القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية وبقي منها حطام انثي الفصل الثاني والعشرون والثالث والعشرون بقلم الكاتبه منال سالم حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات


رواية وبقي منها حطام انثي الفصل الثاني والعشرون والثالث والعشرون بقلم الكاتبه منال سالم حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات 


رواية وبقي منها حطام انثي الفصل الثاني والعشرون والثالث والعشرون بقلم الكاتبه منال سالم حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات

الفصل الثاني والعشرون

ابتلعت إيثار ريقها بتخوف واضح حينما رأت مالك مقبلاً عليها وعلى وجهه قساوة غريبة ..

ارتعاشة خفيفة دبت في أوصالها ، وجاهدت لتحافظ على ثباتها أمامه ، التقت عيناها بعينيه ، ورأت فيهما تهديداً صريحاً ..

نعم عاصفة هوجاء على وشك الانطلاق الآن في وجهها ..

راقبة ردة فعله بتخوف .. وتراجعت بحذر خطوة مبتعدة عن الفراش ..

انحنى مالك على طرف الفراش ليقبل صغيرته النائمة بحنو ، ورفع عيناه في اتجاه إيثار ليحدجها بنظرات أخافتها ..

اعتدل في وقفته ، وأخذ نفساً عميقاً ، وقبل أن يفتح فمه ليصيح بها ، أردف الطبيب متساءلاً :

-حضرتك والد البنوتة ؟

أجابه مالك بصوت قاتم وعينيه لم تحد عن إيثار :

-ايوه !

تابع الطبيب قائلاً بنبرة إعجاب وهو يشير بيده :

-اطمن عليها ، المدام بتاعة حضرتك اتصرفت صح ، وجابتها على طول على هنا ، والحمدلله ده فرق مع الطفلة كتير !

صمت مالك ولم يعقب ، ولكنه استدار برأسه تجاه الطبيب لينظر له بدقة ..

ابتسم له الطبيب وهو يضيف :

-انت محظوظ إن عندك أم حريصة زيها ، ربنا يخليكوا لبعض !

جحظت إيثار بعينيها عقب عبارة الطبيب الأخيرة ، وتلاحقت أنفاسها نوعاً ما ..

بينما تبدلت نظرات مالك للصدمة ، فلم يتوقع أن يلفظ الطبيب بتلك الكلمات تحديداً ..

حاولت هي تدارك الموقف ، وهمست بصوت شبه متحشرج :

-الحمدلله إنك جيت ، أنا كنت آآ....

قاطعها مالك قائلاً بشراسة أجفلتها وهو يحدجها بنظرات مميتة :

-ولا كلمة !

استشعرت الخطر في نبرته ، فازدردت ريقها ، وهتفت قائلة بنبرة شبه ثابتة :

-أنا .. عملت واجبي معاها وآآ..

تحرك مالك ليقف قبالتها ، فتوقفت عن الحديث ونظرت له بتوتر ..

حدق بها بنظرات خالية من الحياة ، نظرات أخافتها إلى حد ما ، وقبل أن تتجرأ على النطق ، صاح بها بغلظة :

-إنتي ازاي تتجرأي وتاخدي بنتي من ورايا ؟!

اهتز جسدها من صوته المرتفع ، وأجابته بتلعثم وهي تبرر تصرفها :

-أنا .. أنا مكانش ينفع أسيبها وهي حالتها تعبانة وسخنة !

صرخ بها معنفاً إياه وهو يشيح بيده أمام وجهها :

-تستنيني ، تاخدي راوية معاكي ، لكن تاخديها لوحدك وتختفي بالشكل ده وتخليني أقلب عليكم الدنيا عشان أعرف طريقكم !

إنتاب إيثار حالة من الخوف الظاهر حتى في إرتعاشة جسدها ، فقد لاح في بالها ذكرى اعتداء محسن عليها بالضرب ، خاصة حينما تشابهت حركات مالك الملوحة بذراعه مع حركات طليقها ، فتراجعت بحذر للخلف لتترك مسافة أمنة بينهما ، ثم ردت عليه بصوت شبه مرتجف :

-مجاش في بالي ساعتها ، أنا .. أنا كان مصلحتي ريفان وبس

صرخ بها متعمداً إهانتها :

-انتي مش أمها عشان تعرفي مصلحتها أكتر مني ، إنتي شغالة عندي !

ارتجفت من صراخه ، وابتلعت إهانته بصعوبة ، ثم أخفضت عيناها اللامعتين لتتجنب النظر إليه ، وهمست بصوت خفيض :

-عندك حق ، أنا .. فعلاً مش أمها ، بس على الأقل قومت بدوري معاها

أخذ مالك نفساً عميقاً ليسيطر على غضبه .. فبالرغم من تصرفها الأهوج إلا أنها فعلت الصائب مع ابنته ..

لم يستطع شكرها على ما فعلت ، وتحكم في مشاعره التي اضطربت قليلاً لرؤيتها في تلك الحالة الغريبة .. لم يحدد إن كانت حقاً خائفة منه أم تدعي هذا ..

أقنع نفسه أنها تفعل ذلك لنيل تعاطفه ، لذا جمدت تعابير وجهه ، وقست نبرته وهو يحذرها بتهديد صريح :

-لو اتكرر الموضوع ده تاني يا إيثار مش هايحصلك طيب ، إنتي سامعة !

أومـــأت برأسها إيجاباً وردت ممتثلة لأمره :

-حاضر يا مالك بيه !

ثم تحركت مبتعدة عنه ، فتعجب من تركها إياه ، فالتفت برأسه نحوها ، وسألها بصرامة :

-رايحة فين ؟

لم تستدر نحوه ، وأجابته بصعوبة وهي تحاول الحفاظ على ثبات نبرتها :

-حضرتك دلوقتي موجود مع بنتك ، وأنا دوري خلص ، فمروحة ، عن اذنك

وقبل أن تخطو خطوة أخــرى للأمام ، صاح بها بصوت آمر جعلها تتسمر في مكانها :

-استني !

تنفست بعمق ، وحافظت على رباطة جأشها وهي ترد بإقتضاب :

-افندم

تحرك ناحيتها ، ووقف إلى جوارها ثم نظر إلى جانب وجهها ليتأملها بتفرس ، وتابع قائلاً بجدية :

-رقم موبايلك يبقى معايا ، وتكلميني لو حصل أي حاجة تخص ريفان !

لم تلتفت نحوه ، بل رفعت رأسها في كبرياء ، وردت عليه بعزة نفس :

-حاضر ، عن اذنك !

...........................................

ترجل عمرو من سيارة الأجرة ، وفتح الباب لروان التي نظرت له بإندهاش من تصرفه الذي لا يليق مع وقاحته وغلظته المعتادة ..

تلفت حوله وهو يقول بهدوء جدي :

-اتفضلي انتي على البيت ، وأنا هامشي وراكي

قطبت جبينها بتعجب ، وسألته بعدم فهم :

-ليه ؟

نظر إليها بثبات ، وأجابها بجدية :

-عشان أضمن محدش يضايقك وانتي ماشية ، وكمان مافيش أي حد يقول كلمة عننا لو شافونا ماشيين سوا

تفهمت روان مقصده ، والتوت شفتيها بإبتسامة خفيفة ، ثم فعلت ما طلبه .. وخطت بإرتباك أمامه .. وشعور قوي بالأمان يتخللها ..

حافظ عمرو على مسافة ثابتة بينهما وهو يلحق بها

فكرت روان مع نفسها أنها ربما أساءت فهمه منذ البداية .. فشهامته تلك لم تتوقعها معها بعد المواقف التي صارت بينهما ..

لكنها لم يتخلَ عنها في موقف حرج ، وأثبت لها إن هناك رجالاً بحق ..

راقب عمرو روان بنظرات غريبة غير التي كان يراها مسبقاً بها ..

لقد تغيرت تلك الفتاة كثيراً ، لم تعد الصغيرة الطائشة التي كانت تدفع شقيقته للجنون .. بل أصبحت أكثر عقلانية واتزاناً ..

لاح على فمه شبح ابتسامة وهو يرى فيها شابة جميلة .. لكن سريعاً نفض عن عقله تلك الأفكار الغريبة ، وغض بصره وهو يتابع سيره خلفها ...

......................................

خرجت إيثار من المشفى وهي في حالة يرثى لها ..

مازال مالك قاسياً عليها ، يعاملها وكأنها الجانية في حقه ..

ولم يفكر للحظة في كونها المجني عليها .. ضحية كل شيء ..

تأخر الوقت نوعاً ما ، وكان الطريق شبه خاوياً من المارة والسيارات ..

فسارت هي على غير هدى باحثة عن طريق رئيسي لتتمكن فيه من الحصول على سيارة أجرة لتستقلها وتعود إلى منزلها ..

تذكرت أنها لم تحضر معها المال الكافي لتدفع الأجرة ، فزفرت في ضيق .. وأكملت سيرها.

مرت هي بشابين كانا يقفان على قارعة الطريق ، ولكن لم يكونا في حالة طبيعة ، فقد بدى أنهما يتعطيان شيئاً ما ..

لذا أسرعت في خطواتها وهي تمر من جوارهما ..

التقطت أذنيها إيحاءات جارحة مسيئة إليها ، فتشبثت بطرف حجابها ، وتسارعت خطواتها بإرتباك

-شايف المزة دي !

قالها أحد الشابين بصوت مرتفع متعمداً أن يصل إلى مسامعها ، بينما أضاف الأخر بنبرة مخيفة :

-طلقة !

تحرك الاثنين خلفها ، وحاولا اللحاق بها ، وتابع بصوت ثقيل :

-ايه يا جميل ، مركبة موتور في رجليكي الحلوة دي ، ما تمشي كده تاتا تاتا

ارتجف جسدها بشدة ، وشعرت بالرعب من حديثه المنفر .. وأسرعت في خطواتها الراكضة ..

أضاف الأخر بصوت عالي :

-ايوه بالظبط ، تاتا خطي العتبة ، يا مزة !

ثم قهقه كلاهما بصوت مرتفع أثار خوفها واشمئزازها في نفس الوقت ..

هوى قلبها في قدميها من فرط الخوف والقلق ..

قررت هي أن تسرع في خطواتها فبدت كالتي تركض هاربة من شيء ما ..

اقترب الشاب منها ، ومد يده ناحيتها وهو يقول بصوت غريب :

-انتي خايفة يا مزة ، ده احنا هانقول كلمتين في بؤ بعض !

ارتعش جسدها بفزع ، والتفتت برأسها لتنظر إليهما فوجدتهما يلحقان بهما ، فصاحت بصوت مرتجف :

-احترم نفسك انت وهو ، معندكش اخوات بنات ، عيب كده

قهقه الشابان على كلماتها المذبذبة ، ورد عليها أحدهما :

-لأ معنديش ، وأنا ناقص تربية وعاوز مزة زيك تربيني

سمع ثلاثتهم صوت مكابح سيارة قوي جعلهم يلتفون برؤوسهم نحوها ..

اتسعت حدقتي إيثار في صدمة حينما رأت سيارة دفع رباعي - موديل جيب – تقطع الطريق ، وزادت دهشتها حينما رأت مالك يترجل منها ليتجه نحو الشابين ، ويتشاجر معهما ..

تسمرت في مكانها مرعوبة ، وابتلعت ريقها في خوف بائن ..

تمكن هو من إبعادهما بعد أن هددهما وسبهما بألفاظ شنيعة ، تفاجئت هي من كون مالك يلفظها ..

أفاقت من دهشتها المرتعدة على صوته وهو يأمرها :

-اركبي العربية

هزت رأسها نافية بصورة عفوية ، فصرخ بها بنبرة عنيفة :

-اسمعي الكلام واركبي ، ولا منتظرة حد تاني يمد ايده عليكي

ارتجف جسدها من كلماته ، ومن نظراته الحادة التي اخترقتها ..

اتجهت نحو سيارته ، وقبل أن تمد يدها لتفتح باب المقعد الخلفي ، وجدته يفتح لها الباب الأمامي ، فنظرت له بتوجس ، بينما أضاف قائلاً بغلظة :

-ريفان أعدة ورا في الكرسي بتاعها ، ومافيش مكان ، اتفضلي قدام

دققت النظر في المقعد الخلفي فوجدته مشغولاً بالفعل بمقعد الأطفال ، وريفان غافية عليه ..

ضغطت على شفتيها المرتعشتين ، وركبت بحذر السيارة ..

أغلق الباب خلفها بهدوء ، ثم تحرك ليركب في مقعد القائد ..

التصقت إيثار بباب مقعدها ، وتحاشت النظر إليه ..

وزع مالك نظراته بينها وبين الطريق ، ولاحظ تلك الإرتعاشة الخفيفة التي تصيبها..

ظن أنها تفتعل هذا لتثير تعاطفه ، فرمقها بنظرات ساخطة ، ثم هتف متساءلاً بقسوة من بين أسنانه :

-كنتي رايحة فين على كده ؟

ردت عليه بصوت خافت :

-أنا .. أنا كنت راجعة البيت

مط شفتيه ليقول بسخرية :

-ممم.. مروحة لجوزك ، تلاقيكي أصلاً مش على باله !

لم تجبه .. بل حاولت ضبط انفعالاتها أمامه ، لا تريد إظهار ضعفها ، ولا حزنها كي لا يزيد من قسوته وتهكمه منها ..

أغاظه صمتها ، فتابع بجمود :

-انتي رايحة فين عشان أوصلك ؟ ما هو أنا مش هاعرف بيتك بنفسي !

ردت عليه بصوت خافت وشبه مختنق وهي محدقة في الطريق أمامها

-أنا .. أنا رايحة عند بيت أهلي

هز رأسه بتهكم ، وأكمل قائلاً :

-أها .. سايبة عندهم ولادك زي أمهات اليومين دول ، ماهو أكيد جوزك مش هايكون فاضي يقعد بيهم ! تفكير عملي ، إنتي وهو تشتغلوا ، وأهلك يربوا عيالكم

أغمضت عينيها قهراً من كلماته الجارحة ، هي لم ترزق بعد بالأطفال ، والشيء الوحيد الذي كانت سيشعرها بأمومتها ضاع منها قبل أن تستمتع به بسبب عنف طليقها معها ..

أدمعت عيناها ، وقاومت بصعوبة ذرفها أمامه

التفت ناحيتها ، وحل عليه الذهول ..

أقسم لنفسه أنه رأى دمعة عالقة في أهدابها ..

دمعة أحدثت أثراً في نفسه ، وزلزلت كيانه فجـــأة ..

حالة من الوجوم سيطرت عليه حينما تأكدت شكوكه ورأها تنهمر من طرف عينها لتبلل وجنتها ...

مدت أناملها لتمسحها سريعاً .. ثم همست بصوت شبه متحشرج :

-أنا هانزل هنا ، احنا وصلنا خلاص

أوقف السيارة بهدوء ، فترجلت سريعاً منها دون أن تشكره لمساعدتها ، وأسرعت في خطاها لتبتعد عنه ..

راقبها بنظرات مثبتة عليها ، لم تستطع عيناه أن تفارقها ..

شيء ما يجبره على التحديق بها ..

لمح طفل صغير يركض ناحيتها وهي تفتح ذراعيها لتتلقفه فظن أنه ابنها الصغير ، فزفر بضيق لمتابعته إياها ، وتخطيه لحدود التعامل الجاد بينهما ، ثم أشــاح وجهه بعيداً ، واستدار بسيارته عائداً إلى فيلته ...

أنزلت إيثار الصغير ، ورحبت بوالدته التي كانت جارتهما في البناية القريبة ، ثم تبادلت معها حديثاً سريعاً ، وتركتها وصعدت إلى منزلها ..

......................................

تمددت روان على فراشها ، وحدقت في سقفية غرفتها ، وشردت تفكر فيما حدث مع عمرو في الحافلة ..

كان موقفه رجولياً مليئاً بالشهامة والأصالة ، رأت نفسها تبتسم عفوياً من شجاعته .. ثم سريعاً نبهت نفسها بخطأ التفكير فيه دون داعي ..

أغمضت عينيها لتغفو وهي تشعر بشيء غريب .. لكنه كان مريحاً بدرجة كبيرة ..

.....................................

جاب مالك غرفته ذهاباً وإياباً وهو يفكر فيما كان يمكن أن يحدث لإيثار ..

لم يجد أي تفسير منطقي لإندفاعه لنجدتها فوراً حينما رأها في مأزق خطير وشابين غير طبيعين يحاولان التحرش بها ..

فكرة أن يضع أحدهم يده عليها أصابته بالعصبية والغضب ..

حاول السيطرة على نفسه .. وعاتب نفسه لتفكيره بها بتلك الطريقة ..

هي لم تعد لك ، لا تخصك ، أصبحت زوجة أحدهم ، هي خانتك ، كانت مخادعة ، طامحة وراء المال ..

أخذ يردد تلك الكلمات لنفسه ليقنعها بسوء نواياها ..

لكن أبى قلبه أن يصدق هذا ..

تذكر تلك العبرة التي رأها ..

لم يتوهم هذا ..

لقد كانت تبكي ، وتخفي هذا ..

نفخ بحنق ، واتجه إلى غرفة صغيرته ليجلس إلى جوارها ..

كانت نائمة كالملاك ، فتحسس بشرتها برفق ، وانحنى ليقبلها من وجنتيها ..

ثم ضمها إلى صدره ، وظل يهدهدها بحركات هادئة وهو يداعب أصابعها الصغيرة حتى غفا هو الأخر ..

........................................

مـــــرت عدة أيـــام ، وإيثار تثبت يوماً بعد يوم أنها ماهرة في عملها كمربية للصغيرة ريفان .. تشكل بينهما رابطاً وثيقاً ، وتعلقت بها الصغيرة كثيراً

كذلك لم تتخطَ حدودها في التعامل مع مالك ، وحافظت على وجود ذلك الحاجز بينهما ، وبالرغم من حصوله على رقم هاتفها إلا أنه لم يطلبها ولو لمرة واحدة ، واكتفى بإملاء أوامره عليها – في حال غيابه – عن طريق راوية ..

وذات يوم عـــاد مالك مبكراً من عمله فوجد الاثنتين تلعبان سوياً في حديقة فيلته ..

راقبهما من على بعد ..

شعور غريب سيطر عليه حينما سمع ضحكات الاثنتين تعلوان بمرح وسعادة ..

خفق قلبه ، وتسارعت دقاته ..

رأى غمازتها التي عشقها يوماً ، استشعر دفئاً نابعاً منها وهي تداعب صغيرته ..

تعلقت بها عيناه وأشرقتا من جديد وكأنهما كانت تحترقان شوقاً لها ، فبات أسيراً لتلك الهالة المحيطة بها ..

أسرع بإبعاد عيناه عنها ، وجلس على المقعد المنزوي في جانب الحديقة دون أن ينبس بكلمة ..

لمحت طيفه إيثار ، فتبدلت ملامحها للإنزعاج .. وأولته ظهرها وكأنه غير موجود

هدأت الصغيرة بعد لعبها المتواصل ، واقتربت منها لتطلب تناول الطعام ، فابتسمت لها إيثار ، وأجلستها على حجرها ، وقامت بإطعامها بعاطفة صادقة ...

رن هاتفها برقم أخيها عمرو، فأجابت على اتصاله قائلة بهدوء :

-ايوه ! خير .. !

صمتت لتستمع إليه ثم أكمل بجدية :

-طيب أنا جاية ، حاضر هنعدي عليه سوا ، ماشي هستناك هناك !

اصغى مالك لمكالمتها متعمداً ، وظن أنها تتحدث مع زوجها ، فتحول وجهه للعبوس ، وانطفأت نظراته وتبدلت للقتامة ..

أنزلت الصغيرة من عليها ، وأمسكت بكفها ثم اقتربت منه ، وأردفت قائلة بحذر :

-ينفع أمشي بدري

نظر لها بإستعلاء وهو يسألها بإختصار :

-ليه ؟

ارتبكت وهي ترى نظراته نحوها ، وأجابته بتلعثم :

-آآ... عندي ظروف ومحتاجة أمشي الوقتي

اعتدل في جلسته ، ونظر لها بقوة وهو يردد بصوت صارم :

-وريفان !!!

ردت عليه بخفوت :

-هي أكلت ، وخدت شاور ، وشوية وهايجي ميعاد نومها

نظر في ساعته ، وتابع بصوت غليظ :

-بس لسه بدري

استشعرت من حديثه أنه على وشك رفض طلبها ، فهتفت قائلة بجدية :

-حضرتك تقدر تخصم الوقت اللي هامشيه من مرتبي !

نظر لها شزراً ، وهتف بصوت يحمل الإهانة :

-امشي ! هاتي البنت !

نظرت له بضيق ، وردت عليه بصوت مقتضب :

-اتفضل !

أخذ منها الصغيرة ، ورفعها عن الأرضية العشبية لتجلس على حجره ، ثم أشار لها بكفه لتمشي ..

تحركت مبتعدة عنه وعلقت حقيبتها على كتفها ، ثم سارت مسرعة نحو الخـــارج ...

نظر مالك لابنته بحنو ، ثم تمتم لها بخفوت :

-ايه رأيك لو نروح نقضي اليوم عند عمتو ؟

نظرت له ريفان ببراءة ، فانحنى ليقبلها وضمها إلى صدره بقوة ، ثم تهض حاملاً إياها بين ذراعيه ..

....................................

صف مالك سيارته على مقربة من بنايته القديمة ، حل حزام الأمــان خاصته ، وأوقف محركها ، ثم شيئاً إلهياً دفعه للنظر أمامه ، فحدق في المدخل بإندهاش ..

لقد كانت إيثار ..

اتسعت عيناه قليلاً ..

لم يرَ وجهها ، بل لمحها من ظهرها وهي تسير إلى جوار أخيها ، وأمامهما رجل غريب ..

ظن أن هذا هو زوجها ، فحل العبوس على وجهه ، وانقبض قلبه إلى حد ما ، ونفخ بحنق ..

لم يعرف لماذا أصابه كل هذا الضيق حينما رأها معه .. هو يعلم أنه أغلق باب كل ما يتعلق بالحب ...

أخذ نفساً عميقاً ، وزفره ببطء ليستعيد هدوء نفسه ، ثم اندفع خـــارج السيارة ، وفتح الباب الخلفي ليحمل صغيرته ..

تباطيء في خطواته حتى يضمن صعود ثلاثتهم فلا يلتقي بهم .....................................

رحبت ميسرة بإبن أخيها ترحيباً شديداً ، وعاتبته وهي تقبله من وجنتيه :

-بقى كده يا مالك ، تنسى عمتك وجوز عمتك ، نهون عليك

رد عليها بهدوء وهو يحتضنها :

-لا والله ، ده انتو مكانكم في القلب !

سألته ميسرة بإستفهام وهي تطالعه بنظراتها الحنونة :

-أومال مابتجيش ليه زي الأول ؟

أجابها بتنهيدة إنهاك وهو يرسم ابتسامة مصطنعة على ثغره :

-مشاغل يا عمتو !

ثم عقد ما بين حاجبيه ليتابع بضجر :

-وبعدين انتو مش عاوزين تيجوا تعيشوا معايا في الفيلا !

رد عليه زوج عمته قائلاً بصوت جاد :

-لا يا بني ، ده بيتنا ، ومش معقول بعد العمر ده كله نسيبه ونروح نقعد في مكان تاني !

التفت مالك نحوه ، وهتف برجاء :

-يا عمي ده الفيلا متوضبة وواسعة وآآ..

قاطعه إبراهيم بنبرة عنيدة :

-احنا مرتاحين هنا !

وضعت ميسرة كفها على كتف مالك ، وابتسمت له قائلة بهدوء :

-سيب عمك ابراهيم على راحته ، وطمني عليك إنت !

رد عليها مبتسماً :

-أنا بخير الحمد لله

سألته ميسرة بإهتمام وهي ترفع حاجبيها للأعلى :

-وريفان ، عامل ايه معاها ؟

رد عليها بتنهيدة مطولة :

-أهي زي ما انتي شايفة

داعبت روان الصغيرة بمرح ، وهتفت بسعادة وهي تركض خلفها لتمسك بها :

-بنتك دي عسل يا مالوك ، أنا بأعشقها

رد عليها مالك بإبتسامة :

-وهي بتحبك يا روني !

أضافت روان قائلة بتحمس بعد أن حملت الصغيرة على ذراعها :

-أنا جبتلها لعبة جديدة ، هاروح أوريهالها

رد عليها بصوت رخيم وهو يشير بعينيه :

-عيشي حياتك معاها !

هتفت ميسرة بصوت أمومي ناعم وهي تربت على ظهر ابن أخيها :

-طب خش ارتاح انت في أوضتك يا حبيبي لحد ما أحضرلك الغدا

التفت برأسه نحوها ، ورد عليها بفتور :

-ماشي يا عمتي ، مع إني ماليش نفس والله !

حركت رأسها معترضة وهي تقول بإصرار :

-لالالا ، مش هاقبل أي حجج ، إنت النهاردة هتاكل من إيدي ولا خلاص أكلي مابقاش ينفع

ابتسم لها وهو يرد بنبرة دبلوماسية :

-متقوليش كده ، ده انتي فيكي البركة يا عمتي !

هتفت بسعادة وهي ترفع بصرها للسماء :

-ربنا يباركلك يا حبيبي ويعوضك خير يا رب !

ثم ربتت على ذراعه وهي تكمل بهدوء :

-خش يالا اوضتك ارتاح فيها

أومــأ برأسه وهو يقول بإيجاز :

-حاضر

ولج مالك إلى داخل غرفته .. تأملها بنظرات طويلة ممعنة ..

كان كل شيء كما تركه ، لم يتغير فيها شيء ..

لقد حرصت عمته على الحفاظ على ترتيب غرفته ، ونظافتها حتى تظل كما هي .. معدة له حينما يعود في أي وقت ..

التوى ثغره بإبتسامة راضية ..

اتجه إلى شرفته ، ووقف بها ليستنشق الهواء المنعش

استند بيديه على حافتي السور .. ولا إرادياً إرتفعت عيناه للأعلى ليحدق بنافذتها ..

تناقض غريب في مشاعره جعله متخبطاً في تفكيره ، في احساسه ، في قراراته ..

سنوات مرت ومازال شغفه بها موجوداً رغم إنكاره لهذا ..

هو كره خيانتها ، خداعها ، لكن قلبه رفض الإنصات إليه .. كلما اقترب منها تجدد شعورها نحوها ..

رغم في مقاومة شعوره بالضعف نحوها ، وذكر نفسه بأنها خذلته ..

أخفض بصره لينظر إلى الطريق ..

فرأى عمرو وهو يخرج وبصحبته ذلك الرجل الذي رأه قبل قليل ..

دقق النظر فيهما ، واستمع إلى صوت عمرو المرتفع وهو يردد قائلاً بعد مصافحته إياه :

-متشكر يا دكتور ، تعبناك

رد عليه الطبيب بجدية :

-متقوليش كده يا أستاذ عمرو ، ولو حصل حاجة كلمني أو خلي المدام ايثار تتصل بالعيادة وأنا هاجي على طول !

تابع عمرو قائلاً وهو يربت على ظهره :

-كتر خيرك يا دكتور ، اتفضل !

تنهد مالك بإرتياح لأن ذلك الرجل لم يكن زوجها ، ومع ذلك مازال يزعجه التفكير فيها بتلك الصورة المبالغة ...................................


#الفصل_٢٣


الفصل الثالث والعشرون

(( أستحلفكِ أن تتركيني ...

حطميني .. ادهسيني .. وإلى قطع صغيرة حوليني

ولكن بالله أن تتركي وريدي وشراييني ))


_ كان المرض قد تمكن منه ليحول عظامه لفُتات وقد ضعف قلبه ولم يعد يتحمل حتى عملية الإنقباض والإنبساط أثناء تنفسه ..

كان أحياناً يشعر بتوقف قلبه عن العمل ، ويستسلم لنهايته المحتومة ..

حالة من الفزع تجوب منزلهم الصغير خوفاً من رحيله عنهم ولكنها السُنة الحياتية ..


_ فتح رحيم جفنيه ببطء شديد ونظر للمحيطين به ثم هتف بنبرة واهنة :

-تحية آآ....

دنت زوجته تحية منه أكثر ، ثم انحنت برأسها عليه لتكون أذنيها قريبة لصوته ..

مسدت على كفه برفق ثم نطقت بصعوبة وهي تكافح نزول عبراتها :

-أنا هنا جمبك يا حج ، استريح ومتتعبش نفسك في الكلام !


رد عليها رحيم وهو يجاهد لإبتلاع ريقه :

-آآ .. انا نفسي فـ... قهوة


فغرت تحية شفتيها لترد وقد ارتفع حاجبها بصورة تلقائية :

-قهوة!!


ثم عبست بوجهها لتقول بإستنكار :

-قهوة إيه بس ياحج ده الدكتور مشدد ممنوع القهوة خالص !


أصر رحيم قائلاً وقد أكفهرت ملامحه وعبست من تلك الأوامر التي يبغضها :

-نفسي في قهوة ، ولا عشان راقد يعني هتمشوني على مزاجكوا

انزعجت تحية من حديثه المؤسف ، وهتفت مستنكرة وقد استصعبت كلماته ومغزاها :

-متقولش كده ياحج ده انت الخير والبركة !


_ نهضت إيثار عن المقعد المجاور لفراشه ثم غادرت الحجرة بصورة مفاجئة ..

شعر رحيم بألم أقوى من ألمه الجسدى ..

آلماً معنوياً حاداً لا يفارقه كلما رأى زهرة شباب ابنته ، والتي أنطفأ النور من وجهها وأصبحت رمزاً للشحوب ، لا ينقصها سوى بعض التجاعيد والثنايات في بشرتها حتى تصبح عجوزاً شمطاء .


أحست به تحية وتفهمت مغزى الوميض الحزين الذي ظهر بعينيه ، فقامت بوضع قبلة حانية على جبهته ، وواسته قائلة بخقوت :

-إيثار كويسة متقلقش عليها ، هي بس تلاقيها قامت عشان تعمل تليفون ولا حاجة !


أدار رحيم رأسه ناحيه ابنه البكري ، وهتف بصوت واهن وهو ينظر له بنظرات معاتبة تحمل من اللوم الكثير :

-عمرو ، خد أختك في حضنك يابني .. وإلا هموت وأنا مش راضي عنك !


_ أبعد الأخير بصره خزياً بعد أن ظهر بعيني أبيه الرغبة في البكاء ، ولأول مرة منذ عودتها يشعر بالجدار الفولاذي الذي بنيت حوائطه بينهما بسبب العجز الذي تملكه ..

أشفق على نفسه ، وردد بتحسر ..

أهذه هي صغيرته التي كان يحنو عليها منذ زمن؟

بحث عن ضحكتها في ذكرياته معها ، وشرد بخياله في سنوات مضت عندما كان يحضر لها قطع السكاكر والحلوى وهي صغيرة فكانت تركض نحوه لتسرق منه الحلوى فيركض هو خلفها ثم يحملها فوق ظهره لتملاً البيت مرحاً ..


_ أفاق من نوبة شروده حينما ولجت ابنته للحجرة مرة أخرى وهي تحمل كوباً خزفياً صغيراً من مشروب القهوة الساخنة ..

وعندما وقعت عيني أبيها عليها رقصت البسمة فوق محياه وتحرك قلبه فرحاً ..

فلقد غابت لتصنع له مشروباً لم تعده منذ سنوات ولربما نست طريقة إعداده ..


اقتربت منه ثم جذبت المقعد لتقترب من فراشه أكثر وهتفت بنبرة عذبة :

-عملتلك فنجان قهوة صغير ، بس متتعودش على كده عشان كلام الدكتور !

_ بدأ يتحرك على الفراش رويداً رويداً ، ثم مد ساعده نحوها لتقوم هي بنفسها بإسناده دون مساعدة أي شخص أخر .. ولم تتردد في الاستجابة لطلبه الصامت ، فعاونته في الإستقامة بجلسته ثم أعطته الفنجان وهي تمسح على ظهره بحنو .. بينما نطق العجوز بنبرة كأنما ردت به الروح ليتحول شباباً :

-شايفة بنت أبوها ياتحية ! مهانش عليها يبقى نفسي في حاجة مش زيك !


ابتسمت تحية وهي تداعبه بالألفاظ :

-خليها تنفعك يارحيم


سعل رحيم قليلاً عقب تجرع رشفه من القهوة ، ثم رد عليها بصوت متحشرج :

-هتنفعني ان شاء الله.. دي اللي هتدخلني الجنة ياتحية


_ ابتسمت إيثار برقة ، فقد أسعدتها عبارته الأخيرة..

ربما كانت بحاجة إلى من يذكرها بالجنة ، وأن كل ما تعانيه الآن هو في الأصل فاني لا قيمة له، وأن ثواب صبرها وجزائها عليه سيكون عظيماً ..


أنشرح صدرها وهي تتنفس بعمق ثم أطلقت زفيراً محملاً بالهموم لتتركه خارج صدرها الذي تلوث من كثرته .


.................................................. .................


_ أغلقت روان باب منزلها ، ثم وقفت لتضبط وضعية المراجع الدراسية التي تحملها بين يديها .. بينما كانت هناك عينان معلقتان عليها تطالعاها بالأعلى لم تشعر هي بظلهما حتى بدأت تهبط الدرج ، واختفت عنهما ...


_ كان عمرو متأهباً للذهاب لعمله فاستمع لصوت غلق الباب بالأسفل فأثر الوقوف لمتابعتها عن بعد ..

وعندما وجدها تهبط الدرج هبط خلفها بحذر وهو يطالع كل تفصيلة تخصها...

لفت انتباهه تنسيقها لثيابها الغير مبالغ فيها ، واحتشامها فيهم وكذلك خطوات سيرها ..

هي ذكرته بأخته الصغرى في احترامها لنفسها ، وخجلها ، وتحاشيها أعين المارة فأصبحت صورتها عالقة بذهنه أكثر من عينيه ..


ظل متابعاً مراقباً لها حتى صعدت على متن الحافلة التي ستقلها .. فقرر الانصراف بعدها ..

كان طيفها يشكل هالة فوق رأسه ظلت گسحابة مرافقة له طوال اليوم ..

ابتسم لنفسه إبتسامة لم تعرف الطريق إلى وجهه منذ زمن ..


(( أتكون هي ضحكته التي ستشرق معها حياته ؟ يا ليتها تكون ، ويا ليتي أفوز بها ))


.................................................. ................

_ بداخل مبنى الشركة التابعة لمالك_


ألقى هو بالملفات في وجه المحاسب القانوني الخاص بالشركة .. ثم نهض عن مقعده وهدر به بصوت عنيف مدوي وهو يوبخه :

-انا هوديك في ستين الف داهية .. انا تسرقني وتنخرب في الحسابات من ورايا عشان تطلعلك سبوبة!!


صــــر على أسنانه بشراسة ليضيف بتوعد :

-انت هتتحول للتحقيق فوراً

رد عليه المحاسب بخوف وقد تندى جبينه بقطرات العرق فزعاً مما سيفعله به رب عمله :

-يـ.. يا مالك بيه ، حقك عليا والله ما هتتكرر تاني .. اا آآ....


قاطعه مالك صائحاً بغضب جم وهو يطيح بباقي الملفات الموجودة على سطح المكتب أرضاً :

-ده لو فضلت في الشركة اصلا!! ده انا هضيعلك مستقبلك ومفيش شركة هترضى تشغلك ياحرامي !


رفع هو سماعة الهاتف ثم ضغط على أحد الأزرار وتابع بصوت أجش خشن :

-تعالي هنا فوراً ياأنسة !!


_ لحظات وكانت السكرتيرة الخاصة بمكتبه تقف أمامه وقد انتابها الذعر من هذه الحالة التي بدى عليها رئيسها والتي لم تره عليها من قبل ..

ارتجفت أطرافها وهي تنطق متعلثمة في كلماتها :

-آآ.. اوامرك .. يامستر مالك

هتف بها مالك بقوة وهو يشير بسبابته نحو المحاسب وقد ظهرت عروق نحره الخضراء وسط بشرته التي أصطبغت بالحمرة الهائجة : -الأفندي ده يتحول للتحقيق، ويتكتب في ملفه واقعة السرقة اللي قام بيها عشان يوم ما يفكر يشتغل في مكان تاني يلاقي بلوته في وشه !


هزت السكرتيرة رأسها بإيماءات متتالية :

-حاضر يافندم

ثم صاح مالك بهما بانفعال شديد :

-أمشوا من وشي !!!!


_ تحركت السكرتيرة سريعاً وهي تشير للمحاسب لكي يتبعها ، بينما ألقى هو بثقل جسده على مقعده الجلدي ..

نظر نحو الأوراق المبعثرة على الأرضية بإزدراء ، ثم ضرب سطح المكتب بقبضته المتكورة ، وزفر بغضب ، ثم غطى وجهه بكفيه يفكر فيما سيفعله حيال هذه الورطة ...


.................................................. .............


_ كانت إيثار بداخل المرحاض مع الصغيرة '' ريڨان '' حيث كانت تحممها داخل مسبحها الصغير ،

وضعت لها في المياه الكتير من الألعاب البلاستيكية والكرات الصغيرة لكي تهنأ بلحظات مرحة وسط حركة المياه الدافئة من حولها ..

.. نثرت إيثار بعض قطرات المياه على وجه الصغيرة لتلاعبها ، فقهقهت الأخيرة بحيوية وحماس وهي تبادلها تلك اللعبة التي أحبتها ..

رفعتها إيثار من المياه المنعشة ، ووضعتها داخل المنشفة القطنية المنقوش عليها رسومات كرتونية شهيرة ، ولفتها جيداً ، ثم حملتها ،وتوجهت بها خارج المرحاض وهي تدندن لها أغنية شهيرة للأطفال..

وضعتها على الفراش ثم شرعت في إلباسهاا ثيابها وهي تتابع حركاتها بحب حتى ولجت إليها راوية وهي تتساءل بإهتمام :

-ها يامدام إيثار؟ الأسهال وقف ولا لسه!؟


أجابتها إيثار وهي تحرك رأسها نافية وقد بدى عليها الضيق :

- لسه ياراوية ، انا اديتلها شاور عشان تفوق ، وان شاءالله على بالليل لما تاخد الدوا هتكون كويسة !

قضمت رواية على شفتيها حزناً ، ورددت بخفوت :

-ان شاء الله

أضافت إيثار قائلة وهي تكمل إلباس الصغيرة ملابسها :

-بقولك إيه يا راوية ، اسلقي شوية خضار من غير ما تقطعيهم عشان نأكلها شوربة خضار

ردت راوية وهي تتحرك مبتعد من أمامها :

- حاضر


_ انتهت إيثار من مهمتها ، واقتربت من الصغيرة لتقبلها ، فأنتبهت لعيونها المعلقة بالجانب الأخر ، فأدارت عيناها نحو المسار الذي تنظر فيه الصغيرة ، فوجدت إطاراً خشبياً صغيراً موضوعاً أعلى الكومود المجاور لفراش ريڨان ..

أمعنت النظر فيه .. كان الإطار يحمل صورة فوتوغرافية لسيدة جميلة ملامحها رقيقة وهي تحمل صغيرتها في يديها بحب وتقبل وجنتيها بحنان أمومي ..

وفجأة أشارت الصغيرة نحو ذلك البرواز وهي تغمغم ببراءة وصوت متلعثم :

-آآ .. مماما....

_ دنت إيثار من موضع البرواز ثم التقطته وقربته من كفي ريڨان الصغيرتين وهي تقول بنبرة حزينة :

-دي ماما!


_ كانت الصغيرة تحاول الامساك بوالدتها وكأنها مادية ملموسة محسوسة أمامها، ولكنها فشلت بذلك فظلت تضرب على زجاج البرواز بيدها الصغيرة في يأس ..

أحست إيثار بأن تلك الطفلة التي لا تشعر بشيء مما يدور حولها هي تفتقد والدتها..

وگأن شعوراً لا ارادياً قادها لفعل ذلك دون سوابق ..

شعرت بالشفقة عليها حتى قطع عليها لحظتها صوت الباب وهو ينفتح على مصرعيه ليدخل منه مالك ..


جاهد للسيطرة على قسماته المنفعلة ولكنه فشل بذلك ، هناك نيران مستعرة بداخله ، مشكلات لا حصر لها عليه حلها في وقت وجيز ، ومشاعر مضطربة يقاتل ظهورها ...

فقط رؤيته لصغيرته وقطعة قلبه هدأ من ثورته الهوجاء ..


تراجعت إيثار خطوة للخلف لتتحاشاه ، بينما تجاهلها هو ، و

اقترب من صغيرته ليحملها بين يديه ..

لاحظ إمساكها بذلك البرواز.. فأبتسم والحزن يخيم على عينيه ..

ثم أخذ نفساً مطولاً ، وزفره على مهل وهو ينطق بصوت دافيء :

- مامي وحشتك ؟!


_ كانت الصغيرة تنظر له بعدم فهم ، فدنا ليقبلها بعمق أبوي ثم مسح على رأسها ووجنتيها بكفه ..

تابعت إيثار المشهد الذي لمس أوتارها بشغف حتى وقعت عينيه عليها ، فحدجها بقسوة عهدتها منه ، فارتجفت من نظراته ، وازدردت ريقها بتوجس ..


أولاها ظهره بعدم اهتمام و خرج حاملاً طفلته نحو حجرته ليختلي بها لقليل من الوقت ...


_ كانت اللحظات الحميمية التي تجمعه بطفلته هي الأجمل والأشد لذة على الإطلاق ..


داعب أصابعها مدغدغاً إياها فعلى صوت قهقهاتها ، فإستمتع بسماع صوتها الذي كان گالدندنة في أذنيه ..

احتضنها بعمق وقبلها فشعر برائحة مميزة تتخلل أنفه ..

رائحة جميلة يعشقها ولكن لا يعرف مصدرها ..

أغمض عينيه ليشرد في صوت تلاطم الأمواج الذي امتزج برائحتها فأثاره ..

وهبت نسمة ريح رقيقة اخترقت حاسة الشم خاصته فأفاق فجأة على صورتها التي ضربت رأسه ...

أنها رائحتها التي لم تتغير أبداً ، إنها معذبته " إيثار "


أجل .. مرت السنوات ولم ينسى ماهية رائحتها المميزة ..

خفق قلبه وقرب ابنته ليشتم رائحتها مرة أخرى حتى تأكد من صدق حدسه ..

لقد علقت رائحة إيثار وعبقها في ابنته ، ولما لا ؟ فأغلب الوقت تقضيه ريڨان مع مربيتها الرقيقة ...

أغمض عينيه مستسلماً لشوقه وحنينه الجارف لها ، ولكنه فتحهما فجأة، وامتعضت ملامحه وعبست بشدة ..

هو يلوم نفسه على تفكيره الذي لا ينقطع حيال امرأة متزوجة خانت عهده ، وفضلت غيره عليه ، أمسك رابطة عنقه ثم بدأ يحلها بعنف وهو يتمتم بإنفعال :

-سيبيني بقى ، حرام عليكي هتعملي إي فيا أكتر من كده !! سيبيني أرجوكي !!!!


_ ولجت راوية للغرفة بعد أن طرقت على الباب وأذن هو لها بالدخول ، فوقفت بين يديه وهي تسأله بتوجس :

-أحضر لحضرتك العشا يامالك بيه ؟


أجابها مالك وهو يشير لها لتأخذ الطفلة :

- لأ ، خدي ريڨان وديها للمدام عشان تأكلها وأنا نازل أوضة المكتب !


_ التقطت منه الصغيرة ، وهدهدتها برفق ، ثم تحركت لتترك الحجرة وعيني مالك معلقة بابنته حتى اختفت عن أنظاره .

.................................................. .........


_ كانت الساعات تمر عليها گالدقائق وهي جالسة مع الصغيرة

ريڨان..

انتهت من إطعامها ، واطمئنت على استقرار معدتها بعد أن تأذت بفعل تغيير درجات الحرارة .. ثم احتضنتها ، وسردت عليها القصص البسيطة التي تصل لعقلها الغير واعي حتى غاصت ريڨان بنوم ثابت وعميق ..

غطت وجهها بعطايا قبلاتها المتعددة ، ثم تحركت بحذر شديد وهي تسحب يدها من أسفلها ..

جمعت حوائجها وعلقت حقيبتها على كتفها ، وخرجت لتبحث عن مالك لتبلغه بمواعيد الدواء المنتظمة لكي يأخذ حذره في غيابها خاصة في الليل ..


_ في نفس التوقيت ، غفا مالك بإرهاق وتعب بعد أن قضى عدة ساعات وهو يطالع الكثير من الملفات..

آلمته عضلات جسده ، لذا قرر أن يعطي لنفسه فسحة ليجدد نشاطه ، فقام بإراحة رأسه للخلف قليلاَ ، ولكن غلبه النعاس وتحكم سلطان النوم على عينيه ..


بحثت إيثار عنه في بهو '' الڨيلا '' ولكنها لم تجده ..

بنفس اللحظة لمحت أضواء المكتب المنارة فتوجهت بخطوات مترددة نحوه

احتارت في طريقة إبلاغه برسالتها ، عضت على شفتها السفلى وتساءلت مع نفسها بقلق هل تبلغه بهذا شخصياً أم تترك له رسالة مع الخادمة '' راوية '' ؟

خشت أن يتهمها مجدداً بالاهمال وعدم التفاني في عملها ، فحسمت رأيها في النهاية بإبلاغه شخصياً ...


وبالفعل تحركت بثبات نحو الغرفة ، ثم طرقت بخفه على الباب قبل أن تلج للداخل ..

ولكنها تفاجئت بهيئته .. كان الشحوب يبدو عليه وكأن أصابه الأعياء ، وبدى عليه الأرق وقلة النوم ..

أشفقت عليه وهي تتطلع لملامحه بحنين لهذا الغريب ، وكادت تخرج وتتركه كما هو دون إزعاجه ، ولكن ما أثار انتباهها هو الكثير من الأوراق المتبعثرة يميناً ويساراً على سطح المكتب ، فقامت بترتيب الأوراق دون أن تصدر صوتاً.. ولكنها قرأت ما حوته بفضول .....

_ ما هذا الهراء!؟

هكذا حدثت نفسها عندما لمحت الكثير من الأخطاء والسرقة الواضحة كوضوح الشمس في وضح النهار ..

فنظرت له ملياً ثم حسمت رأيها بأن تجمع الأوراق وتطلع عليها بالخارج لتكون على حريتها ..

هذا التخصص في أساس الأمر تخصصها وهي قد اشتاقت له ،نعم لقد سنحت لها الفرصة من جديد لتمارسه ،

خرجت من الحجرة بهدوء ، والتفتت برأسها لتلقي عليه نظرة أخيرة متأملة قبل أن تغلق الباب عليه بحذر ..

.................................................. .................


_ في ضحى اليوم التالي ، تحرك مالك على مقعد مكتبه وهو يتأوه من الألم الذي أصاب عنقه بسبب غفلته عليه ..

قام بشد ذراعيه للأمام تارة وللخلف تارة أخرى حتى يتمكن من تحريك كامل جسده ..

وكذلك مط عنقه للجانبين ليفك ذلك التيبس الذي أصابه ..

تحرك وهو يعرج بقدميه للخارج ولم ينتبه مطلقاً لوجود هذه الأوراق ..

نظر في ساعة يده فعلم أن الوقت مازال أمامه لينال قسطاً من الراحة قبل الذهاب للعمل .

_ وأثناء سيره باتجاه الدرج ، لمح أوراقه على الطاولة المجاورة للأريكة ..

اتسعت حدقتيه بذهول بعد أن فركهما جيداً وبلمح البصر كان قد اتجه نحوهم ..

دقق النظر فيهم ، وظل يقلبهم ورقة تلو الأخرى..

كانت إيثار قد وضعت اشارات عديدة بقلم ملون حول بعض الأرقام ، ورسمت بعض الدوائر الملفتة على أخطاء عديدة بهذه الحسابات ..


كان عملاً رائعاً بحق أثبتت فيه جدارتها ، لم ينسَ أنها كانت متميزة في مجال دراستها ، وهي ذكرته تواً بمهارتها ..


مشاعر مضطربة ظهرت بداخله .. هل يوبخها على فعلتها ؟ أم يثني عليها لأنها سهلت عليه الكثير ؟!!

تنهد بعمق وهو يتمتم لنفسه :

_ وبعدين معاكي ياإيثار!؟


.. زفر أنفاسه المحتقنة ، وأمسك بهاتفه من جيب بنطاله ولكن لفت انتباهه أن الوقت ما زال مبكراً ، ولا يجوز الاتصال بها بهذا الحين ، فقرر البقاء مستيقظاً بعد أن غابت عنه الرغبة في النعاس ، وجلس ينتظرها في الردهة ...

.................................................


_كانت إيثار في هذا التوقيت المبكر تعاني من ويلات الخوف والذعر ،فوالدها على فراش الموت ..

لا يستطيع التنفس ... روحه تنفلت من بين أصابعه

، شعور مخيف وهي تتخيل أن ملك الموت رائحته تفوح في المكان ..


كان ينظر لعائلته في لحظات سكرات موته وكأنه يودعهم بأنظاره، بينما صاحت تحية هادرة بفزع:

-اتصرف يا عمرو يابني ، ابوس ايدك ماتسبش أبوك كده ، هايروح مننا

رد عليها عمرو بهلع شديد :

- كلمت الدكتور وقالي هييجي حالاً على هنا

هتفت إيثار برعب وقد تسببت الصدمة في ارتعاش أطرافها وتناثر حبات العرق على جبينها :

-طب آآ.. نوديه اي مستشفي او اي قسم طوارئ بسرعة !!!


هتف عمرو متلهفاً وقد طرأ بباله فكرة :

-انا هروح اجيب عربية اسعاف من المستشفي اللي جنبنا حالا !!


صاحت تحية بخوف وهي تلوح بيدها له :

-بسرعة يابني !


_ شهق رحيم بشهيق متقطع مخيف ، ثم اتسعت حدقتيه بصورة أخافت تحية ، وتلون وجهه بحمرة شديدة ، ثم لفظ أخـــر أنفاسه وأنظاره محدقة بالسماء ..

سكون رهيب حل في المكان

ذلك الجسد الذي كان ينبض قبل أقل من ثانية بالحياة أصبح جثماناً لا روح فيه ..

شحب وجهه ، وتجمد كالصنم ..

صرخت إيثار بقوة لم تعهدها من قبل :

-بـــابا ...!!!


تصلبت قدمي عمرو في مكانه على إثر صوتها المخيف ، ولم يستطع الاستدارة ليرى هول الفاجعة .....


صرخت إيثار مجدداً بصوت يقطع نياط القلوب وقد سبقتها عبراتها :

-باااباااااااااااااا............................... !!!!!!!!!!!!!

تابعووووووني 



الفصل الرابع والعشرون والخامس والعشرون من هنا



بداية الروايه من هنا



رواية منعطف خطر كامله من هنا



رواية زواج لدقائق معدودة كامله من هنا



رواية خيانة الوعد كامله من هنا



رواية نار الحب كامله من هنا



رواية الطفله والوحش كامله من هنا


رواية منعطف خطر كامله من هنا


رواية فلانتيمو كامله من هنا



رواية جحيم الغيره كامله من هنا



رواية مابين الضلوع كامله من هنا


رواية سيطرة ناعمه كامله من هنا


رواية يتيمه في قبضة صعيدي كامله من هنا



الروايات الكامله والحصريه بدون لينكات من هنا


إللي خلص القراءه يدخل هيلاقي كل الروايات اللي بيدور عليها من هنا 👇 ❤️ 👇 


❤️🌺🌹❤️🌺❤️🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹🛺🛺🛺🛺🛺


الصفحه الرئيسيه للروايات الجديده من هنا


جميع الروايات الحصريه والكامله من هنا


انضموا معنا علي قناتنا بها جميع الروايات على تليجرام من هنا


❤️🌺🌹❤️🌺❤️🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹🛺🛺🛺🛺🛺




تعليقات

التنقل السريع
    close