رواية وبقي منها حطام انثي تكملة الفصل الثامن عشر والتاسع عشر بقلم الكاتبه منال سالم حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات
![]() |
رواية وبقي منها حطام انثي تكملة الفصل الثامن عشر والتاسع عشر بقلم الكاتبه منال سالم حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات
الفصل الثامن عشر الجزء الثاني
عــــاد الأستاذ شعبان إلى عمله ، فتفاجيء بذلك الشاب الذي يقف فوق رأســه ليسأله بإلحاح مريب عن محسن ..
رمقه شعبان بنظرات متفحصة ومتربصة قبل أن ينطق بصوت متحشرج :
-وانت بتسألني عنه ليه ؟
كز عمرو على أسنانه ليقول بنفاذ صبر :
-أنا أخو مراته ، ومش عارف أوصله
حرك شعبان أنفه للجانبين ، وأردف قائلاً ببرود :
-ممم .. باين في مشاكل عائلية بينكم ، وانت عاوز تدخلني بينكم ، الخلافات دي يا أستاذ مكانها البيوت مش هنا !
صـــاح به عمرو بنفاذ صبر :
-يا سيدي مافيش لا خلافات ولا غيره !
نهره شعبان بغلظة وهو يشير بإصبعه :
-متزعقش يا أستاذ
سيطر عمرو على أعصابه بصعوبة حتى لا ينفعل مجدداً .. ورسم ابتسامة سخيفة على ثغره وهو يقول بإمتعاض :
-حقك عليا !
ثم أخفض نبرة صوته ليقول بحزن حقيقي :
-بس أمي تعبانة ونفسها تشوف أختي ، ومحسن مسافر بقاله كتير ، وموبايله ضاع ومش عارف أوصله !
هز شعبان رأسه بتفهم وهو يردد :
-ألف سلامة على الحاجة
ســأله عمرو بتلهف :
-الله يسلمك ، ها ، عارف هو فين ؟
صمت شعبان لبرهة ليفكر فيما سيفعله .. بينما نظر له عمرو بترقب .. فأي معلومة سيبوح بها ذلك الكهل ستفيد في الوصول إلى شقيقته ، وعليه أن يكون أكثر حرصاً وتحكماً في انفعالاته ليصل إلى مبتغاه ...
حك شعبان صدغه بأظافره المتسخة ، ومسح على طرف شاربه ، ثم استطرد حديثه قائلاً بجدية :
-شوف يا سيدي اللي أنا فاكره ، إنه كان ليه بيت كده في حتة في الأرياف ، بس معرفش إن كان باعه ولا لسه ، أصل الموضوع ده أديله زمن وآآ...
قاطعه عمرو قائلاً بتلهف بعد أن استمع إلى ما فاله والذي كان يحمل بصيص الأمل :
-فينه البيت ده ؟
رد عليه شعبان بفتور وهو يمرر كفه على رأسه الصلعاء :
-هو أنا مش متذكر أوي ، بس كان آآ...
قاطعه عمرو مجدداً بإصرار :
-الله يكرمك افتكر ، دي مسألة حياة أوموت
ردد شعبان مع نفسه بأسلوب رتيب ليحث عقله على التذكر :
-فين البيت يا شعبان ، مكانه كان فين يا شعبان ؟ افتكر يا شعبان !
تابعه عمرو بنظرات مترقبة ، وتسارعت أنفاسه إلى حد ما وهو ينتظر رده ..
هتف شعبان فجــأة بحماس :
-ايوه ، افتكرت
وبالفعل حصل عمرو على عنوان المنزل الريفي ، وتعشم خيراً أن تكون أخته متواجدة هناك ...
لم يرد هو اخبار أبويه حتى لا يعلقهما بآمال زائفة ، سيذهب للتأكد بنفسه أولاً من وجودها ، ثم سيبلغهما لاحقاً ...
.................................
خططت إيثار للفرار من محبسها .. وعقدت العزم على عدم التراجع عما إنتوت فعله ..
ارتدت ( إسدال ) الصلاة على ثيابها الخارجية حتى لا تثير الريبة إن رأها أحدهم ..
وانتظرت انشغــال جميع من في المنزل بأعمالهم اليومية لتقدم على تنفيذ خطتها ...
،أصبحت فرصتها متاحة بذهاب محسن للإستلقاء في الغرفة الأخــرى ...
تريثت حتى سمعت صوته يعلو في النوم .. فتسللت بحذر نحو الدرج ..
ونزلت عليه وهي تتلفت حولها بحرص شديد ..
حبست أنفاسها وهي تقترب من باب المنزل الرئيسي ..
ثم بخطوة جريئة ولجت للخـــارج ..
كان كل شيء هادئاً .. فأكملت سيرها بحذر ..
وما إن ابتعدت عن البوابة الرئيسية ، حتى بدأت بالركض لتنجو ببدنها ..
استغلت ذكرياتها المقيتة مع محسن لتحث نفسها على الركض أكثر إن خــارت قواها فتفر للأبد منه ...
لم تشعر بعبراتها المنهمرة على وجنيها وهي تلهث .. ولم تتوقف للحظة لتلتقط أنفاسها ..
كل ما كان يدور في عقلها هو الهروب من جحيمه الذي ينتظرها إن تخاذلت .. لم تفكر في تعبها ، ولا في آلم ركبتيها .. المهم هو الفرار ..
..................................
في نفس التوقيت وصل عمرو إلى المكان المنشود ، وترجل من عربة القطار وهو يتلفت حوله بنظرات سريعة خاطفة ..
اعتصر قلبه حزناً على حــال أخته ، فهو من دفعها لتلك الهاوية بإصراره العنيد على تزويجها دون التحقق كفاية من زميله ..
كان المكان مختلفاً في طبيعته عن الحياة المدنية التي اعتاد عليها مع عائلته ، فشعر بمدى الفارق الواضح ...
تحرك خـــارج المحطة ، واستدار برأسه للجانبين ليبحث عمن يرشده إلى منزل محسن ..
وجد أحد الأشخاص البسطاء يجلس القرفصاء على الطريق ، فمـــال عليه ، وهمس له بكلمات غير واضحة ، فأشـــار له الرجل بيده للجانب وهو يجيبه ، فشكره عمرو ممتناً ، وأسرع في خطاه نحو أحد سيارات الأجرة ....
.....................................
وصلت إيثار إلى محطة القطار ، وبحثت بعينيها الخائفتين عن مكان حجز التذاكر .. وولجت للداخل وهي تلهث بصوت مسموع ..
تحاشت قدر الإمكان التحديق في أوجه المحيطين بها حتى لا يروا في أعينها نظرات الرعب ...
قرأت لافتة بيع التذاكر ، فأسرعت نحوها .. ومدت يدها القابضة على النقود إليه ، وهتفت بصوت لاهث :
-عاوزة أحجز تذكرة
رفع الموظف رأســـه لينظر إليها ، وســألها بجفاء :
-لفين يا ست ؟
أجابته دون تردد وهي محدقة فيه :
-اسكندرية
رد عليها بفتور وهو يعاود التحديق في الأوراق الموضوعة أمامه :
-مافيش مواعيد دلوقتي !
ارتجف جســد إيثار ، وعضت على شفتها السفلى بتوتر .. وخشيت أن يفشل مخططها ، فهداها تفكيرها للجوء إلى أي مكان أخـــر بعيد عن هنا حتى تفكر فيما ستفعله لاحقاً ، لذا هتفت بتلهف :
-طب .. طب أقرب ميعاد للقطر عشان يتحرك ؟
رفع الموظف عينيه نحوها ، وأجابها بإمتعاض :
-في طالع كمان نص ساعة على (( ...))
هتفت بجدية وهي تضع النقود أمامه :
-ماشي ، احجزلي مكان
-طيب .. القطر هيتحرك من رصيف 3 ، هو هناك على ايدك اليمين !
أعطاها الموظف تذكرتها ، فتناولتها منه ، وحدقت فيها بنظرات زائغة ، ثم طوتها ، وتحركت إلى حيث أشـــــار ...
...........................
ترجل عمرو من سيارة الأجرة على مقربة من منزل محسن .. وتفحصه بنظرات دقيقة ..
تلون وجهه بحمرة حانقة وهو يتخيل هيئة إيثار بعد إعتداء محسن عليها ..
هو قد علم من والدته بما صار معها ، وبالتالي توقع الأسوأ حينما يراها ..
قرر في نفسه ألا يتركها له ، سيصطحبها معه حتى لو استخدم العنف مع زوجها.. وسيترك المسائل القانونية لتحل لاحقاً ، ولكن عليه أولاً أن يأخذها معه ويعيدها إلى المنزل آمنة .. فهذا هو حقها عليه بعد تقصيره معها ..
لم يحتاج عمرو إلى قرع الجرس ليدخل إلى المنزل ، فقد كانت البوابة الرئيسية مفتوحة على مصرعيها ..
خطى إلى الداخل وهو يتلفت حوله ببطء ليدرس المكان جيداً ..
ولكن قطع تأمله صوت أم فتحي :
-انت مين يا جدع انت ؟
استدار برأسه نحوها ، وســألها بصوت متصلب :
-مش ده بيت محسن ؟
اقتربت منه أم فتحي ، وســألته مستفهمة :
-اه هو .. انت مين ؟
رمقها بنظرات قوية قبل أن يجيبها :
-أنا أخو مراته إيثار ، هو فين ؟
هللت أم فتحي بنبرة عالية :
-يا مراحب بأخو الست إيثار ، نورت المكان يا أستاذ
رد عليها بإيجاز :
-متشكر
تابعت هي قائلة بحماس :
-دي الست هاتفرح أوي لما تشوفك وخصوصا بعد ما حبلها نزل !
وقعت كلماتها كالصاعقة فوق رأسه ، وصــاح مدهوشاً وقد اتسعت مقلتيه :
-نعم
لم يتخيل أن تكون أخته حاملاً ، بل والأفظع أن تخسر جنينها قبل أن يرى النور دون أن يدري السبب ....
أكملت أم فتحي بحزن :
-عيني عليها رقدت في المشتشفا كام يوم ، بس هي رجعت تنور بيتها تاني ، تلاقيه هو اللي اتصل بيك عشان تفرحها وتاخد بخاطرها
كز هو على أسنانه بقوة محاولاً التحكم في غضبه ، وجاهد ليبدو طبيعياً في إنفعالاته أمامها .. وهتف بصعوبة :
-متشكر يا ست ، هو فينه ؟
أدارت رأسها للخلف وهي تجيبه :
-سي محسن أعد فوق !
ثم ســــارت للأمام ، وأشارت بيدها وهي تهتف بسعادة :
-اتفضل يا سي الأستاذ .. يا مرحب بيك ، المكان نـــوّر !
كور عمرو قبضة يده ، وضغط على أصابعه بقسوة ، وتوعد في نفسه بنبرة عدائية وهو يتحرك خلفها :
-وقعتك سودة معايا يا محسن لو أختى جرالها حاجة بسببك !!
........................................
جلست إيثار على المقعد الخاص بها بداخل عربة القطار غير مصدقة أنها أصبحت على متنه ، وأنها على وشك الرحيل من هنا ..
ارتعش جسدها من فرط التوتر ، وتجنبت الجلوس بجوار النافذة كي لا يراها محسن إن اكتشف هروبها من منزله ..
عضت على أناملها بخوف ، وزاغت أبصارها وهي تطالع بحذر أوجه الجالسين على مقربة منها ...
لم تفارقها ذكرياتها الموجعة ، وتجسدت بين الفنية والأخرى في مخيلتها لتزيد من هلعها ..
وبصعوبة بالغة قاومت رغبتها في البكاء ..
فالكل أســـاء إليها ، والكل تخلى عنها في أحلك أوقاتها وأكثرها احتياجاً..
أخفضت يدها لتضعها على بطنها .. فمازالت ذكرى خسارتها تؤلمها ..
هي لم تخضْ تجربة الحمل ، لكنها حزنت وبشدة لفقدان جزءٍ منها ..
انتبهت إلى صوت صــافرة القطــــار وهي تصدح في الأجواء ، فتصلبت في مقعدها ، وتشبثت أكثر بمسنديه .. وحبست أنفاسها مترقبة ..
بدأ القطار في التحرك رويداً رويداً ، ومع كل حركة كانت دقات قلبها تتسارع حتى باتت في سبق معه ..
تنفست الصعداء بإبتعاد القطار عن محطته السابقة ، فإرتخى جسدها المتشنج ، واسترخت إلى حد ما على مقعدها ..
..............................
تفاجئت أمــــل بدخـــول أم فتحي وبصحبتها ذلك الرجل الغريب ، فأسرعت بضبط حجاب رأسها ، وتساءلت بجدية وهي تنظر إليه بتفحص :
-ايوه ، انت عاوز مين ؟
اجابتها أم فتحي بدلاً منه :
-ده سي الأستاذ أخو الست إيثار
اتسعت حدقتي أمل في صدمة واضحة ، وفغرت فمها مشدوهة من رؤيته .. وهمست بتلعثم :
-آآ.. اخوها
ابتلعت ريقها بتوجسٍ ، وحاولت إستيعاب تلك الصدمة بسرعة لتتصرف بعقلانية دون أن تثير أي جلبة ، فوجهت أنظارها إلى أم فتحي ، وأردفت قائلة بهدوء :
-روحي إنتي يا أم فتحي ! أنا هارحب بالضيف
ردت عليها الأخيرة بتحمس :
-أوامرك يا ست أمل
ثم تحركت مبتعدة لتترك الاثنين بمفردهما ...
هـــدر عمرو بإنفعال وقد أظلم وجهه :
-أختي فين ؟
اقتربت منه أمل وهمست بإرتعاد وهي تضع يدها على فمها :
-ششش .. وطي صوتك
صـــاح بغضب وهو يلوح بيده في الهواء :
-مش هاوطي صوتي ومش هاهدى ، أنا جاي هنا عشان أختي !
توسلت له قائلة بخوف وهي تتلفت حولها :
-من فضلك ، محسن نايم ولو صحى ممكن يعمل مشاكل ، أنا هاخليك تشوف أختك بس اهدى !
لوح بذراعه بغضب وهو يصيح بشراسة :
-وأنا عاوزه يصحى ، خليه يقوم يكلمني اللي عامل راجل على أختي !
ارتعدت فرائصها ، وهمست بفزع :
-إنت .. إنت كده ناوي تأذي أختك !
رمقها عمرو بنظرات ساخطة قبل أن يسألها بقسوة :
-وإنتي أصلاً مين عشان تكلمي معايا ؟!
ابتلعت ريقها بتوجس ، فبدلاً من الزهو بكونها زوجة صاحب المنزل ، كانت تشعر بالخزي منه ، ترددت في اخباره بهويتها ، ولكن لا مفر من الهروب من إجابته ، لذا بصوت أسف ردت عليه :
-أنا .. أنا أمل ، مراته الأولى !
اتسعت مقلتيه مصدوماً ، وارتفع حاجبيه للأعلى في ذهــــول كبير ، فمحسن قد أبلغه عن وفاة زوجته ، فكيف تكون من الأحياء ، وهتف بعدم تصديق وهو ينظر لها متفحصاً :
-مين ؟ مراته ؟ إنتي .. إنتي مش كنتي ميتة ؟!!
هزت رأسها نافية ، وأجابت بتلعثم وقد تشكل الخزي على نظراتها :
-لأ .. هو .. هو كدب عليك ، أنا .. أنا آآ..
قاطعها مطلقاً سبة عنيفة :
-الواطي ابن الـ ****
لوحت بكفها نافية وهي تقول بصوت مختنق :
-أنا ماليش ذنب
أدرك عمرو أنها على صواب ، فما ذنب معاتبها أو حتى تعنيفها ، فصاحب الوزر الأقبح هو من ظن أنه رفيقه ، وخدعه ، وبدى هو كالساذج المغفل أمامه..
وبغضب أشــرس صاح بها :
-ناديلي على المحروس ، أنا كلامي مش معاكي ، مع البأف اللي سلمته أختي وجوزتهاله !
أشارت بأصابعها قائلة برجاء :
-يا أستاذ اسمعني
لم يمهلها الفرصـــة ، بل تحرك ركضاً في اتجاه الدرج ، وصعد عليه وهو يصرخ بإهتياج :
-يا محسن ، ايثار ، إنتي فين ؟
لحقت به وهي تتوسله:
-استنى هنا يا أستاذ
صــــــاح عمرو بنبرة اكثر جنوناً :
-إيثـــــــــــــار !!!!!
ووصل إلى الطابق العلوي ، وبدأ يبحث عن أخته في باقي أرجاء المنزل ...
.....................
أفاق محسن من نومـــه على صوت الصراخ الهادر الذي ينبعث من خارج غرفته ، وتثاءب وهو يصيح بتأفف :
-مين ابن الـ **** اللي بيزعق في بيتي ده ، وقعت أهله منيلة !
نهض عن الفراش ، وتحرك صوب الباب وعلى وجهه نذير شؤم ، ولكنه تفاجيء ببابه يُفتح مرة واحدة ليرى عمرو أمامه ، فحدق فيه مشدوهاً ..
تحولت نظرات عمرو للإحتقان الشديد ، وأسرع ليمسك بتلابيب محسن ، وهزه بعنف وهو يصرخ فيه بصوت مهتاج :
-عملت في اختي ايه يا بن الـ **** ؟!
حاول محسن إبعاد قبضتيه عنه بعد أن صدمته حركته المباغتة ، ورد عليه بصعوبة :
-الله ! الله ! جرى ايه يا عمرو ، إنت جاي تتهجم عليا في بيتي !
-ده أنا هاموتك !
قالها عمرو وهو ينهال باللكمات المتتالية على وجه محسن حتى رأى خيوط الدماء تتدفق من بين فكيه ومن أنفه ..
ثم أسقطه أرضاً ، وركله بعنف في معدته ، وتابع بحنق شديد :
-بقى تضحك عليا ، وتستغفلني ، وتخلني أجوزك اختي ، وانت طلعت واطي !
تأوه محسن من الآلم ، وقاوم قدر إستطاعته ضرباته الشرسة ، وتمكن من الإمساك بقدمه ليجذبه منها ، ثم طرحه أرضاً ، وجثى فوقه ليضربه هو الأخـــر ، وهدر بصوت غاضب :
-هو أنا ضربتك على ايدك ، ما إنت اللي مصدقت
دفعه عمرو من صدره بركلة عنيفة ، وصــــاح بجنون :
-صح ، أنا غلطت ، وجاي النهاردة عشان أصلح غلطي !
ســأله محسن بريبة وهو يعتدل في وقفته :
-قصدك ايه ؟
وقف عمرو قبالته ليلتقط أنفاسه ، وهدر بصوت جهوري :
-أنا هاخد اختي من هنا ، وهاطلقها منك
أشعلت كلماته الأخيرة الغضب في محسن ، فتوهجت عيناه ، وصرخ من بين أسنانه بعصبية :
-لا عندك ، اختك مش طالعة من بيتي إلا على جثتي ، دي مراتي ، وأنا حر في التصرف معاها !
رد عليه عمرو وهو ينقض عليه :
-مش هاسيبهالك
ثم تابع إعتدائه الشرس عليه ، ولم يترك فيه جزءاً إلا وقد ركله أو لكمه ...
لم يكن محسن بالشخص الهين الذي سيسقط من قوة الضربات ، بل قاوم حتى الرمق الأخير نوبة جنونه ..
وما إن تمكن عمرو من طرحه أرضاً حتى ركض إلى خـــارج الغرفة صارخاً بإهتياج :
-ايثـــــار ، انتي فين ؟
حاول محسن إمساكه ، وقبض على ذراعه ، وأعاق حركته وهو يقول :
-استنى ، مش سايبك !
لطمت أمل على صدغيها وهي تصيح بهلع :
-إلحق يا محسن ، إلحق !!!
انتبه لها الاثنين ، فأكملت بفزع وقد زاغت أبصارها :
-إيثار مش موجودة في أي حتة في البيت
صدم كلاهما مما قالته ، وحل الصمت لثوانٍ قبل أن يقطعه محسن صارخاً بجموح :
-انتي بتقولي ايه ؟
انفعل عمرو متساءلاً بحدة :
-اختي فين ؟
تلعثمت وهي تجيبهما بنبرة مرتجفة :
-بـ.. باين ..آآ.. إنها .. إنها هربت !
لم يقتنع عمرو بما قالته ، فقد ظن أنها خدعة مفتعلة منهما ، لذا لوح بذراعه بغضب وهو يقول :
-ده ملعوب عاملينوه عليا أنتو الاتنين !
هزت أمل رأسها نافية وهي تقول بخوف :
-لا والله ، هي فعلاً مش موجودة
أطبق محسن على عنق زوجته ، وضغط عليه بقسوة وهو يسألها بشراسة :
-عملتي ايه في البت يا ولية ؟
اختنق صوتها ، وجحظت عيناها من فرط الخوف ، وأجابته:
-مجتش جمبها يا محسن !
أرخى قبضته عنها ليمسك بطرف ذقنها ، واعتصره بقوة وهو يكمل بإهتياج :
-شكلك إنتي اللي هربتيها من هنا
هزت عيناها نافية ، وهمست بصوت متحشرج :
-مـ.. محصلش ، والله ما عملتها
صرخ فيه عمرو من الخلف بنبرة عدائية :
-قسماً بالله يا محسن لأندمك على كل لحظة أذيت فيها أختي ! ومش هاسيبك ، هاتدفع تمن اللي عملته في أختي غالي
التفت محسن برأسه نحوه ، ولم يفلت أمل من قبضته ، ورد عليه بتحدٍ سافر :
-هي مراتي ، وانت ملكش حكم عليها ، وهاجيبها تاني هنا إن شاء الله بحكم الطاعة !
هدر فيه عمرو بانفعال :
-مش هاتلحق لأني هاطلقها منك ، وإن حكمت هاتخلعك ، وأنا وإنت والمحاكم بينا ..!
ثم تركه واندفع نحو الدرج ليتجه بعدها إلى باب منزله ، ثم صفقه خلفه بعنف ..
.....................................
ترجلت إيثار من عربة القطـــار ، وســارت بخطوات سريعة نحو المخرج ..
بحثت بعينيها عن وسيلة مواصلات تقلها إلى محافظة الإسكندرية ، خاصة أن المسافة لم تكن بعيدة ..
فوجدت منطقة خاصة بالحافلات ، فحجزت مقعداً لها في الخلف بعد أن استقلت إحداهن ...
استندت بيدها على النافذة ، وظلت محدقة في الطريق أمامها ..
لمعت عيناها وهي تقاوم سيل ذكرياتها المريرة ..
بحثت في طيات عقلها عن أي ذكرى سعيدة لتهون بها على نفسها ، لكن للأسف .. لم تجد ..
ظلت خلال رحلة عودتها شــــاردة ، صامتة ، في حالة وجوم واضحة حتى توقفت الحافلة في الإسكندرية .. فردت إليها روحها ..
تفقدت المال المتبقي معها لتستقل أخـــر وسيلة مواصلات لتعود إلى منزلها ..
....................................
رفعت تحية جبهتها عن سجادة الصلاة ، وتهدل كتفيها في خزي ، ثم حدقت في السماء ببصرها ، وتضرعت للمولى قائلة بخشوع وهي تبكي :
-رجعالي يا رب ، احفظهالي من كل سوء ، يا رب ، أنا أمتك الغلبانة ، ماليش غيرك يا رب أشكيله ، نجيها من الهم اللي هي فيه ، ردهالي سالمة غانمة ، يا رب ، إنت السميع البصير .. يا مجيب الدعوات قرب البعيد يا رب ..!
قاطع دعائها الباكي صوت قرع الجرس ، فالتفتت برأسها للخلف ، وشعرت بخفقان قوي في قلبها ..
استشعرت بروحها أن المولى قد أجاب دعائها ، فنهضت على عجالة من مكانها ، وركضت مسرعة نحوه ...
بيدٍ مرتعشة أدارت المقبض ، وفتحته لتجد صغيرتها أمامها ..
شهقت مصدومة من رؤيتها على تلك الحالة المفزعة ..
وهتفت بعدم تصديق :
-بنتي ، إيثار !
ثم ألقت بجسدها نحوها لتحتضنها وتضمها إلى صدرها بقوة ، وتابعت بنحيب :
-يـــــاه يا بنتي ! آه يا ضنايا !
استكان جســـد إيثار في أحضـــان أمها ، وشعرت أنها وجدت الملجأ من كل الشرور المحيطة بها في صدرها الحنون .. فاستسلمت لشعورها بالأمان ، وفقدت وعيها بين ذراعيها ..
................................
عودة للوقت الحالي ،،،
فتحت إيثار عينيها الذابلتين فجأة لتأتي بحجابها الذي تطاير عن رأسها للوراء علي أثر الهواء ، ثم استنشقت رائحة البحر ليتخلل صدرها ، وزفرته على مهلٍ وهي تتنهد بعمق ..
توجهت نحو المقعد الممتد الطول ثم جلست عليه واضعة نظارتها الشمسية على عينيها لتحجب عنها ضوء الشمس ، فقد بات ذلك الضوء بمثابة ذكرى مؤلمة نبشت بصندوق ذكرياتها الموجعة ...
هـــا قد تذكرت ما مرت به خلال الثلاث أعوام المنصرمــــة ..
أوجـــاع تلتها أوجـــاع .. وذكريات تبعتها أخرى أضنت قلبها وعقلها ..
تركت لهواء البحر مهمة تجفيف عبراتها المتجمدة ، وأخذت تتنفس بعمق لتسيطر على نفسها الهائجة كموج البحر الذي تطالعه ..
نعم تبدل حالها ، وتغيرت ظروفها ، وأصبحت الآن امرأة أخـــرى غير تلك الصغيرة التي قاست على أيدي الأقرب إليها ...
وبتثاقل مصحوب بالإرهـــاق ، نهضت من مكانها لتعود من جديد لتكمل خطواتها .. فلم تعد لديها رغبة في البكاء على الأطلال أكثر من هذا، لقد انتهى عصر الأحزان .. وبدأ عهد الآمــال ..
انتهى شتاء عاصف من حياتها ، وصيف مثير على وشك البدء في القادم من عمرها ...
(( لنترك ما مضى جانباً ،
ونبحث بين طيات عقلنا ،
عن جانب السعادة الخفي في حياتنا .. ))
#الفصل_١٩
الفصل التاسع عشر
تحسست إيثار بكفها ملمس القماش الناعم المغطي للمقعد الممتد الطول ، ولكنها شعرت بشئ غريب.. ربما فقدت قدرتها على الإحساس بالمثيرات من حولها ، أو شعرت بمرارة طعم الحياة گكل..
أراحت رأسها وتمددت بجسدها على المقعد وصوبت بصرها من خلف نظارتها نحو السماء المشعة بضوء الشمس..
التوى ثغرها بشبح ابتسامة ، وتمتمت مع نفسها ( ياللهي ما أجملها وأسطعها! )
_ ورغم ضوئها الساطع إلا أنها بدت في عينيها مظلمة سوداء ، لا تشعر بجمال صفوها - خاصة أنها ببداية فصل الصيف ، ولا باعتدال الجو ودرجات الحرارة ..
كان هجوم ذكرياتها - ذكرى تلو الأخرى - هجوماً عنيفاً تصدع له القلوب .. تشعر بلوعة الإشتياق والتي لايضاهيها شعور ، ويؤلمها شعور الخزي والحسرة .. بينما ينهش بها شعور الفقدان والمذلة لغير الله .
_ ولكنها ابتسمت ساخرة عندما تذكرت كيف تخلصت من هذا الزوج الشنيع الخلق _ الفظ اللسان_ السيء الطباع ، كما تخلص بُصيلة الشعر من العجين .. وكان هذا نتيجة الخطة التي فكرت في تنفيذها فوراً عقب علمها بفقدانها قطعة حية من روحها ، ابن قلبها الذي لم تره بعينيها ولم تلمس نعومة أظافره ..
ولكنها علمت حكمة الله في قضاه فيما بعد ، فلم يشأ المولى أن يتوطد الرابط بينها وبين هذا الطالح ، وخيراً خيراً ما حدث. ....
شردت في ذكرى بقائها في المشفى ، وما تلته من لحظات حرجة ...
..........................................
(( عودة بالوقت السابق ، قبل ثلاث سنوات ))
_ دلف الطبيب لحجرتها لكي يطمئن على حالتها المتدهورة، ويعاود فحصها .. وعقب غرزه للأبرة المحوية بالمحلول الطبي ، وتفحصه له ، اتجه نحو الباب ، و كاد يترك الحجرة وينصرف ولكنها استوقفته بصوتها الواهن ، فاستدار نحوها ، وبلهجة ضعيفة يتملكها الوهن رددت :
-دكتور ، أرجوك أنا.. آآ محتاجة مساعدتك !
نطق الطبيب مترقباً وقد قطب جبهته بفضول زائد :
-مساعدتي!! في اي بالظبط؟
_ ابتلعت مرارة حلقها وهي تجاهد للنطق بحروف متقطعة وهي تمسح بكفها على جبينها :
- انا آآ جوزي.. ي.. يعني ، اعتدى عليا بالضرب و.. و.. آآ..
قاومت إنهيار عبراتها ، لكنها لم تستطع ، فالأمر أكبر من قدرتها على الإحتمال ..
تساءل الطبيب محاولاً مساعدتها وإستكمال القطع المتناقصة من كلامها :
- وكان السبب في إجهاض الجنين!؟
أجابته إيثار وهي تهز رأسها بتحسر متألمة :
- آآآه ، اا انا .. انا عايزة حقي وحق ابني اللي مشافش النور ، و.. وكنت عايزة حاجة تثبت كلامي عشان آآآ....
بادر الطبيب قائلاً بثبات وهو يوميء برأسه متفهماً : تقاضيه بيها! يعني تقدميها للمحكمة ، صح كده ؟!
تحول وجــه إيثار للوجوم ، وظهرت في نظراتها ، وخلف جفنيها روح الإنتقام والعدائية ، واجابته بمرارة :
-ايوة ، عايزة تقرير طبي بحالتي كاملة ، وآآ.. يا ريت . لو .. لو أمكن تـ .. توضح الضرر اللي آآ...
_إشرأب الطبيب بعنقه ليجوب بناظريه الخارج جيداً ليتأكد من عدم متابعة أحد له ، ثم اعتدل في وقفته واخفض جزعه قليلاً وهو يتكلم بصوت خفيض :
-ماشي ، انا هعملك تقرير طبي وافي ، فيه حالتك وحالة الجنين اللي نزل .. وهيكون مفصل فيه آثار الكدمات والخدوش اللي بسببها خسرتي الجنين ، يعني هعملك تقرير تاخدي بيه حكم من أول جلسة لوقوع ضرر عليكي !
وكـــأن بريق الأمل قد تراقص في مقلتيها الدامعتين ، فتابع بحسم :
-انا عندي اخوات بنات زيك كده ، وقريبين من سنك ، واللي شوفته فيكي محبش اشوفه في اهل بيتي يا مدام ، ولا في حد أعرفه ، وعشان كده هساعدك ، متقليش !
ضغط بكلماته على جرح علاقتها مع أخيها ..
_ فابتلعت حديثه الذي آثار ذاكرتها نحو فعلة أخيها ، أخيها الشقيق الذي زج بها للتهلكة ودهس مشاعرها بنعل حذاءه قبل أن يتركها خلف ظهره ويمضي
.. في حين رأت نصب عينيها نموذجاً حياً لا يقبل المساس بأهل بيته ، فكانت المضاهاة غير عادلة البتة ...
_ وبالفعل كان التقرير الطبي الذي وصف حالتها بالفعل مفصلاً وحتى أصغر تفاصيل الإعتداء والإصابات ذُكرت به .. كان هذا التقرير هو العضد لها في مسيرتها العدائية والدفاعية ضد زوجها ، فبه قامت برفع دعوة عاجلة لطلب الطلاق منه ..
واستعانت بمحامية خبيرة بأحوال الأسرة لمساعدتها وقدمت الدعوة في محكمة الأسرة ..
_ وكانت تلك هي أولى خطوات الخلاص منه ..
لم تكل أو تمل فلم يعد هناك جدوى من البقاء مع من إرتضى أن يخدعها ويهينها من أجل الظفر بطفل ، ذاك الطفل الذي لم يقدر له الحياة ..
مرت الشهور عليها وهي تنتظر حكم المحكمة القضائي بالطلاق منه لوقع الضرر وكأنها أدهر ، كان محسن في مناصفتها منذ الجلسة الأولى ، ورفض تطليقها ، ولكن قضت المحكمة بحكمها ، وحصلت في النهاية على حريتها .. ولم تكتفِ بذلك فقط ، بل أرادت تأمين حياتها لذا لجأت إلى هيئة النيابة الموقرة لتحرر محضراً ضده بعدم التعرض لها بأي شكلٍ كان.
_ ومنذ أن حصلت على حريتها مرة أخرى ، تركت ما مضى خلف ظهرها ، وتخلت عن التقاليد والعادات ، وقررت الرحيل عن أسرتها ، وقامت بمتابعة سير العملية التعليمية خاصتها بمفردها .. أجل بمفردها ...
_ حيث أقامت بالسكن الدائم المسمى بدار المغتربات في محافظة الأسكندرية ، واستغلت بطاقة هويتها والمدون بها محل إقامتها بالقاهرة حتى تضمن موافقة مسئولي الدار على انضمامها لقائمة القاطنات بها ..
وبالفعل وفقت في ذلك وسكنت الدار طوال ما تبقى من فترة دراستها .. ما يقرب من العامين والنصف .
_ ومن بعد ذلك ، وأمام رغبة والدتها الملحة طوال هذه المدة للعودة لمنزل أسرتها .. عدلت نوعاً ما عن رأيها و تخلت عن تعندها وعادت لمنزل أبيها لتسكن حجرتها گغريبة عنهم ..
تشاطرهم المكان ، لكنها لا تشاطرهم ما يخصها ..
قلت التعاملات بينها وبين أخيها وأبيها ، وأصبحت نادرة بدرجة واضحة..
كانت تضع عملها ودراستها في المقام الأول لها ..
_ نعم لقد عرضت عليها إحدى زميلاتها بالدار العمل گمربية وجليسة للأطفال لواحد من أفضل المكاتب الأسرية التابعة لوزارة التضامن الإجتماعي مقابل الحصول على راتب مجزي ، فوافقت عليها إيثار بعد تفكير متأني ..
هي أرادت الإستقلال ، الخروج من الحيز الضيق الذي فرض عليها ..
وبالفعل وجدت في تلك الوظيفة مؤنس لها ومساعد لقضاء وقت فراغها وسط الكائنات الصغيرة الملائكية والتي تعشقهم عشقاً من نوع خاص ...
وبعد أن أتمت دراستها ،كان من المفترض أن تترك تلك الوظيفة ، وتتقلد وظيفة أخرى تناسب مجال دراستها ولكنها رفضت ذلك ، وتخلت عن أحلامها ، فقد تعلق فؤادها بالأطفال ، وأحبت مهنتها حباً جماً ...
............................................
'' إيثار ''
_ عادت هي إلى أرض الواقع على صوت أخيها الذي هتف منادياً بإسمها ...
.. أشاحت بصرها ووجهها بعيداً عنه وهي تنبذ اقترابه منها ثم نطقت بتذمر واضح في نبرتها :
-خير !! اي الحاجة الكبيرة اوي اللي حصلت وخليتك تيجي بنفسك هنا ؟!
ضغط عمرو على شفتيه ، وأجابها وهو يبتلع أسلوبها الفظ في الحديث معه :
-بابا ياإيثار ، تعبان أوي ولسه الدكتور نازل من عندنا من شوية .. لازم تيجي تشوفيه يا إيثار ده طلبه !
_ ابتسمت من زاوية شفتيها بتهكم ثم أردفت بلهجة قاسية متحجرة :
-انت الحيلة و ابنه الكبير ، خليك انت جمبه انا ماليش لزوم
_ اقترب منها ثم انحنى بجسده ليجلس جوارها ..
حدق بها لبرهة ، لكنها لم تعبأ به ، وكأن وجوده والعدم سواء ..
تنهد بعمق ، ثم مد يده لينزع نظارتها الشمسية التي تحجب عنه رؤية عينيها، وإذ به يتفاجأ بالعبرات العالقة بأهدابها وبقايا الدموع التي جفت على وجنتيها ..
تفاجئت من فعلته ، ورمقته بنظرات حادة .. وأشاحت وجهها بعيداً ..
سكين حاد النصل انغرز بين ضلوعه ، وجثى على صدره حجر صوان بعد أن رأى الوهن داخل مقلتيها ، فأجفل بصره بندم بيّن ثم نطق بصوت خفيض :
-تلات سنين ومنسينيش ، مكانش قلبك أسود كده ياإيثار
ابتسمت بسخرية مريرة ، وقد ظهرت علامات الإستنكار على وجهها ، وهتفت بحنق :
- أسود!! هو في أسود من الأيام اللي عيشتها بسببكوا ، شبابي ضاع وانا لسه مكملتش 25 سنة .. حاسة اني ست عجوزة مكرمشة من كتر القهر اللي شوفته وحسيت بيه ، جاي تقولي اسود !!!!!
_ تحسست ذراعيها بكفيها وكأنها تتذكر لمسات طليقها المقززة على جسدها ..
ارتجفت أوصالها وهي تتذكر قسوته في معاملتها والخدعة التي سقطت أسفلها وما كانت له سوى وسيلة رخيصة للوصول لمبتغاه الطامع والغير عادل ..
انتفضت بذعر وهي تقاوم أبشع اللحظات في علاقتهما الحميمية التي أجبرت عليها، ثم أطبقت جفنيها وهي تذكر قائلة :
- لسه فاكرة كل حاجة قذرة كان بيعملها ، حتى كلامه الزبالة اللي شبه وطريقته الشوارعية .. كل حاجة مغابتش عن بالي !
بدى التأثر على وجه عمرو ، فهو لم يهنأ من ضميره الذي لامه بشدة على فعلته ..
مـــد يده بحذر نحوها ، وربت على ذراعها بحنو وقد أثارته كلماتها ، فرد عليها بحذر :
-كل حاجة أنتهت وخلصت ياإيثار، وبقالك أكتر من سنتين ونص حرة .. انسي و عدي كل حاجة ،وارميها ورا ضهرك ، انسي !!!
ردت عليه إيثار وقد سبقت عبارتها الساخرة قهقهه عالية :
- حاضر هنسي ، اصلي ماشية بالريموت ! بمزاجكم أفتكر ، ووقت ما تعوزا مني أنسى هانسى !
_ جذبت نظارتها من يده الأخرى ثم نهضت عن جواره وأشارت له بعينيها لكي يفسح لها المجال حتى تطوي المقعد الخاص بها ، ففعلت ما أرادت دون أن ينطق ، ووقف قبالتها ليكون حائلاً بينها وبين المقعد ثم أردف بنبرة جادة :
-إيثار ، لو لسه ليا عندك ولو شوية معزة لازم تيجي معايا وتقعدي مع بابا ، بابا بيموت ياإيثار .. أرجوكي
_ حدجته بطرف عينها بنظرات قاسية ، فتوسل لها برجــاء أكبر ..
أطرقت هي رأسها بإستسلام ، وردت عليه بتنهيدة عميقة :
- ماشي
تهللت أسارير عمرو ، و انفرج ثغره بفرحة جلية وهو يهتف بحماس بعد موافقتها العسيرة :
- يبقى يلا بينا ، وانا هشيلك الكرسي بنفسي ياستي
_ لم تبدِ اهتماماً بما قاله ، بل تحركت للأمام ، وقام هو بطي المقعد ولاحقها بخطوات أشبه للركض حتى أصبح جوارها في سيرها ......
...................................................................
_ كان الكبر قد ظهر على تجاعيد وجهه ، وقد جعل المرض منه كهلاً كبير السن وكأنه أضعاف عمره ..
منذ زمن لم تنظر هي لوجه أبيها رحيم ، تشعر وكأنه تغير كثيراً ، فتحول من الرجل الحاد الطباع الذي اعتادت عليه ، ليظهر أمامها عجوزاً واهناً ضعيفاً لاحول له ولا قوة ..
رق قلبها إليه ، وأشفقت على حاله العاجز .. هو أبيها رغم كل شيء .. تشتاق إليه ، تريد التنعم بحضنه الأبوي الدافيء ، تتلهف للإحساس بخوفه الفطري عليها ، لكنه أضـــاع كل شيء بفعلته .. وهي لم تردْ أن تظهر ما تكنه أمامه .. فعقلها أجبرها على الصمود ، اظهار القسوة .. هي لم ولن تنسى فعلته بحقها .. وما زاد من الأمر سوء هو عدم مواجهته لها بشناعة فعله حتى هذا اليوم .
لذا حافظت على اقتضاب حديثها وعبوس ملامحها أمامه ..
_ ولكن وبدون سابق إنذار .. شعر رحيم بملك الموت يحوم حوله منتظر لحظة قبض روحه فقرر التنازل عن قسوة طبعه والانصياع أمام خطئه .. حيث سد جوعه بالنظر إليها وهتف بصوت ضعيف ولهجة معاتبة لعلها تشعر به :
-كده يا إيثار!! بقالي كتير تعبان ومستنيكي تسألي عني يابنتي .. بس انتي مسألتيش
ردت إيثار بثبات وجدية وهي تتحاشى النظر إليه :
-الف سلامة عليك
_ وضعت تحية كفها على جبهته تتحس حرارته التي أخذت تنخفض ثم ربتت على كتفه وهي تحاول تخفيف الأوضاع وحدتها لدى الأب وابنته :
- إيثار كانت مشغولة اوي اليومين اللي فاتوا ياحج ماانت عارف ، شغلها واخد كل وقتها
أضاف عمرو قائلاً وهو يبتسم لوالده بعاطفة : ولما عرفت جت ومتأخرتش ياحج !
- سيبونا لوحدنا
_ هتف رُحيم بعبارته بملامح خالية من المعاني ثم أشار بعينيه للخارج ،
ترددت تحية في فعل هذا ، ورغم ذلك حسمت رأيها ، وظنت أنه ربما يكون السبيل لكسر الحواجز التي بُنيت بينهما ،ولعل هذا الحوار والجلسة الودية بينهما تذيب الجليد .. فأشارت بيدها لعمرو لكي يتبعها للخارج ثم أغلقت الباب وأخذت تتلصص عليه .
_ جاهد رحيم ليستقيم في جلسته حتى اعتدل وأسند ظهره على الفراش ثم تابع النظر إليها وهو يقول بدفء أبوي غير معهود منه :
- بصيلي يابنتي وانا بكلمك
حركت حدقتيها لتكون في مواجهته بينما ابتسم هو وهو يتذكر أياماً قديمة لا تتذكرها هي .. ثم ردد قائلاً بخفوت :
- زمان ، لما كنت بشتريلك لبس العيد بنفسي وانتي كنتي بتتقمصي عشان مش بخليكي تنقيه بنفسك زي عمرو وآآآ...
قاطعته إيثار وقد ظهر التجهم على قسماتها وزادت عدائيتها :
-لبس العيد كنت بشتريه كل سنة ، ولو معجبنيش في مرة كان بيعجبني في التانية .. انما الجواز بيبقى مرة تعيش عليه العمر كله ، ولا كنت فاكره قابل للتبديل والتغيير؟
_ لم يطرق رأسه أو يبعد بصره عنها ، بل بعث لها كم الندم الذي يحمله على عاتقه منذ ثلاث سنوات وحتى هذا الحين من خلال نظراته النادمة ، وتعابيره الأسفة ..
استشعرت صدق نظراته ولكن عقلها رفض الإستسلام والعفو عنه ..
استندت بساعديها على ركبتيها ثم دفنت رأسها بين كفيها وهي في حيرة من أمرها بينما تابع والدها حديثه قائلاً :
- عارف اني ظلمتك ، لكن كل اللي كان شاغلني الناس وكلامهم ، مكنتش هطيق حد يجيب سيرتك بكلمة يابنتي
كانت إيثار على وشك مقاطعته ، ولكنها أشار لها بكفه لتصمت ، وتابع بجدية :
- اسمعيني يابنتي ، انا اب وانتي عمرك ما هتفهمي كلامي ولا احساسي ، انا عمري ما تمنيت في الدنيا غير سعادتك انتي واخوكي .. حتى لو كان اسلوبي غلط !!!
اخذ شهيقاً عميقاً ثم زفره على مهلٍ وتابع بكلمات مؤثرة وقعت على حواسها وقعاً مثيراً :
- عدت سنين وكلامي مش هيفيد ، بس محبش اني اموت وسايب حته مني زعلانة مني يابنتي ، سامحيني ياإيثار
_ حدقت به غير مصدقة ما سمعته للتو وحالة الذهول مسيطرة عليها ، فهز رأسه للتأكيد ثم كرر كلمته وهو يقول بجدية تحمل الندم :
- ايوة زي ما سمعتي ، انا بطلب منك لأول مرة تسامحيني على اي حاجة يابنتي !
_ زحزح جسده ليهبط أسفل الغطاء ثم أراح رأسه على الوسادة وسلط بصره على سقف الحجرة .
_ في هذا الحين كانت تقف تحية وأطرافها ترتعش من وراء الباب لتستمع لحديثهما إلى أن اختفى الصوت فجأة ، فرفعت رأسها للسماء وفتحت كفيها وهي تنطق بتضرع :
- وحياة حبيبك النبي يارب حنن قلب بنتي وأرضيها وأسعدها يارب !
_ انفتح الباب لتظهر إيثار من خلفه ثم عبرت للخارج أمام والدتها ومنها إلى حجرتها دون أن تنطق ببنس شفة ..
أوصدت الباب خلفها لتستمر مسيرة عزلتها ، ثم وقفت أمام النافذة تتطالع الغروب وقرص الشمس يهبط بإتجاه البحر من الغرب ، وكأن هذا القرص الذهبي تحتضنه الأمواج وينغمس أسفل الأعماق ..
كان مشهداً مريحاً للعين مثيراً لهدوء الأعصاب ، أغمضت عينيها استسلاماً لنسمة هواء طفيفة لمست وجهها حتى هاجمتها ذكرى آخرى سابقة أسعدت فؤادها في وقت مـــا ، لكنها استعدت عبرات الاشتياق الممزوج بالعتاب .....
.........................................
- عودة بالوقت للسابق -
_ وقفا سويا كلا منهما في النافذة الخاصة به ، يطالعان من مكانهما ذلك السحر الفطري .. حيث أثارها مشهد الغروب فطلبت منه الصمت حتى يتمكنا من متابعته سوياً .. كانت بسمتها تشكل فارقاً في يومه ، فرفع رأسه يتأملها بنظرات عاشقٍ هلكه عشقه..
فشعرت بعينيه معلقتان بها ..
أسبلت عيناها لتلتقى بعينيه ثم ابتسمت بإستحياء وهي تقول :
- مش قولنا هنشوف الغروب سوا؟
رد مالك بنبرة صادقة ونظرات مأسورة :
- انتي عندي احلى من اجمل منظر غروب
_ ابتسمت وتوردت وجنتيها خجلاً منه فظهرت غمازتيها لتبدو أكثر جمالاً وأشراقاً ..
فتابع هو بسمته العاشقة ببيت شعري كتبه لها وردده على مسامعها :
'' أستحت ...
فصار للخجل لوناً بأسمها ..
فياليت كل الحياء گحياء ِ حبيبتي ..
وبذور القرنفل تعلو ثغرها ''
..............................
عادت لأرض الواقع المجحف الذي هي فيه الآن ، ولكنها على الأقل رسمت بسمة على محياها على إأثر ذكراه الذي لم ينصرف أو يُزال من ذهنها قط
.. أغلقت النافذة ثم عادت لفراشها مدعية الرغبة في النوم لعلها تهرب من كم الذكريات الذي يطاردها ليوقظ شعلة حبها وشوقها من جديد .
...................................
_ كان هذا الصباح مختلفاً لها ، فبالرغم من إشراقه إلا إنها كانت حزينة لفراق أحداً عزيزاً عليها .. '' مصطفى '' ذلك الطفل الصغير الذي اعتادت على مجالسته يومياً عقب ذهاب والديه للعمل ..
واليوم ستقوم الطائرة بالإقلاع وهي تحمل هذه الأسرة لإحدى الدول الأوروبية في رحلة هجرة أبدية ، وقررت هي توديع الصغير على طريقتها الخاصة ..
قامت هي بتصميم ألبوم كامل من الصور الفوتوغرافية التي جمعتها به لتمثل له ذكرى عزيزة ذات يوم عندما يكبر ، ويتذكرها ، أثنت والدته السيدة '' رانيا '' على فعلتها الراقية وهي تقول بإمتنان :
- كلك ذوق ياإيثار ، مكنش في لزوم تتعبي نفسك
ردت عليها إيثار وهي تمسح بيدها رأس الصغير :
-متقوليش كده يامدام رانيا ، ربنا عالم مصطفي عزيز عليا قد اي
هتف مصطفي وهو يتعلق بذراعها : وانا بحبك اوي ياإيثار ، ليه مش بتيجي معانا ؟
_ انحنت قليلاً لتطبع قبلاتها الصغيرة على جبين الطفل ثم نطقت بنبرة دافئة معهودة منها :
- معلش ياصاصا ، مش هاينفع ، بس اوعي تنسى إيثار أبدا
رد الصغير مصطفى ببراءة وهو يهز رأسه نافياً : مش هنسى ، انا هخلي مامي تتصلي بيكي كل يوم كل يوم !
_ احتضنته بعمق حتى تخللت أنفاسه صدرها ثم اعتدلت في وقفتها وهي تضبط وضعية حقيبتها على كتفها ، وابتسمت قائلة :
-أستأذن انا بقى !
ردت عليها رانيا وهي تصافحها بحرارة :
-مع الف سلامة ياإيثار
_ تركت المنزل والحزن مخيماً عليها لفراق طفل أخر ولكنها قررت تناسي الأمر لإستكمال الطريق ، فتلك هي مهنتها .. مجالسة الصغار وغرس مباديء الألفة والود في نفوسهم الصغيرة ..
زفرت أنفاسها وهي تستجمع شتات الأمل حتى تقابل طفلاً أخر في مسيرتها التربوية ..
ذهبت إلى مقر المكتب التابعة له عقب أن طلبتها مديرة المكتب بصورة متعجلة ، فما كان منها إلا تلبية النداء والذهاب على الفور لتتفاجيء بالمديرة تبلغها بجدية :
-دي أسرة أجنبية لسه واصلين مصر أول أمبارح ، طفلتهم رضيعة عندها سنتين إلا شهر ولا حاجة .. والد الطفلة جه بنفسه هنا وطلب مربية بمواصفات قياسية وانا ملقيتش عندي مربية أفضل منك ، خصوصاً ان ليكي كاريزما خاصة مع الأطفال الصغيرين !
_ كانت مفاجأة بالنسبة إليها ، فقد كانت ترغب ببضع أيام كأجازة لها لتجدد نشاطها ، وتعتاد غياب الصغير مصطفى قبل استلام العمل لدى أسرة جديدة ..
ولكن من الواضح ان تلك الفرصة لن تسنح لها ، فبادرتها المديرة عقب استشعارها بما تخبئه داخل صدرها ولا تنطق به :
- عارفة انك كنتي محتاجة اجازة خصوصا بعد ما سيبتي مصطفي لأنك كنتي متعلقة بيه ، بس دي فرصة بالنسبالك والراجل اللي هتشتغلي عنده شكله جنتل خالص عشان كده اعتبرتها فرصة ليكي !
ابتسمت لها إيثار وهي تومئ رأسها إيجاباً ، ثم ردت بتنهيدة شبه منهكة :
-ماشي حضرتك ، هروح أمتى؟
_ بحثت المديرة بإحدى الأوراق الصغيرة عن تلك الورقة المدون بها للعنوان والتفاصيل للوصول إلى المكان المنشود حتى وجدتها ومدت يدها بها وهي تقول :
-ده العنوان والتليفونات لو معرفتيش توصلي ، وعلى فكرة في الحسابات ظرف بأسمك فيه مبلغ مالي هدية من أسرة مصطفي لجهودك مع الولد.. مدام رانيا بلغتني انك رفضتي تاخدي اي حاجة عشان كده فضلت تسيبهولك هنا !
_ بدى على وجهها الإمتنان والسعادة ليس للمبلغ المالي ، ولكن لتقدير المحيطين حولها لها .. فقد كانت في حاجة ماسة إلى هذا الدعم المعنوي ، إلى تقدير ذاتها ، ومدح عملها .. وها هي قد ظفرت بها بعد مجهود مضني ، وإخلاص متفاني ..
هزت رأسها ثم نطقت برقة :
-شكراً.. عن أذنك.
...........................................
تأنقت إيثار في ثيابها الجديدة ثم نظرت لحالها بإعجاب في المرآة ، ثم ضبطت وضعية حجابها الأزرق الذي تماشى مع كنزتها الفيروزية وبنطالها الأبيض .. وأكملت تنسيق ثوبها عن طريق وضع عقداً متعدد الألوان حول عنقها وأعلى حجابها ، ثم انطلقت للخارج وتعجلت بخطواتها للذهاب إلى مكان العمل الجديد
.. كان الطريق مزدحماً گعادته فأضطرت لإستجار سيارة للأجرة حتى تستطيع الوصول مبكراً ...
_ كان المكان عبارة عن " فيلا " صغيرة في منطقة سكنية حديثة ، يبدو على هيئتها الخارجية البساطة والرقي وعدم التكليف ..
ظهر الإعجاب واضحاً على تعابير وجهها ..
عبرت البوابة - والتي كانت خالية من أي حراسة - بخطوات ثابتة ، ومنها سارت عبر الممر الحجري المزدان على جانبيه بالمزروعات الصغيرة والورود المتفتحة ذات الألوان المبهجة ...
استنشقت عبير الأزهار وهي تبتسم متفائلة بالخير في هذا المكان منذ أن وطأت أعتابه بقدميها ، طرقت الباب بتوتر قليل ، وانتظرت أمامه وهي تحاول الحفاظ على هدوء ابتسامتها ..
وما هي إلا لحظات حتى انفتح لها لتظهر الخادمة من وراءه وهي تحمل الطفلة الرضيعة ..
استقبلتها إيثار بإبتسامة ودودة ، ولاحظت – على مرأى العيان – فشل الخادمة في التعامل مع الصغيرة ..
تساءلت الخادمة راوية بنفاذ صبر وهي ترمقها بنظرات سريعة خاطفة لكنها متأملة لهيئتها العامة :
- خير حضرتك عايزة مين؟
ردت عليها إيثار برقةوهي تنظر للطفلة الباكية بشفقة : انا المربية الجديدة جاية عشان... آآ
تنفست راوية الصعداء وكأنها وجدت السبيل لنجاتها من بكاء الصغيرة :
-هو انتي!! اتفضلي اتفضلي
_ ولجت إيثار للداخل فتفاجئت بها تضع الرضيعة بين يديها وهي تقول بصوت خفيض يملئه اليأس :
-خدي اتعاملي معاها احسن انا من ساعة ما جيت امبارح مش عارفه اسكتها خالص !
تناولت إيثار الصغيرة بين ذراعيها بحنان أموي جلي .. ومسحت على ظهرها برفق حتى تستكين ، وتكف عن البكاء ..
ثم تأملت ملامحها الجميلة بدقـــة ..
كانت الصغيرة آية من إبداع الخالق .. فهي تملك ملامح آسرة ، بالإضافة إلى شعرها الأشقر وعيناها الزرقاوتين ، وبجانبهم بياض بشرتها ونعومتها ..
مسدت إيثار على رأسها بحنو فشعرت وكأنها قطعة منها.. گأبنتها أو ماشابه ذلك ، لا تعلم ماهية هذا الشعور ولكنها شعرت بالسعادة لوجود هذا الكائن الملائكي بين يديها وفي أحضانها ..
توجهت للداخل بخطوات بطيئة وهي تهدهدها وممررة أصابعها على خدي الصغيرة وجبهتها ..
استجابت الصغيرة لحركاتها المداعبة ، وبدأت في السكون والنظر لها بأعين متفحصة دارسة ..
وبحركة طفولية بريئة مدت أناملها الناعمة الصغيرة ولمست وجنتي إيثار .
_ خُلق بينهما الانسجام منذ المقابلة الأولى ومنذ تعارفهما الأول ..
جلست إيثار على طرف المقعد ثم أسندتها على ذراعها وهي تداعبها بالذراع الأخرى ، حتى أنها تناست البحث عن أصحاب المنزل والتعرف عليهم .. فتلك الصغيرة أسرتها في عالمها الطفولي البريء ، وأعادت الضحكة إليها ..
_ وإذ بها فجأة تنتفض من مكانها ، ووقع قلبها في موضع قدميها..
تصارعت أنفاسها وتسارعت داخلها مشاعر متناقضة عندما استمعت لهذا الصوت المألوف ولتلك النبرة التي تحفظها وتتردد على مسامعها كل يوم ..
ارتجف قلبها بشدة ، واضطرب عقلها ، وتلاحقت الذكريات كأنها تيار جارف ..
تساءلت بعدم تصديق هل ما سمعته هو الكذب أم أنها تتوهم !!؟
_ جابت المكان بناظريها المتفحصتين الباحثتين لتجد صاحب الصوت ولكنها لم تجده .. كان الصوت يقترب منها فتزداد نبضاتها تلاحقاً حتى رأته يهبط درجات السلم موليها ظهره وهو يتحدث بهاتفه بهدوء :
'' يبقى على معادنا بالليل الساعة 10 ، سلام ''
_ حضرت راوية بين يديه سريعاً ، ثم نطقت وهي تشير أتجاه إيثار وتقول بإبتسامة :
-المربية الجديدة جت يافندم ، اهي؟
أومأ برأسـه متفهماً ، ثم التفت نحوها ، ولكن تجمد الحديث على لسانه ، وتحرك قلبه من مكانه مرة أخرى بعد سنوات قد دهس فيها قلبه أسفل نعليه ..
رمش بعينيه عدة مرات ليستوعب أنها أمامه ، وليست طيفاً ..
فغر فمه غير مصدقٍ وجودها ..
ثم عبس بوجهه فجأة ، وتجمدت تعابيره ، بل وقست نظراته وهو يقول بصوت يحمل الشراسة :
- انتي !!!!
_ لقد صدق حدسها ، انه هو .. ذاك الذي ظنت أنه حبيب قلبها وخليل فؤادها ..
المنتظر الذي طالما انتظرته لسنوات عديدة آملة رؤيته لمرة واحدة ..
وها هو حلمها يتحقق ، هو الآن أمامها ، ولكن يحمل وجهاً جديداً ، بملامح مختلفة ويختبئ بجسده المشدود خلف حلته السوداء التي أعطت لمظهره هيبة ومهابة ..
تغيرت نظراته الحانية ، وبدى أكثر جدية ، إن صح التعبير أكثر قسوة عما مضى ..
لم تجد فيه الروح المرحة التي عاهدتها منه ..
إنه شخص جديد كلياً ..
تسارعت أنفاسها إلى حد ما ، فجاهدت لضبطها أمامه ..
لم تتخيل أن وجوده سيحدث كل هذا الخلل والإضطراب فيها ..
أربكتها نبرته الشرسة ، وابتلعت غصة مريرة وهي تنطق حروف اسمه على لسانها من جديد بهمس مرتجف :
- مالك .........................!!!
تابعووووووني
الفصل العشرون والحادي والعشرون من هنا
رواية زواج لدقائق معدودة كامله من هنا
رواية خيانة الوعد كامله من هنا
رواية الطفله والوحش كامله من هنا
رواية جحيم الغيره كامله من هنا
رواية مابين الضلوع كامله من هنا
رواية سيطرة ناعمه كامله من هنا
رواية يتيمه في قبضة صعيدي كامله من هنا
الروايات الكامله والحصريه بدون لينكات من هنا
إللي خلص القراءه يدخل هيلاقي كل الروايات اللي بيدور عليها من هنا 👇 ❤️ 👇
❤️🌺🌹❤️🌺❤️🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹🛺🛺🛺🛺🛺
الصفحه الرئيسيه للروايات الجديده من هنا
جميع الروايات الحصريه والكامله من هنا
انضموا معنا علي قناتنا بها جميع الروايات على تليجرام من هنا
❤️🌺🌹❤️🌺❤️🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹🛺🛺🛺🛺🛺
تعليقات
إرسال تعليق