رواية الاربعيني الاعزب الفصل السابع والثامن بقلم الكاتبه آيه محمد رفعت حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات
![]() |
لم يتفاجئ "عاصي" بوجود "قاسم" بمنزله، فهبط للأسفل بثبات
متجاهلاً ندائها المتكرر بصوتها الشبه مسموع، فكان ردة فعله بالنسبة إليها غريباً، كانت تظن أن الإختباء هو الحل الأمثل في تلك المواقف، ولكنها وجدته يهبط لمواجهته تسللت "لوجين" لحافة سور الدرج، ثم مدت رأسها من خارج أعمدته المعدنية لتراقب ما يحدث بوضوح، إتجه "عاصي" لمقعده . دون أن يعبئ بيديه الممدودة لتبادل السلام فيما بينهم فسحبها بغيظ وهو ياول الحفاظ على هدوئه بشتى الطرق، فبدأ بالحديث أولاً:
أنت أكيد بلغك إني روحتلك الشركة وحاولت أقابلك أكثر من مرة ولما معرفتش النهاردة جيتلك لحد عندك ومن الواضح إنك عارف سبب زيارتي ليك.
تعمق بنظراته تجاهه، ليجيبه بعنجهية
حبيت إنك صريح من البداية لإني في الحقيقة معنديش وقت ولازم أخرج.
إبتلع تلك الإهانة عن قصد، ثم سأله بشكل صريح:
فين "لوجين" يا "عاصي"؟
رفع حاجبيه باستغراب، وبمكر قال:
مين " لوجين"، آه دي عروستك اللي هربت يوم الخطوبة
ظهرت تكشيرة جانبية على شفتيه وهو يقول باستنكار
قصدك اللي أنت خطفتها.
رد عليه دون مراوغة وقد إحتدت نبرته
إنت متأكد إني عمري ما أنزل لمستواك الوضيع ده ، أنا إتصرفت زي أي راجل شايف بنت محتاجة مساعدة.
إحتد الحديث بينهما فلم يصبح للين طريقاً بينهما، وخاصة حينما أهدر" قاسم" بتهديد صريح:
لا لما تخرج معاك بالطريقة الغريبة دي يبقى خطف وأنا عايزك تعرف إن اللي عملته ده هيوقعك في مشاكل أنت مش أدها، ممكن ببساطة أرفع عليك قضية وإتهمك بخطف خطيبتي ولو الإعلام شم خبر مش هيتوصوا وده هيأثر عليك وعلى شغلك.
تجهمت ملامح "عاصي" حينما إستمع لتهديده الجريء، فضبط أنفاسه المندفعة ليقول بخشونة
أعلى ما في خيلك إركبه القضية اللي بتهدد برفعها دي مش هتاخد بيها حق ولا باطل وخصوصاً بعد شهادة خطيبتك اللي هتبين للصحافة أد أيه أنت معندكش كرامة وبتجري ورا واحدة مبطقش تبص في خلقتك.
ورفع صوته الماكر متابعاً توبيخه
يعني الليلة دي إنت اللي هتشيلها مش أنا.
ثم إنتصب بوقفته ليتابع حديثه بإهانة تعمدها:
ياريت بعد كده متجيش هنا من غير ما تاخد معاد..
ثم أشار بيديه تجاه الخادمة التي أسرعت لترى ماذا هناك، فأمرها
بصرامة :
مع الباشا.
وقفت إهانته كالشوكة العالقة برئتيه، فنهض عن المقعد ثم وقف مقابله
ورفع عينيه إلى وجهه يتحداه بتصميم
إنت اللي بدأت بالحرب يا باشا.
وإتبع الخادمة حتى وصل لباب القصر الداخلي، فغادره بخطوات سريعة
والنيران تكاد تحرق وجهه، فما أن صعد إلى سيارته حتى أخرج هاتفه
ليملي أوامره بتحذير صريح
راقبه كويس وكل تحركاته تبقى عندي أول بأول.
إنفرجت شفتيها على مصراعيها في صدمة مما حدث، فأسرعت بالهبوط
للأسفل، فابتلعت ريقها ببطء لتمنح نفسها الفرصة حتى تستجمع جاشها
ثم نطقت في تردد قلق
عرف إني هنا!
لاحت على وجهه إبتسامة ساخرة
أمال هو جاي ليه!
تساءلت بخوف وهي تتنفس بصعوبة بالغة:
إنت مش هتسلمني ليه يا "عاصي" صح ؟
قطع المسافة بينهما، ثم مال نحوها برأسه، لتشعر بأنفاسه قريبة منها وهو يؤكد لها بهمس جاد
أنا عمري ما هتخلى عنك يا "لوجين" وقولتهالك أكثر من مرة.
رفعت عينيها التائهة تجاه، فالتقت بنظرات عينيه العميقتين التي تبث لها الأمان منذ أول لقاء جمعهما، فكأنها نفذت الداخلها لتحتضن خوفها، هو بالنسبة لها كالبطل الخارق، فمنذ طفولتها وفرض عليها "قاسم خلدون" رغماً عن أنفها، فلم تشغل ذاتها يوماً بأن تترك لقلبها حرية الاختيار مواصفات الرجل الذي تتمنى الزواج منه يوماً، فكيف ستحلم بالزواج من فارس الأحلام وهي مقيدة بسجن هذا المستبد ؟ ربما ما يحدث لها الآن جعلها تعشق سمات هذا الرجل الأربعيني الذي أثار دهشتها بتصرفاته التي لا تنبع سوى من رجل نبيل انسحبت "لوجين" من هذا اللقاء الذي استهدف مشاعرها ليبرك حواسها تجاهه، فسألته لتهرب من محاصرة
هالته التي تفرض ذاتها بحضرته
أنت رايح على فين؟
اهتدى لوجهته بعدما تناسى تماماً إلى أين سيذهب، فقال وجسده ينحني تجاه الطاولة ليجذب هاتفه ومفاتيح سيارته
"إيمان" بتولد ولازم أكون جنبها.
عقدت حاجبها وهي تتساءل بدهشة: معقول دي لسه مكلمني من ساعة وحضرت نفسي عشان هخرج معاها
هي و"عائشة"!
بسخرية أجابها:
الحاجات دي مفهاش ترتيب ولا إتفاقات.
وكاد بالتحرك فاستوقفته حينما صاحت بلهفة:
ثواني.
استدار تجاهها فوجدها تهرول للأعلى، لتعود إليه بعد لحظات حاملة بين يدها حذائها، بطريقة مضحكة وكأنها طفلة صغيرة تخشى أن يتركها والدها ويرحل دون أن يصطحبها معه، دنت منه وهي ترتدي حذائها على
عجلة لتشير إليه:
أنا جاية معاك.
حك ذقنه النابتة بإنزعاج من طريقتها، فمنحته نظرة حادة توحي بما سيحدث له إن رفض الأمر، لذا أرغم على قبول دعوتها الإجبارية، فأشار بیدیه تجاه الباب الخارجي
إتفضلي.
ابتسمت وهي تتجه للخارج بانتصار، فصعد لسيارته ليتحرك بها تجاه
المشفى ومن خلفهم رجال "قاسم خلدون".
*** **
صراخها تسبب له بحالة مزمنة من الصداع، فأعدل من وضع الكمامة
الطبية على فمه وهو يصيح بها بانفعال:
إهدي يا حبيبتي كده مش هينفع صدقيني.
أمسكت برقبته وهي تصرخ بألم:
بالله عليك يا عمر ساعدني، أنا حاسة إن في سكينة بتقطع بطني.
تأوه ألماً من غرس أظافرها في جلد رقبته، فردد بصوت متقطع من الغضب
قولتلك اكثر من مرة انا متخصص بالامراض النفسية والعقلية، ممكن أساعدك لما تخفي وتقومي على رجلك أعالجك من حالة الجنان دي لكن حالياً انتي محتاجة دكتور نسا وتوليد.
ازداد حدة صوتها، فنزع يدها التي تستهدفه رقبته ثم قال بتعصب شديد:
أنا مطلع أستنى بره أحسن ما رقبتي تطير.
وتركها وغادر للخارج يلهث وكأنه ركض لمسافات طويلة، وما أن وصل "عاصي" و"لوجين" للمشفى، حتى علموا من الاستعلامات بمكان الجناحالخاص بالنساء والتوليد، فصعدوا سوياً للاعلى، ليجدوا "عمر" يجلس بالخارج على أريكة معدنية قريبة من غرفة العمليات ولجواره إحدى الممرضات التي تضع اللاصقات الطبية على رقبته وتقوم بمعالجته، والأخر يصرخ ألماً ويهمس بصوت واهن:
حطيها براحة الله يكرمك.
ثم تطلع لها متسائلاً بخوف:
رقبتي اتبهدلت جامد؟
نفت ذلك بهزات رأسها المخادعة، فمنحها إبتسامة خبيثة قبل أن يتغزل
بها :
شكراً على اهتمامك بيا وبجرح رقبتي.
وكاد باستكمال كلماته اللطيفة، ولكنه انتفض حبيما استمع لنداء يعلم صاحبه جيداً:
!عمر
نهض من جوارها سريعاً ثم اتجه ناحية "عاصي" الذي يناديه بعصبية،
فلعق شفتيه وهو يردد بارتباك
أنت جيت يا "عاصي".
ثم تطلع جواره وهو يرسم ابتسامة بلهاء: ازيك يا لوجين"... عاملة أيه ؟
منحته إبتسامة ساخرة قبل ان تمتم باستهزاء
أنا كويسة، إنت اللي شكلك متبهدل خالص!
وبخبث استطردت:
بس أنا شايفة إن الممرضة عالجتك على أكمل وجه، متفانية في شغلها أوي الولية دي.
أصبح وجهه قائماً بصورة ملحوظة، فقال بتلعثم ونظراته تراقب رد فعل "عاصي":
دي كانت بتطهرلي جرح رقبتي، لحسن "إيمان" أحياناً لما بتتعصب بافقد التحكم في أعصابها.
ضحكت بصوت مسموع جذب انتباه عاصي إليها بشكل أدهش "عمر"، فشعر بأن رفيقه على وشك الوقوع بالحب للمرة الثانية، قطعت تلك
اللحظة خروج الطبيبة من غرفة العمليات، فدنت من "عمر" لتخبره:
دكتور" عمر"، الولادة الطبيعية هتكون صعبة عليها ، فأنا شايفة إننا نلجئ للقصرية أفضل.
قال بقلق شديد
إعملي اللي أنتي شايفاه صح يا دكتورة بس أهم حاجة "إيمان "تكون كويسة.
أكدت له برفق :
متقلقش هتقوم بالسلامة إن شاء الله.
وعادت لغرفة العمليات مرة أخرى، ليتبعها "عمر" بعد أن صمم الانضمام
اليهما، ففي طبيعة الحال زوجته في سبات عميق بفعل المخدر، فلن تستطيع إلحاق الأذى به مجدداً.
بالخارج
إختار "عاصي" الجلوس على الأريكة القريبة من الجناح المتخصص للجراحة، فجلست "لوجين" لجواره حينما ألمتها قدميها من الوقوف أصبح المكان فارغ من حولهما، يسوده صمت قاسي وكأن المكان لا يوجد به سواهما، فحانت منه نظرة جانبية تجاهها تخفي حولها تردد بما يود قوله، إلى أن قال بثبات تام
إنتي ليه بتكرهي "قاسم" ؟
رفعت حاجبيها بدهشة من سؤاله، فأوضح مقصده حينما قال:
أقصد إنه مفهوش عيوب خطيرة، رجل أعمال ناجح وابن عمك وفوق كل ده بيحبك بجنون..
ابتسامة شبه ساخرة رسمت على محياها ، فتحررت كلماتها التي اصطحبتها وابل من الدموع جعلته في حيرة من أمرها، وخاصة بأنه إعتاد
على تلك الإبتسامة التي ترسمها دوماً على وجهها:
يمكن لأنه مش سايبلي حرية الإختيار ودايماً بيفرض نفسه علي، ومن وأنا صغيرة وهو دايماً بيتسببلي بالإحراج قدام أصدقائي، لو شافني بتكلم مع حد بيكسره رقبته وبيأذيه بكل السبل، وأخرهم كان دكتور جامعي كان متقدملي فقولت أدي لنفسي فرصة ولأول مرة كنت بفكر أرتبط بشكل جدي، ولما روحت الجامعة تاني يوم إتفاجئت إنه توفى في حادث غامض
وطبعاً مش محتاجة أقولك مين اللي ورا الحادثة دي!
لمس "عاصي" جزء من معاناتها المخبأة خلف وجهها البريء، وخاصة
حينما استكملت حديثها بوجع ينطوي خلف رقة صوتها :
حتى بابا كل ما بقوله إني بكرهه ومش عايزاه كان بيحرص إنه كل مرة يشرحلي إني لو متجوزتهوش أيه اللي هيحصل فينا، لأن كل حاجة في إيده هو وعمي، فالجوازة دي بتصب في مصلحة العيلة اللي لازم أفكر فيها ومفكرش حتى في نفسي!
و مسحت دموعها بأطراف يدها وهي تستطرد بإنكسار: يمكن يكون فعلاً مش وحش للدرجة دي بس هو اللي زرع الكره جوايا بسبب أفعاله الاجرامية، وحبه إنه يتملكني بأي طريقة كانت وكأني سلعة رخيصة بتتباع وتشتري.
وبعزم شديد أضافت:
مش هو ده الشخص اللي أنا عايزاه مش مناسب ليا ولا عمري هحبه ولا هحترمه في يوم من الأيام.
ومسحت العالق بأهدابها وهي ترسم إبتسامة صغيرة:
سيبك مني، وقولي أيه السر ورا تعلقك بحبيبتك حتى بعد ما ماتت إزاي قدرت تفضل مخلص ليها كل السنين دي ؟
نغز صدره بوخزات مؤلمة، فور تذكره زوجته وحبيبته الراحلة، فالتقط نفساً مطولاً حبسه داخله لفترة طويلة قبل أن يجيبها بكلمات تشتق معاني
العذاب بأكملها:
عشقها زي المخدر اللي بيكون صعب التخلص منه، مجرد تردد ذكرياتها بعقلي بيخليني أحس دفء بيديني القوة إني أواجه برد مشاعري القاسية.
تحمل الألم الذي يضرب قلبه واسترسل بصوته الرخيم:
وجع فراقها مكنش بنفس حدة وجع قلبي وأنا بشوفها بتواجه الموت كل يوم ، وخاصة بعد ما إتغلب السرطان على جسمها كله، ومعتش عندها
طاقة إنها تحاربه.
انسدلت دمعاتها على وجهها وهي تستمع لكلماته الصادقة التي نقلت لها صورة مصغرة عما خاضه، فتغلبت عما يحاربها من حزن عميق ثم قالت: إدي لنفسك فرصة أن تدخل حياتك بنت تنور عتمة قلبك اللي عايش
حبيس ليها.
ابتسم وهو يجيبها ساخراً:
تفتكري إني محاولتش أعمل كده فكرت كتير في فكرة الإرتباط كل ما بكبر في السن بس للاسف مقدرتش ، وأحياناً بفكر بتمعن في عمري اللي قضيته بالشغل عشان أوصل للي وصلتله وبسأل نفسي مين اللي هيورث كل ده بعد موتي والأهم من ده كله إزاي هخلد إسم عيلتي؟
ورفع كتفيه باستسلام
حاولت بس مقدرتش، لإني بمجرد ما ببص لأي ست بحس إني ارتكبت
جريمة عقابها أسوء مما أتخيل
ابتسمت "لوجين" ثم أخبرته بإعجاب شديد:
ياريت قدري يجمعني براجل يحبني زيك.
رفع عينيه تجاهها فصفن بها لدقائق، شعر بهما بأنه استعاد جزء من
حياته تلك الفتاة غامضة بكل ما تحمله معنى الكلمة، من يراها يظنها طفلة ساذجة رغم عمرها المعقول، وأحياناً يشعر بأنها امرأة ناضجة تمتلك من الحكمة والعقل ما يجعلها تحكم عالمه، انقطع فترته الوجيزة بتأملها حينما تسلل لمسماعهما صوت بكاء رضيع، وبعد قليل خرج "عمر" يحمله بين ذراعيه بابتسامة يتخلالها دمعات الفرحة والسعادة، ليضعه بين يد "عاصي" الذي فشل بالتعامل معه، وكأنه يحمل شيء رقيق يخشى أن ينكسر بين يديه الخشنة، فحملته عنه "لوجين" وهي تهمس بفرحة: جميل أوي ما شاء الله، هتسميه أيه يا "عمر"؟
انتقلت نظراته تجاه رفيقه ليجيبها دون تردد
أنا و"إيمان" إختارنا الاسم قبل كده .. هنسميه " عاصي".
اتجهت نظراته المندهشة لرفيقه، فربت بيديه على كتفيه وهو يردد بحنان
بتمنى يكون زيك في يوم من الأيام.
منحه ابتسامة هادئة وقال بتمني:
ربنا يباركلك فيه ويحفظه من كل سوء.
انقطع الحديث بينهما حينما خرجت "إيمان" من غرفة العمليات
فتتبعوها لغرفتها، لتدنو منها "لوجين" ثم قالت بلهفة:
حمد لله على سلامتك يا حبيبتي...
ابتسمت رغم محاربتها للألم:
الله يسلمك يا روح قلبي.
ثم نقلت نظراتها لأخيها لترغمه باشارتها على التطلع تجاه "لوجين" التي تحمل الصغير بكل حب وحنان لتعود لترشيحاتها الصامتة من جديد، هز رأسه باستسلام لعدم تغيرها بعد، وإنحنى ليطبع قبلة صغيرة على جبهتها وهو يهمس باستهزاء
حتى وإنتي تعبانه وبتموتي بتفكري في الموضوع ده
همست بتعب بدى بنبرتها المتقطعة
بالي مش هيرتاح الا لما تتجوز، فإتعود بقا على طريقتي اللي مش
عجباك دي لحد ما تفرح قلبي ببنت الحلال اللي تستاهلك...
انحنى "عمر" تجاههما ليتساءل بقلق ، ونظرات شكوكه تتوزع بينهما:
في أيه؟
دفعه "عاصي" وهو يشير له بصرامة :
موضوع خاص بين الأخت وأخوها مالك بيه!
حدجهما بنظرة منفرة، ثم غادر للخارج وهو يردد بسخط
خدوا راحتكم، وأنا هروح أشوف الدكتورة هتخرجها النهاردة ولا بكره. وفور خروجه استأذنت "لوجين" هي الاخرى بحجة رغبتها باحتساء كوب من القهوة، ولكنها بحقيقة الأمر فضلت الانسحاب حينما شعرت بحاجة "إيمان" بالحديث مع أخيها على انفراد... فهبطت لكافيه المشفى الخاص لا تعلم بأن هناك من تلقى الأوامر بخطفها حينما تسنح لهم الفرصة بذلك، ومنحتهم تلك الفرصة ببقائها بمفردها دون "عاصي".
بالأعلى.
فور خروج "لوجين"، استغلت "إيمان" بقائها بصحبة أخيها بمفردهم، لذا استدعت الحزن ليتبع نبرة صوتها:
هتفضل لحد أمته تتجاهل طلبي وأمنيتي يا "عاصي"؟
زفر في سئم من عودتها لنفس الموضوع الذي لا ينتهى أبداً، فقال بانزعاج
إنتي مش بتملي من الكلام في الموضوع اللي مش بيتقفل ده؟
انجرف تفكيره تجاه نقطة هامة، فاسترسل حديثه بعد فترة من الصمت
استني استني في العادة بنقطع الكلام في الموضوع ده فترة متقلش عن سنة أو أكثر، أول مرة تتكلمي عن جوازي في نفس الأسبوع تقريباً...
قوليلي في أيه؟
ابتسامة رقيقة رسمت على محياها قبل أن تخبره
يمكن لإني لقيت العروسة اللي تليق بيك بجد المرادي، ومن اللي أنا
شوفته إنت مش بتعترض على وجودها جنبك أغلب الوقت.
ضيق عينيه وهو يتساءل بذهول:
تقصدي مين ؟ " لوجين"!
هزت رأسها بتأكيد وقد ازدادت ضحكاتها فرمش بعينيه عدة مرات وهو يردد بعدم تصديق
مش مصدق اللي بسمعه ده إنتي شايفة المجنونة دي لايقة عليا!
قالت والضحك يتابعها بحديثها .
لا شايفاك مهتم بيها، ومديها الفرصة إنها تقرب منك ويمكن ده لأنها
مسيطرة على مكانة خاصة بقلبك.
كور يديه بعصبية حتى أبيضت من فرط ضغطه عليها، فعادت لتستعطفه لكلماتها من جديد
أنا عارفة إنك هتفضل تحب " هند " لأخر نفس خارج منك، بس أيه
المشكلة لما تحتفظ بحبها جواك وفي نفس الوقت تسمح لواحدة تانية إنها تدخل حياتك
نهض "عاصي" عن مقعده ثم هم ! بالخروج وهو يردد ساخراً
تدخل حياتك
نهض "عاصي" عن مقعده ثم هم بالخروج وهو يردد ساخراً:
إنتي لسه مرجعلكيش وعيك بالكامل، هر جعلك تاني بس لما تأثير المخدر يخرج من جسمك كله.
وأغلق الباب من خلفه، ثم ألقى بثقل جسده على أقرب أريكة استراحة قريبة من غرفة شقيقته، فعلى الرغم من تماسكه الشديد أمامها الا أن قلبه رق لحديثها، وكأنه لمس شيء كان يجهله، نعم هي تمتلك جزء من الحقيقة فمازال يتساءل ماذا فعلت به تلك الفتاة في أيام معدودة كيف استطاعت أن تجبره على مساعدتها والأغرب من ذلك كيف صرح لها عن وجع قلبه بمنتهى البساطة في حين أنه لطالما حرص على دفنه بداخله، وكأنه لا يخص أحداً سواه هو، ثمة شيئاً غامض يجذبه تجاهها، شيئاً لم يعد يفقهه أو يعلمه !
👤👤👤👤👤
طلبت "لوجين" كوب من القهوة، وقررت الجلوس بالمقهى حتى تنتهي من تناولها، فجذبت أحد المقاعد ثم جلست تتفحص إحدى المجلات الموضوعة من أمامها لحين أن ينتهى النادل من إحضار قهوتها، التهت بتفحص الأخبار الشيقة التي كتبت عنه المجلة فشردت، وكأنها ببقعة منعزلة عن الجميع، وفجأة ضرب رأسها دوار عنيف استهدفها، فغلبها نوماً بدى غريباً إليها بهذا الوقت، وألقت بثقل جسدها على الطاولة المقابلة لها، وسرعان ما تخدر جسدها، فاستغل من يراقبها سكينتها، وإقترب منها ليجذبها سريعاً ثم وضعها على المقعد المتحرك ثم إتجه بها لباب الخروج فبدى الأمر طبيعي بالنسبة لوجودها بالمشفى، وما أن خرج بها حتى توقف أحد الرجال بالسيارة، فحملوها بحرص ومن ثم وضعوها بالمقعد الخلفي.
إتجه "غيث" للمشفى بصحبة "عائشة" فور سماعهما بولادة "إيمان" الطارئة، فأوقف سيارته بمحاذاة الرصيف، ثم كاد بتتبع زوجته التي تركته وأسرعت تجاه باب المشفى، فتعجب "غيث" حينما وجدها تتباطئ بمشيتها حتى توقفت عن الحركة، فسألها باستغراب:
في أيه ؟
أشارت "عائشة" بإصبعها تجاه إحدى السيارات ثم قالت بحيرة: مش دي "لوجين"؟
إتجهت نظرات "غيث " تجاه ما تشير إليه، فانعقد حاجبيه بدهشة مما رآه وعلى ما بدى إليه بأنها مخدرة كلياً وقد اتضحت شكوكه حول ما يحدث حينما وجد الرجال يسرعون بالتحرك حتى لا ينتبه إليهم أحداً، فركض "غيث" تجاه سيارته، ليتبعهما على الفور، بينما أسرعت "عائشة" للأعلى، لتخبر "عاصي" بما حدث، فهبط بصحبة "عمر" ليستقل سيارته ثم إتبع الطريق الذي أرسله إليه "غيث".
بغرفة "إيمان"
تصفح
لحظات مختلسة من القلق قضتها "عائشة" أمام النافذة وهي تراقب الطريق من أمامها، تنهدت بعمق ثم أخذت نفساً عميقاً كأنما تلفظ حياة وتستقبل أخرى، فحاولت "إيمان" الإعتدال بمرقدها، وهي تسألها بنظرة مشككة
في أيه يا "عائشة"؟ وقولتي أيه "لعاصي" خلتيه يجرى هو "وعمر" بالشكل ده
قطرات عرق خفيفة تكاثفت فوق جبينها، وهي تهاجم تلك الهلاوس
الافتراضية تجاه ما سيحدث لزوجها على يد هؤلاء، فبحثت عن إجابة ستقطع شكوك رفيقتها، لتريح بالها وهي بتلك الحالة المضطربة، فأنتهى عنائها حينما فتح باب الغرفة، وكأنه يقطع حيرتها في إنتقاء ما ستقول عبس وجهها حزناً حينما رأت حماتها تقف من أمامها، فمنحتها الأخيرة نظرة تشتعل بالمزيد من الضيق، ثم تجاهلتها عن عمدٍ وإختارت الجلوس
جوار ابنة شقيقتها، فأجلت أحبالها المنقطعة:
حمد لله على سلامتك يا حبيبتي؟
ما تفعله لم يلقى استحسانها، ولكنه مجبرة على إحترامها فبنهاية الأمر هي خالتها، لذا أجابتها بود:
الله يسلمك يا خالتي، تعبتي نفسك ليه بس.
قالت بطيف حمل بعض الفظاظة المستهينة وهي تلوح بسبابتها:
تعبي في سبيل إني اتطمن عليكي راحة يا حبيبتي، ده أنتي بنتي اللي مخلفتهاش.
كانت تعلم جيداً بأنها تستهدف "عائشة" لتضايقها، فقالت بلهجة مهذبة: أمال أيه يا خالتي، أنا و"عائشة" بناتك وملناش غيرك.
كزت على أسنانها بقوة تكاد تحطمها، لتجيبها بنبرة تنضح سخرية قاسية: بنت الملاجئ دي عمرها ما تتساوى بيك يا "إيمان".
بنت الملاجئ دي عمرها ما تتساوى بيك يا "إيمان".
تعقد طيف حاجبيها وهي تشعر بأنها تواجه كياناً غريباً، أفكارها تزلزل أرضاً ثابتة:
أنا بحاول أستوعب طريقة تفكيرك دي مبنية على أي أساس بس صدقيني مش بلاقي أجوابة.
شعرت "عائشة" بالحرج كونها تتسب بالمشاكل الدائمة بينها وبين أفراد عائلتها، لذا أرادت الإنسحاب حتى لا تسمح لشجارهما بالتطور أكثر من
ذلك، فمنعتها "إيمان" من الهروب تلك المرة حينما قالت بإنفعال:
مش هتخرجي من هنا يا "عائشة"، إحترامك من إحترامنا كلنا، وإهانتك من إهانتنا كلنا.
دمعت عينيها بمزيج من الرهبة والعاطفة تجاه كلماتها التي طيبت جرحها، ولكن مع نظرات عين حماتها الحاقدة جعلت قلبها ينشطر قهراً، وخاصة حينما أهدرت بجمود
اللي زي دي متستحقش إحترام من حد دي قومت عليا ابني وخليته يسيب البيت ويمشي!
وحملت حقيبة يدها ثم اتجهت للخروج وهي تسترسل بقبيح الشتائم والتهديدات الصريحة لما تنوي فعله لإبعادها عن ابنها، فما أن رحلت حتى هوت "عائشة" على الأريكة ذات الجلد الاسود الداكن بتعب شديد، وكأنها زهدت حركتها، شعور الخيبة لديها يفوق شعور الألم، أدمعت عين "إيمان" تأثراً بها، فخالتها تنجح دائماً بكسر قلبها، لم تشعر يوماً بالشفقة تجاهها، ألا يكفيها وحدتها !
ألا يكفيها كونها يتيمة، وحيدة، لا سند لها بتلك الحياة سوى زوجها الذي أرادت تفريقها عنه !
شعرت وكأن ليس هناك من الكلمات المناسب لمواستها به في ذلك الموقف، ففضلت تركها في ظلمتها التي تشتد بالابتلاء بطغيان خالتها الذي
لا يتوقف، وعلى ما يبدو بأنها ستستمر على ذلك المنوال
تثاقل رأسها إختفى رويداً رويداً، فحاولت "لوجين" رفع جفن عينيها فاستمعت لصوت شبه مألوف بالنسبة إليها وربما يكون أكثر ما تمقته في
الحياة:
كنتي فاكرة إنك هتقدري تهربي مني ومش هعرف أجيبك
ازدادت ضربات قلبها المرتجف خوفاً، وهي تستكشف صاحب الصوت فاستدارت بوجهها تجاه الصوت القريب منها، لتتمكن من رؤية من يجلس
أمامها بوضوح، أنهت الصراع القائم بداخلها فرأته يجلس أمامها ببرود منتاهي، ومن خلفه يقف رجلين من رجاله، ابتلعت ريقها بصعوبة وهي ترسم دور الثبات المخادع عليه:
عايز مني أيه يا "قاسم"؟ أنا قولتلك ألف مرة إني مستحيل هتجوزك غصب عني.
ابتسامة ساذجة رسمت على محياه قبل أن يتحرك لسانه ناطقاً:
ده اللي هيحصل فعلاً يا حبيبتي.
رفعت حاجبيها وهي تتساءل بدهشة:
تقصد أيه ؟
اتاها رده الصريح
هتجوزك غصب عنك، ودلوقتي بالتحديد.
ثم أشار الرجاله الذين هموا بالاقتراب منها ثم قيدوها، ليجبرها على
التحرك معه للخارج، فصاحت بانفعال شدید
سبني، أنا مبحبكش أنت أيه مبتفهمش !
لم يستمع اليها أحداً، وكأنهم رجال يحركهم " قاسم" كالألي، صرخت في محاولات بائسة منها على أحداً يستمع إليها، وحينما فشلت بذلك، صاحت
"عاصي" مش هيسيبك.
استفزته جملتها، فرسم ابتسامة ساخرة فوق شفتيه وهو يرد عليها:
أنا مش عارف أنتي أقنعتي "عاصي" يساعدك بالهروب من الحفلة إزاي بس متقلقيش أنا رفعت عنه الإحراج إنه يستمر في مساعدتك.
علمت بأنها تلك المرة لن تستطيع الفرار منه بعد أن قرر أن يتزوج منها عنوة، فثارت بحركاتها وباتت تركل بقدميها من يحملها على كتفيه فأصابته إصابة بالغة بحذائها ذو الكعب العالي، فحررها ليتركها أرضاً فركضت "لوجين" حائرة بذلك المكان الغامض، حاولت استكشاف مخرج يقودها للنجاة من هذا المأزق ولكن باتت محاولتها بالفشل، فكان المكان محكماً للغاية، يطوفه رجال "قاسم" من جميع الإتجاهات، تراجعت بظهرها للخلف حينما رأتهم يحاوطنها، فأجبروها على التراجع للخلف ومن ثم على الجلوس على المقعد المجاور له والمقابل للمحامي الذي يستعد بأوراق الزواج، رفعت "لوجين" نظراته عنه بإحتقار، فبداخلها غصة مريرة بإنتصاره الذي سيحققه بزواجه منها رغماً عن أنفها، فبالنهاية هو الذي إنتصر عليها وستكن حقيقة تبزغ كالشمس بين ضلوعها، لا تعلم لما استجمعت شتات تركيزها لتفكر به بذلك الوقت، الأربعيني الذي سيطر على خفقات قلبها فتصبح عاجزة حتى على التحكم بها، فكل ذرة بعقلها تنا شدها بالتفكير به كأنه مغناطيس يجذب كل أقفال روحها نحوه، وسيم
بطريقته الخاصة، ويمتلك غرور وكبرياء يخصه هو، تشتاق حقاً لنبرته الرخيمة التي تضيف لصوته الرجولي سحراً خاص، فجعلت همساتها تحفزها على القادم
"عاصي" وعدني إنه هيخلصني منه مستحيل هيسيبني ليه أكيد هيمنعه ..
تمنت بتلك اللحظة لو كانت تمتلك فانوس سحري يحقق أحلامها، فتتحقق أمنيتها برؤيته في تلك اللحظة، انقبض قلبها رهبة حينما صاح المحامي بجدية:
الأوراق كلها جاهزة يا باشا وواقفة على أمضتك.
جذب "قاسم" أحد الأقلام ثم وقع على عقد الزواج الرسمي، ليضع القلم على الأوراق بقوة جعلت جسدها ينتفض رعباً لما ستلقاه، فاحتدت نظراته تجاهها وهو يؤمرها بحدة
وقعي.
از دردت ريقها الجاف، لتلتقط القلم بأصابع مرتجفة وهي تتطلع على إسمه المدون بنظرة ساخطة، سيغلب عنادها في تلك اللحظة التي ستضع إسمها جواره، وربما سيقتل ذاك الحب الذي نبض بداخلها تجاه هذا الأعزب، لا لن ترضى أبداً بأن يحطم عزيمتها ويكسر عنادها، كسرت القلم بين يدها ثم
نهضت لتردد بكل ذرة شجاعة إمتلكتها يوماً:
مستحيل هقبلك زوج ليا حتى لو كان ده أخر يوم في عمري يا "قاسم".
نهض وهو يحدجها بنظرة بدت وكأن شياطين الدنيا بأكملها تتصارع على وجهه، فبسط كفيه فوق كتفيها متعمداً غرس أظافرها بلحمها وهو يجبرها على الجلوس
مش بمزاجك يا حبيبتي، إنتي عارفة كويس أنا أقدر أعمل أيه فيك وفي أبوكي.
على جثتي أتجوزك يا ملزق.
تمتمت بها سراً وهي تحاول كتم غيظها ، فدفعت يديه بعيداً عنها ثم
تهتف بفظاظة :
أنا يوم ما هتجوز هتجوز أكيد هتجوز راجل يحترمني ويقدرني مش هتجوز إنسان قذر زيك.
اقترب منها "قاسم " تلك المرة، ليهوى على وجهها بصفعة قوية وهو يردد بغضب قاتل:
غرورك ده هكسره بإيدي يا "لوجين" والنهاردة قبل بكره. إرتدت على أثر صفعته أرضاً أسفل أقدام من تمنت وجوده، فهمست بدمعات لحقت عينيها الحزينة
عاصي
رفعت رأسها إليه تاركة دموعها تشكو إليه قلة حيلتها، وكأنها تستنجد به من هذا اللعين الذي يريد أن يتزوج بها رغماً عنها، وكأنها سلعة تباع وقد كانت من حظه هو لطالما كانت تتهرب منه على أمل أن يشعر برفضها التام إليه، ولكنه كان يصر على طلبه أكثر من سابق
إنحنى " عاصي " ليعاونها على الوقوف، فهمست بصوت باكي ."عاصي"
منحها نظرة شملت حنان ودفء استطاعت لمسه بها، فرفعها بيديه برفق لتقف خلفه ليكون هو من أمامها كالسد المنيع، إرتبك "قاسم" من وجوده فحانت منه نظرة جانبية متفحصة، استطاع بها رؤية "غيث" و"عمر" يتغلبان على رجاله وكأنهم فئران تم احتجازهما داخل مضيدة فئران وبالرغم من ذلك سيطر على انفعالاته ليبدو أكثر إتزاناً:
أنا حقيقي بعتذرلك على لك الإزعاج الذي إتسببت فيه خطيبتي، لسه مش قادرة تستوعب إنها مينفعش تستخدم دلعها ده مع الناس الغرب اللي أكيد هيملوا من مساعدتها وخاصة لو الموضوع شخصي وحساس زي ده.
ثم استطرد بمكر:
أنت عارف أنا لما شوفتها خارجة معاك في التسجيل اطمنت لأنها خارجة مع راجل نبيل زيك.
ثم نقل نظراته تجاهها ليشدد على حديثه بغيظ:
بس العتب في النهاية عليها، لأنها لسه فاكرة نفسها عيلة صغيرة.
خرج " عاصي " أخيراً عن صمته، حينما قال بصوته البارد الذي يثير الرجفة في القلوب ليمتقع وجه "قاسم " الذي يتابع ما يقول :
حتى الطفلة بيحترم قرارتها وبيكون ليها الحرية في الاختيار، أنت شايف نفسك مسؤول بالدرجة اللي تخليك تصدر القرار بالنيابة عنها ومش مستني حد يعارضك
لعق شفتيه بارتباك مما استمع إليه، فاستكمل "عاصي" حديثه بصرامة:
اللي بتعمله ده مش منصف بحق رجولتك يا "قاسم"... سبها في حالها وإتجوز ببنت تناسبك والأهم إنها تكون فعلاً عايزاك.
قطع "قاسم" المسافة القصيرة بينهما، حتى بات لا يفصلهما كثيراً، ليخبره
وعينيه تحدجها بنظرة استحقار:
أنا شايف إنها سيطرت عليك لدرجة إنك واقف وبتناطح صاحبك وشريكك نجحت توقعك في شباكها !
وبنظرة مشككة إتبعها قوله الماكر:
قولي يا "عاصي"، أنت حبيتها إزاي بالسرعة دي ولا يمكن عشان هي سمحتلك تقربلها طول الفترة اللي قضتها في قصرك
اتفرجت شفتيها في صدمة مما يلقيه على مسمعها من تهمة مهينة
وخاصة حينما استطرد بقلق وحدسه ينبئه بخطر يتدفق من عين "عاصي" المتوهجة بشراسة قد تطيح برأسه لتفصلها عن جسده:
الغريبة إن واحدة زيها المفروض تفرح إن حد عايز يستر عليها
ويتجوزها وبالرغم من كده شايفة نفسها.
لم تحتمل سماع تلك السهام الصائبة لعفتها وشرفها المصون فصرخت في وجهه بعصبية كاد باستهداف طبلة أذنيه:
إخرس يا حقير، أنا أشرف منك ومن عيلتك كلها يا قذر.
اشتعلت نظراته حنقاً، وجز على أسنانه بغيظ فحاول جذبها من معصمها وهو يهدر غضباً:
خلينا نمشي من هنا ونروح بيتنا وهتشوفي القذر ده هيعمل معاكي أيه؟ وكاد بأن يلامسها في محاولة منه لجذبها بعيداً عن" عاصي" الذي منع يديه من الوصول إليها، فضغط بكل قوته على معصمه الذي تهشم عظامه تصفح
بين يديه مصدرة صوت طقطقة، ولاحقها صوت صراخه الهيستري مما دفع أحد رجاله للتدخل، فحاول أحداهما إستهداف وجهه
فتفادى "عاصي" يديه، ومن ثم رفع جسده للأعلى ليركله ركلة أبعدته مسافة عنهما ليصبح أسير يد "غيث" التي ألقنته درساً قاسياً ، وكلما حاول أحداً التدخل كان يمنعه "عمر" و "غيث" من لمسه، فسدد "عاصي" له عدد من اللكمات القاسية حتى إنتهى بركله فأصبح "قاسم" طريحالأرض من أسفل قدميها ، ثم إنقض عليه وحبس مجری تنفسه بیدیه
ليكيل له ضربة تلحقها قوله الشبيه بالسواط
عديم الرجولة والنخوة هو اللي بيستغل ضعف واحدة ست وبيجبرها إنها تتجوزه بالغصب.
واصطحبها لكمة أشد عنفاً وسباب مهين:
أنت إنسان مريض، بتبرر ضعفك بأنك تطعنها في شرفها يا رخيص...... أنت عار على الرجولة.
إحتبس جلد رقبته أسفل يديه، فحارب لالتقاط نفسه المتقطع بصعوبة
وفي تلك اللحظة أتى "عمر" مسرعاً ليبعده عنه وهو يصيح بها بحدة: إبعد يا "عاصي" هيموت بين إيدك.
لم يتركه بل ازداد من إحكامه على عنقه، وكأنه ختم قراره بقتله وتخليص تلك الفتاة البريئة من مصائبها، فتدخل "غيث" على الفور حينما وجده يصارع الموت بكل ما أوتي من قوة، فدفعه بيديه معاً للخلف وهو يناديه بانفعال:
"عاصي"... هيموت إبعد.
ابتعد عنه، فتفحص "عمر" نبضه، ليجده مازال على قيد الحياة، فعاد الهواء لينعش رئتيه ليستعيد "قاسم" وعيه تدريجياً، فإتكأ على معصمه حتى إعتدل بجلسته، وإلتقط أنفاسه بصوت مسموع، وحينما استمد جزء من قوته قال بلسان يتقطع كلماته متنساش إنك بخسارة شراكتي هتخسر ملايين مش هتعرف تعوضها يا "عاصي".
عاد إليه مجدداً وتلك المرة فشل "غيث" بإيقافه، فناوله لكمة قوية اتبعها صيحاته المندفعة:
خسارة ثروة بأكملها أهون من إنها تتجوز من شيطان لعين مثلك... ثم أشار له بشراسة وبتحد سافر
ولو كنت خايف بجد على حياتك غور من هنا ومتورنيش وشك ده تاني والا ما تلومش الا نفسك...
زحف على ظهره للخلف، ثم نهض على قدميه ليتبع رجاله للخارج وهو يردد بوعيد
أنت اللي بدأت الحرب يا "عاصي" .. وهتشوف جحيمها بعنيك.
وغادر من أمامه على الفور، فما أن إختفى من أمامهما حتى إسترخى
جسد "لوجين" براحة، فكانت تخشى أن ينجح في إقناعه فيتخلى
"عاصي" عنها، ولكنها مازالت لا تنكر إعجابها الشديد بشخصه المميز من
الذي سيتخلى عن صفقة بملايين لأجل فتاة لا تربطها به أي علاقة، بالطبع كان اختيارها له من البداية موفق، ولكن الذي تخشى البوح به لنفسها حتى بأنها قد وقعت في حب الأربعيني الوسيم
توقف بها الزمن وهي تراه يقترب منها، وكأن العالم إنقرض ما به من أناس
ولم يصبح فيه سواهما تراه مع كل خطوة يصبح قريباً منها، بينما هي تقف محلها ساكنة، لا تعرف كيف المفر من ذاك العشق الغامض
هل باتت حمقاء لتقع في حب رجلاً قدم لها المساعدة مرتين؟ أم أنها معجبة بأدق تفاصيله الغامضة بما يخص حبه المخلص لتلك المرأة التي فقدها منذ سنوات
انقطع بها حبال الوصال، حينما رأته يقف أمامها، ويتساءل بكل لهفة امتلكه وعينيه تتفحص براءة وجهها الساحر انتي كويسة ؟
هزت رأسها والابتسامة الصغيرة تلاحقها :
مش عارفة ، بس أنا بقيت كويسة في الوقت اللي أنت جيت فيه تخلصني منه.
عيناه تغافلانه وتتلكان فوق ملامحها، جف حلقه وهو يشعر بأنه يفقد
السيطرة على نفسه، فقال بصوت متحشرج عمل مزحاً متخفي : :
يلا نمشي قبل ما نواجه بلاوي تانية في المكان الغريب ده
اتسعت ابتسامتها فقالت وهي تسرع بخطواتها تجاه سيارته بسرعة قبل ما الملزق ده يرجع تاني.
رأها تصعد بالمقعد الخلفي وتنتظره، بينما وقف يتأملها بنظرة غامضة، ازدادت حدتها حينما اقترب منه "عمر" ليوزع نظراته بينه وبين من
يتأملها، ثم قال بشك :
حاسس إن في حاجات غايبة عني ولازم أعرفها، عشان كده بقترحعليك تيجيلي بكره العيادة وأفحصك أنا بنفسي.
حدجه بنظرة شرسة، فعدل من جاكيت بذلته ليتابع بجدية وهو يتجه
لسيارة "غيث" الذي يراقبهما بضحكة ساخرة
هستناك بكره الساعة أربعة العصر، متتأخرش.
وتركه وغادر بهدوء، ليتحرك الاخير تجاه السيارة، فصعد بالخلف ليعود بها السائق للقصر..
**
بغرفة "إيمان"
غفت محلها من كثرة بكائها، فشعرت بيديه تمسد على ظهرها برفق
وصوته الذكوري المميز يناديها بحنان
"عائشة".. حبيبتي فوقي.
فتحت عينيها الناعسة، لتراه يقف أمامها، فارتسمت على شفتيها الجافة
إبتسامة شبه عابثة، لا تعلم لما غلبها البكاء في تلك اللحظة، وكانها برؤياه تذكرت قسوة والدته، فودت لو يقربها منه عله يخفف عنها حدة ذاك الألم العالق بين صدرها، شعر "غيث" بأنها ليست على ما يرام، فسألها بقلق:
مالك في أيه؟
مفيش تعبانة بس شوية.
نهت عبارتها بخيطين من الدموع ذرفتهما بصدق ولو كذبت النوايا فاختلج قلبه عنفاً لأجلها، قربها "غيث" تجاهه فاقترب "عمر" منهما ثم
اقترح عليهما:
تحبي أنادي الدكتور.
هزت رأسها رفضاً لفكرته، ومع ذلك ردت بتهذب:
مفيش داعي، أنا هروح أرتاح وبكره هروح لدكتوري إن شاء الله.
ثم إنحنت بجسدها لتحمل حقيبتها، ووقفت جوار الفراش لتودع "إيمان" وهي تهمس لها برجاء الا تخبر "غيث" بما حدث، ورحلت معه للأسفل وهي تدعو الله أن لا يكتشف ما قالته والدته بزيارتها لرفيقتها.
استرخت "إيمان" "بفراشها قليلاً بعد أن اطمئنت على الصغير وضمته بين ذراعيها، فوجدت الباب يفتح من أمامها، ليدلف زوجها بعدما
أوصل "غيث" وزوجته للأسفل، فأسرع بجذب المقعد الجانبي ليضعه جوارها، ثم قال بلهفة تسبقه بالحديث بعد أن أصبحوا بمفردهم: أنا إتاكدت إن شكوك من نحية "لوجين" طلعت . بينها وبين "عاصي". صح، فعلاً في حاجة
وابتلع ريقه الجاف من فرط مجهوده المبذول لصعوده إليها مسرعاً، ثم قال:
حاسس كده إن قلبه نبض بالحب ليها بس هو مش معترف بده، ويمكن بكره إن شاء الله أخليه يحس بده. ابتهجت "إيمان" كثيراً لما تسمعه، فرددت بتمني ورجاء:
بدعي ربنا إنه يفكر فيها ويأخد قرار يخص حياته بقى، أنا حاسة إنه
مبقاش يشوف أي ست بعد "هند" الله يرحمها.
تمدد على المقعد براحة ثم قال:
هيحصل وقريب بإذن الله.
*** ***
بقصر "عاصي سويلم"
تركت المياه الباردة تطفئ النيران المشتعلة بداخلها، فمازالت كلماته المشككة بأخلاقها تطعنها كالسهام التي تستهدف قلبها بحرفية، غامت عينيها في ظلام دامس بدده ذاك الضوء المصاحب لذكراه، تذكرت كلماته التي رددها بثقة، وثورته العارمة فور سماع ما طعنه بها أمامه، ابتسامة زارت شفتيها المغموسة أسفل المياه، فرسمت أمامها شاشة صغيرة لتريها لقطته حينما انحنى ليجذبها إليه، وعاونها على النهوض، فقرعت الطبول بداخلها وكأن جسدها مازال يستحضر تلك اللقطة، باتت حائرة، تائهة لا تعلم ما الذي يحدث إليها بالتحديد والمضحك في الامر بأن "قاسم" الأحمق فعل المحال لسنوات ليستحوذ على قلبها ولم يستطيع، أما ذلك الأربعيني الأعزب تمكن من فعله في أيام لا تذكر، أغلقت "لوجين" المياه المتدفقة عليها وهي تردد في صدمة بما يهاجم تفكيرها:
معقولة أكون حبيته!
ثم جذبت الصابون المجاور لها لتلقيه بعشوائية وهي تدور بسعادة ختمتها حينما ارتدت ملابسها ثم هبطت للاسفل سريعاً لتبوح له عما تريد!... ولكن ترى هل سيتمكن من محو ذكريات حبه الذي طال لأكثر من عشرة سنوات
🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺
متخرجوش كل حاجه عوزينها عندنا واتفضلوا حضراتكم كملوا معنا هنا 👇 ❤️ 👇
وكمان اروع الروايات هنا 👇
انضموا معنا على تليجرام ليصلكم اشعار بالروايات فور نزولها من هنااااااااا
🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺
تعليقات
إرسال تعليق