رواية الماسه المكسوره الجزء الثاني العودة (عناق الدم) الفصل الرابع بقلم الكاتبه ليله عادل حصريه وجديده
{"أقسى ما يعيشه الإنسان أن يتيه في متاهة قلبه؛
حيث تختلط المشاعر حتى يعجز عن التمييز:
أهو في حبٍّ يحييه أم في كرهٍ يفنيه؟
أيمضي ناسياً أم يواصل خداع نفسه؟
كلّ ما يدركه بيقين أنّه موجوع،
وجعه لا يترك له مهرباً،
ويذكّره في كل لحظة أنّه ما زال عالقًا بين الحياة والغيا.}
ليلةعادل✍️🌹
الفصل الرابع♥️🤫
[بعنوان: متاهات قلب مكسور]
أقترب الرجل، ووضع فوهة مسدسه على جبين سليم وقال بغلظة: أعترف، وتخلي عن غرورك، هذه نهايتك،
ضغط بإصبعه على الزناد، فتجمد الهواء حولهم..
وهنا صرخت ماسة، فنهضت من على السرير مفزوعة، تشعر أن قلبه سيتوقف من شدّة دقاته، جلست متشبثة بصدرها، تحاول تهدئة أنفاسها، لكن الخوف كان يعتصر قلبها وهي تلهث باسمٍ واحد: سلــــيم.
فهو كان مجرد كابوساً ليس إلا
وضعت يديها على أعلى صدرها، وعيناها كادت أن تخرج من محجريها، الخوف يخفي ملامح وجهها، وأنفاسها متلاحقة.
ماسة بتوتر: سليم... سليم... حصل له إيه؟!
تملكها شعور خانق، وكأن أنفاسًا ثقيلة تنغرز في صدرها، فيما كان قلبها يخفق بعنف حتى كاد أن يمزق أضلاعها. انهمرت دموعها بلا وعي، وإحساس غامض يخبرها أن شيئًا مكروهًا يحدث لسليم في تلك اللحظة.
![]() |
مدت يدها مهرولة، أمسكت هاتفها بيد مرتجفة، وبدأت تكتب رقمًا تحفظه عن ظهر قلب، رقمًا لا يعرفه أحد سواها وسليم، وكان وسيلتها الوحيدة للوصول إليه في الطوارئ، كتبت الأرقام الأولى ثم توقفت فجأة، ارتجف عقلها بخوف: ماذا لو علموا مكانها عبر هذا الاتصال؟ وضعت يديها على جبينها، تتخبط بالأفكار، وصوت قلبها يصرخ في داخلها أن سليم ليس بخير.
اندفعت إلى الدولاب، وبدّلت ثيابها بسرعة، ثم ارتدت الإسدال والنقاب. كانت الساعة قد قاربت منتصف الليل.
خرجت إلى الشارع بخطوات متوترة، تحاول التفكير: من أين يمكنها أن تكلمه بأمان؟ لا بد أن يكون من مكان بعيد، لا من الإسكندرية، بل من محافظة مجاورة.
رفعت الهاتف، واتصلت بإحدى زميلاتها في العمل.
ماسة: ألو... إزيك يا روروي؟
الصديقة: الحمد لله... إيه يا ليندا؟
ماسة بصوت متوتر: سوري إني بكلمك متأخر، بس بلعب مع ولاد خالتي مش عايزاهم يكسبوني، قوليلي إيه الاماكن إللي جنب إسكندرية؟
الصديقة: فيه البحيرة، كفر الدوار، العامرية، العجمي، كل دي قريبة تقريباً ساعه اقل شويه اكتر في طنطا بس ابعدهم تقريباً.
ماسة: تمام متشكرة يا حبي باي.
أغلقت الخط واتجهت إلى الموقف الكبير، وعيناها تلتقطان أسماء المدن التي ينادي عليها السائقون، حين سمعت صوتًا ينادي "كفر الدوار"، أسرعت وركبت، ظل قلبها يضرب بقوة طوال الطريق، حتى وصلت قبيل الثانية بعد منتصف الليل، نزلت وهرعت إلى أحد الأكشاك، استأجرت هاتفًا، وبدأت تكتب الرقم
في الجهة الأخرى... ألمانيا.
كان مكي واقفًا في ممر ضيق لم نعرف لما هذا الممر، وجهه شاحب، حين رنّ هاتف سليم الخاص برقمٍ غريب، عقد حاجبيه بإستغراب، رفع السماعة بدهشة هو يعرف أن هذا رقم لا أحد سواه وسوى وماسة يعلم عنه شيء.
مكي: ألو؟
لكن حين استمعت ماسه لصوته عقدت حاجبيها من أسفل النقاب باستغراب لماذا الهاتف مع مكي وليس سليم أين سليم؟!
أزداد اضطرابها وخوفها، تحركت شفتاها، تريد أن تقول: أين سليم يا مكي؟ لكن تردّدها كبّل صوتها.
بينما مكي: ألو مين معايا؟ ألو؟ .. صمت للحظة ثم قال فجأة: إنتي فين يا ماسة!؛
اتسعت عيناها بشدة من هول الصدمة وهرعت وأغلقت الهاتف برعب، أطبقت على دموعها،أعادت الهاتف لصاحب الكشك، دفعت المال، وفرّت هاربة.
لم ينتظر مكي طويلًا، فأتصل بالرقم مباشرة. رد صاحب الكشك:
صاحب الكشك: أيوه مين
مكي الرقم ده لسة رانن عليا حالًا، مين إللي أتصل؟
صاحب الكشك: مش أنا، دي زبونة.
مكي: زبونة؟ ممكن توصفها لي؟
صاحب الكشك: كانت لابسة نقاب يا بيه، فيه حاجة؟
مكي: لا، لا، مفيش. طب إنت بتكلمني منين؟
صاحب الكشك: من موقف كفر الدوار يا بيه.
أغلق مكي الخط فورًا، ورفع هاتفه ليتصل بعشري:
مكي: عشري، فوق دلوقتي. خد رجالتك وأطلع كفر الدوار. قلبوا المكان كله، شوفوا المحافظات إللي حواليها، راجعوا الكاميرات... دوروا على واحدة منقبة. أنا هبعتلك الرقم إللي اتصل علينا ... ماسة اتصلت بسرعة.
... وفي تلك اللحظة، أغلق مكي الهاتف، ثم رفع بصره للأمام وقال متعجبا بنبرة حانية: إنتي حاسة ولا إيه؟
وكأن كلماته تحمل إدراكًا خفيًا لماسة.
على إتجاه أخر عند ماسة
كانت ماسة تبكي بحرقة، قلبها يخفق بعنف وهي تتحرك مسرعة في الشارع، ينهشها ندمٌ لأنها اتصلت به. وقفت في الطرقات تبحث عن وسيلة جديدة للهروب، تخشى أن يقتفوا أثرها، وبينما تفكر، وقع بصرها على ميكروباص ينادي على طنطا، فصعدت إليه دون تردد. وما إن مضت عشر دقائق حتى أنطلق الميكروباص.
كانت تعرف أن عليهم أن يظنوا أنها في مكان آخر، ولهذا كان لا بد أن تبتعد عن كفر الدوار بسرعة.
قلبها يؤلمها، لكن عقلها يصرخ بأن الخطر يقترب، وهي لا تملك سوى الهروب.
جلست تبكي، لا تفهم لماذا أتصلت به. هل كان الحلم وحده كافيًا ليجعلها تفعل هذا؟ لقد شعرت وكأنها تقدم نفسها على طبق من ذهب لسليم ورجاله.
وضعت يدها على صدرها تكتم أنينها كي لا يلتفت إليها أحد، فيما عقلها يتخبط بين الندم والوجع والغضب.
همست لنفسها بصوت مرتجف:
اتصلتي بيه ليه يا غبية؟ لسة بتحبيه؟ بتحبيه ليه؟ إنتِ هنتي عليه.
ثم جاءها صوت داخلي آخر:
بس يا ترى هو فين؟ أنا إزاي رقمه مش معاه. قلبي بيوجعني قوي، حاسة إن فيه حاجة.
ردّ عليها صوت أشد قسوة:
ولا فيه حاجة ولا محتاجة. إنتِ إللي غبية ولسة بتحبيه واحد داس عليكي بجزمته. ضربك وهانك وهددك بأهلك هو وأهله. عمل فيكي إللي قلتي مستحيل يعمله.
عاد صوتها الداخلي الأول متسائلًا بقلق:
طب هو سافر ليه؟ ليه مكي رد ماكانش هو؟
ليه قلبي وجعني كدة؟!
جاء صوت قاسي غاضب:
لو بيحبك ما كانش هايسافر، كان زمانه بيقلب الدنيا عليكي. لكن ده بيسافر وعايش حياته عادي.
صرخت في نفسها:
بطّلي غباء! يا ماسة سليم ما يستهلش حبك.
أنهمرت دموعها أكثر وأخذت تبكي طول الطريق وقلبها يتمزق ألما، حتى وصلت لحظة الفجر.
نظرت حولها، تبحث بعينيها المرتعشتين عن الكاميرات، تدرك أن عليها أن تغيّر ملامحها. كان لا بد أن تبدل ملابسها وتركب وسيلة أخرى.
جلست قليلًا في المحطة حتى السادسة صباحًا، ثم بدأت تتجول في الشوارع. عثرت على سوق قريب، فا اشترت فستانًا وطرحة، ودخلت حمامًا في أحد المقاهي وغيرت ملابسها. وضعت الإيشارب على وجهها كالنقاب، ثم اتجهت إلى محطة القطار. ركبت أول قطار متجه إلى الإسكندرية، وحين وصلت، دخلت بعض المحلات قرب المحطة واشترت ملابس جديدة ملوّنة ونقابًا آخر، وارتدتهم قبل أن تتجه إلى عملها.
لكن طوال الوقت، كان قلبها يوجعها بشدة. فكرة واحدة لا تفارقها: سليم... ليس بخير.
في الناحية الأخرى
كان عشري قد وصل، لكنه لم يجد أي أثر، وللأسف، المحطة كانت متهالكة تقريبًا، لا تعمل بها كاميرات، وكأنهم لم يصلوا إلى شيء. أخبر مكي بما جرى، لكن ذلك كان كافيًا ليؤكد لهم أن ماسة قريبة... قريبة جدًا.
في الناحية الأخرى
بينما ماسة كانت طوال ساعات العمل تشعر بأن قلبها يعتصرها وجعًا، كأن هناك صوتًا خفيًا يلحّ عليها بلا انقطاع: اتصلي بسليم، اطمني عليه، سليم مش كويس.
لكنها لم تكن تعرف كيف تفعل ذلك، أو من أين تأتيها الجرأة لتخطو تلك الخطوة.
حاولت أن تصبّر نفسها بحجّة واحدة تكررها داخليًا: هو أكيد بخير، لو مكانش بخير مكي مكانش رد عليَّ بالصوت الهادي ده.
إلي أن قلبها ظل يؤلمها، يصرخ بداخلها دون أن يهدأ، حتى دموعها كانت تنهمر بلا سبب واضح !
لم تعد تستطيع التركيز في العمل، حتى أنهم اضطرّوها للرحيل قبل معادها المعتاد.
هذه المرّة لم تستطع المرور على نبيلة كما اعتادت، بل صعدت مباشرة إلى شقتها، جلست هناك وحيدة، يزداد عليها الوجع، حتى شعرت كأن قلبها يوشك أن يتوقف بالفعل، كأنها أصيبت بمرض القلب من شدّة ما ينهشها من قلق داخلي، إحساسٌ غامض يثقل عليها، يخبرها بأن هناك أمرًا غير مريح يحدث لسليم وكأن شيئًا ما على وشك الانكشاف !
💞______________بقلمي_ليلةعادل。◕‿◕。
مستشفى الشمس، الواحدة مساءً
خرج مصطفى من غرفة الكشف، خطواته بطيئة كأنه مرهق من الفحص لمح محمد واقفًا مع احد المرضى.
تبادلا النظرات فأشار مصطفى برأسه بمعنى أن يأتي خلفه إلى الحديقة، فهزّ محمد رأسه موافقًا.
بعد دقائق اجتمعا في الجنينة وجلسا على مقعدين متجاورين تحت ظل شجرة.
مصطفى بهدوء: اقعد عامل إيه؟
محمد بابتسامة صغيرة وهو يجلس: تمام.
مصطفى بهدوء ممزوج بالعتاب: مبقيناش عارفين نشوفك.
تنهد محمد بضجر: الله يسامحها ندى هنعمل إيه؟ ما هي السبب، بس خلاص لما عائشة ربنا يهديها ونتجوّز هاخد شقة في إسكندرية مش عايز أبعدها عنكم فعلًا.
مصطفى بنظرة حادة: بمناسبة عائشه، إنت إيه اللي عملته مع عائشة ده؟
محمد متعجّب: عملت إيه؟
مصطفى بنبره أكثر حدة: سيبتها ومشيت! أنا كنت هكلمك في التليفون أهزّقك بس قولت كلام التليفون مش هينفع، مافيش راجل محترم يسيب بنت لوحدها وكمان دي اللي هتبقى خطيبته! حتى لو متعصّب أو متخانقين كان لازم تاخدها وتقول لها: "تعالي يا حبيبتي"، وتوصلها لحد بيتها أو على الأقل تركّبها تاكسي لكن تسيبها تمشي كده؟! ده مش تصرّف رجولي أنا هديت إيهاب بالعافيه لأنه كان عايز يكلمك يشتمك.
محمد مطأطئًا رأسه: أنا ماقصدتش أنت عندك حق بس كنت متضايق اوي العصبية خلتني مش قادر أفكر.
مصطفى يهز رأسه بثقل بعقلانية: بص يا محمد من الأول قولتلك إن عائشة محتاجة صبر ومعاملة خاصة البنت ماشافتش حنان أبوي، كل اللي شافته قسوة، فهي محتاجة تطمّن تحس إن الراجل اللي هتتجوزه أمان وحنان، إنما لما تزعق وتعمل زي ماعملت أو حتى نفس أسلوبك اللي عملته مع ماسة قبل كده ده بيخليها تخاف منك أكتر..
انحنى قليلًا للأمام وتابع بنبره صوت أهدأ وكأنه بينصح أخوه الصغير:
عائشة عايزة تشوف حنان عايزة راجل طيب ومسالم اتعامل معاها كأنها بنتك لما بنتك تغلط هتعمل إيه؟ هتسيبها وتمشي؟ لأ طبعًا، هتفهّمها غلطها وتطبطب عليها تقول لها: "إغلطِي يا حبيبتي، وأنا هصلّح وراكي، ما تخافيش، أنا جنبك" هي محتاجة ده محتاجة تحس إن الغلط مش نهاية الدنيا وإن في حضن أمان يستقبلها مهما حصل.
سكت محمد لحظه ثم رد بهدوء: فاهم يا مصطفى بس برضه أنا مطلبتش حاجة غلط كل اللي قولته إننا ناخد خطوة رسمية تبقى خطيبتي قدام الناس آه يمكن احنا في حكم المخطوبين، لكن نفسيًا أنا محتاج ده ط، حتى الدبلة اللي شايفينها بسيطة دى بالنسبالي مهمة.
مصطفى بنبره هادئه: مقولتش إنك غلط، أنت عندك حق، وأنا كمان قولتلها آخر الأسبوع لو ماخدتش قرار أنا هنهى الموضوع، بس برضه مينفعش تسيبها كده من غير ما تكلمها كام يوم، كأنك بتعاقبها، كان لازم تراضيها بكلمتين: "معلش يا حبيبتي، أنا اتعصبت النهاردة ، حقك عليا ، خدي وقتك وفكري، أنا معاكي مهما كان قرارك". الكلمتين دول كانوا هيفرقوا معاها كتير، ماتبقاش غليظ كده، البنات عايزين معاملة لينه كأنك بتتعامل مع طفلة: كلهم محتاجين حنان واحتواء ومع شوشو بالذات الموضوع محتاج ضعف الحب والاحتواء كمان.
محمد رافعا عينيه بجدية: عندك حق أنا هكلمها النهاردة وأعتذرلها.
اومأ مصطفى مبتسما ثم تابع: بقولك إيه ندى كلمتك؟
محمد متنهّد: لأ ومحذّر أي حد يديها رقمي الجديد حتى رقم أمي غيرته وأبويا دي مجنونة.
مصطفى مبتسما بمرارة: كلمت ماسة .. ليندا.
محمد ساخر: عشان ترجّعكم لبعض يعني؟
هز مصطفى راسة بمرارة: آه والأستاذة قالبة عليا جامد أوي، شايفاني قاسي بس هي مش مدركة حجم الكارثة، بس لما تتقرص منها هتعرف.
محمد بصوت منخفض وهو يمسح على رقبته: طب بقولك هو أحنا ينفع نفضل شغالين هنا؟ المفروض نمشي.
مصطفى باعتراض وحسم: لأ هنفضل شغالين هنا عادى هو ممكن يرجع في أي لحظة نتعامل عادي كأن مافيش حاجة أنا سألت في الإدارة وحاولت أجيب رقمه بس كل أرقامه مقفوله.
محمد بقلق: طب قول لي شوشو رأيها إيه فيه أمل؟
مصطفى بهدوء: عائشة؟ بنحاول معاها إنت بس كلمها واعتذر وتعال وجيبلها شوكولاته.
محمد: ماشي وإنت خد بالك من نفسك وفكّر تاني.
مصطفى بحسم وهو ينظر مباشرة في عينيه: محمد انهي بقى، أنا واخد القرار خلاص.
رفع محمد حاجبه باستهجان وضحك بخفة: أنا عارفك لما بتقفّل دماغك في حاجه بتبقى رخم المهم خد بالك من نفسك برضه، وبكرة هاجيلكم.
💞_______________بقلمي_ليلةعادل.
منزل مصطفى
المطبخ الرابعة مساءً
كانت ماسة تتوقف أمام البوتاجاز، تقلب في الطعام وهي ترتدي فستانًا ناعمًا يصف رشاقة جسدها. انسدل شعرها على ظهرها في سلاسة، يمنحها جمالًا هادئًا. تذوقت الطعام قليلًا، قم اخفضت النار، وبعدها بدأت تصب الشاي، أضافت عود نعناع لكل كوب. حملت الصينية بخطوات واثقة وخرجت بها إلى الشرفة.
الشرفة
كانت نبيلة جالسة تنتظرها. وضعت ماسة الصينيه على الطاولة وجلست أمامها، تنفست نسمة هواء عليلة حرّكت أطراف شعرها.
ابتسمت نبيلة وهي تنظر إليها: ما شاء الله عليكِ يا بنتي، كل مرة أشوفك أقول ما شاء الله.
ماسة ردت بخجل، وهي تبعد شعرها عن وجهها:
ميرسي لذوقك أنا مش حلوة اوي كده، عائشة أجمل مني بكتير، على العموم الأكل خلاص قرب يخلص.
مدت نبيلة يدها نحو الكوب: تسلم إيدك يا حبيبتي، تعبتي نفسك ليه؟ مش كان المفروض ترتاحي النهاردة؟
هزت ماسة رأسها بابتسامة صغيرة: مفيش تعب يا ماما، بس قوليلي بقى، إحنا هنعمل إيه؟ أنا بصراحة مستغربة مصطفى أوي، عمري ماشوفته متعصب كده ولا بيهاجم كده، حتى ما ادانيش فرصة أتكلم! لأول مرة أحس إنه ممكن يكون قاسي وصعب كده.
احتست نبيلة رشفة صغيرة من الشاي، ثم وضعت الكوب على الطاولة وقالت بهدوء: بصي يا ماسة، مصطفى مش قاسي، ابني طيب وحنين، بس شاف منها كتير، اذته، أوعي تفتكري إن غيرة ندى انها مثلاً انها تقول له "انت بتكلم مين؟! ووريني بتكلم مين" وتكشّر في وشه، حاجة بسيط لا يا بنتي مصطفى لولا دعواتي كان زمانه اتفصل من المستشفى، كانوا بيعدّوا له غلطاته باحترام عشان عارفين إنه إنسان محترم ومالوش ذنب يعني اكتر من مره يا حبيبي يمشوه من المستشفيات بيقولوا له خلاص لحد كده بسبب بهدلتها واللي بتعمله.
رفعت ماسة حاجبيها وقالت باستغراب: طب ليه سايبها تشتغل معاه؟ يقدر يشتغل في أي مكان لوحده.
تنهدت نبيلة، ونظراتها اتجهت بعيدًا: يا حبيبتي، هي اللي بتروح له وتعمل المشاكل، مش بس معاه بس، معانا كمان. تقعد تقولنا ماتكلموش جوزي وابعدوا عنه، ومصطفى استحمل مره واثنين وعشرة مفيش فايدة، لحد العيانين رجاله وستات ما سلموش من جنانها كانت بتكلمهم وتقول لهم انتم بتكلموا جوزي ليه وعايزين منه ايه؟! فعشان كده قفل منها خالص.
خفضت ماسة عينيها إلى الطاولة، أصابعها تعبث بعود النعناع في الكوب:
والله يا ماما أنا متفهمة، بس صعبت عليا ذلها.
أومأت نبيلة ببطء: أنا كمان صعبان عليا حالها، هي بنت كويسة، متربية، وبتحبه بجد. بس الغيرة قتلتها. أذيته كتير يا ماسة، في شغله، وشغل أخواته كمان، يا حبيبي ايهاب كانت اترقه وبسبها مشوه، يمكن دلوقتي ربنا يهديها، أنا هكلمه تاني.
رفعت ماسة رأسها بابتسامة خفيفة: يا ريت، يمكن يسمعك.
احتست نبيلة من الشاي، ثم نظرت إلى ماسة بنظرة عميقة: بس الغريب...
رفعت ماسة حاجبيها: غريب إيه؟
نبيلة بلهجة متفكرة: كل واحد ليه فرصة في التغيير، خصوصًا لما يبعد، بس إنتِ مش عايزة تدي سليم نفس الفرصة مستغربه يعني انك بتحاولي تقنعي مصطفى باللي انت نفسك مش قادره تعمليه.
زفرت ماسة ببطء، وكأن حديث ثقل على صدرها:
الموضوع مختلف يا ماما، سليم غير ندى خالص.
هزت نبيلة رأسها: لا بالعكس، سليم أحسن من ندى. على الأقل بيعترف إنه غلطان. إنما ندى عمرها ما شافت نفسها غلطانة. غيرتها مش طبيعية. لكن سليم كان عارف إن تصرفاته مش صح، وكان بيقولك اصبري عليا. حتى لما راح للدكتور اتحسّن. الحادثة اللي حصلت لكم هي اللي رجعته تاني لورا.
ثم نظرت إليها بثبات:
فاللي مستغرباه يا ماسة؟ إزاي عايزة مصطفى يسمع ويدي فرصة، وإنتِ نفسك مش قادرة تعملي كده؟
انت لسه قايله لي من شوية كل واحد يستاهل فرصه يا ماما كلميه.
ارتجفت شفتا ماسة، وانخفض صوتها وهي تتكلم:
عشان زي ما قلتلك يا ماما، الموضوع مختلف. أنا اتهددت بأهلي، اتكسرت بيهم. أوعي تفتكري إني موجوعة على السنة اللي اتحبست فيها بس ومنعه اني اشوف أهلي..
أضاف بنبرة مخذوله بوجع ودموع:
لا. أنا اتخذلت فيه، إنتِ عارفة يعني إيه أقف قدام رشدي وصافيناز وقدامهم كلهم، وأقولهم مستحيل سليم يعمل كده؟ حتى لو هددني بنفسي، كنت هتحمل. لكن لما عملها يوم عمار، اتكسرت اوي. عمل الحاجة الوحيدة اللي أنا دافعت عنه باستماته فيها.
بدموع ونبرة مهتزه وهي تواصل:
بس الليلة دي ضيع كل حاجة، قولي لي إزاي؟ إزاي أنام في حضنه تاني وأنا شايفة إن الحضن ده كان ممكن يقتلني؟ أوعي تفتكري إني زعلانة من الضرب ولا حتى من إنه خنقني، ده ما يهمنيش، كل اللي حصل في عشر سنين جواز ما يساويش اللحظة اللي حاول ياخدني فيها بالعافية كسره، كسره أتمنى من قلبي ماتحصلش لأي ست عشان كده أنا مش قادرة أسامحه.
اقتربت نبيلة منها أكثر، ولمست يدها بحنان قالت بدمعه محبوسه:
على الأقل يا ماسة، إنت لما قولتي له ماتعملش كده وماتكسرش آخر حاجة بينا، وقف نفسه، دي حاجه اوعي تنسيها له، في غيره يا بنتي مابيقفوش، اسأليني أنا...
صمتت للحظات وكانها تذكرت احداث متشابهه اهتزت شفتيها:
عموماً، أنا قلتلك وهفضل أقولك: ماينفعش تفضلي هربانة، لازم ترجعي، ولازم تفكري إزاي تخلي سليم يبقى حد تاني، هو أرض طيبة، بذرتها حلوة، يستاهل فرصة، بس على شروطك. لما ترجعي له ما تسلميش بسهولة ولا تحسسيه إنك راجعة. خليكي ناوية، بس خليه يلف حوالي نفسه عشان يتعلم ميزعلكيش تاني واكيد الكم شهر اللي فاتوا علموه كتير.
ثم أضافت بابتسامة مطمئنة:
وبعدين، اطمنتي على أهلك ما شاء الله كويسين، ده ياكدلك انه ممكن اتغير؟ وإذا كان على التهديدات بتاعته وشويتين دول والحمق، يابنتي دي تربيته كده. يا بنتي، هو اتربى مع الاشكال اللي كانت بتخوفك، عايزاه يطلع عامل إزاي؟ ده الحمد لله إنه وصل معاكي لحد كده. هو ده اللي يعرف يتعامل بيه: التهديد التسلط. والأسلوب ده مش طبع، دي تربية. عارفة لو كان طبع، يا ماسة، والله ما كان اتغير، لكن الراجل فضل متغير وثابت لفترة كبيرة، لكنه اتنكّس إمتى؟ لما حصلت له الحادثة، شاف بنته بتموت، وشافك إنت كمان، لما حكايتي الحادثة، وأنا لما تخيلتها كده، والله قلبي اتقطع، هو شافها، لكن إنت ما شفتيهوش. إنت قلتي ماشفتيهوش وهو بيتضرب برصاصة، لكن هو شافك، فطبيعي يبقى كدة دماغه مش فيه، لأنه ما وصلش للعصابة. أنا مش بدافع عنه، هو غلطان، بس غلطته تتغفر. خلينا نجربه، ولو فضل زي ما هو ورجع تاني لعمايله، والله العظيم يا ماسة أنا أول واحدة أقولك سيبيه. بس المرة دي لما ترجعي، أنا هعلمك إزاي تتعاملي مع سليم أو مع أي راجل. إنت شاطرة وذكية، واللي عملتيه في السنة دي كان حلو، بس كان محتاج ذكاء أكتر. الرجالة يا بنتي بيتضحك عليهم بكلمتين.
أطرقت ماسة برأسها، وصوتها خرج مبحوح:
والله يا ماما ماعارفه، عمري ما أنكرت إن في محبة كبيرة في قلبي لسليم لحد اللحظة دي برغم اللي عمله، لدرجه اني بدعي ربنا يخرجه من قلبي أنا زعلانة اوي منه، بنام وأقوم والليلة دي قصاد عيني.
مش عارفه انساها غير جريتي في شارع بقميص النوم ولا الايام اللى نمتها في الشارع.
ربّتت نبيلة على ساقها برفق: هتِنسي وهو هينسيكي، هو بيحبك، بس الأهم يعترف بغلطه ويتغير. سليم لازم يتغير في حاجات كتير. وإنتِ كمان لازم تتغيري. زي ما شايفة إن كل إنسان يستحق فرصة، هو كمان محتاج فرصة. ما تنسيش إن الراجل مجروح، والراجل غير الست.
مسحت ماسة دمعة سالت على وجنتها، بصمت تابعت نبيلة:أما عن مصطفى، أنا هكلمه متقلقيش
ماسة: طب أنا هروح أبص على الأكل.
نهضت ماسة متجهة نحو المطبخ، بينما نبيلة رفعت يديها تدعو: ربنا يسترها عليكِ يا بنتي، ويسهّلها لك، ويسهّلها لك يا مصطفى يا ابني ويهديكي يا ندى.
توقفت ماسة أمام البوتاجاز، شاردة الفكر، تتردد كلمات نبيلة في ذهنها. همست لنفسها: على قد كلامك ما، هو صح يا ماما وجميل، بس صعب. أنا مكسورة منه أوي، وخايفة، وما حدش حاسس بيا.
أحد المولات الكبيرة، الثانية عشرة ظهرًا.
نرى مي تتحرّك بين الطوابق تدخل المحلات وتستعرض بعض الملابس بمفردها تلمس الأقمشة بابتسامة خفيفة مستمتعة بالوقت.
كان رشدي يراقب مي من بعيد بعد أن اتفق مع الحارس المكلف بمتابعتها أن يتصل به فقط عندما تكون بمفردها وبالفعل جاءته المكالمة بمكانها وهو في المجموعة فركب سيارته على الفور وتوجه نحو المول.
في أحد المحلات:
نرى مي تتفحص الفساتين والبلوزات.
كان رشدي يقف بعيدا يشاهدها بابتسامة واسعة منزّلًا نظارته الشمسية قليلًا وفجأة تحرّك وأخذ تيشيرت رجالي وتوقف أمام مي.
اتسعت عيناه وارتسمت على وجهه ابتسامة تُظهر المفاجأة وقال: إيه ده… مي! ايه الصدفة الحلوة دي! أوعي تكوني ناسياني.
مي برقة: لا طبعًا، فاكراك إزيك يا رشدي؟
رشدي يقترب بخفة: الحمد لله وإنتي عاملة إيه وبتعملى ايه هنا؟
مي بهدوء: يعنى هكون بعمل ايه في المول اكيد بعمل شوبينج (shopping) !
رد رشدي مبتسما: وأنا كمان، معكيش حد ولا إيه؟
مي تهز رأسها وتبتسم بخفة: لا، أنا لوحدي.
رشدي وهو يميل للأمام قليلاً ويضحك: وأنا كمان أصحابي الأندال محدش رضي يجى معايا.
مي تبتسم وتمسك فستانًا: اتعلِّم تبقى لوحدك محدش متاح على طول.
رشدي يضحك بخفة ويُلوّح بيده: عندك حق والله طب بقولك إيه، ما تيجي نشرب حاجة سوا ؟
ترفع مي حاجبها بتعجب: أشرب معاك حاجة ليه؟
رشدي بابتسامة: أصلي ريقي ناشف وعطشان، بقالي ساعة بلف حوالين نفسي عايز أشتري كام حاجة حلوة ولأني لوحدي تايه، ومش عارف اختار متطلعي جدعة معايا وتختاريلي حاجة على ذوقك بس لازم اعزمك على حاجة الأول.
مي وهى تهز رأسها خفيفة: أنا آسفة، مش هينفع .
رشدي ينظر لها مباشرة ويبتسم بثقة: ليه؟ مش إحنا أصحاب؟!
مي بهدوء: لا ، إحنا مش أصحاب إنت صاحب صحابي.
رشدي مازحا وهو يُلوّح بيده: خلاص نبقى أصحاب، إيه المشكلة؟ مش أنا وصّلتك مره ؟ يبقى في بيننا عشرتين عشرة القعدة اللي قعدناها وعشرة التوصيلة، فأوعي تعترضي مافيش اعتراض هنشرب حاجة يعني هنشرب حاجة.
مي تمسك فستان آخر وتحرك رأسها بجدية: والله لما أخلص هشوف بعد إذنك.
رشدي يمد يده نحو الملابس ويبتسم: إنتي لسه مخلصتيش؟
مي باقتضاب: لا لسه مخلصتش.
تبسم رشدي وهو يهز رأسه: آه، ده إحنا بنفرض سيطرة وشخصية بقي أوكي اتفضلي لفي براحتك بعدين نبقي نشوف موضوع العصير ثم تابع (برجاء طفولي) بس والنبي نقّي لي حاجة معاكى ثواب حتى اكسبي فيا ثواب.
تنهدت مي وهي تلتقط بعض الفساتين والبلوزات وتتحرك بين الرفوف: ماشي تخلص حاجتى الأول وبعدين ابقي اساعدك.
وبالفعل بدأت في قياس بعض الملابس لكنها لم تأخذ رأي رشدي ولا مرة حتى حين أراد أن يعطيها رأيه لم تهتم لكنها بعد الانتهاء اختارت له تيشيرت وقميص فشكرها.
بعد أن انتهوا من شراء الملابس
رشدي وهو يمسك الأكياس: لا بقى رايحة فين؟ هنشرب عصير يعني هنشرب عصير؟
مي بصرامة هادئة: بعد إذنك أنا مابحبش طريقة الأوامر دي والأسلوب ده.
رشدي بخفة ممزوجه بتهذب: بعد إذنك يا مدموزيل مي ممكن نشرب سوا عصير مافيهاش حاجة يعني.
مي بتحفظ: أصل أنا مش فاهمة بتاع ايه نقعد مع بعض لوحدنا ، قولت لك إحنا مش أصحاب.
رشدي بابتسامة: ما أنا قلتلك بقى في بينا عشرتين دلوقت؟!
مي بتهكم ساخر: عشرة التوصيلة وعشرة القعدة.
رشدي ضاحكا: بتحفظي بسرعة! ودلوقت بعد ال shopping بقوا تلاتة
تنهدت مي بتعب: خلاص أنا كده كده كنت مقرره بعد ما أخلص اروح اشرب حاجه فعلا لأن الجو حر وتعبت من كتر اللف فممكن اسمح لك تقعد معايا، بس هى نص ساعه بس.
تحركت وتحرك خلفها بابتسامة
في أحد الكافيهات.
جلسا رشدي ومي امام بعضهما على احد الطاولات
رشدي يضع كوبه على الطاولة ويبتسم: قولي لي بقى، إيه الأخبار؟ عاملة إيه في حياتك؟ بتعملي إيه أصلًا؟
مي تلعب بيدها على الطاولة وتنظر للأسفل بخجل:
ولا حاجة عادي يعني دراسة وكده، وإنت مش في شغلك ليه دلوقتي؟ مش المفروض إنك بزنس مان؟ المفروض تكون مشغول ديما ومعندكش وقت تهرش حتى.
رفع رشدي رأسه وعينه تلمع بخفة:صح بس إخواتي هما اللي ماسكين كل حاجة وأنا بروح كده لتثبيت وجودي مش أكتر.
مي باستغراب: يعني إيه تثبت وجود مش أكتر؟
يميل رشدي برأسه ويضحك بخفة: يعني بابا مخلي أخويا سليم هو الكل في الكل وإحنا حواليه شوية عرايس زينه ملناش لازمة.
ردت مي بعقلانية: مفيش حاجة اسمها ملكمش لازمة أنتم المفروض مجموعه وكل واحد له دور، يعنى عندك مثلا فريق الكوره بيبقي مكون من 11 لاعب كل واحد له دور معين وحاجه هو بس اللى مميز فيها بتساعد الفريق إنه يكسب ويتألق لكن مينفعش الفريق يكون ناقص او حد ميكونش موجود بتحس إنه في خلل في الفريق، وبيبقي هزيمتهم سهله، وعلى الأغلب بتكون كبيره كمان، فانتم كلكم المفروض بتكملوا بعض، علشان تكون النتيجه في الاخر نجاح المنظومه، أكيد أخوك سليم عشان يثبت وجوده اشتغل كتير على نفسه، لكن واضح إن إنت اللي لعبي إنت وإخواتك.
رشدي يضحك بخجل ويمسك كوبه: لا والله مش لعبي، بس لما متلاقيش التشجيع المناسب مهما تعملى وتجيبي شغل أو صفقة كويسه بتحسي بالاحباط إنك كده كده مهما عملتى مش عاجب فنفسك بتتقفل.
ابتسمت مي بخفة وهى تلمس فنجانها وقالت: إنت شكلك بتدلع مش لازم في كل حاجة تجيبها يتقالك برافو ده بيربي عندك إن الإنجاز مقابله تشجيع وده بيعمل نوع من أنواع الأنانية أو إنك دايمًا تبقى محتاج مقابل للحاجة اللي بتقدمها، لكن لما تقدم شيء كويس جدًا أو عبقري ساعتها هيتسقفلك لكن إنت مثلًا جبتلي صفقة سكر وحد تاني جاب صفقة بترول أكيد هيتسقف للي جاب البترول.
رشدي بضجر: آه واللي جاب السكر ده عبيط يعني؟ متبقيش زيهم !
مي بهدوء: أنا ما أقصدش كده بس أنت ليه مثلا مفكرتش تشوف اللى جاب صفقه البترول دى عمل ايه زياده عنك وتتعلم منه، مره على مره هتلاقي نفسك بتجيب صفقات أحسن منه بكتير؛ لأنك وقتها هتحول كل مره هو بيتفوق عليك فيها من لحظه فشل وهزيمه ليك لتجربة تستفيد منها وتزيدك خبرة !
كان رشدي يستمع إليها بابتسامة بينما ذهنه ينشغل بذلك الحديث فلأول مرة يتحدث معه أحد من تلك المنطقة بتلك الطريقة الكلمات راقت له على نحوٍ ما بل لامست شيئًا خفيًا في داخله لم يعترف به من قبل !
لكن سرعان ما هز رأسه رافضًا، قائلاً بنبرة تحمل عدم التصديق والاقتناع: "يمكن..."
في أعماقه كان يدرك أن الأمر ليس كذلك، فالمشكلة أعمق بكثير لم يكن الآخرون يرونه سوى الفاشل الوقح الذي لا يجلب سوى المتاعب..
أما سليم، فهو العقدة التي حطمته منذ البداية، حيث كان الأهل لا يرون سواه، كل الأنظار والاهتمام موجَّه نحوه، بينما هو ظلّ دائمًا غير مرئي مهمَّشًا كأن وجوده لا قيمة له، وهكذا تكرّست صورته في أعين الجميع الصورة التي كرهها هو نفسه قبل أن يكرهها الآخرون !
رشدي وهو يميل للامام ويغير موضوع بخفة: طب بصي… إحنا كلنا هنتقابل بكره في الأرزونا، قعدة نوبي كده على النيل هتعجبك جدًا تيجي معانا؟
تهز مي رأسها بابتسامة مترددة وتعدل طرحتها بهدوء وهى تقول: لأ عندي مذاكرة.
يميل رشدي برأسه بخفة: عادي نظبط معاد تاني يكون مناسب ليكى مش لازم تبقى بكره.
مي تزُم شفتيها وتتنهد: هبقى أشوف ممكن أكلم زيزي وأسألها.
يضحك رشدي وهو يرفع كوب العصير: ماشي براحتك المهم أنا مبسوط إن شوفتك النهارده
تبتسم مي بهدوء وتلمس حافة كوبها: طب أنا لازم أمشي بقى.
رشدي بلهفة: متخليكي شوية ملحقناش نقعد.
مي وهي تفتح حقيبتها: لا معلش مش هينفع ورايا حاجات كتير ومشغولة.
مد رشدي يده بسرعة يطلع محفظته: استني بس أنت بتعملى ايه أنا اللي هحاسب.
مي بسرعة وهي تخرج الفلوس من ,حقيبتها: لأ طبعًا! مش هينفع تدفع لي حاجة.
يضحك رشدي بخفة ويرفع حاجبه: لا خلينا متفقين أنا اسمي رشدي مش هايدي..
ثم رفع عينه نحو الفلوس التي بين يديها وقال بمزاح:
وبعدين على فكرة اللي إحنا شربناه ده بـ250 جنيه وإنتي ماسكة 100 جنيه! إيه ده؟ مش هتدفعيلي معاكي؟ بخيلة!
بسرعة أخرجت مي من حقيبتها 300 جنيه ومدّتها له.
رشدي بمزاح وهو يضحك: خديهم بقى جيبي لك "لوليتا" وإنتِ ماشية يلا يا مي الله يسهلك مش إنتِ متأخرة؟ يلا امشي.
مي وهي تبتسم بخفة: أصلي بقولك مش…
رشدي مقاطعًا وهو يلوّح بيده: ما فيش "مش"! يلا يا مشمش عشان ما تتأخريش عيب.
مي برقة وهي تقف وتعدل طرحتها بسرعة قبل أن تلتقط شنطتها: ميرسي على العصير باي باي.
رشدي يرفع يده لها بابتسامة واسعة وهو يتابعها بعينيه وهي تغادر: باي يا مشمش
اخذ ينظر لاثارها بابتسامة عريضة.
💞_______________بقلمي_ليلةعادل(ʘᴗʘ✿)
خلال أسبوع.
حاول الجميع إقناع عائشة بالخطوبة، معتبرينها فترة اختبار، لكنها بقيت صامتة، يحملها خوف قديم زرعه فيها والدها، ذلك الماضي الذي جعلها ترفض بسهولة أي ارتباط.
كانت علاقة ماسة بعائلة مصطفى قوية، حتى إيهاب تعامل معها وكأن شيئًا لم يحدث، فيما واصلت ندى السؤال باستمرار، بينما مصطفى أغلق الموضوع تمامًا رافضًا أي نقاش رغم محاولات ماسة.
والجدير بالذكر أنّ قلب ماسة لم يهدأ طوال تلك الفترة؛
فقد كان يساورها شعورٌ دائم بأنّ شيئًا ما يحدث مع سليم.
وظلّ الألم يعصف بها بلا راحة،
غير أنّها كانت تحاول إشغال عقلها بأمور العمل.
سلوى بدأت عملها في محل الإكسسوارات ونجحت في مسابقة الورش بجانب مكتب المحاماة. أما رشدي فظل يتتبع مي عبر صورها رغم سفرها.
عزت استعاد صحته وعمله، والوصية التي تركها سليم لم تثر قلقًا إلا لو مات. في المقابل، صافيناز شعرت أنها خسرت كل شيء بعد إبعادها عن القصر والمجموعة، بينما ياسين وفريدة انشغلا بالعمل.
منى استغلت غياب صافيناز لتفرض نفسها كملكة القصر، تتحكم في تفاصيله كافة، خصوصًا مع انشغال الجميع.
أما سليم ومكي فقد اختفيا تمامًا، ولا أثر لهما.
💞_________بقلمي_ليلةعادل ◉‿◉
منزل مصطفى، السادسة مساء
الشرفة
وقفت ماسة بجوار عائشة تتأملان السماء المليئة بالنجوم، وكأن اللحظة صنعت خصيصًا لتفتح فيها القلوب أسرارها.
ماسة بصوت خافت وهي تميل نحوها: هو إنتِ ليه مش عايزة تتجوزي محمد؟ مش بتحبيه كفاية؟
عائشة بسرعة وهي تهز رأسها:لا أنا عايزاه. أنا بحبه، بس...
ماسة بإبتسامة جانبية: بس؟
سكتت عائشة لحظة، كأنها ترتب الكلمات في صدرها قبل أن تخرج عضت شفتها السفلية، ثم همست بخوف:بس... خايفة.
اقتربت ماسة أكثر، تبحث في عينيها: خايفة من إيه يا عائشة؟
تنهدت عائشة بعمق، وأسندت كفيها على السور البارد، عينيها تلمع بدموع وهي تقول بنبرة حزينة: خايفة أعيش مصير ماما، أو مصيرك أو حتى مصير أغلب البنات، المجتمع بتاعنا واقف دايمًا في صف الراجل، يلاقي له ألف مبرر مهما عمل، والست تدفع التمن...
أضافت بنبرة أكثر وجعًا وهي تمسح دمعة سقطت:
أنا خايفة أخسر حبي ليه، خايفة بعد الجواز يتغير، خايفة الحب يهرب من بين إيدينا...
ثم صمتت لحظة قبل أن تهمس: خايفة يعمل حاجة تكسر صورته جوا عيني وجوا قلبي، وساعتها هبقى أنا المكسورة، أنا اتعشمت ووثقت إنه مش هيبقى زي بابا، بس ولو عمل كده، أنا هموت، مش عارفة آخد قرار بحبه بس خايفة.
سكتت ماسة للحظه، تفهمها جيداً فهي عاشت مخاوف مثلها، ركزت في ملامحها وقالت بنبرة دافئة عقلانية: بصي يا عائشة، أنا حاسة بيكي وفاهمة خوفك، بس ليه تفترضي الأسوأ؟ ليه ماتفترضيش إن محمد يكون زي مصطفى وزي إيهاب؟ أنا شايفة إنهم هيكونوا أزواج محترمين مصطفى كان زوج كويس، بس ندى ماعرفتش تحتويه أو تحافظ عليه، ورغم إللي حصل بين والدتك ووالدك، مصطفى وإيهاب ماورثوش منه ده بالعكس، ورثوا من أمك الأحترام الرجولة والأخلاق هي زرعت فيهم صفات جميلة.
ابتسمت ابتسامة حزينة، عينيها تترقرق بدموع: وسليم كمان كان إنسان كويس جدًا، لكن الظروف دمرت حياتنا، أنا متأكدة لو الحادثة ماحصلتش، ولا أهلوا هددوني، كنت عشت معاه حياة زي إللي اتمنناها وكنا دلوقتي معانا أولاد كتير بس للأسف مش كل بنتمناه بيتم، يعني سليم صورته متهزتش جوايا بسببه، لكن بسبب اهله والظروف بس هو كإنسان كويس.
نظرت لها عائشة بتردد لكنها مازالت صامتة تستمع لها وعقلها يدور بين الرفض والخوف و الحب
وضعت ماسة يدها على كتف عائشة بحنان، ومسحت دموعها أضافت بحكمة:
بصي، ممكن تبدأوا بالخطوبة. علشان كمان مايزعلش، صعب على أي راجل يحس إن البنت إللي بيحبها مش ملهوفة عليه أو إن محبتها مش كفاية، ده وجع كبير، أعملي الخطوبة دلوقتي والجواز بعد الجامعة زى ما نويتي، وخلال الفترة دي، إنزلي عليه بالاختبارات زي ماتحبي، الراجل الحقيقي بيبان مهما مثّل بلاش تخسري محمد علشان ماتندميش وبلاش تتأثري بالمشاكل إللي حواليكي، مش هقولك تاني، زي مافيه عبد الحميد، فيه مصطفى وفيه إيهاب وفيه سليم قبل الحادثة.
عائشة رفعت حاجبها بدهشة: أنا مستغرباكي إنتِ بتقولي سليم بتساويه بمصطفى وايهاب بعد كل ده؟
ارتسمت على شفتي ماسة إبتسامة صغيرة ابتلعت ريقها بألم قالت بتوضيح: هبقى ناكرة وواطية، لو ماقلتش الحقيقة، أنا شفت منه الحلو والوحش، والحلو أكتر بكتير، صدقيني الوحش إللي شفته كان بسبب أهله وبسبب تربيته، وإللي عمله في الآخر، يمكن مسح حاجات كتير، من إللي عملها، علشان كدة أنا اتوجعت، بس مقدرش أنكر إن فيه صفات كويسة وعشت معاه أيام جميلة وسعيدة، يمكن أنا زي ما مامتك قالت: ماعرفتش أتعامل معاه صح..
أضافت بعقلانية موضحة:
وبعدين إنتِ ماعندكيش العيلة العقارب ولا شغل المافيا، يعني مش هاتواجهي إللي أنا واجهته، أسمعي الكلام، وياستى أمسحي سليم من الجملة لو مش مقتنعه، فيه مصطفى، فيه إيهاب، وفيه ناس كويسة حواليكي أنا للأسف دايرتي كانت مليانة سم
صمتت للحظة وأضافت كأنها تذكرت:
بس ياسين مثلًا، كان زوج كويس جداً مش عارفة إزاي نسيته، بس هبة كانت دايمًا تشكر فيه، استاذ ابراهيم زوج فريدة أنا ماشفتش منه حاجة وحشة الصراحة، آه داخل أوضة النوم الموضوع بيكون مختلف بين الأزواج، وأنا متكلمتش معاها في خصوصيات، بس إللي واضحلي إن أستاذ إبراهيم زوج كويس ومحترم بيحب فريدة، وهما كانوا بيقولوا عليه إنسان محترم..
بإبتسامة مدت يدها ووضعتها أسفل ذقنها لتجعلها تنظر لها نظرت لها عائشة تابعت ماسة: ثقي زي مافيه الوحش فيه الحلو وأنا حاسة إنه إنسان كويس سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام قال الخير في أمتي إلي يوم الدين.
عائشة بنبرة مترددة وهي تفرك أصابعها بتوتر: مش عارفة المشكلة إني مش مطمنة، رد فعله لما أتعامل معاكي خوفني حسيت إنه قاسي.
ماسة ابتسمت بخفة، وضعت يدها على يد عائشة: يا عائشة، اختلافه معايا مايخوفش، بالعكس هو كان بيفكر بعقله أكتر من عاطفته، وأنا شفته راجل عاقل وبعدين، إنتِ ليه مستسلمة لفكرة الخوف أوعي تعملي زيي أنا الخوف هو إللي دمرني؟
عائشة بصوت خافت وهي تحدق في الأرض: أصل أنا مش قادرة أتخيل أخسر محمد زي ما ماما خسرت بابا، أو زيك مع سليم وندى مع مصطفى.
ماسة أطرقت قليلًا، أرتجف صدرها، ثم رفعت نظرها كأنها تواجه شبح الماضي: صدقيني، أنا وقعت في نفس الفخ، خوفي خلاني أتصرف غلط، وسليم ماستوعبش خوفي، ومافهمش الدوشة إللي كانت جوا دماغي وقتها، أنا بحبه، بس زيك كنت خايفة أخسره من كتر المشاكل، طريقته مابقيتش أتحملها بقيت أهاجمه، أزعق وأرفض ماعدتش قادرة أقول "حاضر" نفسيتي اتبدلت وإللي كان لازم أتحمله وقتها ماعرفتش هو كمان كان تعبان بعد الحادثة، وأنا كمان، بس استحملت لحد ما البنزين خلص، وهو كل مدي بيزيد ضغط، خوفت أكرهه، عشان كده طلبت أبعد وهو رفض لإنه بيحبني
دققت النظر بها كأنها تريد إثبات ذلك: عارفة؟ لو سليم كان وافق نبعد وقتها يمكن كنت أقدر أتحمل شوية مع أهله..
سكتت لحظة، عينيها تهتز بالحيرة:مش عارفة بس إللي حصل إني ضيعت وقت، وهو مافهمش موقفي ماستحملش يمكن لو فهم خوفي حاجات كتير كانت اتغيرت.
نظرت لعائشة بعينين دامعتين لكن ثابتتين: علشان كدة بقولك ماتعمليش زيي أتكلمي معاه فهميه مخاوفك أدي لمحمد فرصة جربيه في فترة الخطوبة ماتخسريهوش، وإنتِ بتحبيه، الرجالة مش بيفكروا زينا، إحنا بنفتكر إن سكوتنا مفهوم، لكن عندهم بيبان رفض أو برود، أثبتي له إنك بتحبيه، وفي نفس الوقت خليكي ذكية اختبريه شوفي ردود أفعاله هل هيطمنك؟ ولا هيعيشك في خوف يكبر جواكي؟ المهم ماتضيعيش الحب ده علشان هواجس يمكن هو يبقى نصيبك إللي يغير حياتك كلها، وأنا بقولك للمرة التانية: ماتخليش قصص الناس المؤلمة تأثر عليكي...
تبسمت لها بدعم وهي تمسك يدها: إنتِ مش لوحدك، عندك فترة طويلة تختبريه، إنتِ ذكية وعقلانية، وهتركزي في التفاصيل مش العاطفة إللي هتغلبك وجنبك أخواتك، مامتك، وأنا كمان.
عائشة أطرقت رأسها، أصابعها تعبث بخاتم صغير في يدها ثم رفعت عينيها، وفيها بريق أمل خجول، ابتسمت بخفة وهي تمسح دموعها: يمكن عندك حق يمكن فعلاً لازم أدي، نفسي وليه فرصة وماخليش خوفي متحكم فيا.
تنهدت عائشة، وهزت رأسها بإيجاب: خلاص هعمل كده.
ارتسمت إبتسامة واسعة على شفتي ماسة وهي تربت على يدها: هو ده الكلام بقى مبروك يا شوشو.
ابتسمتا لبعضهما، ثم ضمتا بعض بحب وأخوة صافية.
ابتعدت عائشة بخفة، وهي ترفع حاجبها مازحة: يجي يشوفك! وإنتي بتقنعيني بيه، وهو بيقنعني أبعد عنك ونمشيكي! بوبي بحر.
قهقهت ماسة وهي تلوّح بيدها: ههههه يا ستي بكرة يغير رأيه المهم دلوقتي إنتم، سيبك مني.
عائشة نظرت لها بعينين لامعتين وقالت بعفوية: إنتي بجد جميلة يا ماسة قلبك أبيض، ليه حق سليم يعشقك أنا لو راجل كنت مت فيكي زيه.
ضحكت ماسة بعلو، ضحكة ملأت الشرفة: يلا نقولهم الخبر.
عائشه: يلا
خرجت ماسة وعائشة من الشرفة، وقد بدا على ملامحهما شيء من الارتياح والدفء، وما إن دخلتا الصالة حتى وجدتا إيهاب ومصطفى ونبيلة في انتظار سماع الخبر.
إيهاب بلهفة: ها يا شوشو، وافقتي؟
ابتسمت عائشة بخجل، ثم أطرقت قليلًا قبل أن تجيب: أيوه، وافقت.
علا صوت الفرح، فسارعت نبيلة لتحتضنها قائلة بدموع الفرح: ألف مبروك يا روحي.
ضحك مصطفى وهو يوجه نظره إلى ماسة مازحًا:طيب إزاي أقنعتيها؟ ده أنا كنت قربت اتشل.
رفعت ماسة حاجبيها بثقة مصطنعة وقالت مبتسمة: ده سر! ماتستصغرونيش بعد كده.
أنفجر الجميع ضاحكين، فألتفتت إليها عائشة مازحة:
طب ماتقوليها زي ماكنتي بتقوليها زمان لسليم، بطريقتك حابة أشوف بجد اشمعنا حبك بسبب الكلمة دي.
قهقهت ماسة، ثم تحدتث بنبرتها ولهجتها القديمة: ماتستصغرنييشي!
ساد صمت قصير مفاجئ على إيهاب ومصطفى خصوضا، فهي لها طريقة في نطقها مثيرة بشكل ملفت للإنتباه ليست مثيرة بمعناها لكنها لطيفة وبها نكهة تجعل من يسمعها بالأخص من الذكور يسحر بها، قبل أن يتفجر المكان كله بالضحك.
عائشه: عنده حق يعجب بيكي بعد ماتستصغرنيشي دي.
ماسة: أفهم من كدة إني بتعاكس
عائشه وهي تضحك: اها.
عادوا جميعًا للضحك مرة أخرى، وكأن الضحكة أعادت للحظة بريقًا من أيام مضت.
إيهاب: خلاص هكلم محمد علشان نحدد الخطوبة نخليها الجمعة الجاية
جلست ماسة إلى جوار مصطفى، لكن على مسافة، وكأنها تعمدت أن تعدل جلستها في زاويته. نظرت إليه بجدية وقالت:
حلينا مشكلة عائشة، مشكلتك إنت بقى بالله عليك أسمعها.
مسح مصطفى على وجهه بتعب: إنتي طلعتِ مابتسمعيش الكلام وعنيدة.
ضحكت ماسة بخفة: آه جدًا، ما هو أنا هقنعك هقنعك، كلمها علشان خاطري.
ضحك مصطفى، فردت عليه ماسة بإصرار:
خلاص، بلاش علشان خاطري خليها علشان خاطر إيهاب، ماما، شوشو، ومحمد مع إني مش طايقاها، بس مش مهم.
سأل إيهاب وهو يقترب: هو إيه الحكاية؟
نبيلة بهدوء: أصل ندى كلمت ماسة، وقالتلها تحاول تخلي مصطفى يكلمها ويديها فرصة وفعلاً، ماسة قالت هتحاول تقنعه.
هز إيهاب رأسه ساخرًا: ماسة، شفتي قصتك مأساة قد إيه؟ مصطفى مأساته أكبر، وندى صعبة.
ابتسمت ماسة بطيبة: بس أنا شايفاها ست مذلولة، وحرام، وبعدين أنا مابقولهوش أرجعلها، أنا بقول له أسمعها.
تساءلت عائشة بهدوء: وبعد مايسمعها، تفتكري ممكن يرجع؟
مصطفى بحسم: أكيد لا.
رفعت نبيلة حاجبيها وقالت: على فكرة، أنا مع ماسة. ممكن تكون السنة دي اتغيرت، إنت مطلقها بقالك حوالي 14شهر ربنا خلق الدنيا في ست أيام، وكل يوم الحال بيتبدل يمكن اتعلمت من فراقك، زمان كنت تسيبها يومين أو أسبوع وترجع حتى لما طلقتها أول مرة، قعدت شهر ورجعتها لكن دلوقتي دول سنه واكتر من شهر طويلة أسمعها.
ماسة بتأييد: بالظبط كدة إنت مش قادر تشوف إنها اتغيرت بجد، علشان دايمًا شايفها بتعمل مشاكل وغيورة وبوظت حياتك وشغلك وشغل إخواتك بس لو هديت كده ورحت لها بعقلك هادي، هتعرف تحكم صح.
ثم إلتفتت إلى عائشة وهي تضحك: أنا دلوقتي عرفت ورثتي العند ده منين، ياخربيت كده إيه ده!
ضحك إيهاب مازحًا: ماسة اتعصبت يا جماعة.
ضحكت ماسة بصوت عالٍ: أيوه بجد! أخوك مستفز أوي إيه ده؟ بقالي أسبوع بتحايل عليه!
تنهد مصطفى: يعني إنتي وماما هترتاحوا لما أسمعها؟ حاضر هسمعها بس أقسم بالله، لو ماتغيرتس ولسة زي ما هي، أنا مش فارق معايا أروحلها إللي عايزه منك يا ماسة، بالله عليكي، أوعي تأمني لها.
إيهاب بسرعة: آه طبعًا، أوعي تفكري تحكي لها حاجة إنتي ليندا وبس.
ابتسمت ماسة بخفة:لا ماتقلقوش. عمري ماحكيت لحد حاجة أصلاً وبعدين ماتخوفنيش بالله عليكم.
إيهاب بجدية: لأ، إحنا عايزينك تخافي، ندى يتخاف منها إنتي ماتعرفيش كانت بتعمل إيه؟! مرة بهدلتني عند المديرة، إبنها كان تعبان وكلمت مصطفى بالليل تسأله حاجة، الاستاذة مسكتها وبهدلتها، وقالتلها إزاي تكلمي راجل متجوز بالليل، مش في التليفون بس، راحت لها المكتب! وفي الآخر أنا اترفدت، بعد ماكنت في مكان مهم.
اتسعت عينا ماسة بدهشة:معقولة؟ للدرجة دي؟
سكتت لحظة، ثم اضافت بصوت منخفض: أنا مش عارفة أقتنع، أصل أنا برضه كنت بعمل خناقات مع سليم علشان كنت بغير عليه.
ابتسم مصطفى ابتسامة باهتة: لأ، من شخصيتك قدرنا نفهم إنتي عاملة إزاي في غيرتك، ندى حاجة تانية، مؤذيه، عموماً حاضر يا ماسة، هعمل إللي إنتم عايزينه، علشان ماتقولوش عليا قلبي قاسي.
سألته ماسة بإهتمام: طب هاتكلمها إمتى؟ علشان أقول لها، دي بتكلمني في اليوم عشر مرات.
إيهاب بمزاح: بس كده، هنبدأ نحس إنها فعلًا اتغيرت.
ضحكت ماسة: هو إنت بتتريق؟
هزت نبيلة رأسها: لأ يا بنتي مش بيتريق. أصلها زمان كانت ممكن تتصل بكل واحد فينا ميت مرة في اليوم.
ابتسمت ماسة برقة قالت بطيبه:علشان بتحبه، معلهش طب ها، اقولها امتى إيه؟
عائشة بمرح: والله ماسة دي طلعت طيبة وغلبانة أوي.
مصطفى بفتور: بعد خطوبة عائشة لاني مش عايز أعكر مزاجي حاليا.
ابتسمت ماسة: ماشي شكرًا يا مصطفى، وبالمناسبة، بما إن فيه أخبار حلوة، أنا هقوم أعمل لكم صينية بسبوسة، وبكرة هعمل لكم شوية أكل إنما إيه تحفة.
ثم ضحكت: ممكن بقى حد فيكم يا شباب ينزل يجيبلي الحاجات بتاعة البسبوسة؟
إيهاب بخفة: قوليلي إللي محتاجاه، وأجيبلك، أنا نازل أجيب العشا.
💞_______________بقلمي ليلةعادل ◉‿◉
مطعم فاخر، السادسة مساءً
تجلس فايزة على الطاولة، تتناول طعامها بهدوء، تمسك الشوكة والسكينة تتناول العشاء وكأنها تؤدي طقسًا ملكيًا.
بعد دقائق، تقترب صافيناز بخطوات واثقة وهادئة، تجلس أمامها.
صافيناز بإبتسامة متكلفة: بالهنا يا هانم.
فايزة، وهي ترفع عينها للحظة ثم تواصل تناول مافي الشوكة: ميرسي تحبي أطلبلك؟
صافيناز ببرود: تؤ.
يصمت المكان للحظات، عينا صافيناز تضيقان وهي ترمق فايزة بإهتمام مريب.
تساءلت صافيناز بنبرة لاذعة: غريبة أوي إنك قادرة تاكلي عادي جدًا بعد كل الخراب إللي حصل، ولا علشان الخراب ده ما أثرش غير فيا أنا؟
فايزة،وهي تضع الشوكة جانبًا وتلتفت إليها متعجبة: ما أثرش إزاي؟
صافيناز بتهكم وإتهام: إنتِ لسه في القصر، وكل حاجة لسة ملككم، حتى لو فيه وصية.
تتناول فايزة المنديل برشاقة وتمسح فمها، تعيد جلستها بإستقامة أرستقراطية: أنا والباشا، اتأثرنا كتير مش علشان بخرج أو باكل يبقى إحنا كده مبسوطين.
قاطعتها صافيناز، بإبتسامة خبث: لا لا، أنا عرفت من مصادري إنكم كلمتوا سليم، وهيرجعلكم إللي أنتم عايزينه، معادا أنا ورشدي، آه صحيح لسة معملش حاجة، بس سليم مادام قال هيعمل بيعمل هو بس بيلاعبكم شويه بقيت فاهماه.
ترفع فايزة حاجبًا بإستهجان، تومئ برأسها: إيه؟ إنتي بتتجسسي علينا؟
صافيناز ساخرة: وإيه المشكلة؟ كلنا بنتجسس على بعض.
أضافت وهي تميل للأمام قليلًا، عينيها مركزة في ملامح فايزة ونبرتها تحمل تهديدًا مبطنًا:
اسمعي يا مامي، أنا مش هقبل بالمهزلة دي أكتر من كده، شوفي حلول، ولحد ماسليم يرجع هفضل مسالمة وهادية بس أكتر من كده؟ مش هقدر.
ضيقت فايزة عينيها: يعني إيه؟
صافيناز بحسم: يعني لما سليم يرجع، تتكلموا معاه، أنا لازم أرجع القصر، وأرجع المجموعة، وآخد نسبتي.
فايزة بدهشة: وتدخلي القصر إزاي بعد عملتك ونقلك كل حاجة لعماد؟! عزت مش طايقك.
صافيناز، بلهجة واثقة ممزوجة بتهكم: طبيعي أنقل كل حاجة لعماد، لإني بثق فيه، ومابثقش فيكم، إنتم كنتوا عايزين تاخدوا مني كل حاجة، كنتوا عايزين صافيناز الرواي تبقى ماتملكش حتى تمن أكلة زي دي.
تضحك فايزة بإستهزاء وهي ترفع كوب الماء وتحتسيه: ضحكتيني؟ إنتي بتثقي في عماد؟
نبرتها تزداد حدة: عماد ده أول واحد هيبيعك لما الدنيا تنهار، عماد بيلعب بيكي مابيحبش غير فلوسك.
ترتكز صافيناز للخلف، وتبتسم بسخرية: دلوقتي بقى وحش؟ مش ده عماد إللي كان مشاركم في كل حاجة؟
أومأت فايزة، بهدوء زاحف كالعقارب: صح، عشان المصلحة، كلنا حطينا إيدنا في إيد بعض علشان كل واحد يوصل للي عايزه.
اتكأت فايزة بظهرها على الكرسي وتركت جسدها في استرخاء متعمد، وكأن الأمر كله لعبة صغيرة بيدها.
ارتسمت على شفتيها ابتسامة قبل أن ترفع عينيها نحو صافيناز بنظرة استخفاف ببرود قاتل:
إنتوا لعبتوا على نقطة ضعفي، كرهي لماسة، وأنا لعبت على نقطة ضعفكم، هوسكم بالعرش، الفرق إيه؟ إني كنت شايفاكم مجرد أدوات في إيدي، وأنا إللي حركتكم زي ما أنا عايزة، والنتيجة؟ أنا فضلت واقفة، وإنتوا إللي وقعتوا.
ضحكت صافيناز بخفة وهي تلعب في خصلات شعرها وكأنها لم تهتز قالت ببرود قاتل: بس أوعي تطمني كده، ماسة راجعة، لو مش النهاردة، يبقى بكرة أو بعده، سفر سليم المفاجئ ده عليه علامات استفهام، حتى هي مقدرتش بالرغم كل إللي حصل لها خاطرت وجت تشوف أهلها... ده معناه حاجة واحدة: ماسة راجعة لانها مش قادرة تتحمل فكرة الهروب، وساعتها يا مامي كل إللي عندك هينهار.
استفزت فايزة، وقد ضربت الطاولة بكفها: هاتي من الآخر عايزة إيه؟
صافيناز بهدوء حازم: قلتلك. عايزة أرجع القصر، وأرجع المجموعة، وآخد نسبتي.
فايزة تتحدث من بين أسنانها بإستهجان: مستحيل، وإنتِ عارفة إنه مستحيل، ده سليم.
رمقتها صافيناز، بنظرة حاسمة و بنبرة مميتة: أنا مش هخسر لوحدي، أنا حطيت الحباية لسليم مظبوط، بس ماتنسيش إنتي والباشا ورشدي ومنى، وكلنا، كنا مشتركين في الحادثة، في سقوطها أول مرة؟! في رجوع لورجينا، في تلفيق لسليم أكاذيب. في تخويف ماسة، وسليم لو عرف، مش هايشوفكم ملائكة وأنا شيطانة تؤ الكل هايغرق.
تتسع عينا فايزة بغيظ: إنتي بتهدديني؟
صافيناز، وهي تهز رأسها بإبتسامة ساخرة: لأ
مقدرش بس قوليلي أعمل إيه؟ كلكم اتخليتوا عني، بقيت كبش فدى وأنا مش هقبل بدور ده؟! أنا لازم أنجو مش هموت نفسي علشانكم..
تابعتها بنظرة حادة وكأنها تعلن عن مخالبها: قولي للباشا بلاش يعمل ملاك لإنه كان عارف كل حاجة وموافق عليها من أول سقوط ماسة لحد أسبابها للهروب إنتي قلتي إنك عرفتيه و وافق وقبل إنتوا مش هتعملوا ملايكة على حساب صافيناز.
ثم تنهض ببطء، وألقت نظرة جانبية باردة: قولي للباشا كمان أن صافي هتتكلم أنا خلاص خسرت كل حاجة وماعنديش إللي أخسره، رجعوني القصر وأنا هفضل حافظة السر، أما النسبة والمجموعة، عندي استعداد أستنى سليم، بس إني أخرج برة وأتمنع من كل حاجة؟ مستحيل أنا هفضل صافيناز الرواي، الملكة.
تبتسم ساخرة وهي تستدير قالت بالتركية: "Afiyet olsun (بالهنا والشفا).
تحركت صافيناز، تاركة خلفها فراغًا ثقيلًا يضغط على صدر فايزة ظلت وحدها، أنفاسها متقطعة، وعيناها معلقتان في الفراغ، تسترجع كلمات صافيناز المليئة بالتهديد أشتعل الغضب في أعماقها، فعضت على أسنانها حتى كاد صريرها يسمع مدت يدها إلى الكأس الزجاجي، قبضت عليه بقوة غير واعية، فصدر صوت تشقق حاد اخترق الصمت، وتناثرت شظايا صغيرة بينما انساب الدم الدافئ من كفها فوق المفرش الأبيض الناصع، يلطخه بلون صارخ كالخيانة.
أحد الجرسونات يقترب بقلق: فيه حاجة يا هانم؟
رفعت يدها المضرجة بالدم للحظة، بنظرة متجمدة، فيتراجع الحارس والجرسون بخطوات حائرة.
اتسعت عيناها وهي تحدق أمامها، وصوت داخلي يعلو في رأسها: وفجأة يهتز هاتفها على الطاولة رسالة جديدة: ركزي مع جوزك شوية.
تتسع عيناها، تلتقط الهاتف، ترى صورة عزت وهو يناول نانا وردة ترفع حاجبيها بإستغراب زمت شفتيها بغضب، ثم تضغط اتصالًا سريعًا بعد ثواني قالت بحزم: أنا عايزاك في خدمة، هبعتلك رقم شوفلي الرسائل دي بتتبعتلي من مين؟! لا ماتعملش أي حاجة غير لما أقول لك.
تغلق الخط، تضع الهاتف بعصبية على الطاولة. الدم ما زال يتساقط من يدها، فتضغط عليها بمنديل أشارت للجرسون: شيل الحاجات دي وجيبلي كاس ريد واين.
ظلت جالسة في مكانها، نظراتها تائهة.
خارج المطعم، في الجهة المقابلة، سيارة سوداء ساكنة.
بداخلها رجل مجهول، نصف وجهه غارق في الظل، لا يظهر سوى يده على الهاتف ولحية قصيرة تلمع تحت الضوء عيناه معلقتان بفايزة من بعيد، يراقبها بصمت، قبل أن يشيح ببصره عائدًا إلى شاشة هاتفه ثم قاد السيارة.
قصر الراوي
الهول السادسة مساءً
هبطت منى من على الدرج بخطوات واثقة، ترتدي فستانًا أنيقًا، وعينيها تلمعان بالثقة.
في الهول، كانت الخادمة "عفاف" ترتب المزهريات. توقفت منى أمامها وقالت بنبرة آمرة:
منى: الفازة دي مكانها مش هنا.
أشارت بأصابعها للركن الآخر، ثم تابعت بلهجة متعالية: حطيها هناك، ومن النهاردة أي حاجة في القصر ده لازم تعدي عليا الأول، أنا ست القصر هنا.
وقفت في منتصف الهول، متعمدة أن يكون صوتها مسموعًا.
في الصالون الرئيسي.
على الأريكة الكبيرة جلس إبراهيم يحتسي قهوته بهدوء، إلى جواره فريدة التي كانت مسترخية، بينما جلس رشدي على مقعد جانبي ممسكًا بسيجارة، تبادلوا النظرات على حديثها، ثم أطلقوا ضحكات مكتومة.
فريدة بإبتسامة ساخرة: منى عايشة حياتها على الآخر في ظل غياب مامي وصافيناز.
إبراهيم وهو يرفع فنجان القهوة: خليها تعشلها يومين، لحد ما الهانم ترجع.
رشدي ساخرًا وهو يسحب نفسًا من سيجارته: الكل دلوقتي بيجرب ياخد دور، بس بكرة الفران ترجع جحرها.
فريدة ضاحكة: مامي لما ترجع هتحصل مشكلة
إبراهيم بنبرة هادئة واثقة: فايزة هانم عاقلة، هتتصرف بهدوء، وكل حاجة هترجع مكانها.
تابعت منى خطواتها بثبات حتى وقفت أمام المرآة الضخمة المعلقة على الجدار اعتدلت في وقفتها، أمالت رأسها قليلًا كأنها تتأمل انعكاسها بإعجاب، ثم ابتسمت لنفسها ابتسامة صغيرة وهمست في سرها:وأنا الملكة هنا...
رفعت ذقنها للأعلى بفخر، كأنها تصدق الصورة التي تراها، غير عابئة بالضحكات التي ما زالت تتردد خلفها.
منى بأمر: يلا يا عواطف، خلينا نشوف حسابات الشهر، وخليهم يحضروا العشا.
عواطف: أوامرك يا هانم.
فيلا هبة وياسين التاسعة مساءً
الصالون
كانت هبة تجلس أعلى الأريكة، تمسك هاتفها، حين دخل ياسين وهو يحمل طبقين من الطعام، وعلى الطاولة الصغيرة كان موضوع مسبقًا طبق من السلطة.
ياسين وهو يقترب منها: خلاص بقى سيبي التليفون أنا جيت.
رفعت عينيها إليه: ثانية واحد..
وضع ياسين الطعام على الطاولة، ثم سحب الهاتف من بين يديها بإبتسامة: أنا بقيت موجود.
نظرت إلى الطعام بإستغراب: إنت إللي عامل الأكل ده؟
ابتسم: أيوه، أنا إللي عامل الأكل ده.
هبه بدهشة: بقالك سنين مامعملتش أكل بإيدك.
ياسين وهو يظبط الأطباق: ما إنتِ عارفة مابعملش غير لما يكون عندي نفس.
رفعت هبة حاجبيها بشدة: تقصد إن أنا سادة نفسك؟
تنفس بعمق محاولًا تفادي المشكلة: هو إحنا ماينفعش نقعد ساعة مع بعض من غير مانتخانق؟ من غير مشاكل؟ يعني نرجع زي زمان، فاكرة زمان؟
هبة ببرود: على فكرة أنا مابعملش مشاكل، أنا برد على كلامك.
حاول يغير الحديث: إيه رأيك نشغل موسيقى ونولع شموع؟
نهض، شغل موسيقى من المشغل، ثم أخذ بعض الشموع من درج قريب وأشعلها، وعاد ليجلس بجانبها وهو يبتسم: كده أحسن وحشتني الأجواء دي.
قطع قطعة لحم من طبقه وقدمها لها: قولي رأيك، لذيذة ولا لأ؟
هبة وهي تمضغ بإبتسامة صغيرة: تسلم إيدك.
ياسين وهو يتناول الطعام: أنا هسافر بعد بكرة شرم ماتيجي معايا.
رفعت نظرها إليه بجمود: وأجي معاك أعمل إيه؟ إنت أصلاً هتبقى مشغول ومش فاضيلي.
ابتسم محاولًا إقناعها: لا، هو يوم واحد بس إللي هكون مشغول فيه، بعد كده فاضي. هيبقى فيه كذا إجتماع، وكل واحد جايب مراته معاه بدل مابقى لوحدي.
هزت هبة رأسها: لا مش هاينفع إنت عارف أنا مابحبش أحضر الاجتماعات بتاعتكم. ماليش فيها ولا بفهم فيها.
ياسين بهدوء: مش مشكلة بس على الأقل تبقي جنبي أنا محتاجك جنبي.
هبه بسرعة: هو أنا بطلب منك تيجي معايا شغلي أو الاجتماعات بتاعتي؟
ابتسم بمرارة: أنا عرضت عليكي كتير أجي معاكي، بتقولي لي لأ، وبعدين هو إنتي يعني م بتقوليش علشان ما أطلبش منك تيجي؟! بقولك أنا حابب تبقي معايا تشاركيني.
ابتعدت عن الطعام وأمسكت هاتفها من جديد: سوري يا ياسين أنا بجد مابحبش الجو ده، ومش هنبقى مبسوطين يرضيك أروح مكان أبقى مخنوقة فيه.
تنهد ياسين وهو ينظر أمامه لا مايرضينيش نظر لها متسائل: مش هتكملي أكلك؟
رفعت قدميها على الأريكة وهي تلعب في هاتفها: لا أنا مش جعانة بس قلت آكل حاجة بسيطة علشان ماتزعلش.
نظر إليها بتمعن: هو إنتِ مش شايفة إنك اتغيرتي أوي؟
هبة بضيق: ياسين لو سمحت ماتعليش صوتك، إنت عارف أنا مابحبش الطريقة دي.
توقف بعصبية: بقولك إيه أنا بدأت أزهق وخدي بالك، اللي إنت فيه ده مش حلو أنا مش فاهم انتي عايزة إيه؟
وقفت أمامه باندفاع: أنا إللي مش فاهمة! هو غلط إني اهتم ببنتي؟ الناس الطبيعيين بيربوا أولادهم، مايسيبوهمش للدادا، بنتك تعبانة آه بقت أحسن، بس لسة ماخفتش مية في المية، المفروض تزعقلي وتقول لي خدي بالك من البنت! مش تفضل كل شوية تتخانق معايا عشان مابنخرجش.
ضرب الطاولة بيده: تاخدي بالك من البنت وتهمليني أنا؟ إحنا بقالنا مدة ماقعدناش مع بعض، حتى دلوقتي شوفي أسلوبك، إيه البرود ده، أنا افتكرت لما نسيب القصر ونيجي هنا هاتهدي بس ولا أي حاجة.
رفعت صوتها: لو عايز ترجع القصر أرجع.
تجمد واقفًا، ثم قال بصوت خافت يقطر غضبًا: إحنا هنرجع، بس مش بمزاجك مش وقت ماتحبي تمشي تمشي، وقت ماتحبي ترجعي، ترجعي وبعدين إنتِ أصلاً بتروحي هناك بتبقى نكدية وأنا قرفت.
صرخت هبة بضجر: لإني مابحبش أهلك ومابحبش القصر ومابحبش وجودي هناك. أنا بقعد هناك غصب عني علشان حضرتك عايز كده! فاكر إنك بكدة بتربيني؟
اقترب منها بهدوء شديد: أربيكي ليه؟ هو إنتي ناقصاك تربية؟ عيب الكلام إللي بتقوليه ده؟! فكري فيه قبل ماتنطقيه،أنا خارج.
هبة بغضب: هتروح فين؟
رد بحدة وهو يلتقط مفاتيحه: وإنتي مالك؟ خليكي في تليفونك وفي شغلك ومع بنتك. مالكِش دعوة بيا اهتمامك مش مقبول.
ألتفت بعصبية، وخرج تاركًا إياها، بينما بقيت هي وحدها تحدق في الفراغ، يداها ترتجفان والهاتف بين أصابعها.
جلست على الأريكة يغمرها الحزن والغضب، لكن دموعها رفضت أن تهبط.
في الخارج، صعد ياسين بسيارته، أخذ يتجول في الشوارع حتى أنتهى به المطاف أمام أحد الملاهي الليلية، حيث كان أصدقاؤه ورشدي هناك.
الملهى الليلي، الحادية عشر مساءً
رشدي وهو يحتضنه بصدمة: إيه ده، أخويا الصغير؟ إيه إللي حصل؟ إ.
ضحك ثم همس في أذنه: مش بقولك الجواز ده بيسد النفس؟ ماصدقتنيش.
ياسين ببرود: ده مش بيسد النفس؟! ده بيموت النفس، واد يا رشدي أوعى تتجوز، أقسم بالله إنت ملك أديك شايف.
ربت رشدي على كتفه: وهو يضحك ماتقلقش، هندلعك ونسيك نكد هبوش يا ياسو.
وبالفعل وانخرطوا في الرقص والضحك، لكن ياسين أكتفى بالعصائر، لم يمس الشراب، حاول أن يقضي الوقت معهم، إلا أن بداخله كان شيء آخر يشتعل.
باقي الفصل الرابع 👇👇
مجموعة الراوي
مكتب ياسين التاسعة صباحاً
كان ياسين جالسًا خلف مكتبه، أصابعه تضغط على جبينه بإرهاق، وجهه شاحب وعيناه نصف مغمضتين من شدة الصداع ، رفع رأسه ببطء عندما دخلت لوجين.
لوجين بابتسامة خفيفة: صباح الخير يا فندم، مستر نبيل هيكون موجود كمان ساعة بالظبط.
أومأ ياسين رأسه إيجابًا دون أن ينطق.
لوجين تأملته باهتمام: حضرتك كويس؟
ياسين بصوت مبحوح: عندي صداع فظيع، امبارح سهرت شوية جاي مطبق.
لوجين وقد عقدت حاجبيها: حضرتك تقلت في الشرب ولا إيه؟
هز رأسه نافيًا: لا خالص ماشربتش، بس تعبان ومصدع اوي.
ابتسمت لوجين بثقة: طب أنا معايا برشام صداع حلو اوي، حضرتك فطرت؟
ياسين وهو يزفر بتعب: لا مفطرتش، بس اعملي لي قهوة.
لوجين مائلة قليلًا للأمام: لو حضرتك تحب أأجل الميعاد نص ساعه زياده لحد ما حضرتك تبقي كويس، عشان مينفعش الراجل ييجي ويستنى كتير، ممكن أخلي المعاد كمان ساعتين مثلا.
ياسين لوّح بيده رافضًا: لا لا، أنا هبقى كويس ابعتي بس هاتي لى قهوة.
مسح ياسين وجهه بكفه واتكأ للخلف، مغمضًا عينيه لثوانٍ.
خرجت لوجين ثم عادت بعد قليل ومعها الساعي يحمل صينية عليها كوب عصير وزجاجة ماء وطبق فطور وضعت الصينية على المكتب أمامه.
لوجين: شكرا يا عم محمود اتفضل أنت.
رفع ياسين نظره إليها باستغراب: إيه ده؟
ابتسمت بثقة: أقحمت نفسي شوية في حياتك ، وقولت لازم تفطر وتشرب العصير وبعدها تاخد الحباية، لأن مينفعش تتاخد على معدة فاضية.
ياسين وهو يومئ برأسه معترضًا: لا مش هينفع خالص.
لوجين ثابتة النظرات: لا هينفع.
مدت يديها وقدمت له ساندوتش صغير: على فكرة دي سندوتشات أنا اللي عاملاها، مبحبش أكل من بره كتير فقلت أقسمهم بيني وبينك.
فتح ياسين الساندوتش متفاجئًا: ده إيه ده؟
لوجين بحماس: ده تركي معاه خص وزيتون وجبنة شيدر طعمه تحفة هيعجبك وهتطلب مني أجيب لك منه كل يوم.
أخذ ياسين قضمة صغيرة، ثم ابتسم لأول مرة: فعلاً جميل تسلم إيدك.
لوجين بإصرار ودعابة: كل بقى الساندوتشين دول مع العصير، وبعدها خد الدوا، لما تخلص أجيب لك القهوة.
رمقها ياسين بنظرة امتنان صافية: شكراً يا لوجين.
ابتسمت بخفة: ألف سلامة عليك.
المركز الطبي، الكافيتيريا الحادية عشر صباحا
وقفت ماسة خلف الكونتر كعادتها، تبيع بعض الأشياء وتعد القهوة، والشاي اللخ...دخل محمد، ورغم أنه كان يتجنب الحديث معها منذ معرفته حقيقتها، إلا أنه لم يجد مفرًا من طلب قهوته. أنجزت له ما طلب بعملية، جلس على طاولة قريبة يتصفح هاتفه، يتناول قطعة من الكيك، بينما عينيه تبتعد عنها وكأنها غير موجودة.
لكن ماسة، كانت تراقبه بين الحين والآخر، بدا عليها التردد، كأنها تريد أن تقول له شيئًا لكنها لا تملك الشجاعة، دقائق قليلة، ثم أخذت نفسًا عميقًا وسارت نحوه، توقفت بجانب طاولته بصمت.
رفع محمد رأسه نحوها بإستغراب.
ماسة بهدوء: أنا كنت محتاجه أتكلم معاك شوية ممكن؟
محمد، متعجباً: تتكلمي معايا؟
ماسة، تهز رأسها بتردد: اممم، بص، أنا عارفة إنك مش بتطيقني، بس إحنا لازم نتكلم، ممكن أقعد؟
محمد بحسم: لو هتتكلمي في موضوعك لا، ماتقعديش.
ماسة بهدوء: مش هتكلم في موضوعي، موضوعي مقفول بعد إذنك يا دكتور محمد دي حاجة تخصك إنت.
صمت محمد للحظة، ثم أشار لها بالجلوس، جلست ماسة أمامه، تحاول أن تسيطر على ارتجاف صوتها.
ماسة بلطف: أنا عارفة إن ماليش أي حق أتكلم أتدخل بس أنا بحب عائشة، وبعتبرها زي أختي سلوى بالظبط، حتى لو إنت مش طايقني، بحترمك عشان بحسك جدع ومحترم.
تنهدت ومالت بجسدها للأمام قليلاً وقالت بعقلانية: بص يا دكتور محمد، عائشة مشكلتها إنها خايفة، بس صدقني بتحبك، وده اتأكدت منه لما اتكلمت معاها هي محتاجة بس الأمان، ومحتاجاك إنت تديلها ده أنا فاهمة إن خلاص خطوبتكم الأسبوع جاي بس أنا بفهمك موقفها و
تنهك محمد، بغضب وقاطعها: من فضلك ماتدخليش، شوفي مشاكلك إنتي الأول، شوفي حل في خوفك، جوزك المجنون وعيلته القتلة، بعدين فكري بغيرك، لو فعلاً بتحبيهم زي مابتقولي، أبعدي عنهم، أبعدي وحافظي على حياتهم، ياريت تمشي ولو محتاجة فلوس، أنا هديكي بس أبعدي عنهم وما تأذيهومش.
نظرت له ماسة بعين دامعة بنبرة لاذاعه: لو سمحت، متقولش على جوزي مجنون، انا جوزي محترم وعاقل، ياريت تتكلم معايا بأدب من غير تجريح..
انا أنا مش فاهمة ليه بتكرهني كده؟ مقدرة خوفك عليهم، بس مش لدرجة إنك تظلمني، أنا مستحيل أأذيهم مستحيل.
محمد بإستنكار ساخر: وإنتِ ضامنة تحمي نفسك من أذى جوزك وأهله؟ علشان تتكلمي بثقه كدة؟! إزاي هتضمني تحميهم؟ ده إنتي أهلك على كلامك في خطر.
ماسة بنبرة مهتزة بألم لكنه بثقه: مش ضامنة حمايتي ولا حماية أهلي مظبوط، بس واثقة إني هقدر أحميهم، حتى لو بروحي، أنا بعرف أسيطر على سليم، وعمري ماهسمح إنهم يتأذوا، مشكلتك إنك سمعت قصتي، بس ماحسيتهاش.
سكتت قليلًا ثم أكملت بصوت متهدج: بس إنت عندك حق، كل واحد منا بيخاف على ناسه، بس أنا كمان بني آدمة وبنت، ولوحدي، ولأول مرة بواجه المجتمع من غير سند، علشان كده كدبت، علشان كنت خايفة ولسه خايفة، يمكن أكون أكتر واحدة اتأذت وهتأذي في القصة دي، صدقني لو فيه حد هايتأذى، فهو أنا، أنا وبس، أسفة لو تدخلت أنا كنت بحاول أفهمك هي محتاجة ايه بعد أذنك.
نهضت من مكانها بسرعة، والدموع تهبط من عينيها محمد ظل صامتًا، يرفع كوب القهوة إلى شفتيه ببطء، وعينيه تتبعانها، الغضب ما زال بداخله، لكن كلماتها تركت شرخًا في يقينه.
منزل ماسة الثامنة مساءً
كانت ماسة تجلس في الصالة على الأريكة، ترتدي هودي واسع وبنطال، وقد رفعت شعرها في كعكة عالية، عيناها غارقتان في الحزن، تمسك بجهاز التحكم بيدها، تحدق في شاشة التلفاز لكن عقلها مشغول.
تفكر: إلى متى ستظل هاربة؟ أشهر مرت بلا جديد، وسليم... كيف له أن يسافر وهي مختفية؟ كيف لا يبحث عنها بجنون؟ حديث محمد معها اليوم زاد قلقها وحيرتها، هي واثقة أنها قادرة على حماية حياتهم، تراهن على حب سليم لها، لكن ربما أخطأت التقدير.
إن بقيت، فربما حديث محمد صحيح حتى لو بنسبة 1%، وإن ذهبت، فـإلى أين؟ ليس الجميع مثل مصطفى وعائلته، وهي لا تطيق أن تعيش عبء الهروب من جديد، لكن أكثر ما يحيرها: أين ذهب سليم في هذا التوقيت بالذات؟! الرجل الذي تعرفه كان من المفروض أن يقلب عليها الدنيا رأسًا على عقب بحثًا عنها.
قطع شرودها طرقات على الباب، ألتفتت بأستغراب، ثم نهضت لتفتح. كان الطارق هو إيهاب.
ماسة بإستغراب: إيهاب؟! فيه حاجة؟
إيهاب بإبتسامة: لا، مافيش بس ماجيتيش ليه؟ مختفية من إمبارح.
ماسة بتنهد: جيت من الشغل، تعبانة.
إيهاب وهو يهز رأسه: طب تعالي، أنا عايزك. هستناكي تحت.
ماسة بتوتر: فيه حاجة؟
إيهاب بلطف: هتعرفي تحت، ألبسي وأنا هستناكي.
أومأت برأسها. أغلق الباب ورحل. دخلت إلى غرفتها، ارتدت النقاب والعباية، ثم نزلت.
منزل مصطفى
دخلت ماسة من الباب المفتوح، أغلقت خلفها وهي تقول: السلام عليكم.
كان إيهاب يجلس أمام لابتوب، وبجواره مصطفى وعائشة ونبيلة جلست بعد أن خلعت النقاب والعباية ووضعتهم على جنب.
نبيلة بإبتسامة ساخرة: بتلبسيهم ليه وإنتي نازلة؟ خليكي كده.
ماسة: بخاف حد يشوفني.
مصطفى مؤكدًا: كدة أحسن يا ماما، علشان الكاميرات كمان.
نبيلة بحنان: ماجيتيش ليه النهاردة؟ دايمًا بتعدي عليا وتسأليني لو عايزة حاجة؟! خلاص بقى إيهاب رضي عنك تعالي
إيهاب ضاحك: هو أنا كنت عامل مشكلة للدرجة دي؟
عائشة بمزاح: وأكتر! الفترة إللي قلبت عليها فيها، ماكنتيش بتيجي غير بالعافية.
ماسة مبتسمة بخجل: والله لا، بس أنا كنت تعبانة النهاردة واحتجت أنام، علشان باخد مكان مروة واخدة أجازة.
مصطفى بحدة: بس أنا عرفت إنك قعدتي مع محمد. قالك حاجة؟ شكلك مش عاجبني مش حكاية تعبانة.
ماسة هزت رأسها: ماقاليش حاجة ضايقتني.
عائشة بفضول: قولي قولي وأنا هكلك قلبه.
ماسة بإبتسامة باهتة: لا تاكلي قلبه ولا كبده، كلام عادي، هو بس كان خايف عليكم وأنا مش متضايقة منه بس للحظة حسيت إن كلامه صح أنا نفسي مش ضامنة أحمي نفسي ولا أهلي فإزاي هقدر أحميكم، بس ورحمة بنتي انا ماهخلي دبوس حتى يأذي حد فيكم، وإحنا زي اتفقنا ماتقولوش إن إنتم عارفيني وكمان أنا ممكن أمشي يعني فكروا ثاني أي وقت هاتحسوا إن إنتم عايزيني أمشي، أنا مش هزعل متفقين.
نبيلة بحنان: بلاش الكلام ده إحنا اتفقنا يابنتي مالكيش دعوة بمحمد،ولا إللي بيقولوا محمد، إحنا معانا ربنا وإللي معاه ربنا ميخافش.
مصطفى متسائلا: وإيه شاغل تفكيرك تاني؟!
أخذت ماسة نفسًا عميقًا قالت بحيرة: إن سليم لسة مسافر ومختفي، سليم إللي أعرفه كان ممكن يفتح كل بيت في مصر علشان يلاقيني إزاي يسافر؟! وماما وأخواتي وبابا وحشوني جدًا، دخلت الفيس أشوف صورهم.. فرحت لما عرفت إن عمار قرا فاتحة، وإن سلوى نجحت واشتغلت على قد مافرحت بإستقرارهم، على قد ماوجعني بعدي عنهم موضوع الهروب ده بدأ يزهقني.
إيهاب بهدوء: بصي، سليم مش شخص عشوائي، عمره ما بياخد خطوة إلا وهو عارف بيعمل إيه؟! ومن كلامك، واضح إنه بيحبك حب هوسي، المفروض دلوقتي كان يقلب الدنيا عليكي، فسفره بالشكل ده غريب أنا معاكي فده، أنا شايف احتمالين: يا إما وصل لمعلومة عن الحادثة وراح يتأكد، يا إما بيعمل عملية.
ماسة بإعتراض قاطع: مستحيل يعمل عملية وأنا مش موجودة! هو يخاف يموت من غير مايشوفني. لازم أكون آخر عين يشوفها قبل ما يدخل العمليات، خصوصًا إن نسبة نجاح العملية مش كبيرة..
سكتت لحظة، ثم تمتمت: يمكن فعلًا يكون وصل لمعلومة.
مصطفى مهدئًا: يمكن، ويمكن لما أطمن عليكي الأول، وشافك بخير، قدر يسافر يعمل إللي وراه لإن إللي فهمته إنه ماسافرش غير لما شافك.
ماسة بحيرة: مش عارفة؟! سليم صعب حد يعرف بيفكر في إيه.
إيهاب بعقلانية: علشان كده، مش ينفع تاخدي أي خطوة دلوقتي، نستنى لحد مايرجع، وساعتها نقرر. لكن بالنسبة لأهلك، أنا جايبك علشان تكلميهم.
ماسة بدهشة: بجد؟ أقدر أكلمهم؟
إيهاب مبتسم: أيوة، هتكلميهم بجد.
ماسة بصدمة ممتزجة بالفرحة: إزاي؟
إيهاب: عادي، هنكلمهم من رقم متهكر،أنا مجهز كل حاجة. معاكي رقم حد منهم؟
ماسة بسعادة: آه، حافظة رقم سلوى، أرقامنا شبه بعض، أنا أخره81 وهي 83.
إيهاب وهو يمد لها الهاتف: تمام، أكتبيه لي.
أخذت الهاتف ويدها ترتجف من الفرحة: والله يا إيهاب مش عارفة أقولك إيه.ط شكراً بجد. مهما شكرتك مش هوفيك.
إيهاب بإبتسامة مطمئنة: ماتقوليش حاجة دي أبسط حاجة.
ماسة والدموع تلمع في عينيها: بسيطة إيه بس؟ إنت مش عارف هما وحشوني قد إيه.
سجلت الرقم وأعطته الهاتف.
ماسة بتردد: طب هكلمهم براحتى ولا ثلاث دقايق زي ما قلت قبل كده؟
إيهاب: لا، هاتتكلمي براحتك، بس نبهيهم هناك بلاش ذكر اسمك، يمكن يكون في كاميرات أو ميكروفونات. دي مش هقدر أهكرها دلوقتي.
ماسة بهدوء: حاضر.
جلس الجميع صامتين حول ماسة، وهي تمسك الهاتف بيد مرتجفة. قلبها يخفق بعنف، ودموعها تتلألأ في عينيها. ضغط إيهاب زر الاتصال ثم مد الهاتف نحوها.
جاءها صوت سلوى مترددًا التى كانت تجلس في الراسبشن مع عائلتها مع تبادل الصوره بينهم: ألو؟
حاولت ماسة أن تثبت صوتها رغم الارتجاف:
ألو سلوى، أنا ماسة بس أوعي تبيني إنك عرفتيني. يمكن سليم يكون حاطط ميكروفونات. كلميني كأني بنت خالتو هاله أي حد.
وسقط صوتها بالبكاء وهي تضيف: وحشتيني، إنتي عاملة إيه؟ طمنيني عليكِ.
سلوى بصوت مخنوق: وإنتي كمان وحشتيني أوي أوي، يا بنت خالتي، أنا بخير المهم إنتي طمنيني، إنتي كويسة؟
بكت ماسة وهي تحاول أن تطمئنهم: آه والله العظيم بخير، ماتقلقيش عليا طول ما أنتم بخير،
مسحت دموعها سريعًا: طب ماما فين؟ هاتيها.
سلوى وهي تحاول كتم نشيجها: أهي جنبي، استني.
نظرت سعديه لها وهي تقبط حاحبيها مين
سلوى بحركه شفايف ماسة بس متوضحيش
دق قلبها مسرعه وسحبت الهاتف من يدها
بينما الجميع هرعوا توقفوا بجانب سعدية بلهفه وشوق ودموع.
ثم جاء صوت سعدية مبحوحًا من البكاء: إنتي عاملة إيه يا حبيبتي؟ وحشتيني يا بنتي، طمنيني إنتي بخير؟
انفجرت ماسة دموعها بشوق ذبح فؤادها: آه يا ماما، الحمدلله، إخواتي وبابا كويسين جنبك.
أرتجف صوت سعدية وهي تقول بعد أن فتحت الميكرفون: كلهم جنبي، سامعينك دلوقتي.
وتقاطعت الأصوات من هناك، حتى سمعت ماسة صوت يوسف يصرخ: ماسة! ماسة! وحشتيني.
ثم جاء صوت عمار متماسكًا رغم دموعه: الحمد لله إني سامع صوتك يا بنت خالتي.
ضحكت ماسة وسط بكائها: إنتم كمان، وحشتوني كلكم فرحت إني أخيرا أطمنت عليكم وسمعت صوتكم، مبروك على الخطوبة.
تنحنح عمار بخجل: حقك عليا بس والله ما هعمل الخطوبة غير بيكي. أنا بس اتقدمت لها ولبستها خاتم.
ضحكت ماسة بدموعها: دي أحلى خطوة إنت عملتها. لازم تفرحوا أوعوا توقفوا حياتكم، أنا بطمن عليكم طول ما إنتم مبسوطين ومكملين في حياتكم، مبروك يا سوسكا على النجاح وعلى الشغل، أقسم بالله أنا فرحانة أوي، عايزاكم على طول تنزلوا صور وحاجات على الفيس عشان أنا بدخل عليها بشوفكم وبطمن.
نظر إيهاب إليها وأشار بشفتيه من دون صوت وهو يقول: هحاول أكلمكم من تاني بعدين، بس لما أعرف أتصرف.
أومأت ماسة له سريعًا، ثم عادت الحديث لعائلتها عبر الهاتف.
سلوى بحرقة: هستناكي يا بسمة، ها استناكي يا حبيبتي. خدي بالك من نفسك والله وحشتيني أوي نفسي أشوفك.
بكت ماسة: وأنا كمان..
لكنها فجاه نسيت كل شئ قالت بتلقائية:
قولولي بس سليم بيعمل لكم حاجة؟ عمل لكم حاجة بعد ما عرف إن أنا جيت سلمت عليكم، فيه أي مشكلة؟ ماتخبوش، أو حد من تبعه حتى رشدي، صافيناز فاهماني؟
تنفست سلوى بعمق: من آخر مرة سليم جه فيها بعد ماجيتي هنا، قال كلمتين من بتوعه وخلاص بس هو كان مختلف.
ماسة بإستغرابة يعني إيه كان مختلف دي فهميني أكتر.
سعدية بتوضيح: إللي هو لو حصل حاجة تاني قولوا أحسنلكم يعني ماهددش ولا بعت حد ولا عمل حاجة خالص ماكناش متوقعين منه كده عارفة كأنه رجع زي زمان يا
كادت تقول ماسة لكنها تلجلجت وقالت يا بسمة
عارفه حسيت كأنه حلاوة روح، وبعدين عرفنا إنه مسافر هو ومكي أما الباقيين، مانعرفش عنهم حاجة ومختفيين.
مسحت ماسة دموعها: الحمد لله. ربنا يبعدكم عن شره وعن أي حد تبعه. طب خليني أكلم بابا.
وبعد لحظات، جاءها صوت مجاهد مبحوحًا بالحزن:
إنتي قاعدة فين يا بنتي؟ قاعدة عند ناس كويسين؟
أجابت بصوت واثق تحاول طمأنته: آه يا بابا، والله قاعدة عند ناس كويسين جدًا طيبين اوي ادعلهم،
ماتقلقش، بس مش هينفع أقولك أي تفاصيل.
تنهد مجاهد بحرقة: يا حبيبتي، أنا مش عايز أعرف حاجة، كل إللي عايزة أطمن عليكي سامحيني يا بنتي أنا مش عارف أحميكي ولا أحمي إخواتك، إيدي قصيرة والله إنتي قطعة من قلبي وأنا شايفك بعيدة كده بس أعمل إيه؟
صرخت ماسة باكية: لا يا بابا بالله عليك ماتقولش كده! وجودك بالدنيا كلها أنا حاسة بيك وأوعوا تحسوا بالعجز أبدا.
أجاب بحرقة: أنا مكسور والله يا بنتي وأنا شايفك بعيد كده، وقاعدة عند ناس غريبة، لو جنبك أشكريهم لي. والله العظيم جميلهم ده فوق راسي،
خدي بالك من نفسك أبقي طمنينا عليكي وريحي قلبنا.
تنفست ماسة بمرارة: حاضر، أنا مضطرة أقفل يا بابا. هحاول أكلمكم تاني.
صمتت ماسة اللحظة وهي تقول بنبرة مكتومة: إنتوا طبعا كنتوا فاتحين الميكروفون وهو كدة عرف صح.
صرخت سعدية بقلق: فيه خطر عليكي؟
نظرت بعينيها لإيهاب الذي أومأ إيهاب برأسه نافيا.
فقالت ماسة بصوت مطمئن: لا مافيش حاجة إن شاء الله. حتى لو فيه، مش هيقدر يعمل حاجة ولا هيعرف يوصل لي، خدوا بالكم إنتم من نفسكم، مع السلامة.
وأغلقت الخط وهي تبكي، ظهر مصطفى بجوارها وقال بقلق: لو كان فيه ميكروفونات هناك، أكيد سمع المكالمة.
هز إيهاب وجهه بإيجاب؛ للأسف الشديد أنا مش هعرف أعمل أي تشفير لها، بس حتى لو سمع، مش هيعرف يوصل لينا، دي حاجة أنا متأكد منها إنما ممكن يهددهم.
نبيلة متسائلة: بس حتى لو هدد أهلها، مايعرفوش أي حاجه عننا مظبوط يا ماسة.
ماسة بتأكيد بين بكاءها: أيوة مايعرفوش أي حاجة ولا يعرفوا حتى مصطفى.
مصطفى وهو يفكر: مش معتقد إنه ممكن يهدد، والدتك بنفسها قالتلك إنه ماعملش أي حاجة خالص، ودي مش عادته بس لازم نحذر.
مسحت ماسة دموعها: مظبوط
وجهت ماسة نظراتها إلى إيهاب بإمتنان، وصوتها يرتجف قليلًا:شكرًا يا إيهاب، من قلبي بشكرك، أنا كنت محتاجة المكالمة دي أوي، ولا ألف شكر يوفيك حقك.
ابتسم إيهاب ابتسامة هادئة: الشكر بين الأخوات عيب، لو شكرتيني تاني هزعل، المرة الجاية، هخلي سلوى تعمل حركة صغيرة تشوش على الميكروفونات لو زرعوها، ذبذبة بسيطة تخليهم مايسمعوش حاجة.
أومأت ماسة بخفوت: إن شاء الله.
تدخلت نبيلة وهي تضحك بخفة: خلاص بقى، ارتاحي وأضحكي شوية.
اقتربت عائشة من ماسة، علّقت يدها بذراعها وقالت بمشاكسة: حضري نفسك من بكرة، هانلف على الفساتين مافيش أعذار.
ابتسمت ماسة على استحياء: أنا منمرالك على حتة فستان في سان ستيفانو، تحفة.
ردت عائشة بحماس: خلاص، نروح نشوفه.
نظر إيهاب إلى ماسة بعينين تملؤهما الريبة كان التوتر ظاهرًا في ملامحه،
وقال إيهاب وهو يميل بجسده للأمام: بقولك إيه يا ماسة هو إنتي قولتي إن رشدي ده بتاع بنات ومدمن؟
رفعت رأسها بخفة وأجابت بصوت منخفض: آه.
اقترب إيهاب أكثر، وعيناه تلمعان بالعزم: تعرفي الأكونت بتاعه؟
هزّت رأسها سريعًا: أيوه طبعًا.
مدّ إيهاب يده نحو اللاب توب الذي أمامه وازاحه نحوها قليلاً: طب ممكن تكتبيلي الإيميل بتاعه؟
اتسعت عيناها قالت باستغراب: ليه؟
أجاب إيهاب وهو يزفر بحدة: عايز أهكر اللاب توب بتاعته، أو أي جهاز يخصه.
رفعت ماسة يديها بتوتر، صوتها يرتعش: تهكر الأجهزة بتاعته ليه؟!
قال إيهاب بتوضيح: يمكن أوصل للفيديوهات دي مع إني متأكد إنه مستحيل يكون حاططهم على حاجة مفتوحة بس خلينا نجرب يمكن نلاقي أي دليل ضدهم أو حاجة نمسكها عليهم .
هزّت ماسة رأسها بعنف، وعينها تلمع بالخوف: لا! ماتعملش كده رشدي ده شخص مؤذي جدًا فوق ماتتخيل، أنا اللي حكيتهولك مش كل حاجة في تفاصيل ماعرفتش أقولها، دول ناس وحشة، ناس مؤذية، لو سمحت يا إيهاب ما تدخلش نفسك حتى لو وصلت لحاجة هتعمل بيها إيه؟
اقترب إيهاب أكثر، وعيناه تشتعلان: يبقى معانا حاجة في إيدنا ماسكينها عليهم.
ماسة برجاء، ودموعها تترقرق: تمسكها على سليم؟! طب ما كده إنت بتضرّه وأنا مستحيل أعمل كده، ممكن أصلًا الفيديوهات تبقى مش حقيقية، ومعمولة فوتوشوب وبعدين أنا مش مصدقة إن سليم ممكن يبقى قو"اد أو بيتاجر في الأعض"اء! أنا مش هضر سليم، الفيديوهات دي هتضر سليم وبس، وانا مش هعمل كده.
كان مصطفى صامتًا طوال النقاش، ثم تنحنح وقال بصوت هادئ: إحنا فكرنا ندخل على الأكونتات بتاعتهم كلهم لو قدرنا نوصل لأي معلومة تخصهم بعيد عن سليم نبقى واجهناهم بيها، هما اللي كانوا بيبتزوكي وبيخوفوكي احنا مفكرناش خالص في سليم احنا فكرنا نحميكي منهم هما.
صرخت ماسة وهي تلوّح بيديها في الهواء، وصوتها مزيج بين الخوف والغضب: يا سيدي لا! بالله عليكم متعملوش كده متدخلوش نفسكم في أي حاجة تخصني، كل اللي عايزة منكم تبقوا معايا، جنبي، لكن أكتر من كده لا، والله العظيم لو عملتوا حاجة أنا همشي!
التفتت إلى إيهاب، وعيناها دامعتان وصوتها متكسر:
إيهاب، عشان خاطري متعملش كده، الناس دي مؤذية، مبيأذوش غير اللي بتحبهم لو بتحب مامتك وأخواتك أوعى تدخل نفسك أرجوك،
ثم التفتت إلى نبيلة برجاء يكاد ينفطر له القلب:
ماما نبيلة، بالله عليكي لو بتحبي أولادك،متخليهمش يعملوا كده.
عمّ الصمت المكان لحظة، ثم قالت بصوت مبحوح وهي تنهض ببطء: أنا هطلع فوق محتاجة أنام.
شكراً مرة تانيه انك خلتنى اكلم اهلي بعد اذنكم.
نهضت ماسة وخرجت أغلقت ماسة الباب خلفها بعنف تاركة ورائها صمتًا ثقيلًا يخيّم على المكان ،
تبادلوا النظرات.
عائشة بحزن: مسكينه ربولها الخفيف.
قطعت نبيلة السكون بنبرة صارمة وعيناها تدور بين أولادها: إنتوا فعلًا ملكمش دعوة الناس دي خطر علينا.
رفع إيهاب كتفيه بلا مبالاة، وحاول يبرر وهو يلوّح بيده كأنه يتحدث عن شيء عادي: ولا خطر ولا حاجة يا أمي، ده أنا مجرد هخترق الأجهزة بتاعتهم عادي يعني، كأني بلعب مش هيعرفوا ولا هيحسوا خلينا نشوف كده لو نقدر نمسك حاجة عليهم، تحمي المسكينة دي و تمسكها في إيدها بدل ما تفضل عايشة في خوف ورعب كده.
تقدمت عائشة خطوة، وملامحها مترددة وهي ترفع يدها: بس أنا ما أعتقدش إن ناس بالجرم ده وشغالين مع المافيا، هيخبّوا حاجة على الأجهزة بتاعتهم هو إنت مش فاكر لما كانت بتحكي لنا القصة قالتلك إن سليم كان مخترقهم أساسا ومعرفش يمسك عليهم حاجه.
مصطفى بامل: اهو خلينا نجرب.
التفتت نبيلة إليه بسرعة، وجهها يعلوه الغضب والقلق: أنا مش عايزة أندم إني خليتكم تساعدوا البنت دي، هي مش هتبقى أغلى عندي منكم.
مدّت عائشة يدها نحوها تحاول تهدئتها: استهدي بالله يا ماما مصطفى وإيهاب عايزين يساعدوها بس.
قاطعتها نبيلة بعصبية ، وصوتها يرتجف من شدّة الخوف: يساعدوها بأي حاجة تانيه، بفلوس، يعيشوها هنا، يلاقوا لها شغل، لكن إنهم يحطوا نفسهم في خطر أنا مش هسمح بالكلام ده أنا مش مستغنيه عنكم.
مصطفى بهدوء: طيب أهدي يا ماما مش هتعمل حاجة خلاص
ثم التفت مصطفى لإيهاب وغمز له بعينه !
وعلى الجهة الأخرى، عند عائلة ماسة.
كان الحزن يملأ البيت. جلست سعدية تضرب على قدميها بحرقة وهي تردد:
يا حبيبتي يا بنتي، ربنا يحفظك في مكانك ويحنن قلوب الناس إللي عايشة معاهم يا رب، كان مستخبيلك كل ده فين يا بنتي؟ يرضي مين تعيشي وسط ناس ماتعرفيهمش ويطلعوا أحن من إللي كانوا حواليكي! وتفضلي حيرانة وهربانة وخايفة بعيد عن حضن أمك وأبوكي وإخواتك، الله يسامحك يا سليم ويهديك.
سلوى محاولة التماسك: بس شكلهم ناس محترمين.
تنهد مجاهد وهو يفكر بقل حيلة: هنعمل إيه يا سعدية؟ أروح أكلم الباشا؟
ردت سعدية بمرارة: هيعمل لنا إيه؟
أجابها مجاهد بضجر: يلم ابنه، هو مش ده كبيره؟
هزت سعدية رأسها بحسرة: سليم مالهوش كبير مافيش حد يقدر عليه.
تدخل مجاهد بإنفعال: إحنا مش عايزين حاجة، مش هما طول عمرهم مش طايقين البت ومش عايزينها؟ يطلقوها وناخدها نقعد في أي مكان يختاروه ويسيبونا في حالنا، نعيش زي زمان مع بعض نأكلها حاف، لكن الشحططة دي ليه؟ أنا قلبي واكلني على ماسة، ومكسور إني مش قادر أحمي ولادي ولا بنتي.
سعدية محاولة تهدئته: بكره تتعدل يا أبو عمار. وبعدين سليم، بقاله كم شهر مانعرفش عنه حاجة، وبعيد، وحاسة إنه عاقل كده.
تمتم يوسف وهو مطأطئ رأسه: يا رب.
عندها تدخل عمار بصوت هادئ: رشدي ممكن يساعد.
صرخت سلوى بخوف وهي تنتفض: لا! بالله عليكم، رشدي لأ ماتدخلوناش معاه، ده خطر.
نظرت سعدية إليها بإستفهام: ليه يا بنتي؟
أجابت بسرعة وصوتها متقطع: مش كويس، إنتم مش عارفين أنتم بتواجهوا إيه.
مجاهد وهو يحاول أن يوضح: هو جالي وقال ممكن يساعدنا.
قاطعه يوسف بحزم: رشدي بق على الفاضي، مابيعرفش يعمل حاجة، مش هيقدر على سليم، ده عزت باشا نفسه مايقدرش على سليم، نسيتوا ولا إيه؟ عموما... استنوا.
ثم أضاف بجدية قاطعة: القرار لماسة.
💞_______________بقلمي_ليلةعادل ◉‿◉
مجموعة الراوي الواحدة مساء
مكتب رشدي
جلس رشدي خلف مكتبه بلا اكتراث يقلب في هاتفه، شارد الذهن، حتى قطع شروده رنين الهاتف رفع السماعة، جاءه صوت شوقي، ذراعه الأيمن:
شوقي: إيه يا باشا، المهمة، رجعت بالسلامة رجالاتنا كلموني راحت قعدت في مكتبة كده في المعادي.
رشدي أعتدل قليلًا: الكلام ده من بدري؟
شوقي: لا يا باشا، لسه، هي دي المكتبة إللي بتروحها على طول.
رشدي بإبتسامة خفيفة: خلاص أنا جاي حالاً، لو خرجت أو حصل جديد، خلى الرجالة يكلمونا. لوحدها ولا مع حد؟
شوقي: لوحدها يا باشا، أخوها جابها ومشي.
أغلق رشدي الهاتف بسرعة، نهض من مكانه، وخطواته سريعة نحو سيارته، فتحها له شوقي، استقلها، وأنطلق، خلفه سيارة حراسة ما إن توقفت أمام المكتبة، حتى لمح رجاله يراقبون عن بعد، ألقى عليهم نظرة سريعة، ثم توجه للداخل.
في أحد مكاتب القاهرة الثانية مساءً.
صعد رشدي إلى الدور الثاني بخطوات متأنية، عينيه تبحثان بين الطاولات، لم يطل به الأمر حتى وقعت عيناه عليها، مي تجلس بهدوء، تركيزها كله في الكتاب بين يديها، ملامحها رصينة لا تعير أحدًا أي اهتمام.
بدأ رشدي يدور بين الرفوف كأنه يبحث عن شيء ما، ألتقط كتابًا لا يعرف حتى عنوانه، ظل يتظاهر بالتصفح قليلًا، ثم ألتفت... لتقع عيناه عليها مباشرة. ابتسم ابتسامة مصطنعة وأقترب.
رشدي متعجبًا: إيه ده؟ مي؟! إيه الصدفة دي؟
سحب مقعدًا وجلس بجانبها دون استئذان.
مي برود واستغراب ممزوج بجدية: هو أنا قلتلك أقعد؟
رشدي مبتسم مشوش: هو أنا لازم استأذن؟
مي: أها المفروض تقول لو سمحتي أقعد؟!
رشدي يضحك بخفة: بصي، عندي مشكلة في الحوار لو سمحتي ممكن أدخل؟! لو سمحتي اقعد؟ أنا مش متربى كده، برغم إن أمي فايزة هانم، يعني الأتيكيت والسكينة والشوكة والجو ده جوها، بس أنا الوحيد إللي طالع في إخواتي كدة، ما اتربتش.
نظرت مي له بعينين واسعتين، مختلطة بين الصدمة والابتسامة من صراحته أجابها على تلك النظرة.
رشدي بنبرة مازحه: أنا بقول لك الحقيقة مابتعاملش أنا مع الكلام ده.
مي بإبتسامة صغيرة برقة: معلش، تعلم عشان المرة الجاية ماكسفكش.
عقد رشدي حاجبيه: تقدري تقولي ليه مقعدش؟
مي بتهكم: أها طبعًا.
رشدي يضحك: خلاص يا ستي بالراحة، بس أول مرة أشوفك هنا، يعني إيه الصدفة دي؟ أصل أنا على طول هنا بعشق القراءة مافيش مكتبة في مصر ماعدتش عليها.
مي مستغربة: إيه ده؟ إزاي يعني؟ أنا باجي هنا على طول، يومين في الأسبوع، بس الكام يوم إللي فاتو ماجيتش، كان عندي امتحانات.
رشدي: أصل أنا بقرأ برة في الجنينة، يمكن علشان كده ماشفناش بعض قبل كده بس صدفة حلوة.
مي بإبتسامة بسيطة: آه ممكن.
رشدي يحاول يدير الحوار بدعابة: إيه الأخبار عندك؟ عاملة إيه؟
مي بقتضاب: الحمد لله؟
رشدي يحاول فتح حديث: بس ماخرجتيش مع زيزي ليه؟
مي وهى ترفع كتفيها: عادي يعني لازم أخرج معاها كل ما يخرجوا؟
رشدي يضحك: لا بس هما خرجوا كذا مرة وإنتي ماجيتيش.
مي بهدوء ورزانة: أصلهم مش التيب بتاعي، يعني حاسة إن هما من عالم وأنا من عالم، عارف إحساس لما أقعد مع حد مش شبهك؟! تحس إنك في المكان الغلط مع الناس الاغلط، هما لطاف الصراحة بس يعني ممكن أخرج معاهم مرة كدة لكن على طول لا.
رشدي يبتسم بخفة: فعلاً، دي حقيقة إنتي مختلفة عننا.
هزت رأسها بإبتسامة رقيقة داهم الصمت بينهما للحظات تابع رشدي متسائل يحاول أن يفتح حديث معها مرة أخرى: خلصتي امتحانات؟
مي رفعت عينيها من الكتاب: اها الحمدلله.
هز رشدي راسه بإيجاب وهو يفر أوراق الكتاب علقت مي قائله: حلو الكتاب إللي معاك ده؟!
رشدي يرفع الكتاب في إيده بشكل عشوائي: آه
لمح الأسم قال بسرعة: ده...
The Power of Now." القوة الآن
مي بإبتسامة واسعة: ! الكتاب ده عامل ضجة جامدة، بيتكلم عن انك تعيش اللحظة ،وإزاي تغير من طريقة تفكيرك السلبي لايجابي.
رشدي يحاول يخرج نفسه من الموقف: آه سمعت عنه برده، بس بصراحة لسه ماقرأتوش، أنا أول مرة أقراه ولسة جايبه حالا.
مي بإبتسامة بسيطة: تمام لما تخلصه قول لي، يشجع ولا لأ؟
رشدي يضحك بخفة: إن شاء الله، بس حقيقي شكله هيخلي دماغي شوية صاحية.
مي بهدوء: إنت بتحب تقرأ لمين؟ مين كاتبك المفضل؟
رشدي هو يمد وجهه: لكل حد وكل الناس وأي حد عنده فكرة ونصيحة مابركزش مع كاتب معين.
مي مدت وجهها بابتسامة: عظيم حلو ده.
وأثناء ذلك رنّ هاتفها، نظرت للشاشة كان شقيقها، التفتت وقالت: لحظة، هرد.
أشار لها رشدي بتهذب: اتفضلي.
مي: ألو... تمام، خلاص نازلة.
أغلقت الخط، ثم التفتت إلى رشدي بابتسامة خفيفة وهي تتوقف: آسفة... أخويا جه، همشي.
توقف رشدي بإبتسامة وداع هادئة: ولا يهمك، بس ماتجيبي رقمك؟
تسألت مي بتعجب: تاخد رقمي ليه؟
رشدي بخبث: علشان أقول لك الكتاب حلو ولا.
مي بإبتسامة: أنا باجي كل جمعة وأثنين، وأحيانًا الأربع، بس أساسي جمعة وأثنين، لو ماجيتش الأربعاء هشوفك يوم الجمعة... باي باي.
تحركت مي بينما ظل رشدي ينظر لها بإبتسامة، يضع يديه في جيوبه، يفكر تمتم: حلو ده، تقيل تقيل، بس هاتيجي برضه.
وضع يديه خلف راسه بإبتسامة ثم تحرك
💞_______________بقلمي_ليلةعادل。◕‿◕。
قصر الراوي
جناح فايزة وعزت، العاشرة مساءً
جلس عزت على الأريكة مرتديًا بيجامته، بينما كانت فايزة ترتدي قميص نوم وعليه روب طويل، تجلس إلى جواره بملامح مشدودة ونبرة تهديد واضحة.
عزت بضيق: دي كمان بتهدديني؟
فايزة بحدة: للأسف آه، هنعمل إيه بقى؟
رفع عزت حاجبيه بسخرية: كل ده منك إنتِ؟
فايزة ساخرة: كل ده مني أنا بس؟! إزاي يعني؟ حتى لو أنا عملت حاجة، إنت وافقت وسكت وخبيت ماتعملش عليا ملاك.
ثم تابعت ببرود: إحنا الأتنين مشتركين في نفس الأفعال، إنت كنت عايز المصلحة، عايز المجموعة تفضل واقفة، وقبلت بوجود ماسة مش علشانها، علشان سليم وقوته، صدقني لو ماكانش بالقوة دي، كنت دفنتها من زمان.
تنهد عزت وقال بثقل: لحد إمتى هفضل أقولك، أنا ماببصش للأمور بالشكل ده، إللي يهمني المصلحة وبس وبعدين أنا بحب أولادي، مادام أبني سعيد معاها خلاص، مش مهم أصلها، الفترة إللي بتتكلمي عنها دي سليم كان مذبذب، وإنتي بنفسك قلتي إنها السبب، دلوقتي لما رجع طبيعي الأمور اتحلت علشان كده سكت، لكن ما تنسيش إن فيه حاجات كتير وقفتكوا عنها، وعملت مشاكل كبيرة بسببها.
صمت للحظة بخزن قال:
وبرغم كده أنا متأكد إن سليم مش هايسامح.
اقتربت منه فايزة وقالت بجدية: عزت، مش وقت لوم ولا عتاب. لازم نفكر هنعمل إيه.
أطرق رأسه لحظة ثم رفع عينيه بحدة ودهاء: طول ماصافيناز معاها عماد، هي قادرة تتكلم وتهدد بس أنا هكسر سمها..
صمت للحظه ودقق النظر بها: قوليلي بقى، إنتي متأكدة إن مافيش حاجة مخبياها عني؟
ترددت فايزة قبل أن ترد: لا مفيش كل إللي عملناه إنت عارفه.
أمسك عزت ذقنه بتفكير عميق: لو ماكانتش بنتي كنت قتلتها بس لو فضلت على نفس الطريق هقتلها.
فايزة بصوت خافت تحاول إقناعه فهي لا تفعل ذلك من أجل عيون صافيناز بل لإنها تخاف على نفسها إذا اكتشفت الحقائق ستحترق: استنى شوية، ممكن نرجعها القصر، بس مش دلوقتي، ماينفعش نجازف طول ما الوصية متغيرتش وسليم أصلا مختفي ومش عارفين مكانه، هي كل إللي عايزاه دلوقتي ترجع القصر، خلاص نرجعها القصر ونخلي عينينا عليها، اسمعني أنا أعرف صافيناز كويس، خلينا نتقي جنونها، لحد رجوع سليم، وهي بعد كده كل تركيزها مع سليم
ثم تساءلت: ما حاولتش توصل لليلى تاني؟
عزت بإستهزاء: ليلى؟ اختفت إبنك خفاها هيظهرها وقت ما يحب، أنا نفسي أعرف بيعمل إيه؟!
لو ماكنتيش قلتيلي إن ماسة هربانة، كنت قلت بيعمل عملية بس مش هايجازف يعملها وهي مش موجودة.
فايزة بقلق: تفتكر يكون عرف حاجة عن الحادثة ماقالش لحد، إنت عارف إن فيه خونة، وكل مايقرب يوصل لحاجة تختفي من إيده.
عزت هز راسه بتردد: يجوز على العموم أنا بدور دلوقتي ورا عماد، وأول مامسك طرف خيط صافيناز مش هتساوي حاجة.
فايزة بترقب: وهتعمل إيه بعد ماديته كل حاجة؟
ضحك عزت ساخرًا، عيناه تلمعان بالدهاء: كل حاجة راحت لزيدان. فاكرة صرصار زي ده مش هعرف أخد منه حاجة؟ عماد فاكر نفسه يبقى، طاووس لكن الصرصار هايفضل صرصار، يتداس تحت الرجلين.
صمت لحظة ثم قال: أنا بفكر أشتري من الباطن أسهم صافيناز. أعمل ديل مع زيدان. وهو هيموت على صفقة البترول الجديدة هسبهالو
فايزة: وتفتكر كده كفاية؟
عزت بإبتسامة ماكرة: كفاية جدًا لو اديته الحماية والصفقة، هيحس إنه في أمان.
فايزة هزت رأسها بشك: مش هيبيع ابنه زيدان وأمال بيحبوا أولادهم جدا.
عزت بإبتسامة ثقة: بس هيبيع صافيناز.
فايزة بقلق: طب ولو قال لعماد؟!
عزت تبسم بمكر: يا ريت. عماد طماع وخبيث، هيقول له أعمل كده يا بابا وخد أمان الباشا،هايفتكروا إنهم بيلاعبوني بس الحقيقة إني أنا إللي بلاعبهم، عماد مش هيرضى يبان خائن، عشان أول ماصافيناز تقع، هايقول لي: أنا رجعتلك كل حاجة من وراها أنا مالي.
رفعت فايزة حاجبيها ببطء: وبعد ماتاخد منه كل حاجة؟ إنت بكدة هتكون رجعت الأملاك بس، لكن صافي وعماد لازم يتربوا على الإهانة والتهديد.
عزت بثقة: أول مامسك عليهم غلطة، هتشوفي أنا هعمل فيهم إيه؟! عماد ده متأكد عامل بلاوي من ورا صافيناز، ومخبي سر كبير السفر المتكرر بتاعه مش صدفة أكيد فيه واحدة، أو مصايب تانية.
فايزة بهمس: عندك حق أنا كمان حاسة إنه مش مخلص.
عزت تساءل: أخبار رشدي إيه؟
فايزة: زي ما هو سهر واستهتار مش هيعقل.
عزت بحسم: أنا لازم أعالج رشدي. مش هسيب ابني يبقى مدمن.
فايزة بهدوء: سألت الدكتور قال لي لازم هو إللي يكون عايز يتعالج وإلا العلاج مش هايجيب نتيجة.
عزت بعصبية: سيبك من كلام الدكاترة الفارغ، إبني عزت الراوي مش هيبقى مدمن مخدرات! هانجيبه بالعافية لو رفض هحبسه هنا وأعالجه بس نخلص من مصائب دي.
فايزة بعد صمت: أعمل إللي تشوفه صح خلاص يعني هنرجع صافيناز القصر؟
عزت بحسم: ها نرجعها بس على شروطي بس أصبري دلوقتي.
شعرت فايزة بإلاطمئنان قليلاً هزت راسها بإيجاب.
منزل مصطفى الثامنة مساءً
كانت الأجواء الاحتفالية بسيطة وهادئة، تتناغم مع صوت الأغاني المناسب للحظة فاليوم خطوبة عائشة. الحاضرين لم يكونوا كثير، بعض صديقات عائشة، وخالتها صباح وزوجها جمال، بالطبع. جلس محمد إلى جوارها، وإلى جانبه رجل وامرأة بدت ملامحهما كأنهما والده ووالدته؛ سمية وعبد الرحمن، وكانت ماسة حاضرة، ترتدي نقابها كعادتها. غاب عبد الحميد، والد عائشة، عن المشهد.
كانت ترتدي فستانها باللون البنفسجي البربري، وطرحتها البيضاء ومكياجها الهادئ أظهر عينيها الخضراوين بوضوح. محمد بدوره كان أنيقًا ببدلته، والسعادة تُرى على وجهه.، وقد علت البهجة وجوه الجميع، والزغاريد تملأ المكان.
بدأ العروسان رقصتهما الأولى ببطء، ثم تحركا معًا على أنغام الأغاني، بينما التصفيق يعلو، ومصطفى وإيهاب شاركا بالرقص مع الأصدقاء، فقد كان اليوم استثنائيًا بالنسبة لهما، يوم خطبة أختهما الوحيدة التي اعتبروها دومًا ليست مجرد أخت، بل ابنتهم وكل شيء بالنسبة لهم.
حين انتهت الرقصة، جلس محمد إلى جوار عائشة وهمس بإبتسامة صغيرة:شايفة كل ده؟
عائشة بخجل: آه
محمد: ولا حاجة من إللي حواليّا فارق معايا أنا مش شايف غيرك.
عائشة تضحك بخفة: إنت بتقول كده علشان الناس حواليك؟
محمد يهز رأسه: لأ بقول كده علشان دي الحقيقة.
هبطت عائشة عينيها لاسفل بتوتر: وأنا كمان حاسة إن النهاردة بداية جديدة ليا.
محمد بإبتسامة دافئة: البداية إللي كنت مستنيها من زمان.
بعد دقائق تقدمت والدة محمد، وقدمت الشبكة على صينية مزينة بدأ محمد بتلبيس عائشة، يضع الخواتم والذهب، والسعادة تغمر قلبه، كان ينتظر هذا اليوم منذ سنوات، وهي بدورها شعرت أن كل مخاوفها القديمة قد اختفت، وكأنها لم تكن موجودة يومًا.
في الزاوية، كانت ماسة واقفة، تصفق وتبتسم من خلف نقابها، سعادتها واضحة رغم أنها بعيدة.
بعد وقت وقفت ماسة بالشرفة تتأمل البحر ترفع نقابها، وعيونها تلمع بالدموع تتمنى لو كانت مع شقيقها عمار في مثل ذلك اليوم، تريد أن تستقر، لا تظل هاربة أكثر من ذلك.
بعد دقائق، أقترب مصطفى وهو يحمل طبقًا فيه قطع جاتوه، وقف إلى جانبها وقدّمه لها بيده:
مصطفى بمزاح: سرقتلك قطعة جاتوه قبل ما أصحاب عائشة ينسفوا البوفيه.
تبسمت ماسة وأخذت منه القطعة: تسلم إيدك.
ركز مصطفى نظره في ملامحها، ضاق عينيه قليلًا: ليه عيونك مدمعة؟
مسحت ماسة دمعتها بخفة: مافيش حاجة ده الهوا.
مصطفى، وهو يمد رأسه بقربها: هتخبي عني؟ افتكرتي عمار؟
زمت ماسة شفتيها بحزن وهي تتنهد: آاه كان نفسي أكون معاه يوم متقدم لأمنية، نفسي أكون وسط أهلي مش عارفة لحد إمتى هفضل بعيد؟! هفضل هربانة!؟ كأني مذنبة مش مجاني عليها.
أقترب مصطفى نحوها بخطوة نظر إليها بعينين دافئتين: أصبري شوية لما نشوف إيهاب هيعمل إيه؟!
مدّت ماسة وجهها بيأس: مش هنوصل لحاجة، أنا متأكدة إن رشدي مستحيل يسيب حاجة زي دي على اللاب توب بتاعه. وحتى لو معايا نسخ... هعمل بيها إيه؟!
سبق قولتك إن الفيديوهات دي هتأذي سليم، وأنا مستحيل أأذيه، وكمان... مش عايزة أدخّلكم في مشاكل.
مصطفى بهدوء وعقلانية: حاجة بالأهمية دي لازم تفضلي محتفظة بيها، يمكن يحصل أي ظرف وتحتاجيها، ولحد ما سليم يرجع من السفر نفكّر في حل. أصبري.
ارتسمت ابتسامة صغيرة حزينه على شفتي ماسة وهي تقول بمرارة هو أنا بعمل غير إني أصبر وأستنى وأشوف هيحصل إيه؟!
مصطفى متابعًا بعقلانية: وبعدين ليه مفكرتيش إن ده ممكن يكون سلاح ليكي قدّامهم؟! يعني لما تحكي له على اللي حصلك وتوريه الفيديوهات، لأنهم أكيد هينكروا.
ماسة بابتسامة محبة وثقة: سليم مش هيحتاج دليل... كفاية إني أقوله، هو بيصدقني علاقتنا أكبر من كده.
ثم أضافت برجاء خائف: مصطفى، وحياتي، بلاش... أنا مش عايزة أأذيكم.
ابتسم مصطفى ليطمئنها: ما تقلقيش.
فجأة ارتسمت ابتسامة واسعه على شفتيها وهي تقول: بس بجد فرحانة أوي.
مصطفى يبتسم برقة: وأنا كمان وأخيرًا عائشة اتغلبت على خوفها،خطوة مهمة جدًا إنها تقدم على موضوع الخطوبة.
ماسة، تنظر إليه بعينيها المتألقتين: ليه مافكرتوش تودوها دكتور نفسي؟
مد مصطفى، وجه نظره وهو يميل نحوها قليلًا بتفسير: هي رافضة ومقتنعة إنها صح، شايفة طبيعي جدًا إن الإنسان يخاف يرتبط ويتجوز، خصوصًا مع المشاكل إللي موجودة دلوقتي، قصص الناس حوالينا بتخلي أي حد يفقد الثقة..
صمت للحظة أضاف بنبرة بها تأثر قليلا وكأنه مقتنع بما يقول: وبينى وبينك، هي عندها حق، مافيش قصة ممكن تتسند عليها، حتى قصتي أنا إللي كانت ممكن تديها لو شوية أمل باظت، انفصالي عن ندى بعد قصه الحب إللي كانت بيني وبينها زادت التشوه إللي في عقل عائشة.
ماسة بإعتراض: لا أنا أخالفك في الرأي، أنا لما اتكلمت معاها وأديتها أمثلة ذكرتك إنت وإيهاب، وحتى سليم، قلت لها زي مافيه والدك والقصص إللي إنتي سمعتيها ومليتك باليأس، فيه ناس كويسة حتى لو قصتك فشلت بس ندى كانت السبب مش إنت.
مصطفى تنهد موضحا: هي خايفة أكتر من الرجالة، وإنتي عندك حق ندى السبب، بس لما كمان تشوف القصة الوحيدة إللي كانت ممكن تعطيها أمل، باظت كأنك رجعتي خطوات لورا، بس طلعتي شاطرة وعرفتي تقنعيها.
تبسمت ماسة برقة: أنا ماعملتش حاجة، أنا بس حاولت أفهمها إن طبيعي يكون فيه ناس سيئة زي مافيه ناس كويسة، حتى لو السيئين أكتر، الخير هيفضل موجود ليوم الدين
عدلت من وقفتها وحدقت فيه بتركيز، كأنها تريد أن تغرس الفكرة داخله كانت نبرتها موجوعة، فهي في الحقيقة تتحدث عن نفسها أكثر مما تتحدث عن عائشة قالت:
المهم إللي جاي، محمد لازم يثبت إنه يستحق الفرصة، وإنت لازم تفهمه ده، إنت صديقه وهيتقبل منك الكلام، فهمه إن هو أكيد هيواجه معاها شوية مشاكل، وأكيد مش هتتقبله بسهولة، وهيحصل تذبذبات، فلازم يكون عاقل وهو بيتعامل معاها، وبلاش العاطفة وجنون الكرامة والكبرياء يسيطروا عليه
ازدادت نبرتها وجعًا، وعيناها تترقرقان بالدموع: هي محتاجة تطمن، محتاجة تحس إن الراجل إللي معاها مهما عملت ومهما حصل هيفضل بالنسبالها الحضن الدافي، أمانها، وإنه عمره ماهايخذلها مهما حصلت ظروف، ومهما واجه صعوبات ومشاكل، هيفضل معاها..
رفعت عينيها نحوه تريد أن تثبت المعنى بنبرة أكثر ألما بوجع يعصف بقلبها: فهمه يا مصطفى إن الأمان أهم من الفلوس، أهم من إنه يجيب لها هدايا كل يوم، أهم بكتير من إنهم يقضوا أوقات رومانسية ويسافروا بلاد، شعورها بالأمان والإنتماء أهم من كنوز الدنيا كلها، فهمه، أنها مش محتاجة غير إن هي تطمن وبس، وصدقني هيكون كافي يخليها تعشقه وتفضل معاه وتتمسك بيه مهما حصل.
كان مصطفى صاغيا لها بشدة يفهم جيدًا ما تشعر به لقد كانت تفتقد الأمان وتفتقد ذلك الشعور بسبب مافعله سليم، وهذا ماجعلها في هذه الحالة.
تبسم إبتسامة هادئة قال لها مطمئنًا: أنا عارف يا ماسة، أكيد هتكلم معاه تاني في الموضوع ده، ماتقلقيش.
ثم ضيّق عينيه وتحدث بنبرة مازحة: بعدين كفاية نكد خلينا ننبسط، مش كل يوم لازم تعيشي على أغنية كتاب حياتي يا عين.
ضحكت ماسة بخجل: والله أنا شخصية فرفوشة بطبيعتي، بس الفترة دي معرفش ليه فعلًا متقمصة شخصية أستاذ حسن الأسمر في أغنية كتاب حياتي يا عين.
أنفجر مصطفى ضاحكًا: ما تتقمصي سعد الصغير، في فكهاني وبحب الفاكهة أحلى.
ابتسمت ماسة بعفوية: بس كده، عيوني باباااي حسن هاااالو سعود.
ضحك الأثنان معًا، واللحظة بينهما ازدادت خفة، وقف مصطفى دقيقة ينظر إلى عينيها الزرقاوين، وفيهما سحر خفي كانت النظرات صامتة، لكنها أوضح من أي كلمات أنكسر الصمت فجأة حين قاطعهم صوت ندى وهي تقتربت بإبتسامة:
ندى: مساء الخير.
ألتفت مصطفى بدهشة: إيه إللي جابك؟!
ماسة بنظرة رجاء: عشان خاطري، إنت وعدتني.
مصطفى بضجر: وعدتك بس مش النهاردة قلتلك، مجنونة!
ندى تحاول توضيح أمرها بتوتر: والله جاي أقول مبروك لعائشة مش قصدي أي حاجة.
ماسة، بإبتسامة خفيفة وهي تنزل النقاب: أنا هطلع بره.
نظرت ماسة إلى مصطفى بعينيها، كأنها تقول له: اتكلم معاها براحة؟
اقتربت ندى بخطوات بطيئة حتى وقفت بجانبه، متوترة، وقالت بصوت خافت:عامل إيه؟
مصطفى، وهو يشيح بوجهه عنها بنبرة جافة: بعدين نتكلم بعدين.
نظرت له، لكنه أكمل بحدة: النهاردة خطوبة أختي، مش عايز مزاجي يتعكر ولا عايز أتعصب ونعمل فضايح!
ندى بدهشة: فضايح؟
نظر مصطفى لها، قال بنبرة لازعة: آه، مستغربة ليه؟ إنتِ عندك قدرة تحرقي دم أي بني آدم وتخلي الطوب يتعصب، وأنا عارف نهاية الحوار بتاعنا، مش هنتكلم كأتنين عقلانيين كبار، إنتِ خليتيني شخص متعصب ديما، كل مابشوفك بيركبني عفاريت، إنتِ مش جاية تباركي لأختي صح؟
أشار بيده نحو الخارج: خلاص، روحي أقعدي معاها.
ندى بصوت مرتعش: إنت بقيت قاسي أوي.
مصطفى، وهو يبتعد عنها: خليكِ واقفة لوحدك.
تحرك تاركًا خلفه صدى حزن في خطواته.
كانت ماسة تقف قريبة، تسمع كل ما جرى، وأثناء خروج مصطفى ألتقت عيناه بعينيها وهي خلف درفة الشرفة.
نظر إليها بضجر وقال: مش هعرف أتكلم مش هعرف أحط كنترول.
ثم تركها وسار بين الحاضرين في الفرح دخلت ماسة نحو ندى، التي وقفت تبكي.
ماسة، وهي تضع يدها على كتفها بحنو: ماتزعليش ده شيء كان متوقع وبعدين مش اتفقنا إنك تيجي بعد بكرة تتكلمي معاه؟
ندى، بين دموعها: والله العظيم أنا شفت عائشة وهي عزمتني قلت أدخل أسلم عليه، إيه المشكلة؟
ماسة بحنان: خلاص بقى، ماتزعليش أمسحي دموعك.
ندى: إنتِ وعدتيني إننا هنتكلم.
ماسة بتفسير: هو وافق يسمعك، بس مش معناه إنكم ترجعوا فهماني؟ لكن دي خطوة حلوة، ماتضيعهاش وخليكي عاقلة.
ندى وهي تمسح دموعها قالت بغيرة:هو إنتو كنتوا بتعملوا إيه جوه بتضحكوا؟ بتضحكوا على إيه؟
ماسة بإبتسامة خفيفة:أصل أنا كنت زعلانة من جوزي، وهو بيقول لي كل شوية نكد "إنتِ نكدية"، فكيها.
ندى بشك: أيوه يعني إيه إللي يضحك في كده؟ هو قالك إيه تاني؟
ماسة تبسمت: ماقالش حاجة غير إللي أنا قلتلك عليها صدقيني.
ندى، بغيظ: يعني عايزة تفهميني دول بس؟ خليكي صريحة كنتوا بتضحكوا أوي.
ماسة، محاولة تهدئتها: آه يا ندى وانا حقيقي صريحه معاكي.
ندى: هحاول أصدق، بس شكلكم حلوين وإنتو واقفين سوا.
ماسة تحاول تهدئتها: أنا ومصطفى إخوات والله صدقيني أنا أخر واحدة ممكن تغيري منها.
ندى، بإنفعال: أنا لما بشوفه واقف مع ست بتجنن! بحس إني ممكن أي ست تاخده مني إنتِ شفتي مصطفى قد إيه طيب ومحترم؟ طريقته تخلي أي واحدة تحبه.
ماسة بعقلانية: المهم هو بيحب مين؟! ومخلص لمين؟!. صدقيني، لو راجل بيحب مراته، حتى لو واحدة وقفت قدامه عريانة وحاولت تغريه، مش هيشوفها عقله مش هيشوف غير مراته إنتِ مش واثقة فيه ولا إيه؟
ندى بسرعه: لا واثقة فيه، بس هو مش نبي، ده بني آدم طب قولي والله العظيم مفيش بينك وبينه حاجة.
ماسة، وهي تميل برأسها بأسف: لو حلفت هتصدقي.
ندى بلهفه:آه، أحلفي.
ماسة: أقسم بالله العظيم مافي بيني وبين مصطفى أي حاجة، وكان فعلاً بيقول لي بطلي نكد بتبقي زي أغنية كتاب حياتي يا عين.
ندى بتهديد: ليندا صدقيني لو طلعت بتكدبي عليا ماتعرفيش أنا ممكن أعمل فيكي إيه
ضحكت ماسة قالت بمزاح: لا أبوس إيدك أرحميني، أوعي تهدديني عشان أنا مهرية والله العظيم كفاية.
مش اخلص من هناك تطلعيلي هنا.
ندى بتهديد وجنون: أنا مش بهددك انا بفهمك أنا أي حد يفكر ياخد مني مصطفى أنا ممكن أقتله.
ماسة مدت وجهها: ده إنتي حالتك صعبة.
قالت كلمتها تلك وتحركت بعدها إلى الخارج، وصارت وهي تصفق مع البقية، حتى وقفت بجانب مصطفى وقالت له بصوت هادئ: أقسم بالله ضربة أخلع.
مصطفى بإبتسامة جانبية: مش عملتِ فيها جدعة.
قوللتك اشربي.
ماسة بطيبه: كنت فاكرة عقلت طلعت مافيش بس برضه هاتروح تقابلها، علشان أنا وعدتها وإنت وعدتني.
مصطفى تبسم: حاضر يا ستي.
في أحد الكافيهات المطلة على البحر، الرابعة مساءً
الجو هادئ، والموج يتلاعب برفق على الشاطئ القريب. جلست عائشة أمام محمد، هذه أول مرة يخرجان فيها سويًا بعد خطبتهما ليلة الأمس.
محمد مبتسم بعينين لامعتين: أنا فرحان أوي، أخيرًا أخيرًا مش مصدق مانمتش من إمبارح، من فرحتي لا من امبارح إيه ؟! أنا مانمتش من يوم ماقلتيلي موافقة وأنا مش قادرة أصدق كل شوية أبص للدبلة وأقول أخيرًا.
عائشة بإبتسامة: لااا خليك بعقلك أمال لما نتجوز هتعمل إيه؟
محمد يمد يده نحوها مطمئنًا: هيكون طار عقلي إنتي ماتعرفيش أنا بحبك إزاي وفرحتي بيكي ماتتوصفش.
دقق النظر داخل بحور عينيها بعشق صادق: عائشة أنا عارف مخاوفك والله، حاسس بيكي ماتخافيش هكون قد الثقة إللي اديتيهالي وقد الفرصة ده وعد ليكي.
عائشة بصوت منخفض يخرج من جرح قديم:
أنا آسفة يا محمد بس إنت فاهم حياتي، فاهم أنا فتحت عيني على إيه؟! أول راجل غدر بيا كان أبويا. ومن ساعتها وأنا مكسورة حاجة واحدة بس بتيجي في دماغي الأب إللي يهون عليه يكسر بنته ومراته، الغريب يعمل إيه؟ خاصة لما الراجل يحس إن مراته مالهاش ظهر ولا سند بيكسرها أكتر مافيش قصة توحد ربنا حوالينا تفتح النفس.
محمد يضغط على يدها بحنان: ده مايتقلش عليه راجل، من أساسه لإن الراجل عمره مايعمل كده في مراته وقصتنا هتفتح نفسك، هتبقى فاتح شهية كمان..
ضحكة معا وهو يضيف بمزاح: وبعدين إنتي مش لوحدك، معاكي أسدين في البيت، مصطفى وإيهاب إنتي مش عارفة مصطفى بيبقى عامل إزاي لما بيقلب؟
عائشة بعين دامعة:هما فعلا سندي والله العظيم أنا من غيرهم ماسواش حاجة.
محمد بعتاب:طب وأنا فين؟ كيس جوافة ؟ قولي كلمة واحدة إحنا النهاردة أول يوم لينا.
عائشة تبتسم في هدوء: إنت حبيبي وهتبقى جوزي وسندي، بس يعني، محتاجة أتأكد وأطمن.
محمد متلهف: عارف، وأنا هعرف إزاي أطمنك؟ قوليلي مين إللي أقنعك؟
عائشة وهي تحتسي العصير: والله كل الناس اتكلموا معايا، خالتو صباح، ماما، مصطفى، إيهاب كل واحد بيحاول يقنعني. بس ماسة كانت آخر واحدة كلمتني. يمكن كلامها هو إللي رجح القرار عندي.
محمد بضجر: ماسة؟
عائشه بغيظ: آها ماسة مع إنك عارف عملت معاها حركة حقيرة هي محكتش بس واضح اكيد قولتها كلمتين من بتوعك.
محمد موضحاً بنبرة قلقة: أنا بخاف عليكوا يا عائشة. ماسة دي وراها مصايب، وراها عصابات. إنتو إللي هتتأذوا.
هزت عائشة رأسها بهدوء وقالت بعقلانية: أنا متأكدة إننا مش هانتأذي، متأكدة إن ربنا هايكرمنا، البنت دي عاشت قسوة وخوف، ومالقيتش حد يمد لها إيده، اترمت في الشارع، اتغدر بيها من جوزها ومن أهله، أنا لما بشوفها بفتكر أمي لما سابت البيت لأبويا وستي ماوقفتش جنبها، إللي ساعدها وقتها جيرانها،
صدقني يا محمد الخير بيتعمل لربنا مش للعبد، حتى لو كلامك فيه نسبه صح، متأكدة ربنا عمره ماهيأذينا علشان إحنا وقفنا جنبها ولميناها من كلاب الشوارع، وحافظنا عليها، وإللي بيعمل خير ربنا عمره ما يأذيه، ربك ميرضاش بالظلم دي ست في ضيقه وطلبت مساعده حرام نخذلها ربنا بيكرم اللي بيستر الولايا.
مد محمد شفتيه بعدم معرفة: مش عارف مش قادر أطمن.
عائشة تنظر في عينيه بصدق: أنا مش هقولك تقبلها، او تتعامل معاها، بس سيبها في حالها، هي أصلا متدمرة ماتحطش على جرح القلب ملح بيقتل حرام الرحمه.
تبسم محمد بعد صمت قصير: سيبك إنتي، أنا مبسوط، قوليلي عايزة إيه؟ أجيبلك إيه؟
عائشة:مش عايزة حاجة غير إنك تخليني مطمنة، ومش خايفة.
محمد بإبتسامة حقيقية: بس كدة ده أسهل حاجة ربنا يخليكي ليا ويقدرني أسعدك.
,💞________________بقلمي_ليلةعادل 。◕‿◕。
فيلا صافيناز ، الثالثة مساءً
الحديقة.
الأطفال يركضون في كل مكان، الضحكات تختلط بأصوات الأقدام الصغيرة صافيناز تجلس على الأريكة، تهز قدميها بعصبية، والسيجارة تحترق بين أصابعها عيناها تترقبان شيئًا لا يأتي، والضيق يتراكم بداخلها.
صافيناز بضجر: زين مريم كفاية دوشة!
عماد وهو يجلس بجوارها، يقلب صفحات مجلة بهدوء: سيبيهم يلعبوا يا صافي، دول عيال.
صافيناز بعصبية، وصوتها متكسر: مش قادرة، دماغي هتنفجر من الدوشة.
عماد: يا ستي دول عيال، هايعملوا إيه غير اللعب؟
صافيناز بحدة: عيال إيه؟ دول كبروا على الهبل إللي بيعملوه ده!
يرفع عماد عينيه نحوها، متفحصًا: مالك إنتي؟ شكلك متضايقة.
صافيناز بنفَس مضطرب: مامي ماعملتش حاجة، رغم إني هددتها زي ماقلتلي.
عماد بإستهجان: أنا قلتلك اتكلمي معاها، ماقلتش تهدديها إنتي بقيتي مولعة طول الوقت يا صافي، مش عارفة تسيطري على نفسك وبعدين، متأكد الباشا هايرجعك أصبري.
فجأة، يندفع زين راكضًا ويصطدم بها، فينسكب العصير على فستانها.
صرخت صافيناز، عينيها تتقدان غضبًا: إنت غبي؟!
ترفع يدها وتصفعه بالقلم. يتراجع الولد مذهولًا، والدموع تلمع في عينيه بينما نظرت له مريم بخوف وبكت.
ينهض عماد بعنف، يمسك يدها بقوة: إنتي اتجننتي؟ صافي لا اوعي، ولادي خط أحمر!
يضم ابنه إلى صدره، يمسح دموعه ويهمس:ماتزعلش يا حبيبي مامي مش قصدها.
زين متلعثم بين شهقاته: أنا ماكنتش قاصد والله يا بابي...
عماد: عارف يا زين خلاص.
ثم ينادي: يلا يا مريم، أطلعي فوق إنتي وهو.
مريم بخوف: حاضر.
تظهر كندا لتأخذ الأطفال.
تحدق صافيناز في عماد بذهول: إنت بتزعقلي قدام الولاد؟!
عماد بغضب مكبوت: أيوه وهزعقلك تاني لو مديتي إيدك عليهم.
يقترب منها، صوته يعلو: إيه إللي خلاكي تضربيه؟
صافيناز ببرود مصطنع: هو إللي غلط.
عماد بتهكم: الولد ماعملش حاجة! خبطك غصب عنه وحتى لو قاصد ماتمديش إيدك دي الحاجة الوحيدة إللي لقيتي نفسك تعرفي فيها تقوليلهم صح وغلط؟! إنتي سايباهم طول النهار لكندا لدرجة إن الولاد متعلقين بيها أكتر منك.
صافيناز بحدة: بقولك إيه أنا مش فاضية للحنية بتاعتك دي أنا اتربيت كده، وهربيهم كده.
عماد يرمقها بغيظ: اتربيتي غلط.
صافيناز تسحب سيجارة وتشعلها بيد مرتعشة، تنفث دخانها ببرود: بقولك إيه إحنا محتاجين نفكر في حاجات أهم دلوقتي من الهبل إللي إنت بتتكلم فيه.
عماد يضرب المجلة بيده على الطاولة: تربية ولادنا مش هبل! إحنا بنعمل كل ده علشان خاطرهم علشان مستقبلهم.
ثم اقترب منها بعينين مشتعلة: صافيناز، أولادي لا أوعي أنا بخاطر بحياتي عشانهم علشان يعيشوا ملوك مش عبيد، ولادي خط أحمر مفهوم؟
صافيناز: ما هما ولادي أنا كمان.
عماد بتهكم: صح بس عمرك ماكنتي أم ليهم بقولك أنا همشي متعصب منك.
قال كلماته تلك وغادر بخطوات سريعة تظل صافيناز مكانها، تحدق في الفراغ، عيناها جامدتان، كأنها تخشى أن يراها أحد مهزومة تنتفض فجأة، تضرب الطاولة بقدميها بعنف، يتطاير الرماد من سيجارتها على الأرض لم تكن الأم البيولوجية لهم بالطبع. لكنها منذ وضعوا في بيتها، وهي لا تعرف كيف تتعامل معهم سنوات مضت، ولم يزهر في قلبها إحساس بالأمومة ربما لأنها لم تتذوقها يومًا، لم تعش الحنان ولا حضن الأم، فلم تستطع أن تمنحه أو ربما لأنها حقًا ليست أمهم، فبقيت بينهم غريبة، تتعامل بالقسوة بدل العطف، وبالصراخ بدل الحنان.
منزل مصطفى الخامسة مساءً
جلست ماسة وسط العائلة، وإلى جوارهم صباح خالتهم بينما كان إيهاب غائبًا عن الجلسة. الأجواء مليئة بالضحكات والأنس، خاصة أمام صباح.
وبعد دقائق، طرق الباب، نهض مصطفى ليفتح، فإذا بالطارق هو إيهاب.
مصطفى مبتسمًا: كويس إنك جيت، حماتك بتحبك. ماما وعائشه كانوا لسه بيحطوا الأكل على السفرة.
ضحك إيهاب وهو يدخل:أنا أصلاً ميت من الجوع.
اقترب من صباح وضمها قائلًا: إزيك يا خالتو؟ عاملة إيه؟
أجابته بفرح: إزيك يا حبيب خالتك وحشني
اضافت بعتاب حنون
فينك يا ابني؟ ما بنشوفكش غير مرة في السنة زي هلال رمضان، لولا خطوبه اختك ما كنتش شفتك، وقبلها كان بقالي ياما ماشفتكش يعني بعد ما جيتوا اسكندريه مانشوفكش برضه.
إيهاب مبتسم باعتذار: والله يا خالتي، تعبان في الشغل، لازم أثبت كفاءتي عشان آخد مكان كويس.
ابتسمت صباح: ربنا يعينك ويوفقك يا حبيبي.
ثم التفت إيهاب نحو ماسة: أخبارك إيه يا حور؟
فصباح تعرف القصة الاولى ولا تعرف القصة الحقيقية لذلك قال امامها حور.
أجابته بهدوء:الحمد لله تمام.
مد يده إلى جيبه وأخرج علبة صغيرة، ناولها للماسة وهو يقول: اتفضلي.
فتحتها ماسة فوجدت عقدًا من الصدف اللامع، فصاحت بإعجاب: ياااه، جميل أوي.
إيهاب وهو ينظر إلى ماسة: أول ما شفته قولت بس، ده لحور. عارف قد إيه بتضعف قدام الصدف.
ابتسمت ماسة بخجل: أنا فعلاً بموت فيهم، بس كلفت نفسك ليه؟
إيهاب بابتسامة: مفيش تكليف ولا حاجة، حاجة بسيطة.
ماسة برقه: شكرًا يا إيهاب.
في تلك اللحظة توقفت نبيلة عن ترتيب الطعام فجأة، وارتسمت على وجهها علامات ضيق، فالتقطت صباح النظرة ولاحظت انزعاجها.
نبيلة: يلا يا ولاد.
جلس الجميع إلى السفرة، وبدأوا في تناول الطعام.
قال إيهاب وهو يذوق الملوخية:
ـ الملوخية دي من إيدك يا حور، صح؟
أجابته بتوتر: أيوه، في مشكلة؟
ابتسم: بالعكس، تحفة. تسلم إيدك.
ظلوا يتبادلون الأحاديث والضحكات حتى انتهوا. وبعدها خرجت صباح مع نبيلة إلى الشرفة، تحملان الشاي بأيديهما.
صباح وهي تنظر إليها مباشرة متعجبه:في إيه يا نبيلة؟ مالُه إيهاب؟ بالبت حور، حتى في الخطوبه بتاعت عائشه ماشالش عينه من عليها، حتى مصطفى؟! مش واخدين بالهم إن حور متجوزة ولا إيه؟
تنهدت نبيلة بقلق: عارفين يا حبيبتي كل حاجة، بس قلبي مش مرتاح. اهتمامه مش طبيعي، حتى مصطفى هوكمان مش مرتاح له الاثنين شكلهم معجبين بيها.
صباح بنبرة جادة: بصي يا نبيلة، إحنا ساعدناها أيوه، والبنت غلبانة مقولناش حاجة؟! بس اللي متجوزة وهربانة من جوزها، وبتقولك جوزها ضابط أمن دولة؟! يا حبيبتي إحنا مش قدهم، وحتى لو راجل عادي، عيب وحرام، ست متجوزة. لما تبقى تطلق يبقى نشوف الكلام ده.
هزّت نبيلة رأسها بتردد: تطلق إيه؟ دي بتحب جوزها.
رفعت صباح حاجبها باستنكار: بتحب إزاي وهي هربانة منه وبتقول إنه بيضربها؟
سكتت نبيلة لبرهة، تذكرت ان صباح لا تعرف الحقيقة حاولت التوضيح: ساعات بتحسيها بتتكلم عنه كويس.
أجابت صباح بحزم: عادي، بنت أصول. شايلة الحلو والوحش مع بعض، بس يا نبيلة إحنا الاهم عندنا العيال، كلميهم وفوّقيهم. ومن رأيي وجودها هنا يقل شوية.
ترددت نبيلة ثم قالت مستسلمة: والله البنت كويسة ومؤدبه، ما بترفعش عينيها من الأرض، ولا عمرها عملت حركه كده ولا كده مع اي حد فيهم شهاده حق،
بس انت عندك حق يا صباح… كده مش هينفع ما ينفعش احط البنزين جنب النار وبعدين ارجع اعيط.
صباح رتبتت على كتف نبيلة: كلميهم وفوقيهم كدة مبنفعش يا حبيبتي ونصيحتي ما تخليهاش تيجي كتير بالاخص لما العيال يبقوا هنا، البت حلوه وعيالك كمان ما شاء الله عليهم.
نبيلة هزت رأسها: هعمل كدة.
القلج العاشرة مساءً
سيارة رشدي
هبط رشدي من سيارته في ذلك الشارع الذي رأيناه من قبل، لكن هذه المرة تحرّك نحو الباب الذي خرجت منه السيدة المجهولة سابقًا مد يده ليطرقه، فما إن لامست أصابعه الخشب حتى انفتح الباب ببطء، لتقف أمامه السيدة بابتسامة واسعة وهي تقول: رشدي بيه، إزيك يا ابني؟
وهنا اتضحت ملامحها؛ امرأة في أواخر الستينات من عمرها، وجهها محفور بالتجاعيد، والفقر مطبوع على ثيابها وهيئتها المنهكة جسدها الضئيل يختبئ خلف عباءة سوداء باهتة، كأنها صارت رفيقتها منذ أعوام طويلة.
ابتسم رشدي ابتسامة صغيرة وهو يرد: الحمد لله،
عاملة إيه يا..
يرجاء محدش ينسى يضغط على اللايك عشان؟تساعدوا الرواية تنجح يا فرولات
تفتكروا مين دي؟!وإيه إللي هايحصل في الحلقات الجاية؟!
إلى اللقاء في الحلقة القادمة من رواية الماسة المكسورة2
لاتلهكم القراءه عن الصلاه وذكر الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
❤️🌺🌹❤️🌺❤️🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹🛺🛺🛺🛺🛺
الصفحه الرئيسيه للروايات الجديده من هنا
جميع الروايات الحصريه والكامله من هنا
انضموا معنا علي قناتنا بها جميع الروايات على تليجرام من هنا
❤️🌺🌹❤️🌺❤️🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹🛺🛺🛺🛺🛺
تعليقات
إرسال تعليق