رواية الماسه المكسوره الجزء الثاني العودة (عناق الدم) الفصل الثالث بقلم الكاتبه ليله عادل حصريه وجديده
{" الماضي وجع لا يزول، وإن امتلأ بالتشوّهات والآلام صار ظلًّا يطاردنا، يزرع فينا الخوف من كل تجربة جديدة، ومن كل علاقة مختلفة، قد يكون هناك ماضٍ يُصلَح، وآخر يستحيل ترميمه، لكن الأهم أن نتحرر من قبضته، وألا نسمح له أن يسرق حاضرنا كما سرق ما مضى."}
ليلةعادل🌹✍️
الفصل الثالث♥️🤫
[ بعنوان: ندوب لا تُمحى ]
اتسعت حدقتاها، وكأنها رأت مايفوق قدرتها على الاستيعاب، ندى كانت تقترب بخطوات هادئة حتى توقفت أمامها بإبتسامة غريبة، تحمل في طياتها أكثر من معنى.
ماسة بإرتباك وهي تبتلع الحروف: ننن.. ندى! قصدي، مودموزيل ندى؟!
ندى بإبتسامة أوسع: إزيك يا ليندا؟ مش ليندا برضه؟
ماسة حاولت تبتلع ريقها وتتماسك: آه ليندا إزيك.
ندى مائلة برأسها بخفة: بخير، أنا جاية أتكلم معاكي شوية.
ماسة بدهشة: معايا أنا؟!
ندى وهي تشير بيدها بهدوء: ماتخافيش محتاجة أتكلم معاكي كأتنين اخوات ليه متوترة؟
شدت ماسة نفسها وحاولت تظهر ثابتة: أنا مش متوترة، بس مستغربة خير عايزة تتكلمي في إيه؟!
![]() |
ندى تبتسم بهدوء: مش هينفع هنا، إنتي هتخلصي شغلك إمتى؟
ماسة: لسة قدامي وقت.
ندى برجاء: مافيش مشكلة، هستناكي على البحر أرجوكي تعالي.
صمتت ماسة قليلًا، تدور الأفكار في رأسها: ماذا تريد منها ندى؟ هي تعرف جيدًا أنها تفتعل المشاكل وتحب الفضائح، وإن رفضت ربما تستفزها وتخلق لها أزمة هي في غنى عنها فكانت ماسة مضطرة أن توافق،
هزت ماسة رأسها إيجابًا بصمت
ندى أمسكت يدها بإبتسامة شاكرة: شكرًا جدًا ي ليندا، هستناكي.
تنهدت ماسة خلف نقابها وأومأت بصمت.
على شاطئ البحر الخامسة مساءً
عند الغروب، كان البحر ساكنًا كأنه مرآة واسعة تعكس ألوان السماء.
جلست ندى على كرسي بلاستيكي، عيناها مثبتتان على أمواج البحر الصافي، وقفت ماسة على سور من أعلى، تتردد، هل تهبط لها أم تنصرف؟ قلبها يصرخ أنها لا تريد أي مشاكل الآن، لكن عقلها يذكرها: إن لم تذهب، ستلاحقها ندى غدًا وربما تحدث أزمة أكبر وهي في غنا عنها.
تنهدت ببطء، تمتمت باسم الله، ثم نزلت نحو الشاطئ.
ماسة: مساء الخير.
ندى رفعت رأسها بابتسامة هادئة: مساء النور، تعالي أقعدي.
سحبت ماسة كرسيًا وجلست بجانبها، يتوسطهما طاولة صغيرة، والبحر يرسل نسمات خفيفة تلاعب النقاب.
ندى: شكرًا جدًا يا ليندا إنك جيتي.
ماسة بلطف: أنا وعدتك، خير يا مودموزيل ندى، محتاجة إيه؟
ندى اعتدلت في جلستها: ندى وبس، إحنا أخوات،
أنا عايزة أطلب منك مساعدة، بس قبل أي حاجة، عايزة أعتذرلك عن إللي حصل، يوم ماشفتك مع مصطفى، يمكن كنتِ متفاجئة، بس إنتي ست ومتجوزة، وأكيد فاهمة يعني إيه واحدة بتحب جوزها وتغير عليه، أنا بحب مصطفى جدًا اتعصبت أوي من شكلكم.
ماسة بإبتسامة متفهمة: أنا فاهمة، ومازعلتش فماتعتذريش.
ندى وهي تنحني قليلًا للأمام، نبرتها أكثر دفئًا: طب، ممكن ترفعي النقاب شوية؟ علشان نعرف نتكلم براحتنا، مافيش حد شايفك هنا.
ترددت ماسة لحظة، ثم تنهدت ببطء، رفعت النقاب بهدوء.
ندى تنظر إليها بتمعن: ياااه، ده إنتي طلعتِ زي القمر عيونك شبه البحر.
ماسة بنبرة ثابتة: إنتِ شفتي ملامحي قبل كده، مش أول مرة؟! وماعتقدش إنك بتنسى بسرعة.
ندى بإبتسامة خفيفة: صح، بس قصدي دلوقتي ملامحك أوضح قدامي، ركزت فيها أكتر.
ماسة ابتسمت مجاملة: وإنتِ كمان زي القمر اتفضلي إيه نوع المساعدة إللي أقدر اقدمهالك.
ندى بصوت جاد، عيناها تلمعان برجاء: أنا عايزاك تساعديني، أرجع مصطفى.
ماسة تنفست بهدوء، تساءلت بإستغراب: هو إنتِ شايفة إني ممكن أساعدك ترجعي مصطفى؟
ندى بعينين ممتلئتين بالعاطفة: أيوه، إنتي عارفة هو بيسمعك، بيرتاحلك، حتى لو بينكر ده، أنا جربت كل الطرق، وكل ما أقرب له، ألاقيه بيبعد، يمكن محتاج يسمع من حد تاني حد محايد.
ماسة ببطء: محايدة؟ إنتي متأكدة إني محايدة؟ أنا من العيلة والموضوع كله شائك.
ندى بهدوء وعين دامعة: عارفة بس إنتي مختلفة، إنتي مش بتحبي المشاكل وده واضح عليكي، ومش بتدوري على الوجع، وده إللي مخليني جاية ليكي وكلي عشم، صدقيني يا ليندا، أنا مش عايزة غير بيتي يرجع، مش عايزة غير الراجل إللي بحبه يفضل جنبي من فضلك ساعديني.
ماسة بعينه ذائغة بخجل: بس يعني إللي عرفته وفهمته إن مصطفى خلاص قفل الموضوع ده، وده كان بسببك، بسبب بعض تصرفاتك، إللي خلت مصطفى يثور وياخذ قرار بنهايه العلاقة، أنا أسفة يا ندى، على سؤالي بس إنتي ليه متمسكة بشخص مش عايزك.
امتلئت عينا ندى بالدموع: لإني بحبه أوى، أنا مش قادرة أسيبه. جربت أبعد، ماعرفتش، أنا يمكن ضعيفة، يمكن مجنونة، يمكن الناس تشوف إن إللي بعمله قلة كرامة، بس لا، أنا شايفة إني بحاول أرجع جوزي وحبيبي ليا من تاني، لإن أنا إللي غلطت في حقه، بس أنا والله ما هغلط تاني والله العظيم يا ليندا أنا اتعلمت من أخطائي وهخلي بالي بعد كدة من تصرفاتي وغيرتي بس إنتي ساعديني.
تأثرت ماسة بكلمات ندى، واغرورقت عيناها بالدموع دون أن تقوى على حبسها، مدت يدها فوق الطاولة، ولمست أصابع ندى بخفة، محاولة أن تبث إليها شيئًا من الطمأنينة.
ماسة تساءلت بلطف: طيب قوليلي لو ساعدتك، إيه الضمان إنك مش هترجعي لنفس الأخطاء تاني؟ أصل أنا، عارفة حد زيك، بيقول هيتغير، يتغير شوية ويرجع يمكن أسوأ، يمكن البعد بينك وبين مصطفى هو الأفضل ليكم.
ندى بصوت مرتجف، تتشبث بكلماتها كالغريق: مافيش ضمان غير إني بحبه؟! وبعدين إيه إللي في البعد أحسن من القرب؟! أنا موجوعة، وقلبي مكسور، وحياتي واقفة، مش عارفة أبقى سعيدة ولا كويسة، إيه الحلو إنك تعيشي بعيد عن إللي بتحبيه؟ إيه الأفضل في البعد فهميني؟
ماسة أطرقت رأسها قليلًا ثم رفعت عينيها نحو الموج فـ ندى فيها أشياء من سليم نفس العشق الجنوني وبسبب ذلك العشق تفتعل بعض الأشياء التي جعلت مصطفى يرحل ولا يريد أن يعود قالت: يمكن تتعلمي، تبطلي الحاجات إللي اتسببت في بعدكم الحاجات إللي خسرتك مصطفى،
أضافت بعقلانية بنبرة متأثرة بشدة:صدقيني أوقات البعد بيكون أفضل لأن أوقات القرب بيدمر العلاقة أكثر وبيشوهها أكثر ويخليكي تشوفي حاجات ماكنتيش تتوقعيها، لما تبعدوا وإنتم حابين بعض هتفضلي شايفاها بنفس الصورة الأولي
ساد الصمت لحظة، ولم يقطعه سوى صوت الموج وهو يعلو ويهبط، ثم همست ماسة وكأنها تخاطب نفسها: ساعات البحر بيعلمنا، إن مفيش موجة بترجع زي ما كانت بس برضه، الموج مابيبطلش يرجع للشاطئ.
ندى ابتسمت رغم الدموع: قصدك إن فيه أمل؟
ماسة بابتسامة نظرت لها: قصدي أقول يمكن فعلًا الفترة إللي بعدتِ فيها عن مصطفى، حاجات كتير اتغيرت فيكي واتعلمتي يمكن إنتي ماخذتيش الفرصة الحقيقية أنا هساعدك على قد مقدر بس النتيجة، أنا مش ضامناها.
أمسكت ندى يدها بإمتنان بإبتسامة واسعة: المهم إنك تساعديني وبس شكراً جدا يا ليندا قوليلي، إيه رأيك نبقى أصحاب؟
ماسة بإبتسامة رقيقة: ليا الشرف طبعًا.
ندى وقد بدا الفضول في عينيها: طب إنتِ سبتي السعودية ليه؟ ولا كنتي في قطر ولا الإمارات؟ كنتي فين؟
تجمدت ماسة للحظة، إذ نسيت تمامًا ما قيل لندى من قبل، لكن سرعان ما استحضرت حيلة سليم القديمة في المراوغة، فأجابت نصف إجابة لا تدخلها في مأزق: والله حصلت مشكلة كده بيني وبين جوزي، وزعلنا، أنا نزلت مصر، وهو الحمد لله نزل وصالحني، بس كان على طول مشغول هناك ده سبب المشكلة أصلا، بيسيبني بالأيام يابنتي بيجي على النوم، فاملهاش لازمة وجودي خلينى هنا، على الأقل هنا وسط أهلي وعيلتي، لكن هناك كنت لوحدي. فقلت له أقعد هنا، وهو وافق.
ندى أومأت برأسها بإقتناع: كويس، ربنا يخليكوا لبعض، متجوزين عن حب بقى؟
ماسة بابتسامه: آه، عن حب.
ندى رفعت حاجبها بدهشة: بس الغريبة،مصطفى ماحكيليش عنك خالص، ولا عن أمك ماجابش يعني سيرة إن هو عنده خالة تانية غير صباح ومسافرة وعندها بنت حلوة كدة.
ماسة بذكاء غيرت الموضوع وهي تنظر حولها: هو مافيش هنا حاجة نشربها؟ أنا عطشانة جدًا.
ندى بتلقائية ألتفتت معاها: لا فيه معرفش فين هيظهر دلوقتي.
ماسة بإبتسامة تحاول ان تأخذ الحديث بذكاء في مكان آخر لكي لا تسألها ندى عن أي أشياء شخصية فشخصية سليم أو تربيه سليم ما زال الطاغية: بس قوليلي ماخفتيش مصطفى يشوفك؟
ندى بإبتسامة موضحة: لا، مش خايفة، عارفة إنه النهاردة في القاهرة، مش راجع غير بكرة.
ماسة ضحكت بخفة: ماشي. أنا آسفة يا ندى، محتاجة أروح، تعبت من الشغل النهاردة نفسي أقعد معاكي أكتر من كدة،
ندى بهدوء: لا يا حبيبتي عادي، هاتي موبايلك أكتبلك رقمي.
أخرجت ماسة هاتفها بهدوء، وندى دونت الرقم بسرعة.
ندى بإبتسامة وهي تعطيها هاتفها: خلاص كده. هانبقى نتواصل مع بعض. ماشي؟
ماسة: حاضر.
وقفت ماسة من مكانها، صافحت ندى وعانقتها عناقًا قصيرًا، ثم استدارت لتغادر لكن ندى توقفت لحظة، تتأملها بعينين تحملان فضولًا مريبًا، ثم تمتمت: مش عارفة ليه حاسة إنك مش قريبتهم بس مش مهم دلوقتي المهم توصليني لمصطفى، وبعدها أشوفلك طريقة ترجعك لجوزك.
💞_____________بقلمي_ليلة عادل 。◕‿◕。
منزل إسماعيل، الرابعة مساءً
كان إسماعيل جالسًا على الأريكة في الريسبشن، تحيطه الصور المنتشرة في أركان الشقة، صور لوجه ماسة، في كل زاوية من زوايا المكان، وكأنها لا تزال تسكن الجدران، كان شارداً، حزيناً، فكم مره من الاشهر ولا يعرف شيئا عن زوجته، حين رن جرس الباب نهض ببطء، فتح الباب، واتسعت عيناه بدهشة مصدومة، وكأن شبحًا يقف أمامه.
ظهرت عبير، وبجانبها ابنها، وخلفها عشري وبعض الرجال.
إسماعيل بصدمة: عبير؟!
عبير بدموع الشوق: إسماعيل.
تدخل عشري بنبرة حازمة: الملك بيقولك، مراتك زي ما أخدها، رجعها، وزايدة ٧كيلو كمان أصل إحنا وزناها قبل وبعد، بس خد بالك إنت تحت عنينا حمد الله على السلامة يا مدام.
إسماعيل بدهشة: هو.. هو لقى ماسة؟
عشري وهو بيغادر: المدام هتقولك.
تحرك عشري ومعاه الحراس، بينما إسماعيل اندفع وضم ابنه أمير ابنه، وحضنه بشوق، غير مصدق، بعدها شد عبير من يدهاوضمها:
إسماعيل وهو يسحبها من يدها: تعالوا، تعالوا فهموني إيه إللي حصل؟!
دخلو للداخل جلست عبير على الأريكة، وأنزلت الحقيبة من كتفها وهي تنظر من حولها بتعجب
عبير معلقة بدهشة على صور ماسه التي تملا ارجاء المكان: إيه ده؟.
إسماعيل: سليم.
عبير بغصة: طلع فعلا مهووس بيها.
إسماعيل: سابك إزاي؟! وصلها.
عبير: لا.
إسماعيل متعجباً: أمال فهمينى
عبير تلتفت لإبنها: حبيبي، أدخل أوضتك، أنا جاية وراك.
الولد:حاضر.
تنهدت عبير وهي ترتاح في جلستها: أنا كنت قاعدة عادي في الأوضة... وفجأة...
فلاش باك، فيلا مجهولة
كانت عبير تجلس في غرفتها، داخل الفيلا إللي تم احتجازها فيها، فجأة طرق الباب، ودخل سليم.
تجمدت مكانها، ملامحها خائفة،
سليم أشار بهدوء: ماتخافيش، أنا جاي أتكلم معاكي.
عبير بتوتر: إنت عايز مننا إيه؟!
سليم يجلس بهدوء وهو ينظر لها: أنا عايز مراتي.
عبير بتهكم: هو أنا ذنبي إيه؟! هو كل واحد اتخطفت مراته يروح يخطف مرات الراجل إللي شغال معاه؟!
سليم بهدوء حازم: أكيد لأ بس إسماعيل بيلعب، كان لازم افوقه، جوزك مش شخص بيتمحور فيه صفات النبل والوفاء جوزك خاين وطنه، وإنتي عارفة وإنتي ماتفرقيش عنه كتير إللي تقبل تدعم جوزها إنه يخون وطنه ويشتغل في عصابات مافيا أنا بشوفها بتبقى شبهه بالظبط..
تنهد بتعب تابع بعقلانية لكن صارمة حادة تعكس قوة شخصيته وهيبته: عموماً ده مش موضوعنا أنا مش جاي هنا أعدل سلوك، جوزك في الوقت إللي كان المفروض يدور فيه ويشوف شغله صح، ماعملش كدة! إنتي عارفة أنا جايبه منين؟! جايبه من على السرير من حضنك؟! وده إن كان يدل، فيدل على شيء واحد، إنه ماكانش مهتم ماكانش فارق معاه، عشان كده حبيت أوريه يعني إيه مراتك تختفي، تبعد عنك ماتبقاش عارف مكانها، كنت عايز أخليه يدوق وجعي، يحس بالصداع إللي ساب عقلي بقى ماسك في قلبي، لإني عارف إن إنتم متجوزين عن حب، وفيه علاقة حب ما بينكم كبيرة..
بهدوء بعملية وهو يشير بيده: مدام عبير إنتي عشتي هنا شهرين ونص تقريبا معززة مكرمة ماحدش أذاكي بالعكس كنتي بتاكلي أحسن آكل بتتحركي في الفيلا زي ما إنتي عايزة بيجيلك أحسن حاجة حتى اللبس ليكي إنتي وإبنك حتى دراسة إبنك كانت ماشية زي ماهي اعتقد مافيش واحدة محبوسة أتعمل معها زي ما أنا عملت معاكي، وإبنك كان شافع ليكم كتير لانه مالهوش ذنب..
أضاف بنبرة متأثر قليلا لكن حاول الحفاظ على الهيبة وهو ينهض موضحا: أنا كل إللي كنت عايزه إن مراتي ترجع بأي شكل، كنت عايز إسماعيل يدور بكل جهد، يمكن اتصرفت غلط وأديني أهو جاي أصلح التصرف الاسبوع ده اخر اسبوع ليكي وهتروحي بيتك.
عبير بإندهاش: إنت بتتكلم جد؟!
هز سليم راسه بإيجاب: آه بتكلم جد
عبير: إنت لقيت مراتك إسماعيل لقاها؟!
سليم بهدوء: لا إسماعيل ما لقاش حد وأنا مراتي لسة مختفية
عبير بتوتر: آمال هاتسيبنى ليه؟! أوعى تكون هتأذي إسماعيل؟!
تبسم سليم وهو يقترب منها بهدوء: شكلك بتحبيه أوي، أسبابي تخصني لوحدي، المهم إنك هتروحي إنتي وإبنك ليه بقى مالكيش دعوة..
صمت للحظة ثم قال هو ينظر داخل عينيها بتنبيه مصحوبة بتهديد: بس نبهي على جوزك حاجة قولي له سليم وصل للنهاية، بينفذ دلوقتي.
عبير بعدم فهم: يعني إيه؟!
ارتسمت على شفتي سليم ابتسامة صغيرة: قوليله بس كدة هو هيفهم، عشان لو بيفكر يعمل حاجة يتراجع، مدام عبير، أنا مش عايز أأذيه ولا عايزه، مشاكل مع حد، بس لو فكر يلعب، مش هخلي الفكره تكمل في دماغه هقطعها أنا مش هاعيش طول حياتي بتلفت ورايا عشان أشوف الضربة جاية منين محتاج أرتاح ونام بعد إذنك.
باااااك
نعود لعبير وهي تروي ما حدث لإسماعيل الذي يستمع لها بصمت ودهشة
عبير بهدوء: هو بس ده إللي حصل أنا فهمت من كلامه تقريبا بيهدد يعني لو إنت في نيتك تأذيه أو في نيتك تعمل حاجة ماتعملهاش علشان مايقتلكش وده رأيي، أنا كمان خلاص بقى أنا رجعت بخير، خاف على الولد علشان خاطري يا إسماعيل، خلينا بعيد عن السكة دي، وبعدين الفترة إللي أنا كنت محبوسة فيها محدش أذاني بالعكس كانوا بيعاملوني أحسن معاملة
إسماعيل بنبرة غيظ مكتومة: يعني أبلع إللي عمله؟ أسيب حقك؟! يخطف مراتي، ويحبسها اكتر من شهرين، وأقوله شكراً؟ده مش تهديد، دي إهانة.
عبير تحاول إقناعه: أنا فاهمة، بس هو فعلاً ماأذانيش، ولا أذى الولد وصدقني، ماكنتش متوقعة أطلع حية يعني حتى هو لما قال "مراتي" كنت شايفة في عينه،حاجة بتوجعه مش تهديد، ده إنتقام من قلبه، مش من دماغه سيبه عشان نرتاح نبعد بقى عن الشر ومشاكله، أنا خايفة ينهار، يعمل مصيبة، يطولك أو يطول ابننا،عشان كده بقولك، كفاية لو بتحبني، لو بتحب أبنك أبعد.
غمض إسماعيل عينيه لحظة، حبس أنفاسه: أنا طول عمري بحبك، بس كمان، أنا راجل ليا كرامة وسليم جرّح الكرامة دي جامد.
عبير: بس لو كرامتك هاتكلفنا روحك أو روح إبنك مش هغفرلك ده.
يسود الصمت بين الأثنين الطفل بيخرج من غرفته، واقف عند الباب، ونظر لهم بتساؤل.
الولد: ماما...بابا زعلان؟
عبير بسرعة، بإبتسامة باهتة: لا يا حبيبي، بابا فرحان لإننا جينا ورجع من السفر..
إسماعيل بصوت مبحوح: تعالي هنا.
ركض الطفل على حضنه، وإسماعيل ضمه بقوة، وكأن كل ما قالته عبير لم يقنعه بسبب الغل الذي داخله، لكن إبنه دايمًا يجعله يفكر مرتين
اسماعيل قولي كنت مبسوط هناك.
الطفل: آها جدا كنت بلعب جابولي لعب كتير أوي أنا عايز أروح هناك تاني كل ماتسافر.
عبير: شفت الولد حب هناك ده يأكدلك إننا كنا هناك كويسين.
نظر له إسماعيل بصمت ثم قال في نفسه: أنا هخلي الدنيا دي آمنة ليك، مهما حصل.
فيلا ياسين الرابعة مساءً
غرفة نوم نالا
عاد ياسين من عمله متعبًا، يتوق إلى لحظة دافئة مع زوجته بعد يوم طويل، وجد هبة جالسة على الأرض بجوار ابنتهما، تمشط شعرها بحنان، كأن العالم كله ينحصر في تلك الطفلة، ابتسم ياسين بخفة، محاولًا أن يقترب.
ياسين: مساء الخير.
هبه: مساء النور حمد لله على السلامه
جلس ياسين امامها ووضع قبله على كف ابنته: حبيبت بابا هاتي بوسه، وضعت قبله: الله احلى بوسه في دنيا.
هبه: اقولهم يحضرو العشا.
ياسين بإبتسامة مرهقة: تو إيه رأيك يا هبوشتي نخرج النهاردة؟ نتعشى بره زي زمان.
رفعت هبة رأسها قليلًا ثم أعادته سريعًا إلى الطفلة، وكأن كلماته لم تلامسها.
هبة ببرود: لأ يا ياسين، مش هينفع، إنت عارف إن البنت لسة تعبانة، ولازم أفضل ملاحظاها.
ياسين بهدوء: يا هبة هي خفت وبقت كويسة لحد إمتى هتفضلي بالوسواس ده؟
هبة بحدة خافتة: وأنا إيه يضمني إنها مايحصلهاش حاجة؟
اقترب منها أكثر، يحاول أن يلين الموقف: طب خلاص سيبي البيبى ستر معاها ساعتين، مش هيجرى حاجة.
هبة بسرعة: لأ، وإنت عارف رأيي في الموضوع ده، وبلاش نفتح السيرة علشان ماتحصلش مشكلة.
ياسين بنفاد صبر: هو إحنا كل مانتكلم لازم يبقى فيه مشكلة؟
رامقته هبة بنظرات حادة: إنت إللي بتفتعل المشاكل مش أنا.
تابعت وهي لم ترفع عينيها، صوتها خرج ثابتًا خاليًا من أي دفء: وبعدين أنا مش فاضية للرومانسياتك دي حالياً البنت أولى.
ضحك ياسين ضحكة قصيرة تحمل مرارة أكثر مما تحمل مرحًا توقف وهو يقول: أيوة البنت أولى وأنا آخر واحد في القائمة.
توقفت هبة لحظة، رفعت عينيها في وجهه بحدة: إنت مكبر الموضوع ليه؟ أنا بعمل الصح.
تجمد ياسين في مكانه، ثم استدار نحو الشرفة، عينيه تهربان بعيدًا، وصوته الداخلي يعلو في صمت وهو يقول: وبعدها معاكي يا هبة (زفر بإختناق)
بينما ظلت هبة منشغلة بإبنتها، وكأن وجوده صار مجرد ظل بجوارها، لا أكثر.
في أحد الكافيهات التاسعة مساءً
كانت الأجواء مليئة بالضحك والهزار، وزيزي جالسة مع شلتها المعتادة، لكن تلك الليلة كان هناك وجه جديد، فتاة محجبة تجلس في هدوء بينهم، كأنها لا تنتمي إلى أجوائهم الصاخبة. فجأة دخل رشدي، بصوته العالي المعتاد.
رشدي: هالووو!
زيزي بإبتسامة: رشروش، تعال!
أقترب منها، عانقها وقبلها، ثم أخذ يصافح الجميع واحدًا تلو الآخر لكن عينيه لمحتا سريعًا الفتاة الجالسة في هدوء.
رشدي وهو يجلس: مين الأخت دي؟
سامح بتعريف: دي مي، لسة داخلة الشلة قريب.
رشدي بإبتسامة جانبية: أهلا.
هزت مي رأسها بإيجاب دون كلام.
مال رشدي على زيزي قليلا تساءل: مين دي
زيزي بهمس: دي مي راشد بنت المهندس على راشد، أنا عرفتها من قريب بعدين أحكيلك.
رفع رشدي حاجبه بإستغراب واقترب من زيزي أكثر وهمس لها: أول مرة أشوفك قاعدة مع واحدة محترمة كده، ومحجبة كمان! مش مصدق نفسي.
قطبت زيزي حاجبيها وقالت بحدة: أتلم يا رشدي. مالكش دعوة بيها.
ابتسم رشدي بسخرية: ما أنا ماليش دعوة، بس نفسي أفهم إزاي عرفتي واحدة من النوع ده.
زيزي بتعجب: حكمت منين إنها محترمة؟ عشان محجبة؟! إنت لسه ماتكلمتش معاها.
ضحك رشدي بإستهزاء: ما هو أنا عندي نظر برضه في النسوان، عرفيني عليها.
زيزي شددت نبرتها: أحترم نفسك يا رشدي، دي مش زي أي حد بلاش تتواقح.
ضحك رشدي: ماشي ماشي، ما تقلقيش بس لازم تعرفينا عشان أعرف أتكلم معاها.
زيزي بتحذير طيب بس أحذر علشان لو عملت معاها حاجة هزعلك أقسم بالله
رشدي: اتنيلي.
كانت مي جالسة بهدوء، كأنها تراقب المشهد من بعيد حين ألتفتت زيزي إليها قالت: ده بقى رشدي، رشدي الراوي أعز اصدقائي الأنتيم.
مي بإبتسامة صغيرة: تشرفنا، أنا مي.
رشدي بسرعة: وبتعملي إيه يا مي؟ بتدرسي إيه؟!
مي: تالتة تجارة إنجلشAUC.
أنفجر رشدي ضاحكًا بصوت عالٍ: يا سلام على الصدف! أنا كمان خريج أقتصاد وعلوم سياسية من جامعة تورنتو.
أرتفعت حاجبا مي بإستغراب: وإيه الصدفة في كده؟ إحنا أصلًا ما لناش علاقة ببعض إنت درست سياسة وأنا تجارة!
رشدي مازحًا وهو لا يزال يضحك: إزاي مافيش علاقة؟ تجارة من غير تفكير سياسي فشل اسأليني أنا، وكل حاجة في الدنيا داخلة فيها سياسة، حتى العلاقات الإنسانية والزوجية. مش كدة يا زوزة؟
أومأت زيزي مؤيدة بإبتسامة خفيفة: مظبوط، على فكرة أنا إللي مخليني مكملة مع جوزي هي السياسة. وبالمناسبة، أنا ورشروش نفس الجامعة.
مد رشدي يده ليتناول إحدى قطع السناكس أمامه، ثم ألقى بذراعه حول كتف زيزي: بنفس البينج أربع سنين كانوا حاجة آخر زهق.
تعالت الضحكات في المكان، تبدل جو الجدية الذي كان يخيم عليهم قبل لحظات.
نظرت له مي بصمت، ابتسامة سريعة وانطفأت، كأنها لم تهتم. أكمل هو هزار ونكات، لكن مي لم تضحك بإفتعال مثل الباقي، كانت تتابع بإبتسامة رقيقة.
بعد وقت، نظرت مي إلى الساعة.
مي وهي تتوقف: طب يا جماعة أنا همشي بقى لازم أروح.
زيزي نظرت لها: أستني يا مي، لسة بدري بعدين معكيش عربية.
مي زمت شفتيها: لازم أمشي هكلم حد من إخواتي أو هاخد تاكسي.
تدخل رشدي بسرعة: أنا ممكن أوصلك.
مي: شكراً، هستنى واحد من إخواتي ييجي ياخدني.
ابتسم رشدي بهدوء: أنا كدة كدا مروح.
زيزي تدخلت: خلاص يا مي، خليه يوصلك، ماتعمليش قصة.
اضطرت مي توافق: مي طيب.
رشدى توقف: يلا سى يو.
تحركا معا نحو السيارة في الخارج
وقف رشدي بجانب سيارته، فتح لها الباب بتهذب، فهزت رأسها بإيجاب وجلست في هدوء، جلس بجانبها وأنطلق، ساد الصمت لوهلة.
رشدي متسائل: معكيش عربية ليه؟
مي بهدوء: مابعرفش أسوق، بخاف.
رشدي عقد حاجبيه متعجباً: بتخافي من إيه؟
سكتت قليلًا، ثم قالت بصوت هادئ موضحة: وأنا صغيرة ماما عملت حادثة كنت معاها. ومن وقتها وأنا بخاف أسوق وبخاف من السرعة، الحادثة دي إللي خدت حياتها.
سكت رشدي فجأة، صوته أنخفض: أنا آسف.
مي برقه: عادي ماتعتذرش.
ضحك رشدي بخفة: أمال أنا ماعنديش دم ليه، أنا عملت حوادث كتير وكملت.
لكنها لم تعلق او تضحك حتى ساد الصمت ثوانى ثم نظر إليها وهو يقود: هو إنتِ أصلًا عارفاني؟
مي نظرت له بطرف عينيها: اعرفكم كأسم عيلة، أخباركم بتنزل في الجرايد والبرامج لكن كأشخاص؟ لا ماعرفكمش ولا حتى بهتم بعالم البزينس.
رشدي بدهشة: إزاي؟ إنتي تجارة.
مي: مالهاش علاقة.
ضحك رشدي: بما إنك ماتعرفينيش، يبقى لازم أعرفك على نفسي كويس.
قضى الطريق كله يحكي عن نفسه وعن مغامراته، وهي تنظر إليه بإستغراب، صامتة، لا تشاركه الضحك حتى فقط تستمع له.
رشدي وهو يعقد حاجبيه: إنتي ليه مش بتردي عليا؟
مي بهدوء: سايباك تتكلم عن نفسك، شكلك محتاج تفضفض كتير.
ضحك رشدي: طب أسكت بقى؟
مي بإبتسامة رقيقة: لأ ماقصدش، أوقات فيه ناس عندها مشكلة في الذات، فيفضلوا يتكلموا عن نفسهم علشان يثبتوا حاجة أو كأنهم محتاجين حد يشوف بعين تانية أو لفت إنتباه.
رشدي اندهش: إيه ده! إنتي مش قولتى دارسة تجارة مش علم نفس؟
مي بإبتسامة رقيقة: لأ، بس قريت كتير.
رشدي: طب أنا أنهي نوع؟!
مي بهدوء: مقدرش أحكم إلا لما أعرفك كويس.
صمت رشدي لحظة، ثم نظر إليها بإهتمام جديد: طب إنتي عرفتي زيزي إزاي؟ شخصيتك مش شبهها خالص وعندي يقين إن الأماكن إللي إحنا بنخرج فيها يستحيل تخرجي فيها، يعني مافيش حاجة ممكن تجمعكم.
مي بتوضيح: كنا في سقارة وزيزي خبطت عربية واحدة صاحبتي، ومن وقتها اتعرفنا، لقيتها جدعة والدنيا جمعتنا. ومن ساعتها بقينا أصحاب.
رشدي: وبقالكم قد إيه؟
مي وهى تقلب شفتيها: مش كتير تقريبًا شهر ونص، دي تاني مرة أخرج معاها ومع الشلة لومي كانت جاية بس تعبت.
ضحك رشدي: طب إيه رأيك فينا بقى؟
مي وهي تنظر من النافذة: لذاذ.
كلمة واحدة، لكنها تركت أثرًا أكبر مما توقعت.
اقتربت السيارة من شارع جانبي هادئ. قالت مي: ممكن تقف هنا.
نظر لها مستغربًا: هنا؟
ابتسمت مي بهدوء: أيوة، أنا ساكنة هنا. شكرا إنك وصلتني سلام.
فتحت الباب وهبطت بخطوات ثابتة، تاركة رشدي خلفها في سيارته، يراقبها وهي تختفي في مدخل العمارة بقي صامتًا للحظة، يبتسم ابتسامة صغيرة غامضة.
قصر الراوي الثانية صباحا
غرفة رشدي
جلس رشدي على الأريكة، الأغاني تنفجر في الغرفة بصوتٍ عالٍ، وأمامه زجاجة خمر وكأس فارغ، استنشق بعض البودرة، ثم أرخى ظهره للخلف وفتح حاسوبه المحمول، كتب اسم مي راشد بالإنجليزية، وبدأ يبحث عنها، لم يجد صفحتها، فدخل على حساب زيزي يتصفح قليلاً بين من يضغطون إعجابات لديها، حتى عثر عليها.
كان ذلك زمنًا لم تغلق فيه الحسابات بعد.
راح يتجول بين صورها ومنشوراتها، صورها بدت جميلة، لم تكن صاحبة عيون ملونة ولا بشرة ناصعة البياض، لكن ملامحها كانت آسرة، وحجابها زادها وقارًا وجمالًا، أما كلماتها فامتلأت بوعيٍ مرحٍ يجذب القارئ ويثير فضوله.
ظل يتأملها، يتفحص ضحكاتها التي التقطتها الصور. ثم ألتقط هاتفه ورفع صوته وهو يخاطب ذراعه اليمين: إيه يا شوقي، نايم؟ هبعتلك اسم واحدة، عايز بكرة أول ماصحى ألاقي عندي كل المعلومات عنها سلام.
فتح أحد صورها التي تبرز ملامح وجهها الفاتن قام بعمل زوم وأخذ ينظر لملامحها بتركيز بإبتسامة جميلة
مجموعة الراوي
مكتب فايزة العاشرة صباحا
جلست فايزة وراء مكتبها المليء بالملفات، تراجع بعض الأوراق بعناية، فجأة ارتفع صوت هاتفها برسالة، مدت يدها وألتقطت الهاتف، لتجد صورة لعزت وهو جالس بجوار نانا في أحد الكافيهات.
رفعت حاجبيها بإستغراب وكأنها تقول: إيه الصوره دي وليه بتتبعتلي؟ نانا وعزت طبيعي يكونوا قاعدين في أماكن عامة…
لم تعر الرسالة اهتمامًا، وعادت لوضع الهاتف على المكتب وكملت عملها، لم تمض دقيقة حتى ظهرت رسالة جديدة: عزت باشا ذوقه حلو طول عمره.
عادت بظهرها على مقعد تفكر للحظة وهي تضيق عينيها وتطلع علي الرسالة، فكرت تتصل بالرقم، لكنها كانت متأكدة أنه سيكون مغلق لكنها حاول تجرب رفعت الهاتف، هزته بيديها قليلًا، ثم قالت: خلينا نجرب
اتصلت لكنه بالفعل كان مغلقا تبسمت بلا مبالاة تركت الهاتف جانبًا دون إعطائه أي أهمية، وعادت لأوراقها وكأن شيئًا لم يكن.
مكتب نانا
جلست نانا أمام الكمبيوتر منهمكة في إدخال بعض البيانات. فجأة اهتز هاتفها برسالة، ألتقطته بسرعة، وما إن فتحتها حتى وجدت نفس الصورة، لكن هذه المرة مكتوب تحتها: السر هينكشف قريب أهربي.
تجمدت عيناها للحظة، وقلبها دق بعنف، بصوت مرتجف تمتمت: إيه ده؟! مين إللي بعت الرسالة دي؟ يانهار أسود.
حدقت في الشاشة، ثم نظرت حولها بقلق، كأن أحدًا يراقبها فكرت تقول لعزت، لكن خوفها تملكها فترددت. بسرعة مسحت الرسائل، وقالت لنفسها:
يا ترى مين ده؟
مجموعة الراوي
مكتب ياسين العاشرة صباحا
دخل ياسين مكتبه، وفي الطريق لمح فتاة جالسة عند المدخل كان مظهرها ملفتًا؛ شعرها أصفر يميل للبني ببشرة بيضاء، وعينيها عسليتان، ملامحها جميلة.
أثناء تحركه، قال بتحية رسمية: صباح الخير.
ردت الفتاة بإبتسامة خفيفة، تابع ياسين خطواته لمكتبه لكنه توقف فجأة، وعاد ينظر إليها بإنتباه: إنتي مين؟
لوجين له بثقة: لوجين يا باشمهندس ياسين الاسستم الجديدة.
ياسين وهو يضع يده بجيبه: اسمك لوجين؟
لوجين :آه جاية مكان يارا.
هز رأسه موافقًا: أوكيه.
تحرك ودخله مكتبه وجلس خلفه مكتبه،بعد دقيقة، دخلت لوجين توقفت أمامه مباشرة. قالت له بحزم ووضوح:
النهاردة أنا نزلتلك كل المواعيد، عندك كمان ساعتين بالظبط اجتماع المصممين علشان اللوكيشن الجديد، والساعة واحدة هتعدي على المصانع، الساعة 3:00 عندك اجتماع مع مستر عزام، وكمان نص ساعة بالظبط اجتماع العيلة.
ابتسم لها وقال مازحًا: انتِ جايه سخنانة أوي.
ردت بهدوء وابتسامة:آه طبعا علشان أثبت كفائتي
ياسين: تمام كفائتك هاتبان أكتر الفترة دي لإن أنا دلوقتي بقيت ماسك كمان شغل سليم عارفة سليم؟!
لوجين: طبعاً يا افندم غني عن التعريف.
واصل ياسين حديثه: أتكلمي مع نور الاسستم الخاصة بسليم بيه، وضبطي المواعيد، لإن الشغل هيبقى تقيل الفترة الجاية،
تنهد وهو يعود بظهره للمقعد مفسرا: صحيح أنا مابحبش الزحمة ولازم تديني بريك أكتر من مرة عشان أقدر أستوعب، مابعرفش أشتغل تحت ضغط. خدي بالك، أول الأسبوع الجاي عندنا سفر.
لوجين بثقة: علشان المؤتمر شرم الشيخ، وعارفة إننا لازم ناخد الديل ده. أنا هشتغل على الدراسة إن شاء الله من النهاردة.
ابتسم لها وقال: تمام أتفضلي، وأطلبيلي إسبريسو.
لوجين بإبتسامة: تمام يا فندم محتاج حاجة تاني.
ياسين بتهذب: متشكر.
خرجت لوجين بينما تبقي ياسين يفكر لكن لا نعرف هل يفكر في العمل أم هبة التى أصبحت بعيدة.
قصر الراوي، الثالثة مساءً
حديقة القصر، عند المسبح
نرى رشدي في المسبح، يسبح، ثم توقف عند الحافة، كان شوقي يقف.
شوقي بعملية: وبعدها بتروح تحفظ القرآن، يعني يا باشا… مالهاش أماكن كتير بتخرج فيها، أماكنها محددة وبس.
أقترب رشدي وصعد من الماء، قطراته تتساقط على الأرض الرخامية الباردة وبجسده الرياضي، جلس على الحافة وقدماه منسدلتان في الماء أشار لشوقي، فناوله الأخير سيجارة وأشعلها له أخذها رشدي بنفسه وسحب نفسًا عميقًا.
رشدي وهو يميل بوجهه: حفظ قرآن! دي شكلها صعبة علشان نعمل معاها صدفة مصطنعة مش كدة يا شوقي؟
شوقي معترضًا: مش صعبة أوي يا باشا، لو حطيناها تحت الميكروسكوب. يوم ماتبقى خارجة ولا حاجة، نبلغ حضرتك، وتروح المكان إللي هي فيه وتبقى صدفة.
ظل رشدي صامتًا لحظة، دخان السيجارة يلتف حول وجهه قبل أن يتلاشى في الهواء ثم قال بنبرة حاسمة: فكرة يا شوقي خلاص، شوّف اتنين من رجالتنا عينيهم ماتتشلش من عليها، وأهو لما تبقى خارجة في مكان ينفع نعمل فيه صدفة تكلمني حتى لو كنت نايم، تصحيني.
شوقي: ماشي يا باشا.
رشدي وهو ينفث الدخان: ماعرفتش لو كانت ارتبطت قبل كدة ولا حاجة؟
شوقي: اتخطبت مرة يا باشا، بس الموضوع ماكملش أبوها مهندس بترول محترم جدًا، وهي بنت محترمة جدًا، ملهاش أي علاقات قبل كده وزي ما قلتلك حاليا مفيش حد في حياتها.
رشدي متسائل: مش شغال معانا صح؟
شوقي موضحًا: لا يا باشا شغال في شركة قطرية، مالناش أي أسهم فيها، ولا هي داخلة أسهم معانا بس إحنا ممكن نجيب له عرض حلو ونشغله معانا لو تحب أبوها مهندس معروف وشاطر.
سكت رشدي لحظة، وألقى عقب السيجارة بعيدًا: أعمل إللي قلتلك عليه وموضوع أبوها ده أفكر فيه.
أنصرف شوقي بخطوات ثابتة، بينما بقي رشدي في مكانه، نظرته غارقة في البعيد. حرك قدمه في الماء برفق، يصنع دوائر صغيرة تتسع شيئًا فشيئًا، كأنها صورة لخطة تكبر داخله، ارتسمت على شفتيه ابتسامة باهتة، أقرب لتحدي مكتوم
همس بصوت خافت: أما نشوف، مين إنتي يا مي.
وفجأة قذف في المسبح وبدأ يغوص به
💞_______________بقلمي_ليلةعادل
في المركز الطبي الخاص
قسم العيادات، عيادة مصطفى الثالثة مساءً
جلس مصطفى مرتديًا بدلته البيضاء خلف مكتبه، منشغلًا بهاتفه وبعد دقائق قليلة، طرق الباب فدخلت ماسة بخطوات واثقة، تحمل كوبًا من القهوة بيدها، مرتدية زيّها الرسمي.
ماسة بإبتسامة أسفل النقاب: مساء الخير يا دكتور.
ابتسم مصطفى وهو يرفع عينيه: مساء الورد، اتفضلي ليندا؟
تحركت بعد أن أغلقت الباب، وضعت القهوة أمامه وجلست على الكرسي المقابل.
مصطفى: بس أنا ماطلبتش قهوة.
ماسة بإبتسامة هادئة وهي ترفع النقاب: ما أنا عارفة أنا جاية أتكلم معاك شوية.
مصطفى متعجباً وهو يعدل من جلسته: معايا فيه إيه خير؟
ماسة بابتسامة: قولي الأول إنت عملت إيه إمبارح في القاهرة؟ شغلك والدنيا تمام؟
مصطفى هز راسه بإيجاب: الحمد لله.
سكتت ماسة لحظة، لا تدري من أين تبدأ، تنهدت ثم قالت: إمبارح ندى جت اتكلمت معايا شوية...
وقبل أن يتجهم وجه مصطفى، رفعت يديها بسرعة مقاطعة: أستنى، أسمعني أنا لسة حتى ماتكلمتش.
مصطفى، بلهجة غاضبة: مش عايز أسمع حاجة، ماتكلميهاش تاني، تأكدي مش هتسيبك في حالك لو فتحتلها مجال أسمعي الكلام يا ماسة.
ماسة بهدوء: ممكن تهدى وتسمعني بعد إذنك؟
مصطفى بحدة: مش هسمع حاجة أنا رافض أسمعها أو أسمع أي حاجة تخصها.
ماسة محاولة تهدئته بعقلانية: يا مصطفى أسمعني أدينى فرصة أتكلم.
مصطفى بعصبية أكبر: أسمع إيه؟! دي واحدة مجنونة، طلبت منك تكلميني علشان تاخد فرصة! أنا مستحيل أديها فرصة، وإنت توقفي تكلميها ليه؟
ماسة بصوت منخفض: وإيه المشكلة يعني لما أكلمها وأقابلها؟
مصطفى بضجر: مشكلة، ومشكلة كبيرة كمان، ندى دي مش طبيعية، أوعي تكوني فاكرة إنها بتحبك، ولا حتى هاتصون وقفتك معاها، دي هتاخد إللي هي عايزاه منك، وبعد كده تروح تقولك: أبعدي عن، حياتي مع جوزي، حرام عليكِ، عايزة مننا إيه؟! زي ماناس كتير اتدخلوا وحاولوا يصلحوا مابينا، وفي الآخر تقلب وتقول: أبعدي عن مصطفى، ولو بتحبيني فعلاً خليني أحافظ على بيتي، وتخلي أي حد يندم إنه ساعدها، الموضوع مش متمحور حوالين الستات بس، حتى الرجالة بقولك مش طبيعية.
ماسة متنهدة بنبرة مزحة خفيفة: ممكن تهدى بقى وتسمعني؟ أديني فرصة أتكلم مش معقول كل مرة أجيب سيرة ندى تتحول زومبي.
بهدوء وعقلانية وهى تشير بيدها: مصطفى أنا مش واخدة عليك إنك عصبي كدة والله، بالراحة من فضلك!
زفر مصطفى وهو يمسح وجهه، بعد لحظة صمت تحدث بهدوء: اتفضلي، سامعك.
ماسة وهي تشير بيدها: من غير عصبية.
مصطفى هز راسه بإبتسامة صغيرة: حاضر.
ماسة بعقلانية وهدوء: بص يا مصطفى، كل الستات بتغير على جوزها، خصوصًا لو بتحبه، أنا نفسي كنت بغير على سليم موت.
قاطعها مصطفى بضجر: بس فيه فرق بين الغيرة الطبيعية والغيرة المجنونة.
ماسة بعقلانية: من فضلك ماتقطعنيش .
تنهد وهز رأسه بإيجاب تابعت بعقلانية: إنت لو جيت لقيتها قاعدة مع واحد مش هتقول لها مين ده؟ مش هتتتعصب وتعلي صوتك لحد ما تحصل مشكلة ممكن توصل للضرب؟ طبيعي ده يحصل غيرتها طبيعية.
عدلت من جلستها أكثر ونظرت في وجهه بتركيز متساءلة بنبرة متأثرة قليلاً: أنا عايزة أسألك سؤال: إنت بتقول إنكم مطلقين بقالكم اكتر من سنة، مايمكن في السنة دي اتغيرت؟ ما يمكن اتعلمت؟ أنا لما شفتها إمبارح حقيقي صعبت عليا، فراقك وبعدك عنها وجعها، وصدقني الوجع بيعلم كتير..
أضافت بنظرات متأثرة برجاء ممزوج بحدة: أديها فرصة،أسمعها بس، إزاي حتى مش قادر تسمعها؟ أي متهم لازم يدافع عن نفسه، وواجب القاضي يسمعه.
أضافت بنبرة أكثر حكمة لكن التأثر كان يملئها وعدم رضى وحزن بعينين تترقرق بدموع: أنا معاك هي غلطت، بس هي اتعلمت، فراقك علمها، ماتبقاش قاسي عليها، إنت عارف يعني إيه ست تفضل تجري ورا واحد اكتر من سنة كاملة؟ كل مايروح حتة تروح وراه، تكلم أي حد عشان يصالحكم؟ دي مذلولة يا مصطفى، ذلت نفسها عشان توصلك، ذلت نفسها عشان ترجعلك..
رامقته بنظرة متعجبة بتأثر شديد: إزاي قلبك مايلينش؟ إيه القسوة دي؟ أمال فين حبك فين المسامحة؟! عملت إيه لكل ده، حقيقي إنت طلعت قاسي بشكل أنا مش مصدقاه؟!
قاطعها مصطفى الذي كان يستمع لها بصمت شديد ولا يبدو عليه أنه تأثر من حديثها لكن يبدو أنه لديه الكثير ليقول لها.
مصطفى بنبرة هادئة: خلصتي؟
ماسة بإعتراض حاد لكنه هادئ بعينين تهبط بدموع فهي شعرت أن مصطفى قاسي بشدة لم تتعاد عليها منه: لا، أنا عندي كلام كتير، أنا مش فاهمة بصراحة، يمكن أفهم أسبابك، بس مش فاهمة قلبك؟! إنت ماحبيتهاش كفاية يا مصطفى، لو كنت حبيتها بجد بعد كل ده كان قلبك لازم يلين، سوري في التعبير إنت ماقفشتهاش مع واحد علشان تبقى قافل منها بالشكل ده، دي شافتك مع واحدة طبيعي تتتجنن
مسحت ماسة دموعها، وهي تميل بجسدها للأمام وتهز كفيها بإنفعال: شافتك مع واحدة، بتضحك معاها وتهزر معاها، قامت عملت مشكلة غارت لو أنا مكانها كنت هعمل كده! كنت هدخل على سليم المكتب وهفضح الدنيا وهجيب البنت من شعرها وأضربها كمان طبيعي جوزي حبيبي قاعد مع واحدة ولا هو حلو ليكم ووحش لينا؟!
ترفع حاجبيها وهى تجز على أسنانها: إحنا لما بندافع عن حقنا فيكم، يا رجالة، الدنيا بتتقلب، تقوله مجنونه، طب لو واحد فيكم شاف مراته قاعدة مع راجل، أو حتى بتسلم عليه، مابيعملش نفس الحكاية؟ مابيهددش ويولعها؟ طب وإحنا مش عندنا مشاعر؟ مش عندنا إحساس؟ إللي عندنا ده إيه… زلط؟
تنفست بحدة وأشارت بيدها بنبرة هادئة تحاول إقناعه: غلطت، ماشي كفاية بقى تذلها، أديها فرصة. أسمعها بس، أنا حتى ماقلتش أرجعلها، أنا قلتلك أسمعها واوعى تقولي طب اسمعي سليم وسامحي وديله فرص سليم خلص كل الفرص وأصلا موضوعنا مختلف انا وحده متهدد بأهلها.
اتكأ مصطفى، للخلف في مقعده تحدث بعقلانية: بصي يا ماسة أركني العواطف على جنب، إنتي دلوقتي العواطف هي إللي بتحركك، مش العقل،وأنا محتاج عقل أكتر مش عواطف..
اوأمت برأسها ببطء تابع مصطفى على نفس ذات الوتيرة موضحاً: أولا انا مش هقارن علاقتي بـ ندى بعلاقتك بـ سليم لنا في فروق جوهرية وده مش موضوعنا..
ثانياً ندى دي إنسانة مريضة، الحب عمره مايبقى فيه ذل، أيوه، طبيعي الإنسان يغلط ويعتذر، يحاول مرة واتنين وعشرة بس بييجي وقت ويقول: كفاية، كرامتي أهم لكن الاستمرار في الإهانة والملاحقة بالشكل ده، ده مش حب ده مرض.
يقترب للأمام قليلًا، صوته أكثر هدوءًا: صدقيني يا ماسة لو حبها كان طبيعي، كنت رجعت ليها من غير تفكير، بعد كل إللي حصل، لكن دي واحدة إللي بيحركها المرض مش حب حقيقي، هي مريضة، محتاجة تروح مصحة تتعالج الأول، والاهم أنها تعترف أنها عندها مشكلة مرضية،ده غير ان كل وعودها في تغير مبتحصلش.
مال برأسه قليلاً وهو يقلب وجهه متسائل بإستنكار:
هو إنتي فاكرة إن مشاكلي مع ندى إن هي كانت بتغير عليا من صحابي أو من الستات والرجالة إللي محيطين بيا؟! دي غارت عليا من أمي نفسها، وعملت مشاكل لإخواتي، بتعمل نصايب تصرفاتها مش طبيعية..
أشار إليها بإصبعه محذرًا بنبرة جادة: وثقي يا ماسة هي هاتأذيكي في يوم من الأيام لأن أي حد تشوفني بتكلم معاه أو حتى مرتاح في وجوده، بالنسبة لها تهديد لازم تتخلص منه، أوعي تأمني لها.
أضاف، بصوت متعب وهو يمرر يده على جبينه:
أنا مش قاسي يا ماسة، ومش ببرر لنفسي، بس ندى دي مابتعملش حاجة غير إنها تأذيني، اتأذيت منها كتير في شغلي، في حياتي، حتى في علاقتي بأهلي. حاولت تبعدني عن كل الناس..
بقرار حاسم بنظر حادة: وأنا مستحيل أرجع للإنسانة دي أو أدي فرصة لإنسانة عندي شك 1% إن هي ممكن تأذي حد من أهلي بسبب حبها المجنون وإنتي مجربة ده.
ماسة ببراءة: بس هي ممكن تكون اتغيرت في السنة دي.
أجابها بثقة: لا ماتغيرتش أنا عارفها لو كانت اتغيرت كان ظهر.
ماسة، تتنهد وهي تطرق برأسها للحظة ثم ترفع عينيها برجاء: طب ممكن تديها فرصة بس تسمعها.
مصطفى، يشيح بوجهه جانبًا ويقول بنبرة حاسمة: آسف يا ماسة، مش هقدر.
كانت ماسة قد استجمعت قواها لتقول محاولتها الأخيرة، وكأنها تتمسك بخيط ضعيف قد يعيد بعض الأمل.
ماسة، بصوت متزن لكنه موجوع: بص أنا مش عايزه ألح عليك، بس ذلها يوجع، ذلها يكسر، مش عايزة منك ترجع، مش طبيعي أصلاً أطلب منك ترجع؟! أنا بطلب منك تقعد معاها تسمعها وبس، يمكن تقتنع، يمكن تحس لما تقابلها وإنت هادي، وعقلك هو إللي متحكم، تشوفها بعين تانية تقدر ساعتها تلاحظ التغيرات.
اتنهدت ثم أكملت بصوت أضعف: لكن طول ما إنت منزعج وزعلان ومجروح، مش هتشوف غير غلطاتها، كل مرة بتكون قدامك، بتشوف بس البنت إللي إنت حبيتها زمان، وإللي خذلتك وجرحتك. بتبقى مجنون، لكن لو رحت وإنت هادي مش متعصب، يمكن ساعتها تشوف إللي أنا شايفاه.
سكتت لحظة ثم أضافت بحزم وهي تقف: مش عايزة أسمع إجابة دلوقتي فكر تمام؟
توجهت نحو الباب، وقبل أن تغادر قالت وهي تحاول إخفاء ارتباكها وهي تهبط النقاب: هرجع شغلي مش ناقصة مشاكل مع دكتور ممدوح. بعد إذنك.
قالت كلمتها تلك، وغادرت وأغلقت الباب خلفها بهدوء.
ظل مصطفى جالسًا، يهز رأسه بإيجاب وهو يحك جبينه، وعيناه تترقرقان بالدموع. همس بصوت مبحوح يخاطب نفسه: ياريت يا ماسة تكون فعلًا اتغيرت، زي ما إنتِ متخيلة، بس للأسف الاختيار كان غلط، وأنا إللي بدفع الثمن كنت غبي كان فيه حاجات كتير واضحة، وأنا ما كنتش واخد بالي.
فلاش بااك
(فلاش باك – القاهرة، منذ ٣ سنوات)
صوت ضحكة ندى يملأ الكافيه، وهي تمد يديها على الطاولة تمسك بكف مصطفى.
ندى، بعينيها المليانة حنية: أنا مش عايزة منك حاجة غير إنك تفضل جنبي حتى لو الدنيا كلها قلبت علينا.
مصطفى يضحك ويهز راسه: إنتي عارفة إني عمري ماهسيبك، إنتي أغلى حاجة عندي.
((الحاضر))
كانت عين مصطفى مغلقة بالدموع، قال صوته الداخلي: ياريت، يا ريت كنتي فعلاً زي ماحلمت بيكي زمان
(فلاش باك بعد شهرين من زواجهما)
كان مصطفى واقف أمام المرآة يحاول أن يربط ربطة عنقه، لكن محاولاته فشلت مرت نبيلة، أمه، فابتسمت وقالت برفق: سيبها لي يا أبني.
وقفت أمامه وربطتها له بخبرة الأم
ابتسم مصطفى وقال: تسلم إيديك يا ست الحبايب.
في تلك اللحظة، اندفعت ندى إلى الغرفة، ملامحها مشتعلة بالغيرة: إيه إللي أنا شايفاه ده؟!
استدار مصطفى في دهشة: مالك يا ندى؟!
ندى وهى تضع يدها في خصرها بضجر وغيرة: هي ليه بتظبطلك الكرافتة؟! وأنا رحت فين؟!
ضحك بخفة، محاولًا تهدئتها: يعني إيه المشكلة لما أمي تعملي الكرافتة؟
بعدم اقتناع: أيوه، وأنا لزمتي إيه؟! كانت تستناني!
موضحاً: ما إنتي كنتي في الحمام.
بضجر وحسم: تستنى، تستنى لحد ماخلص!
عقد مصطفى حاجبيه: إيه يا ندى، إنتي اتهبلتي ولا إيه؟
رفعت رأسها بعناد: لأ، ماتهبلتش، أنا إللي المفروض أعملها مش مامتك.
نبيلة: استهدي بالله يا ندى.
ندى بغيرة: ما أنا هادية بس ماينفعش أنا موجودة.
تنهد مصطفى بضيق: إنتي عبيطة ولا إيه؟ إزاي تغيري من أمي؟!
رمقته بنظرة حادة وقالت بصوت متهدج: أيوه، بغير عليك من أمك، من إخواتك، من كل الناس.
نظر إليها بحدة أكبر: لأ، ده اسمه عبط وأنا مش بحب العبط ده روقي بقى، مش ناقصين هبل.
(فلاش باااك اخر)
منزل مصطفى وندى
غرفة النوم
نرى مصطفى ممددًا على الفراش، والهاتف بين يديه، بينما كان صوت ندى يتردد من البلكونة وهي تنشر الغسيل: حبيبي، شوف مين بعتلي رسالة.
أجاب مصطفى بنبرة عابرة بعد أن أمسك هاتفها: دي ميادة بعتالك رسالة.
قالت بثقة: افتحها واقرأ.
أطاعها وفتح الرسالة، ثم تلا بصوت مسموع: بتقول لك "ماتتأخريش بكرة وأعملي حسابك على الفطار، وعندكم عملية الساعة 12مع دكتور حكيم".
أجابت سريعًا من خلف الباب: أكتب لها طيب.
كتب مصطفى الرد كما طلبت، وعندما هم بإغلاق المحادثة، انتبه إلى إشعار جديد بين ندى ومحمد. ضاق بعينيه قليلًا ثم ضغط ليفتحه، فإذا به أمام سلسلة طويلة من الرسائل:
ندى: محمد بعد إذنك، مش عايزاك تكلم مصطفى تاني وتخرج معاه، أبعد عن حياته، هو دلوقتي راجل متجوز، ماينفعش إللي بتعمله ده، إنت كده هتخرب بيته، هتخرب حياته.
محمد: ده إيه إللي بتقوليه يا ندى؟! أنا؟ أنا محمد، هخرب حياته في إيه؟!
ندى: أيوه، هتخرب حياتنا خروجاتكم كتير مع بعض، وكلامكم كتير. واخده مني ومش عايز تفهم إنه بقى متجوز. سيبنا بقى في حالنا.
خرجت ندى من البلكونة وهي تحمل طبق غسيل فارغ، نزعت حجاب الإسدال عن رأسها وابتسمت برضا.
لكن مصطفى لم يحرك ساكنًا. كان الهاتف لا يزال في يده، وعيناه متسمرتان على الشاشة، كأن الكلمات التي قرأها أثقلت صدره وأبقت صوته حبيسًا داخله.
قال ببطء، صوته مشبع بالغضب المكبوت: إيه إللي إنتِ بعتيه لمحمد ده؟
ارتبكت ندى، ثم تمتمت بتوتر: ماهو بيسهرك كتير.
مصطفى انتفض من جلسته، عيناه تلمعان بغضب: بيسهرني كتير؟! ده شغل يا ندى إللي إنتِ بتعمليه ده اسمه إيه؟!
اقتربت منه محاولة تدارك الموقف، وقالت بسرعة: طب بص، هقولك أنا ماقصدش والله. إنت بتقعد تكلمه كتير وسايبني لوحدي قولتلك بغير عليك
صرخ مصطفى وقد أرتفع صوته أكثر: سايبك لوحدك فين؟! إنتِ مجنونة يا ندى؟! أسمعي أنا هعتبر إللي حصل ده ماحصلش، أقسم بالله يا ندى لو اتكررت تاني مش هيحصل طيب فاهمة؟! غيرتك المجنونة دي بطليها.
ارتجفت ندى، اقتربت منه بخطوات حذرة، وهمست: حقك عليا أنا آسفة.
ثم انحنت وقبلته على رأسه محاولة تهدئته، بينما الغضب ما زال مشتعلاً في عينيه.
(فلاش باااك أخر)
كانت نبيلة جالسة مع ابنها إيهاب في الصالة، يتبادلان حديثًا عاديًا، وفجأة دخلت ندى بعينين تقدحان شررًا: أنا عايزة أتكلم معاكم في موضوع.
رفعت نبيلة رأسها بدهشة: خير يا بنتي؟
ندى بغضب صوت عالي: خير إيه! أنا مش عايزاكم تيجوا جنب مصطفى تاني الصور إللي شفتها ليكم معاه شكلها غريب، إيه اللمسات والضحك والهزار الكتير ده؟! أنا مراته، مش محتاجة حد يشاركني فيه.
قطب إيهاب حاجبيه مستنكرًا: في إيه يا ندى؟ بتقولي إيه؟! بعدين وطى صوتك بتتكلمي كدة ليه؟!
ندى بفضب وصوت أعلى أكثر: بقول إللي لازم يتقال، ليه هو يتعب وتودوه الدكتور؟! مش أنا مراته؟! ليه حضرتك يا طنط تقشريله سمك أو تغطيه وهو نايم؟! وأنا فين في حياته؟!
شهقت نبيلة، وأرتفع صوتها بالدهشة: استغفري ربنا يا بنتي ده ابني!
ندى بحدة: ابنك آه بس دلوقتي هو جوزي، وأنا إللي المفروض أعمل له كل حاجة لو مبطلتوش إللى بتعملوه ده أنا مش هسكت.
في تلك اللحظة، دخل مصطفى، وقد سمع آخر الكلمات توقفت خطواته، وصوته جاء غاضبًا: مش هتسكتى إزاي يعني؟
حاولت ندى أن تبدو ثابتة وقالت بعناد: لو ماحطوش حدود أنا إللي هحط.
أقترب منها مصطفى، صوته حاد وحازم: ندى إنتي بتخرفي، أمي وإخواتي خط أحمر، ولو اتحطيتي في مقارنة بينك وبينهم أختارهم من غير تفكير.
ارتجفت ندى، ودموعها تنهمر وهي تقول بإنفعال: إنت بتقول إيه يا مصطفى؟! أنا بحبك بغير عليك مش عايزاهم ياخدوك مني! فرحانين أهم خربتوا حياتي الله يسامحكم.
رد مصطفى بصرامة، وعينيه تمتلئان بالخذلان: كلامك معايا أنا، إنتي مش طبيعية. بعدتي عن أهلك وصحابك، وعايزاني أعيش محبوس جواكي، ده مش حب ده جنون.
مد يده إلى رأسه كأنه يضغط على أعصابه المنهكة، ثم قال بحدة: استهدي بالله يا ندى واعقلي قبل ماتضيعي كل حاجة.
(فلاش باااك أخر لموقف اخر)
دخل مصطفى من باب الشقة متعصّب، الغضب مازال يشتعل في عينيه بعد المشكلة الأخيرة بينها وبين والدته.
كانت ندى جالسة على الأرض بجوار الباب، عيناها متورمتان من كثرة البكاء، تمسك قدمه برجاء، كأنها تستجدي غفرانه.
ندى، بصوت مكسور:سامحني يا مصطفى، أنا كنت غلطانة. والله ماقصدي أزعل مامتك، بس أنا بغير بحبك أوي ومش عارفة أسيطر على نفسي.
توقف مصطفى أمامها مترددًا، الغضب يقيده، لكن قلبه بدأ يتليّن رغمًا عنه.
هو، بلهجة غاضبة لكنها مكسورة:ندى كل مرة نفس الجنان! تعصبيني وتزعلي أمي وأخواتي وبعدين ترجعي تعيطي.
مدت يدها المرتعشة تمسك يده وترفعها إلى وجهها، كأنها تبحث عن أمانها فيه: مش هعمل كده تاني، أقسملك، آخر مرة أنا اتعلمت.
تنهد مصطفى بعمق، ثم جلس بجوارها، مد يده يمررها على وجنتيها المبللة بالدموع: يا ندى، أنا مش عايزك تبقي ضدي أو ضد أهلي، أنا عايزك تبقي معايا، مش معنى إن أمي حطت لي أكل قدامي ولا وأنا نايم طبطبت عليا وغطتني إن أمي متحكمة فيا وإن أنا بتاع أمي!
ندى، مسرعة في الدفاع عن نفسها: أنا ماقلتش كده والله، أنا بس غيرت عليك منها،مش بحب أشوف حد بيلمسك غيري حتى لو مامتك،بس خلاص والله ما هعمل كده تاني.
لم تتحمل أكثر، فرمت نفسها في حضنه وهي تبكي بحرقة: وحياتي سامحني أنا بحبك أوي ماتسيبنيش.
(فلاش باااك أخر)
كان مصطفى واقفًا في ممر المستشفى يتحدث مع أحد زملائه الأطباء حول حالة مريض، وفي تلك اللحظة مرت بجواره طبيبة أخرى، ملامحها تدل أنها في منتصف الأربعينات، تحمل وقارًا يجعل حضورها لافتا، ابتسم لها مصطفى محاولًا أن يلقي السلام:
مصطفى: إزيك يا دكتورة؟
لكنها لم تجب.
أعاد مصطفى المحاولة وهو يرفع صوته قليلًا: دكتورة أنا بكلمك!
تجاهلته تمامًا، أسرعت بخطواتها كأنها لا تسمع. استدار مصطفى خلفها بدهشة وارتباك: يا دكتورة! أنا بكلمك فيه إيه؟!
توقفت فجأة، استدارت نحوه بعصبية، وقالت بصوت مسموع جذب إنتباه من في الممر: بقولك إيه يا مصطفى، مالكش دعوة بيا، وماتكلمنيش تاني! أنا أصلاً همشي من المستشفى دي! مراتك مش طبيعية، راحت قالت لجوزي إني بلف وراك! دي كانت هاتتسبب في طلاقي!
اتسعت عينا مصطفى من الصدمة، بينما قلبه يسقط في مكانه وفي تلك اللحظة، تقدمت ندى التي كانت واقفة بعيدا قليلاً، تدخلت بصوت عالٍ ممتلئ بالحدّة: وده مش حقيقي؟! مش بتقعدي تضحكي مع جوزي وتاكلي معاه إنتِ والدكتور حسن؟! ومابتختاريش غير النبطشيات بتاعته؟! كل شوية تقولي له تعالي أعلمك، تعال أوريك، هو مافيش غيرك؟!
مصطفى، محتقن الوجه، صوته يتقطع بين الغضب والخذلان: إنتِ عملتِ كده بجد يا ندى؟!
ندى، بحزم متحدٍ: أيوه لازم يلم مراته!
الطبيبة، رفعت رأسها بشموخ وهي تنظر إلى ندى من أعلى لأسفل، وردت بهدوء قاسٍ: أنا مش هرد عليكي علشان أنا واحدة محترمة.
ندى، ضحكت بإستهزاء: محترمة؟! لو كنتي محترمة، كنتِ احترمتي جوزك الأول! ماتبصيش لراجل متجوز! لكن إنتي مش محترمة قليلة الأدب!
مصطفى، ببحة رجولية جهورة وهو يصرخ: بــــس! كفاية فضايح!
لكن الوقت كان قد فات الأعين كلها اتجهت نحوهم: أطباء، ممرضات، حتى بعض المرضى من الغرف المجاورة المشهد صار فضيحة علنية، والوجوه متفرجة ما بين صدمة وشفقة، كان مصطفى يقف في المنتصف، يغلي من الغضب، والخجل ينهش كبرياءه.
اقتربت الطبيبة منه بخطوات واثقة، وصوتها ينزل كالصاعقة: أسمع يا مصطفى، أنا علشان بحترمك بقولك تمشي من المستشفى دي قبل ما أنا أمشيك بطريقتي، أنا اسم كبير هنا، وإنت عارف قيمتي، وإنت كمان عارف إني بشيل معاك شغلك في أكتر من حالة، ماتحطنيش في موقف أبقى مجبرة أقطع عِشرتك بشغلك.
وهكذا، أخذ مصطفى يسترجع في ذهنه سيلًا من الذكريات، كل الخلافات والمشاكل التي اعتادت ندى أن تفتعلها مع أهله وأصدقائه. تذكر مشاجراتها مع محمد، ومواقفها المتكررة في العمل كم مرة أثارت أزمة لمجرد أنه تحدث مع إحدى زميلاته؟ أو أطال المكالمة مع أحدهم أكثر مما تحتمل غيرتها؟
حتى المرضه لم يسلموا مهما كانت الاعمار..
تكررت المواقف، وتكررت مسامحاته، كم مرة عفا عنها؟ كم مرة أغلق عينيه وتجاوز، على أمل أن تتغير؟ لكنها لم تفعل لم يكن هناك تغير، بل غوص أعمق في جنونها ومرضها.
نعم، ندى كانت زوجة في الإتجاه الآخر، جميلة جدًا، ولم يحدث بينها وبين مصطفى أي مشاكل، بالعكس، كانت مطيعة جدًا وحنونة، وتهتم به بشكل مبالغ فيه، لدرجة أنها ابتعدت عن أهلها وأصدقائها وجعلت حياتها كلها مرتبطة بمصطفى، حتى أنها أهملت دراستها وعملها لتكون مركزة معه، لذلك، لم يواجه أي مشاكل معها إلا بسبب غيرتها وتملكها المجنون.
باااك
عاد مصطفى إلى الحاضر، يرفع يده المثقلة بالهم إلى جبينه، كأنما يحاول أن يمسك رأسه قبل أن ينفجر. عيناه تترقرقان بالدموع، تختلط فيهما مرارة الغضب بوجع الانكسار، وكأن قلبه ينتزع من صدره ببطء.
همس بصوت متهدج، بالكاد يسمعه نفسه: للأسف كنتي بتاخدي فرص كتير وكل مرة كنتي بتغوصي أكتر في جنونك ومرضك.
💞__________بقلمي_ليلةعادل◉‿◉
فى أحد المقاهي على البحر، الخامسة مساءً
جلس محمد وعائشة على طاولة مواجهة للموج، وأمامهما كوبان من العصير، كان وجه محمد مشدودًا وعيناه مشحونتين بالضيق.
محمد بصوت يختلط فيه الإنفعال بالكتمان: انا مش فاهم، هنفضل لحد إمتى بنأجل؟! كل مرة تقولي بعد الامتحانات، بعد ماخلص، بعد مش عارف إيه! لحد إمتى يا عائشة؟ أنا عايز أخد معاكي خطوة رسمية، إللي إحنا فيه ده ماينفعش، أنا مش عارف أحدد أنا خطيبك ولا مش خطيبك!
أجابته بهدوء، محاولة أن تخفف من وقع كلماته:
هو إنت فاكر يعني لو اتخطبنا هيتغير إيه؟ ما إحنا كدة كدة مع بعض مافيش جديد.
ضرب محمد كفه على الطاولة بخفة، وقال بعصبية:
لأ، فيه فرق! أنا محتاج ده نفسيًا، محتاج أبقى عارف إن فيه حاجة رسمية بتربطني بيكي أنا وافقت نستنى على جوازنا لحد ماتخلصي جامعة، يعني بعد تلات سنين كمان! رغم إني جاهز دلوقتي، لكني محترم رغبتك، لكن كمان نأجل خطوبتنا الرسمية؟! لا أكتر من كده ماينفعش.
صمت لحظة، ثم نظر إليها بحدة: عائشة، هو إنتي خايفة مني؟ مش عايزاني؟ حاسس إنك مش شايفاني كزوج فهميني.
ارتبكت عائشة، وردت بسرعة: هخاف منك ليه يعني؟ وبعدين إيه إللي إنت بتقوله ده! ما أنا وافقت عليك لما اتقدمت لي، وبعدين قلتلك ماشي، موافقة على الخطوبة بس نصبر شوية.
وقف محمد ببطء، وضع يده في جيبه، ونظر إليها نظرة حاسمة: خلاص أنا تعبت مش هينفع أستنى أكتر من كده، فكري كويس وخدي قرار نهائي يا خطوبتنا تكون الأسبوع الجاي، با خلاص، لكن كده ماينفعش.
أدار ظهره وتحرك بهدوء، تاركًا عائشة جالسة وحدها أمام البحر، عيناها معلقتان بموجة بعيدة، وصدرها يتخبط بأسئلة لا تملك لها جوابًا، مدت يدها إلى كوب العصير أمامها، ثم توقفت فجأة، كأنها فقدت الرغبة في أي شيء، أعادت الكوب إلى مكانه وأسندت رأسها بين كفيها، كأن البحر الواسع أمامها صار أضيق من قرار واحد لا تستطيع اتخاذه.
منزل مصطفى، السابعة مساءً
الصالة
دخلت عائشة بخطوات بطيئة، وجهها يحمل حزنًا وشرودًا واضحين، في الصالة كانت العائلة مجتمعة: نبيلة، إيهاب، مصطفى، ألقت عائشه حقيبة يدها على الأريكة وجلست بتثاقل، وبدت كأنها غارقة في أفكارها.
نبيلة بإهتمام: عملتي إيه مع محمد؟
تنهدت عائشة: ماعملتش حاجة، زعل ومشي، قلت له نصبر لحد الإجازة الكبيرة، بس هو مصمم إننا نتخطب اليومين دول.
رفع إيهاب حاجبيه بإستنكار: سابك لوحدك؟!
تدخل مصطفى سريعًا: ماهو عمل الصح لو قعدوا أكتر، كان ممكن تحصل مشكلة.
أعترض إيهاب: لأ برضه، مهما حصل، ماينفعش يسيبها كده، كان لازم يوصلها أو يركبها حاجة.
أجابت عائشة بهدوء حزين: أنا أصلاً كنت عايزة أقعد لوحدي محتاجة أفكر هو سايبني من بدري.
نبيلة بحنان وحكمه: طب وإنتي يا بنتي هتفضلي تأجلي لحد إمتى؟! لازم الموضوع ياخد شكل رسمي. أنا مش معاكي خالص، محمد ده محترم، وإحنا إللي مربيينه.
انفجرت عائشة بعصبية مكتومة: مش فاهمة ليه مصممين كل حاجة تحصل دلوقتي! يعني إيه لما نلبس الدبلة في الإجازة؟ ما إحنا كده يعتبر مخطوبين.
نظرت إليها نبيلة بحزم وحنان وقالت: يا بنتي، أنسي أبوكي، محمد مش زي أبوكي، محمد راجل محترم، لو وقفتي حالك كده مش هتلاقي أحسن منه، إحنا عارفينه كويس متربي على إيدينا عمره ماهيهينك ولا يعمل حاجة من إللي إنتي خايفة منها.
تمتمت عائشة بصوت مكسور: محدش بيبان غير بعد الجواز.
نبيلة بعقلانية: معاكي، بس فيه رجالة من أولها بتبان لو بخيل، لو غيور بجنون زي ندى، لو قليل الأدب أو خاين كله بيبان، ومحمد مش كده، وبعدين فترة الخطوبة هتخليكي تقيمي صح.
مصطفى بلهجة حاسمة: بصي يا عائشة، الموضوع ده مش عاجبني خالص، قدامك أسبوع من النهاردة، هاجي أسألك: خطوبتك على محمد إمتى؟ تقولي ميعاد والميعاد يبقى خلال الشهر ده غير كده، هعتبر الموضوع خلص وهروح أقول لمحمد: كل شيء قسمة ونصيب، ومن اللحظة دي هيبقى اخوكي.
عائشة بتوتر: مصطفى!
قاطعها بحدة: هو ده إللي عندي.
أضاف إيهاب مؤيدًا: وأنا كمان الموضوع طول وبقى يضايق، لما تحسي إنك مش خايفة ومرتاحة، ساعتها نجوزك، إنما لعب العيال ده ماينفعش مش من تربيتنا.
ساد الصمت للحظة، وعائشة تمسح دمعتها، وقلبها يتخبط بين خوف قديم ومستقبل قد يضيع منها.
منزل ماسة التاسة مساءً
كانت ماسة جالسة في حجرتها حين رن هاتفها. نظرت للشاشة، فوجدت اسم ندى يضيء، ضغطت على الاتصال لتفتح مكالمة فيديو بينهما.
ماسة: الو إيه يا ندى، عاملة إيه
ندى بابتسامة خفيفة: الحمد لله يا ليندا بقولك إيه؟! كلمتي مصطفى؟
ماسة متنهدة: هو آه، كلمته، بس لسه معاند ومتعصب بس هحاول تاني، حتى بفكر أكلم خالته.
ندى بتأييد سريع: آه، آه كلميها وكلمي عائشة كمان، بلاش إيهاب عارفه إن إيهاب مابيحبنيش، كان سبب في طلاقنا، كان دايمًا يقسي مصطفى عليا لكن طنط عائشة طيبة، خليها تكلمه.
ماسة بابتسامة: خلاص ماتقلقيش، أنا هحاول تاني إن شاء الله وإنتِ حاولي تبقي هادية، عشان يحس إنك اتغيرتي.
ندى بتأثر: أنا اتغيرت فعلاً ومش هغير عليه تاني. بس يعني إنتِ مش بتغيري على جوزك؟
ماسة: أيوه، بغير، بس ما بوظلوش شغله.
ندى موضحه: أنا ماقصدتش ابوظ عليه شغلة يا ليندا، بس لما أدخل عليه ألاقيه بيهزر مع الدكتورة زميلته ويضحك معاها بأسلوب اوفر لازم اتعصب كل اللي بعمله بقول لها ما لكيش دعوه بجوزي واحترمي نفسك هل كدة غلطانه؟! ذنبي ايه يعني ان هما بيكونوا دكاتره ليهم اصحابهم الاستشاريين فبيمشوه
ماسة بنبرة حنونة: أنا فاهمـاكي والله عموماً، هحاول تاني وأوعدك.
ندى: شكراً جداً يا ليندا باي
أغلقت الهاتف معها، واتجهت نحو الشرفه. فتحتها، ووقفت تحاول التقاط أنفاس عميقة، بينما رأسها مزدحم بالأفكار: ماذا تفعل؟
وفجأة، وهي واقفة، ضاقت عيناها كأنها لمحت شخصًا مألوفًا مسحت عينيها بيدها، محاولة التأكد، للحظة، خيل إليها أنها ترى رشدي، لكن حين دققت النظر، والرجل اقترب قليلًا، اكتشفت أنه ليس هو.
زفرت بملل وتعب، وألقت رأسها للخلف متذمرة: ربنا ياخدك يا أخي، حتى مش سايبني في أحلامي، ولا سايبني في الواقع إيه ده؟ أنا مبتخيلش سليم قد مابتخيلك؟
رفعت وجهها للسماء، والدموع محتبسة في عينيها، هامسة بوجع: يا رب ارحمني، أنا بجد تعبت.
قصر الراوي
الصالون الثانية مساءً
وقفت منى في وسط الصالون، تتحدث مع عواطف بنبرة مسيطرة، محاولة تقليد أسلوب فايزة. بالارستقراطي المتحكم:
منى بأمر: طلعي الطقم الفضي يا عواطف، بابي وأخويا جايين يتعشوا معانا النهاردة، والعشاء الساعة ستة، وعايزة العشاء كله إيطالي وكل إللي هيخدم النهاردة يكون دومينيك واستلا.
عواطف، مترددة: بس يا هانم
منى، رافعة حاجبها: بس إيه؟!
عواطف، مترددة: أصل فايزة هانم حاطة أوامر وقواعد لخروج الطقم ده وأطقم تانية.
كان طه قريبًا منهم، جالسًا على الأريكة يقرأ في إحدى المجلات رفع عينيه عن الصفحات وهو يضع قدمه على الأخرى.
طه، بلهجة حازمة: نفذي كل كلمة قالتها منى هانم مش عايز جدال، أي حاجة تطلبها تتنفذ، وما لكيش دعوة بالهانم فهمتي؟
عواطف، منحنية بخضوع: حاضر يا طه بيه، حاضر يا منى هانم، هعمل كل إللي حضرتك عايزاه.
انصاعت عواطف وغادرت المكان، بينما ابتسمت منى واقتربت من طه بدلال
منى، جالسة بجانبه وتمسك يده: شكرًا يا حبيبي، من أول وقت جوازنا تقريبًا ١٧ سنة، دي أول مرة أحس إن ليا كلمة في القصر كنت دايمًا حاسة إني غريبة أو مجرد تابع، بين فايزة وصافيناز.
طه، مطمئنًا: خلاص صافيناز مشيت ومش هترجع، وحتى لو رجعت، متأكدة مش هتبقى بنفس السيطرة. إنتي هتاخدي مكانها أتكلمي براحتك، وأعملي إللي عايزة أنا معاكي وماتقلقيش.
منى، مبتسمة بارتياح: أخيرًا يا طه، هتاخد موقف بقى وتخلي مراتك لها قيمتها في القصر.
طه، مبتسم لها: إنتي ليكي قيمة كبيرة يا منى، إنتي والأولاد.
نظرت منى حول الصالون، شعرت بالراحة والرضا، وكأن القصر كله صار ملكها بالفعل، وطه كان سندها ودعمها في كل شيء كانت هذه اللحظة بالضبط ماكانت تتمناه منذ سنوات.
المانيا
كانت السيارة تشق طريقها عبر إحدى الطرق الزراعية، حيث جلس سليم في المقعد الخلفي، وأمامه السائق وبجواره مكي، فيما كانت سيارات الحراسة تتبعهم في صف متماسك.
وفجأة، انقضت عدة سيارات دفع رباعي، فقطعت الطريق بعنف، وأمطرتهم بوابلٍ من الرصاص، ارتجت السيارة تحت وقع الطلقات، فصرخ مكي وهو يلتفت إلى الخلف، وضغط على كتفي سليم ليخفض رأسه، ثم صاح في وجه السائق أن يسرع، مد جسده من النافذة وأطلق النار بعنف على المهاجمين، بينما أخرج سليم مسدسه سريعًا وبدأ يرد الطلقات.
اشتعلت المطاردة، وتعالت أصوات المحركات والرصاص، فيما كان الحراس يقاتلون بضراوة لحماية سيارة سليم. وتمكنوا من قلب إحدى سيارات المهاجمين بعد اشتباكٍ عنيف، لكن المعركة استمرت وسط الرصاص والصرخات والجثث، وبسبب كثرة عدد سيارات المعتدين، وضع سليم تحت ضغط هائل حتى أُجبرت سيارته على التوقف، محاصرة بين فوهات البنادق.
أُنزل الجميع من السيارة تحت تهديد السلاح؛ سليم، ومكي، والسائق، وعشري، وأحد الحراس، أُجبروا على الركوع أرضًا، وأطواق النار تحيط بهم.
عندها، تقدم رجل ذو هيبة، يحيط به حراسه كجدارٍ بشري، ارتسم على ملامحه جفاء المافيا وسطوتها، وانطلقت من صوته نبرة تهكم جارح وهو يقول: كنت تظن أنني لن أعرف بوجودك هنا؟ لقد أخبرتك مرارًا أننا نسبقك بخطوة، وأنك مهما حاولت ستبقى صفرًا، ونحن الواحد.
رفع سليم عينيه بثبات، وقال بصوت متماسك: أنت تحلم، هذه نهايتك، أنت لا تعرف مع من تلعب.
قهقه الرجل ضاحكًا وقال بسخرية:مازلت مغرورًا، حتى وأنت في حضن الموت.
ارتسمت على شفتيه ابتسامة ماكرة، وأشار بسلاحه نحو الواقفين وهو يضيف: صدقني، هذه نهايتك يا ابن الراوي، من تفضل أن أتودع أولًا؟ مكي، أم عشري؟
لم ينتظر إجابة، بل صوب ببرودٍ وأطلق رصاصة اخترقت صدر عشري، وعيناه لا تفارقان عيني سليم، سقط عشري أرضًا مضرجًا بدمائه، فغلت الدماء في عروق سليم وحاول النهوض، غير لكن أحد الحراس أمسكه من الخلف بقوة وثبّته أرضًا.
بينما صرخ مكي بصوتٍ منكسر: عشـــري!
اقترب الرجل، ووضع فوهة مسدسه على جبين سليم وقال بغلظة: اعترف، وتخل عن غرورك، هذه نهايتك.
ضغط بإصبعه على الزناد، فتجمد الهواء حولهم
يتبع
لاتلهكم القراءه عن الصلاه وذكر الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
❤️🌺🌹❤️🌺❤️🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹🛺🛺🛺🛺🛺
الصفحه الرئيسيه للروايات الجديده من هنا
جميع الروايات الحصريه والكامله من هنا
انضموا معنا علي قناتنا بها جميع الروايات على تليجرام من هنا
❤️🌺🌹❤️🌺❤️🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹🛺🛺🛺🛺🛺
تعليقات
إرسال تعليق