رواية عذراً لقد نفذ رصيدكم الفصل الخامس والخمسون شارع خطاب بقلم فاطمه طه سلطان حصريه وجديده
اذكروا الله.
دعواتكم لأهلكم في فلسطين والسودان وسوريا ولبنان وجميع البلاد العربية.
كان يتحدث بطريقة رائعة تجعلك تظن بأنك ستقضي ما تبقى من حياتك دون أن تُصاب بالملل..
مقتبسة
"لم يدلّني عليكَ الطريقُ ولا النداءاتُ المحبّة
ولا باقي ذكريات الوجد؛ بل هي الألفةُ، وحدها، من كانت معي على طولِ المسير إليك"
مقتبسة
دافئة مثل الشَمس، في ضوئكِ ودفئكِ و وجودكِ
الذي يُضيء يومي، أنتِ كأشعة الشَمس وهذا الوصف الأمثل لوجُودك في حياتي.
مقتبسة
"أُحبّك حبًا لا تنقصه الظروف ولا ينهيه خلاف، أحبّك باليقين الذي لا يشوبه شك"
مقتبسة
-جهاد؛ جهاد شكلها بتولد وأنا مش عارف أعمل إيه؟؟..
جاء زهران عند تلك الجملة بعدما ترك هاتفه مشكورًا وهو يسأله بعدم فهم:
-يعني إيه شكلها بتولد؟ مهي يا بتولد يا مبتولدش ياض أنتَ..
صرخ سلامة بيأس شديد واستنكار من كلمات والده:
-مش عارف هو أنا دكتور يعني؟، هي عماله تصوت فوق، وأنا مش عارف أعمل إيه؟ وهي أول مرة تولد أكيد متعرفش، الحقوني.....
تمتم زهران بانفعال وصوت جهوري:
-هتعمل إيه يعني يا ابن الـ***؟! اطلع لبسها حاجة ونزلها ونروح المستشفى واتصل بالدكتورة اللي بتابع معاها عرفها اللي بيحصل وفهمها البت شكلها جايلها الطلق وأنتَ كل اللي طالع عليك تقولي أعمل إيه؟!.
لم ينتظر سلامة ثانية واحدة، واندفع صاعدًا على الدرج، بينما فتحت انتصار باب شقتها بعد أن سمعت الأصوات المرتفعة:
-في إيه يا زهران؟..
رد عليها زهران في الوقت ذاته كان نضال قد ولج إلى الداخل:
-البت جهاد شكلها بتولد هنوديها المستشفى..
هتفت انتصار باهتمام ولهفة واضحة:
-طب استنوا هغير هدومي واجي معاكم، وهطلعلها.............
كانت اننصار تقدر بأنها أول ولادة لها وهي صغيرة في السن من دون والدتها.....
في نفس اللحظة..
خرج نضال من الداخل وهو يقول:
-سلمى مبتردش شكلها نايمة ولا بتعمل حاجة وسايبة الموبايل، هروح اجيبها واجي.
"في الأعلى"
تجلس جهاد على حافة الفراش مغمغمة بألم يكاد يشطرها نصفين والدموع تنهمر على وجهها:
-هموت يا سلامة، هموت مش قادرة اتحمل، هموت والله..
ثم أخذت تتأوه بشكل مؤلم جدًا...
حاول سلامة أن يواسيها رغم أنه بالفعل على وشك أن يبكي، صوته كان مرتجفًا جدًا هو لأول مرة يتم وضعه في هذا الموقف:
-بعد الشر عليكي، حاولي تقومي طيب هساعدك تلبسي، أنا كلمت الدكتورة وهي مستنياكي وبتحضر كل حاجة متقلقيش بس...
تأوهت بألم كبير ووجهها يتقلص بشكل مُخيف ومرعب من شدة الألم الذي يفتك بها، ألم لا تدرك الأم بعدها كيف تحملته حتى؟!
-مش قادرة اتحرك، مش عايزة أولد، مش عايزة أولد، أنا عايزة ماما، هاتلي سلمى.....
تركها مسرعًا نحو الخزانة، يفتش بجنون حتى أخرج "عباءة" واسعة ترتديها فوق ملابسها، وعاد محاولًا أن يساعدها على ارتدائها وهو مرتبكًا جدًا:
-معلش أنا معاكي اهو، وسلمى زمانها جاية يدوبك تلبسي وهتلاقيها وشك، وكل حاجة جاهزة والشنطة مجهزينها سوا من كام يوم..
لكنها أبعدت يده بعشوائية، وارتطم كفها بوجهه، كأنه تلقى صفعة منها فنظر بذهول شديد، شهقت جهاد بفزع وهي ترى أثر الضربة عليه تحاول الاعتذار رغم الألم:
- والله ما قصدي... والله!
لم يرد، فقط حدّق بها يحاول أن يستوعب ما يحدث، بينما العرق يتصبب من جبينها...
ثم تأوهت بشدة، تعالى وفجأة، دوّى رنين الجرس من جديد ليعلن عن وصول سلمى التي صعدت بلهفة برفقة انتصار...
الجميع خائف على الفتاة التي تحمل الحمين في أحشائها وفي الوقت ذاته مترقب لحمل الطفل بين يديه........
____________
بعد مرور ساعات...
كانت جهاد مستلقية على الفراش، تمسك سلمى بيدها لتهدئتها، بينما جلس نضال في الخارج في المقاعد المخصصة للانتظار بجوار دياب، الذي أتى للتو بعدما علم بخبر ولادة زوجة سلامة.....
رغم المسكنات، كان الألم ينهش جسدها بقسوة لقد مرت ساعات على ولادتها أما سلامة، فكان ممددًا على الأريكة داخل الغرفة، يتناول من يد والده قطعة خبز غمسها في "الجبنة القديمة" ابتلعها ثم قال متأففًا:
-يا بابا أنا مبحبهاش من غير طحينة.
رد زهران عليه ساخرًا:
-علشان ضغطك يتظبط، وطحينة إيه اللي أنتَ عايزها؟ تحمد ربنا إني عرفت ادخلك جبنة قديمة هنا في المستشفى أصلا...
أردفت جهاد بانفعال كبير:
-حد يسكته بتاع الجبنة القديمة دي، مراته والده وهو عايز طحينة وبيفاصل أنه مش عايز جبنة من غير طحينة، حد يسكته...
ضحكت انتصار رغمًا عنها وهي تضع يدها على كتف جهاد ثم قالت:
-اهدي طيب يا بنتي، وبعدين والله كان خايف عليكي، وأنتِ بتولدي مرة واحدة وشه أصفر ووقع من طوله ضغطه وطي أوي...
نهض سلامة من مكانه بتكاسل مغمغمًا وهو يقترب من الفراش حيث تقف زوجة عمه:
-قوليلها، عرفيها أن اللي أنا فيه ده بسببها وبسبب خوفي وحبي ليها.
صاحت جهاد محتدة:
-ما اللي أنا فيه بسببك..
تمتم سلامة بعدم فهم:
-ليه عملت إيه أنا؟؟.
أردفت جهاد بنبرة جادة:
-أنا مكنتش عايزة أولد طبيعي، أنتَ اللي فضلت تنبر وتقولي الستات كلها بتولد سواء طبيعي أو قيصري، اهو ولدوني طبيعي؛ الناس كلها بتولد قيصري اشمعنا أنا؟ علشان نبرك أنتَ بس..
تدخلت سلمى هنا وتحدثت بنبرة عقلانية:
-الحمدلله يا جهاد؛ الولادة عدت على خير، وبعدين الدكتور اللي في المستشفر والدكتورة بتاعتك الاتنين قرروا أن ده احسن واحنا لما جينا كان خلاص أصلا، سلامة ماله هو؟ وبعدين كده احسن يا جهاد مدام مكنش عندك حاجة تمنع، والحمدلله عدت على خير، والبيبي زي القمر..
وضع سلامة يده على صدره بتحية وقال:
-مرات اخويا الجدع، الاسطورة، الأصيلة....
تمتمت جهاد بانفعال:
-اسكت أنتَ...
ثم التفتت إلى سلمى قائلة:
-قوليلي هو ليه محدش جابه لغايت دلوقتي؟ أنا ملحقتش اشوفه كويس...
حاولت هنا انتصار طمأنتها:
-متقلقيش يا حبيبتي هما بس بيلبسوه وبيتأكدوا أن كل حاجة تمام وهتلاقيهم جابوه، ها اختارتوا اسم يا ولاد؟.
أشار سلامة إلى نفسه بفخر قائلًا:
-معاكم أبو زاهر، واللي نايمة دي أم زاهر....
انتفض زهران غاضبًا وخرج صوته بانفعال واضح:
-أبو إيه يا روح أمك؟ زاهر مين ده؟؟؟ فين النون يا ناقص؟؟ وديت النون فين؟؟؟..
توتر سلامة حينما وجد زهران يقترب منه وحاول الدفاع عن نفسه:
-احنا قولنا الاسم ده جديد وخفيف، واهو يكون في حاجة من ريحتك برضو ونسيبنا من نون النسوة دي علشان مينفعش حد يخلص على النسوان غيرك يا بابا حتى ابني لا يجرؤ أنه ينافسك...
-اه وعبيط أنا علشان اصدقك، لا ده أنتَ...
قبل أن يُكمل، فُتح الباب ودخلت الممرضة وممرضة أخرى تحمل الطفل بين ذراعيها وابتسامة عريضة على وجهها، اعتدلت جهاد قليلًا وساعدتها انتصار وسلمى....
ناولتها الممرضة الصغير قائلة:
-يتربى في عزكم أن شاء الله..
أخرج زهران ورقتين نقديتين من جيبه ومد يده لهما بهما متمتمًا:
-تسلمي تعبناكي معانا..
-لا يا حج والله ملهوش لزوم..
-خدي بس...
تناولت النقود على استحياء وابتعدت قليلًا لكنها بقيت في الغرفة، تعطي المساحة للأم مع صغيرها بعدها سوف تخبرها بأن ترضعه، وبعض التعليمات إلى أن يأتي الطبيب...
تأملت جهاد الصغير بذهول وهي تسأل نفسها؟
هل كبرت إلى هذا الحد؟؟
هل سوف تصبح مسؤولة عن روح؛ مسؤولية كاملة مع زوجها؟!
كان الحمل كله لا يكفي لإقناعها، لكن رؤيته بين أحضانها جعل الأمر مختلفًا...
كانت يداه صغيرتان وعيناه شبه مغلقة، هبطت دمعة ساخنة من عيناها وهي تحاول أن تصدق المشهد وتستوعبه...
لقد مرت الأيام سريعًا، تلك الفتاة التي كانت تلعب بالدمية الخاصة بها أصبحت أمًا، ووالدتها ليست بجوارها في لحظة هكذا.......
أقترب سلامة منها بعدما أفسحت له سلمى الطريق ونظر إلى الصغير بانبهار...
لقد رأى أطفال كثير لكن بعد ساعات قليلة من الولادة أول مرة تحدث معه، وهذا ليس أي طفل، بل ولده هو...
هذا شعور لا يُقارن....
كانت مشاعره غريبة، يده مرتجفة وهو يقترب بها من الصغير حتى يلمس يده، كان أحساسًا غريبًا ولكن على ما يبدو هو يشبه الرجال التي تخشى حمل الصغير حديث الولادة بسبب خوفه من أذيته بدون قصد...
احتضن جهاد وهو يجلس بجوارها وترك قُبلة على رأسها، فنظرت إليه مبتسمة، من دون مشاكسة أو شجار في تلك اللحظة، كان الأمر غريبًا جدًا...
ولا أحد قادر على أن يتفوه بحرف..
أقترب زهران ينظر إلى الطفل مغمغمًا:
-فيه مني على فكرة بس أنتم ضريتوا الواد لما مسمتهوش زهران وبكرا تندموا..
ضحكت سلمى ثم قالت:
-عنده حسنة في وسط مناخيره يا عم زهران اعتبرها هي النقطة بتاعت النون ومشي الدنيا..
طرقات خافتة على الباب أذن الجميع لصاحبها بالدخول، فدخل نضال مبتسمًا حينما رأى الطفل في حضن جهاد الذي كانت بين أحضان سلامة تقريبًا...
تمتم زهران وهو يذهب إليه:
-اهو ده ابني الحقيقي، ابن عمري اللي هيجيب زهران الصغير اللي هيكمل تاريخي وهيفرح قلبي أنا عارف....
رد عليه نضال بنبرة خافتة:
-اعدي بس مرحلة السلم وأوعدك نشوف حوار زهران ده...
قالت انتصار بعفوية وهي توجه حديثها إلى زهران:
-البت سامية اتاخرت هي ووفاء، كلمها يا زهران احسن تكون تاهت على الوصف بتاعك وأنا أول مرة أجي هنا مش عارفة أوصف ليها أصلا...
قال سلامة هنا:
-أنا هبعتلها اللوكيشن أحسن وصف بابا هتروح بيه المريخ ومش هتيجي النهاردة...
_____________
بعد مرور بضعة أيام.....
في أحدى المنتجعات التي تطل على البحر، تقلب جواد في نومته ومرر يده على نصف الفراش الأخر ليجد مكانها خالي، فتح عينيه واستلقى معتدلًا ثم مد يده نحو الكومود بجوار السرير، التقط نظارته الطبية...
نظر ناحية المرحاض فوجد بابه مفتوحًا علم بأنها لا تتواجد بداخله ولأن الإضاءة فيه مُغلقة..
نهض من فوق الفراش ثم إزاح الستارة قليلًا ليظهر له الجزء الزجاجي العاكس، والذي يطل على حمام السباحة والحديقة فهي فضلت هذا المشهد أكثر من الطابق العلوي لذلك استقر معها في تلك الغرفة..
لبى رغبته...
وجدها جالسة في الخارج مازالت بملابسها الخاصة بالنوم كانت على راحتها لأنها في مكان خاص بهما، مكان يعود إلى عائلة جواد...
كانت تضع الهاتف على أذنيها وتتحدث في الهاتف....
لم يكن عليه تخمين هاوية من يحدثها....
فابتسم قليلًا ثم توجه صوب المرحاض حتى يغسل وجهه وأسنانه، لكنه اندهش حينما لمح الساعة المعلقة في الحائط ليكتشف بأن الساعة لم تتجاوز العاشرة صباحًا بعد!
في الخارج..
كانت إيناس تتحدث مع حور في الهاتف بعدما انتهت من الحديث مع صغارها قبل أن يهبطا مع والدتها التي تقصد الذهاب إلى شقيقتها سمر التي تقطن في منطقة بعيدة ويستغرق الطريق إليها ساعتان تقريبا فهي تذهب إليها مبكرًا حتى تجلس معها وقتًا كافيًا...
كان الجميع يحاول أشغال الصغار وتدليلهما إلى حين عودة إيناس من السفر مع زوجها، لقد غادرت في صباح اليوم التالي من عقد قرانها معه الذي مر عليه أربعة أيام....
-ماشي لو في أي حاجة كلميني يا حور أنا صاحية ومش هنام تاني ماشي؟.
سمعت شيئًا من شقيقتها فقالت:
- طيب، سلام....
أغلقت المكالمة فوجدت من يجلس بجوارها محاوطًا خصرها على "الشازلونج" الخشبي الموضوع فوقه وسادة ملونة ومفروش بعناية حتى يجعلك تشعر بالاسترخاء....
فخرجت منها شهقة على الفور عند اقترابه كونها لم تشعر بـ إتيانه أبدًا، لم يكن هناك صوت سوى الماكينة الخاصة بحمام السباحة التي تقوم بتنقيته وفي الوقت ذاته تعمل على ضبط درجة حرارته...
هدأت أنفاسها حينما استدارت برأسها ونظرت إليه، هنا قال جواد بسخرية:
-من ساعة ما بقيتي معايا وأنتِ مبتناميش، يعني احنا رجعنا امبارح من برا ونمنا متأخر أصلا مكملناش ثلاث ساعات، وصحيت لقيتك مش جنبي، شكلك منمتيش أصلا...
قالت إيناس بخجل طفيف:
-استنى اشرحلك..
قاطعها هو بنبرة مرحة وهو يترك قُبلة على وجنتها لا تناسب الحديث الذي يدور بينهما:
-تشرحيلي إيه؟ أنتِ مخطوفة يا إيناس؟ أصل دي تصرفات حد مخطوف أو متجوز غصب عنه طول النهار عماله ترغي في الفون تقريبًا، أنتِ بليل بس لما هما بيناموا بتكلميني أنا علشان مفيش غيري صاحي مش أكتر يعني لولا كده هتكملي كلام معاهم...
حاولت شرح شيئًا ما لكن كلماتها ومواضيعها غير مرتبة تمامًا، ومبعثرة لأن عينيه كانت تشد انتباهها على مسافة قريبة:
-لا مش الفكرة، أنا بس مش عارفة أنام أوي مش متعودة على تغيير الأماكن وببقى قلقانة على جنى وجواد لأن أكيد هما تاعبينهم، وعلشان بيصحوا بدري بقعد أكلمهم وكمان كنت بكلم نسمة هي كمان بتصحى بدري
رد عليها جواد بتعليق غامض رغم سعادته العميقة على حرصها اليومي حتى في شهر عسلهما بالاهتمام بـ نسمة بشكل غير مفتعل أو تمثيلي، فهي تحدثها في الصباح والمساء تقريبًا مثلما تحدث أطفالها:
-كله بيصحى بدري إلا أنا يعني؟؟.
ضحكت رغمًا عنها حينما لمحت شيئًا من العبوس في ملامحه المريحة أكثر من كونها جميلة...
-حاجة زي كده.
تمتم جواد بنبرة هادئة وهو يستند بذقنة على كتفها:
-يعني أنتِ مش مخطوفة؟..
كانت صريحة بشكل غريب معه، في تلك الأيام الجميلة التي تقضيها معه واللحظات التي تسرقها من الزمن في سبيل سعادتها، كانت معه كتاب مفتوح، كان يجعلها تترك العنان لأفكارها ومشاعرها، رغباتها، دون خوف أو تردد...
كان ينفذ لها كل ما تريده مهما كان بسيطًا، جعلها أمرأة لا تخشي قول الشيء الذي تريده لزوجها حتى تتجنب شجار لا داعي له، كان حنونًا ولينًا، شغوفًا إلى أبعد حد بها، رائعً في لمساته وكلماته، غزله الراقي كل شيء به كان يذيبها...
-لا أنا بس مش متعودة لا على البعد وتغيير المكان والسفر، وبعدين أنا لسه ماخدتش عليك...
ضحك جواد وهو يشدّ يده حول خصرها بعفوية:
- كل ده؟! أومال هتاخدي عليا السنة الجاية يعني؟ على فكرة أنتِ المفروض تركزي معايا، وتستمتعي بكل لحظة معايا وتستغليها بعد كده هتشوفيني صدفة، يعني احنا لما نرجع هتلاقي نسمة وولادك معاكي طول الوقت أنا اللي هكون في المستشفى هتشوفيني صدفة....
عبست ملامحها تمامًا وقالت معترضة:
-يعني إيه؟ مش هشوفك خالص؟؟..
ثم تذكرت ما كان يحدث في المستشفى ووجوده في غالبية الوقت في العمليات، وقالت بنبرة كئيبة فقد اعتادت قربه:
-أنتَ فعلا بتكون أغلب الوقت في الشغل.
هز رأسه موافقًا لكنها قالت وهي تحاوط عنقه:
-بس بترجع حتى لو متأخر عادي هستناك أو هصحى على ميعادك أكيد هشوفك، إيه هشوفك صدفة دي؟؟
-ومدام أنتِ زعلانة أوي كده ماسكة الموبايل طول اليوم ليه؟...
قالت إيناس باعتراض واضح:
-ما أنا معاك، هو في حد هنا أعرفه غيرك؟ أنا بس بتكلم معاهم كده كام دقيقة مش أكتر....
نهض من المكان وشدها حتى تنهض متوجهًا إلى الداخل وكانت نبرته ما بين الدعابة والحب:
-معلش أنا ظالم، يلا نفطر، والمرة الجاية اوعدك لما نسافر هجيبهملك كلهم معاكي علشان متضطريش تكلمي طول اليوم وتشيلي الهم بس لغايت ما يجي الوقت ده أنتِ بتاعتي...
___________
جاءت سلمى ثم وضعت القهوة على الطاولة أمامه ثم جلست بجواره على الأريكة في شقة سلامة وجهاد..
منذ ولادة جهاد وهي تقضي اليوم كله معها تقريبًا....
حتى أنها تبيت هنا تحت إصرار جهاد...
أحيانًا يمكث سلامة في الحجرة الخاصة بالأطفال وهي تنام مع شقيقتها وفي غالبية الأوقات كان سلامة ينام بالأسفل في شقة والده حتى يتركها على راحتها مع شقيقتها ولا يقيد حريتها.......
هكذا كانت تمر الأيام، سلمى لم تعد تذهب إلى عملها سوى ساعتين فقط في اليوم، خفّضت عدد الحصص التي تقدّمها في صالة الألعاب الرياضية، لتتمكن من مساعدة شقيقتها قدر استطاعتها..
لم تكن خبيرة في تلك الأمور، لكن نضجها كان كافيًا ليجعلها تحاول التعامل بحذر وصبر، عكس شقيقتها التي في بعض الأحيان تبكي كما يبكي الصغير....
كان الجميع يساعدهما بقدر استطاعته، مثل انتصار، سامية، وفاء وأكثرهم انتصار..
اللقاء بينها وبين نضال أصبح نادرًا حينما يأتي إلى هنا يُلقي التحية على شقيقه فـيراها ويتحدث معها؛ واليوم كله من الممكن أن تجمعهما الرسائل أو مكالمات حينما يعود إلى المنزل وتصبح هي متفرغة حينما تنام شقيقتها والطفل...
تمتمت سلمى بنبرة هادئة:
-بكرا أنا مش رايحة الشغل على فكرة هنزل مع سامية ووفاء وهنروح نشوف الفستان...
الأمر كان طبيعيًا أن يخرج من فم فتاة أقترب حفل زفافها؛ لكن ذكر اسم سامية على لسانها في سياق كهذا لم يكن عاديًا أو طبيعيًا أبدًا...
كان ينظر إليها يحاول هضم كلماتها وكوب القهوة بين يديه....
تمتمت سلمى بجدية:
-في مشكلة ولا إيه؟!.
خرج منه رد منطقي:
-هو مفيش مشكلة أكيد بس هي حاجة غريبة شوية، يعني أنتم مش صحاب...
لم يرغب في أن يذكر ما دار بينهما منذ أشهر قليلة، ولا المشادة التي قامت بسبب سامية؛ والآن سوف تذهب معها لاختيار فستان حفل زفافها!!!!.
هو لا يفهم ما الذي يحدث..
لأنه ليس لديه أي علم عن إتيانها إلى منزل سلمى والحديث الذي دار بينهما...
علقت سلمى على كلماته ببساطة:
-بالمرة بقا علشان تبقى عارف كمان هي اللي هتحط ليا الميكب يوم فرحي، عرضت عليا وأنا وافقت، وبالنسبة للفستان هي قالتلي تعرف اتيلية كويس عندهم options كتيرة أوي، وممكن يعملوا ليا لو أنا عايزة حاجة معينة...
رغم عدم ارتياحه إلى الفكرة...
لأنه لا يصدق تساهل سلمى ولا يرغب في شجار جديد بسبب هذا الأمر، إلا أن نضال تحدث بنبرة هادئة في النهاية:
-اللي يريحك يا حبيبتي اعمليه مفيش مشكلة خالص.
في تلك اللحظة خرج سلامة من الرواق وهو يحمل الصغير بين ذراعيه الذي أعتاد على حمله وأصبح متعة بالنسبة له، قائلًا:
-المفروض اتشكر، اترحمتم من القعدة على السلالم من ساعة ما أبو زاهر ربنا يطول عمره رجع من السفر...
ضحكت سلمى بخجل، ثم قالت مازحة تستفزه:
-لا أبو زهران من غير النون أحسن..
ثم نهضت وولجت إلى الداخل حتى تطمئن على شقيقتها؛ وإذا كانت تريد مساعدتها في شيئا ما...
أردف سلامة بملل يوجه حديثه إلى شقيقه:
-ما تتجوزوا بقا بدل ما أجوز زاهر قبلكم، مش معقول ده، التأخير ده مش طبيعي، أنتم معمول ليكم عمل، ده حتى دياب عمل موف أون وخطوبته كمان كام يوم على واحدة تانية وأنتم لسه قاعدين، واخته اللي اطلقت بمحاكم اتجوزت تاني وأنتم قاعدين، ده احنا خلفنا وأنتم..
قاطعه نضال بغضب، وهو ينهض:
-واحنا متنيلين قاعدين متكملش؛ يلا أنا نازل أحسن عندي مشوار مهم.....
_____________
بعد مرور أسبوعين تقريبًا...
يتحدث معها في الهاتف بعد منتصف الليل...
ليست من عادته أن يحادثها في هذا الوقت المتأخر حتى لو كان مستيقظًا!!
لكن اليوم كان الأمر مختلفًا..
مختلفًا جدًا...
أنه اليوم الذي يسبق حفل خطبتهما..
غدًا حفل الخطبة، الذي سوف يقام في أحد الفنادق المعروفة، أصر والدها على إقامة حفل خطبة كبير، هي ابنته الوحيدة ولديه مطلق الحرية أن يقيم الحفل كما يريد ويليق بها...
وفقًا للتقاليد حفل الخطبة من يتحمل تكاليفه ومصاريفه عائلة العروس، عدا الفستان وأمور الزينة..
-ابعتي يا ريناد صورة الفستان كده الله يباركلك كوني جدعة علشان ارتاح...
لم تكن تلك المرة الأولى الذي يطلب منها دياب هذا الطلب، لكنها في كل مرة تجد ذريعة مختلفة للهروب، وتلك المرة أخبرته سبب جديد ومختلف تمامًا:
-فأل وحش تشوف الفستان قبل الخطوبة وخلاص هتشوفه بكرا.
قال دياب من شرفة منزله، يدخن بعيدًا عن أعين والدته وأخته:
-فأل وحش إيه؟؟ هو مش الحوار ده بيكون على فستان الفرح أساسا؟ ده احنا لسه في الخطوبة وبنسمي، وبعدين أنتم عندكم في الـ community بتاعك الفأل؟؟ بذمتك عرفتيها منين دي؟!..
ردت عليه ريناد بسخرية خفيفة:
-هو أنا جاية من الصين يعني؟ وبعدين حور قالتلي كده وأنا صدقتها..
هتف دياب بنبرة جادة وصوت قلق:
-ريناد ابعتي صورة الفستان علشان لو في حاجة ألحق اقول عليها ونتصرف علشان أنا بقلق منك، بلاش اتفاجئ بكرا، وساعتها هقلب ووشي هيقلب وهنكد على بعض في يوم زي ده..
جاءه صوت ريناد بملل بسيط:
-خلاص مفيش مفر الفستان هيتلبس يعني هيتلبس الساعة بقت اتنين خلاص حتى لو حضرتك هتعدل حاجة انتهى وقت التعديل، وبعدين ثق فيا، الفستان جميل وحور شافته هي وايناس يعني متقلقش..
رد عليها دياب بعدم اقتناع:
-إيناس شافته دي حاجة تطمن، لكن حور شافته ومش عايزاني اشوفه دي حاجة تقلق أوي مش مرتاح أنا..
تمتمت ريناد بهدوء:
-لا الفستان حلو متقلقش وبعدين أنا أكيد مش هحب أنكد على نفسي في يوم زي ده، متقلقش ثق فيا يا دياب....
-هثق وأمري لله؛ وبعدين في حاجة تانية كده أنا عايز أكد عليها..
زفرت ريناد بضيق وهي ترد عليه:
-حاجة إيه كمان دي بقا ان شاء الله؟؟.
هتف دياب بوضوح:
-أنا مبتحركش من مكاني في الأفراح اتمنى الاقيكي جنبي أنتِ كمان مش بتتحركي من مكانك..
تمتمت ريناد محتجة:
-والله؟ يعني مش هرقص مع صحابي؟ أومال أنا عاملة خطوبة ليه؟؟؟..
-اه مش هترقصي طبعًا...
-هسقف طيب واحرك كتافي بس مش بعرف أعمل حاجة غير كده أساسًا......
-لا، مش هتتحركي من مكانك هتفضلي قاعدة جنبي زي القمر كده...
أردفت ريناد ساخرة:
-لا اقفل من دلوقتي بقا أحسن علشان منكدش على بعض من دلوقتي....
تمتم دياب بنبرة جادة:
-سيبك من ده كله أنا باعتلك صورة العقد؛ وريتها لباباكي؟؟...
هزت رأسها نافية وهي تخبره:
-لا رجعت متاخر علشان كنت بستلم الفستان ما أنتَ عارف ولما رجعت كان نام، بس هوريهوله الصبح قبل ما اتحرك، بس ليه غيرت رأيك يعني؟ ما قولت هتقدم في شقق الإسكان....
رد عليها دياب بتردد وهو يشرح لها ما حدث من دون مرواغة:
-نضال هو اللي خلاني أغير رأيي، معرفش بقا هكمل في الموضوع ولا هيكون مجرد استثمار وبعدين اشوف حاجة تانية؛ هو في الحالتين اخدنا أنا ونضال لأننا مش هنخسر حاجة، نضال بيفهم في الحاجات دي، وبيتباعوا بعدها بسعر أعلى لو اتزنقت في القسط؛ هشوف بس الدنيا لو الأمور مشيت تمام خلاص هكمل، ممشيتش هبيعها وأقرب طرح للإسكان هقدم فيه....
تمتمت ريناد عبر الهاتف:
-بس الاستلام قدامه كتير أوي وفي الاسكان بيقعد كتير برضو..
تحدث دياب بنبرة عملية:
-ما احنا لما نشوف هنرسى على إيه هنرتب أمورنا على أساسه الأول ونكون عرفنا هنكمل في إيه ونشوف شقة إيجار لغايت ما نستلم بس نظبط الدنيا الأول..
حاولت ريناد بث الأمل فيه بحب حقيقي، فهي تراه يحاول وهذا يكفيها، رغم كل الضغوظات والمسؤوليات التي يتحملها أصبحت هي مسؤولية جديدة في حياته وهي تدرك ذلك جيدًا
-خير ان شاء الله متقلقش وعمومًا أنا متفائلة، يلا روح نام بقا علشان تصحى فايق وأنا كمان هروح احاول أنام..
قال دياب بصوتٍ هادئ:
-ماشي تصبحي على خير..
-وأنتَ من أهل الخير..
هكذا انتهت المكالمة..
بأمل لا يمكن لأحد أن ينتزعه...
وحب عميق يجعلك تتقبل كل اختلاف أو على الأقل تحاول أن تتأقلم معه وتهضمه لأنك تحب!!!!
الحماس كان شيئًا مشتركًا تلك الليلة، النوم جافاهما معًا......
_________
في اليوم التالي...
كانت خطبة دياب وريناد حدثًا رائعًا، منذ أشهر كان يظن الجميع بأنها مستحيلة ولكن في النهاية تم الأمر، رغم العديد من الأسباب التي كانت حائل بينهما، وسارت الأمور لصالحهما تحديدًا موافقة والدها....
في قاعة أنيقة وفاخرة، جلست ريناد إلى جوار دياب على المنصة المخصّصة للعروسين، في الخلفية كانت هناك موسيقى هادئة وراقية، بعيدة كل البعد عن الصخب.
ارتدي دياب بدلة سوداء اشتراها مع نضال، بدى فيها وسيمًا، جذابًا، أما ريناد قد ارتدت فستانًا بلونٍ هادئ يقترب من "الشامبين" يتسع بخفة ورقة من عند الخصر، وغطّت التطريزات البيضاء على شكل زهور متناهية الصغر، مانحة إياه لمسة ناعمة دون مبالغة، كان راقيًا ويشبهها، أكمامه طويلة وشفافة مطرزة بالورد ذاته، مكشوف الكتفين لكنه لا يظهر منطقة الصدر بل كان نوعًا ما ملائمًا.
أكملت مظهرها بحذاءٍ عالي الكعب مقارب من لون الفستان، كان شعرها مرفوعًا إلى أعلى بتسريحة هادئة تظهر ملامح وجهها بوضوح، لم يتم رفعه بالكامل بل هناك خصلات انسدلت برفق على جانبي وجهها وفي مؤخرة رأسها، خرجت من بين يدي المصفف عمدًا، كانت جميلة وبسيطة إلى أبعد حد، ظهرت كما تريد أن تكون عروس تشبه نفسها فقط.....
رغم التوتر الذي تشعر به، لم تفارق الابتسامة شفتيها.
كانت تحاول الانشغال بصديقاتها اللواتي يتسابقن على التقاط الصور لهما، بينما المصوّر الرسمي يطلب منها النظر نحوه كلما أراد لقطة أكثر احترافية....
وسط ذلك، مال دياب نحوها حتى تسمعه وهو يتمتم بسخرية حينما لاحظ بأنها تنظر إلى الطرف التاني:
-هو احنا متخاصمين طيب علشان ابقى عارف؟!...
نظرت إليه تلك المرة متحدثة بذهول من هذا الاحتمال:
-لا واحنا هنتخاصم ليه؟ وفي يوم خطوبتنا..
أردف دياب وهو يبتسم بخفة شارحًا الأمر:
-أصلك مدياني ضهرك ووشك الناحية التانية، هنتصور بكرا يعني ولا هنتصور وكل واحد في جنب زي المطلقين؟.
ضيقت عيناها مستنكرة:
-زي المطلقين؟ ده الكلام اللي المفروض تقوله ليا يوم الخطوبة؟!..
لم يهتم إلى كلماتها كثيرًا بل ترك عينيه تتأملان فستانها مجددًا قبل أن يقول بإعجاب صادق:
-الفستان حلو جدًا، وأنتِ طالعة حلوة جدًا زي العادة يعني...
ابتسمت بخجل شديد ثم أسترسلت حديثها بنبرة مشاكسة:
-ماشي بس ده مش هيمنع إني هنتظر موضوع تعبيري في الطلة كلها لما تروح كده في ماسدج حلوة كده احتفظ بيها..
جاءت حور من بعيد وهي تمسك هاتفها، متحمسة لتلتقط الصور معهما من هنا وحتى ينتهى الحفل لن تتركهما....
على أحدى الطاولات....
كانت سلمى تجلس بجوار نضال، وشقيقتها التي تحتضن طفلها وتجلس على الطاولة نفسها، رغبت جهاد في الخروج قليلًا من رتابة المنزل وتجديد الجو، شعرت أنها قادرة على ذلك دون جهد كبير، فقررت الحضور...
هي سئمت من البقاء في البيت.
أما سلامة ذهب إلى المرحاض...
قالت جهاد معترضة بقلق:
-سلمى الواد نايم...
أجابتها سلمى باستغراب:
-طب ده كويس ده خليه ينام..
أردفت جهاد بسخرية خفيفة، وغيظ كبير:
-كويس إيه؟؟ ده مبينامش في البيت جاي ينام في الفرح ووسط الدوشة؟..
ضحكت سلمى وهي ترى تذمر صغيرتها..
رغم أن الفارق بينهما ليس كبيرًا أبدًا لكنها دومًا كانت تراها صغيرتها وطفلها، التي على ما يبدو قد كبرت حتى صارت أم تتذمر من طفلها، بدت لسلمى في تلك اللحظة وكأنهما اثنان في عمر واحد: شقيقتها ورضيعها....
جاء سلامة وانشغلت جهاد معه، لذلك مالت سلمى ناحية نضال الصامت، وقالت سلمى بجدية زائفة:
-مالك يا نضال؟؟ ساكت ووشك مقلوب ليه كده؟..
تنهد نضال وهو يقول:
-حاسس إني بقيت حقود، وخايف تكون عيني وحشة على الناس، كله منك عمومًا..
ضحكت سلمى، ورفعت يدها لتكتم ضحكتها بصعوبة، ثم همست مازحة:
-خلاص ادعي ان محدش يتجوز ولا يتخطب لغايت فرحنا....
أردف نضال بجدية مصطنعة وهو يشاكسها:
-دعيت بس غير مستجابة دعواتي يلا هنعمل إيه شكلي مش هحب أحضر أي افراح الفترة دي ابا فرحي بعدما هرجع أحب الأفراح من تاني، بس خلاص هانت أوي كمان..
يجلس زهران مع صديقه جابر على أحدى الطاولات...
حيث أخبره دياب بأن يقوم بدعوة صديق عمر المعلم زهران الذي سافر معهما إلى الإسكندرية فلم يتردد جابر في تلبية الدعوة..
قال جابر بلهجة جادة وهو يتأمل الأجواء:
-الواد صايع اهو بس ربنا كرمه وخطب وشكله هيتجوز قبل ابنك، وعيالي كتبوا الكتاب؛ وصابر ابني اتجوز، وبعدين ده أنا حاضر كتب كتابه من زمان أوي يا زهورة هو في إيه؟ ما تشوف العكوسات دي جاية منين...
أجاب زهران بحسرة وحزن شديد على حال ابنه:
-والله مش عارف الواد ده منحسة معاه كده ليه؟! بس هانت يعني كلها اسبوعين، ثلاثة باين ما أنا قايلك؛ والواد يبطل يتحسر كل ما يروح فرح يا قلب أبوه...
جاء سلامة في تلك اللحظة وهو يحمل طفله الصغير، فوضعه بين يدي زهران الذي فتح ذراعيه بحماس بالغ، فلا شيء قد يضاهي شعور الحفيد الأول أبدًا...
أردف سلامة وهو يمد يده نحو جابر:
-ازيك يا عم جبورة إيه اخبارك؟ واحشني والله..
صافحه جابر متحدثًا بدهشة:
-أنتَ بقا سلامة مش كده؟...
ضيّق سلامة عينيه ساخرًا وهو يقول:
-في إيه يا عم جابر؟! محسسني أنك متعرفنيش، ده أنتَ حاضر فرحي وكتب كتابي وحنتي، أنا اه سافرت شوية بس مش للدرجة يعني..
رد جابر بغيظٍ:
-ايوة ما أنا بقولك اهو أنك سلامة، بقولك إيه انتَ عمال تتعب قلبي زي ما بتتعب أبوك بالظبط، يلا امشي من هنا، خليه يمشي يا زهورة...
أردف زهران بعدما ترك قُبلة على رأس حفيده:
-يلا يا واد أمشي من هنا؛ وسيبني أعرف حفيدي على صاحب عمري، يلا..
رحل سلامة وهو يضرب كفًا على كف، ثم قرر أن يستمتع بأجواء الخطبة مع دياب وشقيقه وأصدقائهما من الحي.....
تمتم جابر بنبرة جادة وهو ينظر إلى الصبي يدقق فيه:
-ما شاء الله شبهك يا زهورة، كأني شايف زهران بس على نسخة مصغرة...
قال زهران ساخرًا:
-اه زهران على نسخة مصغرة؛ بس اسمه زاهر..زهران من غير النون مش هسامح الواد سلامة على اللي عمله قال إيه زاهر اجدد؛ اجدد إيه بس؟؟ ده قديم جدًا، هو في زي زهران وحلاوة اسم زهران...
حاول جابر أن يرفع من معنويات صديقه:
-مفيش منك اتنين يا زهورة عمومًا يمكن علشان كده اتسمى زاهر...بس برضو ابنك غلطان بصراحة لو ابني هتقمص منه أنا برضو بحب العقل..
أردف زهران مستنكرًا وبشدة:
-ما خلاص يا جابر أنتَ بتسخني ولا بتهديني ما ترسى على بر علشان مقومش من مكاني أسلخ الواد زي الدبيحة....
على طاولة أخرى.....
كانت إيناس تجلس تراقب طفليها الذي يركضون مع أطفال أخري، وكان ذهنها مشغول، جواد لم يأتِ حتى الآن...
بجوارها كانت تجلس والدتها التي قالت...
-إيه اللي واخد عقلك يا إيناس؟..
نظرت إيناس اللي والدتها متحدثة بنبرة هادئة:
-مفيش بس قلقانة جواد يتأخر أكتر من كده لما كلمته قالي عنده عملية هيخلص وبعدين هيروح يغير هدومه ويجيب نسمة معاه...
ابتسمت حُسنية لها بحنان ثم ربتت على كتفها مغمغمة:
-زمانه جاي، وبعدين هو شغلته بتحكم، وربنا بيجعله سبب في شفاء ناس كتير، ربنا يقويه، ومدام قال هيجي يبقى زمانه في الطريق، أنتِ كلمتيه؟؟.
أردفت إيناس بارتباك:
-اتصلت بيه من شوية مرتين مردش فقولت يمكن يكون لسه في العمليات محبتش اتصل بيه اكتر من كده لأن مدام مردش يبقى الموبايل بعيد عنه...
قالت حُسنية بنبرة هادئة:
-متقلقيش أكيد أول ما يشوف أنك اتصلتي هيكلمك، المهم طمنيني عنكم، الأمور بينكم تمام؟؟.
ردت إيناس بحياء طفيف:
-عادي الأمور كلها تمام، يعني لسه بنحاول نفهم بعض أكتر وكده، جواد حد كويس جدًا كمان مع جنى وجواد؛ وكلنا بنحاول نتعود على بعض وعلى الحياة الجديدة.
تمتمت حُسنية بعفوية:
-باين عليه هو ابن ناس ومتربي، وباين عليه أنه بيحب عيالك وبيحب العيال عمومًا، شكله نفسه في حتة عيل..
عند ذكر تلك النقطة انتباتها مشاعر غريبة..
هو لم يتحدث معها في تلك النقطة حتى الآن..
لم يتحدث عن فكرة الإنجاب أو حتى رغبته وما يريده...
لا تعلم هل هو يترك الأمور تسير بطريقة طبيعية أم يؤجل الأمر فقط؟!
لا تدرك صراحة....
كانت إيناس ترتدي فستانًا من اللون البنفسجي ذو تصميم أنيق قامت به عند نفس المصممة التي صنعت فستان زفافها، وكانت معها حور التي ارتدت فستانًا من نفس اللون لكن بتصميم مختلف....
بعد وقت هدأ الجميع وظل يراقب العروسين في فقرة الشبكة، كانت ريناد قد ارتدت في قراءة الفاتحة دبلة من الذهب بسيطة جدًا حُفر بداخلها اسمها واسمه...
أتى دياب بالشبكة الباقية والتي حاول جعلها تناسبها نوعًا ما، وكان كل شيء من اختياره، رغبت ريناد بألا تدخل وتترك الأمر كأنها هدية لها..
هي اختارت الدبلة المصنوعة من الذهب فقط وقتها..
لكن الآن كانت هديته.....
خاتمان من ألماس، الأول سادة ولامع وفي منتصفه حجر ماس بسيط ورقيق، إلى جواره دبلة أخرى مرصعة بماسات دقيقة مصطفة بانتظام، كان اختياره يجمع بين العملية والذوق الرفيع؛ لا مبالغة فيه، ولا نقص وكان يليق بأصابعها النحيلة...
تعالت الزغاريط وقتها، ودموع والدة دياب كانت تعبر عن سعادة عارمة ورغبت في أن تكون تلك الخطوة هي الخير إلى ابنها رغم كل الفروق الواضحة بينه وبين خطيبته، تمنت له الخير فقط..
أما والد ريناد كان يشعر بالقلق لكنه سعيد نوعًا ما لأن ابنته سعيدة...
وكانت بهية تسانده في قراره بأن في الزواج فقط يعطي الآباء النصيحة واتباع الأصول لكن ليس عليهما اختيار الشريك تحديدًا إذا كان هناك من يسكن القلب..
بعدما ارتدت العروس شبكتها والعريس دبلته الجديدة بعدما صدعت الأغاني الشعبية الصاخبة ووقفت ريناد وسط أصدقائها تصفق وهي تستمع إلى تعليماته مما جعل حور تهتف:
-ارقصي بقا هتفضلي تسقفي كده للصبح؟؟ ده دياب بيرقص اهو هناك اهو مع سلامة ونضال..
كان الشباب في نهاية القاعة تقريبًا...
لذلك نظرت إليهما وأفسحت لها الفتيات الطريق للنظر لتجد ما لا تتوقعه دياب الذي أخبرها بأنه لن يتحرك من مكانه يرقص وكأنه في حالة من المتعة والجنون مع اصدقاءه لا تصدق ما تراه...
ضحكت كالمجنونة فهي لا تدرك بأنه يفعل هذا من كثرة سعادته نسى كل التعليمات وكل شيء، هنا أخذت ترقص مع صديقاتها نوعًا ما تمارس حركات ضعيفة تكاد تكون غير محسوسة لكن هذا ما تعرفه وسوف تترك نفسها تتفاعل مع الموسيقى....
في عند الباب كانت إيناس واقفة بحماس تنتظر دخول جواد ونسمة بعدما أخبرها في الهاتف بأنه يصف سيارته..
ظهر أمامها ببدلته الرمادية ونسمة معه ترتدي فستانًا أسود يناسبها صممته المصممة مع فساتين حور وإيناس..
أقتربت منها إيناس وتركت قُبلة على وجنتيها واحتضنتها هاتفة:
-وحشتيني يا نسمة رغم اني بس امبارح كنت بايتة بعيد..
ردت عليها نسمة بنبرة هادئة ومتعلثمة، فهي اعتادت على وجود إيناس والصغار في المنزل رغم المدة الصغيرة جدًا:
-وأنتِ كمان وحشتيني بلاش تباتي برا تاني البيت كان وحش من غيركم أوي..
هز جواد رأسه بنبرة جادة مؤيدًا حديث شقيقته:
-دي حقيقة..
ثم أقترب من إيناس واحتضنها تاركًا قبلة على رأسها:
-شكلك حلو جدًا على فكرة زي القمر أحسن من الصورة اللي بعتيها، صحيح ملحقتش ارد عليها، بس شوفتها بس الحقيقة دايما أجمل......
_____________
بعد الخطبة، عادوا إلى المنزل..
أوقف جواد سيارته أمام المرر الذي يؤدي إلى البوابة الداخلية من المنزل والتي أقرب من الرئيسية...
هبطت نسمة من السيارة بمساعدة بسيطة من إيناس، بعدها هبطا الصغار وأخيرًا هبط جواد....
كانت جنى تشتكي من ألمٍ في قدمها بسبب الحذاء الجديد، رغم أنه عادي جدًا، لكنه ابتسم وهو يتنهد ثم حملها بين ذراعيه برفق، خلفهما كانت تسير إيناس ممسكة بيد ابنها جواد من جهة، والجهة الأخرى ممسكة بـيد نسمة، لم ترافقهما منيرة إلى الحفل لأنها تمر بوعكة صحية بسيطة وفضلت الراحة في المنزل...
أردف جواد بعدم رضا وغيظ واضح:
-هي كدابة عماله تقول رجلها وجعاها علشان يشيلها أنا عارفها..
فقالت إيناس بلهجة متعبة:
-خلاص يا جواد.
التفت جواد وسحبه من يد إيناس ليسير بجواره ثم أردف:
-إيه مشكلتك يا جواد؟ هو أنتَ علطول كده مش عاجبك تصرفات حد؟؟.
أجابه الطفل بثقة وبساطة غريبة كأنه رجل في الخمسين:
-عادي أنا بس بتكلم في الصح دايما ومبحبش دلع البنات ده..
ضحكت جنى وأحاطت عنق "جواد" بذراعيها تغيظ شقيقها:
-خليك في حالك..
-رزلة...
كان هذا تعقيب جواد الصغير بعدها حاول جواد أن يصمتهما...
تمتمت نسمة بعفوية وهي تهمس إلى إيناس:
-جواد وجنى حلوين أوي، وأشقية، خلوا للبيت صوت طول الوقت...
ابتسمت إيناس بامتنان، كان قلبها يتسع لهذه التفاصيل الصغيرة؛ فقد صارت تعتبر نسمة كابنتها الثالثة أو شقيقة، هي سعيدة لأنها استطاعت أن تدمجها في حياة أطفالها من البداية دون حرج، هي قبل أن تأتي إلى البيت وقبل حتى زواجها..
كانت تتحدث مع صغارها عن حالة نسمة ومن يشبهها من الأطفال حتى لا يقوم أحد الصغار بتصرف عفوي قد يسبب الحرج ولحسن الحظ استوعب اطفالها الدرس، وأصبحوا أصدقاء إلى نسمة نوعًا ما وهي تحب مشاهدة لعبهما وهي تقرا كتبها، وأحيانًا تشاركهما ...
بعد ساعة تقريبًا...
عادت إيناس إلى غرفتها بعد أن تأكدت أن الأطفال غفوا من إرهاق اليوم الطويل، وكذلك نسمة...
حين عادت إلى الغرفة، وجدته جالسًا نصف جلسة على الفراش، ينتظرها بعدما أخذ حمان دافئ وبدل ملابسه، كان ينظر لها بهدوء لأنه يعلم بأنها لا تنام قبل أن تطمئن: على أولادها و نسمة....
أخذت حمام دافئ هي الأخرى ثم ارتدت ملابس منزلية مريحة...
علاقة إيناس لم تصبح جيدة فقط مع نسمة بل مع الجميع، حتى مع العاملات ومنيرة بالأخص التي أصبحت تعرف قيمتها جيدًا في هذه العائلة...
الحقيقة أن إيناس وأطفالها أضافوا رونق مختلف للمنزل، وشعور جديد...
قد يتغير المنزل إلى الاسوء أو الأفضل من أجل من يقطنه وهذا لأن رائحته واللمسات التي تتواجد فيه تتغير بوجود الأشخاص...
جلست بجواره، وانزلقت تحت الغطاء الخريفي، وأخذت تقلب الصور التي التقطتها في الخطبة...
بدت سعيدة بحق، والابتسامة لم تفارق ملامحها...
قالت بصوت دافئ:
-اليوم كان حلو أوي، ربنا يسعدهم يارب..
نظر لها يراقب ملامحها العفوية والسعيدة؛ هي امرأة قد يكون أجمل ما فيها قلبها وحنانها ولا يعتقد بأنهما موجودين بكثرة في تلك الأيام.....
-يارب..
بعد قليل..
نهض من مكانه ثم رفعت رأسها تسأله بعفوية:
-رايح فين يا جواد؟.
رد عليها جواد بنبرة عادية:
-رايح أجيب حاجة من العربية وجاي..
اختفى لمدة ربع ساعة وجلست هي في انتظاره على الفراش، ثم جاء وهو يحمل ملف ما يبدو أنه يخص عمله وضعه على الكومود بجواره:
-بكرا بما أنه مفيش مدرسة ولا حاجة هاخدك مشوار الصبح بدري..
سألته إيناس بفضول:
-هنروح فين؟
أردف جواد بهدوء متجاهلًا السؤال الذي سمعه منها مغمغمًا:
-هنروح مكان مش بعيد من هنا أوي يعني حوالي ثلث ساعة بالعربية..
ابتسمت بعفوية وهي تسأله:
-يعني فين؟! هي مفاجأة ولا إيه؟؟
نظر إليها موضحًا الأمر:
-في شقة هنروح نشوفها وأخذ رأيك فيها هي في ******* أكيد سمعتي عنه أو روحتي هناك قبل كده.
ضيقت إيناس عيناها بعدم فهم:
- سمعت عنه، بس شقة ليه؟ هو احنا هنسيب هنا ولا إيه؟.
هز رأسه نافيًا وهو يوضح لها ببساطة شديدة:
-لا أكيد، أنا كنت واضح معاكي في البداية في النقطة دي، بس ده مش بيتي ده بيت العيلة وأنتِ عارفة كده، وأنا كان عندي شقة بس بعتها، وحاليًا هجيب شقة، بس مش ليا ليكي أنتِ، هتكون باسمك وهنجيب مهندس يخلصها على ذوقك وزي ما أنتِ عايزة.
لم تهضم ما سمعته رغم أنها فهمته لكنها أردفت برفض:
-وليه؟ حتى لو هو بيت العيلة احنا قاعدين فيه ويعتبر بيتك برضو، لكن ليه نجيب شقة وأصلا مش هنقعد فيها؟ هتكون لازمتها إيه؟ وليه تكون باسمي؟!..
ضحك بخفة وهو يرمقها بنظرة مشاكسة:
-اسئلتك كتيرة أوي، كل دي أسئلة في نفس واحد؟.
لم تكن مُنفعلة لكنها كانت هادئة جدًا وهي تطرح اسئلتها:
-علشان أنا مش فاهمة، ليه بتعمل كده؟ أنا مطلبتش حاجة يا جواد منك وكمان أنا هعمل بيها إيه أصلا؟؟..
اقترب منها أكثر وقال بصوت منخفض:
- علشان عايزك مطمنة، ويكون ليكي حاجة تخصك أنتِ..
ثم أسترسل حديثه بنبرة مرحة:
-مثلا جيتي في يوم زهقتي مني واتخانقتي وحابة تروحي تغيري جو يومين تروحي تقعدي هناك، ممكن تبيعها بعدين وهي استثمار ليكي في النهاية، المهم أنها هتكون هدية ليكي وتعملي فيها اللي تعمليه في دي حاجة ترجعلك أنتِ
نظرت له مذهولة وهمست بعفوية:
-مفيش حد بيهادي حد بشقة...
ابتسم وأجاب بجدية ممزوجة بالحنان:
-أكيد مفيش حد ماشي في الشارع هيدي شقة لحد، بس اعتقد ممكن تمشي لو واحد جايبها لمراته، بقولك إيه اعتبريها لجواد الصغير يبقى يتجوز فيها لما يكبر ياستي.....
كان اقتراحه الأخير عبثي استفزها ثم أسترسل حديثه:
-أنا منمتش من امبارح تقريبًا وسوقت كتير، متقعديش تجادليني واعملي حسابك أننا هنروح نشوفها الصبح.
صمتت، ولم تجد ردًا على كلماته فقط نظرت في عينيه، تحاول أن تستوعب أنه يعني كل كلمة قالها....
اقترب أكثر وسحبها بين ذراعيه، أسند رأسه وظهره على ظهر الفراش مغمغمًا:
-ممكن اعرف أنتِ معترضة ليه؟؟.
ردت عليه بنبرة واضحة:
-مش عارفة بس حاسة أنه ملهوش لازمة تعمل كده..
كان صوته مُرهقًا، فوضعت يدها على صدره، كأنها تحاول أن تحفظ هذا الشعور، قال هو بهدوء وتوضيح:
-ايوة بس أنا شايف أنه له لازمة وحابب أعمل كده ودي المرة الأولى لكنها مش الأخيرة اللي هجيب فيها حاجة لمراتي، احنا بقينا واحد يا إيناس، وأنا عايزك تفهمي ده.
صمتت وحاولت أن تستوعب كلماته رغم أن صوته كان مُرهقًا وخافتًا وشبه ناعسًا...
ثم عرض عليها فكرة أخرى:
-ده انا لسه كنت بفكر اجيبلك عربية صغيرة كده الأول تتعلمي السواقة عليها؛ علشان تروحي وتيجي براحتك عند أهلك ولو حابة في يوم تروحي تأخدي جواد وجنى بنفسك من المدرسة....
هزت كتفيها قائلة وهي تشاركه أفكارها:
-مش حاسة..
-ليه فيها إيه دي كمان؟.
فسرت له وجهه نظرها في تلك النقطة وهي ترفع بصرها وتنظر إليه:
-يعني أنا مفكرتش في مرة إني ممكن اسوق، حاسة الفكرة نفسها مخيفة بالنسبالي وأنا شخص مش بيعرف يركز أوي...
-معتقدش هتتعودي عادي، ده متهايقلك علشان مجربتيش بس.
ساد الصمت، وظلت بين أحضانه تنظر في اللا شيء، حتى رفعت رأسها لتنطق بشيء، لكنها وجدته قد غلبه النوم...
رفعت بصرها وكانت ترغب في قول شيء له، لكنها وجدته ذهب في النوم، ابتسمت بتلقائية..
ابتعدت عنه قليلًا وخلعت نظارته الطبية بخفة ثم وضعتها على الكومود وهنا استيقظ وفتح عينه بصعوبة..
-جواد، افرد جسمك ونام كويس....
استجاب لحركتها بوعي نصف نائم، تمدد بجوارها، فيما جلست هي تراقبه بسلامٍ عجيب…..
لم تكن الكلمات كافية لتصف ما في قلبها له، لكنها كانت تعلم جيدًا: أنها هنا، وأنها أخيرًا وجدت بيتها الحقيقي، في مدة قصيرة جدًا......
لو أخبرها أحد منذ عامين بأنها سوف تطلق من زوجها، وبعد أن تنفصل عنه سوف تتزوج مرة أخرى وبتلك السرعة ورجل مثل جواد، لظنت بأنه يستهزئ بها....
لكنه القدر....
كان هو قدرها.....
تركت قُبلة على وجنتيه ثم قررت أن تستسلم للنوم بجواره....
______________
مرت الأيام سريعًا جدًا..
بعد أربعة أيام، حفل زفاف سلمى ونضال...
الذي ينتظره الجميع...
كان نضال نائمًا في فراشه، بعدما خلد والده إلى النوم...
وكان الهاتف موضوع على أذنيه، يتحدث مع محبوبته.......
-أيوة يعني الحنة الساعة كام؟؟.
جاءه صوتها متعبًا بسبب التجهيزات في تلك الفترة لكنه مشرقًا من الحماس:
-يعني على ستة، بس يعني من الصبح هيكون في حاجات ورايا..
سأل بنبرة جدية وكأنه يخطط لمعركة:
-ايوة يعني هاجي أنا امته يا سلمى؟!.
سمع ضحكة من سلمى ساخرة بعض الشيء وهي تسأله:
-هتيجي ليه وفين؟ دي حنة بنات يعني وبعد بكرا عم زهران هيعملك حنة، هو قال...
رد نضال بسرعة فائقة وحماسية:
-هحضر معاكي يعني هحضر، حتى لو أول نص ساعة يا سلمى، وبعدين أيوة هيعمل ليا حنة في الشارع بس أنتِ مش هتكوني فيها؛ وأنا بشوف فيديوهات هلبس معاكي..
رفعت صوتها مستنكرة:
-تلبس مع مين وتلبس إيه؟ دي حنة بنات والكل هيقلع، هو أنتَ عايز تيجي تتفرج يعني ولا إيه؟..
ضحك نضال ثم رد عليها ببساطة:
-لا هاجي اتفرج عليكي أنتِ، مش هطول نصاية بس.
-هو بالعافية؟ بقولك يا نضال حنة بنات وبعدين أنا مش حاجزة لبس وال show للعريس، ليا أنا والبنات وبس..
رد عليها نضال ببساطة شديدة:
-ممكن تتصلي بيها تسأليها، وهاجي يعني هاجي؛ أنا كاتب كتابة من القرن العاشر يعني هاجي بالعافية وبالذوق هاجي..
لم تستطع كتم ضحكتها هذه المرة، ثم قالت بمشاكسة:
-هو أنتَ الراجل الوحيد اللي كاتب كتب الكتاب ومش هيحضر الحنة؟؟ عادي بتحصل، والله أم أيمن كان عندها حق، سلامة محترم عندك، ما كان كاتب كتب الكتاب ومحضرش حنة جهاد عادي وكانت بنات بس.
هتف نضال منفعلًا:
-ياستي متخلنيش أغلط فيها بقا ومتجبيش سيرتها، وبعدين أنا مالي بيه هو مغفل أنا مالي؟!..
-مين ده اللي مغفل....
جاء صوت من الرواق جعل نضال ينتفض وهو يتمتم:
«بسم الله الرحمن الرحيم.»
التفت نضال ليجد سلامة واقف عند الباب، في يده ميدالية المفاتيح...
-أنتَ بتظهر أمته يا ابني؟ أنتَ بتيجي مرة واحدة كده وتدخل من غير حساب؟
تمتم سلامة ببساطة:
-بدخل بالمفتاح ده بيت ابويا، وأنا حر وبعدين عايز أسلق بيض، البيض عندي خلصان قولت أنزل اشوف عندكم ولقيت الحمدلله، مقولتش بس مين هو المغفل ده اللي بتتكلم عليه؟..
ابتسم نضال ابتسامة غامضة ذات معنى لم يفهمها سلامة وهو يقول:
-واحد متعرفهوش أنتَ، وبعدين أنتَ مالك، بتكلم في التليفون داخل في حياتي ليه؟؟
-بطمن بس، يلا أنا ماشي، لو دي سلمى سلم عليها..
رد عليه نضال بهدوء:
-الله يسلمك يا سيدي..
رحل سلامة بعدها أسترسل نضال حديثه:
-معايا يا سلمى ولا روحتي فين؟
-معاك سمعاك، كنت مستنياكم تخلصوا..
- طيب يلا الحقي كلمي الناس اللي جاية بكرا علشان يعملوا حسابي أنا هلبس لبس العريس بتاع الحنة ده اسكندراني والحاجات دي، يلا ظبطي أمورك..
ردت عليه سلمى بمرحٍ:
-جاي تحقق طموحاتك عندي؟ وبعدين يعني أنا قايلة أنها حنة بنات بس..
-جاي غصب عنك يا سلمى بقا أنا حاطك في دماغي......
صمتت سلمى لحظة ثم غيرت الموضوع بنبرة مترددة:
-سيبك من ده، في موضوع تاني في بالي..
-مش هسيبني بس ممكن نعرف الموضوع التاني دلوقتي ونرجع لموضوعنا الأساسي..
ردت عليه سلمى بقلق:
-مش عارفة جهاد بتقول أجيب بابا الفرح وأنا مش عارفة أعمل إيه؟؟
________يتبع_______
لو وصلتم لغايت هنا...
دمتم بألف خير ونتقابل في فصل جديد ان شاء الله ❤️❤️
بوتو يحبكم❤️❤️❤️
تعليقات
إرسال تعليق