القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية الماسه المكسوره الجزء الثاني العودة (عناق الدم) الفصل الخامس بقلم الكاتبه ليله عادل حصريه وجديده

 

رواية الماسه المكسوره الجزء الثاني العودة (عناق الدم) الفصل الخامس بقلم الكاتبه ليله عادل حصريه وجديده 


{"ألا تدري؟ ربما هو العشق وأنت لا تعلم ذلك الانبهار، تلك الرجفة، تلك المشاعر التي لم تفهمها بعد، قد تكون هي الحب، ما ظننته بعيدًا قد حدث،وماحسبته لن يأتي ربما جاء، فحتى القلوب التي نظنها حجرًا تذوب. }

             ليلةعادل🌹✍️ 


                 الفصل الخامس 🤫❤️


            [بعنوان: نبض في قلب صلد]


وقف رشدي أمامها، لتظهر السيدة بابتسامة واسعة وهي تقول بصوت مبحوح من الزمن: رشدي بيه، إزيك يا ابني؟


اتضحت ملامحها؛ امرأة في أواخر الستينات، وجهها محفور بالتجاعيد، والفقر مطبوع على ثيابها، ترتدي عبايه سودا 


ابتسم رشدي ابتسامة صغيرة وهو يرد بهدوء:

الحمد لله، عاملة إيه؟


وهي تزيح طرف طرحتها: نحمده يابنى على كل حال، إيه الغيبة الطويلة دي؟ تعالى أدخل يا ابني.


دخل رشدي المنزل المتواضع، كان البيت صغير جدًا، أثاثه بسيط. جلس على الأريكة القديمة، بينما جلست السيدة على مقعد خشبي مقابله، تلمع عينيها بالحنين.


السيده بابتسامة شوق: والله إنت واحشني يا رشدي بيه، إيه كل الغيبة دي؟! أنا قلقت عليك، لولا الراجل إللي بتبعته كل أول شهر، كان زماني اتجننت، هو إللي طمني وقال لي إنك كويس الحمدلله.


ابتسم رشدي ابتسامة سريعة:حقيقي كنت مشغول جدا.


سألت بلهفة صافية: إخواتك عاملين إيه؟ كلكم بخير؟ وسليم كويس؟


رشدي وهو يحرك رأسه:آه، كلنا الحمد لله بخير، وسليم بخير برضه.


رفعت يدها بالدعاء: ربنا يشفيه يا رب العالمين.


رشدي: يارب.


السيدة بقلق: لسه معملش العملية ولا خلف؟!


رشدي زم شفتيه بأسف: لا معملهاش والخلفه مربطته بعملية.


السيدة  بحنان: ربنا يشفيه ويزح عنه والله نفسي اشوفه!


وبينما هي تتحدث، رن هاتف رشدي، رفعه سريعًا إلى أذنه: ألو، يا شوقي؟ بجد؟ طيب أنا جاي أمن ها.


توقف قليلًا ثم نهض قائلًا: أنا لازم أمشي.


نظرت له السيدة بعين مكسورة: إيه ده يا ابني؟ لسه ماقعدتش، ولا حتى شفتها، هي بره عند الجيران

ده إنت وحشتها أوي.


رشدي وهو يخرج مبلغًا من جيبه، يضعه في يدها:

معلش، مره تانية، هقعد أكتر خلي دول معاكي يلا، سلام.


ابتسمت ابتسامة متعبة وهي تردد: سلام يا ابني، ربنا يسترها معاك ويبعد عنك كل شر وسلامي لخواتك.


وخرج رشدي مسرعًا، تاركًا خلفه قلبها المعلق به منذ سنوات.


ترى، من تكون هذه السيدة؟ ومن هي الأخرى التي تشتاق رؤيته؟


منزل سارة السابعة مساء 


السفرة 


جلست سارة على المائدة، وأمامها أبناؤها، بينما جلس عماد بجوارهم، كانت تقطع الدجاج بعناية وتوزعه في الأطباق بإهتمام ظاهر، تحاول أن تُشعر أبنائها بالدفء الذي يفتقدونه.


سارة بإهتمام: يلا يا كارما إنتي ومازن عايزاكم تاكلوا الأكل ده كله فاهمين،


هزا رأسهما بإيجاب 


أضافت سارة بتهكم خبيث: ما هي صافيناز طول عمرها كده، لا عندها دم ولا إحساس، والله ساعات بحس إن العيال مش عيالها أصلًا.


نظر عماد إليها بضيق، وهو يتناول الطعام ببطء، ثم ألقى نظرة نحو الأولاد كأنه يحذرها أن تكف عن الحديث أمامهم.


ثم قال بعصبية مكتومة: أنا كمان متعصب منها جدًا، هي مهملة فيهم، بتضربهم كمان.


اعتدلت سارة في جلستها، عيناها تقدحان شررًا: وإنت سكت ليه؟! كنت اديتها بالقلم!


أدار عماد وجهه نحوها بنظرة طويلة مشحونة، توحي بالتحذير، بينما الأولاد ينظرون إليهما بترقب.


قالت بسرعة لتتدارك الموقف: قصدي يعني كان المفروض صاحبك يردعها، بقولك إيه خلينا نتكلم بعدين.


بدأ الجميع يتناولون الطعام، كانت سارة حانية جدًا مع أبنائها، تملأ لهم الأطباق بنفسها، تمسح فم الصغيرة، وتحثهم على الأكل، وبعد أن انتهوا، قالت بحزم حنون: يلا بقى، روحوا كملوا مذاكرة.


قالت كارمن، بصوت طفولي لم تتجاوز السادسة: أنا عايزة أقعد مع بابي.


ابتسم عماد وهو ينحني نحوها: هتكلم مع مامي في حاجة مهمة، وبعدها هقعد معاكي ومع مازن.


قاطعه مازن، بلهجة ممتعضة الذي أصبح الآن في سن المراهقة يبدو إنه في 12من عمره: إنت دايمًا بتقول كده وبتمشي وتسيبنا في الآخر.


عماد بسرعة: لا مش هسيبكم تاني.


رفع مازن، صوته قليلًا، وفي عينيه دموع مكبوتة: إنت على طول مسافر! عمرنا ماشفناك موجود معانا زي باقي صحابي إللي آباؤهم بيحضروا معاهم كل حاجة.


شعر عماد بجرح في قلبه، مد يده وربت على خد ابنه ثم قبله: أنا آسف يا مازن أوعدك هحاول أظبط شغلي، وماسافرش كتير النهاردة هبات معاكم ومش هسافر.


ابتسم مازن، على استحياء، ثم نهض هو وأخته ليدخلا إلى غرفتهما.


غرفة النوم - سارة وعماد


جلست سارة على حافة السرير، بينما تبعها عماد بخطوات متثاقلة.


قال بحزن: ماتوقعتش إن مازن كبر كده، وإن ممكن يحصل بينا حوار بالشكل ده.


سارة بحدة: شوفت؟! قلتلك إن مازن بقى واعي وفاهم عنده 12سنة، وبنتك داخلة في ست سنين. لحد إمتى هتفضل مستخبي يا أستاذ عماد؟


تنهد قائلًا وهو يحاول أن يخفي ارتباكه: هانت يا سارة، هانت.


ضحكت بتهكم: هانت؟! بقالي 13سنة بسمع الكلمة دي.


عماد بتهكم غاضب: بقولك إيه؟! هو أنا هفضل كل شوية أسمع نفس الكلام؟! ماتنسيش إنك إنتي إللي اخترتي الوضع ده، مش بعد ماقربنا نحقق الحلم تيجي تلوميني.


خفضت سارة رأسها بحزن: عندك حق أنا إللي أخترت، ولازم أدفع ثمن اختياري عموما.


رفعت عينها وقالت بحسم: أنا قررت أسفر الولد بره، هدخله مدرسة هناك، مش هينفع يقعد هنا مازن دلوقتي عارف إنك متجوز، وإنك ليك حياة تانية عرف إنك اتجوزتيني عشان مراتك مش كويسة، ومش ناسي الحقيقة، وأنا على قد مابقدر بجمل صورتك قصاد إبنك، بس هو دايمًا بيسألني: هو بابي بيخاف منها للدرجة دي؟ وأنا بقوله لأ بيخاف علينا.


عماد وهو يتنهد: يعني اتكلمتي معاه؟ موافق؟


سارة: مبسوط بالفكرة جدًا وأنا كلمت أخويا، وهيقعد معاه هناك، إنتم هترجعوا القصر إمتى؟


عماد: لسة عزت ماتكلمش في حاجة.


ضحكت سارة بخبث، بعينين تلمعان بمكر: بس بجد، صافي دي ماتعرفش يعني إيه كلمة "ماما"ساعات بحس إن العيال دول مش عيالها أصلًا. طريقة تصرفها غريبة، فجأة راحت أمريكا، ورجعت بيهم!


ضيق عماد عينيه متوجسًا: تقصدي إيه؟! راحت أشترت العيال؟ ولا بترمي على إيه بالظبط؟


رفعت سارة يديها: لا لا مش قصدي خيانة، ماتقلقش. بس إنت واثق فيها ليه كده؟


رمقها عماد بغضب: بصي يا سارة صافي ممكن أقول عنها أي حاجة واستنى منها كل حاجة إلا الخيانة. لأنها بتعشقني.


ضحكت سارة بخبث: طيب... حلوة حتة "اشترتهم" دي ماتشوف لنا بقى بيبيعوا العيال هناك بكام؟! يمكن نشتري جوز زي مراتك.


وقف عماد فجأة وهو يقول بحدة: أنا هروح أقعد مع الولاد إنتي النهاردة دمك تقيل.


وغادر الغرفة، تاركًا خلفه صمتًا ثقيلاً، وعيون سارة تلمع بغموض.


أوقات مختلفة أماكن متفرقة في مدينة شرم الشيخ.


منذ ثلاثة أيام وياسين يقيم في الفندق، غارق في دوامة مؤتمرات واجتماعات لا تنتهي، ترافقه لوجين وإحدى المديرات. وخلال تلك الفترة لم يتصل بهبة، ولا هي حاولت الاتصال به؛ وكأن الصمت كان خيارهما لتهدأ الأمور.


الشاليه.


جلس ياسين على مقعد خشبي بجوار حوض السباحة، متكئًا بظهره إلى الوراء، كوب عصير نصف فارغ بجانبه بدت عليه علامات الإرهاق والضجر بعد ثلاثة أيام من العمل المتواصل.


اقتربت لوجين بخطوات هادئة وقالت بصوت منخفض: مستر ياسين.


إلتفت إليها رافعًا حاجبيه بملل: بلاش تقولي عندي اجتماعات تاني أنا زهقت خلاص مش كفاية إللي عملته الأيام إللي فاتت؟ خدي يوسف معاكي خليه يحضر مكاني


ابتسمت بإعتذار: أنا آسفة والله يا فندم بس أعمل إيه؟ الشغل ماشي كده ولازم حضرتك بنفسك إللي تحضر.


ضحك بسخرية خفيفة: شغل يخص سليم، صح؟


جلست على المقعد المقابل له: مظبوط، طب ليه ماتقسمش الشغل بينك وبين إخواتك؟


أزاح نظره نحو البحر وزفر بضيق:ماينفعش سليم مستأمني، وعايز يحس إنه لسه موجود شايف إني أكتر واحد ينفع يكمل مكانه.


لوجين بإهتمام: هو بصراحة منظم جدًا، عامل دراسة كاملة وجداول واضحة،ماسابش الدنيا عشوائي أنا ونور شغالين بيها طول الوقت والحمد لله إحنا أخذنا كل المشاريع إللي جينا عشانها وهنكمل على نفس النهج.


أجاب وهو ما زال يطالع الأفق:الحمدلله 


نظرت إليه مليًا ثم قالت بخفوت: شكلك مرهق أوي.


نظر لها بملل: لا أنا زهقان.


سكتت لحظة، ثم قالت بتردد:طب حضرتك ماتكلم المدام تيجي؟ الاجتماعات الجاية خفيفة ومعظم الضيوف جايين بزوجاتهم، وجودك بزوجتك هيبقى أفضل، أنا ماقصدش أقولك تعمل إيه، بس بوضح الفكرة.


ابتسم ابتسامة مائلة للحزن: مراتي مشغولة مش هينفع عشان بنتي.


رفعت حاجبيها بدهشة:حضرتك عندك بنوتة؟


ضحك وهو يخرج هاتفه: إنتِ متعرفيش؟ عندي بنوتة زي القمر، اسمها نالا استني أوريكي صورتها.


مد لها الهاتف، وعلى الشاشة صورة طفلة صغيرة بريئة ملامحها تشبهه إلى حد كبير.


لوجين بإعجاب صادق: زي القمر ما شاء الله، فيها شبه منك كتير ربنا يخليهالك ويخليها لوالدتها.


أعاد الهاتف إلى جيبه مبتسمًا بفخر مكتوم: آمين.


ثم غير الموضوع فجأة: بقولك عرفتي موضوع السباق إللي هيحصل هنا؟


نظرت له بإستغراب: سباق؟


ضحك ياسين: آها سباق عربيات أنا عايز أحط اسمي فيه، هيكون يوم الجمعة.


لوجين: بس إحنا راجعين القاهرة الجمعة.


هز رأسه بجدية: مش هانرجع الجمعة لو حابة ترجعي، أرجعي بس أنا لازم أدخل السباق حطي اسمي وهبعتلك الإيميل.


ابتسمت مرتبكة:حضرتك من هواة السباقات؟


أبتسم وهو ينظر إلى البحر: طول عمري، بس بعد ماخلفت، ابتعدت شوية دلوقتي محتاج أفصل.


لوجين برفق: تمام هبلغهم طيب حضرتك ناوي تقعد أكتر من كدة علشان أبلغ في البيت؟


فكر قليلًا ثم قال: ممكن نرجع الحد أو الأتنين. محتاج وقت زيادة أفصل فيه.


أومأت وهي تكتب ملاحظاتها:خلاص يا فندم هقولهم الأتنين.


نهض ياسين من مكانه وهو يعدل سترته: متشكر يا لوجين.


قالت بإبتسامة صغيرة مقتضبة: العفو يا فندم.


وهو في طريقه للخارج، ألتفت يسألها: الاجتماع الساعة كام؟


أجابته: العشاء الساعة 9بالظبط.


ياسين وهو يبتعد: تمام وإنتِ مش كل حاجة شغل كده، أفصلي أخرجي شويه، ها.


أكتفت بهز رأسها في صمت، وابتسامة خفيفة مرت سريعًا على وجهها.


تحرك ياسين وبدأ يسير على الشاطئ عيناه معلقتان بأمواج البحر التي تتكسر بهدوء، وأفكاره تتنازع داخله مد يده إلى هاتفه، تردد قليلًا ثم ضغط زر الإتصال.


جاءه صوت هبة عبر السماعة، جافًا ومتعبًا: لسه فاكر تكلمني؟


أجاب بصوت منخفض: كنت مشغول.


هبة بحدة: كنت مشغول ولا مش طايق تكلمني؟


تنهد ياسين، ثم قال بلهجة أقرب للرجاء: بصراحة قلت نستنى لما نهدى شوية.


هبة بحمود: وعايز إيه بقى؟


تبسم ياسين: أحجز لك طيارة وتعالي، الجو جميل وأنا محتاجك تبقي جنبي هاتي نالا وتعالي.


جاء صوتها صارمًا: أنا قلتلك كذا مرة أنا مابحبش أجي وإنت عندك شغل.


أجابها بسرعة: خلاص يا هبة، أنا من يوم الجمعة هبقى فاضي، تعاليلي، فيه سباق نحضره زي زمان.


سكتت لحظة ثم ردت بلا مبالاة: لا، أنا من يوم السبت عندي شغل مش هينفع.


أطرق ياسين برأسه ثم قال بفتور: طب يا هبة، براحتك. سلام.


أنهى المكالمة، ووضعه في جيب بنطاله، تمتم وهو يزفر بضيق: أقسم بالله نكدية.


القاهرة 

في أحد النوادي الرياضية, الخامسة مساءً 


دخل رشدي النادي بخطواتٍ واثقة، ويرتدي بدلة كاجوال ونظارة شمسية، يتفحص المكان بعينيه، ثم توجه إلى أحد الملاعب الرياضية وكان في انتظاره شوقي.


رشدي متسائلا وهو ينظر من حوله: هي فين؟


شوقي موضحاً: بتجري دلوقتي ياباشا، وعندها تمرين سباحة كمان ساعتين.


ضحك رشدي وهو يشير لبدلته الكاجوال الأنيقة:

أنا لو روحت أجري بالمنظر ده، مش هتصدقني بجنيه.


ظهرت من بعيد، كان شوقي يراقبها، أقترب بخطوة ساخرة:

مستحيل طبعا يا باشا تصدق ، بس آهي جاية هناك اهى.


رفع رشدي عينيه، فرأى مي تقترب بخطوات سريعة بعد إنتهاء تمرينها، ملامحها مرهقة قليلًا من الركض، لكنها ما زالت مشرقة.


ألتفت إلى شوقي هامسًا: طب أسحب إنت.


غادر شوقي المكان تاركًا له المجال تقدم رشدي بخطواتٍ ثابتة حتى وقف أمامها.


دخل رشدي بخطوات واثقة، وعلى وجهه ابتسامة عريضة، حتى وقف أمامها قائلًا: إيه الصدف الكتير دي؟


رفعت مي حاجبيها بدهشة:إنت...


ضحك بخفة وهو يميل بجسده قليلًا للأمام: أه أنا؟ إيه الأخبار؟! مجتيش يعني يوم الجمعة؟


أجابت بنبرة عابرة: كنت تعبانة شوية.


رشدي سريعًا: ألف سلامة عليكي.


مررت مي عينيها عليه في صمت، قبل أن تقول بجدية: وياترى هتقولي برضه إنك كل يوم هنا؟


ضحك رشدي وهز رأسه: لا، أنا مش كل يوم هنا، أنا بلف في الأهلي أصلي أهلاوي، وفيه نوادي تانية كتير بس هنا؟ لا، وبعدين أنا جايلك مخصوص، من غير "تحوير من أبو آخر" زي ما بيقولوا.


نظرت إليه بإستهجان: وعرفت منين إن أنا هنا؟


ابتسم بثقة وهو يثبت نظره عليها: أنا بعرف حاجات كتير.


سكتت مي لوهلة، رمشت بعينيها مرتين ثم ألتقطت زجاجة الماء وارتشفت القليل، بينما كان هو يراقبها بإبتسامة هادئة لا تفارق وجهه.


ثم قال، بنبرة أقرب للثقة والاعتياد: بقولك، ماتروحي تبدلي هدومك بدل ماتبردي، وهستناكي في الكافتيريا إللي هناك دي وهطلب لك عصير أناناس.


مدت مي وجهها متعجبة، حاجباها انعقدا في دهشة وهي تقول:وعرفت كمان إني بحب عصير الأناناس؟


ضحك رشدي بخفة، وأمال رأسه جانبًا: ما قلتلك أنا عارف عنك حاجات كتير عملت دكتوراه في التحريات عليكي.


تنفست مي بحدة وهي تتأفف:طب بقولك إيه، أحترم نفسك وأمشي وياريت ماشوفكش تاني.


استدارت بخطوات سريعة نحو غرفة تبديل الملابس، بينما أكتفى رشدي بإبتسامة صامتة لم تفارقه.


جلس بعدها في الكافتيريا، مطمئنًا أن مي ستأتي كعادتها.


وبالفعل بعد قليل، دخلت وجلست على إحدى الطاولات، طلبت كوب عصير ما إن إبتعد الجرسون حتى رفع رشدي صوته بخفة مقصودة: خليهم أتنين أناناس.


ثم سحب الكرسي أمامها وجلس نصف جلسه ، قبل أن يقف فجأة بتذكر، ويقول وكأنه يتدارك نفسه: ممكن أقعد؟


تنهدت مي بضيق وهي تحدق فيه:لأ.


أبتسم برخامة وهو ينزلق بالكرسي إلى الطاولة: ميرسي جدًا.


نظرت له بإستغراب: هو ده اسمه إيه بقى؟


أجاب بخفة وابتسامة واسعة وهو يخلع نظارته الشمسية ويضعها على الطاولة: اسمه إني عايز أتعرف عليكي.


رفعت مي ذقنها عاليًا وقالت بحزم: وأنا مش عايزة أتعرف عليك وبعدين أسلوبك ده أنا مش بحبه.


أمال رشدي رأسه بدهشة صادقة: ليه بقى؟ أنا جيتلك صريح، ومحبتش العب عليكى أكتر من كده ، كان ممكن أعمل زي يوم المول او المكتبة، أطلعلك فجأة وتصدقي إنها صدفة، وقادر أقنعك، بس أنا محبيتش أمشي معاكي بالطريقة دي ومش شبهي كمان.


سكت لحظة ثم أعتدل في جلسته وقال بنبرة جدية لأول مرة: بصي، إنتي خطفتيني من أول مرة شفتك مع زيزي، من يومها وأنا بدور عليكي، وعرفت كل حاجة عنك.


جاء الجرسون وضع كوب العصير على الطاولة ثم أنسحب.


ألتفتت مي إليه بضجر واضح: إنت عايز إيه؟!


رشدي بهدوء وهو يرفع الكوب: قولت لك أنا معجب بيكي.


رفعت مي حاجبيها مستنكرة: بس إنت متعرفنيش، مشوفتنيش غير٣مرات. 


ابتسم رشدي وهو يومئ برأسه: أنا لو شفتك نص مرة هيبقى كفاية، الحاجات دي مبتجيش بالعدد.


مي بسخرية: أمال بتيجي بإيه؟


ضحك ابتسامة لطيفة وأجاب ببساطة: بالراحة النفسية.


مي بصرامة، تقبض على يديها فوق الطاولة:

طيب وأنا مش معجبة بيك، ورافضة الموضوع.


أمال رشدي جسده للأمام وهو يسأل بإصرار: والسبب؟


قطبت مي جبينها وقالت ببرود: وأنا لازم أقولك السبب؟


رشدي رفع عينيه إليها بإصرار هادئ وقال: من حقي أعرف السبب.


أجابت مي بلا تردد، وصوتها ممتزج بالبرود: مش عايزة وخلاص، شفتك معجبتنيش، بالنسبة لي إنت صاحب واحدة عرفتها صدفة، حتى مش صاحبتي.


ضحك رشدي بخفة، مائلاً بجسده للأمام: طب متعرفيني يمكن تُعْجَبِي بيا.


هزت مي رأسها سريعًا: معتقدش.


رفع رشدي حاجبيه مستغربًا، ثم قال بخفة: ليه بس؟ والله أنا لذيذ! آه يمكن قليل الأدب حبتين، بس أقسم بالله مع البنات إللي شبهك بحاول أبقى مؤدب.


لم تستطع مي منع نفسها من الابتسام، وقالت ساخرة: بتحاول تبقى مؤدب؟


أومأ رشدي بجدية مصطنعة: آه والله بحاول بشتغل على نفسي.


تأملته مي قليلًا ثم قالت: إنت جريء وغريب.


تنفس رشدي بعمق، وكأنه قرر أن يتكلم بجدية أكثر مما اعتاد، ثم قال بنبرة عقلانية لم يتوقعها أحد منه:

أنا بسميها صراحه ، أسمعيني يا مي أنا أول مرة شفتك مع زيزي، خطفتيني، حسيتك مختلفة ولما اتكلمنا في العربية دخلتي دماغي، عملت عليكي تحريات، وأكيد دلوقتي عارفة أنا مين؟! ودي طريقتنا، مبنعرفش حد غير بالطريقة دي، عرفت عنك كل حاجة، ويوم ماقابلتك في المكتبة، أنا كنت عارف إنك هناك، أنا مابقراش، ولا ليا في القراءة أصلا ، رُحت مخصوص يمكن نتعرف لأن للأسف الشديد، مكانش فيه فرصة تانية تجمعنا ، دى حتى علشان اخلق لنفسي فرصه تانيه اقابلك فيها قعدت الحراس حبس انفرادي يقرأوا لى الكتاب ويجيبوا لى ملخص احفظه علشان اعرف افتح كلام معاكى واعرف اهبد في سياق الموضوع لما اجى لك المكتبه يوم الجمعه بس أنت مجتيش ، ويوم المول نفس الحكاية، إنتِ مش بتخرجي كتير مع زيزي، وأنا متأكد إنك معجبكيش جوهم قلت أجي لك  النهاردة وأقولك دوغرى بدل ما اقعد ألف وأدور وأفضل أقولك صدفة وجو أفلام الخمسينات ده.


سكتت مي للحظة، تنظر إليه بنظرات متفحصة، ثم قالت بهدوء ممزوج بالتحفظ: صراحتك عجبتني، بس أنا ماليش في الكلام ده وبعدين اشمعنا أنا؟ أكيد قولت الكلام ده لبنات كتير قبلي.


ابتسم رشدي بثقة، وصوته أنخفض كأنه سر: أكيد قولت لبنات كتير إنهم مختلفين، بس إنتي فعلًا مختلفة المرة دي طالعة من قلبي مش تثبيت.


أجابت مي وهي تشيح بنظرها بعيدًا: يمكن علشان محجبة.


ابتسم رشدي وهو يرفع كتفيه باستخفاف وقال: والله ممكن معرفش، أنا أول مرة أتعرف على واحدة محجبة، بس معتقدش ده السبب لأني أخر حد يفكر كدة، إنتِ كشخص فيكي حاجة، زي المغناطيس أول مرة بنت تشغلني كده ، أنا آخري مع أي بنت ساعتين: أشوفها في مكان، أروح أكلمها، لو جت معايا تمام، ماجتش؟ نص ساعة وتختفي من دماغي ولو عملتلي فيها تقيلة أو دخلتني في قصة تحدي، بوقعها وبعدين بقول لها باي باي.


نظرت له مي بحدة: يعني أنت بتعترف إنك هتعمل معايا كده لو رفضت؟


ابتسم بخفة وهو يميل بجسده للأمام: لأ، أنا بقولك إللي بيحصل عادةً ، بس إنتِ حكاية تانية، إنتِ قولتِلي ردك بصراحة، مش عاملة فيها بتتقلي، فأطمني، أنا مش هعمل كده ولا عايز حتى.


سكت لحظة، عينيه متعلقة بها، ثم قال بصوت منخفض غير معتاد منه: أنا مش هقولك "أنا بحبك" أنا عمري ماحبيت، ولا أعرف يعني إيه حب، بس فعلاً أنتِ عاجباني عايز أتكلم معاكي ، عايز أقرب منك.


تجمدت ملامح مي، ونبرتها تحولت إلى هدوء لكن حاسم: ماشي يا رشدي، بس أنا مش من النوع إللي بيكلم ولاد، حتى زمايلي في الكلية بالكاد العلاقة في حدود، فبلاش تضايقني، إحنا ممكن نتكلم لو الظروف جمعتنا زي المكتبة أو أي مكان غير كده لأ.


ابتسم رشدي ابتسامة صغيرة، لكن عينيه لمعت بإصرار وهو يرد: أنا حابب أحاديثنا تبقى أقوى من كده، أحب أقولك "تعالي نخرج"، نتكلم بأريحية، يمكن يحصل بينا حاجة أنا أول مرة أتكلم مع حد كدة أنا عندي ٣٤سنه عمرها ماحصلتلي فا دي معجزه اسمع مني.


هزت مي رأسها بحسم: مش هقدر، أنا آسفة يا رشدي، أنا معرفكش كفاية، ومش قادرة أقبل الموضوع، ومن فضلك ماتحاولش تقابلني تاني.


وقفت سريعًا، أمسكت حقيبتها ورحلت بخطوات ثابتة، تاركة رشدي جالسًا وحده، يتبعها بنظراته حتى ابتعدت عن الكافتيريا، وظلت على شفتيه ابتسامة خفيفة غامضة.


لم يعرف إن كانت ابتسامة تحدي جديد، أم بداية تعلق حقيقي !؟


في كافيه هادئ الرابعة مساءً 


دخلت ندى ومصطفى من الباب بخطوات بطيئة، تتردد أنفاسهما في الجو الثقيل 


نظرت ندى من حولها بحذر، وكأنها تبحث عن شيء مفقود.


ندى، وهي تلتفت إليه بحدة: إحنا مارحناش المكان بتاعنا! ليه؟!


جلس مصطفى على المقعد المقابل، ساكت، عيناه تتابع حركاتها في صمت.


ندى، وهي ما زالت واقفة أمام الطاولة: وكمان مابتقوليش أختاري الترابيزة إللي عايزاها؟


مصطفى بجمود: هتفضلي واقفة كتير؟


جلست ندى ببطء، تحاول أن تبدو متماسكة، بينما قلبها يضطرب.


أقترب الجرسون ليسجل الطلبات: عايزين تشربوا إيه؟


مصطفى، بنبرة عابرة: واحد شاي شوفها هتشرب إيه.


ندى، بضيق ظهر على ملامحها: إنت نسيت أنا بحب إيه؟


مصطفى نفخ بعمق، ثم أشار للجرسون أن يبتعد قليلاً.

أقترب منها، صوته هادئ لكنه حاد كالسكين: أتلمي، أنا بحاول أتعامل معاكي بتربيتي من نبيلة، بس عندي استعداد أتعامل معاكي بتربيتي من عبد الحميد أختاري.


ندى، متفاجئة من نبرته: إنت اتغيرت بقيت كدة ليه؟!


عاد بظهره على المقعد ظل صامت وهو يشيح بوجهه في إتجاه آخر بصمت


تنهدت ندى وألتفتت للجرسون سريعًا وقالت: لوسمحت عايزة ليمون بالنعناع.


أومأ الجرسون وغادر.


مصطفى، وهو يعيد نظره إليها: أتفضلي أنا سامعك.


ندى، بصوت مرتجف، تحاول أن تحافظ على هدوئها:

إنت ليه بتعاملني كده يا مصطفى؟ مش عايز تسمعني؟ مش عايز تشوفني بقلبك؟ أديني فرصة،جربني أنا بحبك أوي هتخسر إيه؟


مصطفى، مائل بجسده نحوها، صوته ممتلئ بالألم والغضب: بخسر كتير، زي مثلا اتنقلت من القاهرة لإسكندرية بسببك، سبت أكتر من مستشفى بسببك، أخويا كمان اتظلم في شغله بسببك، رغم إنه كان في مركز مرموق، أترفض، أمي رفعتي ضغطها، كنتِ هتخسريني صديق عمري أذيتك وصلت لكل الناس إللي بحبها. عايزة إيه تاني يا ندى؟


ندى، بعينين دامعتين، بصوت مبحوح: عارفة، عارفة إني غلطت كتير في حقك، وفي حقكم كلكم، بس والله كان غصب عني، حقك عليا سامحني أنا اتغيرت، جربني مرة، أديني فرصة، بس اسمعني بهدوء مش بغضب شوفني بقلبك، إللي كان بيحبني زمان مش بعينك إللي مش فاكرة الوحش وبس.


مصطفى هز رأسه بضيق، صوته متأثر لكنه ما زال قاسيًا: عارفة أنا فعلاً كنت جاي النهاردة، وقسماً بالله كنت حاطط في دماغي إني هتعامل معاكي بهدوء يمكن؟!!


تنهد بعصبية، ثم أكمل: بس أول ماشفتك حسيت إني متعصب، مخنوق، ومتضايق جدًا، مش قادر أقعد ماكنتش فاهم يعني إيه أكره حد، لحد ما إنتِ علمتيني بقيت كل ما أقعد معاكي أحس بخنقة.


خفض صوته قليلًا، وكأن الكلمات بتخرج من قلبه مباشرة: تعرفي يا ندى؟ أنا بسأل نفسي سؤال يمكن كل يوم، إزاي واحدة كنت بحبها كده يتحول حبي ليها لكابوس؟ النور يبقى ظلمة، السكون يبقى دوشة، الراحة تبقى خنقة بشوفك بحس جوايا نار مش قادرة أوصفها غضب في حياتي ماحستهوش.


رفع عينيه نحوها مباشرة: اقتنعي إن إحنا مش هينفع نكمل وحاولي تروحي لدكتور نفسي أنا مش هقولها تاني (أشار نخو قلبه)؛ أنا هنا... مات قلبي ناحيتك.


ندى، تبتلع ريقها بصعوبة: قصدك إيه؟ قصدك إنك ممكن تحب واحدة تانية؟


مصطفى، ببرود قاتل: طبعًا أحب، وأتجوز، وأعيش حياة سعيدة ومرتاحة من غير مابقى مخنوق ولا ندمان ولا متعصب فاكراني هاعيش على ذكري حبك إللي بندم عليه كل يوم.


ندى، بعينين جاحظتين:على فكرة لو اتجوزت حد عليّا والله هقتلها.


مصطفى، ساخراً بمرارة: شوفتي بقى، إنتي واحدة ماتغيرتيش لو كنتي اتغيرتي زي مابتدعي، حتى لو بكلامي إللي بيوجع، كنتي هاتردي رد تاني خالص إنتِ مؤذية إنتِ مريضة يا ندى، أبعدي عني، وأبعدي عن حياتي، ومالكيش دعوة بيلندا تاني.


صوته أرتفع قليلًا، لكنه ظل ثابتًا: واقتنعي إن فرصتنا مع بعض صفر خلي عندك كرامة شوية، إنتي طلعتي من قلبي ومن حياتي بأقولك مش طايق أشوفك.


نهض واقفًا، أخرج بعض النقود ووضعها على الطاولة، نظر إليها للمرة الأخيرة وقال بصرامة: أنا مش هقول لوالدك على المقابلة دي بس المرة الجاية هقوله.


غادر، تاركًا ندى غارقة في صمت ثقيل، تحاول أن تستوعب أن النهاية جاءت بهذا الحسم.


فيلا صافيناز السادسة مساءً 


توقفت سيارة عزت أمام الفيلا، فتح لها الحارس، هبط منها بخطوات واثقة وهيبة واضحة، فتح له أحد الخدم الباب بسرعة، رحب به بإحترام:وأهلًا وسهلًا يا باشا ثانية واحدة أبلغ الهانم.


الصالون 


جلس عزت في الصالون الفخم. كانا ـ زين ومريم ـ يلعبان بالجوار، هرعا نحوه بحماس:

جدو!


ضمهما إليه، قبّلهما وهو يضحك، ثم مسح على رأسيهما: وحشتوني عاملين ايه 


مريم: الحمدلله إمتى هنرجع القصر يا جدو


عزت: قريب.


غرفة النوم


كانت صافيناز تضع اللمسات الأخيرة على أظافرها مع الكوافيرة.


دخلت الخادمة: صافيناز هانم عزت باشا تحت.


رفعت صافيناز رأسها بإستغراب: بابي تحت؟!


لحظة صمت، عقدت فيها حاجبيها، لكنها سرعان ماتحولت من الإستغراب إلى ابتسامة واسعة بإنتصار وفخر، وهي تقول في نفسها:"أكيد جاي يرجعني بنفسه... وخايف يخسرني."


أخذت نفسًا عميقًا بأرتياح، ارتدت حذاءها، ثم نظرت إلى العاملة: استنيني هنا.


هبطت الدرج بخطوات واثقة، وجدت أولادها بين ذراعيه تبسمت بإنتصار أكبر واقتربت منه: عزت باشا مفاجأة غير متوقعة حقيقي.


رفع نظره إليها، ثم عاد ينظر للأولاد، صوته جاد:

ماشاء الله كبروا.


صافيناز: عندهم تمن سنين دلوقتي.


أشار عزت للأطفال أن يخرجوا: حبايب جدو، ممكن تسيبوني مع مامي نتكلم لوحدنا؟


زين: هتقعد تلعب معانا؟


ابتسم عزت: هشوف لو ماعنديش شغل.


نظرت صافيناز بعينيها إلى إحدى الخادمات: كندة... خدي الأولاد.


تحرك الأطفال نحوها، لكن نظرات عزت بقيت معلقة عليهم.


ثم ابتسم ابتسامة صغيرة بنبرة فيها شيء مريب: عارفة يا صافيناز؟ أول مرة آخد بالي إنهم لا شبهك ولا شبه أبوهم. خدوا من هنا ومن هنا لكن مش منكم.


رفعت حاجبيها بإستنكار: إيه المشكلة يعني؟ مش عيب لو طلعوا شبه خلانهم أو جدهم، ده شرف ليا.


عزت بإستنكار: بس هما حتى مش شبهنا.


جلس على الأريكة، وضع ساقًا فوق الأخرى، صوته منخفض لكن حاد: أنا سمعت كلام سخيف من والدتك شبه التهديد.


سارعت صافيناز وجلست أمامه: تهديد؟! لا يا باشا أنا مقدرش أهددك أنا مين أصلاً عشان اهدد عزت والراوي!


حدّق في عينيها ببرود، ونبرة عزت الراوي ظهرت واضحة قال بتأكيد: بالظبط إنتِ مين؟ من غيري صفر أقدر أدوسك بجزمتي.


تململت في مكانها لكنها حافظت على نظرة قوية: أنا بس ماحبيتش أتحاسب لوحدي، بأمن نفسي، آه يمكن كنت سبب في آخر جريمة، لكن يا باشا ماتنساش في جرائم كتير اتعملت بموافقتك وبعلمك وإللي ماكنتش تعرفه، لما عرفته سكت وإللي يسكت يبقى شريك حتى لو ماوسخش إيده.


قهقه عزت بسخرية مريرة: وتفتكري سليم لو عرف؟ فاكرة هيعديها؟ هايسيبك؟ ولا هايسيبنا؟ وقتها كلنا هنغرق.


رفعت ذقنها بتحدٍ وضحكت بخفة عصبية: صح كلنا، أنا خسرت كل حاجة خلاص ولازم أخسركم معايا وبعدين، أنا ماطلبتش غير أرجع القصر الأسهم والمشاكل مع سليم تتحل بعدين.


اتكأ عزت للخلف، نظراته باردة كحد السيف: عارفة يا صافيناز، حتى رشدي بكل سفالته ماتجرأش يساومني، ولا حتى سليم، مع كل إللي بيني وبينه، عمره مالعب قصادي إلا لو أنا غلطت فيه، يعني كل مرة سليم هدد فيها كان بسبب شيء اتأذي منه علشان كدة ماخدتش رد فعل، إنما إنتِ


صمت للحظة رامقها بنظرة ضيق وإشميزاز: طماعة، وقلبك أسود، وتأكدت إني فشلت في تربيتك، وعندك استعداد تدمري الدنيا كلها علشان تأمني نفسك، وأول مرة أركز إنك أسوأ أولادي أنا كنت ظالم رشدي.


اقترب فجأة، صوته خافت لكنه كالطلقة بنظرة شرسة: مشكلتك إنك افتكرتيني راجل طيب علشان بتعامل معاكم كأب، بس صدقيني أنا ماعنديش مانع أسيب دور الأب وأرجع أبقى عزت الراوي إللي الناس كلها بتخاف منه.


ابتسم ابتسامة باردة، وهو يعود بظهره على الأريكة بأريحية متسائل: قوليلي يا صافي لو عماد حبيبك إللي نقلتي له كل ثروتك، عرف إن زين ومريم مش ولاده وإنهم متبنين هيعمل إيه؟!


هنا صدمت صافيناز كادت عينيها ان تخرج من مخرجها عدلت جلستها لكن عزت لم يتوقف تابع على ذات الوتيرة:

ولو عرف كمان إنك عمرك ماهتخلفي مش علشان مش عايزة تبوظي جسمك وكفاية اتنين، تؤ. عشان أساسًا ماعندكيش رحم.


تجمدت ملامحها، الدم أنسحب من وجهها التوتر أصبح حليفها وكأن الكلمات توقفت في حلقها.


تابع عزت بنبرة مميتة هادئة وعين لا ترفع من عليها: أنا عارف من زمان، القصة إللي جيتي حكتيها مادخلتش دماغي، دورت ووصلت، وإنتِ بغبائك سهلتِ عليا، غرورك صورلك إن محدش هيشك، بس أي غبي لو سأل سؤال واحد هناك، كان هيفضحك والدتك ماتعرفش، وإللي جابلي المعلومة قتلته بإيدي عشان مايبقاش لحد عليكي سيف.


إنحنى قليلًا للأمام، صوته ينقط سم:

تخيلي يا صافي لو بعت لعماد رسالة صغيرة أسأله: الولاد مش شبهك ليه؟ ومرة تانية أبعتله صورة ليكي زمان مع هادي إللي ميعرفش عنه حاجة! وأخلي النار تلعب في دماغه؟ ولما أحس إن خلاص اتجنن أكشفله الحقيقة؟ بس في الحالتين لا هيسامحك ولا هيبقى ليكي مكان عنده, خصوصًا بعد ماخدتِ كل حاجة وحطتيها بإيده.

أضاف بإستهزاء صارم: إنتي بتثقي فيه أكتر مننا؟ أنا هقعد أتفرج وهو بيسرقك وأنا مبسوط، ماكنتش حابب أكشف سرك بس إنتي اضطرتيني.


بلعت ريقها بصعوبة، همست برعب متلعثم  فقد انتهت اللعبه ولابد ان تستسلم: حضرتك عايز إيه؟


ابتسم وهو ينهض واقفًا، صوته صار أعلى:عايزك تلزمي حدودك وتفكري ألف مرة قبل ماتلعبي قصادي، هرجعك القصر، مش علشان بخاف منك، لكن علشان تبقي تحت عيني وأربيكي من  جديد.


تراجع خطوة، نظراته حادة: فلوسك مع عماد مش قصتي لكن عندي كلمة أخيرة: لحد دلوقتي لسه معتبرك بنتي..

تابع بتهديد صريح: بلاش تخليني أعتبرك عدوة لإن ساعتها هسحقك. وأنا متأكد إنك ماعندكيش استعداد تخسري لا عماد، ولا الولاد يعرفوا إنهم مش منك ولا إنك عمرك مهتخلفي ولا حتى تخسري حمايتنا.


ابتسم ابتسامة قاسية وهو يستدير: المرة دي لعبتيها غلط استني مكالمتي هقولك إمتى ترجعي القصر، وبالشروط إللي مافيهاش نقاش، وتنسي المجموعة وتنسي الأسهم مش هخسر سليم عشان واحدة زيك، ولو فكرتي هعمل وصية، وأحرمك من الميراث.


رمقها بنظرة قاطعة أخيرة، ثم تحرك، تركها واقفة كتمثال، وجهها شاحب، عينيها تائهتين، وكأن الأرض انسحبت من تحتها.


تصلبت صافيناز في مكانها، ثم ارتجف جسدها فجأة

اندفعت إلى الطاولة القريبة، أطاحت بما عليها بعنف، ثم سقطت على الأرض.


إنهالت بيديها على السجادة ضربًا، تارة تبكي، وتارة تصرخ بلا صوت وجهها يتقلب بين الغضب والجنون، عيناها دامعتان كوحش جريح، وأنفاسها متقطعة كأن شيئًا يخنقها من الداخل بقيت على حالها، محطمة، وحدها في الصالون يزداد صمتًا وثقلاً مع كل ثانية تمر لقد خسرت كل شيء، وهذه المرة لا مهرب لها، فخصمها عزت يقف أمامها بنفسه، لا بشكل عادي، بل وهو قابض على كارثة تهددها وتكشفها.


(بعد يومين)

شرم الشيخ 


حلبة السباق للسيارات الرياضية الثانية مساءً.


الجمهور على الجانبين، أصوات تصفيق وهتافات، كل الناس متحمسة للسباق على وشك البدء، السيارات مصطفة، محركات تدوي في الهواء، الأدرينالين يعلى.


ياسين يقف في المنتصف، يرتدي بدلة السباق، ممسكاً الخوذة في يده، ينظر حوله بثقة. 


اقتربت لوجين منه، بابتسامة، 


لاحظ ياسين ابتسامتها قال معلقاً: بتبتسمي كده ليه؟


لوجين، بخفة، تنظر له: شكلك مختلف.


رفع ياسين، حاجبه مستغربًا: مختلف إزاي؟


مالت لوجين، برأسها قليلًا وضحكت بخجل: يعني، مش عارفة مختلف.


اقترب ياسين، منها خطوة، ينظر لها مباشرة: تركبي معايا؟


تراجعت لوجين للخلف وقالت باعتراض: لاااا ماليش فيه الصراحة..


ضيق ياسين عينه: بتخافي


لوجين هزت راسها بتوضيح،: لا مبخافش، بس مابحبوش إنت روح، وأنا هشجعك.


ابتسم ياسين بخفة، يربت على خوذته: هو أنتي كنت ناوية تشجعي حد غيري ولا إيه؟ والله كنت رفدتك.


لوجين تضحك: هههه مقدرش أصلا معرفش غيرك ماتكسفنيش بقى.


ضحكا معًا، تحركت بجانبه حتى وصل سيارته.

وقفت تتابعه بخفقان قلب، بينما ارتدى خوذته وصعد.

انطلق السباق، المحركات تعلو، والجمهور يهتف.

ياسين يناور بثقة، يسبق الجميع، يعبر خط النهاية وسط تصفيق وضجة كبيرة ركضت لوجين بخفة نحوه، عينيها تلمع من الفرحة مد ياسين كفه كي يعمل "هاي فايف، لكن لوجين تتردد لحظة بخجل... ثم رفعت إيدها وتلمس إيده بخفة.


لوجين، بإبتسامة كبيرة: مبروك!


ياسين، يضحك، عيناه تلمعان: الله يبارك فيكي! ياااه... كان واحشني الإحساس ده حاسس إني رجعت سنين ورا.


نظرت لوجين له بتعجب: ليه أصلا تبطل حاجة بتحبها؟


ياسين، بجدية وخفة: عشان اتجوزت.


ضيقت لوجين، عينيها مستغربة: بس الجواز مابيوقفش الحياة بل بالعكس هو بيجمل الحياة، بيخلي الحياة تستمر بشكل أفضل، بصراحة أنا من أنصار مقولة اي الاتنين بيكملوا بعض وبيحقق مع بعض الأحلام مش بيوقفوا بعض.


صمت للحظة ونظر بعيدا ثم نظرت له تابعت بعقلانية: هو في بعض الأحيان الواحد لو كان شقي قبل جوازه بيتغير في الجزء ده، لكن حاجة زي دي، مادام بتبسطك ومافيهاش أي خطورة ممكن تعملها، مش لازم بنفس الكمية إللي كنت تعملها زمان، بس على الأقل كل شهر مرة.


يخلع ياسين الخوذة من على رأسه ويمرر يده في شعره:، يتنهد بتعب: هبة ماكانتش بتساعدني في الموضوع ده، مش بس السباق، فيه حاحات تانية بطلت أعملها، بصي، أنا أصلا مش شخص روتيني، بحب السفر، بحب أجرب حاجة جديدة، حياة مجنونة، هبه شوية، روتينية، مالقتش تشجيع منها لما بطلب منها بترفض .


ينظر إلى لوجين بإبتسامة حنين، عيناه تتذكر الماضي أضاف: وبسبب ده للإسف، بعدت عن الحاجات إللي بحبها، مش عارف كده، فجأة لقيتني أتحوات لراجل بتاع من شغله لبيته ومن بيته لشغله، واحد مش شبهي ولا عمره كان شبهي كأن عندي ١٠٠سنة مش ٣٠سنة.


تبسم بشغف كأنه يتذكر ما كان عليه:أنا كنت بحب السباقات، الرحلات البحرية تسلق الجبال كان نفسي اوي بعد الجواز أسافر أماكن ماسافرتهاش، ومراتي تشاركني اهتماماتي، هي كمان يكون عندها أهتمامات أشاركها..


أختفت الابتسامة اتحولت لأسف وخذلان أضاف: بس للأسف ولا عملت حاجة جديدة ولا حتى استمريت على القديم وخلتنى نسخة منها..


جلس على مقعد معدني بجوار الحلبة، يتنفس بعمق. نبرة صوته مرهقة، عينيه فيها شرود: بس الفترة دي عندي معرفش بقى عندي شبه فرط حركة... محتاج أعمل كل حاجة كنت بحبها أخرج أسهر اتجنن، ونفس الوقت محتاج أقعد على الكنبة وأفضل متنّح زي المشلول.


نظرت له لوجين وكأنها تفهم ما يقول قالت بتفهم: متلخبط.


ياسين يبتسم ابتسامة صغيرة وهو ينظر لها: بالظبط دوشة كبيرة جوايا .


لوجين، بنبرة هادئة عقلانية: طب ليه ماتحاولش ترجع تاني تعمل حاجة بتحبها، وتطلب من مدام هبة تشاركك؟ يعني أحيانًا كتير مش لازم أشارك بالجسد جوزي أو حبيبي الحاجة إللي هو بيحبها حتى لو أنا مابحبهاش، مجرد إني أشاركه بكلمة بإبتسامة، أشجعه يعملها كافي.


تقترب بخطوة صغيرة منه، بعفوية بيديها: يعني مثلًا لو أنا مكان مدام هبة، وحضرتك بتحب السباقات، وأنا مابحبهاش أكيد إنت هتجرب تقوللي تشجعيني أجرب، لو جربتها وعجبتني، ممكن أستمر معاك ولو ماعجبتنيش تمام، مش هبقى معاك، بس هاجي أتفرج عليك أحجزلك مثلًا لو فيه سباقات، أشاركك فيها. وده الصح.


مال ياسين بجسده للخلف على الكرسي، يتأمل كلامها.


تابعت لوجين، بحماس أكبر: فإنت ليه ماتقولهاش تعمل كدة؟! أطلب منها مش عيب، سيبك من قصة "الاهتمام ما بيتطلبش" لأ، الإهتمام بيتطلب.


تابعت بنبرة حكيمة هادئة بإبتسامة رقيقة: فيه ناس مابيعرفوش يحبونا بالطريقة إللي إحنا عايزينها مش علشان هما وحشين؟! لأ.. هما فاكرين إنهم عاملين إللي عليهم، بيحبوا بس حبهم مش مشبع لينا، نعمل إيه؟ نظلمهم؟ بالتأكيد لا؟! نطلب. نقول لهم: أنا محتاج كذا. أنا عايز كذا..


تتوقف لحظة وتنظر له بتركيز: خصوصًا إنتم كرجالة إيه المشكلة لما تطلب من مراتك؟ يعني إنت بتطلب حاجات تانية عادي فاهمنى طبعاً، ليه بقي في حاجات دي وهي الاهم لأ؟


نظر ياسين للأرض،هز رأسه بحزن خفيف: أنا حاولت كتير وهي للأسف مافيش.


تبسمت لوجين، بنبرة متفائلة، ترفع سبابتها بخفة وكأنها تعطيه حلًا:حاول تاني، يمكن الطريقة اللي استخدمتها أو أسلوبك ماكانش صح ومادام متجوزين عن حب أكيد هتتحل.


ياسين ينظر لها صامتًا، وكأنه يزن كلامها.


فجأة تبسم ياسين بخفة: بقولك إيه أنا جعان تيجي ناكل؟


لوجين تبسمت: حضرتك تحب تاكل إيه؟


ياسين، بتفكير لحظة: ستيك بالمشروم.


توميء لوجين برأسها موافقًا: خلاص، أنا هطلبه حالًا، عقبال ما تبدل هدومك ونوصل يكون كل حاجة جهزت.


ياسين وهو ينهض واقفًا، يربت على كتفها بخفة: تمام أطلبي أكل لنفسك كمان، ماشي؟


لوجين قالت بإبتسامة خفيفة: تمام يا فندم.


ابتسم ياسين وهو يرمقها بنظرة مرحة: ياريت بقى نشوف لنا حاجة نعملها النهاردة، واليومين الجايين لازم نستغل الإجازة.


توقف لحظة وضيق عينيه وهو يضيف: مش إنتي عايزة تثبتي إنك مديرة مكتب شاطرة؟


أجابت بثقة: أكيد طبعًا يا فندم.


هز رأسه بتحدي مازح: خلاص، عايزك تعملي لي برنامج في اليومين دول أنا مش عايز أنام أنا ممكن أخرج وسط ضغط عادي.


ضحكت لوجين: ماتشتغلش وسط ضغط بس بتخرج وسط ضغط عادي؟!.


ابتسم ياسين: بدأتي تفهميني غمز لها.


أجابته بنبرة مطمئنة: إنت شكلك بس محتاج تفصل خلاص سيب ده عليا.


قال ضاحكًا: هسيبه عليكي، حتى لو هرقص مع قرش.


ضحكت بحرارة وردت: مش لدرجة قرش. اديني ساعتين وهقول لك على بروجرام ماحصلش.


هز ياسين رأسه مبتسمًا: ماشي.


بعد وقت /غرفة ياسين


جلس ياسين في غرفته يتصفح هاتفه بملامح مرهقة، طرق أحد الموظفين الباب بخفة، وما إن أذن له بالدخول حتى قال بإحترام: جلسة المساج كمان عشر دقايق يا فندم.


رفع ياسين حاجبيه بإستغراب، تمتم لنفسه بدهشة:

مساج! هو أنا حاجز حاجة زي دي؟


مد يده إلى الهاتف وأتصل بلوجين، وما إن فتحت الخط حتى جاء صوتها السريع وكأنها كانت تنتظره: مش إنت مرهق ومحتاج تفك شوية؟ أنا حجزتلك جلسة مساج.


زفر ياسين ضاحكًا بنصف سخرية: هو ده البرنامج؟


ردت بإبتسامة تحدي: أتقل، مش إنت مابتحبش حد يقولك كل حاجة مرة واحدة؟


ابتسم ساخرًا وهو ينهض من مقعده: ماشي يا ستي.


وبعد قليل

غرفة المساج كان ياسين بالفعل ممددًا على السرير المخصص للمساج، يغمض عينيه بإرتياح وهو يستسلم لذلك الاسترخاء بعد عمل متواصل لعدة أيام وبعد إنتهاء الجلسة نزل إلى الجاكوزي، ثم كان في انتظاره سناك خفيف ومشروب، طلبته له لوجين مسبقًا مع فيلم كوميدي.


مع حلول المساء، رن هاتفه من جديد، وصوتها هذه المرة بدا أكثر حماسة: أنا حجزتلك حفلة لتامر حسني الليلة.


جلس ياسين مستقيمًا، عيناه اتسعتا بدهشة، ثم ضحك بخفة:

أنا بقالي كتير ماحضرتش حفلات، طب إيه، هروح لوحدي ولا إيه؟


ردت بسرعة بنبرة عملية: لو حابب حد يجي معاك، عرفني حالًا علشان أحجز.


ياسين: أنا معرفش غيرك.


صمت للحظة، ثم ابتسم بخبث هو أنا مش مديرك؟


لوجين بإحترام: أيوة طبعًا يا فندم.


ياسين بخفة: خلاص إنتِ هتحضري معايا.


لوجين برفض: لا أنا عايزة أنام.


يلوي شفتيه وهو يضحك: إيه إللي عايزة أنام؟ مديرك بيقول لك يلا يبقى أوامر تتنفذ، أنزلي معايا وهستناكي تحت.


أغلق الخط قبل ردها، ضحكت لوجين وتوجهت للخزانة تختار ماترتديه.


أغلق ياسين الهاتف ووقف أمام المرآة، يبدل ملابسه إلى بنطال جينز وتيشيرت كاجوال. 


  عند باب القاعة

ظهرت لوجين عند باب القاعة ترتدي بنطال أنيق وتيشيرت بحمالات، تجمع شعرها لأعلى بما يناسب أجواء الحفل.


ابتسم ياسين وهو يطالعها: إيه الجمال ده؟ شكلك حلو في الكاجوال، واخد عليكي طول الوقت بالرسمي.


لوجين بإبتسامة رقيقة: لكل مقام مقال يا مستر ياسين.


معترضًا بإبتسامة خفيفة: لا، هنا قولي ياسين بس.


لوجين :حاضر.


يميل برأسه مبتسمًا: يلا.


وبالفعل دخلا معًا إلى الحفل، جلسا في الصف الأول. الأجواء صاخبة، الأضواء تتراقص والأصوات تتعالى، الجميع يضحك ويصور. على المسرح، كان تامر حسني يلهب القاعة بأغانيه.


إنحنى ياسين نحوها وسط الصخب مبتسمًا: الحفلة دي تحفة بجد.


ضحكت وهي ترفع صوتها فوق الموسيقى: على فكرة، إنت النهاردة سهرتني، ومش عارفة هعملك البروجرام إزاي بكرة.


رفع كأس الماء مازحًا: طب قوليلي بقى، بكرة برنامجك ليا هيبقى إيه؟


نظرت له بثقة وأجابت بجدية مصطنعة الصبح هنصحى نعمل ديفينج، هنقضي اليوم كله في البحر، نصطاد سمك ونأكله.


ضحكت وقالت بنبرة مزاح: وبما إنك قلتلي قبل كده بتريقة هترقصيني مع القروش، فأنا قررت أخليك ترقص بس مع الدولفين وتشوف القروش من قريب. وبعدها هانلبس الباراشوت وننط من الطيارة.


توقف عن الضحك وحدق فيها بذهول ممزوج بإبتسامة مكتومة؛ إنتي بتتكلمي جد؟


مي بتأكيد وحماس: طبعًا وبلليل  هيبقى فيه عشا هادي على جزيرة، هنركب مراكب صغيرة  نص ساعة كدة ونخيم هناك ونستنى الشروق.


أطلق ضحكة طويلة ثم تمتم بصوت منخفض وسط الموسيقى؛ واضح إني سلمت نفسي رسمي.


ضحكت بخفة: هو أنا مش قلتلك من الأول سلم لي نفسك وأنا هعملك أحلى برنامج في التلات أيام دول؟


رفع كفه وضرب كفها بإبتسامة: قشطة عليكي.


في اليوم التالي


يخت

نري ياسين متوقفا على  سطح اليخت. كان يرتدي بدلة الغوص، يثبت نظارته جيدًا قبل أن يقفز إلى البحر برفقة الغطاسين. لم تكن تلك المرة الأولى له، لكنه بدا مستمتعًا وكأنه يستعيد شغفًا قديمًا غاب عنه لسنوات.


أما لوجين، فقد جلست على القارب تتابع المشهد عبر الشاشة، ترتدي ملابس كاجوال بسيطة بعيدة عن الرسمية، وعيناها تراقبانه بإبتسامة خفيفة.


بعد أن أنهى الغوص وغير ياسين ملابسه، أقترب منها مبتسمًا وقال بخفة: تقريبا بقالي أربع سنين ماعملتش ديفينج


لوجين: أي خدمة.


ياسين وهو يحتسى القليل من العصير: إيه يا لوجين إنتِ هتفضلي قاعدة تتفرجي عليا كده؟"


ابتسمت ببراءة: أعمل إيه يعني؟


قال وهو يلمع عينيه بالمزاح: ماتنزلي، قلتلك خدي راحتك، إحنا دلوقتي مش مدير وأسيست، اعتبرينا اتنين أصحاب.


ضحكت بخجل وردت: العفو يا فندم.


اقترب أكثر وهو يمازحها: إيه يا فندم ده؟! قولتك ياسين فكي ، يلا روحي غيري هدومك


ترددت قليلًا: أصل أنا ماعملتش حسابي الصراحة.


نظر إليها بتركيز ثم سألها: وتليفونك فين؟


مدت يدها وأخرجته: أهو فيه حاجة؟


أخذه منها وأعطاه لأحد الحراس: خد ده معاك… معاكي أي حاجة تانية تخافي عليها؟


نظرت إليه في دهشة لم تستوعب الأمر بعد رد على نظراتها موضحاً:

يعني تليفون، لاب توب، ساعة، حاجة تبوظ من المياه


أجابت بتلقائية: لا 


صمتت لوهلة فهمت:  إنت ناوي تعمل إيه؟! لا أوعى.


كادت أن تركض، لكنه سبقها ودفعها بخفة إلى البحر.


صرخت وهي تسقط: إنت بتهزر؟!


قفز خلفها وضحك عاليًا: أوعي تكوني بتعرفي تعومي!


خرجت من الماء وهي تضحك وترش عليه:

بعرف مغرقش!


بدأ الأثنان يلهوان برش الماء على بعضهما، ثم دخلا في مسابقة غطس وعوم قصيرة، كان واضحًا أنها تجيد السباحة، وضحكاتهما تملأ الأجواء. ومر وقت، وحين صعدا ثانيةً إلى القارب، غيرا ملابسهما وتناولا سمكًا طازجًا مشويًا، بينما الابتسامة لا تفارق وجهيهما.


بعد الغداء، جاء دور تجربة الباراشوت. ارتديا الأحزمة وربطا بالحبال، ثم أنطلق القارب مسرعًا ليرتفعا عاليًا في السماء. صرخت لوجين بخوف ممتزج بالضحك: إنت قولت عايز تعوض السنين إللى فاتتك أنا مالي.


ضحك ياسين بحرية وهو يفتح ذراعيه: مديرك لازم تشاركيه مابحبش أعمل حاجة لوحدي


ضحكا معا وأخذت تصرخ فهي كانت خائفة وهو كان يضحك عليها لكنها استمتعت خاصة عندم  يقوم السائق بتنزيل الحبل وجعلهم يلمسوا الماء 


هبطا بعدها على سطح اليخت والضحكة لم تفارق شفاههما.


مع غروب الشمس، توجها إلى جزيرة صغيرة على متن قارب بسيط مع مجموعة أخرى من المسافرين. كانت المراكب لا تحمل أكثر من أربعة أشخاص، تتحرك بين الأمواج بخفة. وحين وصلوا، نصبوا الخيام وأشعلوا النار، وكانت الأجواء عامرة بالبهجة وظلا هناك  حتى شروق.


على مدى الأيام الثلاثة، حرصت لوجين أن تكون لكل يوم تجربة جديدة؛ مرةً قفزا من الطائرة كما وعدته، ومرةً أخذته إلى رحلة صيد مع الصيادين حيث اصطاد السمك بنفسه لأول مرة، وكانت ترافقه دائمًا بإبتسامة مشجعة.


كانت تلك الأيام الثلاثة مليئة باللحظات الخاصة والذكريات التي لن تُنسى.


شاطئ البحر 

في الليلة الأخيرة، جلست لوجين على صخرة أمام من البحر، تستمع لصوت الأمواج المتلاطمة. جاء ياسين إليها يحمل كأسًا بيده، وجلس أمامها.


سألها وهو يرفع الكأس: بتضايقي لو شربت قدامك؟


هزت رأسها نافية: لا براحتك.


نظر إليها بجدية: إنتِ  بتشربي؟


ضحكت بخجل: يعني كل فين وفين كده لو فيه مناسبة، مش بشرب أي نوع، بس حاجات خفيفة.


ابتسم وقال بهدوء: أنا بس سألت عشان فيه ناس مابيحبوش حد يشرب معاهم،  زي هبة، ممكن ماتحبنيش أشرب في الشارع، لكن في البيت عادي، وبنشرب سوا.


نظرت له بإبتسامة صامتة برقة ثم تظرت إلى البحر.


أخذ رشفة صغيرة ثم قال وهو ينظر لها بعين ممتنة:

أنا بشكرك جدًا على التلات أيام دول، كنت محتاجهم بشكل إنتِ مش متخيلّاه.


نظرت إليه بعطف: يعني بجد عجبوك نجحت؟!


ابتسم مؤكدًا: جدا، أكتر حاجة عجبتني موضوع الدولفين، وحكاية إني أروح مع الصيادين أصطاد، دي حركة جديدة عليّ، أول مرة أعملها.


ابتسمت بفخر: أنا كنت خايفة تزهق من التكرار، خاصة إنت قولت عملت معظمها قبل كدة، حاولت أطلعلك حاجات جديدة.


ضحك بخفة: أنا بقالى سنين ماعملتش حاجة، فأعتبري كل حاجة أول مرة ثم سكت قليلًا وأضاف بصوت متحسر:

كان نفسي أوي هبة تبقى معايا بس للأسف.


لوجين بهدوء: من رأيي تتكلم معاها تاني إنت دلوقتي شحنت طاقة إيجابية، خرجت كل الضغوط. لما ترجع مصر، خدلك يومين إجازة وسافر معاها أي مكان بتحبه.


ياسين وهو يتنهد: هي بتحب أسبانيا.


ابتسمت تحدثت بنبرة هادئة حماسية: خلاص، لما ننزل مصر هاشوفلك حجز لأسبانيا، وأعملك برنامج زي ده، بس لازم تعرفني  هي بتحب إيه وإنت بتحب إيه، وتشاركوا بعض. أكيد هاتلاقوا اختيار يجمعكم.


هز ياسين رأسه برفض: لا هترفض.


ابتسمت بثبات وقالت بعقلانية: مافيش الكلام ده،  الست بتحب الراجل المتمسك بالعلاقة، بتحس إنه بيحارب عشانها لكن إللي مابيعملش حاجة، بيقع من نظرها، صدقني إحنا البنات بنفرح بحاجات بسيطة زي دي زي الأطفال لما تلاقيك بعد زعلكم مهتم تصالحها وبتحاول هتفرح.


ابتسم ياسين أخيرًا: حاضر يا ستي هجرب لو ده إللي هيرجعها بس أنا عارفها نكدية.


ضحكت لوجين وقالت بعقلانية: ممكن بقى تبدل كلمة نكد بمود مش حلو، أو زعلها طال، قول لها: يا حبيبتي، تعالي نفك شوية، نرجع زي زمان، دايمًا ابتدي بالحاجات إللي هي بتحبها، وبعدها حاجتك إنت إديها أكتر من اختيار  وبالتأكيد فيه حاجة منهم هتعجبها لو ماعجبهاش نشوف تاني خليها تحس إنك بتحاول علشانها إنت الراجل.


أومأ ياسين وهو يتنهد موافقًا: هعمل كده.


ابتسمت قائلة وهي تنهض: طب أنا هقوم أنام، بكرة هنصحى بدري،  وإنت هتفضل قاعد؟"


أجاب مبتسمًا: آه هقعد على البحر شوية.


قالت وهي تبتعد بخطوات هادئة: ماتتأخرش. وهبعتلك ليمون يهدي أعصابك. باي تصبح على خير.


ابتسم ياسين وهو ينظر إليها: وإنتِ بخير شكرا يا لوجين إنك بتسمعيني.


نظرت له بإبتسامة رقيقة ورحلت، بينما ظل جالسًا أمام البحر، يستمع لصوت الموج، والكلمات الأخيرة ترن في أذنه وكأنها بداية طريق جديد.


فيلا عائلة ماسة / غرفة سلوى،


جلست سلوى أمام مكتب كبير، منشغلة بصنع إكسسوارات بيديها أمامها عدة العمل، فصوص ملونة، وأسلاك رفيعة، وقد أنجزت بالفعل عدة عقود وخواتم في منتهى الجمال يلمعون تحت الضوء. على الجدار بجانبها علّقت بعض الأدوات الصغيرة.


كانت سعدية تجلس خلفها على السرير، منهمكة في طيّ الملابس.


دخلت إحدى الخادمات وهي تحمل حقيبة أنيقة وباقة ورد.


الخادمة:  الهدايا دي جت لحضرتك يا هانم.


رفعت راسها بإهتمام: هاتيهم هنا.


اخذت الكارت الموضوع على الباقة: أنا مبسوط باللي إنتِ وصلتِ ليه، وإن شاء الله تحققي كل أحلامك.


ابتسمت وهي تخرج هدية ملفوفة بعناية، كانت بلورة جميلة، وبجانبها عروسة صغيرة.


ثم أخرجت كارت آخر: عارف إن مهما جالك بلورات أو عرايس، هتفضلي تفرحي زي الطفلة.


تنهدت بسعادة وهي تضم الباقة بين أحضانها هي تعرف إنه مكي.


سعدية بسخرية بمزاح: إيه الضحكة إللي من هنا لهنا دي؟! وسبتى شغلك؟! آمال فين أسكتي ياما ماتكلمنيش سيبيني أركز


نظرت  لها وهي تضحك: فيه إيه يا ماما هو أنا المفروض مضحكش ومتبسطش يعني إن جتلي الهدايا؟!


سعدية بفضول: طب قوليلي الهدايا دي من مين؟ من المجهول برضه؟


سلوى تتظاهر باللامبالاة: أيوة المجهول برضه.


سعدية وهي تطوي الملابس بخبث: يا ترى مين ده؟


سلوى تضحك وهي تهز كتفها: والله معرفش ولا عايزة أعرف ماتسيبيني أفرح وخلاص.


سعدية بسخرية: ماتعرفيش؟؟ هنعمل نفسنا إننا منعرفش إن هو مكي قلبت شفتيها يمين ويسارا أكملت: بت هو لسة مسافر!


نهضت سلوى وهي تضع البوكيه والهدايا على الفراش معرفش ومايهمنيش، وبعدين يا ماما، سيبيني أركز بقى في إللي بعمله بعدين متخلي   الخدامين يطبقوا الهدوم


سعدية: لو ماعملتش حاجة بإيدي أحس إني مقطوعة.


سكتت لحظة ثم أشارت للتلفاز:  شغليلي المسلسل التركي إللي بحبه.


سلوى: حاضر.


أمسكت سعدية بإبتسامة: الورد والهدايا والنبي حلوين خسارة فيكي.


رفعت سلوى عينيها نحوها وهي تمسك الريموت تنتقل بين القنوات.


على إتجاه آخر 

في شرفة أحد الفنادق، كان مكي يقف متحدثًا في هاتفه بصوت منخفض: استلمت كل حاجة؟! تمام لو فيه أي جديد عرفني.

أنهى المكالمة، أخرج صورة صغيرة لسلوى من جيبه، نظر إليها مطولًا بعينين يغلب عليهما الشوق تمتم بصوت مبحوح: وحشتيني.


منزل ماسة العاشرة مساءً 

غرفة النوم 


تمددت ماسة على سريرها، التلفاز يعمل أمامها تنظر اليه بلا إهتمام، بينما أصابعها تتحرك بكسل فوق شاشة الهاتف، تتصفح صفحة الفيسبوك الخاصة بها، كان إيهاب قد أنشأها لها، تعرض صورًا ومقاطع فيديو، ابتسامتها كانت باهتة حتى توقفت فجأة أمام خبر يتصدر الشاشة: "غياب سليم الراوى عن المؤتمر الأخير ، وسفره المفاجئ منذ فترة كبيره لأسباب غامضه ومجهوله ! ".


توقفت أنفاسها لحظة، وعيناها علقتا عند صورته ، كبرت الصورة، وشيء ما في داخلها يهمس لها: "خشي على صفحته".


ترددت، ثم ضغطت على اسمه في مؤشر البحث واخذت تتفقد صفحة سليم، جامدة كعادتها لا منشورات كثيرة، آخر ما كتبه كان منذ أربعة أشهر، أي قبل أن تغادر بشهر كامل !


ضحكت بسخرية وهي تهمس: صفحه عليها عناكب أقسم بالله، آخر منشور من ٤شهور؟ ده تقريبا من قبل ما أمشي.


أكملت تصفح، فتحت الصور بلا وعي، ظهرت صوره بمفرده وصورها معه، ابتسامة شاردة ارتسمت فوق شفتيها، كانت هي دائمًا من تنشر، بينما هو لم يهتم أبدًا.


دق قلبها بشعور غريب، لم تفهمه هل هو شوق؟ أم وجع؟ أم مزيج بينهما؟ وقفت عند صورة قديمة لهما في سويسرا، وهو يضمها وكانت السعادة  تغمرها، المكان الذي أحباه وتمنوا العيش فيه للأبد ، قلبت الصورة فظهرت أمامها صورة أخرى ألتقطت قبل الحادثة، قبل أن تنكسر حياتها.


انهمرت دمعة حارة من عينيها تجاوزت الصور سريعًا حتى استقرت عند صورته وحده، ملامحه تزداد وضوحًا أمامها، كل شيء فيه بدا جميلًا ببطء، مررت أصابعها على الشاشة، وكأنها تلمس وجهه.


تمتمت بصوت مرتجف: أنت وحشتني، وحشتني أووي.


شردت في ملامحه قليلا بإبتسامة شوق بعد ثواني تلاشت الإبتسامة فجأة تحولت للإستغراب كيف لها أن تبتسم أو تشعر بذلك عقدت بين حاجبيها


أغلقت الهاتف فجأة وألقته بعيدًا عنها، تهز رأسها بقوة برفض:

لا... لا، أنت موحشتنيش دي تهيؤات أنا أصلا بكرهك.


وقفت أمام المرآة، تحدق في عينيها، كأنها تخاطب نفسها بصرامة بنبرة متأثرة بعينين تترقرق بدموع الوجع:

أوعي تنسي إللي عمله فيكي، فوقي دى كان هيموتك، كان هيغتصبك، أداكي علقة موت، أوعي تنسى الحزام إللي نزل بيه على جسمك من غير رحمة، أنتِ هونتي عليه، افتكرى السنة إللي قلب حياتك فيها جحيم، وتهديداته لأهلك، فوقي يا ماسة فوقي، الراجل اللي كنتي بتحبيه واتجوزتيه مات، الراجل إللي يستاهل تشتاقي له مات، اللي قدامك دلوقتي مش سليم، مش كراميل، ده واحد غريب، واحد منعرفوش ، سليم اللي حبتيه مات من زمان.


صمتت لحظة، ثم خانتها دموعها إنهارت جالسة على الأرض، دموعها تغرق وجهها، يديها تغطي ملامحها المرتجفة وفجأة، شعرت ببرودة خفيفة تسري من خلفها، كأن أحدًا يقف هناك لم تلتفت، حتى أحست بيد توضع ببطء فوق كتفها.


رفعت رأسها ببطء، عينها تهبط أولًا على تلك اليد، ثم ارتجف جسدها وهي ترفع نظرها أكثر، لتجده أمامها سليم لم يكن جسدًا حيًا، بل طيف، ظل له ملامح ، كأنه يتوهج من بين دموعها وخيالها.


ابتعدت للخلف مصدومة، بينما صوته يتردد في أذنها، عميقًا، ثابتًا: لا مش هتقدري تنسيني أنا جواكي في كل حتة فيكي بجري في دمك.


صرخت وهي تهز رأسها برفض: لا أنا بقيت بكرهك!


ابتسم طيف سليم ابتسامة ساخرة، اقترب أكثر وقال بثقة: متضحكيش على نفسك أنتِ بتقولي الكلمة دي بس علشان تقنعي نفسك إنك بتكرهيني لكن الحقيقة لسة بتحبيني مستحيل تكرهيني.


ارتجفت شفتيها وهي تصرخ: بقولك بكرهك! هعلم قلبي يكرهك، أنت كنت هتموتني، أنت ضربتني علقة موت وأنا معملتش حاجة! كسرتني بعد ماوعدتنى إنك عمرك ماهتعملها تانى، كسرت الحاجة الوحيدة الحلوة اللي كانت بينا ! أنا بكرهك ومش هرجعلك.


ضحك الطيف بخفوت، عيناه تلمعان: طب ليه فتحتي صورتي النهاردة؟ ليه دايما بتفكري فيا ؟


شهقت، دموعها تتساقط بغزارة، تصرخ في وجهه: أنا بكرهك أمشي! 


اغمضت عينيها بقوة، كأنها تريد طرده من عقلها، غطت وجهها بكفيها، تردد بعصبية: أمشي… أمشي بقى!


لكن حين فتحت عينيها كان مايزال واقفًا، ينظر إليها بثبات ، قال بهدوء يخترق روحها: أنا هفضل جواكي جوا روحك غصب عنك.


أغمضت عينيها مرة أخرى بكل قوتها، قلبها يخبط في صدرها، وعندما فتحت عينيها أخيرًا لم تجد سوى انعكاسها وحدها في المرآة.


صرخت بحرقة، أمسكت شيئًا من على الطاولة وقذفته بعنف نحو المرآة، تحطمت زجاجها إلى قطع صغيرة على الأرض، وانعكاسها تهشم معها، ارتعشت، رفعت يديها للسماء، تبكي وتقول: يا رب خليني أكرهه، خليني أنساه، خليني أنجو منه يارب .


انفجرت بالبكاء، لكن بين الشظايا، لاح لها ظل لم يكن انعكاسها وحدها، بل ملامحه ظهرت واضحة في الزجاج المكسور مرة أخرى كأن قطعة من روحها تستدعيه رغماً عنها ! صوته اخترق الصمت، ثابتاً بارداً: متحاوليش، عملتيها كتير ، دعيتِي كتير ، ولسة أنا جواكي.


رفعت عينيها ببطء، تحدّق في شظايا المرايا، وجهها تحول من ضعف إلى عناد ردت بصوت مرتعش لكنه متحدٍ: حتى لو بحبك مش هرجعلك وهييجي يوم وهكرهك وهبعد ومش هبص ورايا.


ضحك بخفوت، كأنما يستهزئ بها:مستحيل قلبي جواكي إزاي هتطلعيني؟


مدت يدها تمسح دموعها بعصبية، ثم رفعت رأسها وكلماتها خرجت حادة، كأنها تقسم: هطلعك حتى لو هموت وأنا بحاول.


لم تكد تنطق الكلمة الأخيرة حتى تلاشى الظل من الشظايا، لم يبق سوى وجهها الممزق بين قطع الزجاج المكسور، جلست للحظة، تتنفس بعنف، وفي عينيها لأول مرة شرارة صغيرة من القوة، كأنها تخوض حربًا طويلة لكنها بدأت تدرك أن لها سلاحًا.


وضعت كفها المرتعش فوق قلبها، تشعرت بنبضه العنيف يطرق صدرها كأنه يذكرها بالحقيقة، أغمضت عينيها، وابتسمت بمرارة: يمكن لسة بحبك بس مش معنى كدة إني هفضل أسيرة ليك.


لم تنم ماسة طوال الليل، فقط جلست تبكي، تستعيد تفاصيل كثيرة مما كان بينها وبين سليم ، الذكريات تطايرت بلا توقف أمام عينيها، كأنها تحدث الآن، لأول مرة منذ هروبها تطاردها الذكريات بهذه القوة، نعم، كانت تتذكره ، لم يغب عن بالها يومًا، لكن تلك الليلة مختلفة.


حاولت أن تهرب من التفكير، فتحت باب الشرفة ، الهواء البارد لفح وجهها، لكنها تجمدت حين رأته يقف بجانبها، يبتسم تلك الابتسامة التي تعرفها جيدًا ، ارتجف جسدها، التفتت نحوه سريعًا، فلم تجد شيئًا.


عادت للداخل مسرعة، دخلت المرحاض لتغسل وجهها بالماء البارد، وحين رفعت عينيها إلى المرآة، شهقت مذعورة؛ كان يقف خلفها بوضوح. ألتفتت برعب، لكن المكان كان فارغًا.


ارتجفت، تحركت كأنها تهرب من شبح يلاحقها، ثم وقفت تحت الدش، تترك الماء ينساب على رأسها وجسدها، تحاول أن تهدأ، أن تغسل كل شيء عالق بروحها.


بعد قليل، خرجت من المرحاض، تلفّ منشفة حول جسدها وأخرى فوق رأسها، كأنها تخفي ضعفها تحت طبقات من القماش، جلست على الفراش، مبللة العينين والروح، رفعت أناملها المرتعشة إلى جبينها، تغمض عينيها في تعب، لكن الهواجس مازالت تتربص بها، تنتظر اللحظة لتعود من جديد.


وفجأة…

فلاش باك في النرويج، العاشرة مساءً

كانت ماسة واقفة في شرفة أحد الفنادق، أضواء المدينة الأوروبية تتلألأ تحت قدميها، والبرد يلسع وجنتيها، اقترب سليم من خلفها بإبتسامة دافئة، وألقى معطفه على كتفيها ، ألتقت عيناهما وقال بصوت منخفض: مستحيل أسيبك تبردي حتى من الهوا لازم يعدي من خلالي قبل ما يلمسك.


ضحكت بخفة، واتكأت على كتفه: كلامك ده يخليني مش عايزة اللحظة دي تخلص.


لم يجب، فقط رفع يدها إلى شفتيه وقبل أصابعها ببطء، كأنه يقسم بحبها تجمد العالم كله في تلك اللحظة.


بعد دقائق من الصمت، أسندت رأسها على كتفه، وهو طوّق ظهرها بذراعه، قال وهو يحدق في السماء: الجو حلو أوي أنا همد الإجازة أسبوع كمان.


ضحكت مستسلمة لدفئه: بس الجو جوا حضنك أحلى.


ابتسم بطرف عينه، ورفع كفها وقبلها من منتصف يدها ورفعت هي طرف الشال الذي وضعه حول كتفيها، وأسدلته فوقهما معًا، كأنها تجمع قلبهما في غطاء واحد.


سليم بصوت خفيف: عارفة أنا شفت مين وأنا بجيبلك الشوكولاتة من تحت؟


ماسة بلهفة:مين؟


سليم: دكتور مروان.


اتسعت عيناها بدهشة: بجد!؟


سليم:  أيوه سلم عليا وسألني عن أخباري، قلت له كل حاجة تمام، سألني كمان ليه وقفت الجلسات ، قولت له إني خلاص مبقتش محتاجها بس حسيت إنه مش مقتنع.


نظرت له بقلق: طب يا حبيبي لو المفروض تكمل وتطمن، ليه مكملتش؟


عدل سليم من زاويته توقف أمامها مباشرة تساءل في قلق :إنتي حاسة إني لسه محتاجها ؟


ماسة هزت رأسها بإبتسامة: لا يا روحي، بصراحة مش حاسة إنك محتاجها ، بس هو فاهم أكتر مننا.


سليم معترض: لأ بالعكس، إحنا نعرف أكتر من أي دكتور أنا حاسس إني بقيت أهدى، آه بتعصب ساعات، بس من آخر مرة مرفعتش إيدي عليكى ، وبطلت الحاجات إللي كانت بتزعلك وهو ده المهم.


ثم مد كفيه يضم وجهها بكفيه، ركز النظر في عينيها الزرقاوين، صوته متحشرج بالصدق بعين لا ترمش:وأنا مستحيل أرجع زي ماكنت، أنا مش محتاج مروان ولا غيره، أنا محتاجك إنتي، إنتي مسكني وهدوئي  ودوايا  وكل حاجة، وبعدين أنا لو حسيت نفسي رجعت تاني أكيد هروح للدكتور، بتثقي فيا ولا لأ؟


ابتسمت بعاطفة، وضمت رأسها إلى صدره:مش بثق غير فيك، ومتأكدة إنك مستحيل ترجع زي ما كنت، أنا بحبك أوي.


ضمها بقوة، وصوته أنكسر بالحنية: وأنا بموت فيكي.


باك إلى الواقع

فتحت ماسة عينيها فجأة، دمعة انسابت على وجنتها همست بمرارة وهي تمسح وجهها: بس إنت رجعت، رجعت أسوأ من ماكنت ياريتك سمعت كلامي.


الذاكرة لم ترحمها اندفعت بها إلى صورة أخرى…


فلاش باك  قصر الراوي

كان سليم مستلقيًا على بطنه، ظهره عارٍ، وماسة فوقه، تدلك عضلاته المتعبة، كانت ترتدي قميص نوم أبيض قصير، شعرها منسدل بحرية. بدا سليم مستمتعًا وهو يقول بصوت مبحوح: أقفيلي على ضهري كده شوية.


ضحكت: إنت ناسي ولا إيه؟ زمان كنت 15سنة، 40 كيلو، دلوقتي بقيت 55، هكسر ضهرك!


سليم  بتصميم: أقفي بس.


ترددت لحظة، ثم وقفت بخفة فوق ظهره ، بعد ثوانٍ، قفزت سريعًا وهي تضحك: لا لا، مش قادرة، خايفة عليك عشان الرصاصة كمان خليها مساج بس.


أكملت المساج بيدها على  ظهرة بنعومة  يبدو أنها تتردد في قول شيء ابتلعت ريقها وقالت: بقولك إيه يا سالوملوم ماتيجي نروح لدكتور مروان؟ أنا كمان محتاجه أروح.


رفع عينه نحوها بتعجب: ليه؟ حاسة بإيه؟


بهدوء: مش عارفة، مش مظبوطة من بعد الحادثة، وأنت كمان تعالي نروح سوا، مش لازم مروان، أي حد، وعلشان أنت طبعا مانع الخروج وكده ، هاته هنا.


عدل من نومته وجلس أمامها قطب حاجبيه: أنا مش محتاج دكتور أنا كويس لازم تصدقيني.


اقتربت منه، طبعت قبلة على خده: حاضر يا سليم، حاضر  اقتربت منه وضمته بحب


باك، إلى الواقع


شهقت ماسة وهي تضغط بكفها على صدرها، وقعت عيناها على الوشم المحفور باسمه عند قلبها، مسحته بعنف، كأنها تقتلع جلدة من لحمها ثم نظرت إلى معصمها، حيث نصف القلب الذي يكتمل بنصف القلب الآخر الذي على معصمه، وحاولت أن تخربشه بأصابعها لكن لا جدوي.


انفجرت في نوبة بكاء أخرى، جسدها كله يرتجف، وصوتها خرج كصرخة: هخرجك من قلبي يا سليم، كإنك مكنتش موجود، هعرف إزاي أكرهك!


سقطت منهارة، وظلت تلك الليلة تمزقها الذكريات؛ الجميلة منها والمريرة، حتى جاء الصباح.


لم تذهب الى العمل؛ فكان جسدها منهك للغاية بسبب تعب قلبها، ولم تخرج من المنزل بقيت كما هي تشعر بالحزن والألم يعصف قلبها.


وفي منتصف اليوم، حملها التعب إلى ذلك المكان السحري عند البحر، الذي دلها عليه إيهاب، جلست هناك بالساعات، قدماها في الماء، وصمتها مثقل وترفع نقابها لأعلى رفعت رأسها للسماء هامسة:لحد إمتى، هفضل سجينة لذكرياتك يا سليم؟

أضافت بضعف: طب يا رب خليه يبقى كويس مادام مش عارفه أكرهه رجعه تاني سليم الحنين اللى حبيته، لكن كدة حرام والله..


ظلت على ذلك الوضع لساعات تفكر في صمت خانق حتى جاء وقت الغروب وفجأة سمعت صوتًا يناديها من بعيد: ماسة؟!


انتفضت بخوف، قلبها خبط في صدرها ألتفتت بسرعة، وجدت إيهاب واقف بيرفع نظارته بإبتسامة هادية، يرتدي كاجوال يبدو وسيما.


قال لها وهو بيضحك بخفة: إيه يا بنتي، إنتي كل ماحد ينادي عليكي تترعبي كده


باقي الفصل الخامس 👇

رفعت عينيها له، وردت بابتسامة صغيرة غلبت خوفها:

الخوف بقى جزء من حياتي أنا وهو بقينا توينز دلوقتي.


اقترب إيهاب منها وجلس جانبها، مد وجهه مبتسم: توينز،؟ طيب يا توينز أنتِ عاملة إيه؟


ماسة زفرت ببطء، وعينيها راحت للبحر: الحمد لله.


مال برأسه بإهتمام: خلصتي الشغل بدري النهاردة يعني؟!


ماسة وهي تتنهد بعمق: مرحتش أصلا.


رفع إيهاب حاجبه بدهشة، اقترب منها قليلًا وقال:

ليه؟ فيه حاجة؟


أخفضت عينيها للحظة ثم رفعت رأسها من جديد، صوتها امتزج بالتوتر: إمبارح، حصلت حاجة غريبة، ذكرياتي مع سليم داهمتني فجأه ، كأنها عملت لي كمين، كل ما أروح مكان في الشقة ألاقيه قصادي، أنا مكنتش ناسية، يمكن حاولت أعمل نفسي ناسية وأهرب، بس كنت بفتكره كتير وبحلم بيه، إنما إمبارح مش عارفة إيه إللي حصل..

صمتت للحظة بعين دامعة أضافت بألم: أول مرة الذكريات تطاردني كده، افتكرت نفسي خلاص نسيتها ومبقتش اتوجع منها، بس معرفش إيه إللي حصل؟!

صمتت للحظة وهي تنظر للأسفل: فضولي، خلاني أفتح صفحته أشوف لو كان منزل حاجة ولا لا، وأول ما فتحت صوره معرفش إيه إللي حصل.


ظل إيهاب يتأملها، ثم قال بهدوء: أنتِ لسة بتحبيه؟


ابتلعت ريقها بصعوبة، وضمت ذراعيها حول نفسها كأنها تستعين بهما على الارتجاف: معرفش، أوقات أحس إني كارهاه، مش طايقاه، وأوقات تانية بحس إني لسة بحبه، أوقات أقول يمكن هو جوه قلبي بس أنا متعصبة، زعلانة من إللي عمله، بس أنا مش فاهمة، متلخبطة ، لكن المتأكدة منه يا إيهاب..

رفعت عينيها نحوه بتأكيد ممزوج بمرارة ووجع: حتى لو بحب سليم مستحيل نرجع، أنا بقيت بخاف منه، بقيت أتعصب من نفسي لما بحس بالمشاعر دي، نفسي أفهم حقيقة مشاعري، أنا فعلاً بقيت بكرهه، ولا لسة بحبه، دول عشر سنين أجمل عشر سنين في عمري، أنا كبرت على إيديه، حتى لو كان عندي معاه ذكريات توجع ، بس عندي معاه ذكريات جميلة وطويلة.


مال إيهاب بجسده للأمام، يراقبها بعينين جادتين: طب ليه ماتحاوليش تسامحيه وتديه فرصة؟ في الغالب لما بتبقى متلخبطة كده، الكفة الأرجح بتبقى للحب.


هزت رأسها بمرارة وقالت بعينين اغرورقت بدموع: أنا اكتشفت إن الحب لوحده من كفاية، إنك تعيش مع واحد تحس معاه بالأمان ويحترمك، مستحيل يستغل محبتك ليه في إنه يوجعك ويكسرك باللي بتحبهم، بس مافيش بينكم حب كبير؟! أفضل ميت مرة، من شخص بيعشق التراب إللي بتمشي عليه، نفسه يجيبلك نجمة من السما، بس عنده استعداد يفرم أي حد يفكر ياخد حبيبته منه..


ركزت النظر في ملامحه ، كان يخرج منها لهيب الخذلان والغضب كانها تتذكر ما فعله معها ومع عائلتها أكملت: ولما يحب يعاقب مش بيعاقب زي الرجالة الطبيعية. لأ بيعذبك بأكتر حاجة بتحبها

هزت راسها برفض: وأنا خلاص مبقيتش بحس معاه بالأمان ، بقيت بخاف منه.


كان يصغى لها إيهاب ويفهم ما تشعر به، زفر ببطء، حاول أن يبدو متماسكًا: أنا متفهم إللي حاسة بيه جدآ وده طبيعي لإنك كنتي بتحبيه وبينكم مشاعر راقيقة وصادقة..


وتابع هو يركز النظر في ملامحها قائلا بعقلانية : بصي يا ماسة، إنتِ مش هتفهمي نفسك ولا مشاعرك غير لما تخلصي من المشاكل الأول، أنا رأي تتعاملي بموضوعية وبعقلانية أكتر، في الوقت الحالي، بتحبي سليم، مابتحبيهوش، هتسامحيه، مش هتسامحيه في الآخر دي حاجات فرعيه، إنما عندك مشاكل أهم لازم تركزي فيها وأزاى هتحليها.


رفعت عينيها له بعدم فهم ، اجابها وهو يشير بيده بشرح: عندك مشكلة إنك لسة هربانة، وماينفعش تفضلي كده، ولا ينفع تشتغلي شغلانة زي إللي شغالة فيها على طول و لابسة النقاب وترفعيه بس لما ميبقاش حد معاكي الموضوع ده مضايقني، عشان هو تقليل من قيمته الدينية، إنتِ مش لابساه كمعتقد لابساه علشان تستخبي وده ممكن يكون حرام وعليه ذنب، غير كمان التهديدات إللي حصلتلك، لازم سليم يعرفها، ويعرف حقيقة الناس إللي حواليه، إللي مش متوقع منهم الندالة للدرجة دي..


دقق النظر في ملامحها أكثر وكانه يرسم الخطه قال: ولازم كمان تأمني نفسك وده المهم علشان كدة أنا بحاول أوصل للفيديوهات، بعدين كفاية خوف يا ماسة، كفاية، إنتِ الأول كنتِ لوحدك لكن دلوقتي أنا جنبك مصطفى معاكي، إخواتك معاكي، مش بتعتبرينا أخواتك ولا لأ؟


تساقطت دموعها من عينيها: والله العظيم ربنا يعلم أنا بحبكم قد إيه؟! وفعلاً بعتبركم زي عمار ويوسف، ولإني بحبكم وبخاف عليكم، مش عايزاكم تدخلوا نفسكم في أي حاجة.


ابتسم إيهاب ابتسامة خفيفة، وقال بنبرة حانية: إحنا مش هندخل نفسنا في حاجة، بس هنبقى جنبك، مجرد معرفتنا بالحقيقة يكفي، وسبحان الله يمكن ربنا وقعك في طريق مصطفى دونا عن كل الناس، لإن مصطفى أكتر حد هيقف جنبك ، أخويا طيب وهيحس بيكي، علشان القصة إللي إنتِ عارفاها ولإني أنا كمان مهندس برمجة وهقدر أهكر وأساعدك توصلي لأي حاجة.


تابع وهو يمرر يده على ذقنه مفكرًا: المشكلة إنهم عاملين أنظمة حماية قوية جدًا ماتوقعتش الصراحة إن رشدي يكون مأمّن نفسه كده، .


مالت بجسدها قليلا، نظرت في عينيه بعزم ممزوج بالدموع:

متدخلوش نفسكم في حوارات مع رشدي وصافيناز والعيلة دي، شوف سليم رغم كل إللي حكيته عنه لكن قسمًا بالله العظيم أطيب وأنضف واحد فيهم ، علشان كده أنا واثقة إنه لو لقاني، وعرف إنكم حميتوني، وخدتوا بالكم مني، مش هيعمل لكم حاجة، إنما هما عندهم يقتلوا أخوهم عادى علشان الفلوس والسلطه.


بإبتسامة: متخافيش قولتلك.

ثم تبسم إيهاب ابتسامة واسعة حاول تغيير الجو، وضحك بخفة: المهم سيبك من كل دى والوقت هيحل كل حاجه ، روقي وأضحكي بقى، أجيبلك آيس كريم.


نهض بخطوات هادئة نحو عربة صغيرة تقف على بعد أمتار، عاد بعد دقائق وهو يحمل كويبين من الآيس كريم، وابتسامة دافئة تملأ وجهه. 


جلس إلى جوارها، مد يده بكوب وهو يقول: اتفضلي يا ستي، جبته مخصوص علشان تنسي أي حاجة مضايقاكي.


ابتسمت ماسة بخجل، تناولت منه القطعة: شكرًا.


ساد الصمت بينهما للحظات، لم يسمع فيه إلا صوت الأمواج وهي ترتطم بالشاطئ. 


قطع إيهاب الصمت قائلًا: تحبي لما نرجع، أخليكي تكلمي مامتك.


ألتفتت إليه بسرعة، وكأن الأمل قد عاد إلى ملامحها:

ياريت نفسي.


ابتسم بثقة وهو ينهض قائلا: ماشي لما نروح اخليكى تكلميهم 


نهض إيهاب: يلا نروح بقي، لان انا جعان جداً الصراحة. 


توقفت ماسة، وهي تهبط النقاب وأثناء تحركهم: هو إنت أصلا إيه إللي جابك هنا 


إيهاب: حاجه كده جوايا قالتلي روح اقعد على البحر لقيتك.


ماسة بإمتنان: أنا بشكرك جدا إنك عرفتني على المكان الجميل ده بقى مكاني المفضل 


إيهاب وهو يغمز لها بمزاح: أي خدمة وهركبك تاكسي كمان ، لسه قابض بقي.

ضحكا سوايا .


قصر الراوي 


غرفة ياسين السادسة مساءً 


عاد ياسين إلى القصر، يحمل بين يديه باقة ورد كبيرة، ومعها شنطة هدايا صعد إلى غرفته حيث كانت هبة جالسة على الفراش، ونالا تلعب على الأرض بألعابها.


بمجرد أن رآها، لم يتمالك نفسه، احتضنها بقوة وقال:

ياسين: حبيبتي وحشتيني!


ابتسمت هبة: الحمد لله على كل حاجة.


عانقوا ابنتهما، لكن حضن ياسين كان أقوى وأكثر حرارة:وحشتيني يا روح قلب بابا...! عاملة إيه؟


نالا: الحمد لله.


مد ياسين يده نحو الهدايا: بصي بابي جابلك إيه؟


أخذت نالا العروسة من يده وضمتها: ميرسي يا بابي.


ثم أخرج من الشنطة فستانًا صيفيًا وقبعة من الخوص نظر لهبه جبتها ليكي أتمنى تعجبك.


ابتسمت هبة وأخذت الأشياء وجلست على الأريكة. ثم سألت: عملت إيه في الرحلة بتاعتك؟


هبط ياسين نالا أرضا: كل حاجة كانت تمام، بس كنت محتاجلك أوي.


جلس بجوارها قال بلهفة: بصي، أنا هاخد خمسة أيام إجازة، إيه رأيك نسافر إسبانيا؟


تغير وجه هبة قليلًا: مش هينفع أنا مسافرة بعد بكرة لندن هاودي البنت عند ماما وأسافر شغلي.


أقترب ياسين منها أكثر:خلاص أسافر معاكي.


هبة بهدوء جاد: لا يا ياسين، ده شغل مش هادبقى فاضية خالص.


تنهد ياسين ببطء وقال بأمل: طيب خلاص، أغير أجازتي، مع إن نفسي أروح دلوقتي، بس مش مهم.


نظرت إليه بجدية وقالت: لحد آخر السنة أنا مشغولة، مافيش إجازات.


هنا رفع صوته قليلًا: هو في إيه يا هبة؟ إنتي وحشتيني وحابب نقضي وقت مع بعض سيبي البنت عند مامتك ونقضي يومين سوا.


أطرقت هبة رأسها قليلًا ثم رفعت نظرها نحوه:

هبة: والله أنا كمان محتاجة ده وإنت وحشتني بس أعمل إيه؟


تذكر ياسين كلمات لوجين: لو رفضت الرحلة، قول لها ناخد ساعتين بس نتعشى عشاء رومانسي وأنا أظبطلك مكان حلو.


ابتسم فجأة وهو ينظر إلى هبة: طب خلاص مش لازم السفر بالليل نخرج نتعشى سوا عشا رومانسي. مانضيعش وقت.


هبة رفعت حاجبها بدهشة: هو إيه يا ابني؟ مش محتاج ترتاح شوية؟


ضحك ياسين:أنا مش عايز أضيع وقت.


هبة ابتسمت بخجل:خلاص ماشي.


قبلها ياسين من خدها، ثم أخرج هاتفه بسرعة وهو يتحرك في الغرفة، خافضًا صوته:إيه يا لوجين خلاص عايز النهاردة تظبطيلي مكان حلو.


جاءه صوتها عبر الهاتف: رفضت الرحلة؟ طب إنت قلتلها البرنامج؟


ياسين وهو يهمس: لا ماقلتلهاش.


لوجين:قول لها يمكن توافق.


هز رأسه وهو يغلق المكالمة:ماشي.


عاد إلى هبة وجلس بجوارها. لاحظت خفض صوته فقالت ممازحة: على فكرة السكرتيرة بتاعتك الجديدة حلوة.


ابتسم وهو يمد يده ليلامس يدها: بنت هايلة جدًا.


ضحكت هبة بخفة:أنا شفت صورتك معاها زي القمر.


ضحك بدهشة: زي القمر؟


أجابت وهي تبتسم بمكر: آه الصورة إللي نزلت في حفلة لتامر، كنتوا واقفين جنب بعض.


ضيق ياسين عينه متسائلا: وماتضايقتيش؟


أجابت بثقة: هتضايق ليه؟ إنت أصلا بعتلي قبلها رسالة وقلتلي إنك رايح الحفلة والاسستنت بتاعتك هاتكون موجودة.


سكت لحظة: أنا أقصد ماحسيتش بغيرة ولا حاجة؟


ابتسمت هبة وهي تنظر في عينيه بثقة:إنتو كنتم واقفين طبيعي وبعدين أنا بثق فيك يا ياسين.


انزعج ياسين قليلًا لأنها لم تغير عليه، ثم قال وهو ينهض: خلاص أنا هاخد شاور وأنام ساعتين بالليل نخرج، مش هستقبل أي رفض المرة دي.


ضحكت هبة: أوكيه.


تركها ياسين مبتسمًا، وقد بدأ يشعر أن حديث لوجين كان بالفعل نقطة تحول.


قصر الراوي السادسة مساءً 


الصالون 


منى تجلس على كرسي فايزة الأثيري، ساق فوق ساق، فنجان قهوة بين أصابعها، والخدم حولها في ارتباك، يطيعون أوامرها وهي تطلب تغيير لوحة من مكانها إلى آخر. لم يجرؤ أحد على الاعتراض.


فجأة توقفت أصواتهم عند باب الصالون وقفت فايزة، صلبة كأنها ملكة عادت إلى عرشها استمعت للحظة، ابتسامة باردة ترتسم على وجهها، ثم تقدمت بخطوات بطيئة محسوبة.


رفعت يدها قائلة بنبرة آمره: استني هنا يا أماني. اللوحة دي ماتتشالش من مكانها غير بأمري ومافيش أوامر في القصر ده تطلع من غير أمري.


ألتفتت نحو منى بعينين قاسيتين التي توقفت هي وتشعر بالارتباك فهي لم تتخيل أن فايزة تعود في هذا الوقت ففايزة منذ أشهر وهي تعود متأخرة ولا تركز في التفاصيل.


نظرت لها فايزة نظرة حادة تساءلت بهدوء لكن بقوة: قاعدة ليه على الكرسي ده يا منى؟ مش عارفة إنه ماحدش يقعد عليه غيري؟


ارتبكت منى وحاولت التبرير: حضرتك بقالك فترة غايبة فخفت لحسن


قاطعتها فايزة بإشارة من أصابعها، كأنها تصفعها بالكلمة قبل أن تنطق: جاوبي على السؤال؟


منى بتحدي ضعيف:طيب إيه المشكلة لما أقعد عليه؟


فايزة، بنبرة قاتلة: الكرسي ده بتاعي لوحدي، لكن بعد ماقعدتي عليه ما بقاش يلزمني. 


أضافت بصوت حاد نحو إحدى الخادمات وعينيها متعلقة على منى لا ترمش: عواطف، الكرسي ده يترمي في الزبالة وهاتيلي واحد زيه بالظبط.


أجابت عواطف بسرعة: حاضر يا فندم.


اقتربت فايزة من منى حتى وقفت أمامها مباشرة، بصرامة الملكة تعاقب خادمة متمردة: أنا محتاجة أفهم إزاي خيالك المريض الغبي، صورلك إنك ممكن تاخدي مكاني؟! أنا فايزة رستم اغا..

أضافت متعجبة على نفس الوتيرة: هو أنا علشان الفترة دي مشغولة في المجموعة وروحت قعدت يومين في المزرعة مع الباشا تفتكري إنك بكدة بقى ليكي مكان؟! 


بصوت هادئ لكنه حاسم تركز النظر في وجهها أضافت: إنتي ملكيش مكان هنا، وإنتي متاكده، إني سايباكي هنا علشان خاطر طه، غير كده، كنت زماني رميتك بره من سنين، إنتي بنت مزعجة وطماعة وغبية.


أشارت بيدها حول المكان: لازم تفهمي إنتي يستحيل تقعدي على الكرسي، مافيش كلمة في القصر ده بتتقال من غير أمري أو بموافقتي غير كدة مستحيل يحصل، المكان ده ليه ملكة، واحدة بس وهي أنا، وفريدة من بعدي.


أكملت بصوت منخفض لكنه سام: للأسف الشديد، ولادي اختاروا زوجات رعاع..

أشارت نحوها وهي تقول: واحدة غبية، طماعة واحدة رافعه مناخيرها فوق، بس هكسرها لها قريب، والتالتة جاية من زريبة. عشان كدة مضطرة أخلي فريدة هي الملكة.


مالت برأسها قليلا وهي تتساءل بتعجب: كنتي بقالك فترة هادية وساكتة وأنا ناسياكي ومش شايفاكي، ليه رجعتي تاني لعمايلك؟!


تبسمت وكأنها فطنت ثم مالت عليها وقالت ببطء لكن بنظرة حاسمة فهي تفهمها تقوم بلدغها كالأفعى دون رحمة: أوعي تكوني بتعملي كده بإريحية علشان الوصية؟! وإنكم كسبتوا سليم؟! فيصورلك خيالك الغبي إنك كدة بقيتي على أرض صلبة ولا حاجة؟! يلا عشتيلك يومين من نفسك، أرجعي بقى لمكانك، خلي بالك أوضتك فوق هي حدودك. وماتحلميش تعديها.


صمتت لحظة، ابتسمت بتحدي وهي تفرض سيطرتها بالكامل: ولازم تشكري ربنا، إني مابدخلش في حدود أوضتك، بمزاجي وثقي عندي من السلطة والمقدرة، أقول لك تحطي إيه وماتحطيش إيه في أوضتك وأوضه أولادك؟! لو حبيت، همنع حتى صباع روج يدخل أوضتك من غير إذني، بس أنا كريمة، بديكي نفس، بس أكتر من النفس ده مش مسموح.


ثم استدارت، كلماتها الأخيرة تقطر سمًّا: وصدقيني يا منى، أنا مش هاخد كتير لما أقنع طه يطلقك، حتى لو علاقتكم رجعت، هيفضل فيه مسمار مشروخ في النص وإنتي عارفة إن الاولاد كبروا، مش حلو يعرفوا أمهم على حقيقتها.


قالت كلمتها تلك تركتها ورحلت بخطوات ثابتة.


ظلت منى جالسة، يديها ترتعشان، النيران تلتهم قلبها لم تستطع المقاومة، فأطلقت صرخة مكتومة، كأنها طعن غائر لا مفر منه فا فايزة عادت كل شيء إلى مكانه في لحظة.


منزل مصطفى ،السابعة مساءً 


الصالة

كان مصطفى يجلس إلى جوار نبيلة على الأريكة ويبدو عليهم القلق، بعد دقائق دخل إيهاب وماسة معًا.


رفع مصطفى رأسه فجأة، نبرته متوترة: إنتِ كنتي فين يا ماسة؟


ابتسمت ابتسامة مرهقة وجلست على أقرب كرسي وهي ترفع نقابها: نزلت أقعد شوية على البحر.


مصطفى بقلق: في حاجة؟


ماسة بهدوء: لا، مفيش.


مصطفى بضجر: بس إنتي مارحتيش الشغل النهاردة، ، ماسبتوش حتى خبر 

ثم ألتفتت نحوه مترددة:

ثانية واحدة إنتو كنتوا مع بعض؟


إيهاب بتوضيح: أنا رحت أقعد شوية على البحر، لقيتها هناك قعدنا سوا ورجعنا.


مصطفى بصوت منخفض لكنه مشحون: طب مش تقولي وسايبة تليفونك ليه؟!


ماسة تنهدت وهي ترفع يدها: معلش يا مصطفى، معلش يا ماما، والله ماخدتش بالي التليفون مش معايا أصلاً غير دلوقتي كنت محتاجة أقعد مع نفسي شوية.


مصطفى أطرق للحظة، ثم رفع نظره إليها:

ماتتكلمي مالك؟!


ماسة مدت وجهها بحزن: أنا بس حاسة إني مخنوقة شوية حبيت أقعد شوية مع نفسي.


مصطفى بهدوء حاسم: مافيش مشكلة، بس ياريت بعد كده لو عايزة تروحي في حتة، تبلغينا، عشان القلق والأفكار إللي بتدخل دماغنا لما تختفي فجأة فاهمة طبعاً.


ماسة بخجل: عندك حق أنا آسفة.

ثم تنهض واقفة: طيب، أنا هطلع شقتي بعد إذنك.


نبيلة ابتسمت برفق: متقعدي يا بنتي، ماتزعليش لو كنت دخلت شقتك في غيابك، لو لقيت التليفون معاكي وعرفت مكانك ما كنتش أقلق.


ماسة بهدوء: ماما، ماتقوليش كده في أي وقت أدخلي الشقة عادي، بس أنا محتاجة أنام مانمتش من إمبارح، والله جعانة نوم أشوفكم بكرة.


إيهاب بابتسامة: إيه؟ مش هتكلمي مامتك؟


ماسة متثاقلة: بكرة بقى إنت لسة قايل لي الموضوع بياخد ساعة وأنا مش قادرة فاصلة يلا، باي باي.


خرجت وأغلقت الباب خلفها


نظر مصطفى خلفها بقلق، ثم تمتم لنفسه: مالها؟


إيهاب موضحاً: افتكرت جوزها حاجات كدة يعني.


هز مصطفى راسه بصمت: طيب، أنا هدخل أريح شوية الحمد لله أطمنت عليها وإنت بعد كده لما تبقى معاها أتصل عرفني علشان دي شكلها مطيورة.


هز إيهاب راسه بإيجاب بينما تحرك مصطفى للداخل، لكن وجهه ظل متجهمًا وكأن في صدره ضيقًا لم يبوح به.


نبيلة ألتفتت فجأة إلى إيهاب: قولي بقى يا ابني إيه إللي وداك معاها؟


إيهاب، موضحاً: صدفة.


نبيلة بنبرة جادة: إيهاب، قولي بحق الله، إنت بتحب ماسة؟ فيه حاجة؟


إيهاب يرفع حاجبيه متوترًا: إيه إللي بتقولي ده يا ماما؟ صدقيني، دي أختي، صدفة لقيتها هناك، وقعدت معاها لأنها كانت زعلانة، قعدنا نتكلم ماتقلقيش.


نبيلة نظرت إليه طويلًا، ثم قالت: دلوقتي أختك بس بعدين ممكن لا، لازم تحط في راسك إنها واحدة متجوزة. ماينفعش.


إيهاب بسرعة: عارف طبعًا إنه ماينفعش. وهي بتحب جوزها، مهما قالت إنها مش عايزة ترجعله، قلبها مش هايسكنه غيره.


نبيلة هزت رأسها مقتنعة بعض الشيء: ما أنا عارفة، الشعر الأبيض ده مش على الفاضي، دي بتموت فيه، ترجعله أو ماترجعهوش، إحنا مالناش دعوة، إحنا واقفين جنبها بس.

ربتت على أعلى صدره بحنان: بس المهم طمنت قلبي يا ابني.


ايهاب متسائل: بس مصطفى ليه متضايق كده؟


نبيلة بثقل: والله ما أعرف، أنا أتكلمت معاه قبل كده في الموضوع، وقال لي لا أختي، بس أنا حاسة إنه فيه حاجة أساله إذا كان بيحبها ولا قلبه لان ليها.


إيهاب هز راسه بإيجاب: هتكلم معاه بس مش النهاردة كمان يومين كده..

وهو يخلع الجاكيت:عائشة لسه ماجتش.


نبيلة: اها بس بالطريق؟ 


إيهاب: طيب، بالله عليكِ يا ماما حضري الأكل أنا ميت من الجوع، هروح أغير هدومي.


نبيلة: حاضر.


قصر الراوي 


غرفة ياسين، الحادية عشر مساءً


كان ياسين قد انتهى من ارتداء بدلته، وعطره يملأ المكان، بينما هبة أمام المرآة تكمل زينتها بفستان أنيق، الجو كله يوحي بسهرة مختلفة.


فجأة رن هاتف هبة نظرت فيه بسرعة وردت، لتتحول نبرتها من هدوء لصرامة: إزاي ده يحصل؟! إنتوا إزاي تسمحوا بحاجة زي دي؟! ... لأ، لأ... أنا هنزل لكم دلوقتي!


ألتفت ياسين نحوها بحدة: إنتِ رايحة فين؟


هبة، وهي ما زالت ممسكة بالهاتف: في مشكلة في المجلة.


أقترب منها ياسين، نزع الهاتف من يدها وأغلق المكالمة بعصبية: مجلة أنا أهم من المجلة مافيش نزول هتقعدي معايا.


رفعت هبة حاجبيها بدهشة: إيه إللي إنت بتقوله ده؟ في مصيبة!


ياسين بسخرية: مصيبة إيه؟ حد مات؟ هتخسري ملايين؟


هبة بصوت مرتجف لكنه حاد: في خبر اتسرب، كان لازم يتنشر بشكل رسمي، ولو محقتش، سمعتي كلها هتروح في الأرض!


أقترب منها أكثر، صوته أخفض لكن مليء بالغضب: أنا أقدر ماخليش حد يتكلم عنك كلمة، لازم تفهمي إنتي متجوزة مين؟


نظرت له بغضب ورفعت صوتها: وأنا مابحبش الأسلوب بتاع عيلتك ده، ولا محتاجة تغطية من عيلة كلها إيديها متلوثة في الدم!


صمت المكان لحظة، ثم انفجر ياسين: إحنا بدأنا نقل أدبنا تاني يا هبة؟ 


هبة بثبات لكن بنبرة حاسمة: مش بقل أدبي، بس إنت عارف كويس رأيي في الموضوع ده، وإنت إللي مصر تخليني أقولك الكلام ده كل مرة، وإذا كنت وافقت إنك تمولني المجلة والقناة ده بعد ما انت اقسمت لي إن ما فيش منها جنيه واحد بشغلكم الشمال، أنا مش هاعيش بنتي ونفسي في فلوس حرام ولا هاستخدم الطرق الغير مشروعة بتاعت المجرمين علشان أمشي شغلي.


شعر ياسين أن الدم يغلي في عروقه، اقترب منها للحد الذي لم يعد بينهما سوى أنفاس متقطعة، وصاح: غوري يا هبة في ستين داهية! أنا اصلا غلطان.


فجأة، رفع ياسين هاتفه وأجرى اتصالًا برشدي وعينه عليها: إنت فين؟ طب أنا جاي لك سلام.


خرج ياسين من الغرفة متجهًا نحو الباب، تاركًا خلفه هبة التي ظلت عيناها معلقتين بآثاره، والضيق ينهش ملامحها عضت على أسنانها بقوة، تهمس في سرها: الموضوع مابقاش ينفع خالص كده مابقاش ينفع.


الملهي الليل الثانية عشر صباحا 


جلس رشدي وسط مجموعة من أصدقائه من الفتيات والشبان، بعضهم يرقص على الموسيقى الصاخبة، وآخرون يضحكون بأصوات عالية الكؤوس ترفع وتتبدل، والدخان يملأ المكان.


دخل ياسين بخطوات واثقة، عيناه تبحثان وسط الزحام حتى وقعتا على رشدي ابتسم وهو يشق طريقه بينهم، ثم جلس بجواره، أسند ظهره بكسل على الأريكة وأخذ كأسًا من على الطاولة.


رشدي وهو يرفع حاجبه بإستخفاف: بقيت تيجي كتير اليومين دول.


ياسين وهو يرشف جرعة طويلة من الكأس: أنت فايق؟


رشدي وهو يهز كتفيه ويضحك بخفة: يا ابني، أنا مابسكرش بسرعة بس ليه كده؟


ياسين وهو يرمق الكأس بعين شاردة: علشان البومة إللي في البيت.


رشدي وهو يمد يده مشيرًا بتهكم: ما تطلقها!


ياسين مبتسم ابتسامة مريرة: والله شكلها قربت، أنا بس مستني شوية.


أخذ رشدي سيجارة من العلبة وأشعلها وهو ينفث الدخان ببطء، بينما سأل ياسين وهو يرفع الكأس في الهواء: آمال فين زيزي؟


رشدي وهو يميل للأمام: من ساعة ما اتجوزت مبقتش تخرج كتير، أنت عارف ماريتا طبعًا.


ياسين ضاحكًا بسخرية: يا ابني أنا عارف الشلة كلها ما أصحابي برضه.


رشدي وهو يحدق فيه: أيوة صح، كنت مسقط، بس أنت مبتخرجش مع الأشكال دي كتير.


نظر له ياسين بمعنى عيب رد رشدي: بتبصلي كده ليه؟ هما عارفين إنهم أشكال ضالة.


ياسين وهو يشعل سيجارة ويأخذ نفسًا عميقًا: أنا مش عارف أنتم مصاحبينه على إيه.


في تلك اللحظة، اقتربت ماريتا بخطوات متمايلة، تضحك بخفة وهي تضع ذراعها على كتف رشدي وتقبله على خده: رشروشي ده السكر بتاعنا!


ضحك رشدي بصوت عالٍ، ورد لها القبلة: والنبي، إنتي إللي سكر!


ثم ألتفت فجأة نحو ياسين، وأمسك بذراعه بحماس: بقول لك يا ياسين، تعال نقعد برة شوية، عايز أقولك على حاجة مهمة.


ياسين وهو يلوح بالكأس: أصبر اخلص الكاس ده بعدين أنا جاي أرقص عايز أفصل.


رشدي وهو يشده من ذراعه بجدية: تعالى بس قبل ماتتسطل عايزك في حاجة.


خرج الأثنان معًا، 


وقفا على السطح، عند السور يبدو ان الملهي على برج مرتفع عن القاهرة المتلألئة بأضوائها، أشعب رشدي سيجارة ومدها لياسين بينما أخذ هو نفسًا عميقًا وحدق في الأفق.


رشدي وهو ينفث الدخان: أنا عرفت بنت اسمها مي.


ياسين وهو يرفع حاجبه بسخرية ويأخذ نفسًا من السيجارة: أعملك إيه يعني؟ أديك شقتي ساعة؟!إيه الشقق بتعتك اتشمعت؟!


رشدي وهو يلوح بيده بنفاذ صبر: يا عم، أصبر واسمع أنا أتصلت با الولا سليم، بس الحيوان قفل تليفوناته وأختفى هو أكتر واحد كان هينفعني، وطه خروف! أنا مش عايز أبقى خروف معاها أنا عايز أبقى رجولة وفي نفس الوقت أكسبها.


أقترب منه فجأة، وضع يده على كتفه ونظر في عينيه: مافيش غيرك إنت يا يسو، يا حبيبي، يا أخويا الصغير إللي بحبه، أقسم بالله أنا بحبك حب يلا، علشان أنت أنضف واحد فينا ، آه أنا بضربك ساعات، بس بحبك.


ياسين وهو ينفث دخانًا في وجهه بتعجب: أستنى يعني كلمت سليم عشان تاخد رأيه وتتكلموا؟ كأتنين إخوات؟


رشدي وهو يبتسم بخبث: آه، سليم لو سألته عن حاجة هيتكلم معاك ، بيبقى طيب مش زي أختك الحرباية.


ياسين وهو يضيق عينيه:طيب وأنت عايز إيه من مي دي؟


رشدي وصوته يلين قليلًا: أصل هي غير كل البنات إللي نعرفهم ، محجبة، وبنت ناس محترمين ملهاش في الشرب ولا السهر عاملة زي ماسة وهبة كدة محترمة ومؤدبة.


تجمد ياسين لحظة، ثم نظر له بتمعن وسأله ببطء:

وأنت وقعت عليها فين دي؟


رشدي وهو يحك رأسه بحيرة: صدفة كده ، بس بصراحة البنت دي شغلاني عايز أعلقها ومش عارف أعمل إيه؟ أنا مشيت وراها ناس يعرفوني كل حاجة عنها ، وبقيت بنط لها في كل مكان كل ما أعرف إنها هناك لوحدها ، بس أنا مش حابب الدخلة دي الصراحة.


ياسين وهو يرمقه بحدة ثم يرفع حاجبه ساخرًا:

طب يا رشدي ماتخليك محترم لمرة واحدة في حياتك! وطالما البنت دي زي مابتقول إنها محترمة زي ماسة وهبة، يبقي مش هتيجي معاك على السرير غير بجواز وأبوس إيدك ماتغتصبش حد الفترة دي.


تجمد رشدي قليلًا، ثم قال وهو يشيح بوجهه:

أنا ماغتصبتش غير واحدة في حياتي وكنت شارب، والتانية كان بكيفها.


ياسين ألقى سيجارته أرضًا وسحقها بحذائه: تصدق فعلاً؟! إزاي أقولك كده؟ واحده فعلا مش رقم.


رشدي وهو يضيق عينيه بضجر : ياسين أنت هتتكلم جد ولا لأ؟


أقترب ياسين منه، قرصه في خده ضاحكًا: يعني أنت بجد معجب بيها وعايز تقرب منها؟ حبيتها يا روش روش!


رشدي تبسم موضحاً: ماحبيتهاش، بس بفكر فيها وعايز أقرب منها.


ياسين وهو يسند ظهره على حافة السور، يتأمل أنوار المدينة: ما هو ده الحب يا حبيبي، بص لو عايز تقرب منها بجد، قلل مع الأشكال الضالة إللي جوه دي زي ما أنت قولت، خليك محترم معاها بطل جو التحرش إللي عندك ده ، وحاول تبقى مهذب خليها تشوف إن فيك حتة حلوة الحتة اللى في رشدي إللي محدش يعرفها.


رشدي نظر بعيدا: هي أصلًا متعرفنيش خالص متعرفش أي حاجة عن وساختي.


ياسين وهو يربت على كتفه: كويس، كده الموضوع سهل، أعمل زي ما أنا عملت مع هبة قولها خلينا ناخد فرصة أسبوع، شهر تبقوا أصحاب. لو حسيتوا إن فيه حاجة كملوا لو لأ خلاص وأسمع البنات بتحب الراجل إللي يحترمها ويخاف عليها.


ألقي رشدي سيجارته بعيدًا، صوته خافت: بس أنا ماليش في جو أنا بحبك، وبعشقك وفي الجو بتاع التلزيق ده.


ياسين بعقلانية: مش مهم الكلام! المهم تبين ده بأفعالك أتصل بيها اسأل عليها لو بتدرس؟ وديها الجامعة اسألها عن أحلامها ، شاركها في إللي بتحبه، خليك سندها أكتر حاجة تربط ست براجل تحس إنه أمانها.


رشدي وهو يتنهد: ما هو علشان أوصل لده، هاخد وقت أصلا عرضت عليها الفكرة دي بس هي رفضت.


ياسين: أكيد هتاخد وقت، تركز في تفاصيلها شوف بتحب إيه؟! هاته لها، راقب إنستجرامها، فيسبوكها... استغل ده؟! وطبيعي إنها ترفض مش هتقبل من أول مرة جرب مره واثنين وثلاثة لحد ما توافق.


رشدي وهو يبتسم نصف ابتسامة: هي طالعة رحلة قريب 3 أو 4 أيام، ممكن أطلع معاها، وأقولها: الثلاث أيام دول أعرفيني فيهم.


ياسين وهو يومئ برأسه: جرب ولو فيه حاجة كلمني.


سكت لحظة، ثم نظر له بجدية: بس يا رشدي لو داخل في علاقة بجد، لازم تغير حاجات كتير أولها موضوع المخدر" ات.


حك رشدي مؤخرة رأسه بحزن: مش فارق عادي ممكن ابطل، بس أنا بحب الإحساس ده إحساس إني مش معاكم بكل عقلي.


ياسين وهو يتنهد وضع يده على كتفه: يمكن لما تقرب منها تحس إنها تستاهل تبقى معاها بكل عقلك، وأنت فايق، وتبطل بس لازم تحط الموضوع في دماغك ، لأنها اكيد مش هتقبل ترتبط بواحد بيضرب كوك.


هز رشدي رأسه إيجابًا، فابتسم ياسين وربت على كتفه: والله يا رشدي أنا نفسي نهدى ونبقى أخوات كويسين وتحسن علاقتك بسليم والله سليم غلبان.


ابتسم رشدي ابتسامة حزينة وهو يقول بسخرية حزينة: إحنا عمرنا ما هنكون إخوات كويسين ، الوقت فات.


ثم دفعه بخفة وضحك وهو يدغدغه: بقولك إيه تعالي ندخل جوه نفك شوية يا بيضة.


ياسين ضاحكًا : يلا.


عاد الأثنان للداخل، اندمجا مع الموسيقى، رقصوا، شربوا، وضحكوا حتى غلبهم السكر خرجوا بعد ساعات، يترنحان في الطريق، يضحكان بصوت عالٍ.


حتى عادوا إلي القصر في الفجر.


دخلا بخطوات غير متوازنة بثماله.


ياسين وهو يحاول التوازن: أنا كده لو دخلت مراتي هتنكد عليا ، أنا هاجي أنام جنبك.


رشدي ضاحكًا: تعالى.


وبالفعل ناما سويًا في الغرفة بعد سهرة صاخبة


قصر الراوي الثانية مساءً

دخلت صافيناز مع أبنائها وعماد والحراس وراها، والشنط مسحوبة وراها، تظن أنها عادت إلى مكانها الطبيعي.


استقبلتها فايزة بهدوء، نظرت لها بخفة وضيقت عينيها، ووجهت الخدام: طلعوا الشنط في أوضة صافيناز هانم الجديدة.


وهنا نظرت لها صافيناز بإستغراب اجابتها 

فايزة وهي تميل براسها قالت بحزم: أوامر الباشا، هتقعدي في آخر دور.


صافيناز متعجبة بنبرة تهكمية: هتقعديني في أوضة الضيوف؟


فايزة بهدوء: أوامر الباشا ومن رأيي أصبري، ولا إيه ياعماد؟


هز عماد راسه بموافقة: مظبوط يا صافي.


تابعت فايزة بخطوات هادئة بنبرة حاسمة: مش هتحضري معانا الفطار والعشاء إلا لو كلنا حاضرين، والكل بمعنى: الأولاد اخواتك، هما دلوقتي بقوا كبار وفاهمين، وإحنا في إجازة وكلهم موجودين ورجعوا من سفرهم، ما تحاوليش تتكلمي معاه ولا معايا، تقعدي تاكلي من سكات، إنتي وجوزك.


قربت منها ووضعت فمها خلف أذنها وهمست: هتتقفشي لو خرجتي من هنا بشنطة.


اتسعت عينا صافيناز بصدمة هي حصلت؟!


اجابتها فايزة بإبتسامة تشفي هادئة: إنتي سرقتي المجوهرات، أوعي تنسي، كل المجوهرات دي بفلوس بابا، مش بفلوس عماد، الخاتم إللي في إيدك ده بس إللي بفلوس عماد، وحتى لو عماد جابلك بعض القطع بالتأكيد مش بنفس قيمه المجوهرات إللي خدتيها زي الحرامية، هتتفتشي. أوامر بابا الباشا وأنا موافقة عليها جدا.


ثم رامقتها من أعلى لأسفل أضافت بنبرة حازمة: ، ماترغيش في أي موضوع لحد ما سليم يرجع. المكان إللي عزت يبقى قاعد فيه اها ملكيش اي حق بتغير اي شئ او كلمة تقعد زي كرسي والافضل تخليكي في اوضتك


صافيناز بضجر بنبرة حادة: إنتوا جايبنا هنا علشان تذلونا.


فايزة بهدوء قاتل: إنتي إللي جبتيه نفسك، فتقبلي بالشروط. مش عاجبك، أخلي الخدم يرجعوا الشنط وترجعي مطرح ما إنتي عايزة.


نظرت لها صافيناز بحزم متحدية: أنا هقعد يا مامي، هقعد وهعمل إللي إنتوا عايزينه بس أنا مش رشدي.


ارتسمت ابتسامة صغيرة على شفتي فايزة فهي تفهم إنها تقوم بتهددها، اقتربت وهمست في أذنها على نفس ذات الوتيرة: أوعي تنسي المرة دي بتتحدي عزت الراوي، متأكدة إن عندك حاجة هتسمحك، ماتخلينيش أعلي صوتي قدام جوزك.


صافيناز شعرت بتوتر، تحركت صامتة مع عماد.

وأثناء توجهها إلى المصعد كانت تتابعها فايزة بعينيها وهي تقول في نفسها: عزت ماسك عليكي إيه يا صافيناز خلاكي ترجعي راكعة مش عارفة ترفعي عينك بالرغم إن معاكي حاجات كثير تمسحنا..


تنهدت ثم تحركت توجهت إلى الحديقة بعد أن وقعت عينيها على هبة، يبدو إنها ستاخذ من الحب جانب 


في الطابق الأخير 


غرفة الضيوف


دخلت صافيناز تلك الغرفة الجديدة الأصغر، كان الخدم يقومون بإخراج الملابس 


صاحَت بهم: أطلعوا برة.


ركضوا الخدم للخارج بعد خروجهم، عماد قال بهدوء: أهدي، لازم نطاطي للريح، المهم إن إحنا جوة القصر ونعرف كل حاجة بتحصل جوة المطبخ لحد ما سليم يرجع.


صافيناز جلست بحقد وهمست لنفسها: لحد ما سليم يرجع هحاول أمسك نفسي، بس بعد كده مش عارفة أنا ممكن أعمل إيه بس إللى جاي دم وبس.


في حديقة القصر.

جلست هبة تحت ظل شجرة وارفة، أمامها فنجان قهوة يعلوه بخار خفيف، وحاسوبها المحمول مفتوح على الطاولة الصغيرة. كانت تكتب وتُجري بعض المكالمات، غارقة في عملها، اقتربت فايزة بخطوات هادئة ثابتة. سحبت كرسياً وجلست بجوارها مباشرة، ثم مدت يدها وأغلقت الحاسوب بلا استئذان.


رفعت هبة رأسها بسرعة، عيناها تتسعان بدهشة: هو حضرتك ينفع تعملي كده؟


أجابت فايزة ببرود وهي تسند ظهرها للكرسي: آه ينفع.


تنفست هبة بعمق محاولة أن تضبط أعصابها: بصي أنا هحاول أكون مهذبة و.


قاطعتها فايزة بإبتسامة ساخرة: لأ، ماتحاوليش تكوني مهذبة، قولي إللي جواكي.


تراجعت هبة في جلستها، بينما اقتربت فايزة أكثر، تنظر في عينيها مباشرة تحدثت بنبرة حادة هادئة: بصراحة أنا مابحبكيش، وأظن إن المشاعر متبادلة بس ولا فرق لي، كنت زمان معجبة بيكي، شخصيتك قوية وعارفة إنتي عايزة إيه؟! ودي حاجة كانت عاجباني خصوصًا في سنك، غير إن ابني بيحبك وكان مبسوط معاكي، برغم كل عيوبك.


تنهدت هبة ببطء كادت ترد، لكن فايزة واصلت الحديث وهي ترفع يدها إشارة للسكوت: بس إنتي من ساعة مادخلتي هنا، بتحاولي تاخدي ابني مني،أنا قلت خلاص، مادام هو مبسوط سيبيه يفضل بين القصر والفيلا، كنتي عايزة تعملي من ياسين سليم؟!


ضحكت بخفة ساخرة ثم أضافت وهي تميل بجسدها نحوها: ياسين مستحيل يبقى سليم، ياسين حاجة تانية خالص عن كل واحد فينا، وكلنا بنحبه زعل ياسين ده بنسبه لينا كارثه، اللي يفكر يزعله يبقى حفر مقبرته بايدة مش انا ولا عزت كل اخواته بلا استثناء، أنا بكلمك جد.


أطرقت هبة لحظة، بينما تابعت فايزة بحدة: المشكلة إن ابني مابقاش مبسوط، وياسين متربي، مابيشتكيش. حتى لما سألته وقلتله يطلقك، قال: (مافيش يا مامي، إحنا كويسين، دي زوبعة في فنجان) استوحشت نظراتها أحتد صوتها أكثر وكأنها تقوم بتهديدها: بس لو الفنجان ده هيضايق ابني، أنا ممكن أقلبه وأكسره تحت رجلي.


حاولت هبة أن ترد، لكن فايزة رفعت يدها مانعة بنبرة صارمة مسيطرة: أوعي تنطقي، أنا عايزة ابني يبقى سعيد. لكن لو إنتِ هتخليه مش مبسوط، وتزعليه، ويرجع زي ما شُفته إمبارح


رفعت هبة حاجبها وكان تنتظر منها ذلك التهديد فهي كانت تسمعها دون اهتزاز في صمت لكن داخلها كان يغلي تريد أن ترد عليها لكنها ما زالت صامتة فايزه لا تجعلها ترد 


نظرت لها فايزة بنظرة صارمة وتهديد صريح:صدقيني ماهاخد أكتر من يومين وأنا بمشيكي من هنا بورقة طلاق رغم إني مابقدرش على ياسين زي سليم، بس إنتِ هاتسهليها عليّا بعاميلك، إنتِ متجوزة ياسين الراوي عايزة أكتر من كدة إيه؟ عمل لك مجلة ماتحلميش بيها، وقناة وخلاكي «هبة الراوي»


أخذت نفسًا عميقًا ثم قالت وهي ترفع حاجبيها:أنا عارفة الكلامه د، ولا بيفرق. بس اعتقد إنك مبسوطة إنك لسه حاسة إن ياسين بيحبك وعايزك. ما تخسريهوش ولو مش فارق معاكي يبقى تسيبيه.


ثم ظلت هبة صامتة تحدّق فيها بغضب مكتوم، كادت أن ترد، فأشارت إليها فايزة بإصبعها وهي تلوح به محذرة: وأوعي تنطقي! عشان صدقيني هتخسري كتير. ماعنديش مانع تروحي تشتكي لجوزك، وتقوليله: «مامي فايزة هانم بتدخل نفسها في حياتنا وزعلتني وقالت لي كلام رخم»... بس افتكري، وإنتي بتقولي الكلام ده هل ياسين هايدافع عنك زي زمان؟ 

صمتت للحظة قالتها بسخرية: ماعتقدش.


نهضت فايزة ببطء، ومدّت يدها لتفتح الحاسوب المحمول، وضغطت على زر التشغيل وهي تبتسم بسخرية: كملي شغلك.


ثم استدارت وغادرت الحديقة بخطوات ثابتة، تاركة هبة جالسة واجمة، تكاد تنفجر من الحديث الذي لم تستطع قوله.


أغلقت هبة الحاسوب بضجر، ثم وقفت مسرعة متجهة إلى غرفتها تبحث عن ياسين، لكن لم تجده. صاحت بأحد الخدم بحدة: فين ياسين بيه؟ لسة في أوضة رشدي؟! صحي ولا لأ؟ روحوا قوموه حالًا!


أجابها الخادم بخضوع: ياسين بيه صحي يا هانم وخرج راح الشغل من بدري


شهقت هبة بضيق، أمسكت هاتفها وأتصلت به، لكن لم يرد عليها.


على إتجاه أخر 

مجموعة الراوي/ مكتب ياسين 


يجلس خلف مكتبه، وأمامه أوراق متناثرة يراجعها مع لوجين التي جلست مقابلة له بتركيز شديد كان الهاتف على الطاولة يرن للمرة الثالثة، لكنه وضعه على الصامت متعمّدًا، وكأنما يتجاهل شيئًا بعينه.


رفعت لوجين رأسها: دي مدام هبة.


أجاب ياسين دون أن يرفع نظره من الأوراق: أيوة


لوجين بتهذب: طب يا فندم، أنا ممكن أستنى بره لحد ما ترد عليها.


وعينه على الأوراق: لا، ما هو أنا مش عايز أرد.


ترددت لوجين قليلاً قبل أن تقول: هو أنا ممكن أتدخل وأسأل إيه إللي حصل؟ مش إنتم إمبارح رحتم سهرتوا؟ كان يوم حلو، ده شكل واحد راجع من يوم حلو. أنا اتوقعت أصلاً إنك مش هتبقى موجود النهاردة وكنت هلغي كل حاجة.


ضحك ياسين بخفة وهو يعود بالكرسي إلى الخلف:

ده لو أنا متجوز واحدة لسه بتحب، يمكن دي واحدة كل إللي فارق معاها دلوقتي شغلها وبنتها وأنا في الآخر.


رفعت لوجين حاجبها بنصف ابتسامة: أولاً، إنت ماينفعش تغير إنها مهتمة ببنتك أو تتضايق


كاد أن يرد تابعت بحسم وعقلانية: لا، ماتردش اسمعني غلط بجد؟ دي بنتك، وليك حق طبعًا تتضايق لو هي مهملة فيك ومركزة في الشغل أكتر، بس برضه، أنا من رأيي ممكن تكون حصلت حاجة طارئة، هو إيه إللي حصل؟


تنهد ياسين موضحاً: ولاً أنا مش بغير من بنتي، لازم تهتم بيها، بس أنا فين؟! ثانياً إللي حصل إمبارح وإحنا خلاص خارجين جاتلها مكالمة، قالت مشكلة في الشغل ولازم تمشي.


هزت لوجين رأسها:طيب، ما هو أكيد دي مشكلة طارئة مصيبة مثلاً.


قطب ياسين حاجبيه: هو إنتي بتبرري ليها؟


ردت بحزم هادئ: لا، أنا بوضحلك الأمر من إتجاه مختلف،لأنك أكيد كان مسيطر عليك الغضب إمبارح وإحنا لما بنغضب مابنشوفش الأمور صح."


ضحك ياسين بإستهزاء: بقولك إيه اللا لا لاند إللي إنتِ فيها دي وجبل التسامح الجامد ده، ماليش فيها.


أمالت لوجين رأسها نحوه: هو إنت مش بتحبها؟


ارتبك ياسين قليلًا،: مابقتش عارف.


فتحت لوجين عينيها بدهشة: يعني إيه مابقتش عارف؟ أكيد لسة بتحبها، محاولتك أصلاً، إنك تقوللي: (كان نفسي تبقى معايا) وإنك متضايق إنها هملاك، دليل إنك لسة بتحبها وغيران هنحاول تاني بس نفكر فيها.


مالت بجسدها إلى الأمام مستندًه على مكتبه: بص، أنا محتاجة أفهم مدام هبة بتحب إيه ودماغها عاملة إزاي عشان أعرف أجيب مفتاحها منين وأعملك برنامج يطير عقلها.


قهقه ياسين: الأستاذة كانت أخصائي علاقات زوجية ولا إيه؟


ابتسمت: ههههه، لا بس أنا كل صاحباتي مسميني الحكيم بتاعهم الأخصائي النفسي.


ضحك ياسين وهو يضع يده على صدره: طب والله يا أستاذة لوجين، لو تقدري تساعديني، أنا هبقى شاكر ليكي.


قالت بإبتسامة واثقة: ودي حاجة تأكدلك بعد جملتك دي إنك لسة بتحبها، بس إنت زعلان.


تابعت بإصرار وطيبة تحاول اقناعه: والله بجد، أكيد حصل مصيبة كبيرة أفهم منها، أسمعها. بص، لما تروح النهاردة قولها: (إيه إللي حصل إمبارح؟) ووضحلها إنك اتضايقت. يعني إنت عملت إيه؟


ياسين وهو يحرك يده بعصبية: قولتلها: إنتِ نكديّة، وسبتها، ورحت سهرت مع أخويا.


تنهدت لوجين: خلاص، مش مشكلة. قولها إنك كنت متعصب ورحت تسهر شوية مع أخوك، ما كانش قصدك، وهاتلها كده بوكيه ورد لطيف من النوع إللي بتحبه أو حتى لو بتحب حاجة معينة هاتها، حتى لو شيبسي. الهديّة قيمتها المعنوية مش ماديه وقول لها حبيبة قلبي ماتخافيش كل مشكلة وليها حل أنا جنبك ومعاكي وهنفكر سوا، واستغل إللي حصل وحله بقى بإنك ياسين الراوي.


أجاب يائسًا: مابتحبش الطريقة دي.


رفعت كتفيها بإبتسامة: ست عاقلة مش طماعة، حلو ده. خلاص يبقى خليك بالجملة الأولانيه نفكر سوا يا حبيبتي ومادام أنا معاكي ماتخافيش وكلمتين حلوين هتفرح وتتصالحوا ومش بعيد بالليل تعملك جو جامد وبكرة تتصل بيا تقول لي أسبوع أجازة.


تأملها ياسين طويلًا ثم قال وهو يضحك: أقسم بالله يا لوجين إنتِ طيبة ازي وفي اللا لا لاند، هبه ههههه، تعمل كدة؟ ممكن أسألك سؤال؟"


هزت راسها بإيجاب أكيد طبعًا.


بفضول :ارتبطتِ قبل كدة؟


ابتسمت بخجل: خطبت مرة وارتبطت ثلاث مرات.


قهقه ياسين: الثالث مرات بقى يا أخصائي يا جامد! يالي بتلاقي كل مشكلة ليها حل، ولازم ندي فرص، أكيد عملوا مصايب ماسامحتهمش ليه؟


صمتت للحظة اختفت الابتسامه من وجهها قليلا وهي تقول بنبرة فيها تأثر لكن حاولت أن تفضل على تلك الطريقة اللطيفة المازحة: واحد فيهم ماكانش عاجبه شخصيتي يقولي: إنتِ هبلة أوي وطيبة أوي وعاملة زي أمي، وأنا مش عايز أم، أنا عايز حبيبة، ده كان أول واحد حبيته، وكنت وقتها في تالتة ثانوي ودخلنا الجامعة مع بعض فضلنا تقريبا ثلاث سنين، واحد تاني كان متحرش. مايكلمنيش غير بالليل وكلامه قلة أدب وأنا مابحبش الطريقة دي. قفلت منه والله العظيم اديته كذا فرصة قولته بلاش كدة بس هو مافيش...

إللي اتخطبت له، كان بيمد إيده. ضربني بالقلم، عشان في واحد عاكسني وقال لي إني استاهل علشان طريقة لبسي، برغم ان طريقتي عاديه حضرتك شفتها، وكان من النوع إللي عايز يبان قدام الناس إنه بيضرب وسي سيد، أما آخر واحد أنا إللي سبته ماحبتوش رغم إنه كان عايز يكمل بس مااقدرتش اديله الحاجات إللي هو عايزها فقلت حرام.


ضحك ياسين: خرجتِ نفسك من السؤال يعني، بس برضه إنتِ في لا لا لاند.


أجابت بجديّة: مش دي القصة، كل إنسان ليه عدد من الفرص، خاصة لو بتحبه. ولو وصلت العلاقة للزواج، وبقلكم سنين مع بعض وفيه بنت الموضوع لازم ياخد فرص كتير. رؤى مختلفة في الأحكام.


ياسين وهو يتنهد: ما هو أنا صابر أهو، بس أنا فعلاً بفكر أطلق.


شهقت لوجين: مابلاش جنان بقى!


ياسين هز راسه بضيق: لا والله مش جنان، بقالى فترة بفكر في الموضوع ده. فيه تفاصيل حصلت مشكلة ما بينا، من وقتها أنا وهي مش عارفين نتجاوزها.


نظرت إليه لوجين بتفكير: يبقى إنتم لازم تروحوا لثربيست. أعرف حد كويس إيه رأيك؟


أشرق وجه ياسين بدهشة: تصدقي عمري مافكرت فيها!


ابتسمت: ما هو أكيد الموضوع ده إللي مخليكوا مش قادرين تبقوا كويسين. الدكتور هايظبطكم. وأنا حاسة إنك لسه بتحبها وأكيد هي كمان.


ياسين: خلاص، أحجزي لنا.


لوجين: تمام هشوف أقرب ميعاد وأحجز لكم يلا نكمل شغل.


تبسم ياسين: يلا.


سكت لحظة ثم نظر إليها بمكر: بقولك إيه؟!


رمشت بعينيها بإبتسامة رقيقة: إيه.


ياسين بمغازلة: الأربعة أغبية.


ضحكت لوجين فهمت مقصده: لا أنا مش ملاك زي ما متخيل، أنا مجنونة.


ضحكا معًا، وعادا إلى الأوراق التي أمامهما بتركيز أكبر.


في أحد الشوارع الثانية عشر ظهراً 


نرى باص متوقفًا ، شباب الجامعة يتجمعون ويصعدون واحدًا تلو الآخر في ضحك وصخب شبابي يملأ المكان.


من بينهم مي، ترتدي فستان كاجوال بسيط ونظارتها الشمسيه، صعدت الدرج بخطوات عادية، لكن أول ما دخلت، وقفت مكانها متجمدة.


وقعت عيناها على رشدي وهو جالس بجوار الشباك في الكرسي الثاني، يبتسم ابتسامة واسعة ويشير لها على الكرسي الفاضي بجانبه.


مي بصدمة وهي ترفع نظارتها قليلًا: إيه ده؟!


رشدي بإبتسامة: بتحبي تقعدي جنب الشباك ولا بره؟


ترددت لحظة، لكنها من صدمتها جلست تلقائيًا بجواره.


مي مبحلقة فيه: هو إزاي دى؟! أنا عايزة أفهم أنت هنا إزاي؟ وليه أصلاً؟


رشدي مبتسما: بسيطة أنتِ قولتي إنك ماتعرفنيش، وعلشان كده رفضتي نقرب، فقولت أطلع الرحلة معاكي نعرف بعض أكتر وبعدها نشوف، هل أنا أنفع ولا لأ، ماينفعش تحكمي عليّ وأنتِ لسة ماتعرفيش عني حاجة! دى ظلم.


ضيقت مي عينيها: طب إزاي عملتها دي؟ ده أنا حاولت أطلع بنت عمي ومرضيوش!


رشدي بمزاح: لو كنتي كلمتيني وقولتي لي: يا رشروش، أنا مش عارفة أطلع بنت عمي الرحلة، كان بعد دقيقة واحده تلاقي الشارع كله طالع لو تحبي مش بنت عمك بس، يا بنتي أنا لُقطة! هتتمصلحي عليا مصلحه، وأنا هعمل ده بحب، هفتحلك الأبواب المغلقة.


رفعت مي حاجبها بإستهجان: إزاي بقى إن شاء الله؟


انتصب رشدي في جلسته: يا بنتي أنا "رشدي الراوي"مكالمتي أقوى من مكالمة الوزير، إنتي بتقولي إيه!


مي بضيق: مغرور أوى على فكره، وأنا مش بحب الأسلوب ده.


رشدي بإبتسامة جانبية:طب بتحبي إيه؟


مي بصرامة: ملكش دعوة.


حاولت أن تنهض، فأمسك يدها، نظرت له بحدة وحاولت سحب يدها منه بغضب، نظر بدوره ليدها التي بين يديه وقال بطريقته المعتادة: كل دى علشان ماسك إيدك! 

ثم رفع يده من عليها: هتحرقيني ولا إيه؟ اهو سيبتها.


ثم انحنى قليلًا ناحيتها: بس اسمعي اعتبريني زميلك إديني فرصة أعرفك وتعرفيني كويس. 

نظر لها من أعلى لأسفل بمزاح: بعدين، يعني ماتاخديش في نفسك مقلب أوي كدة، أنا ممكن أقرب منك وماتعجبنيش، والانبهار يروح عادي.


رفعت مي حاجبها بإستفزاز وتابعت بسخريه:زميلي إيه يا رشدي! ده أنت بالنسبة لنا "أنكل"!


مثلا رشدي الصدمه: يا نهار أسود! هو أنا كبرت كده؟! أنا 34 سنة، إلا كام شهر ، وبعدين ما أنتِ 26.

ثم أكمل بمرح: مكانوش ٨ سنين فرق! دي مش فجوة، دي ميزة.


مي ساخرة: ميزة في إيه بقى؟


رشدي بصوت واثق: هبقى راجل عقلاني أكتر، مش بيقولوا لك: خديه في الثلاثينات أو الأربعينات؟ وأنا في النص.


ضحكت مي: هو أنت المفروض بعمايلك دي تبقى راجل عاقل بقى وكده!


أبتسم رشدي: والله بحاول.


تنهدت مي بضجر: أنا أموت وأفهم، إنت بتجيب كل المعلومات عني إزاي؟


رشدي بصراحة: علشان ممشي وراكي ناس بيرجعولي بكل التفاصيل بس برضه، فيه حاجات مش بتتعرف غير وإحنا قاعدين كدة، بنتكلم وجها لوجه.


مي بنبره متوترة لكن متماسكة: يا رشدي، إحنا مش شبه بعض كل حاجة بينا مختلفة.


ضحك رشدي بخفة: عرفتي منين؟ أنتِ متعرفيش عني غير إني اسمي رشدي، وعمري 34.


تابعت مي بسخريه هازئه: إلا كام شهر.


صفق رشدي بيده: مادام هزرتي، يبقى وافقتي! كنت عارف إني هقنعك بسرعة.


مي بجدية: لا ماوافقتش، هو أنا عجباني صراحتك مش أكتر ، بس..


رشدي مقاطعا: مفيش بس خلينا زمايل عادي يا ستي، اعرفيني، جربي.


صمتت لحظة وهي تفكر، ثم هزت رأسها له وقالت: لما نوصل هناك ابقي أفكر علشان دلوقتي أنا متوترة.


رشدي بتفهم: علشان يعني العربية وكده.


هزت مي رأسها ايجابا: اه ، أنا بخاف بس الحمد لله السواق ماشي بالراحة 


رشدي مطمئنا: ماتخافيش أنا معاكي، وأنا اللى موصي السواق يمشي على الهادى علشان خاطرك.


مى بامتنان:شكرا.


نهضت من مكانها فنظر لها رشدى باستغراب:رايحه فين.


مي بهدوء:هروح أقعد مكاني مع صحباتى، مينفعش أفضل قاعده جمبك كده. 


ضحك رشدي بصمت وهو يتابع مغادرتها بعينين لامعتان، وإبتسامة واسعة ترتسم على وجهه.


سيوة

بعد ساعات في أمام الفندق.


نرى الطلاب يستلمون الغرف ثم ذهب كل واحد إلى غرفته بما فيهم رشدي.


في غرفة مي مع صديقتها ليالي


ليالي بإبتسامة فضول: مين اللي كنتي قاعدة جنبه في الباص دى؟


مي وهي تخلع الجاكيت: ده زميلي، اتعرفت عليه من فترة وحصل حوار كده 

ثم جلست على طرف الفراش وبدأت تروى لها ما حدث.

وتابعت بعد الإنتهاء:بس يا ستى هى دى كل الحكايه.


ضحكت ليالى: شكله مجنون بس عسل! إنتي قولتي اسمه إيه؟


مي: رشدي، رشدي الراوي.


نظرت لها ليالي بدهشة: أنا ماعرفوش شخصيًا، بس عارفة إن أهله من أغنى أغنياء العالم.


مي بجدية: انا مش بيفرق معايا الكلام ده أنتِ عارفة، أنا أهم حاجة عندي الشخص نفسه.


ليالي بهدوء:خلاص يا ستي، شوفي هيعمل ايه في ال٣ أيام دول  وبعدين قرري.


هزت مي رأسها بإيجاب 


بعد ساعات


أثناء الغداء في مطعم الفندق، جلس رشدي على إحدى الطاولات ذات الإطلالة الخلابة، مرتديًا ملابس كاجوال شيك، وشعره مرتب بعناية، نظر حوله حتى وقع بصره على مي، التي اقتربت برفقة ليالي، مرتدية حجابها الجميل.


وقف رشدي بإبتسامة عريضة، ووجهه يعكس المزاح والفضول: إيه الحاجات الحلوه اللى هلت على المكان مره واحده دي؟


ابتسمت مي بخجل: ميرسي.


حاولت أن تكمل سيرها، لكنه توقف أمامها، وعيناه مليئتان بالدهشة: رايحة فين؟


مي: رايحة أتغدى مع صحابي.


رشدي، مبتسمًا ابتسامة جانبية مليئة بالمداعبة:لأ، أنتِ هتنسي أصحابك! الرحلة دي كلها؟ ثلاث أيام مش هتشوفي غير رشدي وبس؟! ما هو أنا لازم أنجح في الأختبار ده.


مي بصرامة، وهي تثبت عينيها في عينيه:اسمع، أنا مابحبش اللزقة ولا إن حد يفرض نفسه عليا، والأهم مينفعش نقعد مع بعض لوحدنا كتير.


رشدي بخفة، وهو يميل قليلًا: طب وهتعرفيني وأعرفك إزاي بقى حضرتك؟


رفعت مي كتفها بهدوء: عادي وسط الناس.


تنهد رشدي وهو يغمض عينيه، ثم رفعها مستسلمًا:شكلك هتتعبيني بس تمام، النهاردة أقعدي كلي معايا، خلينا نتكلم شوية، استثناء، بعدين الجروب كله حوالينا.


صمتت للحظة، تفكر، ثم تنهدت باستسلام، وهزت رأسها بالإيجاب وجلست وما أن جلست، جاء الجرسون ليأخذ الطلب.


نظر لها رشدي بعينين نصف مغمضتين، مبتسمًا:عرفتى تنامي بقى ولا إيه؟


مي، بنبره متثاقلة قليلًا: آه الطريق كان طويل ومتعب.


وصل الطعام (رز - سمك - سلطات)، وبدأ رشدي يقطع السمكة بأسلوب أرستقراطي، كانت مي تتابعه بإنبهار وتركيز، فرفع عينيه نحوها وقال:إيه؟ بتبصي لي كده ليه؟


ضحكت مي بخفة: أصل بصراحة طريقتك فكرتني بأمينة شلباية.


رشدي بجدية ممزوجة بالمزاح: لعلمك دي الطريقة الصح، والراقية، علشان متبهدلش، بعيداً عن أمينة شلباية! تحبي أقطعلك سمكتك؟


تبسمت مي بخجل: لو مش هتعبك.


رشدي بابتسامة: بس كدة عيوني.

ثم أخذ صحنها، وقطع لها السمكه وناولها الصحن مره أخرى: اتفضلي يستى.


مي بابتسامه: شكراً.


بعد قليل، وبينما كانا يتناولان الطعام، بدأ رشدي الحديث بجدية أكثر:قولي لي بقى ليه مارتبطتيش لحد دلوقتي؟


رفعت عينيها نحو وهي تقول: يعني أنت مش عارف!


ابتسم رشدي وهو يهز رأسه بإيجاب: عارف لكن محتاج أعرف التفاصيل منك.


مي بهدوء، وهي تلعب بأصابعها على طرف المنديل:أنا اتخطبت مرة في أولى جامعة، ومكملناش كان عايز يسافر وأنا مقدرش أبعد عن بابا وإخواتي، أنا بالنسبة لهم أمهم هما كل حياتي..ومرة ارتبطت في ثانوي، كنت مراهقة أكتر، وكنت مبهورة بيه جدًا هو كان صوته حلو، وكان بيغني لي أغاني لتامر حسني وعمرو دياب وكان الجو كله حلو، بس عمل حركة مش كويسة خالص خلتنى اشوفه مش راجل.


رفع رشدي حاجبه الأيمن وقال: إزاي يعني؟


مالت مي بجسدها للأمام قليلاً وقالت:كنت ماشيه بالكلب بتاعي، وشوفته بالصدفة هو ومامته، مامته بتخاف من الكلاب وأنا مكنتش أعرف، فجأة لقيته قرب مني وقال لي: "هضحكك على ماما"، وخلى الكلب يعمل حركة، فطبعا والدته خافت وصرخت، وهو قعد يضحك عليها، الكلمة دي صدمتني، وإللي عمله كان بنسبه ليا كارثة، قولت لنفسي، لو قدر يضحك على أمه ويضحك عليها الناس ويعمل فيها كدة، أكيد يقدر يضحك الناس علي مراته في يوم، ففركشت.


رشدي مبتسمًا بجدية: بصراحة، عندك حق، طب وليه اتأخرتي في التعليم ودخلتي إنتي ٢٦.


صمت مي لحظة، ثم رفعت عينيها نحوه،وردت بنبرة متأثرة وعيناها اغرورقت بالدموع:أنا كنت مع ماما في الحادث زي ماقولتلك، ماما اتوفت، وأنا دخلت في أكتر من عملية لأني مكنتش أقدر أمشي، فقدت كمان الكلام، وأخدت فترة يعالجوني كان عندي صدمة عصبية.


تابعت وهي تضغط على المنديل، وكتفها يهتز برقة: والسبب ده خلاني أأجل التعليم حوالي سنتين، أول سنة مكنتش بتحرك، والتانية بدأت اتحسن، بعدين دخلت أولى ثانوي عادي، بس لإننا نزلنا مصر اضطريت أعيد أولي ثانوى تاني  لإننا كنا في لندن والنظام هناك مختلف عن هنا.


هز رشدي رأسه وابتسم برقة: طب ليه والدك ماجبلكيش واسطة؟


هزت مي رأسها موضحة: بابا مش بيحب الطريقة دي خالص، رغم إنه مهندس ومعروف، ويقدر يكلم ناس يخلوني أعدي بس هو محبش وقال إن ده الأفضل لإن التعليم في لندن مختلف عن مصر،وسبحان الله يعني بعد ما خلاص الدراسة كانت هتبدأ جدتي توفت فأجلت تاني. 


ثم تتنهد بعمق، وقالت: بس الحمد لله مش زعلانة خالص، بالعكس، ربنا سبحانه وتعالى مبيعملش أي حاجة وحشة وفيه مقولة بتقول: "أن تصل متأخراً خير من أن لا تأتي أبداً".


مال رشدي برأسه قليلًا نحوها وتابع بأسف: علشان كده جتلك تروما من العربيات.


هزت مي رأسها بإيجاب: آه، ده أنا كنت بخلي بابا وقتها يمشي بهدوء تقريبًا على سرعه عشرين، لكن الحمد لله دلوقتي بقيت اخليه يمشي على السرعه العاديه، بس لو سرع  عن العادي بيجيلي تشنجات ويغمي عليا، وممكن أموت فيها، للأسف لسه ماتعالجتش بشكل نهائي بس اللي احنا وصلنا ليه دلوقت قمه التغيير..


رشدي بلهفه، وتأثر: بعد الشر عليكي.


تناولت مي مافي الشوكه، وعيناها تراقب تعابيره وهى تساءلت:طب وأنت ارتبطت كام مرة؟


عدل رشدي جلسته، وهو يلمس طرف الكرسي بيده، وينظر لها بصدق: ولا مرة، أنا معرفش يعني إيه كلمة حب وارتباط والكلام ده، عرفت بنات كتير بعدد شعر رأسي حرفيًا، بس كلهم وقت مفيش واحدة خلتني أحبها أو لفتت نظري، كلهم شبه بعض..


ثم صمت للحظه وتابع:إلا واحدة الصراحة، لفتت نظري كانت شبهك كده نقيه وبريئه، بس وقتها كنت اجن واشقي من كده، مكنتش هعرف احميها من جناني أو علي الأقل اتحكم فيه معاها، وعلشان اكون صريح معاكي اكتر مجاش في دماغي للحظه إني اتجوز أو اخطب أو علاقتي تاخد أي خطوه معاها غير إني ابقى معاها وبس، لكن دلوقتي في حاجات اختلفت فيا شويه يمكن بقيت اعقل أو يمكن اتعلمت من الغلطه بتاعه زمان..!

ثم تابع بابتسامه: بس صدقيني أنتِ مختلفة، وشدتيني ليكي زي المغناطيس


مالت مي للأمام قليلًا، وتساءلت بفضول:طب ولما أنت عقلت دلوقت، وفيه حاجات كتير أتغيرت فيك زي مابتقول، ليه محاولتش معاها تانى 


صمت رشدي للحظة فهو بالطبع كان يقصد "ماسة" ثم قال بكذب وهو يبتسم نصف ابتسامه:حبها واحد صاحبي، واتجوزوا بعدها بشهر.


ضيقت مي حاجبيها بتعجب:شهر! بس دى قليل أوي! 

ثم تابعت بفضول: بس قولي، أنا مختلفة أوي علشان لبسي وطريقتي ولا حاجه تانية؟


هز رشدي رأسه برفق، بنبرة صوت منخفضه وثابته: مش عارف، بس حقيقي مختلفة!


نظرت له مي وقالت بعقلانية: أنا فكرة في كلمة "مختلفة" أنا متأكدة إنه عشان لبسي وطريقتي، أنا لما قربت من زيزي والشلة بتاعتها، عرفت كلهم بيشربوا وبيسهروا، كمان عرفت إن فيه حد فيهم بيشرب حشيش، وممكن يباتوا عند بعض أولاد وبنات، فطبيعي إن أنت كل اللي اتعرفت عليهم هيبقوا كده، أما أنا مش كده، الاختلاف جه من هنا، إحنا دايمًا بنشدد للحاجه اللي مش شبهنا.


ركز رشدي النظر عليها وقال موضحاً: بصي أنا مش بفكر كده، أنا مش بركز في حوار أنتِ لابسة إيه؟! لإن اللبس مش كل حاجة، ممكن تكوني لابسة لبس مقفل، لكن أخلاقك عريانة، وأنا اتعاملت مع ناس زي دي، تشوفيها من برة محترمة، لكن من جوة العاهرة أنضف منها، فالموضوع ده مش بيفرق معايا، أنا مش من نوع الرجالة إللي بتفرض على زوجتها طريقة لبس معينة، موضوع الشرب برضه مش فارق معايا لإن أنا بشرب، وأهلي كذلك، عادي لو مراتي بتشرب، للأسف تحليلك غلط، لإنه مش شخصي.


ثم تابع وهو ويبتسم بخفة، يميل قليلًا إلى الأمام: أنتِ فعلا فيكي حاجة بتشدني أنا نفسي مش عارف ايه هي، بس طبعا الشيء الوحيد إللي بيفرق معايا، إن لازم أكون أول واحد ألمسها، غير كده لا، واللمس مش إن هي تبقى مقضياها ولسة بسلوفانها،  متلمستش يعني متلمستش.


زمت مي شفتيها، وجهها مشدود من التوتر وقالت بتوضيح: ما هو علشان كدة أنا بقولك إن إحنا مش هننفع مع بعض، موضوع إنك بتشرب لوحده بالنسبة لي كارثة، إنك مبتغرش على موضوع اللبس يعني فيه لبس ست بتلبسه بيخليها حلوة أكثر ما هي حلوة، إمال إمتى هتغير وتقوللي لا ألبسي ده لا ماتلبسيش ده، لا ده عريان، أنا فاهمة إن عقلانيتك وتربيتك جايه من بيئه اللى اتربيت فيها، وإن عندكم مفهوم الغيرة بيكون شويه مختلف، بس أنا أحب جدا جوزي لو شافني لابسة بنطلون ضيق شوية يقول إيه ده ويزعق لي ويقولى:"متلبسهوش ولا تنزلى بيه تانى"، لو أنا بعمل حاجة غلط، بشرب سجاير أو خمرة مثلا يقول:"لا عشان صحتك، وكمان الخمرة حرام" أحب أحس وقتها إنه بيحبني وبيخاف عليا، والكارثة! الأكبر لو جيت كلمتك يوم مثلاً لو ارتبطنا أقولك إنت فين؟ تقول لي: أنا نايم عند زيزي!


ضحك رشدي برفق، وهو يتكئ على الكرسي قليلًا:أنا مش هقولك نايم عند زيزي، علشان اتجوزت ممكن أقول لك ريتال، شروت، مريتا، بس والمصحف أصحاب، مافيش حاجة بينا.


تبسمت مي بتفهم: عارفة، بس أنا ساعتها لما تقول لي الجملتين دول، هعملك بلوك من حياتي، علشان كده بقول لك إحنا دنيتنا مختلفة،  إنت مش هتعرف تحبني بالطريقة إللي أنا عايزاها، فيه مفاهيم كثير عندك عادي مش مشكلة، لكن عندي أنا مش صح، ده غير طبعا إن فيه حاجات حرام لا جدال فيها، علشان كده بقولك خلينا زمايل وبس.


نظر لها رشدي مباشرة، وهو يميل قليلاً، وصوته منخفض وثابت وتحدث بعقلانية غريبة: طب بصي، أنا هقولك حاجة، خلينا نعرف بعض كأشخاص، هي الحاجات للي إنتي بتتكلمي فيها دي خليها بعدين لو موضوعنا تم، مش هتحبيني في ثلاث أيام بس هتشوفي ننفع نبدأ من أول السلم ولا لاء، وخلي الأحاديث الجدية دي بعدين؟


هزت رأسها بإعتراض عقلاني: مش هينفع يا رشدي، وأنا بفكر وبشوفك في ال٣أيام، الموضوع ده هيكون أول السطر قصادي، رشدي من عالم، وأنت من عالم تاني، والموضوع ده مش هيخليني أحكم صح.


تنهدت بتعب كأنها تفكر للحظة وتساءلت:أنا هسألك سؤال، وترد بصراحة، عندك استعداد تبعد عن كل حاجة علشاني؟ وأرجوك، بلاش ترد رد سريع..!


قاطعها رشدي، ينظر إليها بحسم: مش عارف هعرف ولا لاء، بس عايز! بس مش هيبقى سهل بالنسبة لي طبعا، عشان مكونش كذاب، لو حاولت أتغير، لازم تصبري عليا شوية، ولازم أحس إنك تستاهلي التغيير ده، ولازم تساعديني فيه كمان، إنتِ عجبتيني، بس محبتكيش أنا لسة محتاج أعرفك.


تبسمت مي ابتسامة صغيرة: وأنا هحترم صراحتك، خلاص خلينا نشوف ال٣ أيام دول، إيه إللي هيحصل فيهم؟!


ضرب رشدي على الطاولة بسعادة  وهو بقول بحماس ظهر في صوته: إيه رأيك النهاردة نخرج بالليل؟


رفعت مي حاجبيها برفض: لا إحنا بالليل عندنا باربكيو، الجروب كله هيحضر.


ابتسم رشدي، وهو يميل للخلف مسترخيًا: ماشي نحضر 

ثم تابع وهو يكرمش وجهه بانزعاج: مع إن أصحابك شكلهم عيال سئيلة.


ضحكت مي: على الأقل محترمين.


ضحك رشدي بصمت.


انجلترا 

في أحد الحدائق هادئة الرابعة مساءً 


جلس سليم على مقعد حجري يرتدي ملابس كاجوال مريحه، ومكي يجلس بجانبه، ظهر التوتر واضحا.


على وجه سليم حينما التفت إلى مكي: متكلم عشري نعرف منه ايه الأخبار ، يمكن فيه جديد عن ماسه.


أخرج مكي التابلت، وبدأ بوضع الأرقام بعناية، وبعد قليل، ظهر صوت وعلامة اتصال على الشاشة:


رد عشري بشوق: ازيك يا ملك! واحشنا ، هتنزل مصر امتي؟


اقترب سليم من الشاشة وقال بابتسامة خفيفة: قريب يا عشري، قوللي إيه الأخبار عندك في جديد؟


تنهد عشري وهو يشرح الموقف: كلمت أهلها مرّة كمان بس معرفناش نوصل لأي حاجة، واضح إن معاها شخص فاهم اوي في التهكير، لإن بعد ما فكينا شفرة المكالمه، طلعت من التشيك، شفره وهمية يعني.


هز سليم برأسه بمراره من احتياطها الكبير وخوفها الزائد منه.


تابع عشرى بصوت جاد: بقول لك إيه يا ملك، طب مانضغط على أهلها يخلوها تقولهم هي فين؟


هز سليم رأسه برفض سريعا وهو يشير بيده: لا طبعا، اوعى تعمل كده فاهم؟ ملكش دعوة بأهلها، محدش يجي جمبهم.


  عشري باقتراح: طب متخلينا نروح نزرع ميكروفونات هناك، يمكن يعني وسط كلامها معاهم نسمع عنوانها أو أي حاجة توصلنا ليها.


أجاب سليم بصوت مطمئن لكنه حازم: عشري اسمع الكلام ونفذ مش عايز اقترحات، أنا أهم حاجة عندي إنها بخير وكويسة ، أنا كده مطمن عليها، مادام بتكلم أهلها يبقى هي كويسة وفي مكان آمن، وده أهم حاجة بالنسبة لي.


عشري بحذر:طب يا ملك عشان إحنا مش بنعرف  نوصل لك كتير والمكالمات بعيده ، لو عرفنا نوصل لها ونفك الشفرات نروح نجيبها !


سليم بصرامة: لا ما تجيبهاش، سيبها زي ما هي ، ممكن بس تتابعها من بعيد لبعيد، وتخلى بالك منها غير كده لا، ولو فيه جديد بلغني.


ابتسم عشري: أمرك يا ملك.


ثم نظر عشري إلى مكي وقال بابتسامة: أخبارك إيه يا مكي؟


أجاب مكي بهدوء: تمام يا عشري، أنت عامل ايه و ماما عامله ايه ، الدنيا تمام عندك، في أي جديد او الباشا حاول يضايقها تانى ؟


طمأنه عشري: كل الأمور مستقرة متخافش ، خالتي ليلى تحت عنينا ، في الأمان، لسه قاعده عند خالتك.


حذره مكي بنبرة خفيفة: خلي بالك منها يا عشري ؟


عشرى بأخوها: متخافش عليها في عنيا، 


تابع سليم باستفسار:إيه اخبار الباشا واخواتى مفيش جديد ؟

عشري مبتسمًا: مافيش جديد في القصر، بس صافيناز رجعت.


تنهد سليم: تمام يا عشري كام يوم كده وهنكلمك تاني إن شاء الله ، علشان لو فيه أي جديد ، فتح عينك كويس ، سلام.


انهي المكالمه والتفت إلى مكي وابتسم وهو يشعر بالراحة: أكتر حاجة مفرحاني ومخلياني مرتاح إني اطمنت على ماسة، متعرفش أنا كنت قلقان عليها ازاي  وأنا مش عارف عنها حاجه.


ابتسم مكي، ورد بخفة: بس محاولتش تتصل عليك تاني.


ضحك سليم بخفة وملامحه ارتخت قليلًا:حاجه متوقعة،بس هي اتصلت مره وده المهم، كأن قلبها حس بالقلق اللى بينهش فيا وحب يقولى "أنا بخير اطمن.


ابتسم مكى: ربنا يطمنك ديما يا سيدى بس خلينا نركز على اللى احنا جايين علشانه الحمدلله عدينا اهم مرحله خلينا نكمل ونخلص ونرجع، قعدتنا هنا طولت.


هز سليم رأسه ايجابا: إن شاء الله، بقولك ايه تعالى نقوم نتمشى شويه زهقت من القاعدة.


أحد الكافيهات الفاخرة، الثامنةمساءً.

نرى القاعة فارغة إلا من الجرسونات والحراس فايزة تجلس بثقة، قهوتها بيدها وحراسها خلفها يترقبون الحراس واقفون خلفها، عيونهم حادة تراقب كل تحرك، نزل رجل أربعيني بملامح مافيا من سيارة مظللة، فتشه الحراس وأعادوا سلاحه، ثم رافقه اثنان حتى وصل إلى فايزة.

رفعت فايزة عينيها إليه وقالت ببرود: أقعد، وروحوا إنتو.

جلس الرجل أمامها، بينما وقف الحراس خلفها على بعد خطوات.

الرجل بإبتسامة ماكرة: وحشانا يا هانم، من زمان ماشتغلناش مع بعض.

رفعت فايزة حاجبها بحدة: اختصر يا فاروق وصلت لحاجة؟

ضحك بخفة ومال إلى الوراء قليلاً: آه طبعًا يا هانم ممكن أجي أقابل الهانم؟ مرات الباشا الكبير... وأم الغالي الملك هو إنتِ عارفة سليم بيه فين؟

أخذت فايزة رشفة من قهوتها، الرغوة تتصاعد:طول عمرك رغاي يا فاروق، الباشا كويس، وسليم مسافر  يلا اتكلم ليه اتاخرت كدة؟!.

ابتسم بخبث: أصل لما الأرقام تتغير كل شوية، والأماكن مختلفة ده بيصعبها شوية عشان تلقطيها، لو كانت تستخدم رقم واحد كان تمام، بس المشكلة إنهم أرقام كتير من أماكن مختلفة،علشان كده صعبتها علينا.

أخرج من جيب بدلته ملف أصفر ومده لها: جبتلك شوية صور وورقة فيها تفاصيل.

رفعت حاجبها وهي تنظر إليه، ثم أخذت الورقة وقرأت بسرعة، استغراب واضح على وجهها أخرجت الصور وبدأت تتصفحها، النظرات تعكس دهشتها وفضولها.

فاروق نظر إليها وقال مبتسمًا: آه يا هانم كنتي شاكة، وشكك طلع صح، مرات الباشا وأم الملك لازم دماغها تبقى ألماظ كده.

أخذت نفسًا عميقًا، وطالعت الورقة بتفاصيلها، وابتسامة عريضة ترتسم على وجهها.

نظرت إلى فاروق، لكنه كان قد مال بجسده للأمام، كأنه يعرف ماستقوله، وقال: أوامرك هنعمل إيه؟

ابتسمت فايزة بهدوء: هقولك يا فاروق...

يا ترى مين دي وفايزة هتعمل معاها إيه 

محدش ينسى يضغط على الليك

اتمنى تكون الحلقة عجبتكم النهاردة 



لاتلهكم القراءه عن الصلاه وذكر الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم 



الفصل الاول من هنا



الفصل الثاني من هنا



الفصل الثالث من هنا



الفصل الرابع من هنا



الفصل الخامس من هنا



الفصل السادس من هنا



الفصل السابع من هنا



❤️🌺🌹❤️🌺❤️🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹🛺🛺🛺🛺🛺


الصفحه الرئيسيه للروايات الجديده من هنا


جميع الروايات الحصريه والكامله من هنا


انضموا معنا علي قناتنا بها جميع الروايات على تليجرام من هنا


❤️🌺🌹❤️🌺❤️🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹🛺🛺🛺🛺🛺







تعليقات

التنقل السريع
    close