القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية الماسه المكسوره الجزء الثاني العودة (عناق الدم) الفصل السادس بقلم الكاتبه ليله عادل حصريه وجديده

 

رواية الماسه المكسوره الجزء الثاني العودة (عناق الدم) الفصل السادس بقلم الكاتبه ليله عادل حصريه وجديده

 

في زحام الدنيا، التقت قلوبٌ ذاقت طعم الحب لأول مرة، فارتجف فيها الأمل ارتجاف طفلٍ يتعلّم المشي.وأخرى أنهكها الوجع حتى صارت على حافة الفراق، لا تدري أتمضي في طريقها أم تعود إلى الوراء.وبينهما قلوبٌ حائرة، تائهة بين ما تشتهي وما يُفرض عليها، تبحث عن مرفأ يهبها الطمأنينة، فلا تجده إلا في لحظة صدقٍ عابرة.

الحبُّ موجود دائمًا… لكنّه لا يسكن جميع القلوب بالطريقة نفسها."}

        ليلة عادل 🌹✍️


                الفصل السادس❤️🤫 

                   

        [بعنوان: قلوب تحيا وقلوب تموت]


مدينة سيوه الثامنة مساءً.


في الليل اجتمع أفراد الرحلة في قلب الصحراء، وقد التفوا حول النيران المشتعلة، تتعالى بجانبهم الأغاني العرباوية، بينما راح بعض البدو يرقصون في دائرة مليئة بالحيوية، انتشرت رائحة الشواء في الأجواء، واختلطت بعبق الشاي السيوي الساخن الذي كان يتنقل بين الأيادي، بدا المشهد ساحرًا، بدويًّا خالصًا، يبعث في النفوس الدفء والانبهار.


جلس رشدي إلى جوار مي، فهو لا يعرف في المكان سواها.

رشدي وهو ينظر من حوله: تعرفي إن دي يمكن أول مرة أحضر حفلة بالشكل ده؟


مي وهي تحتسي الشاي: فعلا !


رشدي بتأكيد: أنا لفيت بلاد كتير، يمكن مافيش دولة مازورتهاش، بس الأجواء دي بالتفاصيل دي لا.


مي باستغراب:غريبه يعني عمرك ما عملت خيمه نايت.


رشدي موضحاً: حضرت أكيد مع الشله، بس الفرق إننا كنا احنا اللي عاملين كل حاجة،الشوي، الخيمة، لكن..


قاطعته مي بابتسامة ساخرة: الفرق إن كان فيه خمرة ورقص وأغاني مجنونة صح؟


رشدي ضاحكا: صح.


مي: طب وانت شايف إيه؟ الأجواء دي أحلى ولا بتاعتكم؟


رشدي متنهدا: أنا حاسس إني ملان، بس مش لدرجة أقوم وأمشي، يعني أقدر أتحمل.

سكت قليلًا ثم مال نحوها بلطف: بقولك إيه، ماتيجي نتعرف على بعض بقى.


مي بدهشة: هنتعرف بعض إزاي؟


رشدي: نسأل بعض الأسئلة السخيفة دي .. بتحبي إيه، بتكرهي إيه، بتشربي إيه..


مي ساخرة:عايز تلعبها ليه لما أنت مش مقتنع بيها، وشايفها سخيفه.


رشدي موضحاً: مش حكاية مش مقتنع، بس أنا كنت بتريق على أي حد بيعملها، وبعدين ما هو نعمل أي حاجة بدل الملل.


مي بهدوء: بس ساعات بتجيب نتيجة، بتعرَّف الشخصيات على بعض.


رشدي بنبرة حادة: طب نغير الكتالوج بقى، اسأليني: أكتر حاجة بكرهها، أكتر حاجة بتعصبني، أكتر حاجة ما بحبهاش.


مي ضاحكة: ماشي يا سيدي، قول بقى.


رشدي مبتسما وهو يعد على أصابعه: أكتر أكل مش بحبه القلقاس، وصينية البطاطس باللحمة، والحاجات المسلوقة عمومًا، مش بحب الألوان الفسفورية، عارفاها؟ البرتقالي الفسفوري، الأخضر الفسفوري، الأصفر، بحب الألوان الغامقة زى الأسود أو الرمادي، بكره البني جدًا، مع إني ساعات بلبس منه درجاته التانية زي البيج والكافيه والأوف وايت.


مي: يعني بتكره البني نفسه، لكن درجاته بتحبها.


رشدي متابع: اممم، ومش بحب الهدوء المبالغ فيه، زى إن أفضل قاعد قدام البحر كده وأسرح، ولو حد لسانه طال عليّا، إيدي بتطول تلقائي.


مي بدهشة: يعني ممكن تضرب ستات عادي؟


رشدي مستنكرا وهو يرتشف رشقه من شاي: الراجل اللي يقولك "أنا مبضربش ست عشان أخلاقي متسمحش" ده كذاب، لما تيجي لحظة وتقل أدبها عليه، هيمسكها يضربها غصب عنه.


مي بضر: بس في رجالة بتضرب من غير سبب، وده مرض، مرة صاحبتي جوزها ضربها عشان خبّت منه شاحن التليفون!


رشدي:ده واحد متخلف ملناش علاقة بيه، دول ملناش علاقة بيهم، إنما أنا؟ لأ، مش أي حاجة تستاهل الضرب، أنا بضرب في حالات نادره يعني.


ضحك بعدها وهو يكمل: شوفي، لو أنتِ خدتِي مني الشاحن، هقعد اجري وراكي، مش همد إيدي، وبعدين يعني البنات اللي شبهك الواحد يستحي يضربهم.


مي بدهشة: يستحي؟


رشدي وهو يهز راسه ضاحكا:ليكى حق تندهشي، حتى أنا مستغرب الكلمة طلعت مني إزاي.


ضحكا معا.


ثم غيّر الموضوع: يلا دورك أنتِ بقى، بتكرهي أيه؟


مي بتردد: مش عارفة، يمكن مفيش حاجة بكرهها، بس أنا عكسك، بحب الالوان، مش بحب الدوشة، بحب الهدوء، وأكلتي المفضلة صينية البطاطس.


رشدي مازحًا: طب خلاص، نطلق من دلوقتي أحسن

ده إحنا من البداية مفيش أي حاجة مشتركة.


ضحكت مي لأول مرة بخفة:بس أنا زيك مش بحب اللون البني.


رشدي باسما: أهو كده بدأنا نتفق.


أخذا يتحدثان ويضحكان، ثم انشغلا بلعبة الكوتشينة.

 كان رشدي يخمها كالعادة ويحاول إخفاء أوراقه بابتسامة خبيثة.


زفرت مي باعتراض:أنا مش فاهمة أنت بتكسبني إزاي! دي خامس مره.


رشدي ساخرًا: شكلك مش بتعرفي تلعبي.


مي بإصرار: بعرف والله بس أنت اللي شكلك شاطر قوي.


رشدي وهو يرمقها بجدية ممزوجة بالمرح: تصدقي؟ صعبتِي عليا، خلاص هعترف، أنا كنت بخمك.


مي ضاحكة: أخص عليك!


رشدي: خلاص نلعب بضمير المرة دي.


مي وهي تضحك: الظبطه بفورة


رشدي: اتفقنا.


مي بحماس:هصحصحلك


وفعلًا فازت مي، فصفقت بسعادة: فوزت!


جلسا يضحكان، كأن رشدي قد خلع وجهه المعتاد وارتدى آخر أكثر بساطة ومرحًا، وكأن مي ترى للمرة الأولى هذا الجانب المختلف منه.


القاهرة 


قصر الراوي 


غرفة هبة وياسين الثامنه مساءً 


ساد الغرفة صمت خانق، لا يسمع فيه سوى أنفاس هبة المتوترة كانت تتحرك ذهاباً وإيابًا، كأن الدقائق تُثقل صدرها أكثر فأكثر، وعيناها لا تفارق الباب كمن ينتظر انفجاراً.


وفجأة، انفتح الباب دخل ياسين بخطوة واثقة، ممسكاً بهاتفه، وصوته يعلو منسجماً مع لحن يعرفه جيداً:

في جوه قلبي حاجة مستخبية كل أما أجي أقولها فجأة مش بقدر 🎶 والكلمة ديّا فيها عندي راحة بال... حبيتك يوم ماتلاقينا لما حكينا أول كلام 🎶"

كان يغني باندماج كأنه في عالم آخر، يهز رأسه بخفة، وابتسامة عابرة ترتسم على شفتيه.


التفتت هبة نحوه بغتة، نظرتها حادة كالسهم، صوتها يرتجف غضباً: أيوه طبعًا! جاي مبسوط وفرحان، ولا فارق معاك أي حاجة، والتحفة اللي سايبها في البيت دي آخر اهتمامك!


رفع ياسين عينيه إليها لحظة، ثم أشاح بنظره ومضى نحو الخزانة، فتحها بهدوء، وبدأ يفتش بين ثيابه متجاهلاً وجودها.


صاحت هبة وصوتها يعلو مع كل كلمة: أنا بكلمك على فكرة!


استدار نصف استدارة، عينيه ضيقتين وصوته بارد:

عايزة إيه مني يا هبة؟


اقتربت منه خطوة، قبضتاها ترتجفان، وكأنها تحاول كبح دموعها: فايزة هانم النهارده كلمتني بأسلوب اقل مايقال عليه شئ وقح! وبعدين بدل متروح تشتكيني لمامتك، تعال اتكلم معايا، دي أفعال ولاد ناس؟


أغلق ياسين الخزانة فجأة، ثم انحنى بجسده قليلاً حتى صار بمستواها، وصوته صار أكثر حزماً:

أولاً، اسمها والدتك فايزة هانم.

ثانيًا، وطي صوتك وإنتي بتتكلمي معايا، أنا بسمع كويس.

ثالثًا، أنا مروحتش اشتكيت كنت قاعد مخنوق، سألتني: مالك، أكيد مراتك السبب، طلقها؟ وأنا قولت مفيش حاجة.

رابعًا، لما تيجي تتكلمي معايا، تتكلمي باحترام، أنا مش شغال عندك ولا واحد من اللي في المكتب، أنا جوزك.


ارتجف صوت هبة، وعيناها امتلأتا بالدموع: أنت مشوفتش مامتك كلمتني إزاي؟ وهددتني إنها تخليك تطلقني!


ثبت ياسين نظره عليها، ورد بنبره منخفضة لكنها حادة كحد السيف: متخافيش أنا محدش بيخليني أعمل حاجة غير بمزاجي لو عايز أطلقك هطلقك بنفسي ولو مش عايز حتى لو الدنيا اتقلبت مش هطلقك فريحي نفسك.


عاد ليستأنف البحث في ملابسه ببرود، فقالت هبة بحدة: هو أنت هتخرج تاني؟


ياسين وهو يسحب قميصًا: هخرج مع أصحابي ما إنتِ مشغولة دلوقتي في حاجات كتير أهم.


تقدمت أمامه بخطوة، كأنها تسد عليه الطريق، وصوتها يرتفع: ياسين إحنا كده مش هننفع خالص.


ابتسم بسخرية خفيفة وارتفع حاجباه وكأنه يستهزئ: وأنا بقول كده برضه إيه رأيك نروح لثِرابست؟


أطرقت هبة رأسها، وصوتها يتكسر بين الغضب والحزن: لا مروحنا لأي دكتور مش هيفيد، عشان أنا عارفة مشكلتنا، مشكلتنا إني مش عايزة أقعد في القصر ده ولا عايزة ليّا علاقة بأهلك مش قادرة أقبلهم ولما نروح لثِرابست ويسألني: "إيه المشكلة؟" مش هقدر قول له: أن أمك متعنطظه، أختك بتتكلم من مناخيرها، أخوك متحرش، واثنين عايشين في اللا لا لاند، وواحد قتال قتلة، وإني أكتشف إن أهل جوزي عصابه مافيا، وأخوه الزعيم، المشكلة واضحة يا ياسين.


مسح ياسين وجهه بكفه، التعب يغزو ملامحه: هنشوف أي حل تاني، بس ممكن تقولي إنك مش مرتاحة لأهلي، لأسباب تانية غير اللي قولتيها؟


أجابت ببرود، عينيها مثبتة فيه: مفيش حل قولتلك عيلتك خلاص سقطت من نظري من ساعة ماسمعت كل حاجة وفهمت كل حاجة.


خفض ياسين صوته، وكأنه يتوسل:طب يا هبة، انسي أهلي، مش ممكن ندي نفسنا فرصة؟ نحاول نحسن من نفسنا شوية؟! خليكي معايا أنا، انسيهم بعدين هما بعدو عن كل حاجة سبنا الشغل ده من سنين، سليم وقف الشغل ده..

اقترب أكثر وهو يدقق النظرفي ملامحها: هبة، أنا لسه بحبك، صدقيني مشكلتنا مش أهلي حتى وإحنا في الفيلا إنتِ بعيدة مش حاسة إنك بعيده عني؟


هزت هبة رأسها بجمود: لا أنا مش حاسة أنت اللي مش قادر تستوعب إن الجو بتاع الخروجات الرومانسيه، والحاجات دي كانت تنفع وإحنا صغيرين، دلوقتي إحنا كبرنا، عندي مجلة، قناة، وبنت لازم أراعيها كويس، مش فاضية للحاجات دي.


شد ياسين نفسه خطوة للوراء وعينيه تتسعان: 30سنة دي كبرنا! إيه المشكلة لو سافرنا نقضي وقت سوا، انا محتاج ده، محتاج تشاركيني في ده، عايز اقضتى وقت حلو مع مراتي ولا انتِ عايزة أننا نبقى زي اللي على المعاش بيطلع رحله كل سنه وحياتهم أكل ونوم وبس؟!


أجابت ببرود: عايزاك تفهم إن في الحاجات دى دلوقت متنفعش في أولاويات.


ضحك ياسين ضحكة أقرب للمرارة: طب يعني هنروح للثِرابست عشان نصلح علاقتنا ولا لا؟!


هبه بحسم: لا مش هروح، لأنه مش هيفيد بحاجة، إحنا هنكذب عليه مشكلتنا واضحة.


ياسين بضيق وعناد: وأنا مقتنع برضو، إن مشكلتنا مش في القصر، مشكلتنا إنك بقيتي شايفة إن أي وقت نقضيه سوا حاجة تافهة، وإن شغلك والبنت أولى.


قالتها بحدة: ياسين، أكبر بقى، أنت مابقتش صغير.


ابتسم ابتسامة مكسورة: عندك حق أنا بقيت راجل تافه بيحب يخرج ويسافر، وهخرج مع أصحابي، والوقت اللي المفروض أقضيه معاكي، هقضيه معاهم، بس متشتكيش.


انكمشت هبة مكانها، ثم قالت ببرود: اعمل اللي أنت عايزه بس لو سمحت، وقف مامتك عند حدها أنا كنت هرد عليها، بس احتراما ليك معملتش كده.


التفت ياسين وهو يجمع أشياءه، صوته قاطع: ترجعي الفيلا؟


هبه: ارجع.


ياسين وهو ينظر بعيدا: لما ترجعي من السفر ارجعي الفيلا مش أنتِ مسافرة بكرة.


هبه: أيوه هسافر.


نظر إليها نظرة طويلة، ثم قال ساخرًا: تروحي وتيجي، بالسلامة يا روح قلبي، البنت هتفضل هنا متحاوليش تعترضي، هتقعد مع فريدة وباباها، وده اللي عندي، عشان مضطرش أستخدم سلطة العيلة اللي بتكرهيها، وإلا مش هتخرجي من باب القصر بالبنت، ما إحنا مافيا بقى.


ألقى كلماته الأخيرة ببرود قاتل، ثم استدار ودخل المرحاض، تاركًا الباب يغلق خلفه بثقل.

مسحت هبه وجهها بضيق وجلست


بعد وقت

سيارة ياسين التاسعة مساءً 


انطلق ياسين بسيارته في شوارع القاهرة الهادئة ليلًا. كان يلف بلا هدف محدد، يستمع لصوت المحرك أكثر من أي موسيقى، لم يرغب أن يسهر مع رشدي ولا أن يعود للأماكن الصاخبة التي اعتادها؛ كان يخشى أن يعتاد عليها أكثر.


ظل يفكر، يضغط على عجلة القيادة بإصبعه، حتى تذكر ما قالته له لوجين عن مكان جميل في زايد، فجأة غير اتجاه السيارة، وقاد بثبات نحو ذلك المكان.


دخل المطعم المفتوح، أشبه بجنينة واسعة، الأشجار تحيط بالمكان، نافورة تتوسطه، وعلى الجانبٍ فرع مائي صغير تتحرك عليه قوارب صغيرة للزينة، الإضاءة خافتة، والموسيقى هادئة.


جلس ياسين وحده، طلب مشروبًا، ثم طبق مكرونة، أخرج هاتفه، التقط بعض الصور، تظاهر بالانشغال، لكنه في الحقيقة أراد فقط أن ينعزل.


وبينما هو مستغرق في وحدته، دخلت لوجين مع مجموعة من صديقاتها ضحكاتهن تملأ المكان، لكنها لمحته قبل أن يلاحظها استأذنت من صديقاتها وتقدمت بخفة حتى وقفت أمامه.

لوجين بابتسامة واسعه: إيه ده؟!


رفع ياسين عينه بتعب: الصبح وبالليل؟ كده كتير هبدأ أزهق منك.


لوجين، ضاحكة: على فكرة المكان ده بتاعنا انت اللي جاي علينا.


عقد ياسين بين حاحبيه مازحاً: بتاعكم إزاي يعني؟


لوجين: مش أنا قايلة لك إن ده مكاني المفضل أنا وصحابتي؟


تبسم ياسين مفسرا: ما هو انتِ مش فاهمة أنا كنت زهقان وعايز أروح في حتة جديدة، افتكرت المكان، قولت أجي أشوفه، فعلا طلع حلو بس مينفعش تخرجي فيه لوحدك، محتاج حد يكون معاكي.


جلست لوجين أمامه مؤكده: أيوه، هو عائلي أنا حتى قولتلك المرة اللي فاتت، روحه أنت ومراتك وبنتك عشان في كيدز إريا ومكان لطيف شكلك بتنسى.


ياسين بضجر: لا أنا كنت عايز مكان جديد الأكل عندهم تحفة المكرونة بتاعتهم جامده أوي.


لوجين: أيوه المكرونة بالخضار صح؟


ياسين: لا بالوايت صوص جميلة أوي.


ضحكت لوجين، ثم أشارت برأسها ناحية صديقاتها: طيب أنا هسيبك بقى هروح أقعد مع صحابي.


ياسين بابتسامة جانبية: خليكي جدعة واقعدي معايا نظر نحو أصدقها الثلاث: هاتيهم معانا.


اتسعت عينا لوجين بتعجب: أجيبهم يقعدوا معاك؟


هز ياسين رأسه مبتسماً بتأكيد: آه إيه المشكلة؟ حتى أحس إني هارون الرشيد وأنا قاعد معايا بنات زي القمر.


لوجين بتعجب: مش بحس فيك الطبع ده.


ياسين مازحاً: لا أنا زمان كنت شقي بس أنا دلوقتي "مخلص سيكا".


لوجين، ضاحكة: حلوة "مخلص سيكا" دي شكلك متضايق، خناقة جديدة؟


ياسين بتنهيده: مش عايز أتكلم.


زمت لوجين شفتيها بضيق: طب ليه مردتش على موضوع "الطبيب النفسي"؟


ياسين بضجر: رفضت رفض تام وغيري الموضوع، هاتي أصحابك وتعالوا ولا أقولك، أنا مش حابب المكان هنا إيه رأيك نروح مكان تاني؟ أنا هعزمكم.


لوجين بهدوء: استنى أعرض عليهم الأول.


توجهت لوجين لصديقاتها، وبعد لحظات عادت بابتسامة، البنات الثلاث وافقوا، جاؤا معها وسلّموا على ياسين.


انتقلوا جميعًا إلى مكان آخر على النيل؛ ليس نايت  صريح، لكنه مكان صاخب، فيه رقص، مشروبات، موسيقى عالية، وأجواء مليئة بالحياة، انضم بعض أصدقاء ياسين هناك، فكبرت الشلة.


جلسوا معًا يلعبون ألعابًا كثيرة؛ كاريوكي يصرخون فيه بأصوات مزعجة جعلتهم ينفجرون بالضحك، لعبة الأغنية وتكملتها، حتى الكوتشينة، مرّ الليل سريعًا وسط الضحكات، الرقص، والأغاني، وياسين لأول مرة منذ فترة شعر أنه يتنفس بعيدًا عن كل مشاكله.


بعد ساعات طويلة من اللعب والضحك والموسيقى، خرجت المجموعة إلى التراس العالي المطل على النيل، النسيم البارد يلفح وجوههم، والأضواء تنعكس على سطح الماء، تقدمت لوجين ناحية السور، بدت عليها علامات الدوخة، فتوقفت لحظة، تستند بيدها.


اقترب منها ياسين فورًا، وقف بجوارها، يراقبها بقلق:

ياسين: إنتِ كويسة؟


لوجين وهي تلتقط أنفاسها: أيوه بس حاسة إني دايخة شوية.


أمسكها ياسين من كتفها ليسندها، نظر في عينيها بابتسامة مطمئنة: هو أنا بس اللي شايف إن اليوم ده تحفة؟


ضحكت لوجين بخفوت: لا والله تحفة بجد، أول مره اجي هنا، كويس إني شوفتك يا رب أشوفك على طول.


ياسين بلطف: والله أنا اللي مبسوط إنكوا وافقتوا تيجوا معايا أكيد اليوم مكانش هيبقى حلو كده لو مجيتوش طب فوقتي ولا لسه؟


هزت لوجين رأسها بخفة: آه فوقت.


ياسين: مع إنك ماشربتيش خالص.


مدت لوجين شفتيها: مش يمكن من الرقص واللعب اللي جوه؟ حسيت إني تعبت شوية، هو أنا ممكن بكره آخد أجازة.


ياسين بابتسامه: خدي أجازة، تستاهلي.


صمت للحظة نظر لها، ثم ابتسم ابتسامة خفيفة: بقولك إيه؟! إيه رأيك بما إن النهارده؟ عجبك وانبسطتي كده؟ نعيد اليوم ده تاني أو كل اسبوع نلم الشله نخرج تكون جامده زي دي. 


لوجين، بحماس: أنا موافقة جدًا.


الإسكندرية 


احد الحدائق الثالثة مساءً 


كانت ماسة جالسة في الجنينـة المطلة على البحر، أمامها علبة الطعام بلاستك، التي أعدتها من الصباح، النسيم كان من حولها عليل، وهدوء المكان يبعث شيئًا من السكينة في قلبها، لم يطل انتظارها كثيرًا، إذ ظهر مصطفى بخطوات واثقة، بعد ما قامت بالاتصال به لكي يأتي ليتناولوا الغداء سويا عند الشاطىء، كان يرتدي مصطفي قميص أبيض وبنطالًا أنيقًا، ونظارته الشمسية تزيد من وسامته ابتسمت له فورًا ولوحت بيدها.


مصطفى بنبرة مرحه:السلام عليكم، عامله ايه يا بنت خالتي. 


رفعت ماسة راسها وردت بنبره أكثر مرحا: وعليكم السلام، الحمد لله يا ابن خالتي. 


مصطفى وينظر من حوله: بس اشمعنا هنا.


رفعت ماسة كتفها: تغير ، تعالى أنا مستنياك عشان ناكل سوا.


جلس مصطفى بجوارها، بمسافة معقوله وبينهما وضعت الطعام فتحت العلبة وأخرجت ساندويتش، ثم مدت إليه قطعة مخلل.


ماسة بحماس: خد المخلل ده، وقول لي إيه رأيك.


مصطفى وهو يتذوق: طعمه حلو اوي، جبتيه منين ده؟


ماسة بابتسامة: أنا اللي عاملاه، عملتلكم برطمان بس قولت اخد رأيك الأول.


مصطفى بدهشة بنبرة مزاحه: بتسأليني أنا ليه يعني؟ فار تجار 


ماسة بخجل: لاء، بحس أنا مبتكسفش منك زيهم، يعنى مثلاً لما أعمل حاجة جديدة، وأول مرة أقدمهالكم، بحب أخد رأيك أنت الأول.


خلع مصطفى نظارته: ده بقى على أساس إن أنا أكتر حد قريب منك يعني؟


ماسة بحزم: آه طبعًا، عندك شك في كده؟


لم يُجيب مصطفى، بل اكتفى بتناول ساندويتش آخر، بينما نظرت له ماسة باستغراب.


ماسة:طب والصمت دى بيدل عن أيه؟


مصطفى بعتاب لطيف: يدل على إن لو فعلًا أنا أقربهم ليكي زى ما بتقولى، كنتي وقت ماتتضايقي، المفروض تتصلي تقولي لي "أنا متضايقة يا مصطفى، تعال نتكلم سوا".


ماسة بتوضيح: والله مافكرتش كده، أنا خدت بعضي ومشيت كنت مخنوقه.


مصطفى بغيرة مبطنه: حتى لو، كان المفروض تحكي لي أنا الأول قبل إيهاب، وحتى لو مش هتحكي على الأقل تعرفيني لأن فعلاً قلقت عليكي.


ماسة بتفسير قالت ببراءه: الموضوع مش كده أنا شفته صدفة فحكيت..

اضافت وهي تبتسم: فكرتني بسلوى كانت بتعمل زيك كدة لما، اتكلم مع عمار في موضوع قبلها، بتزعل..


عدل مصطفي جسده في زوايتها باهتمام: طب قولي لي إيه اللي كان مزعلك امبارح.


تنهدت ماسة قليلًا ثم قالت:بص يا سيدي، وأنا قاعدة كده فتحت الموبايل قولت أشوف سليم منزل حاجة على الفيسبوك ولا لا ..


ثم اخذت تسرد ماسة لمصطفى تفاصيل ماحدث، كيف اجتاحتها الذكريات، وبللت الدموع وجنتيها، وذلك الطيف، وكيف جلست منذ الواحدة ظهرًا حتى الخامسة مساءً على البحر وهي لا تشعر بالوقت.


تنهد مصطفى وهو يضع الساندويتش برفق جانبًا، ناظرًا لها باهتمام: بصي يا ماسة أنا فاهمك وحاسس بيكي، وده شيء طبيعي، وأكيد دي أول مرة تفتحي صور ليه بعد هروبك صح؟


هزت رأسها بالإيجاب ببطء، ويداها تعبثان بلا وعي في طرف العلبة أمامها، فتابع مصطفى بنفس النبرة الهادئة:وعشان كده طبيعي المشاعر واللخبطة اللي إنتِ فيها، طبيعي تحسي إنك مشتاقة له وفي نفس الوقت متعصبة ومش حابه الشوق دي، اللي بينكم مكانش عادي، كان حب كبير وعشرة عشر سنين، ومعظمها كانت أيام سعيدة، المشاكل مبدأتش غير بعد الحادثة وبشوية كمان، يعني مش من الأول، فمشاعرك دي كلها طبيعية اللخبطة اللي جواكي بين: أنا كارهة أنا حابة، أنا عايزة أرجع انا مشتاقه، دي كلها انعكاس طبيعي بس أنا قولتلك قبل كده، مش دي اللي تستاهل توقفي حياتك عشانه في حاجات أهم.


هبطت ماسة برأسها لأسفل، وصوتها يرتجف، بعين دامعة: بس أنا مستغربة إزاي بعد كل اللي عمله فيا، لسه بحس كده؟


صمتت لحظة، وكأن المشهد يرتسم أمامها من جديد، ودموعها غلبتها بنبرة موجوعه:أنت متعرفش هو عمل فيا إيه في الليلة اللي أنا قابلتك فيها مهما قولتلك مش هعرف أوصف.


ظل مصطفى يراقبها لحظة، ثم هز رأسه بهدوء وهو يحاول أن يبدو متماسكًا رغم غصة صوته:مش محتاجة تحكي، يومها ملامح وشك قالت كل حاجة، العلامات اللي على جسمك، نظرة عينيك، صوتك وإنتي بتحكي، الألم  اللي كان باين من غير كلام.


ثم ركز النظر في ملامحها، وتباع بعقلانية: بصي يا ماسة، أنتِ ممكن تكوني لسه بتحبيه؟! وده مش عيب، بس لازم تفهمي حاجة، مش كل الناس اللي بنحبهم ينفع نعيش معاهم.


ابتسم بخفة مرة، ثم تابع على نفس ذات الوتيرة: يعني ممكن اتنين بيحبوا بعض، وبيشوفوا في بعض حاجات كتير تأهلهم لخطوة الجواز. بس وجودهم في بيت واحد بيبقي دمار، وهو ده بالظبط اللي حصل بينك وبين سليم، وبيني وبين ندى، الحب ممكن يكون صادق، لكن القرب والعيشه تحت سقف واحد، ساعات بتبقى سُم.


نظرت إليه ماسة بعينين دامعتين، وصوتها مخنوق: طب وإحنا؟ هنعيش إزاي؟ مش هنستقر ونبقى عاديين زي الناس؟ هو لازم أعيش موجوعة! عشان نصيبي إني أحب واحد مش طبيعي في حبه؟


أخذ مصطفى نفسًا عميقًا، ونظر في البحر قبل أن يعود إليها بعينٍ ثابتة:

أنتِ مش هتبقي بخير غير لما تمسكي ورقة طلاقك بإيدك، ساعتها هتحسي بالأمان، وده أهم حاجة إنتي محتاجاها دلوقتي"الأمان"مش الحب، لما تلاقي الأمان هتعرفي تفكري صح ساعتها هتقدري تشوفي الأمور بوضوح، هل ترجعي لسليم وتسامحيه؟ أو تكملي في حياتك من غيره!؟


ترددت ماسة لحظة، ثم تمتمت بصوت متحشرج وهي تبحث عن عينيه: طب وأنت شايف أيه الصح اللي عمله؟ لأني محتارة ومش عارفه أخد أى قرار في الحرب اللى دايرة بين قلبي وعقلي.


زم مصطفى شفتيه وهو يلتقط قطعة صغيرة من الساندوتش يمضغها ببطء وهو ينظر لامتداد البحر أمامه، وكأنه يشتري وقت للتفكير.


ثم عاد بعينيه إلى ماسة: في حب بيأذي، وبيهد، أنتِ قولتيها قبل كده حب سليم أذاكي، زي ماحب ندى أذاني.


أطرقت ماسة رأسها لأسفل، وصوتها خرج متكسر، متردد بين القوة والانكسار: أنا قولت له امبارح، أقصد لما كان بيظهرلي كطيف، حتى لو بحبك مش هرجع.


ثم رفعت عينيها لمصطفى للحظة، وعيونها مليئه بالوجع والدموع المحبوسة، ثم انهارت دمعتين على خديها بلا مقاومة، وقالت بنبرة مليئه بالضعف: بس أنا نفسي أرتاح يا مصطفى، نفسي أنام من غير ماحلم بيه، من غير مافكر فيه، نفسي يعدي يوم كده من غير ما لحظة من لحظاته تيجي في دماغي، حتى لو مش بقولها بلساني، بس بمجرد مأقعد لوحدي أسأل نفسي: يا ترى هو فين؟ هيعمل فيا إيه؟ هيعمل في أهلي إيه؟ أهله ممكن يعملوا فيا إيه؟ هيعملوا فيكم إيه؟ أسئلة كتير مابتسيبنيش،وأكتر سؤال بيقتلني أنا عملت إيه غلط عشان أستاهل إن يحصل معايا كل ده؟


أطرق مصطفى برأسه للحظة، ثم تنفس بعمق، وتابع بهدوء وعقلانية: حياتنا لازم تعدي بصعوبات عشان نحس بطعمها وقيمتها، دي رحلة، فيها السهل والصعب والمستحيل، فيها الوجع وفيها الفرح، عمرك ماهتحسي بطعم السعادة والراحة والأمان غير لما تعدي برحلة زي اللي إنتي فيها دلوقتي.


رفعت ماسة عينيها الدامعتين بانكسار: الرحلة دي دمرتني.


ابتسم مصطفى ابتسامة صغيرة باهتة، وصوته خرج حنون لكنه بدعم وتشجيع: بس هتبنيكي تاني، عمرك يا ماسة مكنتي هتبقي بالقوة دي من غير كل اللي عديتي بيه، البنت البسيطة اللي بتقول حاضر ونعم وتصدق أي حاجة اتغيرت بقت اقوى، أنا متأكد حتى لو سليم وصلك، مش هترجعي زي ما كنتي، هتواجهيه، بس هتواجهيه بعقل مش بعند، ودي حاجة جديدة.


مسحت ماسة دموعها بظهر كفها، وحدقت بعيدًا نحو البحر كأنها تحاول أن ترى فيه ذاتها الجديدة ثم عادت بصوت أقرب إلى الاعتراف:

انا مش هنكر، إني كبرت واتعلمت كتير في الفترة الأخيرة، ولما اشتغلت واتعاملت مع ناس كتير غير سليم وبرا دايره حمايته، أنا بقيت أقوى ، وبقيت أعرف أتعامل وأرد.


رفعت عينيها نحوه وتابعت بصدق ممزوج بالخوف: بس صدقني يا مصطفى، مشكلتي عمرها ما كانت مع الناس، مشكلتي إني كان ملوي دراعي بأهلي، كأنهم حاطين جنزير في رقبتي ورابطيني بيه، والله العظيم لولا تهديدهم ليا باهلي كنت عرفت اتعامل، بس أنا خوفت لأني شفت بعيني كانوا هيسموا أختي، وضرب بابا بالعربية، وكانوا هيموتوا يوسف.


صمتت للحظات ثم تابعت بوجع: ساعات بحس إني لسه زي ما أنا لسه بخاف وساعات تانيه بحس إني قوية،


هزت رأسها بضعف وقالت وخوف دموع تسيل على وجهها: بس الحقيقة؟ أنا مش قوية، أنا ضعيفة ومكسورة، واللي كسرني كان الراجل الوحيد اللي حبيته وكان بالنسبالي معني كلمة (أمان)، ومن ساعتها أنا ظهري اتكسر والخوف بقي جزء منى.


مال مصطفى برأسه وهو ينظر في عينيها متسائلا: حتى دلوقت لسه خايفه، أمال أنا فين بقى؟


مسحت ماسة دموعها بسرعة، ابتسمت بتعجب: أنت؟!


رفع مصطفى حاجبيه بابتسامة قال بنبرة مازحه: إيه إنتِ دي؟! أنت مستضعفاني ولا إيه؟ لااااا بقولك إيه ماتستضعفنيشي.


فضحكا معا على آخر كلمه وهو يقلدها 


ثم تابع هو يركز النظر في عينيها بنبرة مليئه بطمئنينه:

أنتِ زمان كنتي لوحدك بس أنا دلوقتي معاكي، ماتقلقيش، أنا جنبك.


تبسمت ماسة: والله يا مصطفي يمكن اللي مهون عليا ومطمني شوية هو وجودكم كلكم جمبي، وأتمنى أنتم كمان متخذلش فيكم زى ما اتخذلت في سليم. 


مصطفى بوعد: مستحيل اخذلك ده وعد.


ابتسمت ماسه بامتنان، وقربت العلبه تجاه مصطفى بابتسامة دافئة وقالت: كل بقى، علشان مش عايزه اتاخر وممدوح يوجع لي دماغي .


مد مصطفى يده سريعًا، وتناول ساندوتش وهو يضحك قائلاً: بس تسلم ايدك الأكل طعمه تحفه


قالت ماسة بنبره حذرة:على فكرة ندى كلمتني تاني، وأنا بحاول اتهرب منها، مش عارفه اقولها ايه؟


رفع مصطفى حاجبه بجدية: ولا حاجه، خليكي زي ما انت، ولو لقيتيها بتلح كتير، قوليها متدخلنيش في حوارات مع مصطفى، وحلوا مشاكلكم مع بعض بعيد عني.


اكملا  تناول الغداء، وهما يتبادلون الاحاديث المختلفه عن العمل والامور المختلفه ايضا، ثم عادوا مره اخرى الى المركز لكي يكملوا عملهم حتى 8:00 مساء.


منزل مصطفى الثامنه مساء 


الصالة 


في الداخل، كان إيهاب جالسًا، وإلى جواره عائشة، أما نبيلة فرفعت نظرها إليهما فور دخولهما، ارتسمت على ملامحها ابتسامة باهتة، لكن في عينيها ومضة ضيق.


مصطفى: السلام عليكم 


الجميع في صوت متقارب: وعليكم السلام .


وضع مصطفى الكيس على الطاولة ضاحكًا: جبنا معانا درة مشويّة.


ابتسمت عائشة، بينما التفتت ماسة بعد أن سلمت قائلة: أنا هطلع فوق أغير وأرتاح شوية.


أوقفها مصطفى بلطف، وهو يرفع حاجبيه: ليه يا بنتي؟ خليكِي معانا، بكرة أجازة، تعالي نقعد ونسهر ونتفرج على فيلم.


ماسة بصوت هادئ: محتاجة أرتاح شوية.


في تلك اللحظة، تحركت نبيلة بسرعة لتقطع الموقف قبل أن يتدخّل أحد آخر: سيبوها يا ولاد ترتاح دي أكيد وقفة طول اليوم على حيلها.


كان تعليقها محمّلًا بما يشبه التبرير، لكن ماسة أكدت: آه، بالظبط كده.


لم يقتنع مصطفى ، ونظر إلى ماسة وأشار بيده: لا يا ماسة، مافيش الكلام ده، غيري هدومك وانزلي اقعدي معانا.


قبل أن ترد ماسة التي بدي عليها الموافقه، تدخلت نبيلة بلهجة أكثر حدّة بعض الشيء: ماتسيبها براحتها يا مصطفى.


أدار وجهه إليها مستغربًا، صمت لحظة، لكن ماسة لم تنتبه لطريقة نبيلة؛ فكان يبدو عليها أنها لا تريدها أن تجلس معهم.


ماسة: أنا فعلا محتاجه ارتاح يا مصطفى، بكره بقى نتقابل لسلام عليكم


تركهم  وخرجت للخارج وصعدت بخطوات سريعة إلى شقتها.


مصطفى نظر لأمه متعجباً: في ايه يا ماما؟!


نبيلة وهي تنظر أمامها: في ايه يا مصطفى البنت تعبانه لما بترجع متاخر، كده بتبقى حيلها مهدود سيبها ترتاح، هروح احضرلك العشا.


نهضت وتوجهت الى المطبخ بينما جلس مصطفى بجانب عائشه متسائلا: هي مالها؟!


مدت عائشه وجهها: معرفش؟!


مصطفى بشك: مش ملاحظين إن هي مكانتش عايزه ماسة تقعد.


إيهاب مستنكرا:  أمك دلوقتي عندها أفكار عجيبه فاكراني معجب بيها. 


مصطفى متعجباً: أنت كمان 


اتسعت عين عائشه بتعجب: ايه ده هي كلمتك أنت كمان في الموضوع؟؟


مصطفى: اه بس من فتره قبل منعرف حقيقتها. 


إيهاب: ربنا يهديها.


في اليوم التالي

لم تتلقي ماسة الاتصال المعتاد من نبيلة الذي كانت تنتظره كل صباح إجازة لتتناول الفطور معهم، شعرت بالحرج أن تنزل دون دعوة، حتى رنّ هاتفها، وكان إيهاب وهو يقول: يلا انزلي، عشان تكلمى والدتك.


نزلت ماسه بهدوء، فوجدت في الصالة عائشة ومصطفى فقط، بينما كانت نبيلة غائبة، سلّمت بخجل وجلست.

ماسة: إزيكم عاملين إيه؟ ماما نبيلة فين؟


مصطفى بابتسامة خفيفة: عند خالتو، تعالي اقعدي.


جلست ماسه، ثم التفتت إلى عائشة: عاملة إيه مع محمد؟


ابتسمت عائشة: الحمد لله، كويسة.


في هذه الأثناء،  جاء إيهاب وجلس على الأريكة، يحمل اللاب توب وهاتفين، وجعل ماسة تجلس بجانبه. بدا أنه يُحَضِّر المكالمة التي كان مُحَضَّر لها مسبقًا، وبالفعل بدأت ماسة في التحدث مع جميع أفراد عائلتها، وتبادلت معهم بعض الكلمات القصيرة، أنهت المكالمة بدموع مبهجة وهي تهمس:

خلاص ماشي يا ماما، حاضر يا حبيبتي، خدي بالك من نفسك، ما تقلقيش عليا، ماشي سلام.


مسحت دموعها وهي تتنهد براحه وتقول: الحمد لله، كويسين.


ربتت عائشة على ظهرها بحنان وهي متأثرة: وأنتِ كل مرة هتكلميهم هتفضلي تعيطي كده وتزعلي.


ماسة بتنهيدة مختلطة بالحزن: اعمل إيه؟! وحشوني جدًا إحساس صعب بجد ربنا ما يكتبه على حد الله يسامحك يا سليم.


في تلك اللحظة، فُتح الباب ودخلت نبيلة، ما أن رأت ماسه جالسة وسطهم بشعرها وملابسها البيتية العادية، حتى تغيّر وجهها، وانكمشت نظرتها بضيق خفي.


نبيلة بصوت مرتفع: السلام عليكم.


رد الجميع: وعليكم السلام.


مصطفى مبتسمًا: خالتو عاملة إيه؟


نبيلة: الحمد لله، ابقي روح زورها، بقالك كتير ماشفتهاش.


مصطفى: إن شاء الله هروح أزورهم قريب.


ثم التفتت نبيلة نحو ماسه ببرود: إزيك يا ماسه؟ عاملة إيه؟


ماسة بابتسامة باهتة: تمام الحمد لله، أنا طالعة فوق.


اعترضت عائشة بسرعة: إيه يا بنتي، عليكِ عفريت؟ كل شوية تطلعي فوق! اقعدي معانا شوية، هتقعدي لوحدك ليه؟


ماسه بابتسامة خجولة: عادي يعني.


لكن نبيلة قاطعتها بحدة: ماتسيبوها على راحتها يمكن وراها حاجة، مش كدة يا ماسة؟!


تبادل الجميع النظرات، فهذه هي المرة الثانية التي تتدخل فيها نبيلة بنفس الطريقة.


ماسة التي شعرت بالاحراج وفهمت قالت: اها فعلا ، هطلع أرتب الشقة وأغسل شوية غسيل، وهعمل ماسكات، ابقي تعالي يا شوشو نتفرج على فيلم وناكل فشار.


عائشة بابتسامة: ماشي أخلص شوية مذاكرة وأطلعلك.


ابتسمت ماسه شاكرة: عن إذنكم، ماما نبيلة، أنا عملت مخلل هيعجبك.


نبيلة ببرود: تسلم إيدك يا حبيبتي.


صعدت ماسه بخطوات مترددة، وأغلقت الباب خلفها وهي تهمس بقلق: ليه بتعاملني كده؟ أنا عملت حاجة غلط؟ لازم أسأل مصطفى.؟!


على اتجاه آخر.


اقترب مصطفى من نبيلة متسائلًا بلهجة جادة: ماما في إيه؟ دي مش أول مرة، امبارح عملتي نفس الطريقة، متطرديها أحسن!


التفتت نحوه بحدة: أنت بتتخلق عليا؟


هز مصطفى رأسه ضاغطًا على نفسه: لا أنا عايز أفهم أنتِ بتكلميها كده ليه؟ مش أول مرة!


تدخلت عائشة في الحوار بنبرة اعتراض: أيوه يا ماما، ده حتى امبارح، والله أنا حسيت إنك نفسك تقولها امشي ومتجيش هنا تاني بس مكسوفه.


وأكمل إيهاب بهدوء: فعلاً يا ماما أنا كمان حسيت، هي عملت لك إيه؟


أخذت نبيلة نفسًا عميقًا، ثم قالت بصرامة: هي معملتش حاجة، بس مش عاجبني الوضع، إزاي تخشوا عليها كده؟ قاعدين شباب وهي لوحدها!


مصطفى هز رأسه بغضب: إيه يا ماما اللي بتقوليه؟ وبعدين عائشة قاعدة!


لكن نبيلة رفعت صوتها أكثر: أنا مش مرتاحة! أنت قولت لي مبتحبهاش، وإيهاب قال مبيحبهاش، بس أنا متأكدة قلبكم ميال لها، وأنا مش هقبل بالوضع ده! دي ست متجوزه، وعيب يبقي في بينكم وبين بعض كلام.


تنفس مصطفى بتعب، مسندًا ظهره للكرسي وهو يزفر: نفس الموضوع تاني؟


هزت نبيلة رأسها بضجر، عينيها مليئتان بالشك: ثاني وثالث ورابع وعاشر،  أنت مش بتشوف نفسك وأنت جاي وراها عامل إزاي؟ ولما زعلت لما إيهاب خرج معاها؟

وجهت نظراتها لإبهاب: ولا إيهاب اللي فجأة  سامحها مجرد مراحت له برغم إن أحنا فضلنا قد كده نكلمه؟! كمان بقى يجيب هدايا ويهتم بيها؟ إيه ده؟


وقف إيهاب واقترب نحوها، وقال بصوت هادئ لكنه مكبوت بالغضب: ماما أنتِ عقلك كبير، أنا قولتل ك قبل كده  هي زي أختي بالظبط، زي عائشة إيه اللي حضرتك بتعمليه ده؟ وبعدين هدايا ايه ده عشان التليفون اللي جبته من زمان ولا عشان العقد اللي بالصدف اللي بيتباع ب 2 جنيه، وسامحتها بعد كلامكم وكلامها غلطت إني قبلت وسمحتها؟!، وايه المشكله لما اقف معاها واخليها تكلم اهلها مادام أنا قادر على ده، وحتى لو في مشاعر، مني أو من مصطفى زي ماحضرتك بتقولي؟! هي ذنبها إيه؟


رفعت نبيلة يديها بارتباك، وصوتها امتزج بالخوف والعناد: هي مذنبهاش حاجة، بس أنا لازم اخاف على عيالي وأقطع أي شر قبل ما ييجي، أقطع أي حاجة ممكن تجيبلي مشاكل، دي حاجة حرام، وربنا قال: اجتنبوا الشبهات، مينفعش أمشي في طريق غلط وأرجع أعيط في الآخر، مينفعش احط البنزين جنب النار أنتم رجاله وهي ست وحلوه وفيها الطمع لما الناس تشوفكم طالعين ونازلين معاها، لما تقفوا معاها لوحدكم في البلكونات، هو احنا اتربينا كده؟! لازم نحط حدود الصح مبيزعلش.


نظرت عائشة إليها بدهشة، وحاجبها مرفوع: يعني أنتِ مش عايزاها تيجي هنا تاني؟


ضغطت نبيلة يديها في بعضها، وعينيها مليئتان بالقلق، وصوتها يرتجف قليلًا: لأ هتيجي طول ما إخواتك مش موجودين، وإنتم لو موجودين الكلام يبقى خفيف،  لكن اللي بيحصل ده مش هينفع، أنا دلوقتي بمنع كارثة يمكن دلوقتي مافيش حاجة، بس بعدين واضح إنها هتبقى فيه؟!


زادت نظرتها الغاضبه تابعت بحده شديده:

أنتم الاتنين ممكن تحبوا واحدة متجوزة، وجوزها مش أي حد؟ أنا أعمل إيه ساعتها؟

استنى لما أخسر عيالي اللي تعبت سنين عشانهم؟

لا، من دلوقتي أنا هقطعها بإيدي واظن ده ميزعلش، جبتها يا مصطفى وقولت نساعدها  قولتل ك البنت صعبت عليا، ولما حكت قصتها صعبت عليا أكتر، بس مهما كان، عمري ما هخليها تصعب عليا أكتر من ولادي، ولادي عندي أهم، ولو ماسة هتجيبلي مشاكل، يبقى هي في حالها وإحنا في حالنا.


ساد صمت ثقيل المكان، وكان نَفَسها الثقيل يقطع الأجواء، كأنه صدى خوفها.


نظر لها ايهاب بصدمه قال: أنا مندهش منك ده أنت أكتر واحده كنتي بتدافعي عنها دلوقتي ماسة بقت شر وهتعمل مشكله بيني وبين أخويا وكلامك العجيب ده؟! الله يهديكي يا امي بجد مش عارف اقول لك ايه


شد مصطفى نفسه للأمام، وبان عليه الضيق، وزفر بصوت مليء بالتوتر:

ماما أنا مش مصدقك ومش هدخل معاكي في جدال على أوهامك، اللي بتقولي ده مش موجود غير في دماغك  وأنتِ كده بتشكي حتى في تربيتك لينا.


رفعت نبيلة يديها بعصبية، وعيناها تتأرجح بين الخوف والانفعال، وصوتها امتزج بالخوف والحرص:

القلب يا حبيبي، مش بيمشي بالقوانين، أنا خايفة عليكم، اللي بشوفه مش مريحني.


شدَّ مصطفى قامته أكثر، وتوترت ملامحه حتى بدا كأن صبره أوشك أن ينفد، وثبت عينيه في عيني أمه وقال بصوت يتهدج بالغضب المكبوت:

وأنا بقول لك هي بالنسبه لي اختي تصدقي بقى ماتصدقيش براحتك 


تنفّس بعمق وزفر الهواء بقوة، ثم هز رأسه بحسرة :

أمي أرجوكِ اهدي اللي بتعمليه ده غلط وعيب، ماسة هتيجي في أي وقت، هي مالهاش حد غيرنا خصوصا أنا، أنا استحاله اخذلها.


ظل إيهاب ساكت طوال الوقت، ثم خرج صوته هادئًا لكن فيه وجع: يا أمي، مع احترامي، أنتِ كده بتظلميها، ماسة زي أختنا بالضبط، إيه ذنبها تسمع الكلام ده أو تحس إننا مش عايزينها؟ ده حرام.


مالت عائشة للأمام، وبصت لأمها بجدية وقالت: فعلاً يا ماما ماسة عمرها ما عملت لنا حاجة وحشة، بالعكس بتعاملنا كلنا بحب أخوي حتى لما بتتكلم مع إيهاب أو مصطفى مبتعديش حدودها حتى مفيش سلام بالايد، لو أنتِ خايفة عليهم من الشيطان، طيب، ماهو الشيطان شاطر برضه يخليكي تظلمي حد بريء.


نظرت لهم نبيلة بعين مليئ بالخوف: أنا بحميكم من نفسكم، البنت زي القمر، وأخلاقها عالية، وأي راجل يتمناها، أنا مش هقبل يحصل بينكم أي حاجة غلط.


جز مصطفى على أسنانه اصبح لا يتحمل حديث نبيله، رفع صوته ، وعينه مليئ بالحزم:

كفاية بقى! أنا وعدت ماسة إننا هنبقى أهلها وسندها ومش هقبل أي حد يكسرها، حتى لو أنتِ يا ماما لو هتعملي كده تاني، أنا هزعل منك جدًا ولو سمحتي بلاش طريقتك دي. 


تركهم مصطفى، ودخل إلى غرفته بعصبية، وأغلق الباب خلفه بقوة، فاهتزّ البيت للحظة.


اقترب إيهاب ومرّر يده على رأسه بضيق، ثم قال بلهجة متوترة: أنتِ كسرتي بخاطرها لو عندك قلق أو شكوك، كلمينا إحنا بينا وبين بعض لكن إنك تقولي لها اطلعي فوق وسبوها، صوتك واضح إنك مش عايزاها.


نهضت عائشة وقالت بهدوء: أنا هطلع أقعد معاها عشان متحسش إنها لوحدها، ماسة متستاهلش الزعل ده.


وضعت نبيلة يدها على صدرها،  وجلست وعيناها تلمعان بالدموع، وصوتها يخرج مرتجفًا: أنا خايفة عليكم يا ولاد، خايفة من حاجة تحصل وتضيعكم.


اعتدل إيهاب في وقفته، ونظر إلى أمه بثبات، وقال بنبرة هادئة لكن حاسمة: الخوف مش كده يا أمي، اللي بتعمليه ده بيكسر بدل مايحمي ربنا يهديكي.


قصر الراوي 


السفرة السابعة مساءً 


اجتمع عزّت وفايزة ومنى وطه وفريدة وإبراهيم حول مائدة العشاء الكبيرة، يسود المكان جو من الرسميّة الثقيلة، أصوات الملاعق على الأطباق كانت هي الوحيدة التي تكسر الصمت بين الحين والآخر.


دخلت صافيناز بخطوات مترددة، تحمل شيئًا من التحدي في عينيها، وقبل أن تسحب كرسيًّا لتجلس، ارتفع صوت عزت، ناظرًا إليها بحدة.


عزت بشدة: إنتِ ناوية تعملي إيه؟


توقفت صافيناز لحظة، ثم قالت ببرود مصطنع:

هقعد على العشا يا بابي.


التفت عزت نحو فايزة، رفع حاجبه مستفهمًا:

إيه يا فوفتي، ماقولتيلهاش على الشروط ولا إيه؟


فايزة بهدوء: قولتلها يا عزت


صافيناز، بضحكة قصيرة متهكمة: هو إنتم بتتكلموا جد ولا إيه؟


شبك عزت يديه معًا وهو يحدق فيها بنظرة صارمة:

أيوه، بنتكلم بجد ولو فضلتي بنفس الطريقة، هتنقلي من اوضه الضيوف اللي فوق، وهتقعدى في الاستراحة برا.


حاولت صافيناز التماسك، لكن نبرة الاحتجاج ظهرت في صوتها: أنا عملت إيه لكل دى؟ أنا مغلطتش لوحدي!


هنا ضرب عزت بكفه على الطاولة بقوة جعلت الأطباق ترتجف: كلمة كمان يا صافيناز وهأمر إن شنطك تتنقل دلوقتي حالاً على الـجست هاوس إنتِ وأولادك.


ساد صمت ثقيل، لم يتجرأ أحد على التعليق. 


رفعت صافيناز نظرها إليهم جميعًا، عينيها تلمعان بالغضب والمرارة:

مفيش حد فيكوا قادر يقول كلمة، تمام إنتم هتفضلوا ملايكة، وأنا اللي هدفع الثمن، ماشي أنا قابلة بالوضع المهين ده دلوقتي، بس يرجع سليم وساعتها نشوف، محدش ينسي كلنا أيدينا متلوثه.


تركت الكرسي، وابتعدت عن المائدة بخطوات سريعة،

ساد الصمت للحظات بعد خروج صافيناز، وكل الوجوه التفتت إلى بعضها البعض في توتر ودهشة تبادلوا النظرات وكأنهم ينتظرون من يكسر هذا الجمود.


مسحت فايزة على كفها، ثم مالت بجسدها قليلًا نحو عزت وقالت بصوت منخفض: أهدى يا باشا أنا هسيطر على الوضع.


رفع عزت الملعقة بهدوء، وأخذ لقمة وكأن شيئًا لم يحدث، ثم التفت إليها بعينين ثابتتين: إنتِ فاكراني مهتم باللي هي قالته؟


صمت الجميع مترقبين، بينما هو تابع ببرود:

صافي دلوقتي زي العصفور المدبوح، عمالة تتمرمغ وتقول أي كلام سيبيها، أنا اللي ماسك زمام الأمور.


أعاد نظره إلى طبقه، وأكمل: يلا كملوا أكلكم.


عادوا جميعًا إلى الطعام في صمت، لكن التوتر ظل يخيم على القاعة، والهمس المكتوم يملأ العيون دون أن ينطق به أحد.


في اليوم التالي 


منزل ماسة السادسة مساء 


كانت ماسه تجلس على الاريكه تحتسى الشاي وتشاهد التلفاز.


يتعالي صوت طرق الباب فتنظر له نظرة استغراب، فمن الذى سيأتي لها في هذا الموعد!


فتحت ماسة الباب سريعًا، كانت نبيلة


ماسة بتهذب: اتفضلي يا ماما نبيلة.


دخلت نبيلة وجلست على الأريكة.


ماسة: الشاي جاهز هروح اصبلك وعندي نعناع فرش.


أسرعت ماسة لتُحضر كوب شاي وجاءت بعد دقيقة ووضعته على طاوله: اتفضلي، احلى كوبايه شاي بالنعناع.


تنهدت نبيلة وهي تنظر إليها بثبات: تسلم ايدك، زعلانة مني من اللي حصل امبارح يا بنتي؟


ابتسمت ماسة ابتسامة صغيرة: هزعل ليه؟


نبيلة بسرعة، بعينين تمتلئان باللوم: أمال يعني  معدتيش عليا الصبح ولا حتى لما رجعتي.


خفضت ماسة رأسها وقالت بهدوء: معلش كنت تعبانة وروحت من الشغل متأخرة أصلاً.


اقتربت نبيلة منها، مدت يدها وربتت على كفها: والله يا ماسة أنتِ زي القمر، وأنا بحبك ربنا وحده يعلم.


ابتسمت ماسة بعفوية: وأنا كمان يا ماما نبيلة.


لكن نبيلة سحبت يدها بجدية، ونظرتها صارت أثقل:

بقولك إيه يا ماسة أنت كبيرة، ودماغك كبيرة، وبنت ناس وتعرفي الصح من الغلط، والحلال من الحرام، أنا بمنع الشيطان يا بنتي أنتِ ما شاء الله عليكي جمال وكمال، غير إن وراكي مشاكل كبيرة فهماني طبعًا؟


ترددت ماسة قليلًا، ثم رفعت نظرها إليها: فاهمة حضرتك بس أنا مش عارفة أنتِ بتقولي الكلام ده ليه، بصراحة.


تنهدت نبيلة وأكملت: هقولك بس اوعى تزعلي أنتِ زي بنتي، مينفعش مرواحك ومجيك مع إيهاب ومصطفى، كده تخلي الناس تتكلم، الناس عارفين إنك متجوزة، حتى والله لو كنتِي آنسة، كنت هاخد نفس الموقف، هتقولي عارفين إن أنا بنت خالتهم ميمنعش برضو، واحنا هنا اصلا جداد في المنطقه وعايزين سمعتنا تبقى كويسه.


اتسعت عينا ماسة بصدمة، لم تصدّق ما سمعته، شعرت بغصّة تكتم صدرها وزعلٍ ينهش قلبها، ورغم محاولتها التماسك، ارتجف جسدها بألمٍ لم تستطع إخفاءه.


تابعت نبيله تحاول التوضيح والتبرير:

أنا ماقصدش متتكلميش معاهم خالص، لأ طبعًا، بس لازم نخلي في حدود متنزليش تحت غير لو أنا  موجودة، ولما تنزلي، يبقى كلام خفيف، وأنا وعائشة هنطلع نقعد معاكي، ولما إيهاب ومصطفى يبقوا موجودين يعني متنزليش كثير،  متزعليش مني يا بنتي، بس أنا خايفة، خايفة قلب واحد من ولادي يتعلق بيكي وأنتِ مش هتنفعي معاهم، لا لإيهاب ولا لمصطفى، وحتى موضوع التوصيله بتاعت مصطفى ليكي دي يا ريت بلاش تتكرر و القعاد على البحر كمان بتاع ايهاب.


كانت كلماتها كالسكاكين شعرت ماسة لأول مرة أنها غريبة، وكأنها دخيلة على هذا البيت، بلعت ريقها بصعوبة محاوله أن لا تنزل دموعها، تحاول الثبات.


ماسة بصوت متهدج:حضرتك عندك حق في كل كلمة قولتيها، بس والله، لا أنا ولا إيهاب ولا مصطفى حصل بينا حاجة تستدعي خوفك، مفيش غير كل احترام وأدب، أنا ساعات برجع مع مصطفى عشان بيصادف شفت مرواحه في معادي، وإيهاب مرتين أو تلاتة اتقابلنا صدفة، مرتين  عند البحر، ومرة وأنا راجعة من الشغل صدف، مش أكتر ويمكن بتشوفيني بتكلم مع مصطفى أكتر، عشان هو أول واحد عرفته هنا، وأول واحد وقف جنبي، وأكتر حد مش بخجل منه زيكم، أنا بقولك بصراحة زي ماحضرتك بتقوليلي بصراحة لكن أي حاجة تانية والله ملهاش أساس من الصحة، بس عموماً حضرتك عندك حق، أنا أسفة.


أطرقت نبيلة برأسها، وقالت بصرامة لكنها مترددة:

أنا عارفة إن دلوقتي مفيش حاجة ولازم ميبقاش في قدام كمان، أنا خايفة عليكي زي ما أنا خايفة على ولادي.


هزت ماسة رأسها وردت بطاعه: حاضر أنا هعمل اللي حضرتك عايزاه، متقلقيش، أنا هحط حدود، واعتبري كلامك متقالش.


نهضت نبيلة وهي تتنفس بصعوبة: طب عن إذنك يا بنتي.


ماسة بصوت خافت: اتفضلي.


خرجت نبيلة تاركة ماسة وحدها، جلست على الأريكة، والغصة تكتم صدرها، ارتعشت شفتاها، وبدأت دموعها تملأ عينيها حتى سالت بحرقة، لأول مرة تشعر أنها غريبة بالفعل، وأنها مهما حاولت أن تقترب ستظل على الهامش.


همست لنفسها وهي تنهار بنوبه بكاء: ليه بتعملي كده؟ أنا عملت إيه؟


ثم فجأة، ارتعش جسدها بالكامل أخذت تمسك بالأشياء حولها وتوقعها على الأرض، مزهريات صغيرة، كتب، كل ماتقع يدها عليه تكسره بانفعال، وهي تصرخ بصوت مبحوح:

أنت السبب أنت السبب!  مش هسامحك في حياتي يا سليم


وانهارت باكية، جالسة على الأرض وسط الحطام، تشعر وكأنها فقدت كل شيء، لا تملك سوى وحدتها وجراحها.


في سيوة


مرت ثلاث أيام سريعة على تلك الرحلة، لكنها لم تكن عابرة، بالنسبة لرشدي شيء ما تبدّل بداخله، إحساس جديد أخذ يتشكل، لم يعرفه من قبل.


رشدي الذي لم يعرف الحب يومًا، ولم يقترب من أي فتاة إلا وفي رأسه غرض دنيء، وجد نفسه هذه المرة مختلفًا! كأنه يعيش تجربة لم يتوقعها ! صادقًا في مشاعره، مرتبكًا أمام قلبه هو قبل أي شيء.


الأيام مرت في برنامج متنوع: صباحًا يهبطون إلى العيون العلاجية، ثم جولة في البحر، وفي أوقات أخرى زيارات للأماكن الأثرية والتقاط الصور، أما الليل فكان للسهر والضحك واللعب والأحاديث الممتدة حتى الفجر.


كل ذلك كان غريبًا على رشدي، أجواء لم يعتدها، أصدقاء مي كانوا من طبقات عالية مثله، لكنهم مختلفون تمامًا عن "أصدقائه" المعتادين: لا خمور، لا انحراف، لا أفعال مشينة، فقط حياة بسيطة، راقية، هادئة.


بالتأكيد شعر رشدى بالغربه، لكنها لم تكن هي الغاية، يكفيه فقط القرب من مي، أن يشاركها الوقت والضحك، ليشعر أنه أخذ فرصة لم يحلم بها.


ففي اليوم الأول، كان يراقبها وهي تضحك مع صديقاتها على الشاطئ، لم ير في حياته ضحكة أنقى من تلك، أما هو، فظل صامتًا على غير عادته، يكتفي بالنظر، يكتفي بالشعور.


ثم توجهوا وتوقفوا على صخرة عالية تطل على مياه صافية لامعة تحت أشعة الشمس، لكن اختار رشدي مكانًا صعبًا يتهيأ للقفز منه، بينما وقفت مي تراقبه بقلق واضح، تتشبث يديها بطرف ثوبها.


مي بخوف: رشدي بالله عليك أبعد شوية، متنطش من هنا.


ابتسم رشدي ونظر إلى الآخرين وهم يقفزون من أماكن أسهل: يا بنتي ما الناس كلها بتنط.


خطت مي نحوه بخوف ورفعت يدها لتمنعه: أيوه بس همَّ بينطوا من تحت، أنت واقف في حتة خطيرة.


هز كتفيه بثقة وابتسم ابتسامة هادئة: ما تقلقيش، أنا بعرف أعوم زي الجن.


مدت مي يدها فجأة تشده للخلف، وعيناها تلمعان بتوسل: لأ بالله عليك، وأنا موجودة متعملش كده


مال رشدي برأسه قليلًا نحوها وقال ضاحكًا: أنتِ خايفة عليا؟


ردت بسرعة، وصوتها يرتعش قليلًا: أكيد هخاف عليك،

نظره لها رشدي لثواني فهو لأول مره يشعر باحساس ان يخاف عليه أحد بهذا الشكل، فما اطيب ذلك الشعور الذي يختبره للمره الاولى.


ضحك بخفة ثم أشار للأسفل: خلاص يا ستي، هنط من تحت، وأنتِ مش هتنطي؟


أطرقت مي رأسها بخجل: لأ، بخاف.


رفع رشدي حاجبه: يعني مبتعرفيش تعومي؟


هزت مي رأسها بالنفي، وتابعت موضحه: بعرف أعوم، بس مبقدرش أنط من عالي.


قال مطمئنًا، وصوته منخفض: متخافيش، أنا معاكي.


هزت رأسها بإصرار: اقسم بالله حتى بابا نفسه مقدرش يقنعني.


ضحك وهو يلوح لها بيده: ماشي، يلا ننزل من تحت.


قفز رشدي من الجزء السهل، ثم انتظرها في الأسفل، مد يده نحوها وهي تتردد لحظة، ثم أمسكت يده ونزلت بحذر، انفجر الاثنان بالضحك بعدما وصلت، ولحظات بعدها كانا يلعبان مع الآخرين في الماء.


وفي اليوم الثاني.


بينما كانوا يلعبون على الشاطئ، تسلل أحد أصدقائها ووضع كابوريا على يد مي أطلقت صرخة مدوّية جعلت الجميع ينفجر في الضحك، فصرخت وهي تضحك في الوقت نفسه: أنتم بتهزرو أنتم هبل.


أحدهم رد ساخرًا: أنتِ اللي جبانة يا مي.


فقالت وهي تلوح بيدها:آه جبانه وأنتم متخلفين 


أمسكت حفنه من الرمل وأخذت تركض خلفهم تقذفه عليهم.


الضحكات عمت المكان، حتى رشدي نفسه ضحك، لكن داخله لم يكن كما ظاهره! كان هناك شعور جديد يتملكه، غيرة لم يعرفها من قبل، أخذت تزعجه بصمت من دون أن يفهمها تمامًا.


أما في الليلة الأخيرة، جلسوا جميعًا حول النار تحت السماء الممتلئة بالنجوم، تمددت مي على الرمل ورفعت بصرها إلى الأعلى قائلة: عارف أنا بحب أوي أجي هنا، مش أول مرة ليا، جيت كتير عشان أتفرج على النجوم وأعيش الجو ده.


نظر إليها رشدي مطولًا وقال بصدق: وانا والله، حبيت الجو ده برغم إنه مش شبهي خالص بس عشانك أنتِ حبيته.


ابتسمت بصمت، وسكتت، وكأن الصمت بينهما صار أعمق من أي حديث.

في خلال أيام الرحلة لم يجلسا كثيرًا بمفردهم، كان أغلب أوقاتهم وسط الأصدقاء، يلعبون الكوتشينة، يجرون خلف بعضهم في مسابقات عفوية، ويضحكون بلا توقف، الجو كله كان جديدًا على رشدي، لكنه رغم غرابته كان يشعر بالاستمتاع، فقط لأنها كانت هناك!


على أعلى الجبل الخامسة مساءً 


كانت الشمس تميل نحو الغروب، والبحر يمتد تحت الجبل كمرآة زرقاء شاسعة تعكس ضوء السماء وقف رشدي عند الحافة، كتفاه منحنيان قليلًا، سيجارته بين أصابعه، والدخان يتصاعد ببطء بينما عيناه غارقتان في الأفق، شد نفسًا عميقًا من السيجارة، وزفره ببطء وكأنه يخرج همومه معه، كان يفكر في مي، في صمتها المربك، وفي أن هذه الليلة هي الأخيرة لهم هنا قبل العودة، قلبه لم يعرف للراحة طريق، كان يعرف أنه لا يستطيع أن يغادر من دون أن يفهم موقفها.


بعد قليل، ظهرت مي ترتدي فستانًا أنيقًا، وفوقه قبعه من الخوص أعلى الحجاب، تمشي بخطوات مترددة كأن الهواء يدفعها نحوه، رفعت الطقيه قليلًا؛ لتكشف عن ابتسامة خفيفة وهي تقترب.


مي بنبره متعجبة وهي تميل برأسها يمينًا: ايه المكان اللي أنت جايبنا فيه ده؟


رشدي، بابتسامة هادئة وهو يرمي نظرة خاطفة نحو البحر: حبيت إن احنا نتكلم مع بعض شوية لوحدنا، بعيد عن الدوشة والجروب الرحلة، هم مسابوناش لحظة طول الرحله.


رفعت مي حاجبيها: وأنت متضايق عشان مسابوناش؟


هز رشدي رأسه نافياً: لا خالص، أنا استمتعت، بس النهارده هنمشي، وأنتِ لسه مردتيش عليا.


مي، بصوت متردد وهي تنظر للأرض وتفرك أصابعها: أنا كنت هتكلم معاك أصلاً لما ننزل القاهرة، بس شكلك مستعجل.


رشدي، بحذر وهو يقترب نصف خطوة: ويا ترى وصلتِي لإيه؟


زمت مي شفتيها بأسف، رفعت عينيها له ثم هبطت بهما مرة أخرى: أنا بصراحة فكرت كتير قبل ما أخد أي قرار، مش هينفع يا رشدي.

هزت رأسها هي تتابع بتفسير ممزوج بخوف: خايفة من موضوع إنك من عالم مختلف عني ده مخوفني جدا، بس مقدرش أنكر طريقتك عجباني، واليومين اللي قعدناهم سوا، في حاجة فيك خلتني مشدودة ليك، حابة أعرفك أكتر بس...


نفخ رشدي دخان سيجارته ببطء، يراقبها بصمت وعينيه تضيقان قليلًا وهو يستمع لها


تنهدت مي تنهيدة قصيرة، وواصلت بصوت أهدأ، كأنها تبوح بسر: بس خايفة إنجرح، لأني بصراحة من النوع اللي بيفكر بعقله، لما تيجي تختار حد تحبه أو تختاري حد تتجوزه، خصوصًا لو أنت اللي بتختاري مش القلب، لازم تختاري بالمواصفات اللي شبهك، وأنت مش شبه مواصفات الشريك اللي في خيالي يا رشدى.


عقد رشدي، حاجبيه: يعني ؟


رفعت مي، عينيها فجأة لتقابله مباشرة موضحه: يعني أنت من الناس اللي حياتهم تحت الأضواء، عندك صحاب بنات كتير، وعلاقات محرمة ممكن تحصل بسهولة، ده غير طبعًا الشرب، ودي حاجات كان يستحيل تكون في الإنسان اللي أنا أحبه وأحب إني أكمل حياتي معاه، ويكون أب لأولادي، وفي نفس الوقت في حاجة فيك بتشدني وفي حاجة بتخوفني.


توقفت قليلاً، تنفسها متسارع، ثم أغمضت عينيها لحظة قبل أن تكمل: جوايا شخصيتين بيتكلموا، واحدة بتقول لي ممكن يكون شخص مختلف، اديله فرصة، والتانية بتقول لي مينفعش، النهاية محتومة.


 شدي بفضول لكنه بهدوء وصوته فيه نبرة استنكار:محتومة؟ إزاي يعني؟! إزاي تقولي إنها محتومة حتى قبل مانخطو خطوة واحدة؟! إزاي تحكمي وأنت حتى مسمعتش دفاع المتهم! مع إن أنا مش متهم أصلاً.


مي بخجل وهي تطرق رأسها قالت بعقلانية موضحه: أنا حقيقي فاهماك والصح إني لازم أديك فرصة، بس المنطق بيقوللي مينفعش، رشدي ومي مينفعوش مع بعض، ممكن تكون كويس مع حد تاني، لكن أنا، هتحصل بينا صدمات كتير أوي يا رشدي بسبب حياتك اللي أنا وافضه كل حاجه فيها، ومبحبهاش، عشان كده بقول أزاي أدخل في طريق وأنا عارفة إن اختياري من الأساس غلط، يعني مثلًا آه أنا بتكلم في مستقبل بعيد ممكن ميحصلش، بس أنا منطقيّة جدًا بفكر في المستقبل لو اتجوزنا ورجعت سكران، هتحصل مشكلة بينا، مش هخليك تخش الأوضة، وساعتها لما نحكم حد بينا هيقول لي: ده اختيارك، الراجل مضحكش عليكي، الراجل كان واضح من الأول، فاهمني؟


مال رشدي، بجسده قليلًا للأمام وصوته اكتسب نبرة جدية نادرة: فاهمك كويس، بس المنطق مش كل حاجة، ومش لازم كل حاجه تتحل بالمنطق، لازم القلب يكون له مساحة، وأنا مطلبتش قلبك كله ولا طلبت عقلك كله، بس شوية مساحة، عشان تقدري تفكري صح، وبعدين احنا لسه هنشوف ينفع ولا لا، وبعد شوية لو تمام، هندخل في علاقة جدية، فيها برضو هنبدأ نفهم أكتر ينفع ولا لا، لو تمام هيكون في فترة خطوبة فالفترات دي كلها أنتِ أكيد هتشوفي أنا متغير ولا لا، أصلح ولا لا؟! وأنا قولتلك وهقولهالك تاني: لو حسيت إنك تستاهلي إني أتغير عشانك، ممكن أتغير.


قاطعته مي، وهي ترفع يدها بخفة: بس أنت بتقول "ممكن".


رشدي، بابتسامة وصوته يزداد دفئًا: بس مش مستحيل، أنتِ هتساعديني، أنا مش هقول لك إني ملاك، أنا مفيش حاجة حرام معملتهاش، بس اعتقد، مادام قولت لك إن عندي الاستعداد أبطل، يبقى أنا صادق، مش بثبتك، أنا أصلاً مبعرفش أثبت..

ثم تابع نبرته المستخفه المعتادة: بيقولوا عليا في العيلة إني وقح وجريء ومبكدبش، أنا بديها في الوش، مش زي أختي الحربايه.


مي باندهاش: أختك مين؟


رشدي بابتسامة جانبية وصوت ساخر: أختي الحرباية عندي أخت اسمها صافيناز أكيد عارفاها، إن شاء الله لما نقرب من بعض أكتر هديكي كتالوج كيفية التعامل مع عيلة الراوي، بس أختي دي بالذات أوعي تسلمي حتى عليها، ولو سلمتي عدي صوابعك بعدها.


مي بعتاب وهي ترفع حاجبها: على فكرة عيب تتكلم عن أختك كده، حتى لو في بينكم مشكلة.


رفع رشدي يده كأنه بيقسم: حاضر يا فندم.


ابتسمت مي ابتسامة صغيرة، وعيناها تلمعان بارتباك: أنا حاسة إنك حد كويس، بس لسه مش قادرة أخد قرار نهائي.

صمتت لحظة قصيرة، تبادلوا فيها النظرات فتنهدت وقالت:

خلاص موافقة على المبدأ، بس بشروط.


ابتسم رشدي رغم التوتر الذى يشعر به، ورد بنبره دافئه: بالرغم إني مبحبش حد يتشرط عليا، بس قولي يا ست البنات شروطك.


تنفست مي بعمق قبل أن تقول: أول حاجة، علاقتنا دي من غير مسميات لا أصحاب ولا مرتبطين، يعني مش هنتعامل كأصحاب عاديين، وفي نفس الوقت مش هنعيش دور المرتبطين.


رشدي، مقاطعا وهو يضحك بخفة: عروستي !


أكملت مي بنبرة حازمة: يعني أنت مينفعش تكلم بنات غير في الضرورة، ومش هينفع أشوفك مع بنت وأعديها، أنا عندي أصحابي شباب بس أنا كنت ناوية أول ما أدخل في علاقة ارتباط حقيقية، خلاص ميبقاش ليا غير جوزي أو الشخص اللي هرتبط بيه، فأنت لازم تعمل كده، لأن أنت الأنتيم بتوعك بنات مش شباب.


ابتسم رشدي بتفهم وهو يهز رأسه: زيزي أنا عارف (ضحك بخفة وتابع) بس زيزي دي بالنسبة لي راجل، أقسم بالله، دي أخت مش أكتر.


 مي بهدوء وهي تعقد يديها أمام صدرها: ما علينا، دلوقتي مش هينفع أقول لأهلي أي حاجة غير لما أحس بمشاعر حقيقية، أنا مش هقولك من دلوقتي "بطل الحاجات دي، بس على الأقل لازم أحس إنك ناوي بجدد، خلال أسبوعين شهر بالكتير لو حسيت بمشاعر هقولك محسيتش هنقطع الموضوع، يعني اللي بينا مش صداقة، وفي نفس الوقت مش ارتباط رسمي وبرضو، ومينفعش خيانة.


صمت رشدي للحظات، وصوته ثابت ونظراته لا تهتز: وأنا موافق.

ثم نظر داخل عينيها بثقة وهو يقول: هعرفك إن رشدي يستحق الفرصة دي.


مي، بابتسامة صغيرة وهي تعدل طقيتها: هنشوف.


ظل البحر شاهدًا على صمتهما، والهواء يعبث بملابسهما، بينما الغروب غطّى السماء بلون أحمر يليق ببداية لم تحسم بعد!


إيطاليا


قصر إريك، العاشرة صباحاً 


على أعلى قمة جبل شاهق، كان قصر إريك التابيلو شامخًا، تحيط به الغابات الكثيفة والسهول البعيدة.


وقف إريك عند السور الزجاجي في الشرفة العليا، مرتديًا قميصًا أبيض مفتوح الأزرار وبنطالًا أنيقًا، ممسكًا بكأس نبيذ يديره ببطء بين أصابعه، وعيناه شاخصتان نحو الأفق البعيد، كأنه يستنطق الغيوم.

خلفه مباشرة، وقف رجل ببدلة داكنة ممسكًا بملف يحتوي على صور لماسة في الإسكندرية، ومعها مصطفى وعائلته حتى ندى، وقد بدى أن مراقبتهم لم تنقطع منذ فترة طويلة.


قال الرجل بصوت منخفض وهو يتأمل الصور: لا تزال تجلس عند هذا الطبيب، تحاول إخفاء هويتها بارتداء الحجاب الذي يغطي وجهها، لكننا نعلم كل خطوة من خطواتها منذ اختفائها قبل عدة أشهر.


احتسى إريك القليل من الكأس وهو ينظر أمامه، صوته هادئ: وسليم؟ هل من أخبار عنه؟


أجاب الرجل بثبات: لا.


التفت إريك تسأل متعجبًا: كيف اختفى سليم بهذه الطريقة؟ ألم نكن نراقبه؟ كيف استطاع الهرب؟


أجاب الرجل بعد تنهيدة: خرج من مصر ووصل إلى ألمانيا، وكنا نتابعه حتى دخوله الفندق وفجأة، اختفى بدي وكأنه شعر بأنه مراقَب، أو ربما أراد ألا يعرف أحد مكانه، فهرب راجعنا جميع الكاميرات المحيطة بالفندق وداخله، ولم نجد أثرًا له هو ورجاله اختفوا تمامًا، وأظن أنهم لم يعودوا موجودين في ألمانيا انت تعلم سليم الراوي ليس سهلاً.


هز إريك راسه بشرود قليلا يفكر في أمر سليم 

امتلأ قلبه بالقلق رفع عينه وقال: إن وصل سليم إلى أي معلومة، فستكون كارثة لا أتمناها الآن، لا تنسَ الشحنة المتجهة إلى الشرق الأوسط، أريد أن تصل، وبعدها يمكنني أن أبدأ الحرب.


طمأنه الرجل: لا أظن أنه تمكن من الوصول إلى أي معلومة، وحتى لو حدث ذلك، سنعرف.


اقترب إريك، صوته حذر: راقب ماسة بعناية، بمجرد أن تشعر أن سليم اكتشف خيطًا واحدًا، خذ فريقك واذهب إليها واجلبها إلى هنا تحت قدمي، هي الورقة التي سنلعب بها ضد سليم.


هز الرجل رأسه، فتابع إريك على ذات الوتيرة: كما أريدك أن تفحص كل المستشفيات الكبرى التي تُجرى فيها العمليات المماثلة لتلك التي سيجريها سليم، والأطباء أيضًا، قد يكون هناك ولا يريد أحدًا أن يعلم.


 الرجل: سأفعل ذلك.


سأل إريك فجأة: وعماد ماذا عن وضعه؟


ابتسم الرجل بخبث: انتزع من زوجته أسهمها، وباع كل ممتلكاتهم لشركات بأسماء مستعاره تعود لهم، ثم عادوا إلى والده، كنت أفكر في شراء هذه الأسهم.


 إريك: ولماذا نشتريها؟ تلك الأسهم لا علاقة لها بمجموعة الراوي، إنها مجرد توسعات خاصة لصافيناز. راقبها هي وزوجته الثانية... ما اسمها؟


 الرجل: سارة.


إريك بصرامة: راقبها هي وأبناءها، حتى نعرف متى سيظهر سليم وما سبب اختفائه والأهم ماسة هي درع حمايتنا أمام سليم أما عماد فهو خطر حقيقي.


اقترب الرجل وقال بهدوء: لماذا لا نقتله؟ لقد أصبح ورقة محروقة.


هزّ إريك رأسه ببطء، وصوته صار أكثر حدة: عماد طمّاع والطماع أسهل من نستخلص منه المعلومات، لا تنسَ... إنه يعيش في داخلهم لكن سياتي يومه بالتأكيد.


خلال الأيام الثلاثة الماضية

تجنبت ماسة أي مواجهة مباشرة مع عائلة مصطفى بعد حديث نبيلة، كانت تمر عليهم كالعادة عند عودتها من العمل، لكنها لا تجلس، وتعتذر بأنها متعبة أو مشغولة.


لاحظوا جميعًا تغيرها، لكنها لم تُظهر انزعاجًا أو برودًا، بل ظلت تعاملهم بلباقة واحترام، اكتفت بالتواصل مع عائشة عبر الهاتف أو زيارات قصيرة، بينما ابتعدت نبيلة خجلًا بعد الموقف السابق.


حتى حين كانت تخرج للعمل، تتحاشى لقاء مصطفى، فكانت تطلب منه أن يسبقها متذرعة بأي سبب. وعند البحر، أقرب الأماكن إلى قلبها، كانت تنسحب في هدوء كلما لمحَت إيهاب هناك.


ذلك الانسحاب الصامت أقلق مصطفى أكثر من أي شيء آخر، لكنه ظلّ صامتًا، عاجزًا عن المواجهة أو عن مصارحة والدته.

     

في المركز الطبي، الواحدة مساء

بينما كانت ماسة تقف خلف الكونتر، اقترب منها مصطفى وقال لها بصوت مرتفع: ليندا، تعالي معايا، عايز أتكلم معاكي في حاجة.


نظرت له بعينيها، ولم تعرف ماذا تقول، فتحركت معه حتى وصلت إلى مكتبه.


مكتب مصطفى.


جلس مصطفى على المقعد الأمامي للمكتب، وجلست هي أمامه ورفعت النقاب.


ماسو باقتضاب: خير يا مصطفى؟


نظر لها مصطفى بحيرة وتسائل: إيه اللي حصل؟


ماسة بارتباك تحاول إخفاء مشاعرها: ولا أي حاجة، مفيش حاجة.


مال مصطفى تجاهها، ورد بنبره غير مقتنعه: لا، انتِ فاهمة.


نظرت ماسة جانبها، تتجنب النظر في عينيه، تحاول التظاهر بعدم الفهم: فاهمه ايه؟!.


مصطفى باستفهام: بقالك كام يوم مبتجيش تقعدي معانا، في إيه؟


ابتسمت ماسة بمراوغه: ولا أي حاجة، عادي يعني، مفيش سبب معين.


صاح مصطفى بضجر: هو أنتِ اللي طالع عليكي مافيش حاجة؟


ماسة، وهي تحاول إخفاء توترها: ماهو عشان مفيش حاجة فعلا.


تنهد مصطفى، وضيق عينيه بشك، وكأنه عرف السبب: أمي قالتلك حاجة صح؟


حكت ماسة جبينها بخفة، وقالت بمراوغه:حاجة زي إيه؟! مفيش أي حاجة.


مصطفى بحزم: امي ست كبيرة متزعليش منها أنسي اللي قالته احنا زي محنا.


رفعت ماسة رأسها قليلا، وردت باعتراض وحزم: لا، بس هي صح،  أنا لما فكرت في كلامها لقيت إنها صح، حتى لو الكلام ما بينا كله احترام ودعم اخوي، هي عندها حق، أنا هفضل طول عمري البنت الهربانة اللي أنت جبتها من الشارع في نص الليل.


ثم بدأت دموعها تنهمر غصبًا عنها، وصوتها اهتز بالغصّة:

مش هينفع أطمع بالعطف والمسامحة ووقفتكم جنبي أكتر من كده، هي عندها حق، هي خايفة يحصل حاجة، إيه المشكلة؟ احنا هنتكلم، مش قاطعين كلام، هي مش عايزاك تيجي توصلني خلاص تمام، مش عايزاني أقعد مع إيهاب مش هقعد معاه، مش عايزاني أجي وأنتم موجودين، تمام برضه


أضافت برجاء لكن بنبرة حادة: ولو سمحت متعملش مشاكل ومتقولش لمامتك حاجة، وهنفذ كلامها مقتنع أو مش مقتنع مش مهم، عشان والله هتصحى تاني يوم، تلاقينى مش موجوده لو عرفت إنك قولتها حاجة.


قاطعها مصطفى بضيق: إحنا مبنعملش حاجة غلط يا ماسة.


هزت راسها بإيجاب بنبرة متأثرة: محدش هيصدق فخلاص من فضلك، لو بتعزني متقولش لمامتك إني حكيتلك حاجه، ومتعملش أي مشكلة وسيبنا كده، وأنا لما احتاج حاجة هكلمك أكيد أنا أصلاً معرفش حد غيرك، بالنسبة لإخواتك، هقلل كلامي معاهم كان المفروض أصلاً مقربش من حد غيرك، أما بالنسبة لك، لوعايز تبعـ


باقي الفصل السادس 👇


قاطعها بضجر وهو يشير بيده: من فضلك متكليهاش، أنا وعدتك، وأنا كمان مبرجعش في وعودي يا ماسة، اوعي تتغيري معايا عشان لو اتغيرتي معايا ساعتها أنا هعمل مشكلة.


مسحت دموعها بيدها: طب عشان خاطري، خلينا ننفذ اللي هي عايزاه صدقني، أنا لو عايزة حاجة، أكيد هاجي أتكلم معاك وحياتي ده أول طلب اطلبه منك.


تنهد مصطفي ومسح وجهه، ورد بنبرة معتذرة: ماشي، أنا آسف يا ماسة، بس صدقيني أمي بتحبك بس هي بتخاف علينا زياده عن اللزوم.


ردت ماسة بهدوء وعقلانية: حقها تخاف، مش زعلان منها، هي عندما حق يا مصطفي، أنا نسيت نفسي معاكم، اعتبرتكم زي عمار ويوسف، والله العظيم اتعاملت بتلقائية، لكن في دين وفي عادات لازم نحترمهم، أنا ست متجوزه لازم احترم جوزي في وجوده زي غيابه، حتى لو مش بعمل حاجة غلط، بس الحاجات دي فعلا متصحش.

ثم تنهدت ماسة، وتابعت متسائلة: هو أنت هتسافر القاهرة بكرة؟


هز مصطفى رأسه بإيجاب: اه مسافر في حاجة؟!


رفعت عينيها نحوه: أسأل لو سليم رجع أو هيرجع قريب كده وقولي.


ضيق مصطفى عينه باستغراب: بتفكري ترجعي ولا أيه!


نظرت بعيدًا بنبرة متعبة، وكأنها استسلمت للواقع: آه بس يرجع، لأن بجد كفاية، تعبت ونفسيتي تعبت، واللى يحصل يحصل.


اتسعت عينا مصطفى بتعجب: للدرجة دي كلام ماما أثّر فيكي؟


هزت رأسها بنفي، وأجابت بنبرة متعبه: لا والله، بس ده الصح، مش هينفع أفضل هربانه كده كأني عامله عمله، أنا محتاجة أحطّ حد للخوف والكوابيس اللي بقت ملازمني زي ظلي.


ثم نهضت قائلة: هقوم بقي عشان الشغل.


كادت أن تخرج، لكنها التفتت له وقالت بتنبيه: خليك فاكر، أنت وعدتيني.


رفع عينيه نحوها بصمت، بينما خرجت هي، عضّ مصطفى على أسنانه بضيق؛ فهي محقة، حتى لو لم تكن علاقتهما تحمل أي نية سيئة، فالأمر يظلّ خطأ، ولا يصحّ أن تظلّ هاربة.


منزل نانا، العاشرة مساءً


جلست نانا على الأريكة، طبق الأكل في يدها والتلفاز أمامها يملأ المكان بضجيج فجأة، اهتز هاتفها برسائل متتالية.


فتحت الرسائل، وصدمت بصور واضحة لها مع عزت؛ تارة وهي تضحك بجانبه، وأخرى وهو يضع يده على كتفها، وثالثة كأنها في لحظة حميمة بجواره.


تسمرت مكانها، يدها ارتجفت، وضغطت على رأسها بخوف وهي تهمس لنفسها: يا نهار أسود، لو عزت شاف الصور دي، ممكن يقتلني! عيونها تدور بارتباك: مين ده؟ عايز إيه؟ وبيبعتلي الصور دي ليه دلوقتي؟!


وضعت الهاتف بعيدًا، لكنها لم تستطع منع ارتعاش يديها، أو الصداع الذي بدأ يفتك برأسها.


على اتجاه اخر في قصر الراوي 


غرفة فايزة


فايزة جالسة على السرير، تقلب في هاتفها، بينما عزت مستلقٍ بجوارها يراجع بعض الأوراق فجأة، ظهرت رسالة غامضة على شاشتها.

"مش عيب الملكة تتخان مع واحدة زي دي؟"


رفعت فايزة الهاتف ببطء، عينيها اتسعت وهي ترى نفس الصور، عزت مع نانا.


شعور مختلط اجتاحها؛ الغضب، القرف، والإهانة وجهها توتر قليلا لكن ظل ثابتاً، التفت عزت بكسل، لمحها بعينيه من طرف نظرة عابرة، لكنه لم يعلق.


أغلقت فايزة الهاتف بسرعة، وأخذت نفسًا عميقًا، نعم

هي تعرف من يبعث الرسال لكنها لم تثور، لم تصرخ بل بدت هادئة على نحو مريب، وكأنها تخطط في صمت لرد قاسٍي رد يجعل اللعبة تنقلب على الجميع.

💞_________________بقلمي ليلةعادل 

في أحد الكافيهات الرابعة مساءً 


جلست عائشة مع محمد على الطاولة، يتناولان الآيس كريم والابتسامة لا تفارق وجهيهما وهما يتناولان الاحاديث.


محمد وهو متعجب: بس غريبة، والدك لحد دلوقتي مأخدش أي رد فعل؟


ردت عائشة وهي تتناول ملعقة آيس كريم بلا مبالاة: لا، هو ميعرفش حاجة لحد دلوقتي، وبصراحة مش فارق معايا يعرف أو ميعرفش.


محمد بلطف: بس برضه، مهما كان ده والدك.


رفعت عائشة رأسها بضجر يختلط بحزن مكتوم: والدي إيه يا محمد؟! دي أبوة بالاسم في البطاقة، ولا عشان في بينا صلة دم؟! الأبوة سند، ذكريات، كلمة حلوة، حضن يطبطب..

تابعت وبعينيها دامعة محبوسة بنبرة متأثرة: 

أنا مش فاكرة له غير إنه كان بيضرب أمي ويخونها، والوقاحة وصلت إنه يجيب ستات منحطّة البيت عندنا! واحنا موجودين وبهدلنا كتير...

هزت رأسها في أسى: الأبوة حاجة تانية خالص، الأب قدوة وحنان وأمان، لكن هو ولا أي حاجة من دي، بالنسبة لي أبويا ميت، وملوش أي حق عندي.


نظر لها محمد بهدوء: أنا متفهم، لكن أقصد تتوصلي معاه عشان صلة الرحم بس.


مسحت عائشة دمعتها بضيق: هو أنا غلطت فيه؟! لما بييجي يسلم أو يسأل، بكلمه باحترام، ديني وأمي علّموني كده، لكن غير كده، مالوش عندي حاجة، إلا لو تعب أو حصله شيء، ساعتها عيني ليه، لكن هو مزرعش عشان يحصد، بالله عليك، متفتحش الموضوع ده تاني.


ابتسم محمد محاولًا تغيير الجو: زي متحبي، المهم أنتِ عاملة إيه؟ أخبار كورس الـ English؟


عائشة بابتسامة صغيرة: الحمد لله، تمام.


محمد باهتمام: مبتفكريش تاخدي لغة تانية؟ مش أنتِ كنتِ عايزة تسافري؟


عائشة بتمنى: اه نفسي جدًا.


اقترب محمد بجسده من طاوله وقال بحماس: طب إيه رأيك نتعلم ألماني سوا؟ التعليم الطبي هناك قوي جدًا نتشجع ونشد بعض، نسافر أنا أشتغل وأنتِ تكملي ماجستير.


عائشة وعيونها تلتمع: فكرة جميلة، ماشي، أنا معاك.


محمد بابتسامة واسعة: اتفقنا.

تردد لحظة ثم قال: قوليلي إيه اللي حصل مع ماسة؟ مصطفى متضايق جدًا، وقالي مقولش، بس أنتِ عارفة إني مبعرفش أخبي عنك حاجة.


زفرت عائشة بأسف: إحنا كلنا متضايقين من ماما، بس بيني وبينك، هي عندها حق، أنا حاسة إن مصطفى حبها، هو بينكر، أنا عارفة أخويا.


محمد مؤيدًا: فعلاً مصطفى حبها هو بيضحك على نفسه واللي حصل ده هو صح.


ضحكت عائشة بخفة: هي بصراحة قمر وتتحب، بس مفيش أمل بتحب سليم بجنون، كل جملة تطلع منها لازم فيها اسمه، حبها باين أوي.

تنهدت بحزن: وأخويا هو اللي هينجرح ويدفع التمن، عشان كده محبتش أعاتب ماما.


ثم نهضت وهي تبتسم بحماس: يلا خلص بقي عشان نلحق الفيلم، إيهاب اكيد خلص شغله؟


توقف محمد وهو يضحك: والله أنا فرحان إنهم سمحوا لي أقعد معاكي ربع ساعة لوحدنا قبل منقابلهم، متوقعتش إن إيهاب ومصطفى يحطوا شرط "الخروجات لازم بوجودهم أو بطنط"


عائشة ساخرة: إذا كان عاجبك.


تبسم محمد وهو يتأملها: عاجبني، أنا اتكلمت.


قصر الراوي


حديقة القصر السادسة مساءً 


جلست فايزة على الأريكة الحجرية المزخرفة وسط الحديقة، تقرأ أحد المجالات، نظراتها ثابتة، ملامحها تحمل برودًا معتادًا، اقتربت صافيناز وجلست بجوارها مترددة، تحاول أن تخفي توترها.


بدأت صافيناز الحديث مباشرة، بصوت حاد: أنا عايزة أفهم لحد إمتى هفضل أتحمل السخافات دي كلها؟


نظرت إليها فايزة من طرف عينها، وأجابت بجفاء: أنتِ مش مضطرة تستحملي السخافات يا صافيناز! ممكن تمشي.


شدت صافيناز ظهرها، ورد بعناد: لأ مش همشي.


ابتسمت فايزة ابتسامة ساخرة، أغلقت المجلة، ثم مالت نحوها قليلًا: خلاص خليكي، أنتِ حاطة هدف في دماغك، فاكرة لما يرجع سليم هتعملي حاجة؟!أنا متأكدة إن رجوعك وهدوءك المريب، وقبولك بالأوضاع المهينة ليه أسباب أكبر بكتير من أطماعك، واضح إن عزت ماسك عليكي حاجة كبيرة إيه هي؟ الله أعلم.


اهتزت ملامح صافيناز للحظة، وحاولت إنكار الأمر: مش، مش ماسك عليا حاجة.


ضحكت فايزة ضحكة قصيرة باردة: عزت ده عشرة أربعة وأربعين سنة، أنا أعرفه أكتر ماهو يعرف نفسه، اسمعي نصيحتي ياصافيناز اقبلي بالوضع ده، وحاولي تشتغلي على نفسك وتغيري من أسلوبك، أنا مش عارفة إزاي هتعمليها؟! بس عارفه إنك غلطتي يوم مفكرتي تقفي قصاد عزت، وده الثمن.


اقتربت منها أكثر، همست بنبرة حادة كالسيف: وأوعي تقوليلي "أنا هقول لسليم كل حاجة، وإن إيدي متلوسة بالدم زيكم بالظبط، أنتِ أجبن من كده، لو فتحتِي بوقك، هتخسري حتى الهدوم اللي لابساها أنتِ عارفة سليم كويس هيصفيكي قبل مايصفينا إحنا، حاولي تقبلي إنك خسرتي.


نهضت فايزة واقفة، عدلت وشاحها على كتفها، تحركت بخطوات ثابتة بعيدًا، تاركة خلفها صافيناز غارقة بين الغضب والخوف.


عمارة مصطفى، الرابعة مساءً


دخلت ماسه العمارة وهي تحمل أكياس الخضار، خطواتها سريعة كأنها تسابق أي مواجهة، توقفت عند زر المصعد تضغطه بسرعه فهى لا تريد أن تتحدث مع إيهاب الذي يأتي خلفها، وما لبثت أن سمعت وقع خطوات يقترب.


دخل إيهاب، ابتسم حين لمحها، ثم وقف بجوارها: عاملة إيه يا هاربة؟


أجابت ماسه بطرف عينيها، متجنبة النظر الكامل إليه: الحمد لله وأنت؟


ابتسم إيهاب ابتسامة باهتة، وقال بمرارة خفيفة: لو كان يهمك كنتي سألتي من غير مسبقك.


فُتِحَ باب المصعد، دخلت ماسه بسرعة، رفعت هاتفها تتظاهر بالانشغال بمكالمة، لكن إيهاب لاحظ بوضوح محاولتها للهروب من الحديث.

فجأة، توقف المصعد، فارتجفت ماسه، وقالت بقلق: إيه ده؟


تحرك إيهاب نحوها مد ذراعه، سحب الهاتف من يدها وهو يرمقها: باين إنك مش بتتكلمي حد، ليه بتهربي مني؟من كام يوم وأنتِ متغيرة معانا كل مرة أحاول أكلمك، تتهربي.


خفضت ماسه رأسها، نظراتها سقطت إلى الأرض تكلمت بصوت منخفض لكنه يحمل حزماً خفيًا: يا إيهاب أنت فاهم. أنا مش عايزة مشاكل، عايزة أعيش جوه الحيطة مش جنبها، مش عايزة أخسركم، ولا عايزة طنط تزعل منكم بسببي، أو تتغير معايا، خلينا من بعيد لبعيد، كدة أحسن وده الصح.


وقع كلامها كالصاعقة على إيهاب، أدرك أنها علمت كل شيء عن قرار والدته، لم يجد ما يقوله، بدي شاحب الوجه، واكتفى بالصمت.


مدت ماسه يدها وضغطت زر المصعد مرة أخرى بيد مرتعشة، قلبها يدق بعنف، لكنها تماسكت شعرت أن ثقل المسؤولية تجاه الجميع يسحقها، لكنها لم تملك إلا أن تكمل الصعود في صمت.


وخلال شهرين.

اقتربت مي من رشدي، بينما حاول هو الابتعاد عن صخب حياته السابقة، فقلّل من الخمر والعلاقات المحرمه لكنه لم يقطعها تمامًا.


أما هبة فانشغلت بعملها في المجلة ورعاية نالا، متجاهلة محاولات ياسين لاسترجاعها رغم نصائح لوجين، التي مع الوقت أصبحت الأقرب إليه.


صافيناز بقيت مهمَّشة، لا أحد يحدّثها أو يجلس معها وهذا كان يشعل الغضب بها أكثر يبدو أنها تخطط لشيء.


ولا تزال الرسائل تصل إلى فايزة ونانا فتزيد الغموض!


وفي المقابل،أصبحت علاقة محمد وعائشة جيدة، يحاول كلٌّ منهما التقارب.


تدهورت علاقة ماسة مع مصطفى وعائلته بعد حديث نبيلة، فابتعدت تمامًا عنهم، ولم تعد تجلس معهم، مكتفية بالذهاب إلى عملها ثم الصعود مباشرة إلى شقتها، حتى أن نبيلة توقفت عن زيارتها لشعورها بالخجل.


الجدير بالذكر أن أربع أشهر قد مرت على سفر سليم، وستة أشهر إلا اسبوعين على هروب ماسة.


ظل سليم مختفيًا، لا أحد يعرف عنه شيئًا، وبرغم محاولات الجميع لمعرفة مكانه أو سبب اختفائه، بقي الغموض مسيطرًا حتى عاد فجأة، كما سافر فجأة، دون أن يفهم أحد لماذا رحل أو لماذا عاد.

💞_____________بقلمي_ليلةعادل 。⁠◕⁠‿⁠◕⁠。


قصر الراوي، السابعة مساءً


السفرة


اجتمع أفراد عائلة الراوي كأيام الخوالي، لم يغب أحد سوى سليم، وكان مقعده الفارغ يثقل المكان.


وبعد دقائق، دخل بخطوات هادئة، ابتسامة غريبة ترتسم على وجهه، وكأنه زاد وسامة فوق وسامته.


توقف عند المدخل، وقال بصوت هادئ مصطنع الاشتياق: عيلتي الغالية، وحشتوني.


التفتوا جميعًا نحوه بدهشة، بينما نهض ياسين سريعًا واقترب منه ليضمه: حمد الله على السلامة يا عم الشبح كنت فين؟


ابتسم سليم وهو يرد: هقولك، إيه الأخبار؟ متجمعين كده دايمًا؟


قامت فريدة واحتضنته بحنان: حبيبي عامل إيه؟ ايه الحلاوة دي؟! هو السفر بيحلي للدرجه دي؟!


سليم بإبتسامة وهو يقبلها: حبييتي ده جمال عيونك عامله ايه وحشتيني.


فريدة بإبتسامة: تمام يا حبيبي الحمد لله 


ظل طه جالساً في مكانه ورد بهدوء: حمد لله على سلامتك يا سليم 


منى بمغازله: احلويت اوي شكل السفريه دي كانت جامده اخر حاجه.


سليم بإبتسامة ساخرة: اخر 10حاجات والله يا منمن مش حاجه واحده، فلازم احلو.

واضاف وهو يحدّق في مراد ابن طه الاكبر: أنا سمعت إن مراد بدأ ينزل المجموعة.


أجاب مراد بفخر، وكتفاه مرفوعان: آه طبعًا يا عمو، خلاص كلها كام شهر وأكمل ١٦سنه.


رفع سليم حاجبه وهو يبتسم بمكر: عمو مين؟! أنت قربت تجيبني، ابقى تعالى خد مني دروس، في كيفت إدارة مجموعة الراوي.


تدخلت منى ضاحكة وهي تشير إلى مراد: أنا قولت له كده، قولت له سيبك من كل دول، أول ماسليم يرجع متقومش من على مكتبه.


ضحك سليم وقال وهو يومئ لها: طول عمرك عارفة المصلحة والصح فين يا منى، بترمي الشبك صح، وأنت كمان يا تيم، انزل مع مراد وخد خبرة.


ثم رفع رأسه باحثًا بعينيه وسأل: أمال نالا فين حبيبة قلب عمو؟


أجابه ياسين مبتسمًا: فوق نايمة


سليم بدهشة: بدري كدة!


هبه موضحه وهي لا تنتظر له: كان عندها تمرين سباحه وجاية تعبانة أكلت ونامت.


تنهد سليم بخفة وأومأ: أوكيه.


ركز سليم عينه نحو بطنها: هو أنتِ مش كنتي حامل اوعي تكوني ولدتي 


حكت هبه في انفها: البيبي نزل أجهضت بس الكلام ده من بدري قوي. 


سليم بأسف: أنا اسف، مكنتش عارف اي حاجه الفتره اللي فاتت دي كنت مشغول متزعليش إن شاء الله ربنا يعوضكم، 


جلس في مقعده بجانب عزت، الذي بادره بنبرة جادة: أخيرًا ظهرت.


ابتسم سليم جانبيًا: آه أخيرًا ظهرت.


رئيس الخدم: اجيبلك طبق يا سليم بيه 


سليم: اه هاتي يا عواطف.


رفع رشدي حاجبه باعتراض بطريقته المعهودة: أنا اتمنتچت ليه؟!


نظرله سليم متعجباً: إزاي يعني؟


لوح رشدي بيده بمزاح: أصلك سلمت على الكل واطمنت عليهم، ولما جيت عند أبو الرشاريش منتجته! هو أنا شفاف للدرجة دي؟


ابتسم سليم: أخبارك إيه يا رشد؟


ضحك رشدي ابتسامة سخيفة ويميل بجسده للأمام: زي الفل، كنت عايزك في حوار كده، أخوي، محتاج أستعين بخبراتك، بس خليه سر بينا، يا اخويا ياحبيبي.


ضحك سليم معلقا بخفة وهو يومئ برأسه: ربنا يستر من حوارتك بعد حبيبي دي.


وضع رشدي يده على صدره وكأنه مظلوم: والمصحف ظالمني، بس مقبولة منك يا مَلك.


عزت وهو يضع الملعقة: رشدي بطل هزار خليني أتكلم في المهم.


رشدي: امرك يا كينج اتكتمت.


نظر عزت لسليم قال بجدية: ياريت يا سليم بعد العشا ندخل المكتب نتكلم شوية، القعدة دي كان لازم تحصل من أربع شهور.


رفع سليم عينيه نحو الجميع، صوته يحمل قوة شخصية: ليه منتكلمش دلوقتي والكل موجود؟ ماهو الكل عارف، والكل مشارك، وكل واحد ليه نصيب.


وضعت عواطف الصحن رفع سليم عينه نحوها: اطلعي بره شويه يا عواطف وخدي باقي الخدم معاكي.


هزت راسها بإيجاب وهي تشير بيديها وبالفعل خرجت وخرج معها الباقي. 


فريدة بحزم: بعد اذنك يا سليم لحظه، نظرت لبناتها، لليان، خدي اخواتك واطلعوا اوضكم، نظرت للباقي الأبناء: انتم أكمان اطلعوا اوضكم.


وبالفعل تحرك الجميع الأبناء وتركوا السفر


فريدة موضحه: مش حبه الأولاد يسمعوا الكلام ده.


سليم بهدوء: طول عمرك بتفهمي.


تنهد ثم التفت سليم نحو عزت مباشرة، نبرته مليئة بالثقة التي ترسم قوته: هتتكلم معايا عن الوصية صح؟ متقلقش كلها عشر دقايق ومازن يكلمك بنفسه، وهيقولك إني غيرت الوصية، زي ماوعدتك.


تنهد وهو يأخذ بعض الطعام في صحنه، ثم بدأ يتناوله وهو يضيف: للعلم، أنا مغيرها من تلات شهور، بس موصي مازن إنه ميقولش لحد، لحد ما أنا أبلغكم بنفسي.

ثم رفع نظرته الشرسة لعزت: كنت حابب ألعب بأعصابكم شوية.


فايزة باهتمام: وياترى غيرت فيها إيه بقى؟


رفع سليم شوكته ببطء وتناول مافيها: اللي وعدت بيه الباشا، نصيبك ونصيب الباشا هيرجعلكم بس مش دلوقتي لما أموت وعليكي خير، ولو عملتوها انتم قبلي! نسبتكم هتبقى ملكي..

ثم اضاف بنبرة ساخرة: ولو اخواتي المؤدبين اتعلموا الادب اكثر كل واحد هتزيد نسبته 1% زي ما الباشا موصي بعد عمر طويل، بعدين هي مش كل حاجة أصلًا كانت ملكي، حق إدارة بموجب التوكيل العام.


قاطعتهم صافيناز بحدة: طب وأنا؟


رفع سليم عينيه نحوها، صوته بارد وقوي: أنتِ، ماتتكلميش غير بإذني فاهمة؟


صافيناز بغيظ: يعني إيه؟


تجاهلها سليم، ثم عاد النظر لعزت واضاف: أما رشدي زي ماوعدتك يا باشا، طول ما هو ماشي على الخط المستقيم هرجعله املاكه، والاتفاق بيني وبين فريدة وياسين وطه زي ما هو.


هز عزت رأسه بتوتر: طب افترض إنك مت في أي لحظة، هنخسر كل حاجة كدة؟! يعنى شقى السنين هيروح؟!


رد سليم بحدة، نبرته تقطع الهواء: هو حضرتك عندك مشكلة في الفهم؟ أنا قولت في حالة قتلي، أو قتل مراتي.

ابتسم ابتسامة ساخرة وهو ينظر حوله: أصل أنا عارف إخواتي بيحبوني قد إيه.


فايزة مستفسرة بشك: أنت ليه خايف إن حد من إخواتك يقتلك؟


رفع سليم عينيه نحو فايزة، وصوته خرج بلهجة واثقة: أنا مش خايف يا فايزة هانم، أنا بحمي نفسي.

ارتسمت على شفتاه نصف ابتسامه ساخره وهو يقول:

انتي عارفة الشيطان قليل الأدب، ساعات بيجي يوسوس للواحد، يقوله: إيه يعني لو خلصت على أخوك، وتبقي كل حاجه ملكك، أخوك ده أكتر واحد هيقف ضد مصلحتك، وكمان مراته، عشان هتورثه وتاخد نصيبها، والطمع وحش يا فايزة هانم.

توقف لحظة، ثم ابتسم ابتسامة ساخرة: هو أنا عملت إيه غلط؟ ما الباشا في يوم من الأيام عمل كده مع إخوته والدنيا دوارة، وبعدين أنا مقولتش هاخد حاجة دلوقتي، مع إني أقدر أعملها بسهولة، أنا بس شرطت: في حالة قتلي، أو قتل مراتي وحط تحت الكلمة دي مليون خط.


فايزه متسائله: طب واللي انت عملته مع صافيناز؟!


التفت سليم مباشرة نحو صافيناز، عيناه حادتان، صوته بارد لكنه صارم: غلطة صافيناز كانت كبيرة ومتتغفرش، كان المفروض تمنها الموت، بس أنا حسيت إن قتلها رحمة، وهي دلوقتي قاعدة قدامي متعذبة ولا عارفة تدخل المجموعة ولا ليها مكان فيها، نسبتها راحت للأبد، بالنسبة لي كده اتربت.


صافيناز بصوت مرتجف، دموعها تكاد تنفجر فهي تحاول أن تستعطفه: يعني أنت مش هترجعلي نصيبي زي رشدي؟ أنا معترفة بغلطتي أنا آسفه، كان مقلب، والله كان مقلب، وأنا مالي؟ هو جه فيك، وعارفة إن اللي حصل مش مقبول بس يعني اعتبره لعب عيال، أنا باعتذرلك، وبعدين ده بابي مشاني من القصر ولسه راجعة قريب! وأنت ضربتني، طب رجعني المجموعة وبلاش النسبة.


وحينما فعلت صافيناز ذلك كان رشدي يحتسي الماء فجأه شرق واخذ يكح وهو يضحك علي دموع التماسيح تلك فهو يعرفها جيداً 


رفع سليم حاجبه ببطء، وسقط صوته كالحكم: والله يا صافيناز، لو ماسة سامحتك وغفرتلك، وطلبت مني أسامحك وأعديها ساعتها ممكن اسامحك لكن مش أكيد؟! إن شاء الله لما مراتي ترجع بالسلامة من السفر هتقعدي قدامها، وتعتذري لها، وتبوسي إيديها، ورجلها وتطلبي المغفرة.


عزت وهو يزفر بحدة: حقك تعمل كده، وأكتر كمان.


رفع رشدي عينه بتردد، قال بنبرة مستخفه: أنا بس عندي سؤال محشور في زوري من يوم اللي حصل، هي الوصية دي مش المفروض تشتغل بموجب قتلك؟ بعد الشر عنك طبعا يا اخويا يا حبيبي، فـ طول ما أنت عايش، كل واحد فينا بيتعامل بنسبته، بس عشان معاك التوكيل العام إحنا كده نعتبر عساكر في لعبة شطرنج صح؟!


ارتسمت على شفتي سليم ضحكة قصيرة خالية من المرح: مظبوط يا رشدي، بس أنا غيرت الوصية،كل حاجة هترجع للباشا والهانم، زي الأول، إلا أنت وصافيناز، بس أنت لو مؤدب، حاجتك هترجعلك، إنما هي تصلي كتير وتدعي إن ماسة تسامحها وأنا يمكن انسي واسامح.


رفع رشدي إيده كأنه بيقسم: مع إني معملتش حاجة واتاخدت في الرجلين، بس ماشي هقبلها منك، بعدين أقسم بالله انا مؤدب بقالي فترة، حتى اسألهم بقيت برجع بدري.


عزت بتأكيد: فعلاً رشدي بقاله حوالي شهر ونص أو أكتر مش بيسهر كتير ومبقتش أشوفه بيشرب زي الأول


سليم وهو يومئ برأسه: سمعت.


ابتسم رشد وهو يلمح: اه مش بس كدة، في أخبار حلوة قريب ممكن تسمعوها.


تنهد عزت بقلق: خير هتعمل مصيبه ايه؟!


لمعت عينا رشدي بوميض غريب: مفاجأة 


نظر ياسين لسليم: أنا وأنت محتاجين نقعد شوية مع بعض عشان نتكلم في الشغل.


هز سليم رأسه بإيجاب بصمت 


رفعت فايزة حاجبها باهتمام: ويا ترى الوصية دي بقى؟ أنت وإخواتك متفقين على إيه فيها؟


التفت سليم إليها ببرود: Pardon يا هانم، بس ملكيش دعوة.


حركت فريدة يدها بقلق: وهي ماسة مسافرة فين كل ده هترجع امتى.


نهض سليم وهو ينظر لهم جميعًا: بعدين يا فيفي.


ثم التفتت الى ياسين وتابع: أنا هستناك في الجنينة يا ياسين.

وأثناء خروجه من القاعه وقعت عينه على عفاف: اعمليلي قهوتي في الجنينة العلوية.


بعد أن خرج سليم، ساد صمت ثقيل للحظات نظر عزت للجميع بصرامة وقال: أنا مش عايز بقى أي مفاجآت ولا مخططات من ورا ضهري سامعة يا صافيناز؟ خلينا محترمين ونبوس مش بس الإيدين لا والرجلين كمان، ولازم تفهمي إنك تحت عين سليم وتحت عيني أنا كمان وعين فايزة.


خفضت صافيناز رأسها فهي لا بد أن تطاطي للريح في تلك الفتره: أكيد طبعًا.


أشار عزت إليها بحدة: لو في دماغك حاجة، يا ويلك مني..

ثم التفت إلى عماد بابتسامة جانبية: منوّر يا عماد.


وكأنه يذكرها أنه سيكشف لعماد المستور، إذا فعلت شيء، فهو يهدهها بطريقته الخاصه، نظر عماد له باستغراب، لكنه لم يعلّق.


تدخلت فايزة محاولة كسر التوتر: هو أنت مش عارف سليم كان مسافر فين؟


هزّ عزت رأسه بضيق: مش هيقول بس أتمنى ياسين أو فريدة لما يعرفوا، يجوا يقولوا لي.


نظر له فريده وياسين بصمت واكملوا طعمهم

وأنهى ياسين طعامه بهدوء، ثم نهض متجهًا للحديقة.


في الحديقة 


جلس سليم على المقعد الخشبي وسط صمت الليل

أخرج هاتفه من جيبه، فتح المعرض ببطء، ووقف عند صورة ماسته.

ظل يحدق فيها طويلًا، عينيه تلمعان بلمعة مختلفة، خليط بين الحنين والقلق.

ابتسم ابتسامة باهتة وهو يهمس: خلاص أنا رجعت، وهوصلك، أنتِ وحشتيني أوي يا قطعة السكر الحلو اللي محلي حياتي.


مرت لحظة صمت، قبل أن يغلق الشاشة ويضع الهاتف بجانبه.

تنهد بعمق، ثم رفع عينيه نحو السماء، وكأنه يطلب صبرًا على ذلك الاشتياق الذي فتك به من الله.


في تلك اللحظة، ظهر ياسين من مدخل الحديقة اقترب بخطوات مترددة، وقال وهو يجلس أمامه: حمد الله على السلامة.


نظر له سليم بابتسامة: الله يسلمك.


جلس ياسين متململًا، عيناه تلمعان بفضول: مش هتقولي بقى كنت مسافر فين؟ أربع شهور اختفيت فيهم؟! تعرف إن الباشا دور وراك بس معرفش يوصل لحاجة.


سليم بهدوء: بعدين يا ياسين مش وقته.


وفجأة مال للأمام، وتسأل بنبرة معاتبه: قولي ايه اللي حصل؟! مراتك اجهضت ازاي؟! كانت تعبانه؟؟ وأزي معرفش؟؟ أنا يمكن كنت مشغول قبل ماسافر بس مش معنى كده إن حاجه زي دي تحصل وأنا معرفش بيها؟!


ياسين بضيق: أنت صدقت اللي اتقال جوه؟! هي راحت سقطت بمزاجها، عملت كده من غير ما تقولي، لكن هي متعرفش إني عارف؟! كمان علاقتنا بقالها فتره زفت، مره كده من فتره كبيره حصلت مشكله بيننا لدرجه ضربتها قلم.


خفض صوته فجأة، ثم رفع نظره متوترًا: اتصالحنا، بس مبقيناش زي الأول، من يومها مش عارف أرجع، ولا حتى هي، في حاجه كده اتبنت ما بينا، وبعيدا عن كل ده، هبة بقت غريبة ومستفزة وبفكر أطلقها.


اتسعت عينا سليم بدهشة، واعتدل في جلسته: إيه اللي أنت بتقوله ده؟!


شد ياسين أنفاسه، وعض شفته السفلى وقال بتأكيد: بكلمك جد، هبة بقت مملة، كل شوية كلام عن القصر وعن شغلنا القديم، عن رشدي وطريقته وعن الهانم وصافيناز، مش عايزة تفصل، وأنا قبلت أعيش بعيد زي ماطلبت، بس مبقيتش قادر أستحمل، دي حتى مش مصدقه إن احنا بعدنا.


ضرب الطاولة بقبضته بخفة، وصوته يزداد حدة: أنا لسه عندي 30 سنة يا سليم، مش حاسس إني عايش، اللي مصبرني إني بقول يمكن ترجع زي زمان البنت اللي أنا حبيتها، بس لو مرجعتش، هطلقها.


رد سليم بسرعه وهو يشير بيده كمن يوقفه: بطل جنان، الطلاق مش لعبة، متنساش نالا.


تنهد ياسين بعمق وأسند ظهره للكرسي: البنت أفضل لها تعيش مع اتنين بيحبوا ويحترموا بعض حتى لو بعيد، أحسن من إنها تشوف اتنين مش طايقين بعض، بعدين هي نزلت الطفل من غير متقولي، وسامحتها، أنا أصلاً مكانش ينفع أتجوز بدري كده.


رفع سليم يده مهدّئًا: طب إهدى أنت بتحبها وهي بتحبك، كل مشكلة وليها حل، اتكلم معاها مرة واتنين، متيأسش عشان متندمش.


هز ياسين رأسه شاردًا: ماشي بقولك إيه، غير الموضوع.


سكت لحظة وهو يمرر أصابعه على الطاولة، ثم أضاف: قولي بخصوص صافيناز، لو ماسة سامحتها، هترجعلها حاجتها؟ بجد؟


تنهد سليم بحيره: مش عارف؟! بس أنا مش هسلم من اذانهم غير وأنا رابطهم بالوصيه دي.


رفع ياسين حاجبه بريبة، مائلًا برأسه: عندك حق، متغيرش حاجة هي قليلة الأدب وقلبها أسود وتستاهل، والله رشدي برغم جنونه بحس إنه أخويا وعنده قلب عنها.. 

ثم أضاف وهو يتسال بتعجب: هي ماسة فين أصلاً؟ اختفائها غريب.


تنهد سليم وأشاح بنظره، يفرقع أصابعه بتوتر: هي كويسة الحمد لله، قريب أوي هتشوفوها، وبعدين إيه اللي عاجبك في القصر والزحمة دي؟ متاخد مراتك وتعيشوا في فيلتكم بعيد عن كل ده.


أشار ياسين بإصبعه مؤكدًا: أنا عملت كده فعلاً، بس هي مستفزة وقليلة الأدب، قولت أربيها وأشوف إيه اللي بيغيظها، لقيتها بتجنن لما تيجي القصر، فخلاص هجيبها القصر.


رفع سليم حاجبه، مائلًا للأمام: هي خناقة! اسمع مني بطل عرق الراوي ده، هتندم، اسألني أنا، جينات قذرة.


ضحك ياسين ضحكة قصيرة بلا روح: مش خناقة، بس أنت مش فاهم، هبة من ساعة مجابت نالا وهي متغيرة، وبتزيد سوء، مراتك ذات نفسها لاحظت يوم الحفلة، وردت عليها ببرود، أنت نفسك قولتلها: مش عايز منك اهتمام مزيف، إذا أنتم ملاحظين التغيرات دي، كمان مبقاش فارق معاها غير شغلها والبنت، أنا نفسي مبقاليش وجود في حياتها.


تغيّر صوته بضيق شديد: سليم، هبة غير ماسة، ماسة حتى لو عملت مشاكل عمرها مطولت لسانها عليك، ولا عايرتك بتربيتك ولا قالت لك أنت تربيه دادا، ولا فكرت تمد إيدها عليك، لكن أنا من ساعة محصلت الحكاية دي في جدار اتبنى بيني وبينها، مش قادر أعيش معاها.


زفر بعصبية ولوح بيده في الهواء: بالله عليك غير الموضوع.


تنهّد سليم بأسف، عينيه تلمعان بخيبة، فلم يتوقع أن تصل حياة ياسين إلى هذا الحد من التصدع. 


مسح على قدمه ببطء قال: حاضر، بس فكر تاني البعد صعب.


ارتشف رشفة من القهوة، ووضع الفنجان بهدوء، ثم رفع عينيه إلى ياسين بجدية: تعال كلمني عن الشغل، الفترة اللي فاتت كان عامل إزاي؟


فيلا سليم، الواحدة صباحًا


دخل سليم إلى الفيلا، تلك التي تركها كما هي منذ سفرة، الصور المعلقة لماسة مازالت تملأ الجدران، كأنها لم تفارقه يومًا.


صعد الدرج بخطوات مثقلة حتى بلغ غرفتها فتح الباب بهدوء، كأن أنفاسه تخشى أن توقظ ذكرى نائمة هناك.


تلك الغرفة الشاهدة على الليلة المشؤومة، ليلة تحول فيها من عاشق إلى وحش، أخذ يتأمل الأركان بعين منهكة، يتذكر كيف كان يضربها بلا رحمة، كيف صفعها، كيف هبط الحزام على جسدها مرارًا كأن بينهما انتقامًا لا حبًّا.


ضغط رأسه بيده ومسح وجهه بيأس، يحاول طرد الذكرى، لكن كيف ينسى ماحفر داخله؟ ومع ذلك، تذكر الحقيقة: لم يكن هو، بل ذلك السم الملعون الذي دسته شقيقته في عصيره.

ذلك الذي جعله مختلفًا، عديم الرحمة لو كان واعيًا، لو كان سليم حقًا ما كان ليفعل ذلك.


لكنّه لم يحتمل أن يظلّ في تلك الغرفة الملعونة، فخرج مسرعًا ودخل إلى الغرفة التي كنّا نشاهدها قبل الفلاش باك، الغرفة التي كان يتخيّلها فيها.


فور دخوله، اتجه مباشرةً نحو صورتها المعلّقة على الجدار، تلك التي كان يحدّثها دائمًا وكأنها حيّة أمامه.


اقترب منها، نظر إليها بعين غارقة في العشق والوجع، بعينٍ لا ترمش.


تأمل ملامحها بشوق يفيض من قلبه، وقال بصوت مرتعش: وحشتيني، وحشتيني أوي، شهور عدت وإنتي بعيد عن حضني.


لمعت دمعة في عينيه وهو يهمس: هو أنا موحشتكيش للدرجة دي؟ للدرجه قلبك زعلان مني؟


أطرق رأسه قليلًا، ثم هزه كأنه يجيب نفسه: عندك حق تزعلي وتخافي، بس المرة دي مختلفة، صدقيني، أنا هرجعك، هرجعك لقلبي، لجوه حضني، ومش هسمح لحد، ولا لحاجة تفرقنا تاني، هتعرفي إني مظلوم، وإني لو كنت واعي، كان مستحيل أعمل كده، وهنرجع زي زمان، ونحقق كل حلم حلمناه، مستحيل أسمح إن حاجة تفرقنا، ولا وجع يدخل قلبك بسببي تاني، هعمل المستحيل عشان تسامحيني، المرة دى والله مختلفه، البعد كسرني ياماسة.


مسح دمعته، ثم مد يده ليلمس صورتها بشوق، عيناه 

دامعتان، وتنهد تنهيده طويلة خرجت من صدره بألم.


تحرك إلى الحمام. خلع ملابسه وفتح الماء الساخن يغسل جسده المرهق، بعد أن انتهى، لف فوطة حول خصره ووقف أمام المرآة المبللة بالبخار، مسحها بيده بخفة، لتنكشف ملامحه المرهقة.


سقطت عيناه على الوشم المحفور باسمها قرب قلبه، ذلك الذي غرسه في جلده بالآلة الحادّة،إلى جانبه الوشم القديم، الذي خطّه في أوّل ذكرى لزواجهما، يوم اتفقا معًا على نقش اسميهما.

مدّ يده يلامس الحروف، فإذا بالذكريات تعصف بقلبه من جديد...


فلاش باك، ليلة هروب ماسة الأخيرة 


عاد إلى الفيلا بعد أن فشل في إيجادها، كل شيء محطم: الزجاج متناثر، الأثاث مقلوب، وقف وسط الخراب بندم، وصور مافعله بها تنهش ذاكرته: صراخها، توسلاتها المرتجفة، ضربه لها بالحزام، شعر بغضب يخنق صدره، وحزن يفتت قلبه.


وقع نظره على قطعة زجاج، التقطها بيد مرتجفة، نزع قميصه، وبدأ يغرسها في جلده عند موضع قلبه، خط اسمها بدمه، يئن مع كل حركة الألم يعصف بجسده، لكنه أدرك أن الجرح النازف على صدره أهون من الجرح الغائر في قلبه.


دمه يتساقط، وعيناه تدمعان وهو يهمس: مستحيل تبعدي، طول ما القلب ده بينبض باسمك.


عودة إلى الحاضر


انتفض سليم من الذكرى، وهو مازال أمام المرآة عيناه تومضان بتصميم، صوته مشبع بالإصرار: هرجعك يا ماسة هرجعك لو في جحر التعبان مستحيل أسمح أنك تبعدي عني تاني.


مجموعة الراوي


مكتب سليم العاشرة صباحًا


جلس سليم خلف مكتبه في هدوء، يقرأ بعض الأوراق بتركيز، انفتح الباب ببطء، ودخل عزت بخطوات واثقة.


قال وهو يتقدم نحوه:حمد لله على السلامة.


رفع سليم عينيه عن الأوراق، وضعها على المكتب بهدوء: الله يسلمك.


جلس عزت على المقعد المقابل، ينظر إليه باهتمام قبل أن يلمع الغضب في عينيه ويشير بيده بحدة: كنت فين بقى؟ وقبل متجاوب، أنت مكنتش في ألمانيا أنا عرفت، بلاش تمثيل.


ابتسم سليم بسخرية وهو يتكئ على الكرسي: أنا مش همثل مكنتش في ألمانيا فعلًا، دي كانت ستارة.


تجهم عزت: طب فهمني


أجابه سليم بهدوء بارد: بعدين، بعدين يا ولدي العزيز.


ارتبك عزت قليلًا، ثم اقترب بصوت يحمل القلق: طب هسألك سؤال، سافرت عشان حاجة تخص الحادثة؟


أغلق سليم ملامحه تمامًا: مش هجاوبك.


زفر عزت بضيق:هو سر حربي ولا إيه؟


سليم بجمود وهو يشيح بيده: هتعرف بعدين.


صمت عزت لوهلة، ثم تنهد وقال: عموماً مازن قالي أنك مضيت على الوصية، عايز أقولك حاجة: إخواتك، مهما كان أذاهم، ومهما كان فيهم...


قاطعه سليم بنبرة قاسية وهو يشير بيده: لأ هيقتلوني؟ وبعدين زي مابيقولوا "من خاف سلم". كل حاجة ماشية زي ما هي، كأن الوصية مش موجودة، الوصية مش هتتنفذ غير في قتلي، أنا مش فاهم إيه الدراما اللي عاملينها دي، ولا أنتم كنتوا بتخططوا لقتلي وأنا بوظت خطتكم؟


عبس عزت بانزعاج: بطل جنان، لكن طريقتك دي ضايقتني، وخلِّت أختك تتصرف تصرفات زبالة.


ضحك سليم ببرود: والله يا باشا أنا خليتك تشوف زبالة عيالك، بس اللي أنا متعجب منه رشدي!


تأمله عزت بقلق: وأنت كمان هدوءك غريب.


أشار سليم بإيماءة مقتضبة: عموماً، كل اللي جاي مختلف، بس أنت رجّعت صافيناز؟ أنا عرفت إنك طردتها.


عزت ببرود مشابه: زي ما أنت بتأدبها بطريقتك إنك تحرمها من دخول المجموعة وتاخد منها الأسهم، أنا كمان بأدبها بطريقتي.


نهض سليم وهو يغلق الملف: تمام، أنا بقى هستأذنك عندي شغل كتير محتاج أراجعه.


وقف عزت من مكانه، تحرك نحو الباب ثم توقف واستدار بنظرة متسائلة: مش هتقولي برضه كنت مسافر ليه؟


فتح سليم ملفًا جديدًا، وأخذ يركز فيه دون أن يجيبه هز عزت رأسه بيأس، ثم غادر ببطء.

💞__________________بقلمي_ليلةعادل 

في إحدى القاعات المفتوحة على ضفاف النيل، السادسة مساءً.


الأضواء والزينة تتلألأ، والموسيقى تعم المكان بين راقصين وشاربين الحفل احتفاء بنجاح خط الإكسسوارات الجديد، وكانت سلوى من أبرز مصمميه.


امتلأ الحفل بزملاء سلوى وأصدقائها وأشقائها، وكان طارق حاضرًا، قريبا ليصبح خطيبها.


وفي خضم الاحتفال، دخل مكي وقف بعيدًا يراقبها، يتابعها بابتسامة صغيرة مشرقة، فرِحًا بنجاحها، في البداية لم تنتبه سلوى لوجوده إلا بعد دقائق تبادلت معه النظرات، فابتسم وكأنه يعلن عن حضوره، لكنها لم تُعره اهتمامًا وأكملت الحفل.


بعد قليل، دعاها بعض أصدقائها لتشارك في لعبة مع باقي المصممين الخمسة الذين نجحوا في الكولكشن، الانضمام للعبة، حيث وُجهت أسئلة عنهم للحاضرين. تبادلوا الضحكات والسخرية لعدم معرفة البعض، حتى وصل الدور إليها.


أحد الزملاء: دلوقتي جه دور سلوى، يلا يا سلوى نشوف كام واحد هنا يعرفك كويس.


السؤال الأول: إيه أكتر زهرة سلوى بتحبها؟


رد طارق بسرعه وثقه: البنفسج.


نظرت سلوى باستغراب، فهي لم تحبها من قبل.


سلوى: لا، حاجة تانية! أنا قولتلك؟


طارق: القرنفل؟


زمت سلوى شفتيها بأسف: لأ، دي ماسة أختي اللي بتحبها.


طارق سكت لحظة وهو يفكر، وكادت سلوى أن تجيب، لكن قبل أن تفعل سبقها مكي قائلاً: الورد الأحمر.


التفتت الأنظار كلها إلى مكي، فابتسم وهو يرمقها.


نظرت سلوى له بصمت، ثم قالت بنبرة مكتومة: فعلاً.. الأحمر.


المقدمة: السؤال التاني.. إيه أكتر أكل بتحبيه؟


إحدى صديقاتها: ورق العنب.


هزت سلوى رأسها بلا.


أخرى: الكباب.


عمار ضاحكًا: أختي بتحب كل حاجة مبتقولش لا.


سلوى بطفوله: عيب والله! في أكل بحبه جدًا.


يوسف: يبقى المحشي.


سلوى: لا.


ظل مكي صامتًا يراقب، ربما أحد يجيب.


طارق قال: شاورما.


وعندما لاحظ أن الجميع يخطئ، قال بهدوء: البامية والرز بالشعرية.


نظرت سلوى بارتباك، بينما نظر إليها بابتسامة.


هزت سلوى بتأكيد بنبرة مكتومه: صح.


المقدمة: أول مرة سلوى صممت فيها كانت عندها كام سنة؟


الجميع صمت، لم يرد أحد، تبادلوا النظرات بصمت.


سلوى بمزاح: أخص عليكم ازاي متعرفوش؟ ده أنا حكيت لمعظمكم القصة.


تبسم مكي بهدوء وبدأ يروي القصة كأنه يحفظها عن ظهر قلب: كان سبع سنين، وكانت بتبيع الأسورة بربع جنيه هي وماسة، واللي ياخد أربعة بجنيه ياخد معاهم واحدة وخاتم هدية، أول حاجة عملتها في حياتها كانت هدية لماسة في عيد ميلادها: أسورة من الخرز، جمعت الخرز من أسورة مقطوعة بتاعة لورين، وعملتها من الخيط لونها روز، حاولت تلزق وردة، بس ماعرفتش، لأنها كانت محتاجة مسدس شمع، وهي وقتها مكانتش تعرف، وكانت الوردة قرنفل كمان.


كان مكي يتحدث وهو ينظر لعين سلوى، وهي أيضًا تنظر إليه، أعينهما لم تتحرك لحظة، كأنها تقول شيئًا داخل قلبهما ما يزال موجوداً بعد انتهائه.


ساد الصمت، وتوجهت أنظار الجميع إلى مكي، خاصة عمار ويوسف وأمنية.


أمنية باندهاش: مش ده مكي؟


عمار تمتم: اه ايه اللى جابه؟!


المقدمة: هايل! ده أنت شكلك حافظها، ممكن تعرفنا بنفسك؟


مكي بابتسامة: صديق قديم.


المقدمة تبسمت.


شعرت سلوى بوجع داخلي، وحاولت الهروب من نظراته. قالت بصوت مرتعش: خلاص بقى، مش عايزة أكمل اللعبة دي.


تحركت مبتعدة، لكن مكي وقف في طريقها ومنعها.


مكي بابتسامة محبة: مبروك، حققتي حلمك.


سلوى بهدوء: لسه محققتوش، دي لسه البداية.


مكي بدعم: بس بدأتي في الطريق، وده شيء عظيم.


سلوى بفضول: رجعت من السفر امتى؟!


مكي: من كام يوم، انتِ لسه مع الولد ده؟


سلوى بحدة خفيفة: ده مش ولد، ده دكتور وهنتخطب قريب.


مكي بنبرة فيها سخرية وغيرة: بس الولد، قصدي الدكتور طلع مش عارفك، مفيش سؤال جاوب عليه صح!


سلوى بجمود: مش لازم يكون عارف كل تفاصيل حياتي عشان يثبت إنه إنسان كويس، أنا مش بالتافهة دي.


علّق مكي متعجبا: أمال فين كلامك بقى؟ لو حبيبك ميعرفش أبسط تفاصيلك، يبقى مبيحبكيش، لأنه زي مامهتمش بتفاصيل بسيطة، أكيد مش هيهتم بالكبيرة.


ردت سلوى بنبرة موجوعة، هاربة: هو أنت عايز مني إيه يا مكي؟ هو أنت مش بعدت شهور؟ وقفلنا بقى الموضوع ده وقولتلي إنك خلاص؟


صمت مكي لحظة، ثم قال بحزن وهو يزم شفتيه: مظبوط بس مش عارف، طلعت اضعف من قراري..


ركز النظر في ملامحها وتنفس ببطء وقال بنبره موجوعه: عارفة يا سلوى؟ أنا مش عايز أرجعلك، بس غيران.


اضاف وهو يضغط على كلماته، يتنفس بحدة كأن صدره ضاق مد يده في الهواء بعصبية:

لما بشوفك مع أي حد غيري قلبي بيتحرق، لما بسمع إنك معاه بتجنن، نفسي أحرق العالم، وأحرقه هو كمان.


توقّف فجأة، ثم تنهد تنهيدة طويلة خرجت كأنها وجع متراكم: أنا مش مبسوط، ولا عارف أكون مبسوط، افتكرت إني هكون مبسوط وعادي، بس طلعت غلطان..


مرر أصابعه في شعره بعصبية، وانحنى قليلًا للأمام وكأنه يهرب من ثقل مشاعره:

طول الشهور اللي فاتت وأنا مش عارف أبطل تفكير فيكي، بفرح لفرحك، وبزعل لزعلك، وفي نفس الوقت زعلان منك، مجروح منك أوي، وغضبان منك لدرجة مالهاش وصف..


ابتسم ابتسامة مشوهة، نصفها مرارة ونصفها اعتراف:بس لسه بحبك.


شد قبضته بقوة، وعيناه تلمعان بحدة: حرب جوايا، ما بين إني أحاول تاني وأرجعك، ومابين إني أقول كفاية، شعور متناقض مش عارف أعمل إيه.


اقترب خطوة، وصوته يخفت، يرتجف وكأنه يعترف بخطيئة: كل مافتكر إن احنا خلاص، كان فاضل أيام على جوازنا، وفجأة كل حاجة اتبدلت أحس بوجع..


مد يده إلى صدره وضغط بقوة على موضع قلبه، وكأن الوجع سينفجر من بين ضلوعه: وجع هنا، مالوش دوا ولا ليه مسكن زي المرض اللي ملوش علاج وجع ملوش علاج.


رفع عينيه إليها ببطء، ممتلئتين بمرارة دموع متحجره في عينه، ثم همس بصوت منكسر: قوليلي أعمل إيه؟


كانت تستمع له سلوى وهي تشعر بالوجع يعصب بقلبها ودموع تملا عينيها فهي مازالت تحبه لكنها تكابر تشعر بالوجع لكنها تحاول أن تعمي نفسها عنه.


سلوى بحزن وعين دامعة: الحل كان في إيدك بس انت اللي اخترت.


مكي بهدوء، بنبرة محشرجة: وعمري ماهندم على اختياري، وانتِ كمان اخترتي، ومقتنعة إنك صح، وأنا كمان مقتنع إني صح، ومش ندمان.


ارتسمت ابتسامة حزينة على وجه سلوى، ونظرت بعيدًا بوجع، وعيناها تترقرقان بالدموع: احنا الاتنين، حتى لو لسه بنحب بعض، مستحيل يجمعنا طريق، أنت لسه قايلها: كل واحد مقتنع باختياره.


ركز مكي نظره في ملامحها، وهو يميل عليها قليلاً وكله أمل: ممكن يجمعنا يا سلوى، لو بطلتي تعندي وتفكري بنفس الطريقة، أتمنى الشهور اللي فاتت تكون غيرتك، ولو شوية..


مد يده بنظرة مليئة بالرجاء والحب: وأهو.. بمد إيدي تاني ليكي، ممكن متكسريهاش؟ خلينا نبدأ طريقنا اللي معرفناش نكمله، كفاية بعد وعناد خلي الحب اللي بينا يبقى أقوى.


هزت سلوى رأسها بلا بحزن وقلب يعصف من الوجع: مش هينفع يا مكي مش هينفع، أنت معندكش استعداد تتنازل عن صاحبك، وأنا كمان معنديش استعداد أتنازل عن أختي، أنت مقتنع إن صاحبك مغلطش، ومقتنع كمان إنك مخذلتنيش..


رفعت عينيها نحوه بوجع وخذلان:

بس أنا مقتنعة إنك خذلتني، وإنك كان لازم تقف معايا أكتر من كده، أنت وجعتني وكسرتني في عشمي فيك.


مسحت دموعها التى سقطت وهي تاخذ أنفاسها باعتراف وحب: يمكن بحبك ولسه بحبك، وزيك بالظبط مش مبسوطة، وكنت بفرح جدًا لما تبعتلي الورد، أو تتصل بيا، أو تبعت الهدايا والرسائل، أنا كنت عارفه أنه أنت اللي بتعمل كدة، أنا كمان زيك كنت بفرح وبتوجع في نفس الوقت، بس هل أنت عندك استعداد تتنازل؟


رمقها مكي بعين مخذوله وأجابها بهدوء واقتناع: مش هتنازل يا سلوى، عشان أنا عارف إني مغلطتش (زفر بغضب) حاولي تقتنعي إن أنتِ اللي غلطانه كفايه بقى..


في تلك اللحظة، اقترب طارق، وامسك يد سلوى 


طارق بستفزاز: إزيك يا مكي؟


وهنا نظر مكي الى ايديهما المتشابكه بغيره وغضب، لكن حاول تمالك غضبه.


أجابه بنبرة بارده وهو يرفع عينه نحوه: كويس يا دكتور.. وأنت؟


شد طارق إيده أكتر على سلوى كأنه يعلن امتلاكه لها: الحمد لله، ابقى تعال خطوبتنا، هتنورنا أكيد.


شعرت سلوى بارتباك؛ تعلم أثر تلك الحركه على مكي، بينما مكي كانت نيران الغيرة تأكله.


مكي، بنبرة رجولية هادئة لكنها حاسمة: شيل إيدك.


طارق باستفزاز: انت في دماغك حاجة؟ دي خطيبتي.


قلب مكي وجهه واغمض عينه وهو يجز على اسنانه وحاول باقصى قوه عنده أن يتمالك غضبه: بقولك تاني شيل إيدك بدل ماكسرهالك 


طارق بستفزاز أكبر: وأنا بقولك ملكش دعوة، دى خطبتى أنت مالك؟! ولا أنت بتحب تسمع أنت مالك كتير. 


نظر مكي لسلوى وهو يحاول تمالك غضبه: سلوى،متخلنيش أعمل مصيبة.


سلوى بضجر: وأنا اللي بقولك ملكش دعوة يا مكي.


نظر لها مكي بعينه قال بحسم وتحذير: سلوى، لو موقفتيش العبط اللي بتعمليه ده، المرة دي هتبقى النهاية صدقيني، امشي معايا وخلينا نوقف المسرحية المملة دي.


توقفت سلوى بجانب طارق وكأنها تعلن اختيارها وقالت بحسم: أنا قولتلك خلاص هي خلصت.


تجمد مكي في مكانه، شعر أن النهاية وقعت بالفعل وجع وخذلان كبير اخترق قلبه، وأدرك أنها اختارت طارق، وأنه لو استمر في مطاردتها، سيخسر نفسه وكرامته أكثر.


هز مكي رأسه بإيجاب وهو ينظر بعينه لإسفل، عيناه ترفضان البكاء، قلبه يشعر بالخذلان لكن كان ثابتا: تمام، أنتِ اللي اختارتي.


رفع عينيه لها، لكن هذه المرة كانت نظرة غريبة لم ترها منه من قبل قال بحسم: المرة دي مش هتشوفيني تاني، حتى لو صدفة، ده وعد.


كانت كلماته تهبط على قلب سلوى كأنها خنجر، لكن جنونها وما علمته عنه وشعرها أنه لم يقف بجانبها أمام جنون سليم كان أكبر من حديثه أو مسامحتها.


تحرك مكي مغادرًا، لكن طارق استفزه وهو يقول: ياريت تبطل تطاردها، وخلي عندك كرامة، هي مش عايزاك اللي عملته دلوقتي قصاد الناس، ميخليش واحدة حرة ترجع لحبيبها، في حاجات أهم، زي الأخلاق.


ضغط مكي على أسنانه بعنف، عروقه في عنقه برزت، كأن الغضب كله انفجر دفعة واحدة التفت فجأة، وبحركة خاطفة باغت طارق بلكمة صاعقة بوجهه تراجع طارق مترنّحًا، قبل أن يهوي أرضًا، ارتطم جسده بالأرضية في صوت مكتوم، لتتفجر الدماء من شفته السفلى وينكسر أنفه، فتتشوه ملامحه بحمرة غامرة.


شهقت سلوى بقوة، اتسعت عيناها في صدمة، وتجمدت في مكانها لا تدري إن كان عليها أن تهرع نحو طارق أم نحو مكي.


ارتفعت يدها لا إراديًا لتغطي فمها، تخنق شهقة أخرى، بينما أنفاسها تتلاحق مرتبكة، تلاقت عيناها بعين مكي للحظة خاطفة؛ كان عيناه تطلقان شرارا.


أرادت أن تنطق، أن تقول شيئًا، لكن الكلمات اختنقت في حلقها، ولم يخرج منها سوى ارتعاشة صامتة.


رفع مكي يده من جديد ليستكمل ضربته، لكنها نظرت إليه بعينيها المرتعشتين كأنها تتوسل صامتة أن يتوقف، تجمد للحظة وهو يتأملها، ثم أسقط يده وكبح نفسه زفرت هي بارتياح.


كل ذلك لم يستغرق سوى ثوانٍي قليلة، بينما بدأ بعض الحاضرين يتجمعون من حولهم.


رفع مكي يده عاليًا في إشارة حاسمة أوقفت الجميع، وصوته يخرج متقطعًا من حنجرته الملتهبة بالغضب: متخافوش، أنا مش هضربه تاني.


تنهد بعمق، ثم تحرك نحو الخارج، يلقي نظرة أخيرة، كأنها وداع لا عودة بعده.


وهنا جاء عمار ويوسف مسرعين، فقد كانوا بعيدين ولم يشاهدوا ما حدث بوضوح، لكن رأوا أثر الضربة.


عمار بتعجب: إيه اللي حصل؟


سلوى بحزن وهي تبكي: خلونا نمشي من هنا.


خرجت سلوى مسرعة، وتبعتها أمنية، وصعدوا السيارة.


في السيارة، جلست أمنية خلف المقود، عمار بجوارها، بينما جلس يوسف وسلوى في الخلف.


عمار بحدة: أنا عايز أفهم إيه اللي حصل؟


أجابته سلوى وهي تنظر من النافذ بحزن ونبرة مكتومة : بعدين يا عمار، بعدين.


يوسف بغضب: يعني إيه بعدين؟ متنطقي! ماله مكي ضرب طارق ليه؟!


أمنية وهي تقود: يا جماعة، سيبوها تهدى أكيد حصلت مشكلة، بالراحة عليها.


يوسف بغضب: احنا مش هنخلص بقى من مشاكله؟ ماحنا كنا مرتاحين من يوم ماختفى هو وسليم.


سلوى بدفاع: هو معملش حاجة،طارق اللي استفزه.


عمار بغضب: يعني إيه؟


سلوى بشدة: يعني قفلوا على الموضوع ده بقى كفاية.


نظرت أمنية لعمار ومدت يدها وأمسكت يده بمعنى: سيبها تهدى.


فيلا عائلة ماسة، الثانية عشرة مساءً


كانت سلوى جالسة على حافة السرير، تضم ساقيها إلى صدرها، ووجهها محمر من البكاء، شعرها مبعثر وترتدي وملابسها المنزليه، بين الحين والآخر ترفع كفها لتمسح دموعها.


انفتح الباب فجأة، ودخلت سعدية بخطوات متثاقلة، أول ما وقعت عيناها على ابنتها وضعت يديها أسفل ذقنها، رفعت حاجبها بسخرية وقالت بنبرة فيها تهكم ظاهر: مالك يا اختي؟ شايلة طاجن ستة فوق راسك وبتعيطي ليه؟ متقوليش مفيش يا ماما، أنتِ من ساعة مرجعتي من الحفلة امبارح وأنتِ على الحال ده.


اقتربت وجلست على طرف السرير أمامها، مدت يدها على ركبة سلوى بحنان مصطنع: مالك يا أختي؟


رفعت سلوى وجهها بعينين منتفختين وقالت بصوت مبحوح: قولتلك مفيش حاجة يا ماما.


قهقهت سعدية بخفة ساخرة وهزت رأسها: مفيش حاجة! مش هو ده مكي اللي قولنا مش عايزينه؟ وقولنا له يبعد خلاص.

لوحت بيكفها وهي تقول بسخريه: وقولنا: هش يامكي هش هش..

تابعت بنبرة أكثر سخريه:

ولما اتهش مكي، زعلنا، وأول مايجيب وردة ولا يبعت هدية، من غير اسم، ابتسامتك بتبقى من هنا لهنا وتنوري زي القمر في تمامه، بعدين جبنا طارق وقولنا هنتخطب بس نخلص الامتحانات، برغم إني مليش في الكلام ده، بس مش مهم، مادام جه وقرأ الفاتحة خلاص، ظهرلنا مكي بشحمه ولحمه ووقفنا قدام الناس كلها، وأنتِ بنفسك قولتيله: ملكش دعوة، وامشي وهشش، واتهشي مكي، وقالك خلاص، مش هتشوفي وشي تاني، دلوقتي بعيطي ليه؟! مش ده اللي عايزاه، ولا هو كده عيني فيه وأقول أخيه.


أشاحت سلوى بوجهها بعيدًا، وعضت على شفتها السفلى كأنها تحاول أن تكتم شهقتها: أنا مش بعيط عشانه، أنا أصلاً مش زعلانة،متتوهميش. 


ضربت سعدية كفها على فخذها بحركة حادة وصوتها ارتفع: اتوهم؟ لا يا أختي مش بتوهم! مكي ده اللي مقعدك لحد دلوقتي من غير جواز، وكل مايجيلك عريس تقولي لا، وافقتي على طارق بس من كتر زني عليكي، خوفتي لأجوزك واحد من بتوع البلد، مكي ده هو اللي خلاكي تفضلي سنين مستنياه يجي يتقدم، خلاص مادام بتحبيه سامحيه فين المشكلة؟ هو عنده حق، إيه ذنبه في اللي حصل؟ مشكلتنا مع سليم، مكي عمل اللي عليه؟!


التفتت سلوى بحدة، عينيها تلتمع بالدموع، وصوتها يرتجف: لا يا ماما، معملش اللي عليه، كان ممكن يعمل حاجات كتير، هو اشتري سليم وباعني.


قاطعتها سعدية بسرعة، عينها تبرق بالغضب، وصوتها قاطع: لا يا اختي، هو مشترهوش! وباعك! اختك هربت؟ مفيش راجل يقبلها على نفسه؟ كنتِي عايزاه يعمل إيه؟ سليم غلط مقولناش حاجه بس مكي عمل حاجات كتير كويسه كنتي عايزاه يعمل ايه؟!


صرخت سلوى وهي تضرب كفها في صدرها: كنت عايزاه يعمل زي سليم، لو كان سليم مكانه، أقسم بالله، مكي ده مكانش يتجرأ يعمل كده، سليم مبيقبلش حاجه على ماسة، شوف أنتم لما ضربتوها عمل فيكم ايه؟! شوفي بيعمل في أهله ايه؟! كان نفسي أنا كمان احس إن خطيبي اللي هيبقى جوزي كرامتي وكرامة أهلي فوق كل شيء عنده، بس للأسف.


تجمدت ملامح سعدية، وصوتها صار أهدأ لكن عينها متسعة: بصي يا بنتي، مكي راجل محترم متضيعهوش من إيدك، مادام بتحبيه هو ولسه رايدك، وبعدين أنا شايفة إن سليم خلاص، ربنا هداه وبعد عن شيطانه، بكرة ماسة ترجع، وكل حاجة ترجع زي زمان، اذا كان يعني على مكي والله أنا مش شايفه إن هو غلطان، يوم عمار والله الراجل حاول يحل الموضوع بالعقل وبالهدوء، بس اخوكي كان مجنون يومها، وبعدين ده مسك اللي اسمه إسماعيل وبهدله وكان هيقتله لما عرف اللى عمله معاكي، خلاص بقى يا بنتي خلينا نفرح ونرجع زي زمان.


مسحت سلوى دموعها بظهر يدها بعصبية، وانحنت على ركبتيها: مفيش حاجة هترجع زي زمان أنتِ مش عارفة حاجة.


نظرة قلق ارتسمت في عين سعدية، ورفعت إصبعها في وجه ابنتها بتساؤل: أنا حاسة إنك مخبية علينا سر أنتِ واختك، حاجة أكبر من الهروبة دي.


تجمدت سلوى للحظة، ثم دفنت وجهها بين كفيها، صوتها خرج خافتًا يرتجف: اه في، بس ريحي نفسك ولو هموتيني والله ماهقول، بس في حاجة كبيرة اوي، وحشة اوي، فيها دم!


شهقت سعدية، ووضعت يدها على صدرها، قلبها يدق بجنون: بت! بتخوفيني ليه؟


رفعت سلوى عينيها الغارقتين بالدموع وقالت بحدة مخنوقة: خافي يا ماما واسكتي بقى، وأوعي تسألي تاني، أنا مش هعرف أقولك غير كده.


مدت سعدية يدها وأمسكت بكفها بقوة، وصوتها يرتعش: طب الحكاية دي هتأذي أختك؟


أغمضت سلوى عينيها، دموعها سالت بغزارة، وهمست: هتأذينا كلنا مش اختي بس، وأنا مش هقدر أرجع لمكي، حتى لو قلبي لسه بيحبه، أكتر حاجة قاهراني إن فات أكتر من سنة ونص ولسه بحبه، وحاسة إني هعيد نفس الغلطة اللي عملتها قبل كده، لما اتخطبت وهعيدها دلوقت مع طارق، رغم إنه راجل محترم.


تنهدت سعدية بوجع، وهزت رأسها بيأس: يبقى سيبك من طارق، واستهدي بالله، مع إني مش عاجباني قعدتك من غير جواز، كملتي أربعة وعشرين سنة، يا بنتي.


مسحت سلوى دموعها بغضب، وردت بحدة: أنا كملت 24 مش 44 يا ماما.


رفعت سعدية حاجبها وقالت بمرارة: أيوه 24، بس اللي قدك معاهم عيال، أنا قلبي مش قادر يفرح لا بيكى ولا بأختك اللي جوزتها على كف عفريت ولا شوفتلها عيل حتى ،أنتم بنات، والبنت بتستر بدري.


تابعت بنظر صارمه بحسم: بصي أخرك معايا، تخلصي الجامعة، معنديش صبر أكتر من كده، ترجعي لمكي ولا مترجعيش مش فارقة، العريس المحترم اللي يجيلك، هنوافق عليه، عايزة تصبري مع طارق وتشوفيه؟ ماشي، مش عايزة خلاص، بس قبل متعملي الخطوبة، عشان لو اتخطبتي مش هتسيبيه.


رفعت سلوى عينيها الغارقتين بالدموع، شفايفها ترجف: هو أنتِ بتهدديني يعني؟


مدت سعدية يدها ومسحت على شعرها برفق، وابتسامة حزينة كسرت ملامحها: لا يا حبيبتي، بفهمك وبوعيكي، عقلك في راسك تعرفي خلاصك.


مطعم فاخر، الثامنة مساءً.


جلس سليم خلف طاولة كبيرة، يده تحرك فنجان القهوة ببطء، جلس مكي مقابله.


رفع فنجان قهوته وأخذ رشفة قصيرة، ثم قال بصوت منخفض لكن حاد: مبلاش إسماعيل، ليه إسماعيل؟ ما هي بقالها شهور مختفية ومقدرش يوصلها.


هز سليم، رأسه بإيجاب موضحاً: بس متنساش إنه عرف إن في مكالمات مهكرة بتوصل لأهلها، بس مقدرش يخترق الذبذبات بتاعتها.


مكي: ما هو ده، يبين إنه مش شايف شغله كويس.


سليم معترضًا: لا هو ماخدش أوامر مني.


مكي برفض وضيق: أنا مش عايزك تشتغل معاه بعد اللي حصل.


سليم موضحًا بهدوء: أنا متصلتش بيه، هو اللي اتصل وقال:"أنا عايزك يا سليم" أنا كده كده نهيت شغلي معاه، هو اللي كان عامل يدور علينا.


اتكئ مكي على كرسيه بعصبية: ماشي زي ماتشوف، أنت عنيد أصلاً، بس قسماً بجلال الله لو طول لسانه هقتله أنا مش طايقه، (تنهد متسائلا) أنت مش هتعرفهم كنت مسافر ليه؟!


رفع سليم رأسه ببطء، وهو يربت على الطاولة: لا مش دلوقتي بعدين، أوصل لماسة الأول، ماسة أهم، مينفعش حد يعرف إننا كنا مسافرين وإيه اللي حصل هناك غير بعد ما أوصل لماسة.


أضاف وهو يحتسى القهو بتساؤل: كنت فين امبارح؟


تنهد مكي بأسف: ما أنت عارف الحفلة.


مال سليم للأمام: أنا أقصد بعدها اختفيت، وتليفونك اتقفل.


مكي، متنهدًا: كنت متضايق شويه، لسه نفس العند، مفيش أي تغيير، كل حاجة زي ما هي، اديتها آخر فرصة، قولتلها: لو هتفضلي مع اللى اسمه طارق ده هتبقى انتهت، وطبعا اختارته.


سليم بهدوء عقلاني وهو ينظر بعيد: طول ما احنا مش عارفين أسبابهم، ومحلناش اللغز، سلوى وماسة هيفضلوا زي ماهما، ويبقى الحال كما هو عليه.


رد مكي بعصبية واضحة: عارف يا سليم، أنا واصل مع سلوى لنقطة مش حلوة، أنا خلاص معنديش استعداد أسامح، مهما كان، حتى لو حد بعتلها فيديوهات وأنا نايم مع واحدة على السرير، مش هسامحها، لأنها مجتش سألتني: "ده حقيقي ولا لا؟ أنت خنت ولا لا؟" صدقت واتعاملت مع الشكوك دي عادي جدًا.


رجع سليم للخلف وهو يمسح بكفه على وجهه بتعب: المهم إحنا خلاص رجعنا مصر، خلصنا المهمة الأولى، دلوقتي في مهمة ثانية متقلش أهمية، لازم ندور على ماسة أنا حاسس إنها مش جوه القاهرة.


انحني مكي للأمام بخفة: بس أنا حاسس إنها جوه القاهرة وبتسافر عشان توهمنا.


هز سليم راسه رافضاً بإصرار: تؤ مش جو القاهرة، عموماً هندور في كل محافظة ولازم المكالمه الجايه نحدد مكانها.


وهنا دخل اسماعيل المطعم، يرتدي بدلة أنيقة، ملامحه مشدودة.

اقترب منهم وهو يقول: مساء الخير حمد لله على سلامتكم 


رفع سليم رأسه، وقال بجمود: خير يا إسماعيل؟ عايز إيه؟


جلس إسماعيل، متسائلا: كنتم فين؟


مكي بجمود: هو أنت جايبنا هنا عشان تسألنا كنتم فين؟


رد إسماعيل بإبتسامة باردة: لا بس زي ما قولت لعشري، الأجهزة رصدت ذبذبات معينة، مكالمات وصلت لأهل ماسة.


اقترب سليم قليلاً: وهل وصلت لأي نتيجة؟


إسماعيل بحذر: واضح إنها مع محترف، فاهم هو بيعمل إيه؟! بيستخدم برامج مختلفة وأنظمة معقدة، المكالمات دي محصلتش إلا 3 مرات: الأولى مكالمة طويلة نسبياً، الثانية والثالثة مكالمات صغيرة جدًا للأسف يا سليم لإنك امرت إن كل الميكروفونات تترفع من الفيلا الا مراقبه التليفونات كان ممكن نوصل لحاجات كثير.


تسأل مكي: طيب هي من داخل القاهرة ولا من براها؟


رفع إسماعيل كتفيه: مقدرناش نحدد أي حاجه.


رمقه سليم بنظره حاده من أعلى لأسفل ثم تساءل بهدوء: وأنت ليه بعد كل اللي حصل بتساعدنا؟!


ابتسم إسماعيل نصف ابتسامة: أنت رجعتلي مراتي وابني كويسين وبخير، وتفهمت أسبابك واللي بينا برده كبير.


ابتسم مكي على حديثه الذي لم يصدقه بينما سليم لم يتحرك سكانا، هادئ كهدوء البحر الذي يخدعك بجماله ثم يبلعك.


قال مكي بنبرة حاسمة: بقولك، إحنا شغلنا مع بعض انتهى أنا متأكد إنك بتدور على حاجة تمسكها على سليم وعلينا كلنا، بس أنت عارف إن اللعب مع سليم خطر وخسارتك أكيدة.


أضاف سليم، على حديث مكي وهو يضع فنجانه جانبًا: شكرًا على المعلومة يا إسماعيل، متحاولش تكلمنا تاني، شغلنا مع بعض انتهى، اما أنت وبابا والعيلة، مليش دعوة بيكم.


رد إسماعيل، بهدوء: تمام.


ربت مكي على كتف سليم وهو يهم بالتحرك: يلا نتحرك.


اخذ ينظر لهما اسماعيل نظرة بها الكثير؟!


تحرك سليم مع مكي نحو باب المطعم


سليم وهو يخطو بثقة، وقال بصوت منخفض لكنه حاد: إسماعيل مش سهل، وغدار حط عينك عليه.


مكي بحسم: من غير متقول، بس اليومين الجايين لازم أسافر لأمي وأجيبها محتاجني في حاجة.


تبسم سليم، وهو يمسح على ظهره بخفة: لا يا حبيبي، سافر زي ما أنت عايز، كفاية تعبتك معايا الفترة اللي فاتت أوي.


نظر له مكي بزعل: متقولش كده، أنت أخويا يا سليم.


سليم بامتنان: ربنا ميحرمنيش منك.

 تبسما لبعضهما وتحركا.


خلال تلك الفترة.

لم يتوقف سليم عن البحث عن ماسة بدقة وإصرار، مترقبًا تلك المكالمة التي قد تجمعهما من جديد، لكنها لم تأتِ أبدًا، ورغم ذلك، لم يهدأ قلبه عن مواصلة البحث.


أما مكي، فقد أغلق صفحة سلوى تمامًا، ولم يعد يطارد صوتها في المكالمات كما اعتاد، حتى في عيد ميلادها، مرّ اليوم دون أن يلتفت إليه أو يُبدي أي اهتمام.


في المقابل، كانت سلوى تقوم بالاتصال بطارق الذي توقف عن الرد عليها بسبب ما فعلته وتركها له في الحفلة.


بعد أسبوعين من رجوع سليم. 


المركز الطبي الحاديه عشر مساءً.


كانت ماسة تقف خلف الكونتر كعادتها، تعد الشاي والقهوة وتبيع بعض الأشياء للزبائن المكان يسوده هدوء اعتيادي، حتى قطعه فجأة صوت امرأة تختنق، وقفت اللقمة في حلقها، وبدأت تسعل بعنف غير قادرة على التنفس، هرع من حولها إليها في هلع، أصوات متشابكة تنادي: دكتور! حد ينادى دكتور؟!


تجمدت ماسة للحظة، عينيها تحت النقاب تتابع الموقف وقلبها يخفق بقوة، وفجأة لمعت في ذهنها صورة قديمة: أمها وهي تنقذ أختها سلوى الصغيرة بنفس الطريقة، وتذكرت أيضًا مشهدًا عابرًا شاهدته من قبل في أحد الأفلام.


لم تنتظر أكثر، انطلقت نحو المرأة بخطوات سريعة، وقفت خلفها واحتضنتها من الخلف بقوة، ثم ضغطت بيديها على بطنها مرارًا ثوانٍي قليلة خرجت القطعة العالقة من فم السيدة مع سعالٍ حاد، وانطلقت أنفاسها من جديد.


ساد المكان صمت قصير تخللته شهقات ارتياح، اقترب الطبيب الذي كان قد وصل للتو، فحص السيدة سريعًا، ثم التفت إلى ماسة بابتسامة إعجاب:

برافو عليكِي، أنقذتي حياتها.


أم السيدة هرولت نحو ماسة، تمسك يديها بعاطفة جياشة: ربنا يخليكِي يا بنتي ربنا يسترك.


ماسة، بخجل وبساطة: محصلش حاجة ده واجب.

الحمد لله إنها بخير.


ثم عادت إلى مكانها خلف الكونتر، كأن شيئًا لم يحدث، بينما العيون كلها ما زالت تلاحقها بإعجاب وامتنان.


كانت إيناس تحدق في ماسة بعينين ممتلئتين بالضيق، وصوتها يقطر سخرية: إيه اللي أنتِ عملتيه ده؟! شايفة نفسك فاهمة في كل حاجة؟ أنا مش فاهمة أصلاً أنتِ خريجة إيه بالظبط؟


رفعت ماسة عينيها نحوها وردت بسخط: ملكيش دعوة.


أكملت عملها في يوم طويل لم تجد فيه فرصة للجلوس أو الراحة ولو لدقائق، وعند الساعة الثالثة عصرًا، شعرت أنها لم تعد قادرة على إكمال باقي اليوم، فاستأذنت لتغادر مبكرًا، ارتدت ملابسها وخرجت إلى الشارع، حيث وقفت تنتظر سيارة تقلّها.


لكن أثناء ذلك، خرج مصطفى من المبنى، وحين وقعت عينه عليها توقّف للحظة، ثم اقترب منها باستغراب: مالك يا ماسة؟شكلك مرهق.


رفعت رأسها بضعف: خلاص اهو مروّحة.


اقترب منها أكثر، بعينين مليئتين بالقلق:

ليه؟ مش المفروض تروحي خمسه 


اجابته: تعبت فاستأذنت امشي بدرى.


ابتسم لها بلطف ألف سلامة عليكي، تعالى أوصلك، أنا مروح دلوقتي.


هزت رأسها برفض: لا مش هينفع.


اقترب منها خطوة أخرى، صوته حنون: ليه مش هينفع؟


باقضاب: أنت عارف بالله عليك مش عايزة مشاكل.


بحزم وهو يهز رأسه: والله يا ماسة لو مجتيش فعلا هتحصل المشاكل! يلا عشان تحكيلي على بطولاتك النهارده.


ابتسمت محاولة للتخفيف من الموقف: ما أنا حاسة إني خدت عين بعد البطولات دي!


وبالفعل صعدت ماسة إلى السيارة، وأخذا يتحدثان عن أخباره وأخبارها، يتبادلان تفاصيل الأيام الماضية بين ابتسامات خفيفة وتعليقات عابرة، وبينما كان الحديث يجري، تطرقت ماسة إلى محاولات ندى المتكرّرة في الاتصال بها، وأوضحت أنها لا ترغب في الرد عليها، وكأنها تهرب من مواجهة لا تريدها الآن.


وعند وصولهما فوجئا بأن الطريق مقفول.


مصطفى وهو يوجّه السيارة: الطريق مقفول، لازم ندخل من الحارة دي ونمشي شوية، مفيش ركنة هنا، فهركن العربية ونكمل.


أومأت ماسة بالموافقة: أوكي.


نزلت ماسة من السيارة أولًا، بينما ركن مصطفى سيارته، بعدها لحق بها، ودخلا معًا من شارع جانبي يشبه الحارة لكنه أوسع قليلًا، واستكملا حديثهما وهما يسيران، ماسة تضحك وهي تحكي له ما فعلت.


ماسة وهي تلهث من الضحك: أنا مش مصدقة يا مصطفى! دي كانت هتموت قدامي والناس كلها بتصوت وأنا معاهم فجأة افتكرت ماما زمان وهي بتعمل كده مع سلوى، وحتى كنت شايفة نفس الحركة في مسلسل تركي من يومين، قولت أجرب، وجابت نتيجة! 


ضحكت بخفة وهي ترفع حاجبيها: أهو رسمي بقيت بطلة أكشن بس النسخة البلدي.


مصطفى وهو يهز رأسه مبتسمًا: أنا نفسي يا ماسة، وأنتِ بتحكيلي عن بطولاتك، متجيبيش سيرة إنك شوفتيها في فيلم أو من حد، نفسي مرة تكون من نفسك كده.


ماسة بمرح:أنا مش عارفة خبراتي مضايقاكم في إيه! مش مهم خبراتي جت منين، المهم إنها بتظبط.


ضحك مصطفى باستسلام: والله عندك حق.


وأثناء حديثهما، تعثرت قدمها في طوبة كبيرة، فصرخت بألم:آه آه!


انحنى مصطفى نحوها دون أن يلمسها: أنتِ كويسة؟


امسكت ماسة قدمها: رجلي خبطت في الطوبة دي.


أبعدت الطوبة على جنب بحرص حتى لا يتعثر فيها أحد آخر، لكنها لم تستطع كبح تأوّهها.


مدّ مصطفى يده ليسندها: وجعاكي؟


ماسة بوجه مشدود: يعني تفتكر اتكسرت؟


مصطفى بهدوء: بلاش أفورة، لو كانت اتكسرت كان زمانك لمّا علينا الشارع كله، يمكن التواء بس وبعدين أنتِ لابسة كعب عالي ليه؟


ماسة بابتسامة صغيرة رغم الألم: اتعودت عليه من وأنا عندي 15سنة.


مصطفى: بس أنتِ طويلة مش محتاجة كعب.


ماسة بخفة: أنا 168، بس سليم طويل واتعودت.


مصطفى معترضا: هو تقريبا طولي، واحنا الفرق مابينا مش بعيد يعني من غير كعب.


توقفت فجأة لتقيس المسافة بين طولها وطوله. ضحكت بخفة: لا، هو أطول منك شوية سليم 185.


ضحك مصطفى: يعني الخمسة سنتي دول فارقين معاكي أوي؟


ماسة وهي تضحك: أنت مش عارف الخمسة سنتي دول بيعملوا إيه والله من غير كعب!


مد مصطفى يده: طب يلا نطلع فوق، نطمن عليكي.


وصلا إلى العمارة، دخلا المصعد، ورفعت نقابها


مصطفى معلقاً وهو يضحك: أنت ما بتصدقي.


ماسة: اه والله ما بصدق الجو حر.


طرقت ماسة الباب بخفة، ومازالت تضحك مع مصطفى على نكتة صغيرة، عيناها نصف مغمضتين من المرح.


لكن فجأة، اخترق اللحظة صوت عميق، ناعم، مألوف كطعنة في القلب: Aşkım


تجمدت الضحكة على شفتيها، كأن الهواء انقطع، رأسها تحركت ببطء، ثقيلة، تهتز كأنها لا تملك السيطرة عليها عيناها تتسعان شيئًا فشيئًا، جسدها كله يرتجف، والصدمة تسري في عروقها مثل كهرباء صاعقة ثم وجدت نفسها وجهًا لوجه أمامه سليم، حقيقة لا خيال بملامحه التي حفظتها عن ظهر قلب

استوووووب.

تفتكروا سليم هيعمل ايه؟! وايه اللي هيحصل؟!

رجاء محدش ينسى يضغط على اللايك عشان تساعده الرواية تنجح يا فرولات.

الي اللقاء في الحلقة القادمة من رواية الماسة المكسورة2 💎💔

اتمني تكون الروايه عجبتكم النهاردة❤️ 



لاتلهكم القراءه عن الصلاه وذكر الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم 



الفصل الاول من هنا



الفصل الثاني من هنا



الفصل الثالث من هنا



الفصل الرابع من هنا



الفصل الخامس من هنا



الفصل السادس من هنا



الفصل السابع من هنا



❤️🌺🌹❤️🌺❤️🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹🛺🛺🛺🛺🛺


الصفحه الرئيسيه للروايات الجديده من هنا


جميع الروايات الحصريه والكامله من هنا


انضموا معنا علي قناتنا بها جميع الروايات على تليجرام من هنا


❤️🌺🌹❤️🌺❤️🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹🛺🛺🛺🛺🛺













تعليقات

التنقل السريع
    close