رواية وبقي منها حطام انثي تكملة الفصل السابع عشر والثامن عشر بقلم الكاتبه منال سالم حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات
![]() |
رواية وبقي منها حطام انثي تكملة الفصل السابع عشر والثامن عشر بقلم الكاتبه منال سالم حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات
الفصل السابع عشر الجزء الثاني
_ كانت في حجرتها تجوبها ذهاباً وإياباً وهي ممسكة بأحدى المذكرات الدراسية وتجاهد لحفظها عن طريق أستخدام أسلوب ( التسميع )..
كانت تعقص شعرها على شكل ( كعكة) بشكل غير مهندم ، فتركت بعد الخصلات تنسدل بصورة متمردة لتزيد من مظهرها العبثي ..
وأثناء حفظها شعرت بنفاذ طاقتها وإنحدار مستوى حماستها فألقت المذكرة أرضاً بصورة عنيفة ثم صرخت وهي تمسك برأسها :
اااااه ، دماغي هتنفجر ومش عارفة أحفظ .. دي مش ثانوية عامة دي زفت وقرف... مش ممكن كل ده في صفحتين ومش عارفة أحفظهم !!
زمت شفتيها لتضيف بإستهزاء :
-اللعنة على الثانوية واللي عملوها
_ ألقت بجسدها على الفراش ثم حركت ذراعيها في الهواء ، ومطت جسدها وهي تتأوه بخفوت .. وفجأة توقفت عن الحركة وحدقت أمامها بنقطة ما في الفراغ..
استقامت في جلستها سريعاً ثم خرجت من حجرتها راكضة وهي تبحث عن شئ ما ..
انطلقت لحجرة أخيها وضغطت على زر الإنارة ولكن خابت ظنونها ووجدت الحجرة خاوية ..
تملكها الحزن ، وأصيبت بالإحباط ..
كان مجرد وهم .. ليس هنا .. فقد تردد في أذنيها صوتاً ألفته منه .. وكأن عقلها توهم سماعه لصوت دندنات خافتة وألحان تشبه ألحان أخيها ...
تنهدت بإستياء ، وبدت أكثر عبوساً وهي تتأمل غرفته الخاوية ..
كل شيء مرتب في مكانه ، لكنها تخلو منه ..
بدت باردة قاسية .. تحمل الجفاء والغربة ..
أطرقت رأسها بضيق ثم ولجت للداخل وجلست فوق مقعده الخشبي ، تأملت حوائجه ومراجعه الدراسية التي تركها خلفه ثم أمسكت بإحداهم وأخذت تفر في أوراقه بلا إهتمام ..
هي تبحث عنه بين طيات الأوراق ..
أرادت أن تستشعر بقوة وجوده إلى جوارها ..
هي تفتقده بشدة ، تشتــاق إليه .. ترغب في إحتضانه واللهو معه كما اعتادت ..
التوى ثغرها بإبتسامة باهتة وهي تتذكر استفزازها له ..
تنهدت بعمق ، ولمعت عينيها قليلاً ..
همست بآسى :
-وحشتني !
وفجأة لمحت ورقة مدون عليها أسم '' إيثار '' بالإنجليزية وزهرة حمراء جافة الأوراق وهي تقلب بين الصفحات ..
انعقد ما بين حاجبيه بإستغراب ، ثم سريعاً تبدد هذا التعجب ، و ابتسمت ساخرة ..
كان أخاها عاشقاً متيماً .. قبل أن يتحول إلى ناقم لكل شيء له صــلة بالحب ..
أغلقت الكتاب بعنف ووضعته بمحله وهي تزفر بغضب واضح ..
_ نهضت عن مكانها ثم طالعت الحجرة بأعين مشتاقة يحتلها الحنين ، تشعر بمرارة الإفتقاد ..
ولكن ما يهون عليها ذلك هو اتصالاته المنتظمة بها وتواصله الدائم معها ..
وأثناء شرودها ، ولجت عمتها ميسرة إلى داخل الغرفة وهي تمرقها بنظرات اشفاق ..
بحثت عنها بحجرتها ولم تجدها فاستنبطت متيقنة بوجودها بغرفة الغائب وصدق حدسها ...
اقتربت منها ، ووضعت يدها على كتفها ، فإستدارت روان ناحيتها ، وهمست متساءلة بعذوبة :
- انتي بتعملي إي هنا ياروني ؟ بدور عليكي من بدري
أطلقت روان تنهيدة مطولة تحمل الكثير من المشاعر ، وأجابتها بمرح زائف وهي تكافح لمنع عبراتها من السقوط :
-جيت أدور على مالك اللئيم اللي كان بييجي بالليل ويدخل يخبي الشيكولاته مني قبل ما أخدها منه !
_ ضمتها ميسرة إلى صدرها ، وأبعدتها عنها قليلاً لترفع كفيها إلى وجهها ، ثم مسحت على وجنتيها بعاطفة أمومية وهي تردد
- ربنا يرجعه بالسلامة ياحبيبتي ، يلا تعالي أحكيلك اللي حصل
_ خرجت الاثنتين من الغرفة ، وبطبيعة الحــال الفضول دائماً ما يسيطر على روان حينما تتعلق المســألة بأمر جديد ..
لذا تساءلت بإهتمام گعادتها عن ماهية الحوار الذي تريد عمتها إخبارها به ..
جلستا بجوار بعضهما على الأريكة العريضة ثم بدأت ميسرة في سرد ما حدث معها في صباح هذا اليوم فأنصتت لها روان بتركيز .. ثم أضافت بجمود قليل :
- ام سارة قابلتني الصبح على السلم !
ضاقت نظرات روان حنقاً .. فهي مؤخراً باتت تبغض كل من له صلة بإيثار وعائلتها ..
استشعرت ميسرة ضيقها ، ولكنها أكملت بتهكم :
-وقال إي بتعزمني على فرح بنتها أول الشهر الجاي
تجهم وجه روان ، وصاحت بحنق بادي في نبرتها وهي تشيح ببصرها للجهة الأخرى :
- ان شالله يولعوا ملناش دعوة بيهم
أرجعت ميسرة ظهرها للخلف لتسترخي قليلاً ، وتابعت بإمتعاض :
-انا باركتلها وخلصنا
روان وهي تطرق رأسها أثناء تذكرها لما حدث لأخيها :
-ســـارة دي هي السبب في كل حاجة حصلت من الأول وأكيد ربنا هيخلص منها !
أغمضت ميسرة عينيها ، وهزت رأسها بحركة ثابتة وهي تقول بهدوء :
-ربنا يسهلهم كلهم بعيد عننا وكل واحد راح لحاله !!!
_ شردت روان لوهلة في أمر مــا ..
بدى غريباً في البداية أن تفكر فيه ، ولكنه - رغم ما حدث - غامضاً ويثير الريبة ..
ضاقت نظراتها ، واعتدلت في جلستها ، ثم حدقت في اتجاه عمتها ، وأردفت قائلة بإهتمام مفاجيء :
- عمتو مش واخدة بالك من حاجة؟
انتبهت لها ميسرة ، ورمشت بعينيها وهي تتابع متساءلة بجدية :
-حاجة إي؟
زادت حــدة نظراتها ، وأكملت بتفكير متعمق :
-احنا مشوفناش إيثار ولا جوزها المخفي ده من ساعة ما أتجوزو ، تفتكري مش بتيجي ليه؟!
حكت ميسرة مقدمة رأسها ، فهي لم تنتبه لتلك النقرة من قبل .. فقد مرت مــدة منذ أن رأت فيها إيثار .. وهذا الأمر يعد غريباً ، خاصة وأنها عروس جديد تشتاق لعائلتها ، ومن المتوقع أن تزور عائلتها بإستمرار ..
أخفضت نبرتها لتجيبها بإهتمام :
-تصدقي عندك حق !
أضافت روان متساءلة بجدية وفضول وهي تقطب جبينها :
تفتكري ليه؟! يعني إيثار عارفة ان مالك مسافر أكيد مش خايفة تقابله.. يبقى ليه بقى؟!
زفرت ميسرة بضيق .. فحـــال مالك تبدل بسبب فعلتها معه .. وتغير مســار حياته نتيجة ما حدث .. هي لا تريد نبش جراح الماضي حتى لا يتوغــر صدرها أكثر .. فنفضت عن عقلها تلك الأفكار ، وهتفت بصلابة وهي تشير بإصبعها :
-متفكريش فيها ولا في أهلها يابنتي، ويلا قومي كملي مذاكرتك عشان متتعطليش !
_ أومأت رأسها إيجاباً ثم نهضت بتثاقل عن الأريكة واتجهت إلى حجرتها ، بينما ظلت ميسرة في حالة من الوجوم قليلاً ثم نهضت لكي تستكمل ما تركته خلفها بالمطبخ ....
..................................................................
_مر ما يقرب من ثلاثة أسابيع على ذلك اليوم المؤلم .. لم يختلف الأمر كثيراً عنه .. ولكنها باتت مجبرة أن تحيا كل يوم في ذلك العذاب اللا محدود حتى باتت تتعايش معه مكرهـــة .. وكيف ستتصرف وهي بمفردها ، وحيدة ، عاجزة .. في منفى لا تعرفه ...
استسلمت بالكامل لهذا الواقع المؤلم الذي تعايشه .. وتقبلت نوعاً ما وجود ذلك الشيء الحيواني بحياتها ..
كم بغضت وجودها معه ، وكرهت نفسها من مجرد اقترابه منها ..
تمسكت بأمل أن حالها سيتبدل .. فهي ميقنة بأن الله نصير المظلمين ..
كذلك خفف عنها معاناتها المستمرة هذه السيدة الودودة التي حظيت بمعرفتها بهذه البلد الغريب ، كانتا دائما ما تجلسان سوياً ولتتسامر كلتاهما كثيراً ...
لمحات من الحزن كانت طافية في عيني إيثار رغم عدم بوحها بشيء ..
لكن مجرد أن تنظر فيهما تجد آلاماً تحتاج للتطيب .. وجراحاً تحتاج للشفاء ..
وفي يوما ما ..
جلست الاثنتين سوياً على طاولة المطبخ الدائرية الصغيرة تقطعان الخضراوات الطازجة تجهيزاً لوجبة الغداء ، فلاحظت أمل عليها الحزن والكآبة بصورة أكثر عما مضى..
تركت السكين من يدها ثم نطقت بنبرة عذبة وهي تتساءل بحنو :
-مالك ياإيثار؟! في حاجة شغلاكي
علقت إيثار أنظارها على قطع الخضروات وبلهجة خالية من الحياة أجابتها :
- أهلي وحشوني ، نفسي أشوفهم وأسمع صوتهم .. !
ثم رفعت عيناها بحذر نحوها ، وتوسلتها بخوف قليل :
-هو .. هو مينفعش تكلميه وتخليه يوديني أسكندرية ان شالله يوم واحد !
_ قبضت أمل على شفتيها بحنق ثم هزت رأسها نافية وهي تردد بإستياء :
-مش هيوافق انا عارفاه
_ زفرت إيثار أنفاسها المحتقنة بغيظ جلي ثم عاودت إستكمال ما تفعله حتى قطعت عليها امل تفكيرها وهي تردد بنبرة حماسية :
-بس انا ممكن أخليكي تكلميهم تطمني عليهم
عـــاد الأمل من جديد ليتراقص أمام عينيها الحزينتين ، فهتفت
بتلهف شديد وقد أنفرج ثغرها ببسمة واسعة لم ترها أمل عليها من قبل :
-بتكلمي جد؟!
أمل وهي تهز رأسها مؤكدة :
-طبعاً ياحبيبتي ، انا هحاول اتصرف وأجيب تليفون محسن وانتي اسبقيني على فوق !
_ نهضت إيثار عن مكانها بعجالة ثم مسحت كفيها بالمنشفة وأنطلقت للأعلى بصورة سريعة تكاد تشبه الركض ، هــا هي ستحظى بفرصــة للتواصل مع من تشتاقهم ..
كانوا بالأمس القريب أقرب إليها من روحها ، واليوم باتوا أبعد من خيالها ..
كم تشتاق لصوت أمها ، وخشونة نبرة ابيها وهو يوجهها .. وجدية اخيها عمرو وهو يعاتبها لخطأ صغير ..
أشياء صغيرة اعتادت فعلها ، لكنها كانت بأمن من هذا الجحيم المرير ...
خفق قلبها بقوة ، وتســـارعت أنفاسها متحمسة ..
وظلت تردد بين نفسها :
-يا رب ، يا رب ، يا رب
صعدت أمل بتوجس وخطوات حذرة لتدخل حجرتها .. فهو اليوم نائم فيها ..
طالعته بنظرت مطولة لتتأكد من انتظام انفاسه .. ثم حبست أنفاسها ، وتسللت على أطراف أصابع قدميها حتى لا تحدث صوتاً ..
اقتربت بحرص من خزانة الملابس ، وبترقب شديد فتحت الضلفة ، وأخذت تعبث في محتوياتها وأشيائه التي بها حتى وجدت هاتفه أسفل الثياب ..
فالتفتت برأسها لتتأكد من أنه مستغرق في سباته العميق ...
سحبت الهاتف المحمول بهدوء ، ودسته في جيبها النسائي ، ثم ولجت للخارج وهي تلتقط أنفاسها بإرتياح ..
لاح على ثغرها ابتسامة خفيفة .. فاليوم ستساعد تلك التعيسة لتحظى ببعض الراحة والسكينة ..
، وبخفة شديدة ذهبت لحجرة إيثار لتجدها تنتظر على أحر من الجمر وما أن وقعت عيني الأخيرة عليها حتى ركضت إليها ، ونظرت له دون أن تنطق ..
أخـــرجت أمل الهاتف من فتحة صــدر فستانها ، ومدت به يدها نحوها ، فسحبته هي منها ، وهتفت ممتنة وقد برقت عينيها :
مش عارفة أشكرك ازاي بجد !
-على ايه بس ، هستناكي برا أما تخلصي
قالتها أمل وهي تتجه صوب باب الغرفة ...
_ شرعت إيثار بتشغيل الهاتف ومن ثم بدأت بالضغط على أزراره لإجراء مكالمة هاتفية.. إن لم تكن الأهم على الإطلاق ..
....................................................
في هذه الأثناء كانت تحية تتابع أحد البرامج التليفزيونية الإخبارية فتفاجئت برنين هاتف رحيم ، فأمسكت به بعدم اهتمام ، ولكن سريعاً ما تحولت نظراتها للصدمة حينما دققت النظر في شاشته ، وقرأت اسم محسن على المكالمة فانتفضت في مكانها ، وبشكل لاإرادي قامت بالرد بتلهف :
- آآ.. الو
تنهدت إيثار بحرارة موجعة ، وهمست بمرارة رغم اجتهادها في اظهار فرحتها بسماعها لصوت أمها أخيراً :
-ماما حبيبتي وحشاني اوي !
قفز قلب تحية في صدرها وزقزق گعصفور وليد ، وهتفت بتلهف : بنتي ، ضنايا وحشتيني اوي اوي ياحبيبتي ، طمنيني عاملة اي وكنتي فين كل ده ؟!!
_ صمتت إيثار لوهلة .. فقد وقعت عينيها على أمل المرابطة أمام عتبة الباب ، وعيناها معلقتان بها ..
توجست خيفة منها ، وترددت أتحكي أمامها أم ماذا؟!
ولكنها في النهاية حسمت أمرها ، لا وقت لإضاعته ، هي حظيت بفرصة ربما لن تتكرر ..
لا مجال للتراجع ، على أهلها أن يعرفوا ما ألم بها ، وما تعانيه من تلك الزيجة البشعة ..
لذا قررت سرد ملخص وافي عما مرت به الأيام والليالي وما قاسته بسبب عائلتها فلن تتواجد فرصة آخرى گهذه .. أبتلعت ريقها بمرارة وهي تهتف بصعوبة :
اسمعيني كويس ياماما عشان معرفش هقدر اكلمك تاني ولا لأ !
اختنق صوتها وهي تكمل بأسف :
-انا اتبهدلت وطلع عيني بسبب بابا وعمرو واللي عملوه فيا .. محسن طلع ا ا.....
_ كانت الكلمات تقف على حافة لسانها وتأبى الخروج من شفتيها ، جاهدت للحديث وقد بدأت الدموع الحارة تنسال من عينيها بغزارة وهي تتابع :
-متجوز ياماما ، عارفة يعني ايه متجوز ، وأنا مش الأولى في حياته .. !
شهقت والدتها بصوت مسموع ، تكاد تجزم أنها شعرت بها تلطم بقوة على صدرها ..
نشج صوت إيثار وهي تكمل بصعوبة :
-و... وانا اتجوزني عشان يخلف مني وبس .. بهدلني وضربني وو و.. و..آآ.. و ... !
_ علت صوت شهقاتها المريرة وهي تسرد على والدتها مرارة ما جابهته بكنف زوجها ..
بكت تحية بصمت وقد عجز لسانها عن الرد .
. شعرت بآثامها هي الآخرى .. هي ملامة فيما فعلته بإبنتها ..
هي مشاركة في تلك الجريمة .. فصمتها الذي أمتهنته جعلها مذنبة بشدة ، فنطقت بصوت متحشرج :
-كل ده يابنتي!! انا كنت حاسة ان فيكي حاجة وقلبي مكدبش ، آآآه يا بنتي ، آآآآآه !
_ ولج رحيم خارج المرحاض فتفاجئ بزوجته تتحدث بنبرة باكية بهاتفه فاقترب منها وعلى وجهه علامات الاستفهام .. ولكن ما لبثت أن زالت حينما سمع اسم إبنته خلال حديثها المتشنج ...
فتحرك سريعاً نحوها ، واختطف الهاتف من يدها ليردد بعجالة :
-إيثار ، انتي فين يابنتي ، وكل ده كنتوا مختفيين ليه؟
أغمضت إيثار عينيها حسرة ، فقد استصعبت الحديث معه عقب ما فعله بحقها ..
ظنت أنها ستتمالك حينما تسمع صوته ، لكن نبرته ذكرتها بقراره المجحف في حقها ..
وبصعوبة واضحة أجابته : معرفش
لهثت وهي تكمل بنشيج :
-كل اللي اعرفه اني محبوسة هنا في بلد ريفية حتى أسمها معرفهوش !!!
لم تستطع التحمل أكثر من ذلك ..
أوشكت على الإنهيار ..
فصرخت بنبرة متشنجة :
-وانتوا السبب في اللي انا فيه ، انتو السبب ، رمتوني ليه !
تجهم وجه رحيم .. وبدى متخبطاً .. هل أخطأ في حق ابنته ؟ هل دفعها للجحيم بيده .. هو كأي أبى كان يسعى لتزويجها ممن يؤتمن عليها ..
كان يخشى عليها من القيل والقــال ، من الأقاويل التي تمس عرضها ..
هو لم يخطيء .. هو كان يحميها .. هكذا برر لنفسه ..
لكنه لم يعلم بعد تبعات قراره الظالم ..
يا الله كم بدى كالجلاد القاسي الذي لا يرحم حينما ينفذ حكم الإعدام على محكوميه ..
ضغط على شفتيه ليقول بحزم زائف :
-فين جوزك خليني اسأله ولا أتكلم معاه ؟
أجابته إيثار بضيق وهي تنظر لأمل مرة آخرى :
انا بكلمكوا من وراه !!!
-اييييه !!!
قالها رحيم بصدمــــة واضحة ...
..................................................
_ كانت الأجواء ساخنة وحارة بداخل الغرفة .. ولما لا فالصيف على المشارف ، والجو في تلك الأثناء يميل للإرتفاع ..
مما جعله لا يطيق النوم أكثر من ذلك
...
نهض محسن عن الفراش ثم حك فروة رأسه وهو يتثاءب وقرر النزول للأسفل للبحث عما يسد جوعه ، فمعدته بدأت تأن كأسد جائع ..
وعندما ولج خارج حجرته استمع لصوت همهمات مبهمة منبعثة من جهة الحجرة التابعة لإيثار ..
فضيق عينيه بترقب ثم أتجه ناحية الغرفة ...
وقف على بعد عدة خطوات ليتمكن من سماع ما يقال ..
وسريعاً ما تحول وجهه للإظلام ، ونظراته للشراسة ...
وبصورة مباغتة اقتحم الغرفة ليتفاجئ بها تتحدث بهاتفه ...
شهقت إيثار بهلع حينما رأته أمامه بهيئته التي لا تنذر بخير على الإطلاق ..
سقط الهاتف من يدها من هول المفاجأة ..
بينما عقد هو ما ببن حاجبيه ثم كز على أسنانه بشراسة وهو ينطق
:
-انتي بتعملي اي!! وجيبتي تليفوني منين !!
لم يختلف حــال أمل عنها ، ووضعت يدها على صدرها اللاهث وهي تدعو الله في نفسها ألا يتفاقم الأمر ...
ابتلعت إيثار ريقها بصعوبة ، وارتجفت نظراتها ، وتندى
جبينها بقطرات العرق ، وهمست بتلعثم خائف : آآ... انت......
انطلق نحوها ، وقبض على ساعدها بعنف ثم جذبها ليصرخ بها
بإهتياج :
انتي لسه ها تتهتهي .. ده انتي ليلتك سوده النهاردة
تدخلت أمل على الفور بعد أن رأت فيه علامات الخطر .. ووقفت حائلاً بينهما ، وهتفت بصوت عالي لعلها تردعه :
-يامحسن كانت بتطمن على اهلها فيها اي دي؟
لم ينظر محسن ناحيتها ، بل ظلت أنظاره الشيطانية المرعبة معلقة على إيثار ، ثم دفعها بعنف من كتفها للجانب لتسقط على الأرضية فتأوهت بصوت مرتفع في حين كان النصيب الأكبر من الإعتداء والعنف من حظ إيثار ..
انتابته ثورة هائجة ،وترك لنفسه العنان للبطش بها ..
حيث جذبها من خصلات شعرها بقوة ، ولفه على كفه ليحكم سيطرته عليها حتى شعرت وكأنه سيقتلعه من جذوره ، فزاد من تأوهاتها ..
وسدد لها صفعات متتالية على وجنيها بكفه الأخـــر ..
توسلت له أن يكف ..
لكنه لم يفعل ، بل زادت شراسته وعنفه ..
وكــال لها من اللكمات القوية في أنحاء متفرقة من جسدها ولم يهتم بصراخها وصوت بكائها على أثر الألم ...
انتفض والديها مذعورين على إثر صراخها العنيف ، وصوت الضربات كالسياط عليهما ...
كاد قلبيهما يخرج من ضلوعهم من هول الصاعقة التي تلقاها ، ظل والدها يصرخ وينادي باسمها عسى أن يسمعه ذلك المتوحش ولكن لا حياة لمن تنادي ..
ابنته تقتل على يد من أئتمنها عليها ..
_ جاهدت إيثار لتتخلص من قبضته ولكنها شعرت بالعجز الكامل ، ظلت تخدش قبضته القابضة على شعرها بشراسة حتى انفلتت ..
تدخلت أمــل لتمنعه من الاقتراب منها ، فأتاحت لها الفرصة لتهرب من أمامه ..
وخرجت تركض وهي تصرخ مستغيثة بمن ينجدها من بطشه العنيف ..
دفع هو أمل بقوة مفرطة وقد بات من الصعب السيطرة على جموحه العنيف فتبعها ليلحق بها وهو يطلق أبشع الألفاظ وأكثرها قبحاً ..
تعثرت في طريقها ، فأمسك بها من ثيابها وجذبها بقوة ولكنها رفضت الرضوخ والاستسلام وظلت تتلوى بين قبضتيه ، وتحاملت على نفسها ليفلتها حتى سقطت من أعلى الدرجات الخشبية التي تفصل الطابقين ...
_ فزع محسن عندما رأها تسقط وجسدها يدور بلا توقف على طـــول الدرجات ..
تسمر في مكانه يتابعها بذهـــول حتى توقف جسدها عن الدوران ، أصيبت رأسها وسال منها الدماء..
دنا منها مسرعاً وانحنى بجسده ليتفحصها ..
شعرت بيديه على جسدها المتآلم ، فصرخت بهيسترية ليبتعد عنها ..
لم تعد تطيق لمساته ، لم تعد تتحمل وجودها بقربه .. لقد انتهى كل شيء بالنسبة لها ..
ودت الموت لترتاح من عذابها معه ..
صرخت وصرخت وصرخت وهي تلوح بذراعيها في الهواء ..
أغمضت عينيها بقوة لتبعد صورته المخيفة عن أنظارها ..
آلماً مبرحاً يضرب أسفل بطنها ..
ورطوبة لزجة تنســاب من جسدها ..
حدق محسن مصعوقاً في تلك الدماء الدافئة التي تتدفق من بين ساقيها..
تلونت ثيابها بالدماء وشعرت كأن روحها تخرج منها ، واستسلمت بإرتياح لهذا الشعور ..
أخيراً سيستكين جسدها بعد ذلك العذاب المتواصل ..
جفل جسد محسن بقوة .. فالدماء غطت إيثار من أماكن متفرقة ..
نهض مسرعاً ليبحث عن '' أم فتحي '' ثم عاد بها مهرولاً لكي ترى ما أصابها ...
_ وعندما وقعت عينيها على الحالة التي بها تلك المسكينة شهقت بخوف ثم انحنت عليها لتتفحص ما أصابها ولكنها ابتعدت سريعاً ثم نطقت بلهجة مذعورة :
- دي لازمن تروح المستوصف على طول دي بتنزف !!
تسمر في مكانه ، وحدق بها بنظرات فارغة ..
لم يعد بإمكانه التفكير ..
وبات مرعوباً من تعرضه للمسائلة القانونية ، فهتف بهلع :
ها!! ط... طب أفرضي سألوا حصل اي؟
رمقته أم فتحي بنظرات مشمئزة ، وهزت رأسها بإستنكار وهي تقول :
- ماليش صالح اتصرف ، المهم توديها قبل ما تقطع النفس وتروح منك !
_بثت كلماتها الرعب بداخله أكثر ..
فما كان منه إلا الإنسياق وراء حديثها والذهاب بها إلى إحدى المستشفيات الصغيرة الموجودة بالبلدة ..
أصرت أمل على مرافقته رغم الآلام التي كانت تشعر بها على أثر سقوطها عقب دفعه لها من أجل تلك الفتاة المغلوبة على أمرها ...
_ لم تكف عن توبيخه وإلقاء اللوم عليه لما ارتكبه بحقها ..
حملته الذنب واللوم ..
لكنه لم يحرك ساكناً ..
بدى خائفاً على نفسه أكثر منها ..
أشفقت على تلك المسكينة التي لم تفعل شيئا قط ...
فقط قدرها قادها لهذا المعدوم الرأفة ..
أغاظها جموده ، فصرخت بإهتياج :
-ليه كل القسوة دي ، انا مش مصدقة نفسي ازاي مخدتش بالي من البنى ادم اللي عايشة معاه السنين دي كلها !!!!
استدار ناحيتها ، وكز على أسنانه قائلاً وهو يضرب حائط المشفى بقبضته :
-قولتلك مكنتش شايف قدامي ، وانتي السبب في كل ده
احتجت أمل بقسوة وهي ترمقه بنظرات مشتعلة :
- كمان هترمي اللوم عليا يامفتري ، ده انت ربنا هـ......
_ قطع حديثها صوت باب غرفة العمليات الذي انفتح فجأة ومرق منه الطبيب وهو ينزع الكمامة الطبية عن فمه ..
بدى وجهه عابساً جامداً ..
تحرك بثبات للخــارج ، فركض نحوه محسن وهتف بنبرة متلهفة
:
ها يادكتور!! هي.. اا كويسة؟
اقتربت أمل هي الأخرى من الطبيب ، وتساءلت بخوف حقيقي :
-من فضلك طمنا هي حالتها اي دلوقتي؟
هز الطبيب رأسه بأسف ، واجابهما بتجهم :
حالتها مش مسقرة بعد كمية النزيف اللي نزفته ، وخصوصا أن الحمل كات في أوله وكان لازملها راحة تامة !!!!!
تهللت أسارير محسن ، وتشكل على ثغره ابتسامة عريضة وهتف دون وعـــي :
-هه ، هي حامل!؟
رمقه الطبيب بنظرات مريبة ، وزادت علامات الوجوم على ملامحه ، ثم نطق ساخراً متهكماً :
- كانت حامل .. الحمل نزل مع الأسف الحمل نزل !!!
اتسعت مقلتيه في صدمة أكبر ..
واهتز قلبه فزعاً .. وانفرجت شفتيه في تحســـر آليم
وهتف بتلعثم : كــ.. كانت ..............................!!!
#الفصل_١٨ج١
الفصل الثامن عشر الجزء الأول
(( هَا قَدْ عُدتُ إِلَيكِ .. وَلَكِن خَالِية الْوِفَاض ..
لَا أَملُك إِلَا تَعَاسَتِي .. وَذِكرَى البِعَاد ..
أَلَا تَرفَقِي بِي مَدِينَتِي ، وَتُعِيدِي إليَّ حَبل الوِصَــــال ؟ ))
إنهار محسن جالساً على أقرب مقعد غير مصدق ما سمعه تواً..
لقد كانت زوجته إيثار حاملاً ..
هي حملت في أحشائها وريثه المرتقب .. وهو بغبائه وعنفه المفرط قتله بلا وعيٍ ..
ضرب رأسه بكفه عدة مرات ليصرخ من بين أسنانه :
-ليه .. ليه .. كان فين مخي ؟!
تابع الطبيب قائلا بجدية :
-الموضوع فيه شبه جنائية ، اﻹجهاض حصل نتيجة اعتداء ، ده غير أثار الكدمات الواضحة على وشها ، والتجمعات الدموعية عند آآ...
انتبه له محسن ، وسيطر سريعاً على حالته الهائجة ، وهتف مقاطعاً إياه بغلظة وعينيه تنطقان بالشرر الصريح :
-ده كان قضاء وقدر .. سامع يا دكتور .. قضاء وقدر !!!
استشعر الطبيب من لهجته العدائية وجود تهديد بين كلماته المتوارية ، فأطرق رأسه خوفاً منه ، خاصة أن قرأ في عينيه نية مبيتة لإيذائه .. لذا تنحنح بخشونة وهو يضع يده على فمه :
-أكيد .. ربنا يعوض عليك ، وألف سلامة على المدام !
ثم تركه وتحرك مبتعداً عنه ليكمل عمله ...
........................
وقفت أمل إلى جوار باب غرفة العمليات منتظرة بتلهف خروج تلك المسكينة التي فقدت شيئاً ثميناً تتمناه مثيلاتها في لحظة جنون وطيش من زوجها دون أن تدري بوجوده أصلاً ..
تحرك اثنين من الممرضين نحوها وهما يدفعان أمامهما ناقلة طبية ممدد عليها إيثار ..
فأسرعت هي نحوهما ، ونظرت إلى تلك الغائبة عن الوعي بإشفاق ، وهتفت بحزن وهي تطالعها بنظراتها المشفقة :
-إيثار ! ان شاء الله هاتبقي كويسة و...آآآ...
قاطعها الممرض قائلا بنبرة رسمية :
-حاسبي شوية يا ست
نظرت له بتوسل وهي تقول :
-أنا عاوزة اطمن عليها
رد عليها بجمود نسبي :
-هي هتتنقل على أوضة عادية ، وإنتي تقدري تشوفيها هناك
-ماشي
تركتهما ينصرفان بها ، واستدارت بجسدها ناحية محسن الذي بدى في حالة غريبة .. لم يظهر عليه الندم .. ولكن تشكل على وجهه تعابير الوجوم الصريحة ..
لم تتوقف عن رمقه بنظرات تحمل اللوم واﻹستهجان .. فكل ما تعانيه تلك البائسة نتيجة بطشه القاسي .. ورغم هذا لم تنبس ببنت شفة ..
.............................
على الجانب اﻷخر ، طرق عمرو بكفه بعصبية واضحة على سطح المكتب الخشبي القديم وهو يهدر منفعلاً :
-يعني ايه مالوش عنوان ؟
أجابه الموظف بهدوء مستفز وهو يغلق الملف القديم :
-مش متسجل عندنا حاجة !
صـــاح بها عمرو بإنفعال أشد :
-ازاي ؟! مش انتو شئون عاملين وكل التفاصيل بتاعة الناس اللي شغالة هنا المفروض تكون عندكم !
رد عليه الموظف بصوت جاف :
-ايوه .. بس المعظم بيغير عناوينهم .. ومش بيبلغنا ، فده مش ذنبنا يا أخ عمرو !!!
وضع عمرو يديه على رأسه ، وضغط عليها بقوة وهو يحدث نفسه بعصبية :
-طب هاوصله ازاي ؟
بدت عليه الحيرة واضحة ، فحاول الموظف مساعدته ، فبادر قائلاً :
-شوف يا أستاذ عمرو .. الأستاذ شعبان ممكن يدلك على عنوانه !
انتبه عمرو إلى ما قاله الأخير ، خاصة أن كلماته أضاءت بارقة الأمل لديه ..
قطب هو جبينه مهتماً ، وســـأله بتلهف :
-مين اﻷستاذ شعبان ده ؟
رد عليه الموظف بتفاخر :
-ده أقدم مننا كلنا ، ويعرف دبة النملة هنا .. فاحتمال كبير يكون عارف عنه أي حاجة تفيدك
تلاحقت أنفاس عمرو نوعاً ما بعد تلك الأخبار المبشرة ، فربما يكون هذا الشخص هو طرف الخيط الذي سيوصــله بمحسن ..
ســأله بنزق وهو يميل بجسده للأمام ليستند بكفيه على السطح الخشبي للمكتب :
-طب هو فين ؟
أجابه الموظف بهدوء :
-في أجازة ، وهيرجع على أول الاسبوع
ســأله عمرو دون تردد وقد ضاقت نظراته :
-طب مالوش موبايل ولا رقم أوصله
هز الموظف رأســـه نافياً وهو يجيبه :
-مش هايرد عليك .. بعيد عنك دماغه قفل من ناحية التكنولوجيا
نفخ عمرو بضيق ، فهو يعلم تلك النوعية من الأشخاص ( أو ما يطلق عليهم أعداء التكنولوجيا ) الذين ينبذون كل ما له علاقة بوسائل الإتصال الحديثة ..
ظل الموظف يتطلع إليه بنظرات مترقبة منتظراً ردة فعله القادمة .. فتنهد عمرو بإرهاق وهو يقول على مضض :
-ماشي .. بس الله يكرمك أول ما يجي بلغني ....!!
-بأمر الله
انصـــرف بعدها عمرو وهو يتمتم بكلمات مبهمة يلعن فيها عدم تريثه ، وربما سوء اختياره لذلك الشخص الغير مؤتمن على شقيقته ..
.............................
لم تكف تحية عن الاتصـــال بإبنها لتعرف أخر المستجدات منه عن ابنتها الصغيرة إيثار ..
ما آلمها أنها لم تقف إلى جوارها في أشد أوقاتها احتياجاً لها ..
تورمت عيناها من كثرة البكاء حسرة عليها ، ولم يتوقف لسانها عن التضرع للمولى لطمأنتها عليها .. خاصة وأن صوت صراخها الأخير وما تبعه من تهديدات عنيفة جعلها غير قادرة على الوقوف على قدميها ، فإنهارت تولول وتلطم بهلع جلي ..
بينما لم يتوقف رحيم عن محاولة التصرف بطريقته من أجل الوصــول إلى محسن .. لكنه كان عاجزاً في هذا البلد الغريب عن اتخاذ اللازم ، فغالبية معارفه مقيمون بالقاهرة .. ولم يردْ أن يدخل أخيه مدحت في تلك المسـألة حتى لا يثير الضجة أكثر .. لذا كان اعتماده الكلي على ولده عمرو ..
.................................
استعادت إيثار وعيها تدريجياً ، وفتحت عيناها ببطء لتتأمل المكان من حولها ..
ما أرهقها هو قوة الإضاءة التي تؤلم عينيها ..
أصدرت أنيناً مكتوماً وهي تحاول تحريك جسدها على الفراش ، فقد كانت هناك عدة وخزات حــادة تؤلمها في أماكن متفرقة ..
شعرت بيد ناعمة توضع على جبينها ، فرفع عيناها نحوها لتجد أمل تطالعها بنظرات حنونة ..
ابتسمت لها الأخيرة وهي تقول بخفوت :
-حمدلله على سلامتك
همست لها إيثار بصوت واهن وهي تنظر إليها :
-هو .. هو حصل ايه ؟
ضغطت أمل على شفتيها بقوة ، وأجابتها من بينهما بحزن :
-انتي .. انتي وقعتي ، وآآ.. والحمل بتاعك راح !
اتسعت عيناها بذهـــول ، وهمست بصوت متقطع :
-آآ.. حـ.. حمل
ابتلعت أمل ريقها ، وحاولت المحافظة على ابتسامتها المطمئنة وهي تتابع بحذر :
-إنتي .. كنتي حامل ، بس ربنا مأردش إنه ..آآ.. يكمل
هزت رأسها مستنكرة ، وبدأت العبرات تتجمع في مقلتيها .. وصرخت بصوت ضعيف عاجز :
-لأ.. لأ ..
اقتحم عقلها ومضـــات قاسية مما تعرضت له على يد محسن من ضربات عنيفة وإهانات لاذعة حتى لم تعد تشعر بشيء ..
تحركت يدها عفوياً على بطنها لتتحسسه ، فنظرت لها أمل بحزن واضح ، ومـــدت يدها لتضم كفها في راحتها ، وضغطت عليه بأصابعها وهي تقول بصوت شبه مختنق :
-شششش .. هاتتعوض يا حبيبتي ، اهدي بس !
نهج صـــدر إيثار علواً ، وتلاحقت أنفاسها وهي تصرخ في عدم تصديق :
-لألألأ .. !!
وجدت صعوبة في التنفس بصورة طبيعية وهي تتذكر صفعات محسن العنيفة عليها ، ضرباته القوية على جسدها الضعيف ..
آلمها بشدة أنها لم تستطع أن تنعم ولو للحظات بإحساس كونها ستصير أماً .. ففقدت ذلك الشعور على يده ..
قاومت أمل انهمـــار عبراتها أسفاً عليها .. وصاحت بتوجس من حالتها النفسية السيئة :
-اهدي يا ايثار ، إنتي ربنا بيحبك والله ، ورحمك من حاجات آآ....
لم تكمل عبارتها الأخيرة حيث قاطعها صوت محسن المستفز :
-حمدلله على السلامة يا حلوة
اشتعلت عيناي إيثار غضباً عند رؤيتها إياه .. وتحول وجهها لكتلة دموية حمراء رغم شحوبه ..
فمجرد وجود شخص مثله معها في نفس المكان يثير حنقها وانفعالها .. فهدرت بلا وعــي وهي تكز على أسنانها :
-آآ.. إنت
ابتسم لها بسماجة وهو يقترب منها ليقول :
-أنا مكونتش أعرف إنك حامل ، بس هانعوض يا قمر ، احنا لسه قدامنا آآ....
لم تتحمل إيثار طريقته المستفزة في الحديث وكأنه لم يرتكب جرماً شنيعاً في حقها .. فصرخت بإنفعال رغم آلامها :
-اطلع برا .. !!
دنا منها أكثر وهو يقول ببرود :
-حقك تزعلي مني ، بس أنا هاعوضك ، ده إنتي الحتة اللي في الشمال
توقفت لثانية لتلتقط أنفاسها قبل أن تتابع بشراسة رغم بحة صوتها :
- انت .. انت مش بني آدم ، انت حيوان .. حيـــوان !
قطب جبينه بإندهاش من وقاحتها الصادمة ، وعاتبها ببرود :
-الله ! الله ، الله ! ليه الغلط بس يا حبيبتي !
رأت أمل احتدام الأجواء الغاضبة بينهما ، فاتجهت نحو محسن ، ووضعت يدها على ذراعه، ودفعته للخلف وهي تقول بتوجس :
-امشي دلوقتي يا محسن
نظر لها بطرف عينه وهو يقول بغيظ :
-انتي مش شايفة لسانها الطويل ، وأنا بس ساكت عشان حالتها
رمقته أمل بنظرات نارية قبل أن تصرخ فيه بحنق :
-انت معندكش دم ولا احساس ، واحدة ضيعت حملها بغباءك ، عاوزها أول ما تشوفك تاخد بالأحضان
أطرق رأسه حرجاً من كلماتها ، وأخفض صوته ليقول بإمتعاض :
-مش كده ، بس آآ...
قاطعته أمل قائلة بإصرار :
-من غير بسبسة ، اتوكل على الله ، وبعد كده نتكلم
ثم دفعته من ظهره للأمام ليخرج من الغرفة ..
لم تتوقف إيثار عن الصراخ المصحوب بالنحيب والأنين .. ففاجعتها في نفسها أكبر من طاقتها على التحمل ..
هي خسرت روحها ، وقطعة منها ، وقبلها حبيبها .. وتجسد نصب عينيها ذكريات موجعة مع من حولها .. فساءت حالتها النفسية أكثر ، وزاد صراخها المرير .........
....................................
رتب مدحت حفلاً كبيراً ليعقد فيه قران ابنته ســــارة على الشاب الثري رامز ..
كانت مفاجأة لعائلة رحيم زواج ســارة السريع ، ولم يكن أمامهم سوى مباركة تلك الزيجة الغريبة التي لم يهتموا بمعرفة تفاصيلها كثيراً ، فهم مشغولون بما ألم بإيثار..
اتفق الطرفان على إنهاء كل شيء في أقرب وقت ، فلم يكن هناك داعٍ للإنتظار ، فلا يوجد منزل للزوجية للتريث من أجل انهائه ، ولا أثاث يلهثون وراء شراءه ، بالإضافة إلى حاجة رامز للسفر للخــــارج بصحبة عروسه في أقرب وقت متاح ...
انبهرت ســـــارة ( بالشبكة ) التي ابتاعها لها .. فقد كانت باهظة الثمن ، مغرية .. تخطف الألباب والأنظار .. وبالطبع كانت فرصتها الثمينة للتباهي أمام أقاربها ورفيقاتها ..
ودت لو كانت غريمتها إيثار متواجدة لتريها الفارق بينهما ، وتتفاخر بحظها الجيد الذي أوقعها مع ذلك العريس ( اللقطة ) والذي سيلبي لها كل أحلامها ...
وما إن انتهت مراسم الزواج والحفل البهيج حتى اصطحب رامز عروســـه في سيارة فاخرة ليقضوا ليلتهما المميزة في فندق شهير ، وبعدها يستعد كلاهما للذهاب إلى المطار لتبدء بعدها ســـارة في رحلة شهر عسلها الغامض ....
......................................
مـــــرت عدة أيام ، والأوضـــاع لم تتغير كثيراً لدى إيثار ، فحالتها النفسية في الحضيض ، ومع هذا اضطرت أن تعود بعد امتثالها للشفاء إلى المنزل الريفي .. ولكنها كانت أكثر شحوباً ، أكثر ذبولاً ، وأكثر فقداً للحياة ..
لم تتركها أمل للحظة ، وظلت باقية إلى جوارها لتهون عليها ما مرت به ..
مسحت على ظهرها وهي تقول بهدوء :
-ارتاحي يا إيثار ، وشوية وهاجيبلك تاكلي
أومــأت برأسها موافقة ، وتمددت على الفراش .. لكن قبل أن تسترخي عليه ، اقتحم عليها الغرفة محسن ليقول بجمود :
-نورتي بيتك يا عروسة ، هاسيبك تدلعي يومين ، لكن عاوزين نلم الشمل ونقرب الود بينا
رأت أمل في عيني إيثار نيران مستعرة ، فتوجست خيفة من إشتعال الحرب الكلامية بينهما .. وكانت على حق .. فقد صرخت إيثار بعنف في وجهه وهي تنهض عن الفراش :
-ده بعينك لو قربت مني تاني ، الموت أهون عليا من إني أسيبك تلمسني
رد عليها ببرود ليثير حنقها :
-مش بخطرك يا حلوة ، أنا متجوزك عشان أجيب منك عيال ، وأديني اطمنت وعرفت إن أرضك خصبة !
صرخت إيثار فيه بإهتياج جلي :
-أنا بأكرهك ، بأكرهك
رد عليها بنبرة باردة :
-محدش قالك حبيني
انفعلت بعصبية وهي تشير بيدها :
-اطلع برا ، مش عاوزة أشوفك
لم يتحمل محسن إهانتها ، فقبض على رأسها ، ولف شعرها على ذراعه ليلوي رأسها للأعلى ، وأمسك بقبضته الأخرى بذقنها ، واعتصرها بأصابعه القوية ، ورمقها بنظرات مخيفة ، ثم جز على أسنانه قائلاً بتهديد :
-طولة لسان مش عاوز ، أنا ايدي بتاكلني ، وشكلك مش بيجي غير بالضرب
تدخلت أمل على الفور لإبعاده عنه ، وكافحت لتحرر إيثار من قبضتيه وهي تقول بهلع :
-يا محسن ماينفعش اللي بتعمله ده
جذب هو إيثار من خصلاتها أكثر ، فصرخت متأوهة من الآلم ، وتوعدها بنبرة أعنف :
-مش هاسيبها إلا لما أربيها
توسلته أمل بإستجداء كبير :
-هاتموت في ايدك ، دي لسه قايمة من عيا
وبالفعل نجحت في إبعاده عنها ، وجاهدت لدفعه للخـــارج ، فإغتاظ مما تفعله زوجته الأولى ، وصاح بغل :
-هي هتسوق فيها ، بينها نسيت نفسها
ضغطت أمل على شفتيها لتقول بضيق :
-اصبر عليها شوية
خرج الاثنين من الغرفة ، فأوصدت الباب خلفهما ، فهتف محسن بحنق :
-دي مراتي
رمقته أمل بنظرات مشتعلة ، وهتفت محتجة وقد تحول وجهها للوجوم :
-وأنا مراتك زيها ولا نسيت
تنحنح بخشونة وهو يجيبها :
-لا منستش !
ثم فرك ذقنه بكفه وتابع :
-بس هي معوجة عليا ، وأنا جبت أخري معاها
استندت إيثار بظهرها لباب الغرفة بعد أن أوصدته من الداخل ، وبكت بحرقة حسرة على مصيرها البشع مع ذلك البغيض ..
ثم كفكفت عبراتها ، وحدقت أمامها في الفراغ .. ورددت بإصرار عجيب :
-أنا مش لازم أستنى هنا أكتر من كده ، لازم أهرب ، أيوه أنا هاهرب ...........................!!!
تابعووووووني
تكملة الفصل الثامن عشر والتاسع عشر من هنا
رواية زواج لدقائق معدودة كامله من هنا
رواية خيانة الوعد كامله من هنا
رواية الطفله والوحش كامله من هنا
رواية جحيم الغيره كامله من هنا
رواية مابين الضلوع كامله من هنا
رواية سيطرة ناعمه كامله من هنا
رواية يتيمه في قبضة صعيدي كامله من هنا
الروايات الكامله والحصريه بدون لينكات من هنا
إللي خلص القراءه يدخل هيلاقي كل الروايات اللي بيدور عليها من هنا 👇 ❤️ 👇
❤️🌺🌹❤️🌺❤️🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹🛺🛺🛺🛺🛺
الصفحه الرئيسيه للروايات الجديده من هنا
جميع الروايات الحصريه والكامله من هنا
انضموا معنا علي قناتنا بها جميع الروايات على تليجرام من هنا
❤️🌺🌹❤️🌺❤️🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹🛺🛺🛺🛺🛺
تعليقات
إرسال تعليق