوجها الآن؟!!..
ردت عليها إيناس ساخرة:
-هكون بتصل ليه يعني العيال فين؟ بيعيطوا صح؟ أكيد عايزني..
لكن صوت حور جاءها مطمئنًا ومليئًا بالحيوية:
"لا ولا عايزينك ولا نيلة، أحنا في مول *** حجزنا سينما كمان ساعة، والعيال مبسوطين حتى لسه قايمين جنى راحت مع ماما الحمام وجواد راح مع دياب وريناد عايز لعبة شبط فيها، أما أنا الأكل اتأخر فهما كلوا قبلي لأني طلبت حاجة مختلفة وقاعدة بأكل اهو"
قالت إيناس بانزعاج واستنكار:
-وأنتم خرجتوا بالفساتين؟!..
جاءها صوت حور ينفي وهي تشرح لها باستفاضة:
"لا، أنا غيرت الفستان ولبست الهدوم اللي جيت بيها الصبح، وريناد كان معاها لبس دخلنا غيرنا في الحمام قبل ما نمشي".
تمتمت إيناس في عتابٍ لم تفهم هي حتى ما المبرر له وكأنها فقدت عقلها:
-اه سينما بقا، وغيرتوا هدومكم ده واضح أنكم مرتبين كل حاجة بقا الموضوع مجاش صدفة..
ردت حور بمرح:
"أنتِ تعبانة في دماغك يا إيناس، أقولك هاتي الدكتور وتعالي ادخلي معانا السينما..."
تذكرت حور فجأة أن الليلة هي ليلة عرس أختها، فهتفت ساخرة:
"صحيح؟ أنتِ جوزك فين؟ وسايبك ليه كده تكلمينا؟؟ هو أنتِ طفشتي الراجل منك ولا إيه يا حزينة؟!"..
ابتسمت إيناس رغم دموعها:
-اه طفشته في أقل من ساعتين متحملنيش، وبعدين مفيش حد من العيال جنبك يعني أكلمه؟ وحشوني اوي وخايفة يعملوا قلق حتى لو معملوش دلوقتي أكيد هـ
قاطعتها حور بنبرة خفيفة الظل:
"هو أنتِ عايزة تعيطيهم بالعافية؟ ما هما مش نايمين من امبارح كويس ومن الصبح صاحيين وداخلين سينما وهيتفرهدوا اوعدك اصلا أننا هنروح شايلينهم على كتفنا وفي سابع نومة ولو سيبتك تكلميهم ساعتها هيعيطوا فعلا، وبعدين فين جوزك ليه سايبك ترازي في خلق الله علشان ميكملوش أكلهم؟؟".
كزت إيناس على أسنانها بغضب:
-اقفلي، اقفلي أنا غلطانة إني كلمتك من أساسه....
"جدعة، سلام يا عروسة سيبني أنا مع السوشي بقا وارحمي نفسك وارحميني"
أنهت إيناس المكالمة بحدة ثم ألقت الهاتف على الفراش وجلست على طرفه تحاول ألا تفسد تلك الورد التي تم وضعها باحترافية وشموع إلكترونية....
أغمضت عيناها تحاول أن تتنفس بشكل طبيعي على الأقل أطفالها بخير..
الآن!!
لم يمر وقت طويل حتى جاء صوت جواد من خلفها:
-كلمتيهم؟..
قالت بلا وعي:
-اه كلمتهم..
-عاملين إيه طيب؟ بيعيطوا..
هتفت إيناس كاذبة وهي تنهض من مكانها:
-اه طبعًا بيعيطوا، ميقدروش يبعدوا عني؛ وحور قالتلي أقفل وهما هيحاولوا يهدوهم...
أومأ جواد متفهمًا، ثم قال بنبرة جادة:
-ده شيء طبيعي وعمومًا هما لازم يتعودوا شوية أن مش شرط طول الوقت تفضلي معاهم، في ظروف ممكن للأسف تخليكي تغيبي عنهم حتى لو كم ساعة؛ وبرضو تصرفهم هما طبيعي في النهاية هما أطفال وأكيد هما هيعرفوا يتصرفوا معاهم..
كان يحاول بث الطمأنينة بها، فهزت هي رأسها توافقه على حديثه نوعًا ما؛ فأردف يحاول تجاذب أطراف الحديث بينهما وأن يخفف من حدة التوتر الظاهر جدًا عليها؛
-وأنتِ بتكلميهم، العشاء وصل، مش جعانة ولا إيه؟ أنا جعان جدًا وأكيد مش هأكل لوحدي....
قالت إيناس وهي تبتعد نحو حقائب السفر الخاصة بها:
-يعني مش أوي..
ابتسم جواد وهو يخبرها:
-أنا مش هأكل لوحدي، هتأكلي معايا ده مش option على فكرة بس بعيدًا عن الأكل اغسلي وشك علشان العياط اللي قعدتي تعيطيه ده، ومتقلقيش عليهم يعني....
بعد مرور نصف ساعة..
كانت تقف في المرحاض معها بضعة قطع ملابس مختلفة تمامًا، وأكثر من قطعة، لا تعلم ماذا سوف ترتدي منهم؟!..
تركها على حريتها حينما أخبرته بأنها تريد أخذ حمام دافئ قبل أن تتناول الطعام....
الهاتف بين يدها وهي تحدق في المرأة بعدما خلعت حجابها وهي على وشك أن تمزق فستانها حتى تخلعه بسبب ذلك السحاب، رغم أنه عرض عليها المساعدة فهو يدرك المأزق لكنها أخبرته بأن السحاب سهلًا.....
ولو احتاجت سوف تطلب منه..
أمسكت الهاتف وتذكرت أن شقيقتها حور أخبرتها ذات يوم...
"عمك جوجل ويوتيوب هما الحل لكل مشكلة، اي حاجة معرفش اعملها نبدأ نكتب في البحث بسم الله، وبعون الله هنعمل من الفسيخ شربات".
صدقًا لم تتوقع ذات يوم بأنها سوف تفقد عقلها لدرجة أنها تبحث في ليلة زفافها على المحرك بتلك الجملة:
"نفتح ازاي الفستان من غير مساعدة من حد واحنا لابسينه"
شعرت لوهلة بأنها تكتب قصة حياتها بل يجب أن تدعم بحثها بوضع اسمها واسمه حتى تكتمل المهزلة على أكمل وجه!
وجدت بعض الطرق حاولت أن تبدأ فيهم، الأولى فشلت، الثانية فشلت، الثالثة جعلتها تنجح نوعًا ما، وعند السادسة أكملت المهمة بنجاح...
أخذت حمام دافئ بالفعل وظلت في حيرة من أمرها، ماذا ترتدي؟؟؟...
وقع الاختيار على منامة من الستان لونها أبيض، بنطال طويل، وأكمام طويلة تنتهي بتطريز دانتيل ناعم يلتف حول معصميها كالسوار، أخذت تجفف خصلاتها بالمجفف الذي وجدته هنا وصففته بعناية نوعًا ما..
قررت أن تتصل بـ حور!!
ثم شعرت بأنها سخيفة حقًا..
لماذا تتصل بها وماذا من الممكن أن تفعل بها شقيقتها الصغري التي خرجت من أعتاب المراهقة منذ مدة ليست طويلة؛ ماذا قد تفعل حور لها؟؟!
بل هي الأم والمرأة التي سبق لها الزواج...
لكنها قررت أن تتصل بها..
حتى تتحدث مع أطفالها فهي لم تقاوم اشتياقها لهما....
اتصلت أكثر من سبع مرات وكانت على وشك الدخول الثامنة لولا طرقات خافتة على الباب صاحبها صوته:
-إيه يا إيناس؟ طولتي أوي، أنتِ كويسة..
أجابته بارتباك:
-ايوة كويسة، خمس دقائق وجاية اهو...
جاءها صوته مستسلمًا:
-طيب مستنيكي برا..
أسرعت بتمشيط شعرها مرة أخرى، تتأكد من أن كل شيء يبدو مرتبًا، ثم فتحت الباب بخطوات مترددة، تحمل بيدها الهاتف وبعض الملابس التي لم ترتديها، التي وضعتها بعجلة في الحقيبة ثم علقت فستانها في الخزانة، قبل أن تخرج إليه....
لتجده يجلس على الطاولة الموضوع فوقها الطعام فجلست أمامه ووضعت الهاتف الذي كان مازال بين يديها على الطاولة أمامهما.
هنا بدأ يتناول الطعام برفقتها في صمت لم يكسره شخص، فقط يتأملها بهدوء ونظراته تلاحقها وهي منشغلة في الطعام أو رُبما تتصنع الانشغال، كانت هذه هي المرة الأولى التي يرى فيها شعرها، يراها بتلك الهيئة في العموم، بدت مختلفة، وظهرت كأمراة تخصه هو وحده......
لم يكسر الصمت وسحر اللحظة إلا صوت هاتفها وهو يعلن عن اتصال من دياب، أمسكت هاتفها بارتباك وتوقف هو عن الطعام...
فتحت إيناس الهاتف وردت على شقيقها:
-الو يا دياب..
جاء صوت شقيقها مرتفعًا وقلقًا حتى وصل إلى مسامع جواد رغم أنها لم تفتح المكبر:
"ايوة يا إيناس، مالك يا حبيبتي؟؟ حصل حاجة؟".
أبتلعت إيناس ريقها وهي تجيب عليه:
-لا، في إيه؟!.
"لقيتك بتتصلى على حور، وجيت ارد كنتي قفلتي واتصلتي كذا مرة، وخرجت من جوا علشان أكلمك، أنتِ كويسة؟!!!"..
في تلك الاثناء نهض جواد من مكانه وأخذ منها الهاتف برفقٍ وأجاب عليه:
-أيوة يا دياب، مفيش حاجة هي بس كانت عايزة تطمن على جواد وجنى مش أكتر أنهم مش عاملين مشاكل، هيكون في إيه يعني؟!.......
تحدثت إيناس بحرج وهي تقف بجواره هي الأخرى:
-متقلقش يا دياب أنا كويسة...أنا بس كنت عايزة اطمن عليهم ونسيت موضوع السينما ده بس، وقلقانة العيال يتعبوكم أو يعملوا مشاكل بليل..
حدق فيها جواد بعدم فهم لا يفهم أي سينما تقصد!!
جاءهما صوت دياب حانقًا وغيورًا بعض الشيء:
-لا متقلقيش عليهم كويسين؛ يلا سلام بقا علشان أنا سايبهم كلهم جوا، لو في حاجة اتصلي بيا أنا..
هكذا انتهت المكالمة حدق فيها بشكٍ ولم تتفوه بحرف!
كأنها فهمت أنه رُبما أدرك كذبها...
ترك الهاتف على الطاولة...
فشعرت للحظة أنها طفلة ضبطت متلبسة بشيء لا تعرف كيف تبرره.
ابتسم جواد ابتسامة صغيرة وهو يعلّق بنبرة مازحة:
-خضيتي أخوكي على الفاضي زمانه افتكر إني بعذبك أو أنك مخطوفة..
أجابت إيناس بتلقائية ممزوجة بصدقٍ:
-لا هيفهم أن دماغي تعبانة مش أكتر...
ضحك جواد وكان مازال قريبًا منها للحد الذي جعله يرفع كفيه ويضعهما على ذراعها مغمغمًا:
-ممكن تهدي شوية..
تحدثت إيناس تنفي ما يلمح إليه:
-أنا هادية مين قال إني مش هادية أساسًا..
اقترب منها جواد أكثر، عينيه معلقتان بملامحها المرتبكة، وقال بهدوء ممتزج بالسخرية:
-مهوا باين عليكي بصراحة؛ واعتقد يعني مفيش حاجة تقلق هما كويسين واكيد هيعرفوا يتعاملوا مفيش داعي تكلمي أهلك كلهم واحد واحد في يوم زي ده؛ أصلا لو في حاجة تستدعي حد يكلمك أكيد هيكلمك...
-معاك حق..
قالتها باستسلام شديد..
فـهمس مبتسمًا بجوار أذنيها، هو ينخفض إلى مستواها، سرت رعشة خفيفة في جسدها بسبب فعلته تلك:
-كويس، على فكرة أنا مش فاكر قولتلك أن شكلك كان حلو جدا النهاردة ولا لا؟!
تمتمت إيناس بجدية وضربات قلبها تتسارع بسبب قربه منها إلى تلك الدرجة للمرة الأولى:
-قولتلي واحنا في السيشن..
أنزل يديه يحاوط بها خصرها بحنان وجراءة في الوقت ذاته فرفعت رأسها نحوه ببطء، لكنها تجرأت حتى تواجه نظراته بنظراتها، كان بينهما صمت طويل...
أقترب أكثر حتى لم يعد هناك مسافة تُذكر بينهما، رفع يده يزيح خصلة من شعرها انزلقت على وجهها:
-طب أنا بقولك تاني اهو علشان أنا مش فاكر شكلك كان حلو جدًا، و أنا مبسوط جدًا أنك سمعتي كلامي ووافقتي نتجوز خلال الشهر ده...
قالت بصوت خافت وهي تستسلم أكثر لوجوده وهالته القوية:
-ماشي..
ضحك بخفة وهو يمازحها:
-مفيش كلمة حلوة ليا؟ يعني زي شكلك كان حلو النهاردة...
-اه، شكلك كان حلو..
ضحك وهي تردد كلماته من دون أي ابتكار ثم طبع قُبلة هادئة على جبينها، قبلة تحمل وعدًا بالسكينة بعد سنوات أُرهق فيها الاثنان، وكأن الوقت كله توقف عند تلك اللحظة، لا يشهدها سواهما..
ثم سمعته يهمس بنبرة خافتة عند شفتيها:
-مش عايزك تخافي ولا تعيطي تاني ولا تشيلي أي أهم وأنتِ معايا ولا تفكري في حاجة، ألغي عقلك شوية وخصوصًا النهاردة..
أومأت برأسها فقط عاجزة عن الكلام، ابتسم وهو يراقبها يتمتم:
-في حاجة حابة تقوليها؟ هتفضلي تحركي رأسك..
تمتمت بخجل:
-لا مفيش....
-طيب..
أنهى حديثه وتسللت أنامله تتحسس وجنتها ثم شفتيها المرتجفتين رغم أن حالتها أصبحت أفضل بكثير، كأنه يرسم ملامحها في ذاكرته للأبد....
وفجأة رفعها بين ذراعيه دفعة واحدة، لتفلت منها شهقة صغيرة. نظر في عينيها وهمس بنبرة عميقة وهو يتجه بها نحو الداخل:
-ماشي مدام مفيش حاجة عايزة تقوليها أنا أقول بقا........
______________
في اليوم التالي.....
رنين الجرس المتواصل وبصوت مزعج قطع على نضال خلوته وهو يتهيأ للنوم. خرج من حجرته متضايق، ليصطدم بالمشهد المعتاد، والده زهران جالس في مكانه، الهاتف في يد وخرطوم الأرجيلة في اليد الأخرى.....
تمتم نضال بنفاذ صبر منفعلًا بعض الشيء:
-يعني مش سامع الباب..
سحب زهران نفسًا طويلًا من أرجيلته دون أن يرفع بصره وينظر إلى نضال وعقب ببرود:
-سامعه بس لو قمت هخسر الجيم.
فتح نضال الباب فإذا بسلامة واقف، وجهه شاحب، عيناه متسعتان، وهيئته مذعورة:
- الحقني يا نضال...
توتر نضال ثم سأله بلهفة واضحة:
-في إيه حصل إيه؟؟
حاول سلامة أن يلتقط أنفاسه بصعوبة ثم تحدث بصوتٍ متقطع:
-جهاد؛ جهاد شكلها بتولد وأنا مش عارف أعمل إيه؟؟..
جاء زهران عند تلك الجملة بعدما ترك هاتفه مشكورًا وهو يسأله بعدم فهم:
-يعني إيه شكلها بتولد؟ مهي يا بتولد يا مبتولدش ياض أنتَ..
صرخ سلامة بيأس شديد واستنكار من كلمات والده:
-مش عارف هو أنا دكتور يعني؟، هي عماله تصوت فوق، وأنا مش عارف أعمل إيه؟ وهي أول مرة تولد أكيد متعرفش، الحقوني.....
_______يتبع_______
لو وصلتم لغايت هنا دمتم بألف خير ونتقابل في فصل جديد ان شاء الله..
متنسوش اللايك والكومنت...
دمتم بألف خير يارب وعقبالكم كلكم ❤️❤️❤️🫂
تابعووووووني
رواية سيطره ناعمه كامله من هنا
رواية خيانة الوعد كامله من هنا
رواية الطفله والوحش كامله من هنا
رواية جحيم الغيره كامله من هنا
رواية مابين الضلوع كامله من هنا
رواية سيطرة ناعمه كامله من هنا
رواية يتيمه في قبضة صعيدي كامله من هنا
الروايات الكامله والحصريه بدون لينكات من هنا
إللي خلص القراءه يدخل هيلاقي كل الروايات اللي بيدور عليها من هنا 👇 ❤️ 👇
❤️🌺🌹❤️🌺❤️🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹🛺🛺🛺🛺🛺
الصفحه الرئيسيه للروايات الجديده من هنا
جميع الروايات الحصريه والكامله من هنا
انضموا معنا علي قناتنا بها جميع الروايات على تليجرام من هنا
❤️🌺🌹❤️🌺❤️🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹🛺🛺🛺🛺🛺
تعليقات
إرسال تعليق