القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية الماسه المكسوره عناق الدم الجزء الثاني الفصل الاول بقلم الكاتبه ليله عادل حصريه وجديده


رواية الماسه المكسوره عناق الدم الجزء الثاني الفصل الاول بقلم الكاتبه ليله عادل حصريه وجديده 


{" لم أرد أن أكون كاذبة، لكن الحقيقة كانت أقسى من أن تُقال، وأضعف من أن تُحمى. فالحقائق، حين تنكشف، لا تحمل الخراب وحده؛ فبعضها يمد يد الغفران ليعيد القلوب إلى دفئها، وبعضها يشتعل كنارٍ تلتهم ما تبقى من الزيف. وفي لحظة واحدة، أجتمع الصفح والانتقام، وعرف كل منهما طريقه؛ قلوبٌ تصالحت، وأخرى حُكم عليها بالسقوط. "}

                                    ليلةعادل🌹✍️

 

                    الفصل الأول❤️🤫


            [بعنوان: حقائق لا تنسى]


لازالت ماسة جالسة على الأريكة في ذات الموضع، منكمشة كطفلة خائفة، عيناها تنزفان دموعًا لا تنضب، كأن قلبها قرر أن يبكي عمرًا كاملًا في لحظة واحدة، وجهها غارق بالدموع، وأناملها ترتجف، وكل مافي داخلها يصرخ بالآهات.


من حولها، جلس مصطفى وعائلته، ومحمد الصدمة تلتهم ملامحهم، تمحوها تمامًا، فقصتها   سودوية بشدة، أشبه بفيلم مأساوي لا حقيقة فالكلمات التي تفوهت بها ماسة، كانت كفيلة بخنق أنفاسهم بدهشة موجعة.


كانت عينا عائشة ونبيلة دامعة، وقلوبهم نابضة بالحزن، كانتا تحدقان بها في ذهول، والحزن مسكون في أعينهما، على ماكابدته، أنها خاضت كل ذلك وحدها.


بينما مصطفى غارقًا بمزيج من المشاعر؛ صدمة، حيرة، حزن قلبه يضج بالأسئلة التي لا يملك لها جوابًا، وكأنه يحاول ترتيب الفوضى داخله دون جدوى.


أما محمد، فكان ينظر إليها بعدم تصديق، وجهه مشدود، ونظراته حادة، كأن الصدمة لديه تحولت  إلى رفض تام لما سمعه.


بينما إيهاب كان شاردًا لم يتحرك، لم ينبس بكلمة، فقط جلس هناك يستمع، وعيناه تتسعان مع كل كلمة، وفي قلبه أنين لا صوت له، كأن شيئًا ما انكسر فيه ولم يعد يمكن إصلاحه.


خرج صوتها واهيًا، وكأن الحكاية كانت تنتزع من روحها لا من فمها.


ماسة بحزن وضعف بنبرة مبحوحة: ساعتها خرجت من الفيلا مش عارفة أروح فين؟! كل إللي كان في دماغي إني عايزة أمشي، عايزة أحمي نفسي، قعدت أجري في الصحراء وأنا مش عارفة رايحة فين؟ مش عارفة أصلًا أنا فين؟! لحد ما قابلتك والباقي إنت عارفه.

بمرارة وألم يعصف قلبها: هي دي قصتي ودي أسبابي إللي خلتني أكذب، أو مش أكذب، أخبّي الحقيقة أو أغير منها شوية..


أخذت نفسًا عميقًا، ومسحت وجهها بأنامل مهتزة، رفعت عينيها إليهم، تحاول أن تمحو تلك الاتهامات العالقة في الهواء، أن توصل ماعجزت عنه الكلمات من قبل، كانت صادقة، أكثر من أي وقت مضى، ها هي، ماسة، كما عهدناها، بشخصيتها الحقيقية، التي نعلمها جيدًا.


ماسة بنبرة معتذرة بها رجاء: أنا مش طالبة منكم تسامحوني، ولا حتى تدوني فرصة، أنا بس كنت عايزة أفهمكم أنا ليه عملت كده؟ أنا حقيقي أسفة.


ثم أخذت تنظر إليهم واحدًا تلو الآخر، تتذكر أسمائهم، تنظر بأسف على كل وجه عرف طيبتها يومًا:أسفة يا مصطفى أسفة يا ماما نبيلة أسفة يا عائشة أسفة يا إيهاب أسفة يا محمد أسفة ليكم كلكم، عارفة إن الاعتذار مش كفاية، ومش هطمع في قلوبكم الصافية إللي ماشفتش زيها في حياتي إنكم تسامحوني، لكن أنا أسفة لإني عارفة إني غلطت في حقكم، بس هي دي قصتي والله ماكذبت عليكم في حاجة وهي دي الحقيقة وهي دي أسبابي.


علقت عائشة بدهشة: أنا مش مصدقة، إن فيه ناس بالبشاعة دي؟ قصتك كأنها قصة فيلم، مش حياة!


نبيلة اقتربت منها قليلًا، متسائلة بقلق: طب هما ماحاولوش يكلموكي؟ أي حاجة؟


أمالت ماسة رأسها جانبًا، ومرت على شفتيها ابتسامة حزينة: هيكلموني إزاي؟ أنا مشيت وماحدش يعرف، حتى لما روحت لأهلي أكدولي إن سليم أصلًا ماعرفهمش إني هربت، يعني بنسبة كبيرة هما كمان مايعرفوش حاجة، وحتى لو يعرفوه، هيوصلوا ليا إزاي؟


مصطفى متسائلًا بنبرة مهتزة: يعني سليم هو إللي كان ضربك كده يوم مشفتك؟


مسحت ماسة دموعها وأخذت أنفاسها بتأكيد: أيوة كل حاجة حكيتها عن جوزي كانت حقيقية، بس الفرق إن اسمه مش إسماعيل، زي ماقلت، اسمه سليم مش ظابط رجل أعمال.


نبيلة متعجبة: يعني الضرب والعلقة الجامدة دي كلها بس عشان قلتي أستنى شوية؟


ماسة هزت راسها بإيجاب: أيوه،  لما خنقني، ضربته على دماغه وجريت، أصلا ماكنتش أقصد أهرب أنا كنت بجري من خوفي لحد ماقابلت مصطفى.


نبيلة وهي تضرب كف بكف: فعلاً، قصتها غريبة وكل ده علشان كنتي خدامة ما ربنا كان قادر لما خسروا فلوسهم  يخسف بيهم الأرض زى قارون ولا فرعون عالم ماتعرفش ربنا.


عائشة رفعت حاجبيها بضجر: عندك حق يا ماما ولاصافيناز ورشدي وفايزة؟ إيه الناس دي؟ فيه بشر بالبشاعة دي؟ يخرب بيتهم، والله يا بنتي، كويس إنك فضلتي بعقلك!


محمد فجأة، بصوت مليء بالشك: استني يا عائشة، إنتِ مصدقة كلامها؟ دي بتكذب من أول يوم عرفناها؟!


رفعت ماسة عينيها له، نظرتها فيها وجع: أنا هكذب ليه يا محمد؟


محمد بإنفعال وشك: ونصدقك ليه؟ ما من أول ماشفناكي وإنتي بتلفي وتدوري، مرة اغتصاب، ومرة جوزي معرفش بيضربنى،  ومرة جوزي بيلفق قضايا لأهلي، ومرة اسمك دينا، ومرة حور سبحان الله! فجأة طلعت بنتك!


شهقت ماسة بصوت خافت، وقالت بنبرة غليظة: أنا ممكن أتحمل منك أي حاجة، بس بلاش بنتي، مالكش دعوة بحور، وخرجها من أي كلام بعد إذنك.


محمد بسخرية وهي يشد على الكلمة: ولكي عين تتكلمي؟


ماسة بصوت مكسور وهي تنظر إلى الأرض تحاول أن تبقى ثابتة: محمد بعد إذنك بلاش حور.


رفعت عينيها بألم ومرارة: أنا مش طالبة منكم حاجة، إنتوا سألتوني عن حكايتي، وأنا حكيت وعرفتكم ليه كذبت، وليه خبيت، ماعنديش حكاية تاني أقولها دي المرة الوحيدة إللي فعلا بقول فيها كل حاجة بصدق.


تحاول تبرير وتوضيح موقفها بصدق: ولما خبيت الحقيقة والله العظيم، كنت بحميكم!  كنت خايفة من اليوم إللي سليم يوصلي فيه ويعرف إنكم كنتوا عارفين وساعدتوني، مش هيسامح،   أديكوا شفتوا عمل إيه في أهلي إللي كانوا بيحبوه، ماشافش منهم حاجة وحشة، بس عشان عرف إنهم ساعدوني مارحمش، وإللي ماساعدونيش ماسبهمش، كنت بحميكم، ورحمة بنتي.


رفع مصطفى عينيه نحوها، ثم وقف دفعة واحدة، كأن جسده لم يعد يحتمل ثقل الصدمة، أنفاسه كانت تتلاحق، يده متشنجة بجانبه، وعيناه يملؤهما الغضب والضياع معًا، مشاعر متضاربة تسابق الوقت في داخله، لا يعرف أيها يسبق.


قال بنبرة غاضبة، لكنها هادئة على نحو غريب، كأنها آتية من أعماق الألم: تحمينا من إيه يا ماسة؟ ولا أقولك يا حور؟ أنا أنا مش قادر أصدقك، ولا قادر ماصدقكيش، ولا قادر أكرهك، ولا حتى قادر أسامحك، ولا حتى عارف أغضب منك زي

مالمفروض أعمل، بس إللي متأكد منه، أنا متضايق أنا سألتك كتير، وقلتلك قولي لو مخبية حاجة وقلتيلي لأ..


توقف لحظة، وحول نظره إلى ملامحها يتأملها بضجر وإنكسار، يبحث عن الصدق في عينيها، رغم أن جزءًا منه لا يريد أن يجده.


ثم تساءل بغضب: كام مرة سألتك؟ كام مرة؟ وإنتي قلتي لأ؟ ردي.


توقفت ماسة، واقتربت من منه خطوة واحدة، وعيناها ما تزالان غارقتين في دمعٍ لم يجد له طريقًا للتوقف.


صوتها خرج مترددًا، يجر خلفه أنفاسًا متقطعة، كأنها تبحث عن مخرج أخير من دوامة الخذلان التي غرقت فيها:

كنت بحميك، معرفتك للحقيقة ماكنتش هاتغير حاجة؟!


لكن صوت مصطفى جاءها كصفعة: إزاي يعني؟! إنتِ خبيتي خبيتي كل حاجة يا حور،  أقصد يا ماسة، ده مافيش حاجة حكيتيها كانت صح، وأنا وثقت فيكي! أنا اتحديتهم علشانك! صدقتك، بس إنتي خبيتي، وإنتي عارفة كويس إنك بتعملي ايه؟! إنتِ هتخليني بعد كدة مصدقش حد تاني، ولا أثق في حد تاني!


أنهارت ماسة تمامًا، ودموعها لم تعد تخفى، ولا صوتها يخرج كما يجب: أنا أسفة.


لكن مصطفى هزّ رأسه برفض، وعيناه لا تطاوعان قلبه على الصفح: مش قادر أقبل أسفك.


نظرت إليه بعينين فارغتين من الأمل، ممتلئتين بالخذلان،  ثم خفضت بصرها إلى الأرض، فما من كلمات تستطيع أن تقولها الآن.


كانت تقف أمامه كطفلة مذنبة لا تملك غير الخجل، تفتش في الأرض عن غفران لن يأتي.


لكنه لم يسكت، رد على صمتها بنبرة من قلب مخذول، نصفها غضب، ونصفها ضياع: أول مرة أبقى مش عارف آخد قرار، جوايا صوتين بيتخانقوا، قصتك توجع القلب وتكسره، بس أنا غضبان إنك خبيتي، مهما كان مبررك كان لازم تقولي لي 


مسح جبينه ثم مسح وجهه بحيرة نظر لها بضجر: أنا تايه، والله العظيم أنا تايه أسامحك ولا اخدك من إيديكي وأرميكي برة مش عارف المفروض أعمل إيه؟!


وفي لحظة، أنشق صمت الغرفة بصوت محمد، الذي أنفجر: تايه إيه؟! وتسامح مين؟!  إنتوا بتتكلموا جد؟ دي خطر علينا!


وجه نظراته إلى ماسة بحدة، وإنفعال ممزوج بتهكم:

وإنتي ياهانم يا إللي عاملة نفسك غلبانة والدنيا جاية عليكي؟! إزاي تبقي عارفة إن فيه خطورة بالشكل ده على ناس حافظت على حياتك، وتسكتي؟! إزاي تستني اكتر من شهرين ونص؟! وإنتي عارفة إنك بتعرضي حياتهم للخطر؟!


رفعت ماسة وجهها بصوت متكسر، وكأن الكلمات تكسر في حلقها قبل أن تخرج: كنت عايزة أمشي، وحاولت كتير ومصطفى هو إللي منعني.


رفع محمد حاجبيه بسخرية: يا سلام؟! ولو إنتِ أصلًا زي ما بتقولي، حد كويس، ماكنتيش قبلتي تؤذي الناس إللي وقفوا معاكي! علشان إنتي عارفة كويس إن جوزك ممكن يعمل فيهم إيه؟!


هزت ماسة رأسها بإنكسار، وكأنها تسلم نفسها للحقيقة التي لا مهرب منها.


نبرة صوتها كانت ضعيفة، مجروحة، تنبع من روح تعبت من الاختباء، ولم تعد تملك سوى الصدق:عندك حق، بس أنا كنت فاكرة إن بكذبي هحميكم وبعدين، والله، فكرت أمشي، بس كنت هروح فين؟ ماكانش ليا مكان ولا حد ولا ضهر، كنت خايفة، إنت ماتعرفش الأسبوع إللي قضيته في الشارع، حصلي فيه إيه...


توقفت لحظة، حاولت السيطرة على دموعها، ثم أكملت بقَسم خرج من أعماقها، صوتها يرتجف لكنه ثابت: بس أقسم بربي العزة أنا أفديهم بحياتي، مستحيل أقبل إن حاجة تمسهم.


ثم ألتفتت إليهم، بعينين امتلأتا بالصدق، وبنبرة وعدٍ نقي لا رجعة فيه: ماتخافوش، والله محدش هايأذيكم، حتى لو ثمن ده حياتي.


لكن محمد أنفجر من جديد، بصوت غاضب، لا يحمل في طياته سوى الخوف والخذلان: وإحنا مالنا؟! هو ده ذنبنا؟ نضمن منين إن جوزك مايأذناش؟ كفاية بقى!


ثم ألتفت إلى إيهاب، وهو يصرخ بانفعال: ما تقول حاجة يا إيهاب؟! قاعد ساكت ليه؟


لكن  إيهاب، كان مختلفًا عن الجميع لم يتكلم، فقط كان يستمع، بصمت عيناه شاردتان، وقلبه في مكان آخر عقله حاضر، لكن روحه منهارة.


هو لم يكن يسامح في الكذب، وكان أول من أعترض على وجودها، ثم صدقها، ثم صار صديقًا لها مقرباً، والآن يشعر أنها خدعته، لكنها في نفس الوقت، قصتها لمست شيئًا عميقًا في قلبه، شيء لم يستطع تجاهله.


جلس مكانه، لا يعرف ماذا يفعل، ولا ما يجب أن يقوله فقط، ظل صامتًا.


عندما وجد محمد إيهاب صامتا، نظر لنبيلة قال بإستهجان: جرى إيه يا خالتي؟ مش هاتقولي حاجة؟ ولا إنتِ كمان هاتبقي زي مصطفى، وعندك استعداد تسامحيها؟


ضربت نبيلة كفها على كفها، وخرج صوتها متهدجًا من فرط الحزن والشفقة:يا ابني أقول إيه بس؟ والله ما عارفة؟! دي مسكينة يا محمد، ماسمعتش كانت بتقول إيه؟ كانت عايشة مع عالم مؤذي ميعرفوش ربنا، واتبهدلت أنا أكتر واحدة حاسة بيها.


لكن محمد لم يهدأ، زفر بغضب، ثم نظر إلى ماسة بتهكم واضح، ونبرة قاسية: لا ماتجننونيش إوعي تفتكري إني هخليكي تشتغلي على ضعفهم، وتستغلي التشتت والتذبذب إللي عندهم ده، أو قلبهم الأبيض أكتر من كده!


نظرت إليه ماسة، وضاقت عينيها بإعتراض، كانت على وشك الانفجار، لكنها كتمت نصف الغضب، وتركته يخرج على هيئة حزم مختلط بالخذلان: مين قالك إن أنا هقعد تاني؟ أنا همشي مش هاتشوفوا وشي تاني، وأنا عمري ماستغليت حبهم أو ضعفهم أنا اتشعبط فيه زي الغريق علشان أنا ماقابلتش حد زيهم في حياتي، لازم تصدقني اني عملت كده غصب عني علشان أحميهم وأحميك معاهم.


ثم تابعت، ودموعها تسبق كلماتها، وقلبها يتهشم مع كل حرف:

مش كل الكذب يا أستاذ محمد بيكون كذب علشان الكذب نفسه، ساعات بيكون حِماية، أنا طول الفترة إللي قضيتها معاكم، كنت بتعامل بشخصية ماسة، ماسة إللي تاهت مني، ماسة البريئه اللي  مكنتش تعرف ان الصندوق الصغير اللي فيه ناس بتتحرك اسمه تلفزيون ولا الجبل إللي نازل منه ميه شلال اللي بتصدق كل حاجة واي حاجة، حتى لما عملت نفسي مش بعرف أقرأ، كنت بتمنى أرجع زي زمان، وقت ما سليم عرفني قولت اسرق لحظات من زمان بس ماعرفتش، علشان كدة اتعلمت بسرعة يا إيهاب.. 

صمتت للحظة تابعت بحزن: 

أنا عارفة إن ليكم حق ماتصدقونيش، وتلوموني، وتشوفوني وحشة بس أنا ماقصدتش والله، أنا ضحية، ضحية ناس استغلوا خوفي على أهلي، ناس قاسية، أنا ماخترتش الطريق ده، ولا اخترت أكون بالشكل ده، ولا أكون كذابة، بس كنت مضطرة أنا كنت مشتاقة لماسة البنت البسيطة إللي من الأرياف بس حتى دى ماعرفتش أرجعها..


نظرت بعدها إلى مصطفى، واقتربت منه بخطوات واهنة، بعينين ممتلئتين بالحزن والامتنان: مصطفى، انا بشكرك على كل حاجة عملتها معاياأنا آسفة، من قلبي إني خذلتك وهزيت ثقتك، مش هقولك حط نفسك مكاني، أنا بس مش عايزاك تتغير، خليك زي ما أنت بقلبك الأبيض، وأفهم وصدق إن أحيانًا الكذب بيكون نجاة، مش للطرف إللي بيكذب، للي حوالين منه وده إللي عملته.


صمتت لحظة، أخذت نفسًا عميقًا، ثم أكملت: كل إللي بطلبه منكم، إنكم تتعاملوا مع سليم بحذر مش علشاني،علشانكم.


قالت كلماتها الأخيرة بخجل، وعينها مكسورة تمامًا، لا تملك حتى أن ترفعها في وجوههم صوتها خرج هامسًا، مرتجفًا:

أنا بس بطلب، تسيبوني أبات هنا النهاردة أنا والله بكرة همشي مش هتشوفوا وشي تاني، ولو قدرتوا تسامحوني سامحوني.


وهبطت دموعها بكثرة، وجع حقيقي، لم يكن فيه شيءٌ مصطنع أرادت أن تتحرك، أن تبتعد، أن تهرب من المكان وكل من فيه.


لكن مصطفى، في لحظة صادمة، مد يده فجأة وأمسكها من معصمها، كأنه ينقذها من هاوية لا قرار لها.


مصطفي بمنع ونبرة رجولية مبحوحة: أستني، أقفي هنا ما تمشيش.


قبل أن تلتقط أنفاسها، تدخل محمد بسرعة، بنبرة ضيق ورفض قاطع: هتستنى ليه؟ سيبها تغور في أي داهية!


لكن نبيلة رفعت يدها كأنها تهدئ عاصفة، ونظرت إلى محمد بنظرة هادئة، فيها مزيج من الحكمة والانكسار: يا محمد، يا ابني، أصبر هي هتروح فين دلوقتي الدنيا ليل؟ وبعدين أنا مصدقاها، إنت ماسمعتش أهل جوزها عاملين إزاي؟ دول شياطين، والشياطين أحن منهم!


محمد صرخ بهم، ووجهه يتلوّن بالغضب: ايه إللي إنتوا بتقولوه ده؟! هو إنتم أصلا مصدقين التخاريف بتاعتها دي؟! 


لكن مصطفى بادره، محاولًا تهدئته، وكأنه يقاتل داخله أيضًا: أيوة أنا مصدقها أنا تعاملت مع سليم كتير ماكانش طبيعي فعلًا إنسان غريب، شفت كان بيكلمنا إزاي لما كنا في المستشفى؟


محمد زفر بحدة، وضرب بكفه على صدره بضجر: حتى لو هي بتقول الصح، وإحنا مالنا؟! يا إيهاب، اتكلم بقى قبل مايحصللي حاجة هتفضل ساكت؟!


وهنا الجميع ألتفت إلى إيهاب لكنه ظل صامتًا لثوانٍ ثقيلة.

عينيه جامدتين، لكن روحه كانت تتحرك بعنف في داخله.


ثم توقف ببطء، دون كلمة، وسار نحو الشرفة فتح بابها بهدوء،  ووقف هناك، يحدق في البعيد الليل كان ساكنًا، والهواء باردًا، لكنه لم يتحرك، لم يقل شيئًا فقط صمت.


مسح محمد جبينه بكف غاضب، ناظرًا إليهم جميعًا وكأنه  يشعر بجنون: لا بجد كلكم اتجننتوا؟ هي عملتلكم سحر؟!


رد عليه مصطفى بنبرة ثابتة، فيها هدوء مر: لا إحنا عندنا قلب، مش زيك.


محمد صرخ ساخرًا: وفين العقل بقى؟!


مصطفى رفع حاجبه، ورد بنفس الثبات: موجود.


لكن محمد لم يقتنع، ضرب الأرض بكعب قدمه وقال بحدة: لااا مش موجود البِت دي بتكذب، ومش تمام وأنا مش مصدق كلامها، وحاسس إنها بتألف زي كل مرة، إحنا لازم نسمع من جوزها،  أصلاً واحدة بتكذب بالطريقة دي لازم جوزها يأدبها! واحدة كدابه بتهرب بتتكلم بأسلوب زفت إللي عمله معاها ده حاجة بسيطة، أقسم بالله شكلها هتطلع شمال.


نظرت له ماسة، بعينٍ امتلأت بالوجع، لكن صوتها خرج هادئًا، حازمًا: لو سمحت، خد بالك من كلامك


محمد ضحك بسخرية، وأقترب منها خطوة، وقال بوقاحة: ولو ماخدتش؟ هتعملي إيه يعني؟ هتجيبي سليم يموتني.


نظرت له بعين حادة لكنها لم ترد، تقدم مصطفى بسرعة، ووقف بينه وبينها، ثم صرخ بإنفعالٍ مكتوم: خلاص بقى! فعلاً، حاسب على كلامك واأعقل!


عائشة بشدة توقفت جانبه: محمد مالك إيه الأسلوب إللي إنت بتتكلم بيه ده عيب مايصحش كدة.


محمد بإنفعال: ما إنتم هاتجننوني. 


ماسة ببراءة بصوت خافت، تحاول التماسك رغم رعشة صوتها: يا جماعة، اهدوا ماتتخانقوش بسببى، أنا همشي خلاص يا محمد أنا فاهمة إنك خايف عليهم عندك حق، بالله عليكم كفاية ماتتخانقوش بسببى، أنا مش هينفع أقعد هنت، مش هاينفع أأذيكم زي ماقلت لكم من الصبح، إن شاء الله  أكون مشيت مش هتشفوني تاني


نظر لها مصطفى وقال، بنبرة حاسمة: مش هتمشي يا ماسة.


ماسة برفض: لا همشي.


مصطفى بحسم ببحة رجولية: قولت مش هتمشي ماتعصبنيش..


صمت للحظة حاول أن يستعيد هدوءه: بص دلوقتي هتطلعي شقتك فوق، أنا مش قادر أفكر، ولا حتى أدي قرار دلوقتي، أكيد أنا مش طيب أوي علشان أسامحك على طول، ولا أنا عديم الإحساس عشان أسيبك تمشي بعد ماعرفت كل ده بس، أنا محتاج أفكر، محتاج أهدى علشان اخد قرار صح


ماسة بحزن، وهي تمسك طرف الجلباب: بس يا مصطفى...


قاطعتها نبيلة بلطف، وهي تربت على كتفها بحنان: أطلعي يابنتي وارتاحي، تبات نار تصبح رماد خليها على الله،  ليها رب يدبرها، أرمي حمولك على ربك، وماتخافيش وإحنا مش هنشوف غير إللي ربنا كاتبه لنا، فعلا خلينا نهدى عشان لا نظلمك ولا تظلمينا.


ماسة برجاء: بالله عليكم سبوني أمشي.


عائشة بهدوء: أسمعي الكلام بقى.


هزت ماسة رأسها موافقة، وقالت بصوت منخفض: حاضر، وشكرًا من قلبي إنكم سمعتوني، وصدقتوني عن إذنكم.


تحركت نحو الباب، وخرجت بهدوء، بينما كان محمد واقفًا، ملامحه متصلبة: أنا بجد مش مصدقكم!


عائشة بصوت غاضب وهي تشير له: تعرف تسكت شوية؟ إنت ماعندكش إحساس، ولا ريحة الدم، والله!


محمد بإستهزاء: إنتوا إللي ياريت تبطلوا عبط وطيبة!


مصطفى بصوت حاد: محمد! بقولك إيه؟! أهدى كده

إنت مش مبطل كلام! من الصبح وأنا جبت إخري منك.


محمد بتحدي: أنا إللي مش مصدقك إنك أصلًا عايز تسامحها.


مصطفى متعجباً: ما أسامحهاش ليه؟ كذبها ما أذناش في حاجة بالعكس، هي إللي اتأذت، عاشت مع إنسان مجنون، الراجل المفروض يكون أمان كان هو الخوف بعينه، أنا أكتر واحد حاسس بيها، عارف ليه؟ علشان أنا كمان، عشت مع واحد زي ده، أبويا، كان مصدر الرعب والخوف لينا طول عمرنا، بدل مايكون مصدر الأمان، بعدين المشكلة مش في سليم في أهله هما سبب كل المصايب. 


نبيلة بتأييد: بالظبط، وبعدين هي ماكانتش تقصد تكذب علينا وأنا مصدقاها من قلبي، ودايما كنت حاسة إن فيها حاجة مستخبية، البت مالهاش حد حرام نخلا بيها.


محمد، وهو يشد في شعره من العصبية: لاااا! أنا همشي قبل ماتجنن، إنتوا مش طبيعيين، إزاي تفكروا كدة؟! إزاي تهدوا بالشكل ده؟!


نظر لمصطفى، وقال بحدة: لازم تحط في دماغك حاجة يا أستاذ مصطفى يادكتور، البنت دي لو كلامها صح، يبقى إنت بتحط رجلك في النار، إنت وأهلك إللي إنت مخبيها عنه لو عرف هيقتلكم كلكم هيقتل أمك، وأخواتك أنا لو منك؟ كنت سلّمتها  لسليم وماليش دعوة، فوق يابنى دى وراها ناس شغالة في مافيا.


جز مصطفى على أسنانه  قال وهو يتك على الكلمة باستهجان: محمد  أمشي بجد عشان أنا مش قادر أستحمل كلامك، أنا مش ندل ولا واطي علشان أسلمها بعد ما ادتنى الأمان ووثقت فيا، وفي نفس الوقت أكيد خايف على أهلي بس أنا عمري ما هبقى خاين، والبنت دي ربنا حطها في طريقي علشان عارف إني هقدر أساعدها.


زفر محمد بعصبية: أنا همشي قبل ماتجنن منكم.


وبالفعل، خرج وأغلق الباب خلفه بعنف.


اقتربت نبيلة من مصطفى، وقالت بهدوء:زإنت عملت الصح سيبك من محمد هو خايف علينا  ومش حاببها من وقت ماجت.


نظر إليها مصطفى، وصوته متردد: تفتكري؟ ولا أنا إللي غبي وساذج؟


نبيلة هزت رأسها بأسى: لااا، دي ست في ضيقة دي تقطع القلب، حرام هي تمد إيدها وتطلب النجاة وإحنا نخذلها، حرام بلاش نعمل فيها إللى أتعمل فيا، أنا بقولك أنا مطمنلها ومصدقاها قلبي مصدقها.


عائشة أضافت بصراحة: بصراحة، إللي عملته كان صح، أنا مش شايفة إنها كذبت، هي من أول ماجت، وهي بتشتكي من جوزها، وإنه كان بيضربها، وكان شخص مؤذي، إحنا بس مادخلناش معاها في تفاصيل مافرقتش ظابط من رجل أعمال، سليم من إسماعيل حور من ماسة. 


مصطفى، وكأن داخله سؤال لم يجاب بعد: بس هي خبت، خبت حاجات خطيرة


عائشة: هو إنت ماسمعتش كانوا بيعملوا فيها إيه؟ وماخفي، أعظم! دى محتاجة علاج نفسي.


نبيلة تنهدت وقالت بصوت دافئ بحكمة: بص يا مصطفى، إحنا دلوقتي يا حبيبي كلنا مش عارفين ناخد قرار، أنا متعاطفة معاها أختك متعاطفة معاها وإنت متلخبط وأخوك على قد ما هو زعلان، على قد ما هو كمان متضايق مش عارف ياخد قرار يمكن بكرة، لما ننام ونرتاح ونصلي ربك يسهلها وينور بصيرتنا بصح،  لازم نفكر صح ونوصل لقرار إحنا مش عايزين نظلمها، ولا نظلم نفسنا نفكر بقلب، مش بس بعقل وربك كريم وعالم بالصح هو إللى يسهلنا الطريق.


صمت مصطفى للحظات بتفكير ثم هز راسه بإيجاب بصمت تابعت نبيلة: كلنا نصلي  استخارة ونشوف وإللي عايزه ربنا هايكون.


مصطفى تمتم: بإذن الله أنا هروح أتكلم مع إيهاب.


نبيلة منعته بهدوء: لا، سيبه بكره كلنا هنتكلم روح إنت نام وأرتاح.


وبالفعل أتجه كل منهم إلى غرفته، لكن لم يكن هناك نوم.


جميعهم كانوا يفكرون  يفكرون في الحقيقة، وفي تلك القصة الصعبة بين المغفرة، وعدم المغفرة.


على  إتجاه آخر  منزل ماسة.

صعدت ماسة إلى شقتها، وحزن ثقيل يملأ قلبها، وألم  ينبض في رأسها، لا تدري أهو من التوتر، أم من الذكريات التي هاجمتها دفعة واحدة، كل ماروته منذ قليل كان صعبًا، كأنها أعادت فتح جرح لم يندمل، واستخرجت منه كل مانزفته روحها بصمت.


تذكرت كل شيء الأشياء الجميلة التي تمنت أن تبقى، والأشياء المؤلمة التي تمنت أن تمحى، كانت تلك اللحظة هي الأصعب، أن تقف أمامهم وتحكي، أن تشرح، أن تبرر، وهي تدرك أن نظراتهم لن تعود كما كانت.


رغم كل شيء، رغم وجع الكلمات واتهامات محمد، شعرت بالراحة. أخيرًا، قالت كل شيء،  نعم، كانت حزينة لأنها كذبت عليهم، لأنهم رأوها بذلك الشكل الكاذبة، الخادعة، التي وضعتهم كما قال محمد، في دائرة الخطر لكنها، كانت تحميهم، أقسمت لنفسها أنها كانت تحميهم.


دخلت الغرفة بخطوات واهنة، وكأن كل مابداخلها خائر جلست على طرف السرير، ثم انسابت ببطء حتى استقرت كجسد هارب من معركة مدت يدها نحو الهاتف، كانت أصابعها ترتجف، لا تدري أهو خوف أم حنين كتبت: "سليم الراوي"، وبحثت.


ظهرت صورته، تجمدت عيناها أمام الشاشة نظرت إلى ملامحه، تلك التي تحفظها عن ظهر قلب، لكن اليوم، رأتها بطريقة مختلفة، بداخلها سؤال يصرخ، لم يسمعه أحد فقط، همست بصوت حزين، يائس، مكسور: يمكن بكرة نتقابل تاني، يمكن خلاص، أنتهى كل شيء، بس أنا مستحيل أقبل أكون سبب في دمار الناس دي، والله العظيم ماكنت أقصد أكذب عليهم كل الحكاية إني كنت بحميهم منك.


سكتت للحظة، وشعرت بالفراغ ينهشها من الداخل، كأنها أصبحت نسخة منه تبتسمت تمتمت: تخيل أنا كمان بقيت بعمل زيك بقول نص الحقيقة، وبخبي الباقي لإني صدقت وآمنت إن مش كل الحقيقة ينفع تتقال؟!أوقات الحقيقة بتضر، وبتكسر، وأنا كنت بحميهم، زَي ما إنت كنت بتحميني. أنا دلوقتي بستخدم قوانينك، وبمشي بأفكارك، وأنا مش واخدة بالي، وإنت، للأسف، كنت صح.


انزلقت دموعها على خديها دون استئذان، نامت على جانبها وهي ممسكة بالهاتف، ما زالت صورته تملأ الشاشة همست من جديد، بصوت خافت:تفتكر يا سليم لو كنت قولتلي الحقيقة؟ الحقيقة إللي خبيتها علشان تحميني؟ تفتكر كنا وصلنا لنفس النتيجة؟! 


مدت وجهها بعدم معرفة بنبرة متألم بدموع: معرفش!!! بس على الأقل كنت هبقى عارفة آها إنت حميتني، بس من الناحية التانية، أنا كنت بتأذي؟! لو قولت، مكنش اهلك عملوا فيا كدة، اها متاكده أنك توبت، بس مشكلتي في اللي عملته فيا، كلمة منك واحده، "أنك استحال تاذي اهلي" كانت نهت كل شيء، كان زماني في حضنك في سويسرا دلوقت، الله يسامحك..


سكتت قليلًا، ثم أكملت: شكل بكرة لينا لقاء أو بعده، أو إللي بعده!  على قد ما أنا موجوعة، وحزينة علشان الناس دي زعلانة مني، على قد ما أنا مبسوطة، إني أخيرًا قلت الحقيقة أنا كنت حزينة وأنا بكذب، وأنا مخبية عليهم كل حاجة بس الحمد لله، أخيرًا، الهم إنشال من على قلبي.


أغلقت الهاتف، أطفأت الشاشة، ثم أغمضت عينيها ونامت 

لأول مرة، منذ أن هربت، نامت نومًا عميقًا، هادئًا، خاليًا من الخوف. لأول مرة.


على  إتجاه آخر 

لم يستطع مصطفى أن ينام تلك الليلة، كان يتقلب في فراشه، كأن قلبه أثقل من أن يستقر، وكأن أفكاره تطارده في ظلمة الغرفة دون رحمة، كلما أغمض عينيه، تراءت له صورتها، وجهها المبلل بالدموع، صوتها المرتعش، وصدقها الذي جاء متأخرًا


عاد بذاكرته إلى تلك الليلة الأولى، حين أوقفته فجأة وسط الطريق، تلطخ جسدها بالدم، ويدها ترتجف وهي تضرب على نافذة السيارة، تتوسل إليه أن ينقذها، لم يكن يعرف من تكون، لكن عينيها المذعورتين كانت كفيلة بأن تخرس أي سؤال.


تذكر كيف كانت تبتسم له صباحًا رغم انكسارها، كيف تخفي وجعها خلف كلمات بسيطة، كيف بدت قوية وهي في قمة الضعف. واليوم فقط فهم، كانت تكذب لتنجو كانت تخفي لتعيش.


تنهد ببطء، ونظر إلى السقف بعينين ممتلئتين بالتساؤل والخذلان: هي أخطأت، نعم لكنه، ورغم كل شيء لم يكن متأكدًا إن كان يريد مسامحتها، أم أن يراها من جديد.


ظل الصباح ينساب من خلف الستائر، وماسة غارقة في نومٍ عميق، كأن جسدها سدد ما عليه من دين للأرق.


كانت نبيلة تصعد بين حين لاخر لتطمئن عليها، فإذا بها ممددة في سكون تام، فتكتفي بأن تسدل الغطاء على كتفيها وتعود أدراجها.


أما إيهاب، فظل عاجزًا عن اتخاذ موقف واضح؛ الغضب من كذبها يغلب عليه، لكن إحساس الخذلان أشد مايوذيه، فهو يكره أن يمنح ثقته ثمّ يخذل، خرج يتمشى على الشاطئ وحده، غارقًا في أفكاره، لا يكلّم أحدًا.


استيقظ مصطفى في موعده المعتاد، أرتدى ملابسه على عجل وهو يتهيأ للخروج إلى عمله.


جلس في الصالة يحتسي كوب الشاي ويتناول ساندويتش، حين فتح الباب ودخلت نبيلة.


قال وهو يرفع عينيه بإستغراب: صباح الخير يا ماما، كنتِ فين على الصبح كده؟


أجابته بهدوء وهي تخلع حجابها وتضعه على الكرسي: كنت فوق عند ماسة نايمة زي الطفل إللي بقاله سنين مادقش طعم النوم قلت أطمن عليها كده بعد إللي حصل امبارح. أكيد تعبانة، بس الحمد لله نايمة،هي سايبالي المفتاح عشان أطلع أبصّ عليها كل شوية، لأنها بتخاف ياحبة عيني، فهمت دلوقتي، هي بتخاف ليه؟! من إللي حصل لها.


أشار لها مصطفى أن تجلس بجواره: ماتيجي أقعدي كده جنبي، عايز أكلمك.


جلست نبيلة ووضعت المفتاح على الطاولة: خير يا حبيبي؟


نظر إليها قليلًا ثم قال: هو إنتِ، عندك استعداد تسامحي؟ يعني تتعاملي معاها كأن مافيش حاجة حصلت؟


سكتت نبيلة لثوانٍ، ثم تنهدت وقالت بطيبة: بصراحة أنا من إمبارح واخدة قراري، أنا مش زعلانة منها، ومش عارفة أزعل، يمكن لو حد تاني يسمعني يقول دي ست مجنونة، بس الحكايه إللي قالتها، والمعاملة إللي شافتها من أهل جوزها، وإللي شافته وهي صغيرة، ولما أخيرًا الدنيا ضحكت لها وقعت في عصابة بهدلتها، وحبها إللي ضاع، بنت ماشافتش لا طبطبة ولا حنية، فأنا مصدقاها.


ثم تابعت بحكمة: يمكن ماقالتش كل حاجة، بس مش مهم، سيبك من حتة إنها خايفة علينا، بس بالعقل يا مصطفى، شايف القصة دي ينفع تتحكي لناس ماتعرفهاش؟ أكيد لأ، أنا لو مكانها هقول جوزي بيضربني وخلاص، ومش هكمل، في يابني قصص تتحكي، وفي قصص لأ، وكفاية إنها شافت أبوها بعنيها بيتخبط بعربية، والتهديدات إللي نازلة عليها.


هز مصطفى رأسه وتنهد وهو ينظر أمامه: أنا كمان فكرت وصليت، ولما صحيت لقيت نفسي مش زعلان منها بالعكس، حاسس إنها صعبت عليا أكتر بس قلت أكلمك، يمكن عشان من الأول متعاطف معاها، والعاطفة غلبت العقل.


نبيلة وهي تقبض يديها بعقلانية: والله يا ابني، أنا شايفة نديها فرصة، بس لازم نقعد معاها ونتأكد إنها ماخبتش حاجة بس إللي مقلقني، جوزها لو عرف إنك مخبيها، وإنت عارفه وبتقابله خايفة يعمل فيك حاجة، عشان كدة مترددة.


ابتسم مصطفى ابتسامة باهتة: قل لن يصيبنا إلا ماكتب الله لنا، وبعدين أنا متأكد إنه مش هيعمل حاجة لما يعرف إننا أكرمناها، ومش هينفع تفضل مستخبية كده، لازم نلاقي حل، هو قالي إنه مسافر  لفترة.


نبيلة  بهدوء: خلاص، نشوف بقى عائشة وإيهاب.


مصطفى زم شفتيه: إيهاب مش في أوضته كلمته، قالّي بيتمشى على البحر شكله لسه بيفكر.


نبيلة بابتسامة خفيفة: وعائشة امبارح اتكلمت معايا ماعرفتش تنام، وقعدت تقول لي: أمي، أنا مسامحاها. خلاص والله دي بنت طيبة وغلبانة،


ابتسم مصطفى: يعني خلاص؟ متأكدة؟ ولا نفكر تاني؟


نبيلة بثقة ورضا: سيبها على الله وقلبي بيقول إننا نعدي، زي ماقلتاك يا ابني، قصتها صعبة، وهي ماكدبتش، قالت إنها متجوزة. وبعدين، هنتكلم معاها النهاردة ونشوف إنت هاتيجي إمتى؟


رد وهو ينهض من مكانه: يعني على المغرب.


نبيلة بحنان الأم: خلاص، يلا روح شغلك، ماتتأخرش ربنا يسهل لك، ويكتبلك الخير، ويبعد عنك كل شر.


مصطفى وهو يهم بالخروج:يا رب يا أمي


ثم إنحنى ووضع قبلة على أعلى رأسها، وتحرك خارجًا.


جلست نبيلة في مكانها لثوانٍ، ثم نظرت نحو السماء، ورفعت كفيها بالدعاء: يا رب لو ماسة فيها شر، أبعدها عننا، ولو فيها خير، قربها لينا.


منزل ماسة الرابعة مساءً 

استفاقت ماسة بتعب، نهضت مصممة على الرحيل لكي لا تؤذيهم لكنها، ما إن فتحت باب الغرفة، حتى فوجئت بنبيلة جالسة في الشرفة، تتأمل البحر بهدوء.


انتفضت من المفاجأة، وضرب قلبها بقوة.


ابتسمت نبيلة في هدوء وهي تلتفت إليها برقة:حقك عليا يا بنتي، شكلي خوفتك.


مسحت ماسة وجهها وغمغمت بصوت ناعس: صباح الخير.


نبيلة، بإبتسامة دافئة، ردت ممازحة: قولي مساء الخير روحي أغسلي وشك وتعالي نقعد شوية، أعملك الشاي زي مابتحبي.


هزت ماسة راسها بإيجاب بابتسامة ناعمة ودخلت الحمام تغسل وجهها، والرهبة تملأ قلبها، كانت تعرف أن المواجهة قادمة، وأن الموقف لم يمر مرور الكرام.


وعندما عادت، كانت نبيلة تعد الشاي على السبرتاية، والهواء الرطب يداعب الشرفة.


جلست ماسة أمامها، وأخذت رشفة بخجل، كأنها تبحث عن دفء يهدئها:  تسلم إيدك اتفضلي، أنا سامعاكي.


سألتها نبيلة بشفقة، وعيناها تتفرسان في وجهها المتعب: تعرفي إحنا كلنا مانمناش إمبارح.


ماسة بإبتسامة مليئة بالحزن: أنا بقي أول مرة أنام  ارتحت لإني قولت كل حاجة أوعي تكوني فاكراني كنت مبسوطة أو مش فارق معايا إني كذبت والله كنت بموت واتألم بس مش عارفة أعمل إيه؟!


نبيلة تساءلت بهدوء: قوليلي يا ماسة، إحنا هبل علشان سامحناكي؟ ولا طيبين فوق اللزوم؟


ماسة نظرت لها بدهشة، صوتها خرج متلعثمًا: هو إنتو سامحتوني؟


ابتسمت نبيلة بهدوء وهي تهز رأسها، وصوتها مليء بالسكينة: أنا عن نفسي سامحتك، من أول ما شفتك وأنا حاسة إن جواكي وجع كبير، بس إنتِ غلطانة.


ماسة رفعت حاجبيها بإستغراب، وعيناها تبرقان بالحيرة: غلطانة في إيه؟


اعتدلت نبيلة في جلستها، وتحدثت بنبرة أم فيها من العقل بقدر مافيها من وجع: سنة كاملة ساكتة! ليه ماقولتيش لجوزك إن أهلك بيأذوني وبيهددوني؟


تنهدت ماسة، ونظرت إلى الأرض، ثم رفعت عينيها بعينين مهمومتين: هو كمان هددني.


نبيلة وضعت يدها على كتفها، ونظرت لها بحنانٍ مشوب بالحكمة: بصي يا بنتي، الرجالة غير الستات، إحنا ممكن نسامح على الخيانة، بس لو جه وأعتذر وطلب فرصة تانية بنعديها، لكن لو الست هي إللي عملتها، الراجل مستحيل يسامح،  هو ربنا خلقه كدة، وإنتِ اتغيرتي معاه فترة كبيرة وهربتي منه مرتين، ودايمًا كان حاسس إنك مش عايزاه، والراجل لو حس إن مراته مش عايزاه، أو بتديله حقوقه وهي مكروهة، بتيجي على كرامته، آه فيه رجاله مابيهمهاش، بس فيه رجاله ولاد حلال زي جوزك كده، بيفرق معاه،وهو أستنى سنة عارفة؟ في الحفلة إنتِ طلعتيه لسابع سما، وفجأة مسكتيه من رقبته ونزلتيه الأرض، هو ده إللي حسه لما راح معاكي، إنتِ ماعرفتيش تسايسيه، وهو كمان سلم ودنه لشيطانه يومها، ويومها كان ممكن كل حاجة تتغير لو كان سمعك، بس أنا متقصدش غلطانة في اليوم ده،أنا أقصد طول السنة يا بنتي، كان ممكن تقوليله، بس إنتِ عاندتيه.


ماسة بإنفعال، تدافع عن نفسها وعينيها تلتمعان: على أساس يعني إنه كان ملاك؟ما هو كمان كان بيعاندني!


نبيلة أومأت برأسها، وتنهدت بنبرة صادقة:

هو بيعاندك، وإنتِ كنتي بتعاندي، والعناد لو دخل بين الراجل والست بيخرب الدنيا، بس إنتِ برده كان ممكن تليني دماغك شوية، ماينفعش الست تعاند، رجلها غلط كبير، وبتخرب البيوت الراجل مايتعندش يتسايس.. 

بعقلانية ودهاء تابعت: كان فيها إيه لو قولتله إنت كمان بتهددني بأهلي زي أهلك وقتها هيقولك إزاي؟؟  تقوليلوا هات أهلي وهفهمك والله كان جبهم بس العند قفل دماغك..


هزت راسها بإعتراض وضيق أضافت: إنتي أمك مشكلتها كانت حامية عليكي، ماكانش بتفهمك كده بالهدوء وبالحكمة كانت بتزعق وبتضربك، والله إنتي لو كنتي بنتي كنت خليت سليم ده شوفي بيحبك قد ايه؟! كنت هخليكي تخليه يحبك أكتر وأكتر، والفترة إللي كلها مشاكل دي وتخويف، هعرف إزاي أخليكي تكسبيه، بس إنتي أمك كانت صعبة، بس حرام تعليمها والحياة إللي عاشتها وقاسيتها خليتها كده ماتزعليش منها.


تبسمت ماسة بحزن وهي تهز راسها: أنا عمري مازعلت منها،  عشان أنا عارفة إن هي كانت بتعمل كده لإنها خايفة عليا بس بدماغها بقي للأسف زي ماحضرتك قولتى ماتعلمتش غير كدة.


تبسمت نبيلة معلقة: وإنتِ جوزك ده بعد كل إللي حكيتيه إمبارح، والله طيب وغلبان، وبيجي بالمسايسة، بس إنتِ ماعرفتيش تمشي على دماغه.


ماسة بمرارة، وعيناها تلمعان بدمعة مكبوتة: ويبقى أنا السبب؟ ماما نبيلة، أنا بقولك أنا اتهددت من أهله، وهو كمان هددني، والله العظيم، لو ماكانش هددني، كنت قلت، وفي الآخر، بعد كل إللي حضرتك سمعتيه امبارح، وعرفتيه، أنا إللي غلطانة؟


نبيلة بعقلانية، وهي تربت على يدها برفق: ماتشكريش بس، اسمعيني يابنتي، إنتوا الاتنين غلطانين، بس غلطك أكبر، لأنك كنتِ عارفة كل حاجة، وهو مايعرفش لو كنتِ اتكلمتِ بدري، كان يمكن كل ده خلص، إنما كله قدر ربنا بقى ويمكن ربنا مخبيلكوا حاجة في الآخر، يعني يمكن ربنا خلاكي تفضلي ساكتة كل ده، عشان تنكشف الحقيقة، ويعرف إللي أهله عملوه، والله يا بنتي إنتي مقطعة قلبي بس بفهمك إن جوزك كويس مش هو السبب في إللى حصلكم  وإللي سمعته بيقول إنه بيحبك أوي وعمل علشانك كتير وإن أهله هما السبب في دماركم منهم لله توبته عشانك دي تغفرله.


صمتت للحظة، ثم مالت نحوها وهمست، عيناها تتفرسان في نظرتها متسائلة بقلق:إنتِ متأكدة إن توبته حقيقية؟


ماسة بثقة حزينة: أيوه، سمعته وهو بيتكلم مع مكي وقبلها أنا كنت متأكدة إنه بعد عن طريق الحرام.


نبيلة عقدت حاجبيها بشكّ خفيف: تفتكري بقى إن كل إللي قاله لك أخوه ده حقيقي؟


ماسة هزت رأسها بنفي وإرتباك: أنا مش مصدقة إن كل إللي قاله رشدي صح أنا أصلاً قلت له: انت كداب، وإن مستحيل سليم يتاجر في الأعضاء أو يبقى قواد يمكن سلاح، لكن الآثار دي متأكدة منها شفت التماثيل، والدهب والألماس تجارتهم.


نبيلة تسألت بهدوء: طب وإنتِ هتعملي إيه يا ماسة؟ هتفضلي هربانة على طول؟


نظرت ماسة لها بصمت، ضائعة، كأنها لم تحضر  

نفسها لذلك السؤال: أكيد لا… 

ثم تمتمت بصوت مخنوق، مبحوح بحيرة وهى ترفع كتفها: بصراحة ماعرفش.


نبيلة عدلت جلستها، ومالت قليلاً للأمام، نبرتها حازمة: لازم تعرفي.


ترددت ماسة، رفعت رمشها بتوتر، ثم سألت بصوت هامس مرتبك: هو إنتِ سامحتيني ليه؟


ابتسمت نبيلة ابتسامة صغيرة، بعينين فيها دموع لم تسقط، وقالت بصوت خافت:علشان صدقت،  أنا جوزي كان بيبهدلني، وأهل جوزي كمان،آه طبعًا ماكانوش بيهددوني زي أهل جوزك،بس كانوا بيعملوا مشاكل كتير، وبيتبلوا عليا، وهو كان بيصدق، وكنت بتضرب عشت نفس خوفك وبهدلتك.


أطرقت ماسة رأسها، والحزن يرسم ظلًا ثقيلًا على ملامحها، نظرتها فقدت البريق.


تابعت نبيلة بهدوء حزين، وكأنها تروي من جرح قديم لم يطيب: يمكن الحلو في جوزك إنه كان دايمًا في صفك وعلشان كدة كانوا بيخافوا منه، يعني إللي فهمته من كلامك وإللي حكيتيه، إنهم كانوا بيهددوكي علشان سليم مايعرفش، وده بيأكد إنه كان راعبهم،زوعارفين إنه لو عرف إللي بيعملوه، هايبهدلهم وإنتِ قلتي إنه كان بيبهدلهم كتير عشانك وعلشان أهلك صدقينى يابنتى إللي بوظ حياتكم كده، أهل وجوزك.


رفعت ماسة عينيها، وقالت بصوت مهزوز،ممزوج بوجع متراكم: أنا عارفة إنهم السبب إن حياتي اتدمرت، بس هو ساعدهم، لما مشي على نفس الخط، على نفس المسار، في اللحظة إللي كنت محتاجة أمان، سرقوه مني وهددني زيهم.


شهقت شهقة صغيرة، وحاولت تتماسك، لكن صوتها أختنق: والله العظيم يا ماما نبيلة، أنا ماكنتش عايزة غير كلمة وعد، أنا مش هعمل لهم حاجة الخوف كان لجمنى مش عند زي ماحضرتك فهمتى والله خوف.


نزلت دموعها بغزارة وهي تتابع بإنهيار حقيقي: وآخر يوم لما ضربني، وحاول، يغتصبني، ماكنتش متوقعة إنه ممكن يعمل كده! أصلًا ماكنتش حاسة إنه سليم حاسة إنه بني آدم تاني!


إنهارت بالبكاء فجأة، ودفنت وجهها في كفيها، صوتها مخنوق بالنشيج: أصلاً مش عارفة ليه كل ده حصل! كنت بتمنى حياة بسيطة بس فجأة، كل حاجة اتهدت كأن مش من حقي أعيش وأفرح.


نبيلة مدت يدها، ومسحت على كتفها، وهمست بحنان موجع، ونظرتها كسيرة: طب لو وصلك واعتذر هاتديلو فرصة؟! هتسامحي


رفعت ماسة عينيها، نظرة حزينة، ودموع معلقة على خدها المرتجف: بعد إللى عمله لا، أنا عاوزة أتطلق وأمشي، إن شاء الله أرجع خدامة، بس أعيش بأمان، أنا وأهلي.


نبيلة شدت إيدها بلطف، صوتها خافت كأنها تقيس نبض قلبها بإيديها: بس إنتِ لسه بتحبيه.


نظرت لها ماسة  لها بإستغراب، وقالت بصوت متردد، خائف من الجواب: أنا؟ أنا بكرهه.


ابتسمت نبيلةبثقه: لا إنتِ بتحبيه بس موجوعة.


سكتت لحظة، ثم تنحنحت بخفة، وأكملت وهي تنظر لها بجدية فيها صدق وأمومة: عموماً ده مش موضوعنا، بس أنا عايزة أسألك سؤال يا بنتي فيه حاجة تانية مخبياها؟


صمتت ماسة للحظة، ثم نظرت أمامها، وجدت  كتاب قرآن بعيد على الطاولة، نهضت بخطوات هادئة وأجلبته، عادت وجلست أمام نبيلة، ومدت إيدها تقسم وهي تتنفس ببطء.


وضعت إيدها على المصحف، وبصوت فيه رجفة، قالت: وحياة كتاب القرآن وحياة المصحف ده، والله العظيم، ولا كلمة من إللي أنا قلتها امبارح كانت كدب، ولا فيه أي كلمة ناقصة، كل حاجة أنا حكيتها وعموماً، أنا مستعدة أرد على أي سؤال حضرتك عايزة تسأليه، ممكن أكون نسيت أقول حاجة غصب عني.


أومأت برأسها، نبيلة وقالت بعقلانية وحنان دافي: لا، فترة الأسئلة دي بقى لما نقعد كلنا مع بعض ساعتها نشوف، أنا مصدقاكي يا بنتي، ومطمنة ليكي، بس ما أعرفش ولادي هايعملوا معاكي إيه؟! أنا برضه بخاف على أولادي.


اضافت بتوتر خفيف، ونبرة قلقة: إللي فهمته  إن جوزك، ممكن يؤذي أي حد يعرف مكانك، وماقالهوش؟خصوصًا مصطفى عارفه.


ماسة ردت بحزن، بعينين بترتعش فيها دمعة بتستأذن:  علشان كده أنا بقولك:همشي


أشارت نبيلة بإيديها بسرعة، واهتزاز في صوتها: لا، أنا مش بقولك كده عشان أقولك أمشي، أنا بس بقولك، هنقعد نتكلم مع بعض، ونشوف هنعمل إيه؟! علشان لا تؤذي ولادي، ولا برضه نتخلى عنك في محنتك دي.


ماسة رفعت نظرها برجاء وقالت بصوت متعب، كأنها تلقي آخر أملها: أرجوكي يا هانم، أنا مش عايزة أكرم أكتر من كدة أنا همشي، بخيري قبل  شري، وشكرًا على كل حاجة عملتوها معايا.


نبيلة قالت بابتسامة مكسورة، فيها حنية سيدة كبيرة قلبها يتحمل وجع الناس: أسمعي الكلام، وأهدي يلا، روحي كدة، أعملينا غدوة من إيديك الحلوة دي وبالليل يحلها الحلال.


ماسة نظرت لها، وبصوت مرتجف، ودموع بتغرق عينيها، قالت بصدق: أنا يمكن ماشفتش ناس كتير في حياتي، بس أنا متأكدة، مهما شفت، مهما قابلت، مستحيل أشوف زي كرم حضرتك، مش عارفة أقولك إيه بجد، شكرًا. وتأكدي، عمري ما هخذلك أبدًا.


نهضت ماسة، بنظرة امتنان حقيقي، مدت إيدها وقبلت يد نبيلة، ثم وضعت قبلة على رأسها، واحتضنتها بقوة بدموع، نبيلة ضمتها لصدرها، وسكتت، كأنها تحاول تطبطب على كسر لا تبان.


صمتت نبيلة، تقلب أفكارها،  بينما جلست ماسة وأخذت رشفة أخرى من الشاي، تشعر بأن الشاي يهدئ ارتجاف قلبها، لكن القلق ما زال يربض في عينيها.


بعد قليل أعدت ماسة الغداء لها ولنبي̀لة، وجلستا تتناولانه في هدوء، لم يكن هناك ما يقال، فداخل ماسة كان القرار قد حسم؛ سترحل، لم يعد في قلبها رغبة للبقاء أكثر، فهي لا تريد أن تنجر إلى مشاكل جديدة، ولا أن تبدو في صورة سيئة، ولا أن تتكرر المواقف المزعجة كما حدث بالأمس كل ما كانت تخشاه أن تؤذى، وهذا وحده كان يكفي ليدفعها للابتعاد


باتت تشعر أن وجودها أصبح خطرًا فإن وصل سليم إليهم، وعلم أنهم كانوا على دراية بالأمر وتغاضوا، فقد يؤذيهم.


نزلت نبيلة إلى شقتها كي تصلي المغرب، استعدادًا للتجمع بعد حضور الأولاد.


نبيلة وهي على الباب: أنا هنزل بقى أصلي المغرب، يكون إيهاب جه خلاص، أنا كلمتهم جايين، نقعد بقى ونتكلم مع بعض ونشوف هيحصل إيه؟!


ماسة بتردد:ما بلاش


نبيلة ألتفتت لها بحزم حنون: أسمعي الكلام، يلا روحي صلي إنتِ كمان وإنزلي


أومأت ماسة برأسها، لكنها كانت قد أنتهت من التفكير، وأخذت القرار دخلت الغرفة، جمعت ملابسها في حقيبة ظهر صغيرة، فلم تكن تملك الكثير فتحت الدرج، وأخذت الخاتم، وضعته في الحقيبة أكثر ما دفعها لاتخاذ قرارها بالمغادرة كان ما سمعته من إيهاب وهي خلف باب الشقة.


كان إيهاب جالسًا في الصالة مع نبيلة وعائشة.


إيهاب بغضب: أعملوا إللي عايزين تعملوه، أنا مالي؟!


نبيلة بهدوء: يعني إيه إنت مالك؟ هو إنت مش واحد عايش معانا هنا؟ يا ابني استهدى بالله.


أجاب إيهاب بنبرة حاسمة وهو يحاول التماسك: أنا هادي يا أمي، إنتوا واخدين قراركم وسامحتوها، وهاتتعاملوا معاها تاني؟ خلاص بقى فارق معاكوا في إيه يعني قبولي من رفضي؟! هل مثلا لو قلت لكم لا هيتغير قراركم.


عائشة بعقلانية: مش دي القصة يا إيهاب بس هي فعلًا ضحية.


زفر إيهاب بضيق، ثم تمتم: برضو أنا مالي.


نبيلة بتهكم هادئ: يعني إيه إنت مالك؟ إنت مش فرد في البيت ده؟


تبسم إيهاب بإستهجان، ورد بنبرة ساخرة: فرد؟ آه... بس مش مهم، إنتوا عايزين تتعاملوا معاها براحتكم، إنما أنا حر بقى في إللي هعمله.


نبيلة برجاء: طب ممكن تستنى بس لما ييجي مصطفى ونطلع ونتكلم معاها شوية؟


إيهاب بحدة وهو يلوح بيده متهكم: تتكلموا في إيه؟ ما هي قالت كل حاجة إمبارح، عايزين تعرفوا أكتر من كده إيه؟ وبعدين أنا مش عايز أقعد معاها ولا عايز أعرف حاجة تاني عنها، خلاص بقى.


في تلك اللحظة، كانت ماسة واقفة خلف باب الشقة، تستمع لكل كلمة، كأنهم يوجهون حديثهم إليها مباشرة، فالصوت كان عاليًا بما يكفي.


نزلت دمعة من عينها، وحسمت قرارها، وبدأت تنزل على السلم، تستعد لجولتها التي لا تعرف إلى أين ستأخذها، لكنها فقط أرادت الرحيل.


وحين كانت تخرج من باب العمارة، صادفت مصطفى أمامها.


توقف مصطفى فجأة، وحدق بها بإستغراب: رايحة فين؟


ماسة بحزن: همشي


مصطفى تبسم قال بمزح محبب: هتهربي تاني يا سنووايت الهاربة؟


ماسة تعقد حاجبيها بهدوء: ليه بتسميه هروب؟


  تبسم مصطفى: أمال هانسميه إيه؟! وإنتِ ناوية تمشي من غير ما تقوليلنا؟ ولا حتى تودعينا وبالطريقى دي؟! يبقى أسمه هروب وإنتي واخدة على الهروب، مش بقول لك إنتي سنو وايت الهاربة


تنهدت ماسة ونظرت له بحزن: لازم أهرب لإني عارفة إنكم هاتسمحوني


مصطفي متعجباً قال وهو بضيق عينه: مين قالك كده؟ أنا قلتلك، أنا لسة ما أخدتش قرار، ماما وعائشة، أنا معرفش موقفهم، ولا حتى إيهاب، لإن إيهاب من إمبارح ساكت.


نظرت له ماسة بهدوء: أنا اتكلمت مع ماما نبيلة، وهي مسامحاني، بس مستنية تكلمكم، وحتى لو سامحتوني، أنا مش هقبل ده، يا مصطفى، أفهم، إنت ماتعرفش سليم.


مصطفى تبسم بهدوء: لا، أنا عرفته كويس أوي كمان، يمكن أكتر ما إنتي عرفتيه.


ماسة رفعت حاجبها بإستنكار: يا سلام؟


مصطفى بتأكيد: آه والله.


ماسة، بتنهيدة ورجاء: ممكن تسيبني أمشي بالله عليك، أنا مش عايزة أعملكم مشاكل.


مصطفى: طب هاتروحي فين؟


نظرت ماسة للأمام بتعب: معرفش هاتدبر،


نظرت له بعينيها بإبتسامة أمل: يوم ما قابلتك، ماكنتش عارفة حاجة، بس ربنا حطك في طريقي، مش إنت بس، أبرار بنت الشيخ صالح، وهم إللي وصلوني لعم ماهر، وقعدت عنده، وأهتم بيا، بعدها القدر جمعني بيك تاني، فأنا عندي أمل طالما ربنا حط في طريقي ناس كويسة إن شاء الله هقابل ناس كويسة


مصطفى، مازحًا: المرة الجاية هتسمي نفسك إيه؟


ثم تابع، وقد غير نبرته إلى الجد: بس مش لازم تقابلي نفس الناس تاني، ممكن تقابلي زي رشدي، أو صافيناز، أنا مش بخوفك، بس ده الواقع، آه، فيه ناس كويسة، بس للأسف الوحشين أكتر.


ماسة، بحزم وهي تشد نفسها:والله لو حصل هكلم سليم من غير لحظة تردد، هي ناقصة؟


مصطفى، مبتسمًا: طب تعالي بقى، أسمعي الكلام، ماتعصبنيش.


ماسة، بتوسل خافت: مصطفى، بلاش، وحياتي!


مصطفى برجاء: وحياتي أنا، يا شيخة يلا،


ثم شدها من يدها، وصعدت معه في هدوء.


وبالفعل، صعدت ماسة إلى شقة مصطفى فتح مصطفى الباب، وكانت نبيلة وعائشة تجلسان في الصالة.


دخل مصطفى أولًا، بينما وقفت ماسة مترددة عند الباب ألتفت إليها وقال لها بهدوء:يا بنتي، أدخلي


دخلت ماسة بهدوء نظرت إليها عائشة وسألتها:

مالك؟ فيه إيه؟


مصطفى: مافيش، جبتها من على السلم، كانت هتهرب تاني


ماسة بمزاح: إنت علقت؟


مصطفى: آه، علقت


ثم نظر من حوله كأنه يبحث عن شيء، وسأل:

فين إيهاب؟


نبيلة: جوه، مش عايز ييجي، بيقول أنا مالي.


مصطفى بإستنكار: يعني إيه هو ماله؟ أنا هادخله.


قاطعته ماسة برجاء: يا مصطفى، خلاص بقى، بالله عليك يا جماعة، أنا مش عايزة أعمل لكم مشاكل.


عائشة تدخلت بهدوء: مشاكل إيه يا بنتي؟ مافيش أي مشاكل أقعدي بس.


تحرك مصطفى بهدوء نحو الغرفة؛ فتح الباب فوجد إيهاب واقفًا عند النافذة، يمسك بسيجارة، وقد بدا عليه الضيق، وما إن شعر بوجود مصطفى حتى ألقى السيجارة أرضًا وسحقها بقدمه احترامًا، ثم ألتفت إليه.


إيهاب بصوت خافت: لو إنت جاي تتكلم معايا في موضوع حور أو ماسة من فضلك بلاش.


اقترب منه مصطفى بهدوء: ممكن أعرف ليه؟


نظر إيهاب إليه بعين ثابتة، لكن داخله كان يغلي: 

علشان أنا مش عايز أتكلم، ولا عارف آخد قرار، ولا حتى أقول رأيي.


تطلع إليه مصطفى مباشرة: لو إنت عايزها تمشي، قولي بس فهمني.


نظر إيهاب بعيدًا، ثم قال بصوت مبحوح، وكأنه يهرب من مواجهة قلبه: مش عايزها تمشي، ولا عايز أتكلم معاها، ولا عارف أتصرف، مش عايز أكون موجود في الموضوع أصلًا.


تنهد مصطفى: مش عايزها تمشي؟ عشان ماتشلش ذنبها؟ عشان لو طلع إللي بتحكيه صح، وإنت عارف إنه صح، ضميرك يفضل يأنبك؟ وفي نفس الوقت مش قابل اعتذارها، ومش قادر تسامح إنها فضلت كل الفترة دي مخبية علينا حقائق كتير.


سكت لحظة، ثم تابع، كأنما يسترجع ذكرى مؤلمة:  عارف لما قالتلي إمبارح إن أوقات الواحد بيكدب علشان يحمي الناس إللي بيحبهم، أفتكرت قصة حد.


رفع عينيه نحو إيهاب كأنه يسترجع مشهدًا محفورًا في ذهنه: 

كنت أعرف واحد، مراته كان عندها مرض خطير وماكنتش تعرف، هو عرف قبلها، والدكتور قاله حالتها صعبة؛ ممكن تموت في أي لحظة، ولو عرفت هاتنهار أسرع، ففضل شهور يكدب عليها يقولها تحاليلك كويسة، ويضحكها، ويمشيها أماكن بتحبها لحد ماماتت ولما ماتت، الناس كلها قالت إنه خدعها، بس أنا كنت عارف إنه كان بيحبها بجد، وكان بيكدب علشان يحميها من الحقيقة إللي كانت هتموتها قبل المرض نفسه.


نظر إلى إيهاب بعين حزينة:  فاهم قصدي؟ ماسة يمكن كدبت، بس مش علشان تخدعنا ولا علشان تأذي حد؛! عشان تحمينا، أو بتستنى اللحظة الصح تقول فيها الحقيقة، هي غلطت، بس مش كل غلطة معناها إننا نعدم إللي غلط، خصوصا إن كذبتها مش مؤذية لينا، هي قالت إن هي ست متجوزة وهي فعلا ست متجوزة،إسماعيل طلع سليم بس هما الأثنين أسوء من بعض بالعكس قصة حقيقية أسوأ بكتير. 


أطرق إيهاب برأسه ثم قال: بص يا مصطفى، أنا مش زيك أنا مش متسامح زيك، ولا قادر أسامحها، أنا زيك شايف إنها ممكن تكون مظلومة، عندها حق، قصتها صعبة مشاعر الخوف إللي عاشتها في الفترة الاخيره وإن هي انخدعت في أكثر ناس كانت بتحبهم، جوزها اللي عاشت معاه  أجبرها تختار السلوك ده، بس برضه مش قادر أتعامل مع الوضع كأنه عادي، متفاهم كذبها بس مش قادر أنسي ولا أعدي،  عمومًا، أنا مش هقولك مشيها، ولا هقولك ماتتعاملش معاها، لكن أنا حر في قبولي أو رفضي للتعامل معاها؛ أنا مقدرش أفرض عليكم رأيي.


مصطفى بهدوء: أهم حاجة بس يا إيهاب إنك ماتكونش متضايق من وجودها.


إيهاب دون تردد: أنا ولا متضايق ولا مش متضايق، مش فارق معايا، بس ماتجبرنيش أتعامل معاها بعد النهاردة.


هز مصطفى رأسه موافقًا؛ لم يشأ أن يضغط عليه أكثر، إذ كان يعلم أن ما جرح إيهاب حقًا لم يكن ماحدث، بل الكذب ذاته، لا الحقائق التي كشفت لاحقًا.


خرج مصطفى إلى الصالة،وقف لحظة يتأمل الجميع ثم قال بهدوء: إيهاب مش عايز ييجي خلينا نتكلم إحنا مع بعض.


ماسة بتوتر: سبوني أمشي أنا مش عايزة أكون سبب إن إيهاب يكون متضايق علشان خاطري يا مصطفى علشان خاطري يا ماما.


مصطفى بهدوء: إيهاب ذات نفسه ماعندوش مشكلة خالص بوجودك، هو بس زعلان عشان الحاجات إللي إنتي خبيتيها شوية وهايفك دي طريقة إيهاب يلا بقى خلينا نقعد عشان نتكلم مع بعض شوية.


جلس وأشار  بيديه أن تجلس 


رفعت ماسة عينيها ببطء، وجهها شاحب، وصوتها ضعيف جلست: هو إنتوا بتعملوا كده ليه؟


ابتسم مصطفى بخفة: يا ستي إحنا طيبين شويتين زيادة عايزين نثبتلك، ونثبت لسليم الراوي وأعوانه وعيلة الشياطين إللي كنتِ عايشة معاهم، إن لسة فيه ناس طيبة بتدي بدل الفرصة ألف فرصة، بس أنا أتمنى تكون أي أكاذيب أو حاجة تانية مخبياها خلصت.


نظرت ماسة للأرض بصوت خافت: أنا قلت كل حاجة ممكن أقولها، لو عايز تسألني عن حاجة، أتفضل، هاجاوبك.


تدخلت عائشة بسرعة، وقد بدا الفضول في عينيها:

فيه سؤال هيجنني.


رفعت ماسة نظرها: اسألي.


عائشة بتوتر: هم ليه عملوا كل ده في الوقت ده بالذات؟ مش غريبة أستنو ٩سنين كاملين؟!


تنهدت ماسة وهي تحاول لملمة أفكارها: رشدي قال إن سليم بقى يستوحش أكتر من الأول، وأي مشروع بيجيبوه هو وصافيناز بيرفضه، وبعدين أنا قلت هما فضلوا أول فترة في جوازي لما نزلت مصر يتعاملوا معايا وحش بالذات فايزه هانم، بس سليم كان شادد عليهم وبعدين أنا رحت  فيلتى ما كنتش بروح القصر خالص إلا كل فين وفين أنا مارجعتش القصر غير بعد الحادثة.


مرر مصطفى يده على ذقنه بتفكير: أنا مش داخل دماغي الكلام ده، إنه بس علشان خاطر سليم بقى خطر عليهم  وبيرفض مشاريعهم عملوا كدة !!


عائشة بتعجب: أمال ليه؟!


مصطفي بدهاء: اختاروا الوقت ده لإنهم عارفين إن سليم، على حسب كلام ماسة، مش متوازن نفسيًا وكنتي بتقولي إنه كان عصبي معاكي؟


هزت ماسة رأسها بإيجاب:  ماكانش عصبي بالشكل المبالغ فيه، بس كان بيهدد.


سألت نبيلة بحنو وهي تميل بجسدها قليلًا نحو ماسة: هو عمره نفذ تهديد منهم؟


أجابت ماسة بصوت خافت: صراحة؟ لأ وأنا من جوايا كنت متأكدة إنه مستحيل يعمل كدة..


نظرت أمامها بحزن وهي تقول بخذلان: ما بداأتش أصدق وآمن غير بعد ما فعلا هددني بأهلي وضرب أخويا بالرصاص، يعني بعد ماهربت.


نبيلة بهدوء  مستنكرة: لا يا ماسة إنت غلطتي يا بنتي أنا فهمتك مافيش راجل في الدنيا دي يقبل على نفسه إن مراته تهرب منه، مش مرة وبعدين يا حبيبتي هو مش فاهم هو على عماه، وبعدين هو الفترة دي كان كويس معاكي زي مابتقولي، كذا مرة قال لك تعالي نمشي تعالي نسافر، وإنتي كنت متغيرة علشان تهديدات أخواته، فلما تهربي منه أكيد هتأثر في نفسيته، كمان بصراحة أنا مش مصدقة إن ممكن يعملها، يعني حاسة إنه هو كان بيهوشك بس، لكن يوم ما يحصل بقى الحاجة هاتلاقي كله كلام وده في الهوا.


صمتت للحظة وقالت بهدوء: طب هساألك هو عمل حاجة في أهلك لما روحتي زورتيهم قالوا لك إن هو يعني عمل أي حاجة من إللي كان بيقول لك عليها؟!


هزت ماسة راسها بلا: لا زي ماقلت لحضرتك دول حتى مايعرفوش حاجة ودي حاجة أنا كنت مستغرباها جدا.


نبيلة بهدوء مستنكرة: شفتي بقى ده بيأكد لك إنه ماكانش هيعمل حاجة وإنه كان بيهدد على الفاضي إنتي بس إللي عيشتي نفسك في وهم.


مصطفى بنبرة حازمة بإعتراض: بس مافيش راجل محترم يهدد مراته، الرجولة مش بالتهديد كان ممكن ياخد أي رد فعل غير إللي عمله أي راجل عاقل كان طلق مراته وسابها بدل ما هي مش عايزاني مهما كنت بحبها لكن هو ماكانش طبيعي.


هزت نبيلة رأسها ببطء: عندك حق يا أبني هو غلط، بس برضه مش قادرة ألومه.


أضافت عائشة: ولا أنا كفاية حبه ليها.


مصطفى  بعقلانية: الحب وحده مش كفاية لنجاح العلاقة الزوجية يا عائشة لازم تفهمي ده، فيه حاجات تانية مهمة، مش معنى كدة إني  مغلط سليم لوحده!؟ فيه حاجات إنتي غلطتي فيها يا ماسة، مايقبلهاش أي راجل على كرامته، إنتوا الاتنين مشتركين في الغلط، بس يمكن إنتي عندك مبررات،

بس طبعا هو لإنه ما كانش فاهم أسبابك، ردود أفعاله في بعض الأحيان كانت صعبة، لكنها طبيعية مع شخصيته وتركيبته النفسية وتربيته فاحاجة متوقعة. 


مصطفى فجأة: الفيديوهات إللي رشدي  ورهام ليكي معاكي؟


هزت رأسها بسرعة: لأ طبعًا.


مصطفى: تفتكري إن كل الفيديوهات دي حقيقية؟! 


مدت ماسة شفتيها السفلية بعدم المعرفة:ماعرفش بس زي ماقلت لماما الصبح أنا مش مصدقة إن هو قواد او تجار أعضاء.


أقترب مصطفى أكثر،: طب سليم ماهددكيش بتنفيذ؟ كل إللي قلتيه كان من رشدي؟ ليه قلتي إن إسماعيل هو إللي عمل كده؟ إللي هو سليم يعني؟!


ماسة وهي تتنهد: كنت بحاول أكسب استعطافكم. فزورت شوية حقايق، ماتسألنيش ليه؟! والله ما كنت عارفة بعمل ليه كده؟!  بس لما كنت بقعد مع نفسي أقول لنفسي: إزاي ناس فتحوا لك قلبهم وتكوني معاهم كذابة بالشكل ده؟ بس كنت مضطرة أقول إني هربانة من جوزي، وكان لازم أزود حاجات عشان تصدقوا لإني ماكانش ينفع أقول لكم الحقيقة، إللي رشدي قالهالي..


وضعت يدها على صدرها بزهول وعيون دامعة بصدق: أقسم بجلال الله أنا لحد دلوقتي معرفش أنا قلتها إزاي مش قادرة أقول لكم أنا مرعوبة إزاي؟! وخايفة عليكم من رشدي وصافيناز والهانم أكتر من سليم، يمكن سليم يعمل لي أعتبار شوية لإنه بيحبني بس هما استحالة. 


نبيلة بدهشة: طب إشمعنى ضابط؟ يعني اشمعنى ماقلتيش مثلا مكي مش اسمه مكي برده صاحبه؟! 


ضحكت ماسة ضحكة باهتة: يوم ما مصطفى لقاني، كان فيه ضابط قاعد قدامي، افتكرت إسماعيل، وأنا بكرهه، ففجأة قلت له إسماعيل وضابط أمن دولة، من المسلسلات عارفة إنهم صاعبين يعني لو مصطفى فتش وسأل على ظابط باسمه هيلاقي فعلا ما كنتش عايزة أجيب سيرة سليم لإن مجرد ما أذكر سليم الراوي أنا هتعرف.


مصطفى وهو يتأمل ملامحها: وإيه التهديدات إللي سليم قالها؟


أجابت دون تردد: ماكانش بيقول حاجات واضحة، يقول لي: هندمك، هوريكي، هعمل حاجات خيالك مايتصورهاش، وكان بيقول مش واثق هعمل إيه لو أهلي جم، وهدد إنه ينزلهم جثث من السما لو يعني كانوا سبب أن إحنا نبعد عن بعض،  ولما ضرب أخويا بالنار، حتى لو بيهوش، وقتها أنا قلبي شال أوي وخفت وأصبح بالنسبه لي زيهم بالظبط.


قاطعها مصطفى: لما قابلتك، سليم إللي خنقك واغتصبك فعلا؟ ولا كنتي بتستعطفينا؟ يعني إيه حقيقة الليلة دي.


قالت بسرعة، كأنها تخشى أن يساء فهمها: مافيش حاجة من إللي قلتها كانت استعطاف، هو فعلًا خنقني بس ماغتصبنيش، قلت إنه حاول، ولما قلت له "ما تعملش كده، عشان إنت مش كده"، سابني،وطول جوازنا عمره ما أجبرني ويمكن دي أكتر حاجة كنت بحبها فيه، قصدي كنت، هو عمره ماخاني وعمره ماجبرني عليه.


مصطفى بهدوء: يعني سليم عمره ماهددك إنه يلفق قضايا لأخوكي أو لأبوكي الحاجات دي كلها كانت من أهله مش منه.


ماسة بتأكيد: أيوة وزي ماقلتلك هو لما كان بيهددني كانت تهديدات مبهمة بس أنا كنت بخاف طبعا. 


رفعت نبيلة حاجبيها بقلق وضعت كفها على كتفها بحنوٍ لا يخلو من الخوف: إنتِ متأكدة يا بنتي؟ لو عرف إننا خبيناكي عندنا، هيأذينا؟


هزت ماسة رأسها ببطء، دون أن ترفع عينيها: من إللي عشته في آخر فترة، آه،  بس سليم إللي أنا اتجوزته وحبيته، مستحيل يأذيكم، هيتضايق شوية، بس مش هيعمل لكم حاجة، عموماً يا جماعة، أنا قلت لكم خلوني أمشي وبلاش مخاطرة.


كان مصطفى يراقبها بصمت، عيناه مشدودتان، ونفسه ثقيل كأنه يقاوم شيئًا في داخله، مال بجسده للأمام قليلًا، ثم قال:

بصي يا ماسة قصتك صعبة وتمس القلب، الصعوبات إللي مريتي بيها في سن صغير حاجة مش سهلة، أنا ماعرفتش أغضب منك، يمكن لو كنتِ حكيتي لنا من الأول معرفش كنا هنعمل إيه بس أكيد ماكانش الوضع هيتغير كتير،أنا عن نفسي هصدقك وهسامحك وهعدي، بس دي آخر فرصة، لو فيه حاجة لسة مخبياها يا ريت تقوليها.


رفعت ماسة وجهها نحوه ببطء، وكأنها تلتقط أنفاسها من تحت الماء: أنا أقسمت الصبح لماما على القرآن، وأقسملك تاني، برب العرش العظيم، إن مافيش حاجة من إللي قلتها فيها كذب ولا خبيت نص الحقيقة، كل حاجة حكيتها ولو نسيت حاجة اسألني، وأنا هجاوبك.


قطعت عائشة الصمت بنبرة متحمسة، وهي تلتفت للكل وكأنها تسرد عليهم قائمة أدلة: هي فعلًا قالت كل حاجة: قالت اتجوزت سليم إزاي، وكانوا بيعاملوها إزاي، وإنهم كانوا بيهددوها، والكوابيس والهلاوس إللي جاتلها، وأبوها إللي اتضرب بالعربية والحادثة وبنتها


قاطعتها ماسة، وهمسها يأتي وكأنه زفرة وجع: وأختي كمان رشدي حاطط لها سم.


هزت عائشة رأسها بتذكر سريع: آه، أنا فاكرة إنك قلتي ده إمبارح، هم كانوا كل شوية،يهددوكي 


مصطفى فجأها بالسؤال: مخلفة؟!


تبسمت ماسة بهدوء: دكتور إنت أذكى من إنك تسأل سؤال زي ده، أنا لو عندي طفل تفتكر كنت هسيبه وأهرب؟! أنا كنت أموت نفسي ولا أسيبه.


عائشة:هو إنتي بجد قعدتي سنة شهر عسل.


تبسمت ماسة على السؤال الغريب في توقيته: آه قعد سنة عسل وسافرت دول كتير.


عائشة بفضول: أبقي أحكيلي بقى التفاصيل إللي ماحاكيتيهاش أنا متأكدة إن فيه حاجات كثيرة ماحكيتهاش ده إنتي خدتي السنة دى في دقيقة واتغفلنا.


نبيلة بشدة: بطلي تفاهة.


عائشة: بفك الجو. 


مصطفى تساءل: ليه قلتلنا إنك مابتعرفيش تقري وتكتبي رغم إنك تعرفي أكثر من لغة ودخلتي الجامعة.


ماسة بنظره فيها دمعة صادقة  تنهدت: يعني كان نفسي زي ماقلتلك إمبارح أرجع زي ماسة بتاعة زمان أسرق لحظات منها بس فشلت.


نظر لها مصطفى هو يراقبها بنظرات مثقلة، قبل أن يطرح سؤاله فجأة: ماشكيتيش لحظة يا ماسة إنهم يكونوا ورا الحادثة؟ ناس في الجرم ده ممكن يكونوا هما السبب فيها؟!


اندهشت ماسة من السؤال ضيقت عيناها وهي تجاوب: سليم دور كتير وحتى دور وراهم ماوصلش لحاجة.


تمتمت عائشة بنبرة مريبة: هم أكيد المافيا إللي كان جوزك شغال معاهم قبل ما يتوب.


هزت ماسة راسها بإيجاب: سليم برضه قال لي كده

بس هو طبعًا ماكانش بيقول إنه شغال في حاجات غلط.


نبيلة، وضعت يدها على قلبها، وبدت عيناها دامعتين:

والله يا بنتي قلبي معاكي إنتِ اتحطيتي في الحياة دي غصب عنك، بس هرجع وأقولك تاني: إنتِ غلطانة، كان ممكن تقولي من الأول وتنهي كل ده، بس هم لعبوا على خوفك، وعرفوا يدخلولك منين، منهم لله حسبي الله ونعم الوكيل، فيه أم تعمل كده في ضناها؟ ايه يعني لما يتجوز واحدة مش من توبه، ما إنتي ما شاء الله عليكي أهو قمر وذكيةواتعلمتي، والله أنت لو مش متجوزة كنت أجوزك واحد من ولادي؟ أعوذ بالله، الحمد لله يا رب على نعمة التربية، هي دي تربية الناس الغنية.


ماسة: مافيش أي أسئلة تاني حابين تسالوها؟!


مصطفى: لحد دلوقتي أنا مش قادر أجمع أسئلة ماما، عائشة فيه حاجة؟!


هزت عائشة راسها بـلا أضاف مصطفى: لو فيه سؤال تاني هبقى اساألهلك وأتمنى منك الصراحة في الأجابة. 


رفعت ماسة عينيها فيهم جميعًا بدهشة: يعني إنتوا بجد، هتقبلوا إني أعيش هنا؟ وتتعاملوا معايا زي زمان؟ عادي؟


ابتسمت عائشة، وأشارت بيدها: أيوة يا ستي، بس دي آخر فرصة ليكي، مش معايا أنا عبيطة وبسامح، لكن مصطفى؟ إنتِ دلوقتي وصلتي لليفل الوحش، المرة الجاية هتشوفي منه سليم الراوي على صغير، أخويا ده على قد ما هو طيب بس قلبته وحشه،  أديكي شايفة ندى عاملة إزاي عمالة، تلف وراه زي النحلة الدايخة.


ضحكت ماسة، لأول مرة منذ زمن كانت ضحكة مرتعشة، يملأها الدمع: مصطفى قلبه طيب هو رفض إللي عملته ندى لكن سابها في حالها ماغصبهاش ولا حتى هددها صدقيني يا شوشو أكتر حاجة تكسر قلب زوجة إن زوجها يهددها.


سكتت لحظة، ثم تابعت بصدق وإمتنان: أنا بجد بشكركم من قلبي، أنا لو سليم وصللي في يوم من الأيام، هخده من إيده، وهوريه إن لسة فيه ناس طيبة، مش كل الناس وحوش.


لكن عينيها غامت قليلًا حين تمتمت بإسمه:بس إيهاب؟!


مصطفى بهدوء: مالكيش دعوة بيه دلوقتي، هو مابيقبلش فكرة إن حد يخبي أو يكذب، لكن أنا قلتلك زمان: أحيانًا بقبل لو فيه مبرر قوي.

باقي الفصل الاول👇


مصطفى بهدوء: مالكيش دعوة بيه دلوقتي، هو مابيقبلش فكرة إن حد يخبي أو يكذب، لكن أنا قلتلك زمان: أحيانًا بقبل لو فيه مبرر قوي.

ابتسم، مصطفى وكأنه يسترجع ذكرى قديمة: كنا قاعدين على البحر وقتها، وسألتي:بتسامح في الكذب؟قلتلك: أحيانًا آه لو مش هيأذيني.


نبيلة برقة: وإنتِ ماكذبتيش يابنتي إنتِ بس ماقلتيش كل حاجة.


ضحك مصطفى، لاح بإصبعه لها: بس أنا مش هسامحك لو حاولتي تهربي تاني يا سنووايت الهاربة!


رفعت ماسة يدها كأنها تقسم، بابتسامة صغيرة تشق طريقها وسط الحزن: مش ههرب تاني وعد! 


في أحد المطاعم الفاخرة على ضفاف النيل، الثامنة مساءً.


يتوزع الحاضرون بين رقص ونظرات متبادلة ومصافحات باردة تخفي صفقات خفية ضحكات ومجاملات تنتهي بابتسامات شكلية تحفظ الهيبة كل زاوية هنا تنطق بالفخامة، فالحفلة ليست لهوًا بل استعراض قوة يجمع نخبة المال والنفوذ تحت سقف واحد كان سليم جالسًا على رأس الطاولة، وإلى جواره أفراد عائلته، وبينهم شركاء عرب وأجانب، وجوه بارزة في عالم السياسة والمال.


عزت متسائل: لازم سفرية ألمانيا دي؟!


سليم بهدوء: لازم.


فايزة، وهي ترتشف من كأسها دون أن ترفع نظرها: مسافر ليه؟


سليم، وهو يتناول قطعة صغيرة من الحلوى:

أغير جو.


طه بإستغراب: طب وحملة الانتخابات؟


سليم، وهو يرمي نظرة جانبية لطه دون أن يلتفت له تمامًا: لسة بدري عليها، وأنا مرتب كل حاجة.


أستمر الحديث على الطاولة، ضحكات، مقترحات، خطط مستقبلية،لكن سليم كان شاردًا يحاول التظاهر بالتماسك، يرد بإبتسامة، يهز رأسه باهتمام، لكن الغياب كان واضحًا في عينيه.


غياب ماسة ترك فراغًا لا يغيب، حتى وسط هذا الصخب الراقي إنتهى العشاء، لكن الحفل أستمر.


وفي زاوية جانبية بعيدة عن الطاولات المستديرة، وقف سليم مع رشدي وصافيناز، يتبادلون الحديث بصوت منخفض ومعهم سمير، نجل أحد شركائه المعروفين.


سليم مبتسم وهو ينظر إليهما: إنت ورشدي نسختين من بعض، الفرق الوحيد إنك مركز في الشغل.


سمير ضاحكًا: ما لازم برضو أحط التاتش بتاعي.


مد يده في جيبه، وأخرج حفنة من الأقراص البيضاء، ثم مدها بإتجاه رشدي: رشدي، تاخد؟


رشدي بإندفاع: طبعًا.


أخذ الحبة وابتلعها أمامهم بلا تردد.


سليم نظر لهما باستغراب، لكن لم يعلق.


سمير، وهو يلتفت نحو صافيناز ويشير: صافو دي زي إللي خدتيها قبل كده، تاخدي واحدة؟


تغير وجه صافيناز فجأة، وأنسحب الدم منها: إنت مجنون؟ إنت عارف إني ماليش في الحاجات دي!


سمير بسخرية: آاه عشان سليم واقف؟ يا بنتي خدي، ماتتكسفيش سليم مش فتان، قولها تاخد، ماتخافش.


سليم، وهو يحتسي عصيره بهدوء فيه تساؤل مريب: أقراص إيه دي؟


سمير بإبتسامة مستهترة: دي يا سولي بتخلي الدماغ تعلى، تحس إنك فوق السحاب، لو مودك حلو تعليه، ولو ناوي سهرة جامدة مع مراتك تبقى عنتر، ١٨٠حصان، بس بلاش لو مودك ضارب ساعتها بتقلب طور هايج، بتفجر الدنيا، أنا كنت واخدها، ووقفوني في كمين ضربت الظابط والعساكر، الموضوع خلص بصعوبة، حتى إنكل عزت دخل بنفسه يساعد بابا.


ثم أدار وجهه نحو صافيناز وقال دون تردد: وصافو خدت مني واحدة في الحفلة إللي فاتت.


سليم، وقد تبدلت ملامحه، رفع نظره ببطء: الحفلة إللي فاتت؟ أنهي واحدة؟


وفي تلك اللحظة شحب وجه صافيناز، وتيبست أطرافها كانت على وشك الرد، لكن صوت سليم سبقها، حادًا كالسكين:


سليم بنبرة غليظة: أخرسي إنتي.


سكنت الأجواء فجأة، ضحكات اختنقت، وكلمات تجمدت في الحلق تحول الصخب إلى توتر ثقيل يقطّع الهواء.


سمير يتلفت متوجسًا: مالكوا يا جماعة؟!


رشدي ضاحكًا، محاولًا كسر الصمت: شكل صافي عملت مقلب مكن في سلوم.


سمير ضحك بحرج: أوف سوري يا صافي معلش يا سليم، ده هزار،  هزار حبايب يعني.


سليم بصوت ناعم، لكنه مشحون بشيء لأي أحتمال تسأل: الحفلة إللي بنتكلم عليها دي، كانت حفلة إعلان ترشحي للانتخابات؟


سمير يبتلع ريقه، يحاول التنفس: آه، بس قولي، كنت مين وقتها؟


رشدي ضاحكًا: أكيد عنتر، طبعًا.


سمير مكمل وهو يضحك بهدوء:صح، هو ومراته وقتها كانوا آخر رومانسيات مفروض تشكر صافووو على النقلة الجامدة دي!


سليم لم يرد بل أمسك يد صافيناز فجأة، بقوة جعلتها ترتبك، وأقترب من أذنها وهمس بنبرة مرعبة:

تعالي، معايا بزوق، عشان لو رفضتي، هخلي الجاردات يسحبوكي بالحبال.


رفعت عينيها في صدمة، لكنه لم ينتظر سحبها من ذراعها وتحرك بها أمام الجميع.


رشدي ظل يراقبهما، وهو يبتسم في صمت كأنما يقول بداخله: يا ترى عملتي إيه؟ شكلك خربتي الدنيا مع ست الحسن.


سمير يتلفت بقلق: هو أنا بوظت الدنيا؟


رشدي، وهو يشير نحو راقصتين قرب المسرح:

بقولك إيه شايف البنات دول؟ تعال نرقص معاهم، كفاية جد.


في حديقة المطعم المطلة على النيل...


كانت صافيناز تتحرك إلى جانبه، تتبع خطواته بخوف يكاد يلتهمها، تمنت لو تنشق الأرض وتبتلعها، كانت تظن أن مافعلته طواه النسيان ودفن في عمق الزحام، لكن سليم لم ينس، فالحقائق لا تموت، تظهر مهما مرت الشهور، ومهما تم دفنها بكفوف حريرية.


وفجأة، بحركة مباغتة، دفعها سليم بقوة نحو شجرة ضخمة، فارتطم جسدها بها بعنف، حتى تأوهت من الألم.


توقف أمامها، حاصرها بجسده، لا مفر وجهه قاسي كالحجر، وعيناه تحترق بغضب لا يوصف.


صافيناز بتوتر وخوف: استنى هفهمك، أنا... أنا كنت حطيتها في كوبايتي، اتلخبطت! كنت حطاها ليا! هعمل فيك كده ليه؟!


سليم بصوت بارد كالموت: يعني ماكنتيش تقصدي ماسة؟ مش دي كانت لماسة وأنا إللي شربتها؟


((فلاش باك))


في الحفلة التى كان فيها سليم وماسة الاخيرة


نرى صافيناز تتوقف أمام البوفيه المفتوح، تتلفت من حولها، بمراقبة، أمسكت كوب ماء، وأعطت ظهرها للبوفيه بهدوء مدروس أخذت تنظر للأمام، تبتسم ابتسامة فارغة، وبخفة مريبة، وضعت يدها الأخرى خلف ظهرها وأسقطت الحبة البيضاء داخل كوب عصير المانجو ثم تبسمت لنفسها،كأنها أنهت مهمة خطيرة.


أشارت للجرسون بصوت منخفض، وطلبت منه أن يرفع هذه الأكواب ويقدمها.


ثم تحركت بثقة اقتربت من ماسة وسليم، الواقفين وحدهما.


صافيناز بإبتسامة مصطنعة: هالو شفتكم واقفين، قولت أجيبلكم عصير.


أشارت للجرسون، فمد الكؤوس أمامهم.


ماسة أمسكت بكوب الجوافة.


صافيناز بتوتر خفيف: إنتي مش بتحبي المانجو؟


ماسة برخامة: هشرب جوافة.


سليم ألتقط كوب المانجا.


صافيناز حاولت التبديل وهي تقول بتوتر مبطن: إستنى، خد إنت الجوافة التانية، أنا هاخد المانجو، دي أصلاً جايباها ليا.


سليم وهو يبتسم: لا حابب أشرب مانجو وبعدين مش قولتي دي لماسة؟


صافيناز ابتلعت ريقها، وحكت في خدها، وأعادت شعرها خلف أذنها، ثم قالت بتوتر خفيف: هاترجعي القصر؟


ماسة بهدوء: أمم هرجع القصر، بس المرة دي مختلفة.


صافيناز تضيق عينيها بتعجب: إزاي؟


ماسة بإبتسامة غريبة: هستعمل جملة سليم: لما موقف يحصل حصري بيبقى أجمل.


نظرت لها صافيناز بتعجب، لكن نظرة ماسة كانت تحمل شيئًا آخر شيء مظلم، عميق، أشبه بندبة لا تلتئم.


((عودة للحاضر))


كان سليم لا يزال واقفًا أمامها، والنار تتراقص في عينيه.


صافيناز تتوسل، تدافع بلهفة: طبعًا لأ! أنا ماكنتش أقصد أذيها، دي كانت ليا، اتلغبطت! فيهم!


لكن سليم لم ينتظر، ولم يصدق قبض على رقبتها بيده بقوة، خرج صوته كأنه جمرة تلسع الهواء.


سليم بغضب مكتوم: أنا مستحيل أصدقك، إنتي مالكيش في الكلام ده، إنتي كنتي ناوية تأذيها! كنتي ناوية على إيه؟! أنطقي قبل ماروحك تطلع في إيدي.


صافيناز تختنق، تتلوى بين يديه: كنت كنت، برخم عليها، ماتوقعتش تشربها! سليم سيبنى مش قادر اتنفس.


أنفجر سليم صاح بها بعين غامت بسواد خطر: بترخمي عليها ليه؟!


صافيناز بصوت مبحوح، ووجهها شاحب من أثر القبضة: علشان كلمتني بطريقة وحشة، بس والله ماكانش قصدي أأذيها! كنت بس عايزاها تضحكنا، تعمل تصرفات تضحكنا عليها!


جز سليم على أسنانه، فك يده وضعت صافيناز يدها أعلى صدرها تحاول التنفس، لكن لم يمهلها سليم ثواني فجاة صفعها بقوة على وجهها صفعة تبعتها صفعة أخرى، ثم قبض على شعرها بعنف، واقترب من وجهها حتى ألتصق بأنفها، وقال بلهجة قاتلة:

تضحكي عليها؟ عايزة تضحكي على مراتي؟إللي ظفرها أنضف منك وأعلى منك، يا زبالة!

(صفعة ثالثة) مراتي تعمل إللي هي عايزاه، وإنتوا تقولوا: حاضر، وعينكم في الأرض!

(صفعة رابعة) أعمل فيكي إيه؟ أموتك؟ بس موتك رحمة


صافيناز وهي تحاول إبعاده بذعر: سليم أوعى! إنت اتجننت؟ أوعى!


سليم بصوت أكثر قسوة، وهو يلهث: لأ، أنا لسه مابدأتش أتجنن، بس أوعدك هاتشوفي "الجنان" على أصوله! وها أعرف وجعك منين.


صفعها صفعتان إضافيتان ثم دفعها أرضًا بعنف، كان شعرها بين يده، فسقطت كجثةٍ فقدت توازنها.


تابع سليم وهو يرمقها من الأعلى، عينيه نار:

أمشي من وشي وماتظهريش قدامي تاني أحسنلك، والله لأخليكي تدفعي التمن غالي، يا بنت فايزة.

ركلها في بطنها بقوة وهو يقول بصوت اجش:

هتدفعي الثمن بس واحده واحده، ركلها مره اخرى في صدرها وهي تصرخ ثم بصق في وجهها هو ينظر لها بإشمئزاز.


تركها على الأرض منهارة، دامعة، منكسرة، وكل ذرة فيها تصرخ، مش من الألم من الإهانة.


بينما تحرك هو بخطوات صلبة، كأن الأرض ترتج تحته لم يلتفت، لم يتردد.


وخلفه دوى صوتها بصرخة غل وانكسار، لكن عينيها كانت تشتعلان بشرر أسود.


أما سليم فقد كان يمشي بخليطٍ معقد:الغضب مما اكتشفه، والرضا لأنه أدرك أخيرًا ماحدث في تلك الليلة لم يكن ذنبه لم يكن هو السبب في وجع ماسة بل تلك الحبة الملعونة، وربما عندما تعلم ماسة الحقيقة، تفهم، تسامحة


بعد قليل...


دخلت صافيناز إلى قاعة المطعم مجددًا، ووجهها محمر، وعيناها منتفختان من البكاء، الغليان كان واضحًا في نظراتها، تمشي بثبات زائف، تحاول لملمة كرامتها المبعثرة، وإبتلاع الإهانة، لكن النيران التي تشتعل في صدرها، لم تهدأ.


كان سليم واقفًا بجوار مكي، يتحدث كأن شيئًا لم يكن.


اقتربت صافيناز من الطاولة، وتوقفت بجانب عماد وفايزة، التي لم يغب عنها التغير العنيف في ملامح ابنتها.


فايزة وهي ترمقها من أعلى لأسفل: صافيناز مالك؟


صافيناز، وعيناها معلقة على سليم: مافيش.


مدت يدها للجرسون، وأشارت له بلا كلمة، أعطاها كأس خمرٍ امتلأ حتى الحافة.


رفعته إلى شفتيها، واحتسته دفعة واحدة، كأنها تحاول أن تطفئ ماشتعل بداخلها.


فايزة تتابعها بعين حذرة، ثم تلحق بنظراتها،

حتى أستقرت على سليم.


نظرت له، ثم عادت لإبنتها: حصل إيه؟ أنطقي!


صافيناز دون أن تحول نظرها: قولتلك مافيش.


ثم أشارت مجددًا للجرسون: هاتلي واحد تاني.


وهنا، تحركت عينا سليم نحو الجرسون نظرة واحدة فقط جامدة، باردة، حاسمة.


فهم الجرسون الرسالة، أومأ برأسه، وتوجه إلى الزجاجات الخلفية، خلف الطاولة، أثناء ملئه للكأس، دس حبتين صغيرتين داخل السائل الشفاف، ثم عاد إلى الطاولة وقدم الكأس لصافيناز بإبتسامة رسمية لا تحمل أي براءة.


صافيناز أخذت الكأس من يده، دون أن تدري أن القدر يعاود اللعب معها، لكن هذه المرة، من يد تعرف جيدًا كيف تؤلم.


عماد معلقا: صافي بتشربي كتير.


صافيناز بضيق: عماد مش عايزة أتكلم.


منى: خلاص سبوها براحتها.


بعد وقت قليل...


الأجواء لا تزال ناعمة، الموسيقى خافتة، الضوء ذهبي، والكؤوس تتمايل في الأيدي، لكن صافيناز كانت شيء آخر تمامًا بدات، تضحك بصوت عالي، مفاجئ، جعل عماد يلتفت نحوها متعجبًا.


عماد بإستغراب: مالك يا صافي؟


صافيناز، بعينين لامعتين، ونبرة مبتهجة بشكل مريب:مش عارفة مبسوطة! تعالي نرقص!


سحبته من يده، وتوقفا في منتصف القاعة، ثم بدأت ترقص رقصة غريبة، لا تشبه الرقص، ولا تشبه أي شيء آخر.


عماد يهمس بقلق وهو يراقب حركاتها: صافي؟ مالك؟


صافيناز وهي تضحك وتتمايل: مالي إيه! برقص!


زادت حركتها، صارت أقرب للجنون، تترنح بين الطاولات، تهمس في آذان الضيوف، تضحك على لا شيء، تبكي فجأة، ثم تعود للضحك بصوتٍ أعلى! كانت، واعية، لكن خارجة عن السيطرة تمامًا.


ثم بدأت تفتعل مشاجرات صغيرة مع الحاضرين،

تصرخ، توبخ، وتصيح:


صافيناز بصوت مبحوح ومشوش:أنا صافيناز الراوي! إنتو عارفين أنا مين؟!


الأنظار ألتفتت الهمسات تعالت،كاميرات الصحفيين بدأت تتحرك، السبق الصحفي يتشكل على أرض الواقع.


منى، تهمس بفزع وهي تمسك يد فايزة: فضيحة! دي بتنهار وسط الناس! حد يوقفها!


فريدة، بصوت متوتر: مامي! فيه إيه؟ إللي حصل لها؟! اتصرفي!


نهضت فايزة من مكانها فجأة،وجهها متجهم، وعيناها تقدحان شررًا.


فايزة بصوت حاد: صافيناز! إنتي اتجننتي؟! إيه إللي بتعمليه ده؟!


صافيناز تصرخ بوقاحة، وصوتها يعلو فوق الموسيقى: بقولك إيه، سيبيني!


ثم توقفت فجأة وسط القاعة، خلعت حذاءها، ورمته بعيدًا، ثم بدأت ترقص حافية القدمين، بطريقة هيستيرية، وسط دهشة الجميع.


عين سليم كانت تراقبها من بعيد، وابتسامة متشفية ترتسم على وجهه، أخذ القليل من ثأر زوجته بطريقته.


وسط الزحام، تدخل عماد بسرعة،اقترب منها، أمسك يدها بقوة ليسحبها، لكنها كانت تضحك وتقاوم كأنها تظن أن كل ما يحدث مجرد مزاح.


في الزاوية، كان عزت واقفًا بجوار أحد الحراس، يراقب الكارثة تتسع.


عزت بصوت صارم: محدش يصور! أقفلوا الكاميرات فورًا! كل الميديا تتشال دلوقتي!


أحد المصورين، يخفي كاميرته بسرعة: بس إحنا طلعنا منها شوية حاجات، الفيديوهات اتسجلت خلاص.


اقتربت فايزة من عزت، بصوت مرتفع غاضب: خلي الجاردات يسحبوا أي موبايل أو كاميرا فيها تسجيل! لو سمحت يا عزت!


عزت، بهدوء غامض، وملامح لا تتحرك: متقلقيش هي مش أول مرة ندفن فيها فضيحة.


وبالفعل بدأ الحراس يسحبون بالقوة جميع الكاميرات ومسح كل شيء وتهديد الجميع إذا قام بنشر شي سوف يندمون


في تلك اللحظة، اقترب سليم بخطوات بطيئة وواثقة، وقف أمام الطاولة وقال بصوت حاسم، لا نقاش فيه: بكرة الصبح الساعة ٨ فيه اجتماع عائلي هبلغكم بقرار مهم وبعده هسافر.


فايزة نظرت له بسرعة: سليم؟! صافيناز مالها؟ مالك سايبها كدة؟!


ضحك رشدي من بعيد، وهو يقلب كأسه بإيده: طباخ السم لازم يدوقه.


سليم يصلح كرافتته بهدوء: بالظبط وكل واحد. هايدوق سمه.


نظر لهم نظرة أخيرة، وقال بهدوء: عن إذنكم الحفلة خلصت.


تحرك بخطوات ثابتة وسط الضيوف، كأن لا أحد يستحق النظر.


نظر عزت إلى رشدي بتساؤل ساكن: شكلك عارف حاجة، يا رشدي؟


رشدي وهو يشعل سيجارته:أصل بنتكم في الحفلة إللي فاتت، حطت مخدر لسليم في العصير،فردها لها النهاردة بنفس الطريقة.


عزت بصدمة: إنت بتقول إيه؟!


رشدي: إللي سمعته، بكرة لما تفوق، اسألها.


فيلا سليم وماسة، الثانية عشر صباحاً.


كان سليم واقف عند الباب الزجاجي المطل على الحديقة، نسيم الليل يداعب وجهه، ونظراته تائهة في السماء، وابتسامة خفيفة تلوح على ملامحه وبريق عينه يبرز السعادة التى تتغلغل داخله


لأول مرة منذ شهور، بدت ملامحه مرتاحة، كأن صدره امتلأ بالأكسجين بعد غرق طويل.


دخل مكي بهدوء، يحمل كوب ماء، مد يده به صوبه أخذه سليم دون كلام، وبدأ يحتسي على مهل، كأن الماء يغسل شيئًا عالقًا بداخله.


مكي قال له وهو بيتأمله: شكلك مبسوط أوي النهاردة ومرتاح؟!


سليم ابتسم ابتسامة جانبية:أكتر من مبسوط.


ألتفت له برأسه وقال بنبرة هادية: خلاص يا مكي الحقيقة انكشفت، وهي هتعرف إن إللي حصل ماكنش بإيدي، ولا بإرادتي، هاتسامح، حتى لو مش وقتها، لكن هتسامح، بس المرة دي لازم أتغير، مش كفاية إنها كانت فاكرة إني عملت كده بمزاجي؟ والحقيقة إني كنت أنا الضحية.


هز مكي راسه: عندك حق، الموضوع ده هيبقى فرصة كويسة ليكم بس هي كمان لازم تتغير هي كمان غلطت كتير وكانت السبب في إللي حصل حتى لو ردت فعلك كانت زيادة.


سكت لحظة ثم تساءل: طب هتعمل إيه مع صافيناز؟ تكتفي باللي حصل؟


سليم وعينه فيها نظرة مسمومة: هندمها، هخليها تندم إنها قربت من إللي ليا مش هي وبس كلهم  الحسنة بتخص والسيئة بتعم.


مال مكي بجسمه للأمام: بس سليم، خلي بالك مش كل حاجة تتحل بالنار، إحنا مش عايزين نعيد نفس الأخطاء.


أخذ سليم  نفس طويل ثم  قال بضجر: مكي دي كانت عايزة تأذي ماسة، أنا مقدرش أسكت وأعدي موقف ولا حتى مصدق كلامها أنا بسببها خسرت مراتي وده ثمن غالي


مكي وهو بيهز راسه بعقلانية: معاك، أنا معاك، بس صافيناز طول عمرها متكبرة، مابتحبش حد يدوس لها على طرف، فأنا مصدق إنها كانت ناوية تعمل كده في ماسة، بس علشان تضحك عليها، هي أصلًا مستحيل تتصرف غير كده في وجودك، دي مش أول سابقة ليها هي شاطرة في موضوع فضايح البنات و...


قاطعه سليم بحدة: ولما العبط ده يطول مراتي؟ المفروض أسكت؟! هي لازم تتربى وبنفس الطريقة، وأكتر! مش هقتلها بس هعرف أوجعها منين،وهعلمها يعني إيه؟!تقرب من إللي يخصني.


تساءل مكي وهو يعدل وقفته: طب إنت كدة هتسافر ولا هتأجل؟


سليم بسرعة: استحالة، هنفذ إللي في دماغي الأول، وبعدها نطلع على الطيارة على طول.


مكي رفع حاجبه: ناوي تعمل إيه؟


اقترب سليم  منه وقال بصوت منخفض: هقولك


قصر الراوي،  الثانية عشر صباحاً 


توقفت سيارات العائلة أمام القصر الكبير.


هبط أفراد العائلة من السيارات تباعًا، وكانت علامات التعب والتوتر على الوجوه، لكن أكثرهم اضطرابًا كانت صافيناز، التي لا تزال تحت تأثير الحبة الغريبة.


دخلوا القصر تباعًا، لكن عند المدخل توقف عزت وفايزة، وقد بدا عليهما الغضب الشديد.


عزت، بصوت عالي: صافيناز! وقفي هنا لازم نتكلم.


تنهدت فايزة بحدة، ثم قالت بإنفعال: فضحتينا! أنا مش قادرة أصدق إللي عملتيه، فضيحة، فضيحة بكل المقاييس! فضحتينا وسط العائلات كلها، أنا مش عارفة أرفع وشي من الناس، أكيد دلوقتي الكل بيقول: صافيناز الراوي، بنت فايزة رستم آغا، كانت سكرانة، ورقصت وهي مش في وعيها! عملت تصرفات أقل ما يقال عليها منحطة ده عار علينا.


لم تستطيع صافيناز أن تضبط ردود أفعالها، فكل شيء بداخلها كان يغلي قالت، بعينين تلمع بلا مبالاة: إيه المشكلة يعني؟! رقصت شوية، ضحكت شوية، هو ده إللي مضايقكم؟ إللي مش عاجبه يتحط تحت رجلينا! أنا صافي الراوي! إحنا كبار أوي، وإللي يفتح بقه يعرف هيحصل له إيه.


فايزة متعجبة: ده منطقكك


صافيناز بإستهجان: بقولكم إيه أنا مصدعة هنام.


حاولت التحرك لكن أوقفها صوت عزت.


عزت بشدة: إستنى هنا.


أقترب عزت منها متسائلًا: أنا سمعت حاجة أخطر، رشدي قال إنك حطيتي حبة مخدرة لسليم؟


صافيناز، تضحك بسخرية ألتفتت له: ماكانتش ليه، كانت لمراته، هي ضايقتني بكلمتين ماعجبونيش، وأنا مابقيتش قادرة أرد ولا أعمل حاجة، ما أبنك، حاططنا تحت رجليه، حضرتك إديته كل حاجة، فقلت أحرجها أضحك عليها، لكن للأسف هو إللي شرب العصير.


نظر إليها عزت بذهول، وقال بنبرة محبطة:هو أنا مش قلتلكوا، محدش يقرب من ماسة تاني؟ ليه بتستفزي سليم ؟ ليه مصرة تطلعي أسوأ ما فيه؟


صافيناز بوقاحة: يعني المفروض أسكت وأقبل لما تهيني؟ هي تفكرني إيه؟ دي فلاحـ...


لم تكمل الجملة، قاطعها عزت بصوتٍ صارخ: فلاحة إيه؟ فوقي بقى! إللي بتتكلمي عنها دي مش الخدامة، ولا بنت سعدية، دي دلوقتي مرات سليم، مرات الملك الجديد إنسوا بقى الماضي وتعاملوا مع الواقع، الواقع إللي بيقول إنها فوقكم كلكم دلوقتي! 


صرخت صافيناز، برفض: ماسة؟ هتفضل بنت سعدية ومجاهد، مهما الدنيا دارت، هتفضل خدامتي ومستحيل أقبل إن الخدامة دي تكون الملكة الجديدة وتاخد مكان مامي وجدتي التاج إللى لبسه عليت القوم يروح للخدامة استحالة.


عزت، يقترب منها أكثر، صوته مخيف: إللي عملتيه، مش هيعدي يا صافيناز بس الغلط مش عليكي عليا، لإني غلطت لما ماخدتش مواقف حاسمة معاكم، وماسمهوش ابنك اسمه أخوكي.


صافيناز، تسخر: هتعمل إيه يعني؟ هتضربني زي ابنك؟! أقصد أخويا أنا مش فاهمة أنت ليه قابل كل ده علشان مانخسرش سليم طظ


عزت، بنظرة جامدة صفعها على وجهها:  اتكلمي بأدب أنا أبوكي...

وفجأة ارتسمت على شفتاه ابتسامة: سليم مين ده إللي طظ  نخسر سليم يعني خسارة الملايين، أنا عندي استعداد أقبل بماسة وعشره زي ماسة بس، ماخسرش جنيه، ده مبدئي في الحياة إللي هيكسبني هيبقى حبيبي وإنتي وأخواتك ماعملتوش حاجة غير إنكم خسرتوني علشان كده مستحيل أكون في أصفكم.


صافيناز رفعت حاجبها: مصلحة يعني.


عزت بهدوء قاتل: بالظبط ولازم تفهموا إني مش هعدي زي زمان أنا مش هسمح إنكم تكلو بعض وإللى هيفكر يأذي أخوه أنا مش هستنى تقتلوا بعض هقتلكم أنا بس بطريقتي.


صافيناز بغضب: لازم تعرف طول ما إنت سايبوا يتحكم فينا هنفضل نكرهوا ونحاول نضيقه مش كفاية جاب خدامة وركبها علينا أنا مش هتنازل لو على جثتي.


كاد أن يرد عزت لكن أمسكت، فايزة بذراعه: سيبها، الخمرة مأثرة عليها مش مدركة أللى بتقوله، بس أنا كمان مش هعدي إللي حصل، كفاية عليا فضايح رشدي ناقصاكي إنتي كمان؟


رشدي، من بعيد، وهو يترنح قال بمزاح: هو أنا ليه دايمًا بتحط في جملة مفيدة؟ أنا كنت مؤدب النهاردة.


فايزة، تنظر لعماد: خدها وطلعها فوق، فوقها من إللي هي فيه.


صعدت صافيناز بصعوبة، بينما فايزة تنظر للجميع: يلا كل واحد على أوضته، طه، فريدة، أنا مش عايزة أي غلطة إللي حصل النهاردة، كأنه ماحصلش.


فريدة: ماتقلقيش، تصبحوا على خير.


الجميع انسحب بهدوء، بينما جلس عزت بصمت على المقعد الثقيل، واضعًا يديه على رأسه متسائلًا بتعب: هو فيه إيه بيحصل في القصر ده؟ إنتي عارفه إن سليم ضربها في الجنينة؟


فايزة، مصدومة: بتقول إيه؟!


عزت، بنبرة تعب: ضربها، قدام الحراس، وماحدش قدر يتدخل.


رفع راسه بضيق تابع: أنا ماصدقت الدنيا تهدى، بس واضح إن ولادك مش عايزين يعقلوا، اجتماع بكرة؟ أنا مش مطمن له.


فايزة، بقلق حقيقي: تفتكر ممكن يعمل فيها زي رشدي؟


عزت، وهو ينهض بثقل: يمكن أو أسوأ، فايزة خليها تبعد عن سليم وعن مراته إحنا مش ناقصين ويكون في علمك أنا همشي صافيناز من القصر.


كادت أن تعترض قال بحسم: ومش عايز أي اعتراض 

علشان متحصلهاش تصبحي على خير.


صعد عزت الدرج بينما توقفت فايزة وهي تزم شفتيها بضيق تقول: غبيه يا صافي وتستاهلي.


غرفة صافيناز 


دفعت الباب بعنف، وخلعت حذاءها بحدة وهي تتأوه.

وجهها لا يزال يحمل آثار الصفعات وجسدها يؤلمها من أثر الركلات


جلست على طرف الأريكة، تمسح خدها بأنامل مرتعشة.


دخل عماد خلفها، وأغلق الباب وجلس على الطاولة الصغيرة أمامها.


تساءل عماد بضيق: إيه إللي حصل؟ سليم خدك على فين؟ رجعتي كدة ليه متعصبة؟ فهميني إيه إللي حصل؟


صافيناز، ترفع رأسها ببطء، وعيناها تشتعلان غضبا:  الحيوان ضربني، خنقني، كان هيموتني عرف إني حطيت الحبة لماسة سمير وقع بكلامه قدامه.


اتسعت عينا عماد بصدمة: بتقولي إيه!


صافيناز، تصرخ فجأة بتهكم: إيه خايف؟! خايف على نفسك؟ ومش فارق معاك إن مراتك اتضربت واتهانت؟! ده ضربنى برجله، بدل ماتروح تكسره عشان مد إيده عليا؟!


قهقهه عماد، بسخرية وهو يقول: أكسر مين؟ ده سليم! إنتي اتجننتي؟!


صرخت صافيناز، وتوقفت أمامه: اتجننت؟! علشان بقولك اتضربت؟!


عماد توقف قال بهدوء ثعباني: إنتي إللي اتصرفتي من دماغك، طبيعي جدًا رد فعله، سليم مش بيهزر، قولتلك ماسة نقطة ضعفه، رد فعل سليم متوقعة وإحنا كنا عارفين لو عرف هيعمل فيكي إيه؟! يا رب بس تيجي على قد كدة.


صافيناز، بعيون دامعة بخذلان أعطت ظهرها له: خسارة ياعماد شوف هو بيعمل إيه علشانها؟! وشوف إنت بتعمل إيه علشاني.


عماد، بنبرة خافتة توقف خلفها بدفاع: أنا عملت كتير، أنا متهدد بالموت بسببك، عشان أوصلك لحلمك، بس مقدرش  أقف قصادة، أنا لو وقفت ضده، يبقى وقفت قدام القصر، أنا مش هعادي سليم لوحده،  أنا بعادي عيلة الراوي كلها وأنا،  أنا مش قدهم، إنتي بنتهم شوفي برغم غلطتك، اخدتى قلمين، لكن أنا هموت،  أنا ثمني رصاصة يا صافي..

رفع كفه وقال وهو يحاول استعطافها: 

وأهو لما فكرت زمان أساعدك شفتي عمل إيه إنتي عارفة إني  لو بإيدي حاجة هعملها.


جلست صافيناز، ببطء قالت بنبرة مخذولة: كان نفسي، حتى تحاول.


جلس عماد بجانبها وأمسك يدها بخبث: أنا قلت نقتله من الأول، وإنتي رفضتي قولتيلي: ده أخويا وضميرى واجعني.


رفعت صافيناز راسها وقالت بنبرة حاسمة بشر:  دلوقتي بقولك أقتله! مش إنت عارف مكانها؟


عماد هز راسه: قاعدة عند الدكتور ده.


صافيناز بنبرة نهائية: خلاص أقتله وأقتلها ماسة لو رجعت هتقول كل حاجة، لسليم والنسبة كبيرة إنها تسامحه، ولو عرفت إنه كان تحت تأثير مخدر؟ ساعتها إحنا إللي نتحرق، لازم نحرقها قبل مانتحرق.


سكتت لحظة، ثم قالت: أنا شاكة إنه إداني نفس الحباية إللي إدتها له، أنا كنت عارفة أنا بعمل إيه بس مش عارفة أوقف نفسي، وفاكرة كل حاجة.


عماد، بصوت مرتجف: سليم بدأ الحرب.


صافيناز، وعيناها تلمعان بحقد: وإحنا لازم ندافع بكل قوتنا حالا اتصل وقتل ماسة.


صباح اليوم التالي


أمام بوابة مجموعة الراوي، الثامنة وربع بالتحديد.


وصلت سيارة عماد وصافيناز متأخرة قليلا. 


ترجلا منها بخطوات واثقة، لكن أمام البوابة الرئيسية وقف رجال الأمن، وأمامهم مكي، بثبات صارم لمنعهم.


مكي ببحة رجولية: ممنوع.


رفعت صافيناز حاجبها ونظرت لمكي بسخرية:

إنت بتمنعني أنا؟ نسيت أنا مين؟! أنا صافيناز الراوي إنت اتجننت.


مكي بهدوء:أوامر سليم بيه، حضرتك وعماد بيه من النهاردة مش مسموح لكم تدخلوا لا هنا ولا أي شركة من شركات المجموعة او حتى الورش ومصانع.


عماد اقترب منه خطوة: أوعى يا مكي بلاش تأذي نفسك.


مكي بثبات: بلاش إنت إللي تاذي نفسك، أنا بنفذ أوامر، أسمعوا الكلام.


صافيناز دفعته: أوعى من وشي أحسنلك!


مكي بنبرة متماسكة توقف أمامها بمنع: صافيناز هانم، أنا لحد دلوقتي بتعامل بهدوء، بس لو حضرتك حاولتي تدخلي غصب، الحراس هيتعاملوا، وساعتها، النتيجة مش مضمونة، أتصلي بسليم وأفهمي منه القرار.


عماد بصوت حاد: إنت اتجننت؟ بتكلمنا إحنا كدة؟!


رفعت صافيناز يدها حاولت تصفعه، لكن أمسك مكي يدها بقوة


صافيناز بصدمة أنت بتمسك إيدي يا كلب؟!


مكي تحدث بين أسنانه: كفاية يا هانم أنا لسة محترم حدودي لحد دلوقتي مشكلتك مع سليم أنا بنفذ أوامر.


أومأ مكي للحراس، فبدأوا يتقدمون صرخت صافيناز: والله العظيم لأقتله! وقول لسليم إللي مشغلك إني هقتله! وهقتلك معاه


عماد جذبها بعنف: صافيناز! كفاية بقى، إنتي اتجننتي؟!


صافيناز وهي تدفع الحراس عنها: أوعي إنت وهو والله لأقتلك يا سليم.


داخل السيارة وملامح الغضب تكسو ملامحها


عماد بتهكم: إنتي مجنونة إيه إللي قولتيه ده؟!


صافيناز وهي تصرخ: كنت عايزني أعمل إيه؟!


عماد بهدوء: كان لازم نكون أذكى، سليم مش بيتحارب بالعصبية بيترد عليه بالعقل.


صافيناز بتهكم: لأ! النهاردة لازم ماسة تموت، علشان نكسر قلبه زي ما هو كسرني فاهم، إنت مش معاك مكانها لازم تقتلها والنهاردة تجيله صورتها مدبوحة.


عماد: طيب أهدي أنا كلمتهم امبارح مستين أمري.


في مجموعة الراوي/ قاعة الاجتماعات


الجميع كان جالسًا عزت، فايزة، ياسين، فريدة، رشدي، طه.


دخل سليم بخطوات ثابتة، جلس على رأس الطاولة، ألقى نظرة على الجميع، ثم قال بهدوء: نبدأ الاجتماع.


عزت استغرب: صافي مش موجودة؟


سليم بإبتسامة جانبية: أيوة وده موضوع الاجتماع.


أشار سليم لنور السكرتيرة، التي ضغطت زرًا الإتصال لصافيناز ثم خرجت؟!


على إتجاه آخر عند صافيناز.


رن هاتف صافيناز  باسم "سليم".


عماد بجوارها، أشار لها: ردي وأسمعيه.


صافيناز ردت، بصوت مشدود:  أيوه، أفندم؟

هنا ظهرت صورة صافيناز على شاشة العرض الكبيرة


سليم بصوت هادئ لكنه مسموم هو ينظر نحو الشاشة التى تبث المكالمة: إمبارح، عرفت إنك حطيتِ حبة مخدرة لمراتي علشان تضحكي عليها، وتخليها أضحوكة قدام الناس، بس أنا إللي شربتها، وعدت، شكلكم نسيتوا لما قولت: إللي هيعمل فيها حاجة، هدفعه التمن، وإللي هيرشها بالمية هرشه بالدم


صمت للحظة ثم تابع: وأنا ماموتكيش، مش علشانك علشان الموت رحمة لكن العقاب؟ العقاب لازم يكون من نفس النوع، وإمبارح أنا إللي أمرت يحطولك نفس الحباية، عشان نضحك عليكي الناس شويه.


ألتفت إلى الطاولة: بس طبعًا أنا إللي منعت الخبر مايخرجش، مش علشانها، عشان اسمنا في السوق، بس العقاب موقفش لحد هنا؟! 


ثم عاد لصافيناز ببحة رجولية بحسم: من اللحظة دي، صافيناز برا المجموعة، هي وجوزها إللي معرفش موجود ليه؟! برغم إني طردته، مش بس كدة  لااا. أنا بعت لنفسي الأسهم بتعتها بيع نهائي مش بتعتها بس تؤ كلها.


عزت بغضب: إنت اتجننت بإي صفة تعمل كدة؟!


سليم بإبتسامة مستفزة: بصفتي رئيس مجلس الإدارة، أنا الآمر الناهي هنا، وإللي مش عاجبه هخلي الحراس يرموه برا، وكل حاجة كتبناها في العقود واضحة، القانون لا يحمي المغفلين، والقضاء موجود، روحوا اشتكوا.


فايزة صرخت: دي مش طريقة!


سليم بقسوة: مع ولادك؟ هي دي الطريقة! كل إللي هيفكر يقرب من مراتي، هعرف أوجعه منين.


ثم نظر في الكاميرا: وبقولك يا صافي: لو فكرتي تقتليني؟ ولا تلمسي مراتي؟ أنا كاتب وصية لو مت، كل ثروتي لمراتي، ولو مراتي ماتت؟ لإني متأكد إنكم هتقتلوها، كل حاجة هتروح للجمعيات الخيرية، يعني حتى رشدي مش هيلاقي حق مخدراته، وإنتي يا فايزة مش هتلاقي فلوس تتكبري بيها على خلق الله ولا إنت يا باشا هتلاقي ثمن السيجار بتاعك، ده حتى مش هتلاقوا ثمن الملابس الداخلية عشان تغيروها.


عزت بصدمه بنبرة مكتومة: إنت عملت كدة بجد؟!


سليم بابتسامة مستفزة: بجد ربي ولادك علشان كرههم بقى صعب، وأنا مش هستحملهم  تاني، الصبر نفذ، أصلهم نسيو مين هو سليم؟! افتكرو إني بهدد وبس وأخري أكسر أيد أرفض مشروع.


الكل كان صامت الصدمة أكبر حتى من الاعتراض أو التحدث.


توقف سليم على نفس ذات النبرة لكن بأكثر شرا أضاف: أنا مسافر ألمانيا، كمان ساعتين، فكروا إزاي تحرسوني بدل ما تأذوني، علشان أنا إللي ماسككم من رقبتكم، وأي محاولة للغدر؟ هرد بس الرد هيبقى في ولادكم عايزين تجربوا؟ اتفضلوا هوريكم فراق الضنا شكله إيه.


فايزة تمتمت: سليم خلينا نتفاهم طيب ده جنون!


سليم وهو يغادر: لما تربي عيالك وقتها هفكر أسمعك.


نظر نظرة أخيرة: كلامي خلص سلام.


بعد أن خرج سليم من المكتب، خيم الصمت على المكان كانت وجوه الجميع تحمل ملامح الذهول، وكأن ماسمعوه لتوه لا يصدقه عقل.


لقد باع سليم كل أموال العائلة، الشركات،الممتلكات كل شيء، لصالح الجمعيات الخيرية، في حال وفاته أو وفاة زوجته،هذا الشيء كصفعة بالنسبه له.


فايزة قالت بصوت مختنق من التوتر: إنتوا هتعملوا إيه في المصيبة دي؟ سليم اتجنن! لازم نسحب منه التوكيل.


عزت، وهو يعبث بعصبية بكرافتته التي شعر أنها تخنقه، تمتم: حول كل حاجة باسمه.


فايزة رفعت حاجبيها بدهشة: يعني إيه؟


عزت بنبرة مختنقة: التوكيل إللي معاه، استغله وباع كل حاجة باسمه، ماهو  بيتكلم بثقة، لإنه عارف بيعمل إيه.


تابعت فايزة بعصبية: يعني إحنا غلطنا لما وثقنا فيه وأديناه كل حاجة؟


ثم مررت عينيها على أبنائها بحدة: وبعدين، إنتوا ساكتين ليه؟ ماتتكلموا!


مالت فريدة بجسدها قليلًا وقالت بهدوء: مامي أهدي، مستحيل يعمل كده من غير سبب، أكيد دي حاجة مؤقتة، وهيرجع كل حاجة زي ما كانت وبعدين إحنا لينا أملاكنا الخاصة، مشاريع، عقارات، فلوس ماتنسيش.


نظر عزت نحوها مستنكرًا: يعني شايفة إللي عمله سليم عادي؟


هزت فريدة رأسها بثقة: لأ مش عادي، بس بصراحة حقه، هو لحد إمتى هنفضل في نفس الحلقة إللي مابتخلصش؟ ماسة الخدامة؟ بقالنا أكتر من عشر سنين في دوامة مؤامرات، مش بتزهقوا؟ بدل ماتتضايقوا من إللي عمله سليم، اتعلموا منه ربوا أولادكم على المحبة مش على الشر، سليم عمره ماآذى حد، ولا طمع في قرش، كذا مرة قال: إنه مش عايز العرش إللي كله دم ده، بس إنتوا مصرين تطلعوا أسوأ ما فيه، سبتوا الفعل، ومسكتوا في رد الفعل!


ألتفتت نحو والدها وقالت بنبرة حاسمة: بابي لو ماوقفتش صافيناز ورشدي عند حدهم، حد فيهم هيقتل التاني وسليم هيكون الضحية ولو سليم أو ماسة حصل لهم حاجة، أنا والله العظيم هقتل صافيناز ورشدي بإيديا.


ارتبك عزت، ورفع صوته، كانت تلك صدمة له. ففريدة، البعيدة كل البعد عن التهديد، بدت غريبة حتى عليه: إنتي بتقولي إيه يا فريدة؟!


فريدة وقفت بثبات: بقولك الحقيقة، إنت فاكر لو سليم وقع، إحنا هانعيش؟ أنا وياسين، وطه؟ هيقتلونا ويقتلوا أولادنا، علشان مايكونش في وريث يشاركهم الإمبراطورية وبعدين، هيقتلوا بعض ومش بعيد يكونوا هم أصلًا إللي ورا الحادثة.


صرخت فايزة بتوتر: ماتخلينيش اتجنن! سليم فتش ورانا كلنا وماوصلش لحاجة!


ابتسم رشدي بسخرية: طبعًا، إنتي وياسين وطه، حاطين في بطنكم بطيخة صيفي عارفين إنه مش هيقربلكم والوصية؟ أكيد فيها حاجات إحنا مانعرفهاش مأمنة مستقبلكم، عشان كده هادين.


رفع ياسين رأسه بإبتسامة فيها مرارة: بالظبط إحنا اخترنا سليم أخترنا الخير، لكن إنتوا اخترتوا الشر إللي عمله سليم هو الصح، بابا، إنت أكتر واحد عارف البلاوي إللي كانت بتحصل في القصر صافيناز خدت عقابها، وإنت لازم يكون عندك عقاب رادع ليها، وأي حد مفكر يؤذي أخوه، يبقى يستاهل بحر الدم إللي جاي ماتقلقش على الفلوس سليم بيأمن حياته وحياة مراته هو مش ندل زي ولادك.


زمجر عزت غاضبًا: أنا مش هسمح إن كل السنين إللي حفرت فيها في الصخر تروح في الآخر للجمعيات الخيرية!


تدخل طه بصوت منخفض لكنه حاد: يا ريت تروح للجمعيات بس نعيش بأمان، مش عايزين نخاف من إن حد يغدر بينا أنا حاسس إن فيه ريحة دم جاية قريب وبصراحة، أنا مع فريدة، لو سليم أو ماسة ماتوا، يبقى الدور علينا وساعتها، والله، مش هفكر مرتين، أنا هقتل ولادك.


قاطعهم رشدي فجأة: أنا عايز أفهم بس أنا بتحط ليه في النص؟! أنا عملت إيه يعني؟!


ياسين ببرود: إنت بتعمل كتير بس من تحت لتحت.


صرخ عزت وهو يفقد أعصابه: أنا مش عايز أسمع كلمة تاني! كلكم اتجننتوا؟! إنتوا بتهددوا بعض قصادي بالموت؟! إنتوا إخوات!


فريدة بصوت ثابت: لأ، ماتجنناش إحنا بنحاول نحافظ على حياتنا.


ثم توقفت وغادرت الغرفة، خطواتها تحمل من الحزم مايكفي لقلب الطاولة على الجميع.


ياسين وهو يتبعها بنظره: أنا مش فارق معايا أي حاجة، أهم حاجة عندي أمان مراتي وبنتي، الإمبراطورية مش هتنفعني لو واحدة فيهم حصل لها حاجة من رأيي يا بابا تهدى، وتتكلم مع سليم، وبلاش تاخد رد فعل متسرع، نصيحة خدها من أبنك الصغير أوعى ترمي ودنك لصافيناز أو رشدي.


فايزة، وكان صوتها يتهدج بالحزن: أنا مش عايزة أسمع صوت تاني، إخوات! إزاي تفكروا تقتلوا بعض بالسهولة دي؟!


ابتسم رشدي بسخرية قاتمة: علشان دي الحقيقة،كلنا حاطين خناجر في ضهر بعض بس كل واحد حسب احتياجه، هم اختاروا الأمان، وأنا وصافي اخترنا الفلوس، بس إللي إنتوا ماتعرفوهش، أنا عمري مافكرت أخلص على حد فيكم لو كنت عايز كنت عملتها من زمان.


ياسين بسرعة: وليه ماعملتش كده؟ بتحبنا يعني؟


هز رشدي كتفيه: معرفش مافكرتش، بس هي كدة كدة كانت ملك سليم مش ملكنا الواحد يلحق يحول فلوسه الخاصة برة قبل ما سليم يسحبها كمان.


رفع عزت صوته فجأة بتعب وتهكم: عايزكوا كلكوا تخرجوا بره مش عايز أسمع صوت أنا حزين، وقلبي وجعني عليكم ماتوقعتش الغل والكره إللي فيكم لبعض.


طه وهو يحدق في عزت: لا، حضرتك بس إللي ماكنتش عايز تشوف بس كانت باينة أوي.


وجه نظراته لفايزة بتهديد مبطن: يا رب تكوني مبسوطة يا هانم أنا حذرتك كتير، وقلتلك وقفي صافيناز بس كرهك لماسة هو إللي وصلنا لكده، صدقيني أمان ولادي هو إللي هيخلي لساني جوة بقي.


رفع عزت  راسه بتعجب: تقصد إيه؟ طه وهو يخرج:

اسأل الهانم، وهي تقولك.


خرج طه وياسين، وبقي رشدي.


نظر إليه عزت: مش عايز تقول حاجة إنت كمان؟


هز رشدي رأسه: لا، أنا ماشي.


عزت بسخرية: غريبة الهدوء إللي إنت فيه واضح إن المخدرات عملت لك بلادة.


رشدي وهو يهم بالخروج: والله أحسن لما تخلصوها، قولولي وصلتوا لإيه.


خرج من القاعة، وبقي عزت وحده، تنهد وهو يفك أزرار قميصه، وكأن الجدران كلها سقطت فوق كتفيه.


اقتربت فايزة وقالت وهي تهمس بخوف: هنعمل إيه؟ هنضيع لو سليم عمل إللي في دماغه.


أجابها وهو ما زال يحدق في اللاشيء: أكيد مش هسمح لحاجة من دي تحصل، هتكلم معاه، وبنتك هتمشي النهاردة من القصر.


ثم رفع عينيه إليها وقال بنبرة مرهقة: أللي بيحصل ده كان متوقع، قلتلك كتير يا فايزة كفاية مؤامرات، كفاية ترمي نفسك في حضن ولادك وتقويهم على أخوهم بس إنتي مابتسمعيش الكلام شفتي وصلنا لإيه؟ ولادك بيكرهوا بعض عاملين زي أحزمة ناسفة، قلبي واجعني وأنا شايفهم بالمنظر ده حتى فريدة الوديعة بقت بتفكر تقتل.


فايزة بصوت منكسر: أنا متأكدة إن سليم عمل كده علشان يحمي نفسه ويحمي ماسة، اتكلم معاه، شوف إيه إللي يرضيه، بس مانضيعش ولادنا، بسبب حب أبنك المجنون لمراته الخدامة.


صمت عزت، ثم قال وهو ينهض: طول ما إنتي بتقولي الجملة دي المشكلة هتفضل زي ما هي أنا رايح أتكلم مع سليم.


وهو عند الباب، تذكر كلام طه سألها بصوت مريب: هو طه كان يقصد إيه؟ يعني إيه "هي تقولك"؟!


توترت فايزة، ثم ردت بهدوء مصطنع: يقصد الحاجات إللي حصلت مع ماسة رشدي كان بيهدده لإنه عرف بالصدفة قاله لو فتحت بقك وقلت للباشا حاجة هندمك.


عزت بتهديد: فايزة احذريني أنا جبت آخري.


خرج عزت من الغرفة، بينما بقيت فايزة وحدها. الغضب يمحي ملامحها، ثم ضربت بيديها بقوة على الطاولة كل شيء بدأ يضيع من بين يديها في لحظة.


على أتجاه آخر، عند صافيناز


ساد الصمت للحظات أنفاس صافيناز كانت متقطعة، ووجهها شاحب، وعيناها مفتوحتان على اتساعهما، كأنها لا تصدق ما سمعته لتوها.


بصوت واهن، وبنبرة خالية من الحياة: أنا خسرت كل حاجة.


ألتفتت نحو عماد، عيناها ما زالت مبرقة، وكأن الصدمة لم تغادر ملامحها بعد: كل الأسهم بتاعتي اتاخدت، كل حاجة راحت في غمضة عين هنعمل إيه يا عماد؟


رد عليها وهو يحاول أن يخفف من توتره، مسح على وجهه بكفه، برغم أن داخله يغلي، فكل شيء من مخططاته ضاعت:  ولا حاجة، مش هينفع نعمل أي حاجة دلوقتي خالص لازم نهدى ونشوف إللي هيحصل في القصر، أكيد مش هيسكتوا ده باع كل حاجة للجمعيات الخيرية، لا الباشا، ولا الهانم، ولا أي حد فيهم هيسكت على ده، القصر هايولع نار إحنا لازم نقلب الموقف لحسابنا، غير إن أمان سليم دلوقتي هو هدفنا إحنا بإيدينا إللي هانحافظ على حياته وحياة مراته هتصل هلغي المهمه.


شهقت صافيناز بصوت مبحوح، وضربت على التابلوه: لو كنت سمعت كلامي وماقتلتش بنتهم، كنا دلوقتي هانعرف نتحدى!


ضحك عماد ضحكة قصيرة، متعجبة: مين ده إنتي بتنسى؟! إنتي إللي قولتيلي أقتلها! لما جيت قولتلك: البنت اتولدت، عايشة، بس محتاجة تدخل الحضانة، قولتيلي: أتخلص منها، عشان كل حاجة هتروح لها لو ماسة وسليم ماتوا.


ضربت بيدها على فخذيها، تمتمت بأسى: أنا كنت غبية، هنعمل إيه يا عماد؟ مش هسمح إني أخسر جينه! ولو مقابل ده أقتلهم كلهم، مش مهم، بس مش هخسر، مش بعد كل ده، ولو خسرت لازم أخسرهم معايا.


أقترب منها قليلًا، صوته منخفض لكنه حاسم:  ولا أنا هسمح إنك تخسري بس لازم نهدى، ونحكم عقلنا، ولما نرجع القصر، لازم تعيطي، وتمثلي إنك ماكنتيش تقصدي، لازم تكسبي استعطافهم بأي تمن، دلوقتي مش وقت العند إنتي لازم تكسبي تعاطفهم بأي طريقة وإلا نهايتنا هاتتكتب بإيدك.


وضعت صافيناز يديها على جانبي جبينها، وأصابعها تتحرك بعصبية: كل ده عشان خاطر ماسة؟ ضيعنا كلنا عشان خاطر الخدامة؟ أنا لو بإيدي آكلها بأسناني والله هعمل كده! وهايجي اليوم.ده هدفعها التمن هو وهي على إللي بيحصل فينا ده.


مجموعة الراوي التاسعة مساءً 

مكتب عزت 

بعد أن أنهى عزت حديثه مع فايزة، توجه إلى مكتبه والنار تشتعل في صدره، جلس على المقعد الأمامي للمكتب، فك كرفتته بعصبية، كأنها تمثل القيود التي وضعها عليه سليم، خلعها وألقاها على الأرض كان يتنفس بعنف، والعرق يتصبب من جبهته، وكلمات سليم لا تزال تطن في أذنه كالصفير:

لو أنا مت أو مراتي ماتت، كل حاجة تروح للـجمعيات الخيرية والسبب؟ صافيناز أنا بعت لنفسي كل الأسهم بيع نهائي؟!


نهض فجأة، وضرب المكتب بقبضته، ثم أطاح بالأوراق والملفات المتراكمة فوقه، ركل الكرسي بقدمه فكسره، ثم ألتقط ساعة المكتب وألقاها على الحائط، فتطاير زجاجها في كل إتجاه.


دخلت نانا مسرعة، وجهها مذعور، وصوتها يرتجف: خير يا عزت! فيه إيه؟!


نظر إليها وعيناه تلمعان بنار العجز: كل حاجة راحت كل حاجة ضاعت مني بإيدي.


نانا ضيقت عينيها، وكأنها تحاول أن تفهم: يعني إيه؟ مش فاهمة حاجة!


عزت بنبرة محشرجة وهو يحاول السيطرة على صوته المرتجف: سليم حول كل حاجة باسمه بالتوكيل إللي عامله، وكتب وصية، لو هو أو مراته ماتوا، كل حاجة تروح للجمعيات الخيرية! بقى بيملك كل حاجة، حتى أنا مابقتش أقدر أسحب منه التوكيلات، خلاص، بقى هو السيد في القصر وفي المجموعة وأنا، أنا مابقتش أملك أي حاجة، تقريبًا ماملكش غير بدلتي دي، شقى السنين راح في ثانية.


تقدمت نانا نحوه خطوة، وهي مصدومة مما تسمعه: إيه إللي إنت بتقوله ده؟! أكيد فيه حاجة غلط، مستحيل! أكيد التصرفات دي ليها سبب معين، غرض معين؟! سليم مش كدة


مد يديه ووضعهما على صدره، وقد علا وجهه ألم واضح: سيبيني دلوقتي أنا مش قادر أركز مش قادر أتنفس ابعتيلي المحامي فورًا.


اقتربت منه نانا ووضعت يدها على كتفه، تحاول تهدئته: طيب، أهدى بس أنا متأكدة إن الموضوع ده هيتحل سليم عاقل، بس إنت هدي روحك يا حبيبي وبعدين وشك ماله أصفر كده ليه؟ وحاطط إيدك على قلبك!؟ أجيبلك الدكتور؟


صرخ فيها بغضب، وقد فقد السيطرة على أعصابه: قلتلك هاتي المحامي!


نانا تراجعت سريعًا:حاضر أهدى بس.


خرجت نانا من الغرفة مسرعة، وبعد دقائق قليلة دخل المحامي، لم يكد يغلق الباب خلفه حتى هب عزت من مكانه، وأنقض عليه، أمسكه من جاكيت بدلته وهو يصرخ فيه بعنف: إنت إزاي تسيب سليم يعمل كده؟!


مازن حاول يتماسك، لكنه قال بتوتر شديد: أنا ماعملتش حاجة يا باشا! هو جالي بوثيقة الوصية إمبارح وكنت هقول لحضرتك، بس خوفت.


صاح عزت بوجهه، الغضب يملأ صوته: خوفت؟! ولا ولاءك بقى لسليم؟! أنا خسرت كل حاجة! أنا بنيت المجموعة دي من التراب! إزاي يحصل ده وأنا عايش؟! أنا عايز حل النهاردة.


أبتعد عنه خطوة، ثم قال بأمر واضح: اسمع ان تقعد مع كل المستشارين تدوروا في كل ورقة وكل بند، وأنا مش هسيبكم إلا لما أسمع مخرج.


حاول المحامي أن يحافظ على هدوئه وهو يتكلم:

الحل الوحيد إن سليم يتراجع يغير الوصية بنفسه وقتها، يرجع الوضع زي الأول: حضرتك 51%، هو 26%، الهانم 8%، والباقي متوزع على اولاد حضرتك بتساوي بس...


رفع عزت رأسه بسرعة، عينه مليانة ترقب:بس إيه؟!


مازن بتردد:والنهاردة الصبح، فريدة هانم، وياسين بيه، وطه باعوا أسهمهم لسليم، غير إن هو خلاص بقى بيملك رسمي ال 3% بتوع صافيناز هانم، يعنى بقى معاه ٣٨%  يعني كلمته كبيرة، بس طبعًا مش بعد كلمتك يا باشا.


عزت شهق بدهشة: باعوها بالفلوس؟!


هز مازن رأسه: لأ يا باشا، بالتراضي، حضرتك عارف إنهم بيحبوه، وهو دلوقتي الأقوة، أنا أسف يا باشا، بس طبيعي يبقوا مع الأقوى، إنما إللي متأكد منه، إن سليم بيه ماعهوش إنه يشتري الأسهم.


تمتم عزت بصوت مشحون بالمرارة: عشان كده كانوا قاعدين هاديين.


أقترب مازن منه، وتحدث بهدوء شديد: بس سليم يا باشا اتصرف من غضب مش من عقل محتاج حد يكلمه، يهديه، يخليه يفكر هو إمبارح لما جالي، كان واضح عليه أوي الغضب، عشان كده خفت أتكلم مع حضرتك أنا أعتقد لو اتكلمت معاه بهدوء، الموضوع هيهدى وبعدين يا باشا، هو مش في حالة موت بمعنى الموت، هو في حالة القتل...


نظرله عزت وهو يضيق عينه تابع مازن: يعني حضرتك محتاج تفكر، لما سليم باشا يكتب كده في وصيته في حالة قتله أو قتل زوجته،كل الأملاك تروح للجمعيات ده معناه إن فيه تهديد صريح.


عزت نظر له نظرة مليانة شك: إنت متأكد؟


مازن خفض صوته: طبعًا يا باشا، بس لو سمحت ماتقولوش اني قو لتلك.


عزت بإنكسار: يعني مفيش حل؟!


مازن بعد تردد قصير: المجموعة راحت لكن المشاريع الخاصة وأملاك العيلة ماجاش جنبها وكده كده يا باشا سليم اللي كان بيديرها وحضرتك كنت مدي له توكيل عام، هو استغل الثغره دي وعمل الوصيه وباع لنفسه اسهم صافيناز.


تبسم بمرارة: هو عارف إحنا بنتوجع ونغضب منين؟!


ثم نهض فجأة وقال: روح، اقعد مع المستشارين، فتشوا في كل حاجة، أي ثغرة، وأنا هروح أكلمه بنفسي.


غادر المكتب بسرعة، وفي طريقه إلى الخارج، نظر إلى نانا وقال بنبرة حادة: ألغي كل الاجتماعات النهاردة!


ثم غادر... دون أن يلتفت خلفه.


سيارة عزت التاسعةونصف صباحاً 


نرى عزت جالسًا في المقعد الخلفي، ينظر من النافذة بشرود الشارع يمر أمامه كأن كل شيء من حوله يتفير بسرعة، لكن داخله متجمد رفع الهاتف وأتصل بسليم تبادل الشاشة بين المشهدين.


عزت بإقتضاب: إنت فين؟


على اتجاه اخر كان سليم يجلس في مطعم داخل المطار مع تبادل الصوره اشه بينهما 


سليم بقتضاب: في المطار.


عزت: استناني، عايز أتكلم معاك.


سليم برخامة: والله مش هينفع، طيارتي كمان ساعة ونص.


عزت بحسم: أسمع الكلام. أنا في الطريق. عشر دقايق وهلقى عندك.


أنهى الاتصال دون أن ينتظر موافقة سليم.


المطار/ المطعم  العاشرة صباحا 


جلس عزت وسليم وجهًا لوجه على إحدى الطاولات، لكنها لم تخف المسافة الحقيقية التي تفصل بينهما الجو مشحون، وكل كلمة تقال كأنها طلقة.


عزت قال بنبرة فيها قهر: إيه إللي إنت عملته؟ عايز تربي أختك؟ ربيها بأي طريقة، بس مافكرتش فيا مافكرتش في أمك مافكرتش في إخواتك إللي بيحبوك وبتحبهم.


سليم، وهو بيرفع عينه يقابله بثبات: لما مايتوفرش ليا الأمان، ولا لمراتي، ويفكروا في أذيتي، ساعتها مش هفكر في حد وبالخصوص إخواتي إللي بيحبوني وأنا بحبهم؟ ماتتدخلش، إحنا هنعرف نتعامل مع بعض.


مرر سليم عينه عليه، وقال بمرارة: حضرتك كل أللي فارق معاك الملايين لكن إللي بيحصل معايا؟ مش فارق دي مش أول مرة...


تابع بنبرة متحدية بشدة: بس هتبقى آخر مرة، عشان هما دلوقتي عرفوا إن سليم لا هيكسر إيد تاني، ولا هايهدد بعدم دخوله المجموعة لأاا إللي جاي هيبقى ندم، ده لو لحقوا يندموا.


عزت بصوت منخفض لكن حاد: إللي إنت عملته مش صح، رجع كل حاجة زي ما كانت وأسحب من صافيناز كل حاجة أنا معاك، أنا أصلًا هطلعهم النهاردة من القصر هي وعماد، وهسحب منها كل حاجة..


بنبرة تهديد تابع وهو يشير بيده: بس بلاش تعاديني يا سليم ارجوك.


سليم بسخرية مرة: للدرجة دي؟ مش فارق معاك حياتي؟! قد مافارق معاك إن الملايين ماتروحش للجمعيات الخيرية؟

صمت وهو يضايق عينه تابع بنبره غير قابله للنقاش: تفتكر أنا هايفرق معايا؟ حياة ناس يتشردو من بعدي وهما أصلًا مابيفكروش فيا؟ وبيفكروا في أذيتي! قطعًا لأ.


عزت بحزم: سليم بلاش العند ده، بعدين إنت مسافر رايح فين؟


سليم برخامة: مالكش دعوة.


ثم عاد ونظر له مرة أخيرة: عموماً، أنا هريحك، أنا عملت كل ده في حالة قتلي يعني لو مت موتة ربنا، كل حاجة هاترجعلك، لكن لو أنا أو مراتي موتنا مقتولين، أو فيه شك؟! أكيد مش هبقى مبسوط وأنا في قبري، ميت مقتول، أنا ومراتي، وإنتو عايشين حياتكم بالرفاهية ومبسوطين؟ لازم أنغص عليكم حياتكم،  ياريت ماتضايقنيش أكتر من كده، أنا عندي استعداد أغرق الجبل كله، زي ماقدرت أرممه وأرجعه أقوى ماكان، في التسع سنين إللي فاتت، وإنت عارف إن أنا قادر على ده.


عزت بضجر: ماتخلينيش أندم إني اديتك الثقة واديتك كل حاجة.


سليم ببرود: أندم؟ مش فارق معايا قلتلك: القانون لا يحمي المغفلين، عندك القضاء، روحله أنا مش هتراجع، طول ما أنا حاسس بالخسة والنذالة من أولادك.


وقف سليم وقال بوضوح: هقولك تاني: طول ماعيالك محترمين، طول ما إحنا عايشين زي ما إحنا حد فيهم هيقل؟ حياته هتبقى أرخص من إللي أنا ممكن أعمله


نظر سليم ثواني لعزت وهو يضيق عينه بنوع من المرارة قال: خسارة، كنت فاكر إن فيه شوية محبة في قلبك ليا، بس طلعت مغفل، حتى أنت كمان..

زم شفتيه بأسف تنهد توقفت الكلمة في حلقه بمرارة فلا يستطيع ينطق، فالخذلان أصعب من الكلمات.


ثم نظر للفنجان وهو يتحرك: بقولك إيه أبقى حاسب على القهوة.


تحرك سليم ومعاه مكي جلس عزت، يحاول يلملم أعصابه، يتنفس بغضب مكتوم.


عزت لنفسه: ماشي يا سليم، أنا هستنى تهدى، لحد ماشوف حل في إللي إنت بتعمله ده


الممشى الداخلي في المطار


كان سليم ومكي يتحركان بجانب بعض.


مكي ألتفت ناحيته، وقال بقلق واضح: أنا قلقان يا سليم.


سليم، وهو بيضحك بخفة: قلقان ليه؟ ده أكتر وقت أتأكد فيه إن حياتي في أمان، وحياة ماسة كمان امال أنا سافرت ليه؟!  هما بنفسهم أللي هايعينوا عليا حراس يحموني أنا لو عطست دلوقتي، هليجيبولي دكتور حياتي بالنسبالهم بقت غالية، دلوقتي هما بيفكروا يعملوا إيه علشان يرجعوا اللعبة في إيديهم وساعتها هيقتلوني من غير تفكير، بس أنا إللي ماسكهم دلوقتي.


مكي بتوتر: أنا ماكنتش عايز انتقامك يوصل لكدة، يعني إنت مش بس بتعادي صافيناز، إنت بتعادي الباشا كمان.


سليم بهدوء مرعب: ماحدش فيهم قدي دلوقتي ماتقلقش، أنا عارف أنا بعمل إيه.


مكي بيخفض صوته: ماعرفتش صافيناز بجواز عماد ليه ده كان هيكسرها.


هز راسه بنفي: تؤؤ كفاية عليها إللي حصل لها الصدمة دي ليها وقتها.


قصر الراوي، الواحدة مساء


دخلت سيارة فايزة من بوابة القصر ببطء توقفت أمام المبنى الرئيسي، ففتح لها أحد الحراس الباب بأحترام. نزلت كأنها ملكة عائدة إلى عرشها نزعت نظارتها الشمسية ببطء وقالت بنبرة مشبعة بالسلطة:


صافيناز هانم وصلت؟


الحارس: أيوه يا فندم.


توقفت قليلًا، وكأن فكرة خطيرة خطرت بذهنها، ثم نظرت إليه بثبات وقالت: طب أسمعني كويس، أنا عايزة قصري كله يتحاوط بالحراسة، وحطلي حارس على باب أوضة هبة، وعلى أوضة منى، وكمان أوضة إبراهيم لما يرجع ممنوع أي حد يخرج، حتى الخدامين مش عايزة أشوف حد النهاردة مفهوم؟ البهوات الصغيرين كمان.


نظر إليها الحارس ورفع رأسه بإحترام: أمرك يا هانم، اعتبري حصل.


أومأت برأسها دون تعليق، وسارت للداخل دون أن تنظر لأي من الخدم الذين انحنوا لها احترامًا.


صعدت الدرجات بخطى ثابتة، يدها على الدرابزين، وعيناها تلمعان بتفكير ثقيل كان واضحًا أنها تخطط لشيء.


وقفت أمام غرفة صافيناز. طرقت الباب ثم دخلت دون انتظار.


كانت صافيناز وعماد في الداخل وبمجرد أن وقع بصر صافيناز على والدتها، قفزت واقفة كأنها وجدت طوق النجاة: مامي! ألحقيني!


نظرت لها فايزة بيضيق، وهزت رأسها ببطء، وقالت بإنزعاج: كم مرة قلتلك؟ ماتعمليش أي حاجة من غير ماتسأليني وتستشيريني الأول!


صافيناز باستهجان: هي ضايقتني!


رفعت فايزة حاجبها وتكلمت بهدوء ممتزج بالضيق:

ماهي مضايقانا كلنا! ومضايقاني أنا أكتر واحدة؟! بس بتصرف بعقل مابنفعلش، شوفي دلوقتي إللي حصل! إنتي مش بس دمرتي نفسك، دمرتي كل حاجة حوليكي! كلنا بندفع التمن عشان حركتك الغبية دي، تفتكري حد فينا هيقف جنبك؟


عماد حاول يتدخل: بس برضه يا هانم، الموقف..


نظرت له بحدة: أنا ماسمحتلكش تتكلم! أسكت خالص، كلامي مع بنتي!


جز عماد على أسنانه وكتم غضبه بإبتسامة مصطنعة:

أمرك.


ثم وجهت فايزة كلامها لصافيناز بنبرة حاسمة: أسمعي، هتاخدي جوزك وهتمشي من هنا، اختاري أي فيلا من بتوعنا، وأقعدي فيها.


صافيناز بصدمتها: يعني إيه؟


فايزة بهدوء اقتربت منها: يعني عزت أصدر فرمان بخروجك إنتي وعماد من القصر، مش بس كده.ده هيسحب منك كل حاجة، مافضلش ليكي غير المشروع بتاعك، والفلوس إللي في البنك واتمنى ماتغلطيش تاني علشان تفضلي محافظة عليهم.


صافيناز حاولت تعترض، لكن فايزة رفعت يدها بأصابعها وأشارت لها بحدة: وأوعي تعترضي! الأمور خرجت عن السيطرة! وأنا مش هضحي بثروتي ولا اسمي عشانك، أنا تنازلت كتير علشان أكبر الإمبراطورية دي، ومش مستعدة أخسر بسببك.


اقتربت صافيناز بخطوات مترددة، وقالت بصوت مهتز: يعني حضرتك خلاص هترفعي إيدك عني؟


فايزة ببرود: لحد ما الأمور تهدى إحنا دلوقتي واقفين على بحر من الرمال المتحركة، أي حركة غلط ممكن تبلعنا.


صافيناز: وهتسيبوا سليم ياخد كل حاجة؟


فايزة بتنهيدة حادة: أكيد لأ! بس لازم نهدى وننفذ كلام عزت، عزت مش طايقكم، وأنا قلت له كل حاجة.


صافيناز بصدمة: إيه؟! تقصدي إيه؟


فايزة بجمود ملكي: قلتله إن إحنا إللي هربنا ماسة، وإننا السبب إنها تبعد عن سليم، وكان معانا وكسبته في صفنا، بس بحركتك دي دمرتي كل إللي بنيته، خليكي فاهمه ما قلتش أكتر من كده، لا عن شغله، ولا الفيديوهات، ولو عزت سألك، عن أسبابك ليه حطيتي الحباية، قولي إنك خوفتي ماسة تحكي لسليم كل حاجة فحاولتي تحمي العيلة، ضحيتي بنفسك عشان تمنعي كارثة يعني حركة تخويف جديدة.


تابعت بفحيح افاعي: لما حضرت الحفلة، وشوفتهم سوا، وشبه هددتك، قلتي خلاص، دي هتقول لسليم! ولو عرف تبقى مصيبة. 


صافيناز بصوت منخفض: وبابا هيصدق ده كله؟


اقتربت منها فايزة، أمسكت بكتفيها ونظرت في عينيها: أنا متأكدة إنك هاتقدري تقنعيه، حتى لو ماسامحكيش إحنا مش بندور على غفران إحنا بندور إزاي نعدي من الكارثة دي.


ابتعدت عنها قليلًا ونظرت لها بنظرة فاحصة: قوليلي بقى إنتي فعلاً عملتي كده عشان ماسة هددتك؟ ولا فيه حاجة تانية؟ ليه سليم ضربك؟ فيه حاجة مخبينها؟


صافيناز بصوت متهدج:علشان الحباية إللي سليم خدها بالغلط هي إللي خلته يفقد أعصابه، ويديها علقة موت، وأللي ماتعرفيهوش إن ماسة مش مسافرة، ولا قاعدة معاه، ماسة هربانة! بقالها شهرين ونص!


اتسعت عينا فايزة: عرفتي منين؟


عماد تدخل: أنا مجند واحد من رجالة سليم وعارف مكانها.


فايزة زفرت بهدوء وهي تهز رأسها وتبتسم: كده أنا فهمت سليم ليه بيعمل كده عنده استعداد يحولنا لعبيده علشان البرنسيسة بتاعته.


ثم نظرت لصافيناز بجفاف قالت بحزم: اسمعيني، عايزة تفضلي في أمان؟ لازم تبقي عاقلة، لما عزت ييجي، تنفذي إللي أنا قلت عليه.


صافيناز بصوت مكسور: يعني مش هرجع القصر تاني؟


فايزة ابتسمت ثقه: صافي، ولو أنا ماساعدتكيش ترجعي، إنتي هتعرفي ترجعي لوحدك.


قالت كلمتها وخرجت من الغرفة بخطوات ثابتة.


أما عماد، فجلس في مقعده وهو يشعر أن كل شيء يتهاوى من تحته: هنعمل إيه؟


صافيناز بوجه شاحب: مش عارفة ماتوقعتش إن الحباية دي أو إللي حصل يتكشف! أنا مش فارق معايا القصر، أنا هعرف أرجع، المشكلة إن كل حاجة راحت كل ما الفرصة تقرب، تبعد أكتر سليم حطنا في موقف زفت، ومش عارفين نخرج منه.


عماد بنبرة واهية: أكيد ليها حل مستحيل الباشا يقبل يضيع كل ده.


وأثناء ذلك دخل رشدي فجأة إلى الغرفة قال بسخرية وتهكم: هااالو يا حرباية هااالو


صمت لحظة، ثم مال برأسه، وضيق عينيه، وضع يديه أسفل ذقنه وكأنه يزن الأمور بنظرات ماكرة كنت مسميك ثعلب؟ بس، الثعلب أطيب منك، بس يلا هقولك إيه؟ ثعلوب لحد مشفلك اسم! ثعلوب وحربوقة


اقترب منه عماد محاولًا تهدئته: رشدي، مش وقته الكلام ده، إحنا لازم نحط إيدينا في إيد بعض أخواتك واقفين مع سليم، وفايزة؟ أكيد هتبقى معاه، دي بتعشق سليم، مش هتسيبه، إحنا لازم نكسب الباشا، عزت مش سهل، ده قوة لا يستهان بها يعني لو كسبنا عزت في صفنا، أعرف إن الحرب دي إحنا إللي هنكسبها، وهنقسم العرش خمسين وخمسين.


كان رشدي يستمع وهو يبتسم، وفجأة أنفجر ضاحكًا، وصفق كفا بكف، ثم تحرك في الغرفة، واستدار إليهم قائلًا: ثعلوب.، أنا مش مع حد، ولا هبقى في صف حد أنا في صف نفسي، طول ما ست الحسن بخير؟ وعارف مكانها، أنا كده تمام، دي طوق نجاتي، ومش هفرط فيها، ده سليم هيحطني جوه عينه.


رمقهم بنظرة استخفاف وهو يتابع وبعدين، إنتم؟أنتم دلوقتي ولا حاجة ضعاف! عزت؟ إنت أهبل؟ ثعلوب المرة دي حسبتها غلط عزت عمره ماهيقلب على سليم عارف إن الحاجة راجعة له لو مش النهاردى، بكرة، بعد شهر، بعد سنة راجعة، لإن سليم هو المستقبل، وإللي حصل ده مجرد قرصة ودن، حتى لو دلوقتي الباشا متعصب وبيهدد بس هيعديها له ثق في رشروش.


ثم أضاف بنبرة واثقة: وسليم دلوقتي عارف إننا هانحافظ على حياته بعنينا، أنا؟ عن نفسي، هحافظ عليه، وهيبقى أخويا حبيبي من النهاردة


عماد بدهشة: سليم حبيبك؟


رشدي دون تردد: طبعًا مصلحتي فوق كل شيء، عارفين يعني إيه أبقى مع سليم؟ يعني هبقى في حضن الأمير الصغير! أمان.


انتفضت صافيناز بغضب، وقالت بإنفعال: يعني إيه؟ هتبيعنا؟


ضحك رشدي ساخرًا حربوقة! أنا بايعك من زمان، زي ما إنتي بايعاني، خبي السم بتاعك، وخبي الخنجر إللي في ضهرك. أنا شايفهم


ثم أكمل بنبرة متعالية: أنا جاي أقولكم كلمة واحدة وإنتم خارجين بره القصر أعملي يفطة، وأكتبي عليها: ممنوع البص بعين راضية عشان أنا هموت من اللي فيا!


ضحك ضحكة مستفزة، ثم استدار، وغادر الغرفة بخطوات ثابتة.


فجأة، وقفت صافيناز، وألقت الوسادة على الأرض، وصرخت بصوتٍ اخترق جدران القصر بغيظ: كلب!


في هذه اللحظة، ضرب عماد الحائط بقبضته بكل ما أوتي من قوة، الدم انساب من يده، لكنه لم يشعر بشيء، عيناه كانتا معلقتين على الباب الذي خرج منه رشدي، وشعلة الغضب تشتعل بداخله بلا رحمة وهما يخسرون الان كل شيء حتى رشدي. 


على إتجاه آخر  في سيارة عزت

أثناء عودة عزت للقصر أجرى إتصالًا بفريدة، طلب  منها أن تأتي ومعها ياسين وطه، ليتحدثوا عن قرارهم بنقل الأسهم إلى سليم دون علمه.


كان يضع يده على صدره طول الطريق، يبدو عليه التعب الشديد، وجهه شاحب، وأنفاسه مضطربة.


حين وصل إلى القصر، كان الجميع في انتظاره.


كان كرجل محطم، لا من الخسارة وحدها، بل من خيانة أولاده، والضربة القاصمة التي وجهتها له صافيناز وقبلها سليم.


سكون ثقيل خيم على القاعة، لا أحد يجرؤ على الحديث، كانت السيطرة واضح خصوصًا بعدما نبهت فايزة صافيناز ألا تتحدث مهما حدث.


وفور دخول عزت، نهضت صافيناز مسرعة نحوه: بابي، ممكن تفهمني 


ما إن دخل عزت حتى هاجمها دون تردد: مش عايز أسمع حسك! إنتِ لسه قاعدة هنا ليه؟ ماقلتلهاش يا فايزة؟


فايزة بتوتر: قلتلها، بس هي حابة تتكلم معاك.


جلس عزت على المقعد منهكًا، لكنه أصر على المواجهة: أنا مش حابب أسمعك يا صافيناز. هتقولي إيه؟ كلام فارغ؟ أنا متأكد فعلتك دي كانت مبنية بس  على الحقد والكره؟ حتى لو كان عندك أسباب مع إني أشك، فهي مش مقبولة..


ضغط على أسنانه وأضاف بضجر شديد: أمشي من قدامي، أنا مش قادر أتحملك، صدقيني، لو فضلتِ واقفة أكتر، وشك في وشي، وأنا عارف إنك السبب في كل إللي حصل، هخرج مسدسي وأفرغ فيكي الرصاص، صدقيني حتى لو فيه يوم مابقيتوش غير خمسة، أنا مش هزعل ثروتي راحت عشان واحدة غبية، حقودة زيك، وأدعي يا صافيناز إني أقدر أرجع كل حاجة لإني لو مارجعتهاش يا ويلك مني.


صافيناز بصوت باكي تحاول الدفاع عن نفسها: يا بابي، أنا كنت بحافظ على.


قاطعتها عزت بشدة: قلتلك مش عايز أسمع صوتك! مابتفهميش؟! يلا، أمشي غوري من وشي بدل والله ماخلي الحراس ترميكي بره.


غمزت فايزة لها تحاول أن تهدئ الموقف: يلا يا صافيناز، أمشي دلوقتي، لحد مانلاقي حل في المصيبة دي.


رمقت صافيناز الجميع بنظرة غاضبة، ثم تمتمت: همشي، بس أنا هرجع.


خرجت من القصر بخطوات سريعة، نظراتها زائغة، وجهها متجهم هي الآن في قبضتهم، لم يعد بوسعها التهديد، ولم تجد أمامها إلا الصمت لكن الصمت عند صافيناز لم يكن يومًا استسلامًا بل بداية لخطة أخرى، لا تزال في رأسها تعرف أن زمنها داخل القصر انتهى، لكن خططها بدأت الآن.


أما عزت، فكان بالكاد يجلس، ينظر إلى أولاده، يضع يده على قلبه وكأن الألم أصبح جزءا من جسده، ثم قال بنبرة مختنقة:

وإنتوا بقى؟ إيه إللي سمعته؟ نقلتوا الأسهم لسليم؟ كنتم ساكتين؟ علشان طبعاً مش فارق معاكم إن الملايين دي تضيع؟! ما إنتم مأمنين نفسكم.


فريدة بثبات بارد: بابي، إحنا أخترنا الطرف القوي وسليم هو الطرف ده.


رفعت فايزة حاجبها بدهشة: أنا مش فاهمة حاجة،


عزت وهو يتكئ على ذراعه: ولادك، فريدة وطه وياسين باعوا كل حاجة لسليم النهاردة؟ بيع نهائي؟ يعني دلوقتي سليم بقى معاه ٣٥٪ من الأسهم رسمي؟غير٣٪ بتوع صافيناز إللي أستولى عليهم.


طه ببرود: هو كده كده كان معاه ٢٦٪مافرقتش التسعة في المية إللي خدهم مننا، سليم مسيطر على كل حاجة ولما جه طلب مننا فهمنا لو ماخترناهوش يبقى إحنا كدة أعداء، وإحنا مستحيل نعاديه يا باشا.


أكمل ياسين الحديث بصوت هادي لكنه حاسب: حضرتك دايمًا كنت تقولنا لازم تبقوا مع الطرف القوي، وسليم دلوقتي هو القوي، واسمحلي أقولك إنت دلوقتي  الطرف الضعيف إحنا اشترينا حياتنا، وأمالنا، ومكانا مش بس عشان معاه الحق، كمان عشان معاه القوة.


نظر عزت إليهم في ذهول، الكلمات ترتطم بقلبه لا بأذنه: أنا مش مصدق، إنتوا إللي بتقولوا كده؟ من إمتى بقيتوا تفكروا بالشكل ده؟

طه بثبات: من دلوقتي هانبدأ نتكلم، طول عمرنا سايبين الأمور تمشي بس خلاص مش هاندفع تمن أخطاء صافيناز ولا رشدي تاني كفاية.


وضع عزت يده على صدره، وقال بنبرة مكسورة: وتفتكروا قوة سليم تكفي تقف قدامي؟


طه بعقلانية: يا باشا، دي مش حرب ليه دايمًا عايز تحولها لحرب؟ كل واحد يقف عند حدوده، وسليم ماكانش هيعمل كده، إلا لو فيه حاجة كبيرة حصلت، هو جاب آخره وإنت عارف إن إللي عملته صافيناز مش أول مرة ولا كان هتكون آخر مرة لو سليم ماخدش موقف حاسم.


عزت وهو يقاوم الألم: وأنا قد الحرب دي ولسة قوي أنا عزت الراوي فاهمين أنا لسه عزت الراوي


وفجأة صرخ من الألم، واضعًا يده على قلبه: آه سقط على الأرض 

استوووب ... تفتكروا عزت حصل له إيه؟! 

رجاء محدش ينسى يضغط على اللايك عشان تساعده روايه تنشهر

إلى اللقاء في الحلقةالقادمةمن الجزءالثاني من رواية الماسة المكسورة💎💔 

العودة(عناق الإنتقام)

اتمنى تكون الحلقة عجبتكم النهاردة


لاتلهكم القراءه عن الصلاه وذكر الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم 



الفصل الثاني من هنا



الفصل الثالث من هنا



الفصل الرابع من هنا



الفصل الخامس من هنا



الفصل السادس من هنا



الفصل السابع من هنا



❤️🌺🌹❤️🌺❤️🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹🛺🛺🛺🛺🛺


الصفحه الرئيسيه للروايات الجديده من هنا


جميع الروايات الحصريه والكامله من هنا


انضموا معنا علي قناتنا بها جميع الروايات على تليجرام من هنا


❤️🌺🌹❤️🌺❤️🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹🛺🛺🛺🛺🛺










تعليقات

التنقل السريع
    close