expr:class='data:blog.languageDirection' expr:data-id='data:blog.blogId'>

رواية سيد القصر الجنوبي الفصل العاشر والحادي عشر بقلم رحاب إبراهيم حسن حصريه وجديده علي مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات

 

رواية سيد القصر الجنوبي الفصل العاشر والحادي عشر بقلم رحاب إبراهيم حسن حصريه وجديده علي مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات


الفصل_العاشرج١

واقترب أكرم خطوات حيث تقف جيهان ترتعد كلما اقترب خطوة، ثم وقف خلفها وقال بصوتً جعل الكلمات تقف بحلقها : 

_ أطلعي برا ... 


ارتعدت جيهان وتجمدت مكانها، كاد قلبها أن يتوقف وهو يتحدث أو بالأصح يطلق الرصاص من شفتيه، موافقتها على هذه الخدعة الساذجة كانت درب من الجنون والحماقة ..! 

وبالتأكيد أن الدقائق الآتية ستتلقي بهم كلمات مُهينة وطرد صريح لم تشهده بحياتها .. ولن يتسنى لها أن تدافع عن نفسها بكلمة ولا أن توضح موقفها بالأساس .. ريثما وهو بتلك الحالة من الغضب. 


ولكن ما طرأ واستجد على الموقف هو عندما تابع الحديث، الذي قلب موقفها رأسا على عقب .. وقال : 

 _ أطلعي برا يا وصيـفة .....!! 


حملقت جيهان لثوانٌ كأنها تتأكد أن ما سمعته صحيحا !!، وتأكدت عندما نطق أحد الصغار وقال بتوتر شديد : 

 _ ووصيفة تطلع ليـه ؟! 


كأن الصغير أيضا أراد التأكد أن الأمر لا يشير للزائرة المتخفية بزي الرجال هذا، فـرد أكرم وبدا صوته أهدأ بعض الشيء : 

 _ عايز أقوله حاجة ...


وأشار لجيهان، وابتلعت وصيفة ريقها وتنفست الصعداء، ثم ذهبت راكضة حتى غرفة الفتيات، بينما اقترب أكرم للفتى الغريب وأشار بيده على البنطال الجينز التي ترتديه جيهان، وبالتحديد لثقب بالجانب الأيسر وقال بحدة : 

 _ ماينفعش تمشي وهدومك بالشكل ده .. معاك هدوم ولا أجيبلك من عندي ؟


وجف الريق بحلق جيهان وهي تنظر لموضع يده على جانب ساقها اليسرى وحدقت بالثقب التي لم تلاحظه عند ارتداء هذا البنطال ... فوضعت يدها عليه قبل أن يلاحظ الجزء البسيط الذي ظهر من جسدها ... بينما كانت نظرة أكرم ضيقة ويبدو عليه الشك وقوة الملاحظة ..! 

التفتت جيهان سريعا بطريقة لا إرادية وهي تقول : 

 _ والله ما خدت بالي ..!!! 


وارتجفت عندما ضعف تنكرها عند آخر جملتها، فرفعت رأسها له بالتدريج وحاولت استجماع جميع نقاط قوتها بتلك اللحظة، وعندما التقت عينيها بعينيه الحادة الثاقبة ارتجفت بقوة، وجاهدت أن لا تظهر له ذلك ... وتابعت بصوت كافحت لأن يكون أقرب لصوت رجل : 

 _ معنديش هدوم غير دول ... والله. 


وقفت نظرات أكرم على الفتى الذي تبدو لحيته وشاربه الكثيفان غريبان على تلك البشرة النضرة الناعمة وعمره الصغير !! 

وكان في صمت ونظراته اتهام واضح ... فأبتلعت جيهان وأغرورقت عينيها بالدموع خوفا أن يكشفها هذه المرة .... وكان الرجاء بعينيها واضحا للعيان، وكأنه بنظراته لها وصمته يقرأ عمقها ... حتى قال بثبات : 

 _ تعالى معايا .. 


ولم يمهلها لتوافق، فكونها ظاهريًا فتى فالأمر سيبدو طبيعيا وليس به أي خطر، ولكن كون حقيقتها أنثى فالأمر كارثي ومحرجا لأبعد الحدود ... وأُجبرت أن تلحقه .. وتمنت أن لا تكن وجهته غرفته !.. ولكن وكأن الظنون تسخر منها وتضحك عاليًا .. فقد كان بالفعل متوجهاً لغرفته .. فتحشرجت الكلمات بفمها وأصبح وجهها شاحبًا وهي تقف عند عتبة باب الغرفة... تستحي أن تتقدم خطوة واحدة وتلفها الإنفرادية مع رجلا غريب ..! 

حتى نظر لها بعدما أخذ قطعتين من ملابسه الخاصة وقال بصوت ظهر فيه بعض التعجب : 

 _ واقف كده ليه ... ما تدخل !! 


وكانت تستقبل حديثه بصيغة الأمر حتى لو كان طلبا ..! ، فتقدمت جيهان خطوتين مترددتان، واضيقّت عينيه عجبا من هذا التردد وكأنه سيبتلع من أمامه ..! 

وقالت جيهان بصوت مخنوق من الخوف ويديها تخبأ الثقب ببنطالها الجينز: 

 _ في إيه ...؟! 


تنفس أكرم بقوة وما باتت تعرف هل كشف أمرها ويلاعبها بدهاء ليعرف ما خلفها، أم أن الأمر مجرد شك كونها فردا غريب بهذا القصر المخيف ..؟! 

فأجابها قائلًا : 

 _ خد الهدوم دي والبسها بدل اللي عليك ... وهجيبلك هدوم تانية، ده في حالة إنك فضلت هنا .. 


ابتلعت جيهان ريقها بارتباك وقالت وهي تتهرب من نظرات عينيها المصوبة عليها بحدة : 

 _ أنت مش عايزني أفضل هنا ؟! 


رد أكرم بثقة وثبات وكأنه جهز الرد مسبقا : 

 _ وجود أي حد هنا مش بيتوقف على اللي أنا عايزه !! ... وجودك هنا هيتوقف على أخلاقك والتزامك حدودك وقوانين القصر، يعني هتعيش في هدوء وتسمع الكلام وتبقى انسان كويس هتفضل موجود ... لو العكس حصل هكون مضطر أمشيك ... الأمر يرجعلك .. 


وتعجبت جيهان من حديثه، فأوضح أكرم قائلًا وهو ينظر لها ببطء من أخمص قدميها حتى رأسها المختبئ بقبعات لا مبرر لها : 

 _ لو احتجت أي حاجة تاني قولي .. 


تعلقت نظرة جيهان على عينيه للحظة، وللغرابة أعجبتها الثقة النارية التي تنبعت من أقل حركة أو التفاتة تصدر منه، لم ترى رجلًا بهذه الدرجة من الثقة بالنفس والثبات بهذا الشكل من قبل ؟! 

ومع هذا تشعر وكأنها رأته من قبل ؟! 

لكن أين ومتى وكيف ... لا تتذكر ؟! 


ونظرت لقطعتان الملابس اللذان أصبحا بيدها وقالت : 

 _ شكرًا ... بعد إذنك. 


واستدارت لتخرج من الغرفة بحركة سريعة وكأنها تفر !، حيث قال فجأة : 

 _ أستنى ..! 


وقفت وهي تكتم أنفاسها اللاهثة من الخوف حتى استطرد قائلًا: 

 _ اسمك إيه ؟ ... مش معقول يكون اسمك الحقيقي " هريسة " ؟! 


تشتت تركيزها من ضغط الخوف على عقلها وقالت : 

 _ هو ده اسمي الحقيقي ! .. 


لم تتلقى رد منه، فاستدارت بفضول لأن تره، حتى وجدت شبه ابتسامة ساخرة على زاوية شفتيه سرعان ما احكمها وأخفاها ... فأطرفت عينيها وهي تنظر له مأخوذة بشيء غامض وجذاب بهذا الرجل ..  ثم ركضت من الغرفة هذه المرة، وظلت عينا أكرم عليها وهي تبتعد من أمامه ناظرًا لها بتفكير عميق ... ! 


  

                          ************  


تأخر الوقت لبعد العشاء وهو لم يعد ! .. 


منذ أن خرج من المنزل لم يعد حتى الآن !..  أين ذهب يا ترى ؟! 

والأهم هل هو بخير ؟! 

وجلست فرحة على فراشها شاردة، وعينيها تسقط أحيانا على حقيبتها التي جهزتها للسفر لشهر العسل الحزين !! 

سيكن الأمر ظاهريًا روايةً تحكى وتروى وتقع على مسمع المراهقات بحالمية وشاعرية ... 


أما على أرض الواقع فقصتهما مأساوية، كـ رواية كتب الفصل الأول فيها بحبر الزعفران، وبقيًة الفصول حتى النهاية بدماء القلب الذي ينزف! .. 


وبأشد تيهتها وشرودها انتبهت لصوت باب المنزل وهو يُفتح..!، انتفضت من مكانها ثم ركضت وخرجت من غرفتها لتطمئن إنه عاد سالمًا، فوجدته يجلس متهالكًا على مقعد قريب وعرج قدميه يبدو على أشده الآن !! ...

فأسرعت إليه مباشرةً وقالت بقلق : 

 _ أنت بخير ؟! 


تبيّن زايد من نبرتها مدى القلق التي تخفيه، فنظر لها بعمق للحظات، ثم أغمض عينيه وهو يرجع ظهره للخلف بإرياحية : 

 _ شايفة إيه ؟! 


نظرت له بغيظ لعدم اكتراثه لقلقها عليه وقالت : 

_ مش شايفة حاجة ومش عايزة أشوف ... أنا غلطانة إني بطمن عليك !!. 


تشاركا نظرة ذات معنى، كأنه يعاتبها ويلقي عليها اللوم فيما يحدث له، حتى أخرج من جيبه علبة مجوهرات مخملية زرقاء اللون، وفتحها وتفحص محتواها الذي كان عبارة عن خاتم على شكل الرمز الرياضي اللا نهاية ..! 

رفعه زايد امام عينيه وقرأ اسمها المنقوش عليه بدقة واحترافية، ثم نظر لها بنظرة لم تفهمها هذه المرة، وفوجئت أنه أخذ يدها والبسها الخاتم الذي ضم أصبعها في رقة ويسر..

وقال وهو ينظر له بيدها: 

 _ كنت محضرهولك مفاجأة ... التصميم ده أنا اللي طلبته مخصوص .. هدية مني ليكي .. 


نظرت فرحة للخاتم بأصبعها واعترفت لنفسها أن ذوقه راقٍ وساحر ، ولكنها قالت : 

 _ طالما متفقين إننا هنسيب بعض يبقى مالوش داعي للهدايا الغالية دي ... ! 


استفزته ونجحت في ذلك بمهارة، فنهض زايد من مقعده ورد عليها بعصبية : 

 _ اللي مالوش داعي فعلًا هو غبائك !! ...


قالت بغيظ : 

 _ أنا مش غبية، بس دي الحقيقة، إنت كل شوية بتهددني بالطلاق والأنفصال وبتلمح بيه في كل كلامك ... يبقى إيه الداعي لهدية غالية زي دي ؟! ... 


تحكم زايد بنفسه وسيطر على أعصابه بأعجوبة، ثم قال والإحباط يملأ عينيه وصوته: 

 _ حضرتي شنطتك عشان السفر ؟! 


أغاظها أكثر تغيره لمجرى الحديث، فكادت أن تخلع الخاتم من أصبعها حتى جذب ذراعها وارتمت عليه فقال هامسا بنظرة تهديد: 

_ مابحبش حد يراجع ورايا تصرفاتي..! 

ما تتكرريهاش عشان رد فعلي هيضايقك ... 


وعندما اتدركت وتذكرت بعض ردود أفعاله ابتعدت عنه وقد أحمرت وجنتيها خجلا، ثم ركضت لغرفتها واختفت من أمامه ... 

فنظر لها واطلق تنهيدة تحمل ما به من تخبط ومختلف المشاعر ... 


                             ********** 


دخلت جيهان لغرفة جانبية بالقصر لتبدل ملابسها ... ووجدت أن لا بأس بالقميص الجينز الذي لا داعٍ لتغييره ! 

وقد بدلت البنطال ببنطال آخر من القماش الثقيل ، ولكنه أطول من مقاس ساقيها بكثير... فبحثت عن "مقص" ووجدته بأحد الأدراج .. وجعلته على مقاسها تمامًا وأرتدته ... ثم خرجت من الغرفة بزهو من نجاح التجربة حتى الآن ... لتجد أحد الصغار يركض نحوها ويقول : 

 _ الزعامة عايزك في الحوش اللي ورا المزرعة بتاعت الخيل اللي بعد القصر .. 


تعجبت جيهان من الأمر وتوترت بعض الشيء، وحينما ذهبت تفاجئت بالأمر ... 

فقد كان الصغار منقسمان إلى فريقين لكرة قدم ، والبعض منهم يجلسون بعيدًا للهتاف والتشجيع .. 

وعلى حين غرة ارتمت عليها كرة، فألتقطتها جيهان كمقصد للدفاع والحماية عن نفسها، وليس موافقة المشاركة... فنظر لها أكرم بنظرة متحدية وقال : 

 _ يلا نبدأ ... 


وصفر صفير بدء المباراة، فحملقت جيهان به بخوف وهلع .... ثم نظرت للكرة بيدها وهي على حافة البكاء! 

المطلوب منها الآن أن تركض كالفأر بين الصغار وتلحقهم أيضاً لتستطيع صد ذلك المخيف ! 

فهزت رأسها برفض ، ولكن هيهات. .. ولحظات وقد بدأ الصغار يركضون حولها كالأرانب والفئران متغاضين عن حقيقتها في الأصل ومندمجين في اللهو بكل جوارحهم... 


ولحظات وكانت بالفعل تركض بينهم وتحاول أن تنجح في حماية الكرة، بل ارتفع صوت ضحكاتها عندما نجحت بالفعل في سرقة الكرة من أحد الصغار ، واندمجت بينهم وغفلت تماما عن حقيقتها،  وكأنها اصبحت طيرا حرًا طليق لأول مرة، وفجأة تعثرت وسقطت على أكرم الذي كان يركض بجانبها، وسقطا على الأرض سويا وهي تعتليه ...! 

ويبدو من نظرته الضيقة لعينيها أن تلك المباراة لم تكن لمجرد المرح لبعض الوقت ...! 


#الفصل_العاشرج٢ 


ولحظات وكانت بالفعل تركض بينهم وتحاول أن تنجح في حماية الكرة، بل تعالت ضحكاتها عندما نجحت في سرقة الكرة من احد الصغار ، حتى تعثرت وسقطت على أكرم الذي كان يركض بجانبها، وسقطا على الأرض وهي تعتليه ...! 

ويبدو من نظرته الضيقة لعينيها أن تلك المباراة لم تكن لمجرد المرح لبعض الوقت ...! 


هكذا توقعت من النظرة الضيقة الذي حدجها بها وهي قريبةً منه بدرجة خطرة، نظرة تفصح عن شكه بها دون حديث ومناقشات، وانتفضت مبتعدة عنه وكانت ملاحظة لم يغفل عنها ولم تمر مرور الكرام أمام عينيه الثاقبتان والمدققتان لكل شيء يحدث حوله. 

وتأوهت جيهان من ألم قدمها، ويبدو أنها تعرضت للإصابة في كاحلها إثر السقوط، فمسدت قدمها وهي تتألم وخرج صوتها طبيعيًا ناعما دون تصنع، وهذا أيضا لم يمر دون ملاحظةً منه، ولكنها فؤجئت عندما جذب قدمها المصابة ناحيته وبدأ يفحصها، فشهقت جيهان وفغرت فاها من الصدمة، ثم نزعت قدمها من يديه وهذا جعلها تتألم أكثر وهي تتحدث بغلظة : 

_ بتعمل إيه ..؟!!! 


نظر لها بثبات ثم اجاب وعينيه تحاوطها بالغموض : 

_ بشوف إصابتك .. قوم وأمشي عليها كده وشوف هتقدر تتحرك بيها ولا لأ ..


نظرت جيهان لقدميها بألم وقالت وهي تنهض وتختبر حركتها : 

_ بتوجعني أوي .. 


وبمجرد أن تحركت خطوة حتى تأوهت بصوتً مرتفع من الألم، وبلحظة وجدت نفسها محمولة على ذراعان قويتان تحملنها وكأنها لا تزن شيء !! 

حتى أجلسها بغرفة بالطابق الأرضي داخل القصر! 

وتتبعهما بعض الصغار وهم خائفين من تصاعد الأمور والخوف من كشف حقيقة الزائرة الحسناء .. 


ومددت جيهان ساقيها على الفراش وهي تمسد موضع الألم، وغاب أكرم عن أنظارها لدقائق ثم عاد وهو يحمل معه مرهم طبي، وابتلعت ريقها بخوف وشحب وجه الصغار عندما بدأ يمسد قدمها بذلك المرهم الطبي وقال : 

_ لو فضل الوجع أو حصل ورم هاخدك ونروح لأقرب عيادة دكتور ...


ابعدت جيهان قدمها عنه بنبذ وقالت برفض تام: 

_ لأ .. مش مستاهلة، وجع عادي من الواقعة ! 


نظر أكرم لها ببطء وقال وكأنه يسخر منها وتوهمت إنها رأت طيف ابتسامة على زاوية شفتيه: 

_ أنشف شوية ... حتة ماتش يعمل فيك كده!! ... أومال هتعمل إيه بعدين ؟! 


جف ريقها من ما يرمي اليه وقالت بخوف واضح : 

_ قصدك إيه ؟! 


نظر لها أكرم نظرة طويلة ثم قال بتهديد مغلّف : 

_ قصدي أنك أكبر ولد هنا وأنت هتكون دراعي اليمين، يعني استرجل شوية لسه التقيل جاي. 


شحب وجه جيهان ونظرت للصغار بهلع، بينما بدأ اكرم كأنه يقاوم بإخفاء ابتسامته .. ونهض ووقف أمام فراشها قائلًا وهو يضع يديه بجيبي بنطاله في ثقة: 

_ دي أوضتك من النهاردة ..


قالت جيهان وجسدها يرتجف بينما عقلها كاد يجن : 

_ هقعد هنا في القصر !! 


هز رأسه ايجابا بأستفزاز دون نطق كلمةً واحدة، فأشاحت عينيها بعيدًا عن عينيه المدققتان بعينيها، ثم ابتلعت ريقها وأغمضت عينيها في خوف ورعب، خصوصا أن وضعها الآن أسوأ مما مضى ، ولن تستطيع حتى الهروب بقدمها المصابة هذه!. 

والمريب إنه لا يترك فتى يمكث بالقصر فلمَ سيتركها على اعتبارًا أنه لا زال معتقدًا بأنها فتى ؟! 

وإن كان كشف أمرها لمَ لم يعلن ذلك ؟! 

فتحت عينيها ونظرت له، فوجدته يرمقها بنظرة متسلية كأنه يستمتع بما يحدث لها، وبدا لها شخصا نرجسي لأن يشعرها بذلك !. 


وبعد ذلك أمر الصغار أن يتركوا صديقهم المصاب حتى يستريح لبعض الوقت، وقبل أن يغلق باب الغرفة استدار وقال لها ما جعلها ترتعد: 

_ هبقى أجي اطمن عليك كل شوية .. مش هسيبك. 


كان في كلمته الأخيرة شِبه تهديد ووعيد، واغلق الباب وهو يرميها بنظرة قوية اكثر تسلية من مثيلاتها، وبمجرد أن اصبحت بمفردها حتى وضعت جيهان يدها على وجهها من الخوف وقالت : 

_ أنا لازم أهرب من هنا !. 


                              *************


واستعدت فرحة في غرفتها، ولم تعرف لمَ شعرت إنها تريد أن تبدو بطّلة مُلفتة امام عينيه ! 

كأنهما بالفعل سيسافرا لشهر العسل وليس أجازة مزيفة بغرض خداع الناس لبعض الوقت حتى ينفصلا ..! 


اختارت بعناية ردائها، كان فستان مخملي بلون الخوخ، يبرزه حزام أسود رفيع من الخصر وينسدل لأسفل بوسع وأنسيابية، كان يجعلها أصغر سنا من عمرها، وأكثر إشراقة وبهجة، كأنها بالفعل العروس السعيدة بأيام زواجها الأولى..

واعتمدت فرحة بعض لمسات الزينة البسيطة على وجهها، مما جعلها طلُتها تقاتل للفت الانتباه، انتباهه هو بالاصح. 

وقد كان ، ونجحت في ذلك. 

فقد رفع عينيه عليها ببطء وتفحصها بحرية من أخمص قدميها حتى نظرة عينيها المرتبكة في حياء. 

وكانت عينيه محبة ومعجبة حتى وصل لعينيها، فقد تبدلت نظرته للعتاب والالم الشديد .. 


همّ واقفا من مقعده وقال وهو يتنهد ويبعد عينيه عنها : 

_ في مكان هنروحه الأول قبل ما نسافر لشهر العسل .. 


تعجبت فرحة وشعرت بالقلق فسألته: 

_ مكان إيه ؟! 


رد مجيبا : 

_ القصر .. 


فغرت فرحة فاها من الصدمة، ايقصد قصر والده حيث يمكث ألدّ أعدائه ؟! ... لمَ ؟! ... فقالت بريبة : 

_ ليه ؟! 


أجابته كانت غير واضحة ومقنعة عندنا قال: 

_ في حاجة نسيتها في القصر وهعدي أخدها قبل ما اسافر، هتيجي معايا ، بس بشرط ، لو نفذتي الشرط ده يبقى هعتبر أن ده اتفاق على هدنة ما بينا ونقضي الوقت من غير مشاكل لحد الطلاق ... أنما لو ما نفذتيهوش يبقى ما تلومنيش على تصرفاتي بعد كده .. 


ابتلعت فرحة ريقها وشعرت بشيء مخيف يواريه ، فقالت بقلق : 

_ شرط إيه ؟!


اقترب منها زايد ونظر لعمق عينيه لبعض الوقت، ثم قال برجاء حقيقي : 

_ تعامليني قدامهم زي ما كنتي بتعامليني قبل كده ، مش عايز مخلوق يحس بأن في مشاكل ما بينا .. 


كانت تنظر له وحينها تذكرت كمّ الحقد الذي كان بعينان هيثم عندما أخبرها بحقيقة زايد، وشعرت بأنه لا يريدها أن تكون بنظرهم نقطة ضعفه اللذان يستطيعان من خلالها تدميره. 


قالت بصدق : 

_ موافقة .. 


ولأول مرة يشعر براحة في إجابتها منذ عقد القران! ، فتنفس الصعداء وانشرح صدره لتلك البادرة .. 

وعندما جلست بجانبه في السيارة سألته بأهتمام : 

_ أنت اللي هتسوق ؟! ... طب ورجلك ؟! 


أشارت لإصابة قدمه، فنظر لها نظرة جانبية يستكشف مدى اهتمامها وأجاب: 

_ لحد القصر بس ، انما السفر لأ .. 


وهنا اطمئنت بعض الشيء، وشردت وهما يسيران بالطريق ، سيجعلها تعاملها اللطيف مع زايد أمام هيثم وأمه تكتشف بعض الأشياء ، ومدى حقدهما عليه وتختبر ردة فعلهما ، ستكن مسرحية هزلية، ولكن شيء فيها يشبه الكوميديا السوداء .. الظاهر شيء والباطن به العمق الحقيقي للفكرة. 


وعندما وقفت سيارة زايد أمام القصر، كانت "نوران" ترتشف فنجان قهوتها مع ولدها "هيثم" بالحديقة وهنا يضحكان على شيء ... 

وتأملهما زايد من بعيد بكراهية، وذلك بعدما ترجل من سيارته وسبق فرحة زوجته عدة خطوات. 


التفت له هيثم وتفاجأ بعض الشيء من ظهوره، ولكن ابتسم بشماتة من مرسم الكراهية على وجه زايد، والذي تنبأ بنجاح مخططه، ولكن تفاجأ هيثم ونوران بفرحة التي تدخل من البوابة العريضة والابتسامة تشق خديها وبطلّتها الآخاذة، ثم استندت بذراعها على ذراع زايد وقالت بضحكة مرحة : 

_ مش قولتلك استناني ؟! .. عموما مش مشكلة، مقدرش أخاصمك .. 


حملق فيها بذهول كلا من نوران وهيثم ، ونظرت فرحة لهما بشك ، ثم قالت لزايد الذي انتقلت نظرته العنيفة من عليهما لها ، ولكن نظرته لها كانت مدهوشة ببريق محبة وامتنان .. وقالت مجددا وقد بدأت تشعر بالحياء من نظرته : 

_ هروح اسلم على طنط نوران يا حبيبي .. 


وهنا كانت الطامة الكبرى على الجميع : 

_ وتوجهت نظرة هيثم من الشماتة للغضب والعصبية، وتشتت ذهنه وهو يسأل نفسه ماذا يفعل أكثر مما فعل لكي يفرّق بينهما ؟! 


واقتربت فرحة من نوران المصدومة وصافحتها كأنها لا تحمل لها أدنى شعور من النفور والحذر ، وقابلتها نوران بارتباك وتوجس. .. ولاح على وجه زايد ابتسامة راضية ... فقد فعلت أكثر مما أمل وتوقع ... فقالت نوران بارتباك واضح : 

_ أنتوا مش المفروض في شهر العسل ؟! 


ضحكت فرحة وكأنها لا تترك ادنى فرصة لكي تبدو كالعروس السعيدة وأجابت : 

_ زايد كان محضرلي هدية ومن فرحته نساها هنا ، واصريت آجي معاه عشان نجيبها قبل ما نسافر لشهر العسل .. 


واستدارت فرحة له وشاكسته وهي تمرر يدها على شعره ضاحكة وقالت : 

_ لسه مش عايز تقولي جبتلي إيه ؟! 


وقالت لنوران وهي تضحك عاليًا : 

_ تصوري يا طنط بقالي يومين بتحايل عليه يقولي جابلي إيه وهو رافض !! ... مصمم يورهالي لما نوصل الفندق ! 


لم يندهش من صدمتهم، فكيف وهو نفسه كاد أن يصدق للحظات ما قالته ويصدق فرحتها التي لا يمكن أن يشك مخلوقا بها !! 

فنظرت نوران لأبنها بسخرية وحقد ، ثم قالت وهي تتصنع الابتسامة : 

_ لا مالوش حق ! 


وكادت فرحة أن تتحدث وتتابع تلك المسرحية حتى وجدت أصابعها يتخللها أصابع يد زايد برفق ولطف شديد، وقال لها بابتسامة ونظرة عميقة : 

_ خلاص موافق ... تعالي معايا أوريكي محضرلك إيه .. 


وجذبها بتملّك اليه، ثم أخذها حيث غرفته بالطابق العلوي .. وجف ريق فرحة من التوتر والخجل .. ريثما أن نظرته لها كانت تحمل الكثير من الدفء. 

#الفصل_الحادي_عشر 


اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت ربي، وأنا عبدك لمت نفسي، واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعاً، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك، والخير كله بيديك، والشر ليس إليك، تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك.

صلِ على النبي 3مرات 

لا حول ولا قوة إلا بالله 3مرات 


لم يندهش زايد من صدمتهم، فكيف وهو نفسه كاد أن يصدق للحظات ما قالته، ويصدق فرحتها التي لا يمكن أن يشك مخلوقا بها !! 

فنظرت نوران لأبنها بسخرية وحقد، ثم قالت وهي تتصنع الابتسامة : 

_ لا مالوش حق ! 


وكادت فرحة أن تتحدث وتتابع تلك المسرحية حتى وجدت أصابعها يتخللها أصابع يد زايد برفق ولطف شديد، وقال لها بابتسامة ونظرة عميقة : 

_ خلاص موافق ... تعالي معايا أوريكي محضرلك إيه .. 


وجذبها بتملّك اليه، ثم أخذها حيث غرفته بالطابق العلوي .. وجف ريق فرحة من التوتر والخجل .. 


  ومن الممكن أن تعترف لمسة يد بما يحاول أن يخفيه القلب ! 

ارتجف جسد فرحة وزايد يأخذها من أمام الشمطاء زوجة أبيه " نوران" وأبنها الفاسد "هيثم " .. وتحت أنظارهما المحدقة فيهما بشرارات حقد وضغينة. 


ولكنها مع ذلك غفلت عن كل شيء إلا عن لمسة أصابعه التي تحتوي أصابعها في أمان وحماية، كأنه يريد قول شيء بتلك اللافتة، حتى وقفا أمام باب غرفته الخاصة .. وشعرت فرحة بالرجفة تزداد حدة بجسدها .. ورغبتها في الهروب الآن كانت أشد حدة من رغبتها بمعرفة حقيقة ذلك الغامض. 

ريثما أن نظراته المختلسة لها لا تنبئ إلا بالخطر .. خطرا على مقاومتها وعهدها مع نفسها حتى تعرف من هو، المجرم أم الضحية !! 

 وفُتح باب الغرفة فجأة، ومن شدة ارتباكها وشرودها لم تنتبه ليده اليسرى وهي تضغط على المقبض بقوة ويفتح الباب على مصراعيه .. وكانت عينيه تشير لشيء أعمق من ذلك .. 

كأنه يرغب في فتح أبواب قلبه مجددًّا، ينتظر أدنى بادرة وإشارة ليهديها قلبه من جديد... 

هكذا الحب الحقيقي يفعل بالرجال، يسير ضد تيار المفروض والأصح والعقل.

وظهرت تلك الغرفة التي تُعد مساحتها أكبر من مساحة شقتها القديمة بالكامل !! .. بها حمام كبير مرفق بها، وغرفة أخرى داخلية مخصصة لتبديل الملابس والخزانة .. وزاوية مُعدة خصيصا لتناول القهوة، بخلاف مقعدي الشرفة الزجاجية العريضة وطاولة خشبية تفصلهما .. 

ولم يترك لها زايد المساحة لتفكر وتختار، بل جذبها من يدها للداخل، غدت بيده كالدمية يحركها كيفما شاء ! 

 وابتلعت ريقها وهي ترتجف، وتظاهرت بتركيز في تفاصيل الغرفة والأثاث الفخم والسجاد الثقيل التي غاصت قدميها في فروته، ولكنها بالفعل اندمجت بعض الشيء في تلك الرفاهية الناعمة للأثرياء ! .. 


ولكن مع ذلك يبدو المكان وكأن ينقصه الدفء والسكينة التي تشعر بهما في شقتها المتواضعة .. وفجأة اصبحت بين ذراعيه، بشرودها وتيهتها وتركيزها المشتت، وبكل شيء فيها .. وابتلعت ريقها بصعوبة وهي تنظر لعينيه العميقة وابتسامته التي وأن اعترفت .. ستعترف أنها ابتسامة جذابة .. تخلو من الخداع والكيد، ابتسامة كأنه للتو ربح شيء خسره لسنوات ماضية .. وعينيه التي تنبأ بالصدق قبل حديثه ... فقال بصوت يبدو أنه قصد أن يصدر خافتا: 

  _ اللي يشوفك وأنتي بتعامليني كده ويسمع كلمة حبيبي منك، يفتكر أنك بتحبيني بجد يا كدابة..! 


وسرعان ما دافعت عن نفسها دون فهم المصيدة التي نصبها بحرفية فهتفت : 

_ أنا مش كدابة..! 


اتسعت ابتسامته بعض الشيء بمكر، وقعت بالفخ تلك المسكينة بمنتهى اليسر، فقال بتأكيد : 

_ بدأت اتأكد واقتنع إنك مش كدابة فعلًا.. وإنك ... حبيتيني بجد ..! 


ينطق بعض الكلمات ببطء يثير أعصابها وغيظها في آنً واحد، ويلاعبها ...! 

ضيقت فرحة عينيها بغيظ بعدما ادركت الفخ، ولكن مهلًا ... هل حقا يعتقد إنها تزوجته لأسباب أخرى سوى إنها أحبته ؟!... ويحتاج أدلة للإثبات ؟! 

من فيهما يحتاج أدلة لفهم الحقيقة إذًا ؟! 

وكم من المرات التي يجب أن تقدم له الدلائل حتى يقتنع ويتجاوز شكه المريض؟! ... فتنفست بضيق وقالت : 

_ أنا نفذت اللي أنت ... 


قطع حديثها ولكن بطريقته وبأحقيته في قربها كزوجة وشرعية اللقاء بينهما. 


                                 *********** 


وكان قد مرت ساعاتٍ طويلة حتى سرقتها غفوة عميقة، لم تشعر بها جيهان إلا بساعات الصباح الأخيرة. 

تنفست بعمق وهي تتثاءب وتفرد ذراعيها بكسل مغمضة العينان، حتى باغتها سؤاله بصوت هادئ يشوبه رنين السخرية : 

_ نمت كويس ؟! 


أجابت جيهان لا أراديًا بصوتها الحقيقي دون تصنع وقالت بنعومة وكسل : 

_ آه نمت كويس جدًا .. كأني ما نمتش بقالي سنين ...! 


وصمتت لبرهة في جمود، ثم فتحت عينيها على وسعهما في ذهول ونظرت صوبه مباشرةً، فابتسم "أكرم" بشيء من الخبث يلتمع بعينيه وهو يستند بظهره على الحائط قرب فراشها ... اعتدلت بحركة سريعة كأن لامسها صاعق كهربائي، وبدأت تتأكد من أن مظهرها وحقيقتها لم ينكشفا أمرهما.. وتنفست الصعداء عندما تأكدت أن كل شيء على ما يرام!. 


فابتلعت ريقها بتوتر وعرق الجبين وهي تتحاشى النظر له، ولكن قالت بتساؤل والحدة تملأ صوتها : 

_ أنت هنا من أمتى؟! 


نظر لها أكرم للحظات بنفس نظراته الماكرة وابتسامته المستفزة، ثم أجاب بهدوء يُحسد عليه : 

_ من فترة .  


إجابته أستفزتها أكثر، ولكن بوضعها كفتى سيصبح الأمر غريبًا أن اظهرت غضبها وعصبيتها، وبخضم تفكيرها وشرودها قرّب لها أكرم صينية طعام الإفطار ووضعها أمام عينيها على الفراش، وقال وكأنه يأمرها بالتنفيذ: 

_ أفطر ... جبتلك الفطار لحد عندك .. بس ما تتعودش على كده!!. 


نظرت جيهان للطعام بشهية وشعرت صدقا بالجوع الشديد، ودون مراوغة أو جدال بدأت تأكل بشهية، وبلحظة وجدته يجلس قبالتها على الفراش ويتكأ على مرفقه بإرياحية ويراقبها وهي تأكل..! 


ابتلعت ما بفمها بصعوبة وكافحت حتى تخفي رعشة يديها من التوتر، ثم سألته بسأم: 

_ بتبصلي كده ليه ؟! 


تمهل للحظات قبل أن يجيبها، كأنه يعزف بمهارة على توتر أعصابها وثباتها، ثم قال : 

_ أصل تصرفاتك بتفكرني بواحدة كده. 


من المفترض أن شاب يُقال له هكذا يغضب ويغار على رجولته، هكذا فكرت سريعا بالأمر فقالت بتحدِ: 

_ أنت بتقارني بالحريم ؟!! ... لا ده أنا راجل أوي ..! 


ضيق عينيه بنظرة استهزاء وقال وكأنه يوافقها: 

_ أخدت بالي ..


وارتبكت عندما اتممت جملتها وقالت بفضول شديد :

_ وبعدين مين الواحدة اللي بتتكلم عنها دي ؟!! 


أجاب بأستفزاز : 

_ شيء ما يهمكش تعرفه... المهم دلوقتي إنك بعد ما تفطر تقوم وتشوف رجلك تقيلة في الحركة ولا لأ .. لو الوجع خف شوية يبقى تمام، لو زاد يبقى لازم نروح لأقرب دكتور. 


أزاحت جيهان صينية الطعام عنها ونهضت بالفعل للتجربة، وعندما حركت قدمها شعرت بوخزة عنيفة من الألم ولكنها كتمتها حتى لا يجبرها على الذهاب لطبيب .. فتسائل باهتمام حقيقي : 

_ ها كله تمام ولا إيه ؟! 


اجابت جيهان وهي تجلس على الفراش مجددًا وتمسد قدمها برفق: 

_ هي ماتقلتش ولا ورمت الحمد لله، بس لسه بتوجعني شوية .. لكن احسن من امبارح الحمد لله، هتتحسن مع الوقت.  


رد بجدية بالغة : 

_ لو فضلت على كده يومين وما اتحسنتش هنروح لدكتور  ... أنا مسؤول عن كل واحد فيكم وعن سلامتكم. 


ونهض من مكانه بحركة رشيقة ووقف أمامها بجسده المنيف الطول وقال بثبات وعينيه تنظر مباشرة لعينيها : 

_ ما تقومش من مكانك وأنا هجيبلك الاكل بنفسي .. ولو احتجت اي مساعدة أنا هفضل قريب من هنا ... 


وبلحظة استدار وخرج من الغرفة، وللحظة شعرت بفراغ شاسع أمامها، وهدوء يضيّق الصدر والأنفاس ..! 

وتعجبت بأمر هذا الرجل .. هي تشعر بحدسها بأنه كشف أمرها، فأي شيء ينتظره للمواجهة ؟! 

أم أنها تتوهم ؟! 

وتمددت على الفراش وظلت تفكر ثم اعتدلت وقالت لنفسها بغيظ: 

_ أما أنا غبية بصحيح ؟! .. يعني جاتلي الفرصة أمشي من هنا بأمان معاه وأنا اللي ارفضها كمان !!! ... كده هستنى يومين على ما يعرض عليا تاني أني اروح معاه لدكتور  ... تكون رجلي اتحسنت وقدرت امشي عليها احسن من كده وأهرب ..  


خططت جيهان وارتاحت جدًا لخطتها هذه ... ريثما أن أقرب طبيب من هنا سيكون بأول مدخل المدينة الذي يبعد عن هنا مسافة طويلة ... تصل لهناك وسيتيسر كل شيء بعد ذلك. 


                             ********** 


خرجت سمر من أحدى غرف المستشفى وهي تحمل جهاز قياس الضغط، حتى أوقفها ذلك الشاب الموظف مجددًا وهو يتحدث معها بحدة : 

_ معرفتش ردك يا آنسة سمر ! ... ياريت تديني فرصة نتكلم وأوضحلك ظروفي وتفكري براحتك بعدها .. 


وكأن أمجد لا يأت إلا بالأوقات المناسبة تماماً، القى عليها نظرة قاسية حادة، ثم تابع طريقه دون أن يتدخل مثل السابق ، فابتلعت سمر ريقها وأجابت بصوتٍ مرتفع تعمدت أن يصل لأمجد : 

_ هو مش دكتور أمجد قالك إني خطيبته ؟! .. 


دهش الشاب الموظف لبعض الوقت حتى اضافت سمر وعينيها دامعتان وكأنها تعتذر له : 

_ أيوة أنا خطيبته وكنا بس زعلانين من بعض وقلعت الدبلة، بعد إذنك. 


ولم تستطع أن تنظر لأمجد الذي وقف واستدار لها متفاجئًا بقولها، وركضت وهي تبك حيث أحدى الغرف لتبدل ملابسها وتعود للمنزل بعدما انهت دوامها الليلي .. 


 وبعدما وصلت لشقتها واستقرت بفراشها صامتة بدموع تسترسل دون توقف، انتبهت لصوت يصدر من شرفة غرفتها..! 

اعتدلت وهي تمسح عينيها من الدموع، ثم نهضت وتوجهت نحو الشرفة ... لتجده أمجد، يرتشف كوب من القهوة ويتقدم لها بابتسامة واسعة ويقول : 

_ القهوة اللي بعملها مش حلوة زي قهوتك ... 


نظرت له بعتاب ودموع على قسوته بالساعات الماضية ولم تنطق بكلمة، حتى أخرج علبة قطيفة من جيب بنطاله وفتحها بابتسامة مشرقة وقال بمحبة صادقة: 

_ بما أننا دلوقتي قدام زمايلنا كنا مخطوبين وقلعتي الدبلة .. فجبتلك دبلتك، اتأخرت شوية عليكي معلش ، بس كنت مصمم أن الدبلة بتاعتي تكون معاكي النهاردة .. 


تصبغ وجهها من الحمرة، بينما قلقها وتوترها قد بلغ أشده وقالت وهي ترتجف حياءً: 

_ في حاجة أنت ما تعرفهاش يا أمجد .. وطالما هنبقى ... 


ابتلعت ريقها بحياء كسا وجهها، فقال عنها بابتسامة واسعة : 

_ مخطوبين وقريب هنكون متجوزين بإذن الله. 


هزت رأسها بموافقة وقالت : 

_ طالما كده يبقى من حقك تعرف الحاجة دي .. 


شعر أمجد ببعض القلق في هذا الشيء الذي لا يعرفه وتخفيه وقال بجدية : 

_ للدرجة دي حاجة مهمة ؟! 


اومأت رأسها بالتأكيد وقالت بعدما تأكدت إنها لن تستطيع التحدث بهذا الأمر معه فقالت : 

_ هطلب منك تتصل بدكتور وجيه وتسأله .. هو هيفهم وهيقولك ...


صدم أمجد من حديثها وقال بريبة : 

_ دكتور وجيه !! ... طب ودكتور وجيه ماله بحياتك الشخصية وأمورك ؟! 


نظرت له وقالت : 

_ أطمن مش حاجة تزعل ... أو يعني أظن مش هتزعلك أنت بالذات .. 


ردد كلماتها وقال بعدم فهم وبدأت العصبية تثير أعصابه: 

_ أنا بالذات ...؟! ... في إيه يا سمر ؟! 


قالت قبل أن تهرب من أمامه وتخطف العلبة من يده : 

_ اتصل بدكتور وجيه وهتعرف كل حاجة .. 


واختفت من أمامه، وظل واقفاً في حيرة من أمره وقلق تزداد حدته !! ... حتى قرر الاتصال بوجيه ومعرفة الأمر، وبعد دقائق كان وجيه يجب على الاتصال ويرحب به حيث قال : 

_ أخبارك إيه يا أمجد .. ؟


رد أمجد وصوته اتضح فيه الغضب : 

_ الحمد لله بخير يا دكتور ، في أمر كنت عايز اتكلم معاك فيه وأفهمه منك ضروري .. ماصبرتش لحد ما اجيلك فأتصلت بيك. 


شك وجيه بالأمر فقال : 

_ اتفضل قول اللي عايز تفهمه !. 


شرح أمجد تطور الأحداث بينه وبين سمر وما قالته، ففهم وجيه الأمر وقال : 

_ آه كده فهمت ... بس أولًا عايز أباركلك على الخطوبة يا أمجد ... 


رد عليه أمجد سريعا، حتى تابع وجيه حديثه وأخبره أن سمر ورغم زواجها الأول فإنها لا زالت عذراء !!!

فغر أمجد فاه من الصدمة لبرهة .. ثم ظهرت لمعة بعينيه مشرقة وقال بابتسامة تتسع : 

_ أنا فهمت دلوقتي لما قالتلي اني أنا بالذات مش هزعل ! ... بس ممكن افهم تفاصيل أكتر ..


ولبى وجيه طلبه وشرح الأمر له جملة وتفصيلا حتى يكون على بينة بالأمر كاملًا .. وأن زوجها الأول كان يعرف أن الزواج لا يناسب وضعه الصحي ورغم ذلك خدعها وتزوجها ... وختم وجيه حديثه وقال معتذرا: 

_ أنا طبعا مكنش ينفع أقولك شيء خاص زي ده وسمر مكنتش موافقة على الجواز مرة تانية .. بس بما إنها بعتتك ليا فواجبي إني أفهمك الموضوع بتفاصيل هتخجل هي إنها تتكلم معاك فيها .. 


وشعر وجيه من صوت أمجد بالسعادة الحقيقية أن حبيبته حفظت له ببراءتها، فقال مضيفا : 

_ اكيد هتعزموني على الخطوبة .. 


رد أمجد بسعادة وقال : 

_ طبعا يا دكتور .. حضرتك هتكون أول واحد معانا في كل خطوة ... أنا بشكرك جدًا .. 


ابتسم وجيه بتنهيدة ارتياح ثم انتهى الاتصال بينهما ... وانتبهت سمر من غرفتها بصوت مزعج بالشرفة، فابتلعت ريقها بتوتر مميت وخرجت ، حتى وجدت أمجد يستقبلها بابتسامة اتسعت بالتدريج وقال : 

_ اتصلت بدكتور وجيه وفهمت كل حاجة ... وفهمت كمان سبب خوفك ورفضك الفترة اللي فاتت .. 


نظرت سمر للأسفل وطفرت دموع من عينيها وقالت باعتراف : 

_ لسه خايفة ومش عارفة أبطل خوف ... اللي شوفته وجعني وضيعلي ثقتي في كل شيء ..


رد على خوفها بصدق وثقة في محبته وقال : 

_ أنا مش هرد على خوفك بكلام يا سمر .. الأيام هتثبتلك كل حاجة .. وطالما فتحتي قلبك سيبي الباقي عليا. 


مسحت عينيها من الدموع ولاحظ أمجد أن دبلته تزين أصبعها فابتسم بسعادة وقال : 

_ استعجلتي ولبستي الدبلة قبل الخطوبة ...! 


نظرت ليدها وقالت : 

_ عجبتني أوي ولقيت شكلها حلو على ايدي فسيبتها ... عندك مانع ! 


ابتسم لها بسعادة لم يتوقعها يوما أن تملا قلبه بهذه الدرجة وأجاب عليها بمشاكسة : 

_ لأ طبعاً .. أنتي تفرحي وتضحكي وبس .. 


ابتسمت سمر ببطء من بين دموعها فبدت أكثر جاذبية وبراءة ..  


                            *********** 


وبعد ساعات طويلة ... واقترب قرص الشمس عن المغيب ..

تململت فرحة في الفراش الدافئ المخملي بغرفة زايد بالقصر ... وفتحت عينيها ببطء وكسل وهي تتثاءب، ثم تنفست بعمق وبدأت تتذكر ما حدث بالساعات الماضية .. 


فأعتدلت بالفراش في نفضة هلعة، لترى زايد يجلس واضعا ساقا على ساق بأحد مقاعد الشرفة، وينظر لها مبتسما ابتسامة مشرقة وماكرة وهو ينفث دخان سيجارته بمزاج معتدل تمامًا .. 

وقال لها وهو يخفي ابتسامته : 

_ ساعتين نوم كمان وكنت هشك إنك دخلتي في غيبوبة ! ... 


وانهي جملته بضحكة خافتة استفزتها، ولكن ما صدمها هو رؤية نسمات الليل من الشرفة !!! ... فهي هنا منذ الصباح الباكر ! وكان من المفترض الذهاب لشهر العسل ولكن ...


ارتبكت وهربت بعينيها منه، وجسدها يرتجف ووجهها أصبح بلون الدماء .. فقالت بعصبية : 

_ مش المفروض كنا نسافر النهاردة ؟! 


نظر لها بابتسامة مستفزة وقال بهدوء يُغيظ : 

_ المفروض .. 


فهمت أنه بالتأكيد في قمة سعادته بما أنه نال هدفه منها ، فتنفست بضيق شديد وقالت : 

_ هو حد سأل عليا ؟


فهم ما تشعر من فأجاب بصدق  مبتسما بأستفزاز : 

_ آه ... مرات أبويا سألت عنك ٣ مرات ..


ارتجفت فرحة من الحياء وقالت بتوتر واصبح وجهها أشد حمرة : 

_ وقولتلها إيه ؟! 


كتم ضحكته وأجاب : 

_ قولتلها مش راضية تصحى ... 


صدمت من رده واستفزها طريقته فصاحت به بعصبية : 

_ إيه اللي بيضحك مش فاهمة ؟! ... شكلي قدامهم إيه دلوقتي ؟! 


تطلع لوجهها المشرق بعمق وقال بمحبة خالصة وصدق : 

_ شكلك زي القمر ... بس كده .. 


اخفت ابتسامتها سريعـًا وارتباكها وتظاهرت بالثبات، فتابع استفزازه لها فقال بابتسامة خبيثة: 

_ الشنط بتاعتنا هنا... ومعزومين بكرة على حفلة عائلية صغيرة كده وبعدين هنسافر لشهر العسل .. وحضري نفسك عشان هنخرج نتفسح شوية .. ولا مش عايزة ونفضل هنا ؟ 


انتفضت ونهضت من فراشها وقالت : 

_ لا لا عايزة أخرج ...


وركضت للحقائب وهي تعدل هندامها بغيظ، ثم أخرجت أول رداء لمسته يدها وركضت نحو الحمام تأخذ دشا سريع وترتديه ... وراقبها زايد بابتسامة مرحة كأنه يراقب طفلة تقفز من مكان لمكان آخر..!


تابعووووني


تكملة الرواية من هنا


بداية الروايه من هنا


تعليقات



CLOSE ADS
CLOSE ADS
close