القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية وبقي منها حطام انثي الفصل العشرون والحادي والعشرون بقلم الكاتبه منال سالم حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات

 رواية وبقي منها حطام انثي الفصل العشرون والحادي والعشرون بقلم الكاتبه منال سالم حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات 


رواية وبقي منها حطام انثي الفصل العشرون والحادي والعشرون بقلم الكاتبه منال سالم حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات 


الفصل العشرون

صمت رهيب ساد في اﻷجواء بينهما لكن أعينهما كانت تنطق بالكثير ...

قست تعابير وجه مالك ، وبدت نظراته أكثر حدة وهو يحدجها بنظرات مطولة متعمداً التقليل من شأنها .. فهي بالنسبة له تعد رمزاً للخيانة والغدر ، من جرحته بضراوة في فؤاده ، من دفعته للرحيل والتخلي عن أحبائه ...

أما حال إيثار فكان لا يتختلف عنه .. هو أهانها وظلمها في وقت كانت تعاني فيه بمفردها ، كانت في أمس الحاجة إليه ، و اختارت أن تضحي بحبها من أجل حمايته هو حتى وإن كان الثمن حريتها ...

هي أرادت أن تحميه على طريقتها ، لكن انقلبت الظروف ضدها ..

ابتلعت ريقها بتوجس كبير ، و لم تنس رغم كل شيء صدق حبها له ..

تفاجئت به يجذب صغيرته منها عنوة ليضمها إلى صدره فصرخت الصغيرة برعب قليل قبل أن تبدأ في البكاء من إثر الخضة ،

حاول هو تهدئتها ولكنه فشل بسبب حركاته العصبية ..

صدمت إيثار من ردة فعله ومن تصرفه المباغت الذي أفزع الصغيرة ، فهتفت بلا وعي مستنكرة فعلته :

-انت خضيت البنت !!


رمقها بنظرات نارية قبل أن يصيح بصوت قاتم :

-انتي هتعرفيني أربي بنتي ازاي ؟

فغرت شفتيها مذهولة وهي تمتم بصوت متقطع :

-هاه .. ب.. بنتك !!!

ثم صاح فجـــأة بصوت جهوري أجفل جسدها، وأفزع الصغيرة أكثر :

-راوية .. راوية تعالي خدي البنت !!

خطت الخادمة بخطوات سريعة نحوه وهي تردد بإمتثال :

-حاضر يا مالك باشا

تناولت الصغيرة منه بحذر .. وسارت بها مبتعدة وهي تحاول هدهدتها لتكف عن البكاء .. .

شعرت إيثار بالخوف من وجودها بمفردها مع مالك .. فوجود تلك الصغيرة كان يشكل درعاً يقيها من انفعاله المباغت ..


دنا منها خطوة ، فتراجعت عفوياً للخلف متحاشية القرب منه ..

نظر لها بإحتقار ، ثم أردف قائلاً بجمود :

-ايوه دي بنتي ، كنتي مفكرة هافضل زي ما أنا أبكي على فراقك وحبك الرخيص !

صدمت من كلماته اللاذعة ، واضطربت دقات قلبها ، وردت بصوت متذبذب :

-انت .. آآ

تابع قائلاً بشراسة وهو يتعمد تجريحها :

-أنا يا مدام عشت حياتي وقابلت انسانة حبيتني بجد واتجوزنا وخلفت منها ، مش واحدة زيك !!!!


لم تقو على الرد عليه .. بل حدقت فيه بصدمة حزينة .

شعور رهيب بالخذلان سيطر عليها ، وتملك من مشاعرها المضطربة ..

فمجرد تخيل امتلاك أخرى لقلب حبيبها ومشاركتها إياه لحياته بكل تفاصيلها أتعبها نوعاً ما ، وعذب روحها ..

فماذا عن انجابه منها من يحمل صفاته ؟ يا إلهي إنه اكثر إيلاماً !

حزن موجع أرهق قلبها .. ووخزات مؤلمة أتعبت روحها .. لقد عاش حياته .. استطاع ان ينهض من جديد ، بينما ظلت هي تقاسي من ذكريات الماضي ..

تابع متساءلاً بتهكم مهين ليخرجها من شرودها المؤقت :

-وإزي جوزك المحترم ؟


استشعرت من نبرته حجم البغض الذي يكنه له ..وعجزت للحظات عن الرد عليه ، أتخبره بأنها كانت ضحية خدعة كبيرة تحملت تبعاتها لوحدها ؟!

ارتفع حاجبه للاعلى ليضيف بسخرية :

-والبيه موافق انك تنزلي تشتغلي بيبي سيتر ؟ ولا انتي جاية من وراه ؟

لم تستطع الصمود أمام تجريحه العلني ، فصرخت بشموخ وكبرياء وقد تشنجت تعابير وجهها :

-ماسمحلكش !

ابتسم بتهكم ثم قال بنبرة مهينة :

-يبقى زي ما توقعت طلع نأبك معاه على فاشوش ، ومش قادر يصرف عليكي زي ما كنتي مفكرة !

كانت كلماته كالسوط الذي يسلخ جلدها الملتهب ، فلم تتحمله ، وصرخت فيه بصوت منفعل :

-انت متعرفش حاجة عني عشان تقول كده !

نظر لها شزراً ، وتابع بإستخفاف :

-مش محتاج اعرف .. كفاية اني شايفك النهاردة قدامي عشان اخمن كل حاجة !

تسارعت دقات قلبها ، وكورت قبضة يدها بعنف ، واشتعلت عينيها بحمرة غاضبة للغاية ..

تحرك خطوة أخـــرى نحوها ، وأكمل بشراسة وقد قست نظراته :

-واحدة طماعة بتجري ورا الفلوس وبتحبها اكتر من نفسها باعت الغالي بالرخيص ، ومهمهاش تدوس على مين في طريقها وهي بتعمل كده ، المهم توقع المغفل اللي هيدفع اكتر .. بس الظاهر انه جيبه طلع فاضي ، فراحت تدور على مصلحة جديدة !!!!

أوجعتها عباراته العنيفة التي تتهمها بلا رحمة ، فهبط قلبها في قدميها قهراً .. هو كغيره حكم عليها دون أن يترك لها المجال لتدافع عن نفسها ..

أصدر حكمه بإدانتها متأكداً بأنها الجانية بالفعل ..

لم تتحمل أكثر من هذا الظلم ، فاستجمعت شجاعتها ، وصرخت فيه بصوت هــــادر وهي تشير بيدها وعينيها تنطقان شرراً مخيفاً :

-اخرس .. ولا كلمة زيادة !!

أغضبه بشدة صراخها فيه ، فصاح بها بصوت جهوري عنيف :

-انتي ليكي عين تتكلمي ولا تفتحي بؤك وتزعقي !

ردت عليه بصوت مختنق ومتشنج وهي تكافح لمنع عبراتها من السقوط أمامه :

-انت ملكش حق تحاسبني ولا تكلمني عن حياتي اللي فاتت !!

أضاف بقســــوة وهو يرمقها بنظراته المدينة :

-حياتك اللي انا كنت جزء منها ورميتي وكأني ماسواش

هزت رأسها نافية وهي تصيح بإعتراض جلي :

-محصلش ..

تشنجت تعابير وجهه ، وبرزت عروقه الغاضبة وهو يكمل بحرقة :

-نسيتي حبي ، ولعبتي عليا ، ومهمكيش العذاب اللي كنت فيه بسببك ! ماهناش عليكي تكسري قلبي ، ده حبيتك بجد ، كنت مستعد أعمل أي حاجة عشان تبقي معايا ، لكن انتي طلعتي كدابة ، منافقة !

انهمرت عبراتها كالشلال رغماً عنها أمام كلماته .. فأغمضت عينيها بحسرة .. فقد تجسد في مخيلتها تلك الذكريات الآليمة .. وانتحبت بأنين ظاهر ...

تأملها مالك بنظرات خاوية .. وأردف قائلاً ببرود :

-دموع التماسيح دي معدتش تخيل عليا ، وش الملاك اللي حطاه خلاص سقط قصادي وقدرت اكشفه !

دفنت وجهها بين راحتي يدها ، وانخرطت في بكاء مرير .. وهمست بصعوبة :

-كفاية ، مش هاسمحلك

قهقه بتهكم قبل أن يصمت ليقول بعدها بإستهزاء :

-بجد ؟ مش هاتسمحيلي .. حقيقي مبهور بيكي !

أشفقت إيثار على حالها ، كانت تظن أنها أقوى من أي صدمات ، اعتقدت أنها بعد الذي تعرضت له ستصبح أقوى ، وستواجه الحياة بشجاعة .. لكنها كانت واهمة ، فمع أول مواجهة محتدة مع حبيبها إنهارت أمامه ..

لم يعبأ ببكائها ، وراقبها بجمود قاسي ..

لم يكن مالك على تلك الحالة من قبل ، لكنه أجبر نفسه على القسوة مع أمثالها ..

دس يده في جيب بنطاله القماشي ، ورمقها بنظرات استخفاف ، ثم هتف بنبرة متغطرسة :

-انتي تعرفي انا بقيت ايه الوقتي ولا اقدر اعمل ايه فيكي ؟

رفعت وجهها ، وحدقت فيه بعينين حمراوتين من كثرة البكاء ، وردت عليه بعدم اكتراث :

-مش عاوزة اعرف حاجة عنك !

أشـــــار لها بإصبعه متعمداً التقليل من شأنها وهو يقول بجفاء :

-فكرك هاصدق الحركة الرخيصة دي ؟ يعني عاوزة تقنعيني انك جاية ومش عارفة هتقابلي مين ولا تشتغلي عند مين ؟!!!

أخذت أنفاساً متلاحقة لتوقف بكائها المتواصل ، وردت عليه بإستياء :

-انا كنت جاية هنا مفكرة اني هاشتغل عند ناس اجانب محترمين ، اساعد بنتهم .. بس مكونتش اعرف اني هلاقيك هنا !

ضحك بإصطناع وهو يقول بتهكم :

-لسه زي ما انتي استاذة في الكدب والخداع !

صرخت معترضة وهي تمسح عبراتها بكفها :

-انا مش كدابة !

ثم رفعت رأسها للأعلى في إباء ، وأكملت بنبرة تحمل الكبرياء :

-بس ملحوئة انا هاعفيك وهاعفي نفسك من الحرج ده كله ... انا منسحبة من قبل ما ابدأ حتى !

وما إن أنهت عبارتها حتى أولته ظهرها ، وسارت بخطوات أقرب للركض نحو باب الفيلا ، لكنه هدر بها بصوت آمر :

-استني !

لم تلتف إليه بل تابعت حديثها بصوت جاد وهي تمنع نفسها من البكاء مرة ـخرى :

-اعتذاري الرسمي هتلاقيه مبعوت لسيادتك من المكتب !

ثم استدارت برأسها نصف استدارة لترمقه بنظرات أخيرة ولكنها كانت غريبة ..

التقت عيناه بعينيها المنكسرتين ، ورأى بوضوح فيهما تلك النظرات ..

نعم نظرات كانت تحمل اللوم والعتاب .. وإن تعمقت فيهما رأيت القهر والخذلان ..

استطاع أن يقرأهما .. أن يبني تواصلاً محدوداً معها ، لكنها قطعت تواصلهما البصري قائلة بصوت جاف :

-وبالتوفيق مع حد احسن مني ، عن اذنك يا .. يا مالك بيه !

تركته وسارت بخطوات أقرب الى الركض وهي تاركة العنان لعبراتها للإنهمار مرة أخرى

كانت تود الخروج من هذا المكان قبل أن يطبق على أنفاسها .. فقد كانت تشعر بالإختناق ، بعدم استطاعتها للتنفس ..


لماذا دائما تجد من يقسو عليها ؟

لماذا تتحمل هي كل اللوم والذنب بمفردها ؟

لماذا يتعمدون تركها حطام كلما حاولت بناء نفسها ؟

ولماذا هو تحديدا من يقسو عليها هكذا ؟

تابعتها نظراته المشتعلة الغاضبة منها .. ورغم هذا لا ينكر انها أوقظت فيه روح الغضب والانفعال ...


مشاعر مضطربة تختلج صدره وتعصف بروحه التي ظن أنها وجدت سكناها أخيراً ، فسقطت حصونه ، واضطرب قلبه ..

تجدد كل شيء في عقله وكأنه حدث باﻷمس

لحظات حبهما .. لقاءاتهما المتكررة ... رومانسياتهما العذبة ... وخطبتهما البسيطة

ثم تلتها لحظات مظلمة تضمنت لحظة الفراق القاسية ، ارتباطها بمحسن واكتشافه مصادفة لهذا .. تخليها عنه .. غربته الموحشة .. فراق أخته وما تبقى من عائلته الغالية .. رؤيتها تزف إلى غيره وما أصعبها من لحظات ...


كل هذا زاد من تأجيج نيران قلبه ...

عجزت الخادمة راوية عن الاعتناء بالصغيرة ( ريفان ) ، فعادت بها إلى رب عملها وهمست بخوف :

-مالك باشا .. ريفان مش عاوزة تسكت من ساعة ما خدتها من المربية الجديدة !

رمقها مالك بنظرات حادة ، وعبس بشدة وهو يقول :

-هاتيها !

ناولته إياها بحذر وهي تقول بهدوء :

-اتفضل يا فندم

أمسك مالك بإبنته الصغيرة ، واحنى رأسه عليها ليقبلها بحنو متناقض مع حالته الهوجاء ، ثم تلمس وجنتيها بأطراف أصابعه ، وداعبها في عنقها لتضحك ببراءة .. ثم همس لها بصوت رخيم :

-ايه يا روفي .. انتي مش عاوزة تسكتي عشان بابي ؟

قبلها من جبينها ، ومسح على رأسها برفق شديد ، واختنق صوته إلى حد ما وهو يقول :

-انتي الهدية الغالية اللي فضلت من مامي !

......................................

التقت روان في طريقها بشبح إيثار .. ظنت انها توهمت رؤيتها وهي تترجل من سيارة الأجرة ، وحدقت في طيفها لفترة طويلة ..

ولكنها نفضت تلك الفكرة عن عقلها .. فمن المحال أن يقابلها أخيها بعد ما حدث بينهما من صدام موجع ..

هناك فجوة عميقة صارت بينهما ... حاجز ضخم تشكل بقوة ليحول بينهما ...فكيف يمكن أن تأتي إلى هنا ، لذا استبعدت الفكرة .. ودفعت بوابة الفيلا الرئيسية بيدها لتلج إلى الداخل ...

.....................................

كانت من أصعب اللحظات التي مرت بها ، بل من أقساها على الإطلاق .. أن تظل في نظر مالك مذنبة مخادعة ..

لم تستقل أي سيارة أجرة وظلت تسير هائمة على وجهها .. واكتفت بتغطية وجهها بنظراتها القاتمة ..

بكت من أعماق قلبها على القهر والظلم ..

هي كانت تحتاج إلى حضنه الدافيء ليعيد إليها ما افتقدته ..

لكنها وجدت فيه شخصاً أخر ..

رأت شخصية تشبه محسن في قسوتها ، وأخيها في ظلمها ..

ما أضنى قلبها حقاً هو تكوينه لعائلة صغيرة .. في الوقت الذي خدعت هي فيه وذاقت الأمرين من طليقها ..

فارق كبير بين حياتها وحياته ..

هو استعاد ما فقده ، وهي فقدت كل شيء ..

توقفت عن السير أمام أمواج البحر المتلاطمة ..

شردت في تصارعها وتلاحقها لتتذكر كيف تصارعت معها الحياة حتى أصبحت ما هي عليه الآن ...

......................................

ألقت روان بالصغيرة ريفان في الهواء وظلت تتقاذف معها الكرات وهما تمرحان سوياً في الحديقة الواسعة إلى أن انضم إليهما مالك ، فهتفت بسعادة :

-ماشاء الله ، روفي زي العسل يا مالك

رد عليها بهدوء :

-ايوه

أضافت روان قائلة بإبتسامة عريضة :

-هي شبه مامتها خالص !

أومــأ برأسه إيجاباً وهو يقول :

-ده حقيقي ، خدت لون عنيها وشعرها ، وحتى ملامحها

هتفت روان بمرح وهي تشير إلى نفسها :

-بس خفة دمها اكيد مني ، مش هاتكون نكدية زيك

نظر لها محذراً وهو يقول بجدية :

-روان !

ابتسمت له لتردد بسعادة :

-بهزر يا مالك ، مش تزعل مني

دنا منها أخيها ، وقبل أعلى رأسها ، وكذلك صغيرته ، ثم همس بصوت يحمل الحزن :

-مقدرش ، ده انتي الوحيدة اللي قريبة من قلبي

تعلقت في ذراعه ، ومالت برأسها على كتفه ، وهمست بخفوت :

-حبيبي يا مالوك ، ربنا يخليك لينا !

سـألها مالك بإهتمام وهو يمسح على شعرها :

-ها مش ناوية تيجي تستقري معايا في الفيلا ؟

هزت كتفيها نافية وهي تقول بجدية :

-لأ ، أنا عاوزة افضل مع عمتو

لكزها بخفة في مؤخرة رأسها ، وعاتبها قائلاً :

-يا بنتي ماتبقاش دماغك ناشفة زيهم ، مش معقول هافضل قاعد هنا لوحدي

ردت عليه بإصرار :

-وأنا مش هاقدر اسيبهم لوحدهم ، على الأقل لحد ما اقنعهم يجوا هنا

-طيب !

ظلت روان تلاعب الصغيرة إلى أن طرأ ببالها شيء ما ، فهتفت بنزق :

-تصدق أنا اتخيلت بمين النهاردة هنا

سألها بفتور وهو يعبث بهاتفه المحمول :

-مين ؟

ردت عليه بإبتسامة رقيقة :

-ايثار ! فاكرها ؟

تبدلت تعابير وجهه المرتخية إلى قاسية ، واشتدت حدة نظراته ، ثم ســألها بصرامة :

-وانتي شوفتيها فين ؟

هزت رأسها نافية وهي تقول :

-لأ ، أنا ماشوفتهاش ، أنا بأقولك أني اتخيلت بيها هنا

عضت روان على شفتيها بتوتر قليل ، فقد أرادت أن تستشف من أخيها عن أمر ما ظل يشغل تفكيرها لوقت طويل ..

أخذت نفساً عميقاً ، وزفرته على مهل ، ثم استجمعت شجاعتها وســألته بحذر :

-مالك ، هو .. هو انت لسه بتحبها ؟

وكأنها أشعلت فتيل غضبه ، فتوقف عن التحديق في هاتفه ، ثم رفع بصره نحوها ، ورمقها بنظرات نارية ، وصرخ بها بجنون أخافها :

-روان ! كلام في الموضوع ده مش عاوز !!!!!

خافت من هيئته المرعبة ، وأشارت له بيدها وهي تبتلع ريقها بإرتعاد قليل :

-طيب .. طيب ، مش تزعق فيا !

اكتسى وجهه بحمرة غاضبة شديدة ، وكور قبضته بشدة حتى ابيضت مفاصله من قوة الضغط ..

ثم تحرك بإنفعال مبتعداً عنها ، فسـألته بتوجس :

-انت رايح فين ؟ مش هاتتغدى معانا ؟!!!!

أجابها نافياً بقوة وهو يلتفت برأسه نحوها :

-لأ ، وماتمشيش إلا لما أبعتلك السواق يوصلك !

ردت عليه بمزاح محاولة تخفيف حدة الأجواء :

-أيوه يا عم ، بقينا من علية القوم

تابع مالك قائلاً بصوت آمر وجاد :

-اسمعي الكلام يا روان ، ماتمشيش إلا لما أبعتلك العربية بالسواق

ردت عليه بإبتسامة ناعمة :

-حاضر يا مالك باشا !

...................................

مـــــر الوقت على إيثار وهي جالسة على الشاطيء دون أن تشعر بتأخره .. فنهضت بتعب من على المقعد ، وقررت الذهاب إلى المكتب التابع لعملها لتقديم اعتذار عن رعاية صغيرة عائلة مالك ..

وبالفعل توجهت إلى هناك ، ولكنها تفاجئت بالمديرة تبلغها بجدية :

-للأسف اعتذارك مش مقبول يا إيثار

اتسعت حدقتيها في صدمة ، وهتفت بذهول :

-نعم

أوضحت المديرة قائلة بجدية :

-الأستاذ مالك أصر على وجودك لرعاية بنته !!!!

وبدت كمن تلقى صاعقة كهربائية للتو جعلت جسدها كله ينتفض على ذكر اسمه ..

هو رفض قرارها بالرحيل هكذا ، وأصر على على بقائها في العمل رغماً عنها وكأنها لا تملك حق الاختيار ..

تشنجت تعابير وجهها من تخيل هيئته الغاضبة وهو يحط من قدرها ، ويهينها بشراسة ، وهتفت محتجة وهي تصر على أسنانها :

-بس أنا مش موافقة

ردت عليها المديرة بهدوء حذر :

-مش هاينفع ترفضي ، انتي ماضية على تعاقد !

أدركت إيثار أنها واقعة في مأزق قانوني ، فتعاقدها بالفعل ينص على الالتزام مع العائلة حتى تنتهي مدة التعاقد .. وإلا وقعت تحت طائلة الشروط الجزائية ..

حاولت أن تبرر للمديرة موقفها الرافض ، فهمست برجاء :

-بس .. بس في أكفأ مني قادرين يقوموا بالمهمة دي بدالي ويمكن أحسن ، أرجوكي اقبلي اعتذاري ورشحيله الأفضل

هزت رأسها معترضة وهي تجيبها بإلحاح :

-هو رافض إن أي حد يشتغل غيرك ، ولو .. ولو انتي رفضتي للأسف مضطرية أطبق الشرط الجزائي !

خفق قلبها بفزع ، وتساءلت بتخوف :

-يعني ايه ؟

ردت عليها بضيق قليل :

-انتي عارفة بموضوع الشرط الجزائي ، ولو احنا خلفناه هنقع في مشاكل ، والأستاذ مالك وقع معانا على العقد ، فبالتالي انتي لازم تروحي !

هتفت إيثار بصوت شبه مختنق :

-بس آآ..

قاطعتها المديرة قائلة بجدية :

-ايثار ، انتي لو امتنعني عن شغلك هاتخسري كتير ، وهاتتحملي لوحدك قيمة الشرط ، وهو مش سهل

سألتها إيثار بقلق :

-كام يعني ؟

صمتت المديرة للحظات قبل أن تجيبها بتلعثم :

-مـ.. مليون جنية

شهقت إيثار مصدومة وهي جاحظة العينين :

-ايييييييه !!!!

.......................................

في مكان أخــــــر ،

أطلقت ســـــارة سبة لاذعة وهي تلقي بالصحن المتسخ في الحوض .. ثم رفعت ذراعها للأعلى لتجفف عرقها المتصبب .. فالجو كان حاراً للغاية ، وهي لم تعد تتحمل تلك الحياة المرهقة التي تعيشها ..

استندت بعدها بكفيها على حافته ، وأخفضت رأسها في خزي واضح ..

أغمضت عيناها بقوة لتمنع نفسها من البكاء حسرة على حالها ..

لقد ظنت أنها بمجرد أن تتزوج من ذلك الشاب الثري رامز ستصبح ملكة متوجة ترتاد القصور ، وتقتني أفخم الثياب وتتقلد أثمن المجوهرات ، ولكنها تفاجئت بأنها مجرد أوهـــام ، أكاذيب واهية خدعها بها ..

فرامز لم يكن سوى رجل عادي ، لا يملك الكثير ، وظيفته عادية ، يدين لغيره بالكثير من الأموال ، كان يبحث عن عروس ليتزوجها ليحصل على أموال من أبيه كنفقات للزيجة ، ولكنه ببساطة خدع الجميع ، وأتى بها لتخدمه وتنفق عليه .. فقد كان بخيلاً للغاية ، و لم ينفق عليها مليماً واحداً ....

في البداية خشيت ســـــارة أن تخبر عائلتها بما حدث معها فتتعرض للشماتة والتشفي خاصة وأنها كانت من أصرت على الزواج منه في أسرع وقت ..

فإدعت أنها بخير وحياتها مثالية .. ولكنها يئست من كل شيء ، وأرادت الخلاص نهائياً منه .. لكنها تقيدت هي الأخرى بالديون .. فأصبحت مجبرة على سدادها أولاً قبل أن تطلب الطلاق وترحل ، وإلا تعرضت للزج في السجن ..

عادت لترفع رأسها للأعلى ، ثم فتحت الصنبور ، وأكملت غسل الصحون المتسخة وهي تبكي ...

......................................

استطاع مالك أن يحاصر إيثار بحق ، لم يكن ليتركها تفر بما فعلته به دون أن يعاقبها على خيانتها له ..

وجودها الآن هو فرصة هامة – ولا تعوض - للإنتقام منها ، ولمحاسبتها على ما مضى .. نعم هي فرصته لتلقينها درساً أخراً في توابع الغدر والخداع ..

وبالفعل نجح في هذا ، ووقع بنفسه على عقد عملها ، وبات متأكداً من عجزها عن الرفض ، وسينتظر بترقب قدومها إليه ...

.....................................

فكرت إيثار ملياً طوال سيرها في حياتها بأسرها .. هي لم تحقق أي انجاز يذكر سوى في عملها الذي أحبته بشغف ، فأثبتت نفسها وكفائتها ، وحرفيتها مع الصغار بشهادة جميع من عملت معهم .. وها هي اليوم على وشك خسارته بسبب من أحبته ..

أردت ترك العمل معه لتتجنبه ، لكنه أجبرها عليه ليزيد من عذابها ..

هي لا تريد أن تعاني من وجوده في حياتها بأي صورة ممكنة ..

وهو وضعها في موقف صعب ..

لا يمكنها الإعتذار عن أداء واجب عملها بسبب قيمة الشرط الجزائي ، ولا يمكنها الصمود معه في مكان واحد وتحمل إهاناته وظلمه البيّن ، فباتت أمام خيارين كليهما أصعب من الأخــر ، وهي مضطرة للقبول بهما معاً ......................................


#الفصل_٢١


الفصل الحادي والعشرون

ترقب مالك وصول إيثار إلى فيلته بفارغ الصبر بعد أن قضى ليلته يكافح للنوم ..

لم يذهب إلى عمله اليوم ، وتعمد التأنق بصورة زائدة عن المعتاد ليوضح لها مدى ثرائه ..

جلست صغيرته أسفل قدميه تلعب بألعابها المنوعة و الجميلة ببراءة جلية ..

حدق هو بها بنظرات مطولة دارسة لتفاصيل وجهها بدقة ، متأملاً ضحكتها وعفويتها الساحرة ..

تحولت نظراته للحزن .. وتنهد بيأس ..

بالفعل هي تشبه والدتها كثيرا ، هي نسخة مصغرة منها .. تمتلك عيناها الزرقاوتين وبشرتها البيضاء الناعمة ، وشعرها الأشقر الذهبي..

شرد في ذكريات بعيدة جمعتهما سوا...

في لقاءات مميزة مع زوجته لانا ..

في حب قدمته له دون انتظار مقابل منه ..

في دعمها له في أصعب أوقاته ..

في دعمه والوقوف في ظهره حتى يقف على قدميه ..

في إخلاصها له حتى .......


قطع شروده الحزين صوت الخادمة راوية وهي تقول بهدوء :

-مدام إيثار موجودة برا


تصلبت تعابير وجهه .. وقست نظراته وتحولت للجدية بعد أن كانت شبه دامعة .

أخذ نفساً عميقاً ، وانتصب بكتفيه ، ثم استطرد حديثه بصوت صارم :

-خليها تدخل

أومــأت راوية برأسها وهي تقول بصوت خفيض :

-حاضر يا مالك باشا

في نفس التوقيت كانت إيثار تحاول الحفاظ على هدوئها وثباتها .. فهي مقبلة على أخطر تحدياتها ..

التفتت حولها بنظرات متوترة .. وتمسكت بحقيبتها بقوة وكأنها تحتمي بها ..

ضغطت على شفتيها بإرتباك ، وحاولت ضبطت أنفاسها المتلاحقة ، فوجودها هنا يثير أعصابها ، ويرهق قلبها بشدة ..


كانت دقات قلبها متسارعة بدرجة كادت تصم أذنيها ..

أغمضت عيناها لوهلة لتسيطر على توترها الرهيب ..

اقتربت منها الخادمة ولاحظت حالتها المرتبكة فإنتابها الفضول لمعرفة سبب اضطرابها والتوتر المشحون بينها وبين رب عملها ..

فكلاً منهما تتبدل أحواله بدرجة مزعجة فور رؤيتهما لبعضهما البعض..

تنحنحت راوية بصوت خافت لتنتبه لها إيثار ، وأردفت قائلة بابتسامة ناعمة :

-اتفضلي يا مدام ايثار ، مالك باشا في انتظار حضرتك في مكتبه

ثم أشارت لها بيدها لتتحرك هي ناحيته ...

استجمعت شجاعتها وحافظت على رباطة جأشها ، وخطت بثبات ناحية غرفته ..

استعد هو لمقابلتها بثبات عجيب أرعبها نوعاً ما حينما رأته بطلته المثيرة للإعجاب ..

ازدردت ريقها ، ورسمت إبتسامة ودودة مصطنعة على ثغرها ، وهمست بصوت خرج متحشرجاً رغم وضوحه :

-السلام عليكم !


-وعليكم السلام .. تعالي يا مدام

قالها مالك بصوت آجش متعمداً الضغط على حروف كل كلمة منها

تحركت بخطوات متعثرة للداخل ، وتحاشت النظر إليه ، وفضلت التركيز على الصغيرة والتي ما إن رأتها حتى نهضت من مكانها ، وركضت نحوها وهي تهتف بتلهف بنبرة غير واضحة :

-مـ..ما ... ما.. ماما ...ممم..

فهمتها إيثار على الفور رغم تقطعها ، فهزت كيانها بالكامل ، ولا إرادياً فتحت ذراعيها لتستقبلها ،فإرتمت الصغيرة في أحضانها ، ثم ضمتها إلى صدرها ورفعتها عن اﻷرضية ..

تابع مالك المشهد بإستغراب ومع ذلك حافظ على جمود تعابير وجهه ..

مسحت إيثار برفق على ظهر الصغيرة وظلت تهدهدها بحركات خفيفة ..

نهض مالك فجأة عن مقعده ، فجفلت إيثار من حركته المباغتة .. وجاهدت لتبدو طبيعية أمامه ..

تحرك ببطء نحوها وهو يقول بصرامة :

-من النهاردة إنتي ملزمة تتابعي بنتي ، مسئولة عن كل حاجة تخصها !

وقف في مقابلتها ، وطالعها بنظرات قوية أربكتها وهو يكمل مهدداً :

-أي شكوى ، أي تقصير هيبقى في حساب عسير !!

ابتلعت إيثار ريقها بصعوبة وردت عليه بصوت خافت وهي تتحاشى النظر إليه :

-حاضر .. يا .. يا مالك بيه

أرادت هي أن تشير بوضوح إلى الفارق بينهما حتى لا تترك لنفسها المجال للتفكير فيه بصورة أخرى .. هو أرادها مربية لابنته وهي ستلبي رغبته .. وستلتزم بكل ما يخص عملها ..


ما أثار فضولها حقا وشغل تفكيرها طوال ليلة الأمس هو رغبتها في رؤية زوجته .. تلك التي شاركته حياته وانجب منها هذه القطعة الملائكية ...

لم تشعر هي باقتراب مالك منها بدرجة خطيرة ، ارتجف جسدها حينما رأته يميل برأسه نحوها ، جحظت بعينيها مصدومة ، وشهقت بصوت مكتوم ، وتوردت وجنتيها بحمرة ملتهبة .. لكنها تفاجئت به ينحني ليقبل ابنته من رأسها ..

تقلصت المسافات بينهما ، وشعر هو بحرارة أنفاسها المنبعثة منها دون وعي .. فأغمض عينيه مقاوماً تأثيرها ..

وبلا قصد لمس كف يدها وهو يمسح على ظهر صغيرته ، فشعرت هي بإرتعاشة رهيبة تسري في جسدها ..

كذلك لم يختلف شعوره عنها ، فقد أثرت لمسته الغير متعمدة فيه ، وخفق قلبه بصورة مزعجة ..

زاد من جمود تعابيره ، وتراجع للخلف ، وتابع بصوت غليظ :

-لو في حاجة حصلت خلي راوية تكلمني ، سامعة

أومــأت برأسها دون أن تنبس ببنت شفة .. وتمسكت بالصغيرة بقوة ..

تحرك مبتعداً ليخرج من دائرة سحرها الذي مازال يؤثر فيه إلى الآن ..

عاتب نفسه بقسوة لإنهياره الوشيك من قربها المهلك ، وتممت مع نفسه بخواطره الشعرية ..

(( أَلَا تَترُكِيني لِحَالِي قَاتِلَتِي ؟

فَفِي قُربِكِ اِحتْرَاقِي ، وَفِي إِبْتَعَادِكِ عَنِي هَلَاكِي ))

...............................

عــــادت ســــارة من عملها وهي تطلق سباب متواصل ولاذع لاعنة فيه كل شيء ، فها هو يوم أخر يمر عليها وهي تُهان ويُساء إليها خلال عملها ، وعليها ألا تشتكي أو تتذمر ..

رمقت رامز النائم على الأريكة بنظرات نارية ، ثم هدرت فيه بصوت غاضب :

-قوم يا رامز ، اصحى كده وكلمني

تثاءب بصوت مرتفع ، ونظر لها بنصف عين ، ثم رد عليها بصوت متحشرج :

-يادي القرف ! هو انتي جيتي

صاحت فيه بصوت منفعل وقد تحول وجهها لكتلة من اللهب :

-قرف ! أما أنا قرف اتجوزتني ليه ؟ ضحكت عليا واستغفلتني وجبتني في الهم ده ليه ؟

أجابها ببرود مستفز وهو يوليها ظهره

-كنت عاوز فلوس ، ومكونتش هاعرف أخدها من أبويا غير لما أتجوز

صرخت فيه بجنون وهي تلوح بذراعها في الهواء :

-إنت أوطى حد عرفته

رد عليها بجمود :

-الحال من بعضه ، إنتي نفسك ريلتي عليا أول ما شوفتيني ، مصدقتي أني طلبتك للجواز ، وطمعتي فيا ، اشربي بقى

ثم قهقه عالياً ليثير حنقها أكثر ، وبالفعل نجح في هذا فأصابها حالة من الإنفعال الشديد وهدرت صارخة :

-أنا بأكره نفسي وبألعن اليوم اللي شوفتك فيه ، واليوم اللي وافقت فيه اتجوزك!

تثاءب بتثاقل ، وتمتم بصوت ناعس غير مكترث بها :

-العني براحتك ، وسيبني أنام !

بصقت عليه وصرت على أسنانها لتقول بشراسة :

-ربنا ياخدك يا شيخ

رد عليها بنبرة باردة متهكمة :

-هياخدني وانتي معايا ! ماتتعشميش كتير

ركلت الأرضية اللامعة بقدمها ، ثم اندفعت للداخل وهي تكمل سبابها ...

........................................

قضت إيثار معظم نهار عملها وهي ترعى الصغيرة ريفــان بإهتمام كبير ..

شاركتها اللعب ، وعلمتها مهارات الحياة الأساسية بمودة ، وأطعمتها غذائها بحب .. وجلست تسرد لها القصص الطرفية وهي تمشط شعرها بنعومة ..

راقبتها راوية من على بعد بناءاً على تعليمات مالك ، فرأت فيها الأم الحنون ..

اقتربت منها وهي تحمل صينية مليئة بالمشروبات الباردة ، ثم أسندتها أمامها ، وهتفت بحماس :

-أكيد انتي عطشانة يا مدام إيثار ، أنا عملتلك آآ..

قاطعتها إيثار قائلة بصوت رقيق :

-قوليلي إيثار على طول ، مافيش داعي لمدام

ردت عليها راوية بحرج :

-ودي تيجي بردك

ابتسمت لها إيثار قائلة بود :

-معلش عشان خاطري !

هزت راوية رأسها ممتثلة لطلبها وهي تقول :

-حاضر !

ثم بدأت في ترتيب الكؤوس في الصينية لتصب المشروب ..

نظرت لها إيثار بحذر ، وتردد في سؤالها عن أمر ما ، فهي منذ تواجدها بالفيلا لم تلتقِ بزوجة مالك ..

اعتقدت هي في وجود خلاف ما بينهما ، أو ربما هي لم تعد بعد من الخارج ، أو مريضة .. دار في رأسها عشرات الأسئلة عنها .. وفي النهاية عقدت العزم على سؤال راوية عنها ، لذا ابتسمت بهدوء وهي تسألها بتردد قليل :

-هو .. هو أنا ممكن أســأل سؤال ؟

ردت عليها راوية بمرح :

-اه اتفضلي

تساءلت إيثار بحذر وهي ترمش بعينيها

-فين مامت ريفان ؟ أنا مش شوفتها خالص هنا ! هي آآ.. مسافرة ؟

عبس وجه راوية قليلاً ، وتمتمت بحزن :

-مدام لانا

ارتسم على تعابير وجه إيثار علامات الضيق بعد معرفتها لإسم زوجة مالك ، وهمست بنبرة شبه منزعجة :

-هي اسمها لانا ؟

تنهدت راوية بعمق وهي تجيبها :

-اه ، الله يرحمها ، كانت انسانة رقيقة وجميلة

شهقت إيثار مصدومة، ووضعت يدها على فمها وهي تهتف بذهول :

-هي .. هي ماتت ؟؟!!!!!

هزت راوية رأسها في حزن وهي توضح قائلة :

-أيوه ، أصل آآ...

قضمت عبارتها بسبب رنين هاتفها ، فأشارت بيدها لها وهي تقول بجدية :

-لحظة ، هاشوف التليفون

ردت عليها إيثار بتفهم :

-اتفضلي

وضعت راوية الهاتف على أذنها بعد أن ضغطت على زر الإيجاب ، وأدرفت قائلة بهدوء :

-ايوه يا مالك باشا ، اطمن كل حاجة بخير

صمتت للحظة قبل أن تتابع :

-حضرتك جاي كمان شوية ؟

أومــأت برأسها بإيماءة خفيفة وهي تكمل :

-تمام ، الأكل هايكون جاهز

أنهت معه المكالمة ، ثم أشارت بكلتا يديها وهي تقول بإضطراب :

-عن اذنك يا مـدام ..آآ.. قصدي يا إيثار ، هاروح أجهز الأكل قبل ما الباشا يرجع

ابتسمت لها إيثار بود وهي تردد :

-خدي راحتك

عاودت إيثار التحديق في الفراغ بشرود بعد تلك المعلومات المقتضبة عن حياة مالك طوال الفترة الماضية ..

......................................

لاحقاً نامت الصغيرة ريفان بعد يوم حافل ، فحملتها إيثار برفق لتضعها في فراشها ..

ظلت واقفة أمامها تطالعها بنظرات اشفاق ... فهي طفلة يتيمة حُرمت من حنان الأم وحضنها في هذا السن المبكر ..

ورغم الآلم الذي شعرت به تجاهها إلا أنه لا يقــارن بإحساسها تجاه مالك ..

أشفقت عليه هو الأخــر ، ففقدان عزيز يؤثر بنا بأي حال ، فماذا عمن شاطرنا جزءاً من حياتنا

لم تشعر بوجود مالك معها في الغرفة ، فقد عـــاد من عمله ليطمئن على صغيرته ..

فجذبه رؤيته لإيثار تداعب طفلته النائمة بحنو ، وراقبها في صمت ..

تنهد بعمق ليقاوم إحساسه نحوها ، أراد أن يظل حانقاً عليها ، كارهاً لها ، لكن مشاعرة مضطربة ، مذبذبة نحوها ...

تنحنح بخشونة وهو يلج للداخل بخطوات بطيئة وثابتة ، فانتبهت هي لوجوده ، واعتدلت في وقفتها ..

لم ينظر نحوها ، وسلط أنظاره على صغيرته ، وأردف متساءلاً بصوت خفيض :

-أخبارها ايه ؟

ردت عليه بصوت رقيق رغم خفوته :

-بخير الحمدلله

دس يده في جيبه ليخرج حفنة من الأموال ، ثم مد كفه بها نحوه وتابع قائلاً ببرود :

-خدي

نظرت لما في يده بإستغراب ، ثم رفعت رأسها لتنظر نحوه والإندهاش لم يفارق نظراتها ، وسألته قائلة :

-دول ايه ؟

رد عليها ببرود موجز وهو يرمقها بنظرات شبه إحتقارية :

-أجرتك

اتسعت حدقتيها مصدومة وهي تردد :

-نعم

تابع قائلاً بإبتسامة متهكمة :

-هو انتي بتشتغلي ببلاش ؟

ردت عليه بكرامة وهي ترفع رأسها للأعلى في كبرياء :

-لأ .. بس اللي أعرفه اني الواحد بيقبض مرتبه في أخر الشهر ، أو لما يخلص شغله مش باليومية

برر لها قائلاً بإستهزاء :

-اعتبريه تحت حساب ، اهو حاجة تصرفي بيها على نفسك بدل ما تستني تمدي ايدك لجوزك وآآ...

قاطعته قائلة بحنق :

-خلي فلوسك في جيبك يا مالك بيه ، لما يجي ميعاد قبضي حضرتك تقدر تسلمه للمكتب ، وانا هاخده من هناك ، غير كده مافيش فلوس هاخدها من حضرتك مباشرة ، عن اذنك ميعاد انصرافي جه !

ثم تركته وانصرفت وهي تحاول منع نفسها من ذرف العبرات ، فكلماته الجارحة أهانتها بشدة ، وزادت من وخزات قلبها ....

شعر مالك بالضيق من ردة فعلها المعتزة بنفسها والتي تناقض ذلك التصور المادي الحقير الذي وصمه بها ، وحاول إقناع نفسه أنها تدعي كل هذا للإيقاع به مجدداً ..

وظل يردد لنفسه بقوة أنها مجرد كاذبة مخادعة تضع قناع البراءة على وجهها ، وعليه بالحذر منها كي لا يقع في فخها مجدداً ..

....................................

انزوت إيثار في غرفتها ، ورفضت تناول الطعام مع عائلتها ، وأخذت ترثي حالها ..

أمسكت بصندوق ذكرياتها الخشبي ، والذي جمعت فيه كل ما ربطها بمالك ، وفتحته لتنظر في القصاصات الموضوعة به ، وتنهدت بآسى وهي تعاتبه قائلة :

-ليه انت كمان جيت عليا ؟ ليه ؟

أغلقت الصندوق وعبراتها تنهمر بغزارة على وجنتيها ، ثم أسندت رأسها على الوسادة لتدفن نفسها فيها وتكمل بكائها المكتوم ....

.......................................

مرت عدة أيـــــام على مالك وهو يتابع بدقة عمل إيثار مع ابنته التي اندمجت معها كثيراً ..

كان يتعمد عدم التواجد في الفيلا قدر الإمكان طوال فترة وجودها حتى لا يؤثر عليه حضورها ..

ولكن أسعده حقاً هو حالة الود والألفة بينهما .. فقد ملأت هي وجود الفراغ في حياة ابنته اليتيمة ..

-مالك بيه ، حضرتك متابع معايا

قالها أحد الأشخاص بصوت جاد لينتبه له ويفق من شروده ، فابتسم قائلاً بهدوء :

-اه معاك ، اتفضل كمل عرضك !

.............................

استقلت روان الحافلة لتذهب إلى أخيها بعد أن تعذر عليها استئجار سيارة أجرة ، ولكنها لم تتوقع أن تجد فيها من يحاول التحرش بها أثناء جلوسها ..

في البداية ظنت أنها تتوهم وجود من يتلمس جسدها من الجانب ، فإرتعشت قليلاً ، ثم تحركت مبتعدة ، وانكمشت في مقعدها ، لكن تكرر الأمر مجدداً ، فجحظت بعينيها بذعــر ، والتفتت برأسها للجانب لتنظر إلى ذلك الحقير الذي يتطاول عليها ..

كان ذلك الدنيء محدقاً أمامه ، ومسنداً ليده على طرف المقعد الأمامي ، بينما يده الأخــرى تمتد خلسة لتلمسها ، فإستشاطت غضباً ، وصرخت فيه فجأة :

-ما تحترم نفسك يا قليل الأدب

نظر لها الرجل شزراً ، وصاح ببرود وكأنه لم يفعل شيئاً :

-جرى ايه يا بت انتي ؟ هو في حد جه جمبك ، ولا ده رمي بلى ؟!

دهشت مما قالته ، وفغرت شفتيها مصدومة ، ثم سريعاً استجمعت شجاعتها ، وصرخت فيه بإنفعال :

-أنا بأرمي بلايا واللي انت اللي مش قاعد محترم وعمال تلزق فيا !

انتبه عمرو –والذي كان يجلس في الخلفية – للمشاجرة الكلامية الدائرة في المقدمة ، وصدم حينما رأى جارته روان هي من تصرخ في ذلك الغريب .. فنهض عن مقعده فوراً ، وتحرك في اتجاهها ..

تابع الرجل قائلاً بحدة :

-نعم ، انتي هتتبلي عليا ولا ايه

صاحت فيه روان بغيظ وقد احتقن وجهها بشدة :

-أنا هاتبلى عليك !!!!!!

أكمل الرجل قائلاً بفظاظة :

-الأشكال بتوعكم دي أنا عارفها كويس

وقف عمرو أمام مقعد ذلك الرجل ، وحدق فيه بنظرات نارية ، ثم تساءل بصوت قاتم :

-في ايه يا آنسة روان ؟

تفاجئت هي من رؤيته أمامها ، ورددت بذهول :

-هاه ، عمرو !

وجه عمرو حديثه للحقير الجالس إلى جوارها ، وأمسك به من تلابيبه ليجبره على النهوض وهو يصيح به بصوت غاضب :

-انت بتكلمها كده ليه ؟

حاول الرجل تخليص نفسه من قبضتيه ، وهتف محتجاً بوقاحة :

-هو أنا جيت جمبها أصلاً

سلط عمرو أنظاره على روان ، وسألها بصوت قوي :

-هو عملك حاجة ؟

ابتلعت ريقها بتوجس ، ورغم شعورها بالإرتياح لوجود من يساعدها ، إلا أنها كانت محرجة من كونه جارها الذي تكرهه ، ومع ذلك أجابته بحدة بعد أن رأت نظرات الاتهام واضحة في عيني الدنيء لها :

-الحيوان ده كان بيلمس جسمي وآآ...

لم تكمل جملتها للنهاية حيث تفاجئت بعمرو يلكم ذلك الحقير بشراسة في وجهه وهو يصرخ فيه بغضب :

-بتحط ايدك على بنات الناس يا **** ، يا ابن ****

تأوه الرجل من الآلم ، ودافع عن نفسه بخوف :

-والله هي اللي بتكدب !

اغتاظ عمرو من كذبه الصريح ، ولكمه بعنف أشد وهو يهدر بإنفعال :

-بتحلف بالله كدب !

صاح الرجل مستغيثاً ، وهو يتآلم :

-آآآآه ، آآآي !

أضاف رجل ما جالساً على مقربة :

-معدتش في خشى ، ولاد ناقصين تربية

توعده عمرو قائلاً وهو يكمل ضربه :

-أنا هاربي اللي جابوك !

وبعد أن أفرغ عمرو شحنة غضبه فيه ، أردف قائلاً بصوت متشنج :

-انزلي يا آنسة روان هنا

أومــأت برأسها موافقة ، وتحركت بإستحياء للأمام ، ثم ترجلت من الحافلة ..

لحق بها عمرو ، وأخذ يعدل من هندامه ، ثم تساءل بجدية وهو ينظر لها بتفحص :

-انتي كويسة ؟

هزت رأسها بإيماءة خفيفة :

-ايوه !

ترددت هي في شكره على مساعدتها إياها ، ولكنه كان يستحق هذا ، لذا بلا تفكير طويل ، هتفت قائلة بحذر :

-أنا .. أنا متشكرة على اللي عملته معايا

-أنا معملتش حاجة ده واجبي ، إنتي زي إيثار وأنا مقبلش إن حد قذر يمد ايده عليها

خجلت منه ، وابتسمت قائلة بإيجاز :

-ميرسي

سألها عمرو بهدوء :

-تحبي أوصلك في حتة ؟

حركت رأسها نافية وهي تقول :

-لأ شكراً ، أنا ..آآ

أخفضت بصرها لتحدق في كنزتها فوجدتها ممزقة من الجانب ، فصرخت بفزع :

-يا لهوي !

سألها بتوجس وهو مسلط أنظاره عليها :

-في ايه ؟

ردت بإرتباك وهي تحاول تغطية جسدها :

-دي بلوزتي مقطوعة !

صدم مما قالته ، وهتف بذهول :

-ايه ؟

همست روان بخجل كبير وهي تتلفت حولها :

-يادي الفضايح

أشـــار لها بيده وهو يقول بهدوء جاد :

-طب اهدي !

ثم نزع عنه سترته ومد يده بها نحوها وهو يتابع بصوت آمر :

-خدي البسي ده عليكي !

اعترضت بشدة وهي تقول :

-لالالا ، ماينفعش

قطب جبينه بتعجب ، وهتف بصوت شبه منزعج :

-هو ايه اللي ماينفعش ، استري نفسك بيه ، وأنا هاوصلك البيت ، تعالي معايا !

أخذت سترته منه على استحياء ، ووضعتها على كتفيها ، ثم نفخت بضيق وهي تتمتم بصوت خافت :

-أوف ، يا ربي ، هو كان لازم يحصل كل ده !

.................................

أعدت إيثار ملابس ريفان ووضعتها على فراشها الصغير ، ثم اقتربت منها لتقول بمرح :

-يالا يا روفي ، وقت الشاور بتاعك، وبعدها هنلعب كتير ، وهاحكيلك على حاجات حلوة

لم تجبها الصغيرة كالمعتاد بكلماتها المبهمة ، بل كانت شاحبة الوجه قليلاً ، ساكنة على غير عادتها ..

نظرت لها إيثار بريبة ، واقتربت منها لتحملها لكنها تفاجئت بإرتفاع حرارة جسدها ، فشهقت مذعورة :

-انتي سخنة أوي يا قلبي !

ضمتها إلى صدرها ، ثم ركضت بها مسرعة خارج غرفتها وهي تصرخ بهلع :

-راوية ، يا راوية ، الحقيني بسرعة ريفان سخنة جدا

ثم نزلت سريعاً على الدرج وهي تكمل صراخها المرعوب ..

أتت الخادمة على إثر صوتها ، وهتفت متوجسة و بنبرة عالية :

-يا ساتر يا رب ، أنا هاكلم مالك باشا أبلغه

تابعت إيثار ركضها نحو باب الفيلا وهي تقول بقلق بالغ :

-كلميه ، أنا مش هاستنى، هاوديها على المستشفى ، السخونية خطر جداً عليها

-استني طيب

حاولت راوية اللحاق بها لتوقفها وهي تهاتف مالك ، ولكنها لم تتمكن من هذا ..

....................................

استقلت إيثار سيارة الأجرة ، وطلبت من السائق التوجه بها إلى أقرب مشفى لإنقاذ الصغيرة ..

في نفس التوقيت أبلغت راوية مالك بما حدث فجن جنونه لتركها إياها تأخذ ابنته بمفردها دون الذهاب معها ومعرفة إلى أين ذهبت بها ، وصاح مهتاجاً فيها ، وترك عمله وهو يتوعد إيثار بشراسة ...

...............................

لعن مالك نفسه لأنه لم يكلف نفسه العناء لأخذ رقم هاتف إيثار ليطلبها ، وتعذر على راوية الوصول إليها بسبب تركها لهاتفها في فيلته ..

بدى كالمجنون وهو يبحث عن اسم ابنته في المستشفيات الخاصة والعامة ، وكلف موظفيه بالتواصل مع جميعهم وإبلاغه بمكانها إن توصل إليها أحدهم ، وبالفعل عرف موظف منهم مكانها ، وأبلغ رب عمله بهذا ، فقاد سيارته بسرعة رهيبة نحو مكانها ...

.....................................

تنفست إيثار الصعداء بعد إسعاف الطبيب للصغيرة راوية ، وإخفاضه لحرارتها المرتفعة ، فاحتضنتها بقوة في صدرها ، وظلت تقبلها بشغف .. وأدمعت عيناها وهي تقول بإمتنان :

-كتر خيرك يا دكتور ، إنت مش متخيل أنا كنت مرعوبة عليها ازاي

ابتسم الطبيب لها ، ورد بنبرة هادئة :

-اطمني يا مدام ، بنتك زي الفل ، دي حاجة عادية للأطفال اللي في سنها

نظرت له مدهوشة من كلمته ، فقد اعتقد من لهفتها عليها وخوفها الطبيعي أنها والدتها بالفطرة ..

لم ترد أن تخيب ظنه ، واكتفت بالإبتسام له بكل تهذيب ، لكن سريعاً ما تلاشت ابتسامتها ، وزاغت نظراتها ، وحل الوجوم والخوف عليها حينما رأت مالك مقبلاً عليها وعلى وجهه علامات نذير شـــــر جلي ............................

تابعووووووني 



الفصل الثاني والعشرون والثالث والعشرون من هنا



بداية الروايه من هنا



رواية منعطف خطر كامله من هنا



رواية زواج لدقائق معدودة كامله من هنا



رواية خيانة الوعد كامله من هنا



رواية نار الحب كامله من هنا



رواية الطفله والوحش كامله من هنا


رواية منعطف خطر كامله من هنا


رواية فلانتيمو كامله من هنا



رواية جحيم الغيره كامله من هنا



رواية مابين الضلوع كامله من هنا


رواية سيطرة ناعمه كامله من هنا


رواية يتيمه في قبضة صعيدي كامله من هنا



الروايات الكامله والحصريه بدون لينكات من هنا


إللي خلص القراءه يدخل هيلاقي كل الروايات اللي بيدور عليها من هنا 👇 ❤️ 👇 


❤️🌺🌹❤️🌺❤️🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹🛺🛺🛺🛺🛺


الصفحه الرئيسيه للروايات الجديده من هنا


جميع الروايات الحصريه والكامله من هنا


انضموا معنا علي قناتنا بها جميع الروايات على تليجرام من هنا


❤️🌺🌹❤️🌺❤️🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹🛺🛺🛺🛺🛺











تعليقات

التنقل السريع
    close