![]() |
الاربعيني الاعزب
مقدمه الفصل الاول والتاني
بقلم آيه محمد رفعت
كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات
اقتباس
ما أن ابتعدوا سوياً عن المنزل حتى جذبت يدها منه وهي تتساءل ببكاءٍ:
_لماذا فعلت ذلك؟ أنت لست مجبراً!
ابتسم عاصي ثم ضرب كف بكف وهو يردد بحيرةٍ:
_لا أصدق، أنقذتك من ذلك الأرعن منذ قليل ولم يعجبك ذلك!
أطبقت على شفتيها بقوةٍ وهي تتحكم في دموعها، ثم قالت بصوتٍ مختنق:
_الى متى ستظل تنقذني منه!
منحها نظرة عميقة قبل ان يقترب منها، ليخبرها بصوته الرخيم:
_إلى أن تزهق روحي فحينها سيكف عن ملاحقتك..
ثم تابع بقوله المعسول:
_وربما حينها سيخشى أن يلاحقه شبحي فسيتركك لا محالة..
انغمست بكلماته التي اينعت رغبات حبها تجاهه، فرفعت حاجبها وهي تتساءل بدهشةٍ:
_ماذا حدث لك؟
تعلقت عينيه بعينيها وهو يجيبها ببطءٍ:
_أحببت الحياة التي عكستها عينيكِ... والآن أرغب برؤية المزيد...
ثم جذبها اليه ليردد بهمسٍ ساحر:
_فلنتزوج "لوجين"..
ابتسمت ساخرةٍ:
_لا أصدق أن من يقف أمامي هو السيد" عاصي سويلم" الكئيب، علني أحلم حلماً سخيف وربما سأستيقظ منه قريباً..
هز رأسه نافياً وهو يخبرها بمكرٍ:
_لن أدعك تستيقظي منه إذاً...
*******
اقترب منها "عاصي" وعقله مشدوهاً بها، فزارت شفتيه إبتسامة شبه ساخرة، فمن يرى جمالها الهادئ لا يصدق بأنها تلك المشاغبة التي أضافت شيئاً لحياته، مسح وجهه بيديه ثم اقترب منها ليرفع صوته حتى يزعجها:
_"لوجين".
فتحت نصف عين، وهي ترد بنومٍ:
_ها.
سيطر على ضحكاته بصعوبةٍ، ليشير إليها بحزمٍ:
_ورايا شغل لازم أخلصه قبل ما أروح الشركة.
أتاه صوتها المنزعج:
_ما تخلصه أنا مسكتك يا عم!
إنتصب بوقفته ثم هز رأسه ساخراً:
_هخلصه إزاي وإنتي تقريباً نايمة على اللاب!
وجدت ما يقوله غريباً بعض الشيء، ففتحت عينيها لتتأمل المكان الذي غفلت به، فنهضت عن مقعد مكتبه وهي تلملم خصلات شعرها المبعثرة بحرجٍ:
_أنا مش عارفة نمت هنا إزاي!
حدجها بنظرةٍ مشككة، قبل أن يتبعها خشونة نبرته:
_إنتي أي حتة بتنامي فيها!
زمت شفتيها وهي تجيبه:
_لما ببقى عايزة أنام مبيفرقش معايا أنا فين؟
ضحك رغماً عنه، ثم أشار لها تجاه الدرج بمزحٍ:
_أوكي، إطلعي السلم هتلاقي أوضتك على الشمال وإتاكدي من الأوضة لأطلع ألقيكي نايمة المرادي في خزنة هدومي.
رسمت ضحكة مستهزئة رغم حدة نظراتها الشرسة تجاهه:
_مبتضحكش على فكرة، أنا مش مسطولة للدرجادي يا حضرت.
وأبعدت المقعد عنها فوجدته يعيق طريقها بوقفته القريبة منها، فأشارت له بضيقٍ:
_وسع كده.
رفع يديه للأعلى وهو يتراجع للخلف بخوفٍ مصطنع، حتى مرت من جواره وصعدت للأعلى بعصبيةٍ كادت بإبادته، فردد بعدم تصديق والإبتسامة مازالت مرسومة على وجهه:
_مجنونة!
حاول "عمر" فتح باب الشقة أكثر من مرةٍ، ولكنه لم يستجيب لمحاولته، فعلى ما يبدو بأنها أغلقته من الداخل وتركت المفتاح عالق بالمقبض مثلما تفعل كالمعتاد، فضغط على الجرس مطولًا، ولكنها لم تجيبه، فالتفت يراقب درج العمارة بحرجٍ من وقفته التي طالت لأكثر من نصف ساعة، لم يمل بها من الطرق، ليجدها تجيبه أخيراً من خلف الباب:
_راجع ليه، كنت خليك عندها يومين تلاتة.
كز على أسنانه بغضبٍ من طريقتها الطفولية، ومع ذلك رد عليها بتعجبٍ:
_هي مين دي!
أتاه صوتها المتعصب وكأنها تعارك شياطين العوالم بأكملهم:
_اللي كنت مقضي ليلتك عندها يا دكتور يا محترم.
صوتها العالي جعله ينتفض بوقفته، وهو يراقب الأبواب الموصدة من جواره، ويتمنى بداخله أن لا يخرج أحداً من الجيران ليجده بذلك الموقف المحرج، وحينما تأكد بأن كل شيء على ما يرام، عاد ليرمي بثقل جسده على الباب ليخبرها بصوته المنخفض:
_ليلة أيه بس، افتحي يا إيمان وبلاش هبل، أنا مش قايلك كنت فين إمبارح!
واسترسل بعتابٍ ظنه سيجعلها تلين:
_يعني عايزاني أتخلى عن غيث في موقف زي ده!
طرقت بيدها على الباب بعدوانية كادت بأن تخلع وجهه المستند على طرفه وهي تصرخ بشراسةٍ:
_بطل كدب بقى أنا كلمت عائشة وخالتو إمبارح وقالولي إنك مجتش من الأساس.
انتصب بوقفته فور أن لمح جاره يصعد للأعلى بصحبة زوجته وأولاده، فما أن رأه "عمر" حتى قال بابتسامةٍ مصطنعة:
_نسيت مفتاحي جوه والمدام نومها تقيل.
منحته المرأة ضحكة صفراء واستكملت طريقها للأعلى، بينما اقترب منه جاره ليقترح عليه:
_ما تتفضل معايا فوق لحد ما الأمور تصفى بينك وبين المدام يا دكتور عمر.
احتقنت عينيه بنظرةٍ جعلت الأخير يهرول للأعلى سريعاً، فطرق الباب بعنفٍ كاد بإسقاطه، وهو يصيح غاضباً:
_إفتحي الباب ده، أصل أكسره فوق دماغك.
جابهته بعنادٍ:
_إكسره ميهنيش.
_بقى كده، ماشي يا إيمان.
وتراجع للخلف ثم اندفع بكل قوته تجاهه،ففتحت الباب سريعاً ليقابل الحائط من أمامه، وإرتد أرضاً من قوة اصطدامه، فمرر يديه على كتفيه الأيسر وهو يئن ألماً، فأغلقت الباب من خلفه ثم وقفت تحدجه بنظرةٍ تشفى وانتصار، نهض "عمر" عن الأرض ليسرع تجاهها وهو يردد بوعيدٍ:
_طب ورحمة أبويا وأبوكي مانا سايبك النهاردة.
الأربعيني الأعزب!..
الفصل الأول....
ها قد حل الخريف المشرق لتلك الأشجار العملاقة، حيث تنتظره بفارغ الصبر من الحين للأخر لتتخلص من ورقاتها البائسة كالمرء التعيس الذي يتخلص من أحزان قلبه الغائمة، كحال الأربعيني صاحب ذاك القصر المرتب، زواره يقسمون أن سيده رجلاً عسكرياً يتحكم بقواعده بحزمٍ وصرامة، ربما لا يعلم أحداً المخبئ خلف ذاك القاسي الذي التاع قلبه حرقةٍ لا يقو عاشق تحملها، تسللت خيوط الشمس من خلف الستار لتنير غرفته ذات الطلاء الأسود الداكن، ليكسو صمتها المخيف صوت رنين المنبه المعتاد سماعه بالنسبة إليه، فرفع ساعديه ليوقف رنينه المزعج، ثم أزاح غطاء الفراش لينهض عن سريره الوثير، ومن ثم اتجه لحمامه الخاص، ووقف مقابل مرآته ليزيل شعر لحيته الزائد، ومن ثم صفف شعره الأسود الذي يكسوه بعض الخصلات البيضاء التي زادت من وسامة وجهه القمحي، عينيه البنية كانت تتوهج بتحدٍ سافر لضوء الشمس المذهب، فكانت تحاوط حدقتيه البني خط خفيف من العسل المسكوب، انتهى مما يفعله ثم خرج ليختار أحدى بذلاته الداكنة المعتادة بالنسبة اليه، ثم هبط ليترأس تلك الطاولة الكبيرة بمفرده، لم يشعر يوماً بمللٍ يهاجمه، وهو يعيش بمثل ذاك القصر بمفرده لأعوامٍ، في عزلة اختارها هو لذاته، انتهى من تناول طعامه في تمام الثامنة والنصف كالمعتاد اليه ثم احتسى فنجان قهوته بالتاسعة الا ربع مثلما اعتاد، ليغادر قصره في تمام التاسعة متجهاً الى شركته، هبط "عاصي" من سيارته ذات الطراز القديم ليتجه لمكتبه، فهرع اليه السكرتير الخاص به وهو يفتح مفكرته الصغيرة ويخبره بمواعيده الهامة:
_لديك اجتماع هام بعد ساعتين من الآن سيدي، وبالمساء عشاء عمل في فندق **مع السيد "قاسم خلدون" ..
أومأ بخفة برأسه وهو يشير له بحزمٍ:
_دعنا لا نضيع وقتاً إذاً، فلتحضر لي الملفات الهامة..
أجابه على الفور:
_في الحال سيدي..
ثم أسرع لمكتبه ليختار له الملفات الهامة قبل أن يغادر الشركة، بينما ولج "عاصي سويلم" بكامل هيبته لمكتبه الخاص، فوضع حقيبته على المكتب ومن ثم القى بثقل جسده الرياضي على مقعده وعينيه تبحران بهيامٍ بتلك الصورة الصغيرة، المعلقة على طرف مكتبه الخاصة، لم تكن مجرد صورة عادية بل سجنه الذي يتسع به عاماً بعد الأخر حتى بات يعتاد ظلامه القاسي، قرب "عاصي" الصورة اليه وعينيه البنية تتعلق بتفاصيل وجهها الذي يحفظه عن قلبٍ محب، ادمعت عينيه وهو يدفنها بصدره بتمني لو كانت مازالت لجواره تشاركه ذاك العشق القاتل بين أضلاعه، نعم غادرت من رغب بها، تاركة عذاب يبتلعه يوماً عن يوم، لم يشعر بالرغبة للاقتراب من أي امرأة سواها، لذا اصبح رجل الاعمال الاعزب المرغوب من الفتيات، والاغلب يظنونه يطمح بالمزيد من الثروة والمال لذا استكفى بوحدته ليحقق طموحاته الصاعدة، لا يعلم احداً بانه فقد قلبه مع من رحلت، فتح عينيه على مهلٍ وهو يهمس لصورتها بابتسامةٍ يجاهد لرسمها:
_صباح الخير حبيبتي، أرى ابتسامتك مشرقة اليوم وكأنكِ تعلمين بأن اليوم عيدي الأربعون..
ثم استطرد بألم:
_أجل، اليوم اتممت الاربعون بدون وجودك لجواري.... وبالتحديد اتممت عشر سنوات بدونك....
لم يشعر بتلك الدمعة الخائنة التي انسدلت على وجهه، وبات يخرج ما يضيق بصدره:
_عشر سنوات وأسبوعين وثلاث ساعات تقريباً... عمراً كامل أطال بي وأنا أعُد الأيام بترقبٍ للقاءك....
ومن ثم قال:
_أحياناً أتساءل إن لم يكن قتل النفس محرماً ماذا كنت سأفعل؟ ... هل كنت لألحق بكِ أم أن العيش على ذكرياتك يمنحني قوة لأبدأ من جديد وصورتك تلاحقني فتمدني بقوةٍ أجهل سرها حتى تلك اللحظة..
ومرر اصابعه على شفتيها قائلاً:
_لا أعلم... ولكني أفتقدك كثيراً.... في كل ثانية يجلد قلبي المسكين حينما لم يجدك لجواره... ولكن عل اللقاء أصبح قريباً...
وترك الصورة عن يديه ثم ارتدى نظارته التي زادت من وسامته ليبدأ عمله الذي انتهى بعدما انهى اجتماعه الهام بموظفين شركته، ليتجه لسيارته ليعود للقصر حتى يبدل ثيابه لاجل موعده المسائي، فما أن رآه السائق حتى فتح باب السيارة الخلفي بوقارٍ، صعد "عاصي" بالخلف ثم أخرج هاتفه الذي دق للمرة الثالثة، ابتسم حينما رأى اسم رفيق دربه وزوج اخته الوحيدة، فما ان فتح الهاتف حتى استمع لصوته المتعصب:
_أخبرني لماذا تحمل الهاتف اذا كنت تتجاهله اذاً؟
ابتسامة ماكرة زينت وجهه الجذاب، ومن ثم اتبعها قوله الخبيث:
_أراك تبالغ قليلاً، أعلم إنك تحدثت مع "مصطفى" السكرتير وأخبرك هو بانشغالي باجتماعاً عام... اليس كذلك؟
أتاه رده اللازع:
_بالطبع تحدثت معه، أتعلم أصبحت أتصل به أكثر من اتصالي بزوجتي... بنهاية الامر أنا مجبر هنا فصديقي المتعجرف لا يبالي بي ولا بمكالماتي الهامة له.
احتضن مقدمة انفه بيديه وهو يجاهد الصداع الذي سيتسبب له، لذا قال بصرامةٍ:
_بربك يا "عمر" اخبرني ماذا هناك حتى تنغلق محاضراتك التي لا تنتهي تلك..
تنحنح وهو يردد بمرحٍ:
_كأني بلغت قليلاً ولكن لا يهمني ما يهمني الان أن تأتي بالمساء، فأختك ترغب في مفاجأتك بعيد ميلادك وشددت بأن أتي بك للمنزل بالمساء والا أفصح بالمفاجآة التي تعدها لأجلك.
ابتسم ساخراً:
_وقد فعلت!....
ثم استطرد بمللٍ:
_حسناً حسناً، سأتي حينما أنتهي من مقابلة عمل هامة..
وأغلق الهاتف وهو يردد ساخراً:
_أحمق...
ثم جذب حاسوبه ليلتهي به قليلاً، فابتسم حينما وجد صورتها تستحوذ على لابه الخاص كما تستحوذ عليه هو شخصياً، فغامت عينيه بذكراها الهائمة
##
_أخبرني متى بالتحديد ستتفرغ لي، أنت دائماً مشغول "عاصي"!
ابتسم وهو يخبرها بحنانٍ:
_كيف أنشغل عنكِ حبيبتي وأنتي دائماً ما تقتحمين غرفة الاجتماعات بغضبٍ اعتاد عليه موظفين الشركة المساكين..
لوت شفتيها بسخطٍ:
_عليهم الاعتياد قليلاً فبالنهاية بعد الزواج سيقتسمونك معي.
تعالت ضحكاته الرجولية وهو يشير لها بمكرٍ:
_مهلاً "هند" أشم رائحة حريق تنبع من داخلك، دعنا نذهب للطبيب لنطمئن بأن الامور على ما يرام..
جزت على أسنانها غضباً ومن ثم جذبت اوراق الملفات التي تملأ مكتبه لتلقيها بوجهه وهي تردد بعصبيةٍ:
_ستلتهمك تلك النيران يا "عاصي" وسترى...
عاد من شروده حينما قال السائق:
_سيدي،لقد وصلنا أترغب في زيارة مكانٍ أخر!
أفاق من دوامة ماضيه والبسمة الفاترة مازالت مرسومة على وجهه، فهبط ومن ثم اتجه لغرفته، ليختار بذلة سوداء انيقة، ثم اغتسل ليستعد بلقاء "قاسم خلدون" رجل الاعمال الشهير، فتلك الصفقة تعد من أهم ما ستحققه شركة "عاصي سويلم" بالشراكة معه، وقف أمام مرآته المطولة ليعدل من جرفاته الرمادية،ثم نثر البرفنيوم الخاصة به على بذلته، ولحيته النابتة، ليلقي نظرة أخيرة على ذاته قبل أن يتجه للاسفل، استقل "عاصي" سيارته التي تحركت به فور صعوده للفندق المنشود، ليجد قاسم باستقباله هو وابيه وعمه، الجميع يرحب به بهيبةٍ وقار، ليشير له قاسم على تلك الطاولة الضخمة التي أعدت خصيصاً اليه، ليجذب الجرسون احد المقاعد التي احتلها بهيبته الوقورة، جلس الاب والعم وقاسم مقابله ليبدأ بالحديث:
_هنيئاً لنا بشراكة مثل شراكتك سيد "عاصي"..
اكتفى برسم ابتسامه صغيرة له، واستكمل" قاسم" قائلاً:
_لذا سأستغل تلك المناسبة الهامة لتصبح الفرحة فرحتين بخطبتي أنا و"لوجين"... ما رأيك عمي؟
بدأت الصدمة جلية على وجه عم قاسم، الذي ابتلع ريقه بصعوبةٍ ملحوظة، ومع ذلك حاول السيطرة على انفعالاته وهو يجيبه:
_كما تشاء ابني... سأخبر "لوجين" لتستعد في الحال...
شعر "عاصي" بأن هناك خطباً ما بين العم وابن اخيه، ولكن لم يعنيه الامر كثيراً، فالمهم بالنسبة اليه انه تمم الصفقة الهامة، فاراد ان يغادر فور اعلان الخطبة حتى يذهب لشقيقته التي تنتظره، انتاب الحفل حالة من الهرج والمرج، لتردد على الالسنة عبارة واحدة "اختفت العروس!"..
كان الامر غريب بعض الشيء وبالاخص غضب"قاسم" الذي بدى للجميع اعتياده على هروبها الدائم من خطبته التي ألتغت اكثر من مرة، رفع "عاصي" كوب العصير ليرتشف منه، عل ريقه الجاف يزداد رطوبة قليلاً، فكاد بأن يسعل حينما توقف العصير بحلقه، لتتجه عينيه لاسفل الطاولة حينما شعر بيد تشدد على بنطاله، فوزع نظراته لجواره، وما ان تأكد بانشغال الجميع بالبحث عن العروس، رفع بمقدمة حذائه غطاء الطاولة الابيض الطويل، ليتفاجئ بمن تختبئ أسفلها!
الفصل الثاني...
تفاجئ "عاصي" بفتاة تجلس أسفل طاولته، عينيها تشبه الليل الساكن في ليلة سمائها صافية، خصلات شعرها البنية القصير يلتف حول رأسها على شكل دائري فمنحها مظهر بريء للغاية، وبالرغم من جمال تلك الحورية ذات الجمال الرقيق الا انه لم يرمش له جفن، وكأنه مسحور تجاه امرأة أخرى، فرفع عينيه ليتابع المارة بنظرةٍ متفحصة قبل أن يعود لسؤالها:
_من أنتِ؟ وماذا تفعلين هنا!
أجابته بصوتٍ هامس:
_كما ترى بعينيك أختبئ أسفل الطاولة حتى لا يراني هذا الارعن "قاسم خلدون"، أما إجابة سؤالك الأول فإجابته مقتصرة على الاجابة الاولى فأنا العروس الهاربة!
ابتسم رغماً عنه على جملتها الاولى وسبها لابن عمها دون خوفاً، فعاد ليسألها من جديدٍ:
_حسناً، ولماذا طاولتي بالتحديد؟
أجابته بابتسامة واسعة رسمتها بلباقةٍ، استطاع أن يلمسها "عاصي" بحديثها:
_لا أعلم، ربما لأنك تبدو رجل شهم، ستساعدني بالهروب من هنا، فليس من المنصف بالنسبة لك أن تتزوج فتاة من رجلاً لا تحبه بالقوةٍ، وهي تحب رجلاً أخر..
سألها ساخراً:
_وأين الرجل الأخر بذاك الوقت بالتحديد؟
رفعت كتفيها بطفوليةٍ:
_لا أعلم، من المفترض أن يكون هنا، ولكن لحينما يحدث ذلك لا تتخلى عني.. أرجوك ساعدني بالخروج من هنا..
تقوس جبينه بحيرةٍ:
_وكيف سأفعلها؟
قالت على الفور:
_كل ما أحتاجه منك هو جاكيت بذلتك الانيقة، وسارفقك للخارج وكأنني أحضرت للحفل برفقتك..
جز على شفتيه السفلية باسنانه وهو يهمس بسخطٍ:
_لابد وإنكِ تمازحيني يا فتاة، هل تعرفي من أكون؟
ضمت شفتيها معاً بحيرةٍ، فأعاد غطاء الطاولة سريعاً حينما دنا منه "قاسم"، ليشير اليه بحرجٍ:
_أعتذر سيد"عاصي" أعلم بأن هناك عقود لم توقع بعد،ولكن ما حدث لم يكن متوقعاً ...
ربت على كتفيه بهدوءٍ:
_لا بأس، دعك من الامر وابحث عن ابنة عمك أولاً.....
أجابه باستياءٍ:
_تلك الفتاة ستقودني للجنون حتماً، كلما قررت اعلان خطبتنا تختفي كالشبح المتخفي..
كبت "عاصي" ضحكاته وهو يرأها تدلي برأسها من اسفل الطاولة وترمقه بنظراتٍ قاتلة، فحك طرف أنفه ليخفي ابتسامته وبجدية تامة قال:
_هل هربت من قبل؟
رد عليه بضيقٍ:
_سئمت من عد المرات التي هربت بها من المنزل...
ابتسم وهو يقول:
_لما لا تدعك منها وتبحث لك عن امرأة أخرى...
قال بابتسامةٍ بلهاء:
_ليتني استطيع ولكنني لم أحب غيرها..
ضحك بصوته كله وهو يرآها تحمل سكيناً التقطته من أعلى الطاولة وتشير به على عنقها وهي تردد بصوتٍ استمع له عاصي جيداً:
_الموت رحمة لي منك أيها الأرعن..
تعجب قاسم من ضحك عاصي، فاستوعب الاخير الامر، ليستعيد ثباته سريعاً وبملامح جادة قال:
_أتمنى ان تجدها بأسرع وقت، وربما تكتسب خبرة بكسب حبها تجاهك..
ودعه وهو يهم بالخروج للبحث عنها:
_اتمنى ذلك..
وما ان غادر قاسم، عاد عاصي ليجلس محله من جديد، وهو يهمس بصوتٍ منخفض:
_ذهب للبحث عن المشاغبة بينما تختبئ كالهرة أسفل الطاولة!
أخرجت رأسها اليه وهي تشير له باستعطاف:
_الفرصة مناسبة للخروج الان، الن تمنحني الجاكيت..
احتدت نظراته تجاهها، فقالت بحزنٍ مصطنع:
_هيا ساعدني وأعدك بأنك لن ترى وجهي مجدداً، أخرجني من هنا وسأتوالى زمام الامور..
تطلع لها بشكٍ، ولكنه لم يعتاد التخلي عن أحداً يطالبه بالمساعدة، لذا رضخ لها وخلع جاكيته ليكوره بغيظٍ وهو يقدمه لها، فلم يعتاد ابداً على التخلي عن جاكيت بذلته بمكانٍ هام كذلك، لا يعلم بأن تلك المشاغبة جعلته يجتاز فقط اول قوانينه أما القادم فسيجعله في حالة عدم استيعاب، ارتدت "لوجين" الجاكيت، فتنحى بمقعده للخلف ثم راقب الطريق من حوله ليشير لها:
_ اخرجي الان..
خرجت من اسفل الطاولة لتقف جواره ومن ثم تعلقت بيديه وخطاهما السريع يدنو من سيارته المصفوفة بالخارج، فصعدت جواره بالخلف، ومن ثم امر سائقه:
_انطلق سريعاً "علي"..
لم يفهم ماذا به، والاهم من تلك الفتاة التي تعتلي سيارة سيده لاول مرة، ولكنه انطلق على الفور تنفيذاً لاوامر سيده، فما أن ابتعدت سيارته عن الفندق بمسافةٍ معقولة، حتى أمره بايقاف السيارة، ثم استدار تجاهها ليشير لها بصرامةٍ:
_هيا، انزلي انتي الآن بأمانٍ..
لعقت شفتيها بارتباكٍ وهي تسأله بصدمةٍ:
_هل ستتركني هنا بمفردي!
استدار تجاهها ثم قال بسخريةٍ:
_وماذا يفترض بي ان أفعل؟
رفعت كتفيها ببراءة مصطنعة:
_لا اعلم..
ثم قالت:
_ولكن على الأقل اعطيني هاتفك لاتصل بحبيبي عله يأتي الى هنا ليحميني..
جز على اسنانه بعصبيةٍ بالغة، على تلك الكارثة التي بلى نفسه بها، فجذب هاتفه من جيب بنطاله ليضعه أمامها بضيقٍ:
_تفضلي..
تناولته منه وهي تردد بابتسامة عابثة:
_شكراً لك آ...
ثم تساءلت باستغرابٍ:
_ما اسمك؟
قال بسئمٍ:
_لا يهم..
رددت بغضبٍ:
_انت فظ للغاية، ولكني أفضل منك..
ثم مدت له يدها وهي تقول بابتسامة سحرته:
_أنا "لوجين"...
ابتسم وهو يردد ساخراً:
_أعلم... بل مدعو الحفلة بأكملهم علموا اسم العروس الهارب!
كبتت غضبها غيظاً، فكادت بأن تتحدث مجدداً فقطعها حينما قال:
_هيا اتصلي به، لدي موعد هام..
جذبت الهاتف ثم حاولت الاتصال برقمٍ كتبته بعشوائيةٍ وهي تراقب انفعالات وجهه ثم قالت بايتسامة واسعة حينما استمعت لصوت المتصل:
_مرحباً، هل أنت "وسيم"؟
انعقدت تعابيرها بغضبٍ وهي تستطرد:
_مهلاً مهلاً، أيها الوقح لم اتعمد مغازلتك سألتك عن اسمك فحسب!
حسناً أغلق هذا الهاتف والا اقتلعت عنقك..
وأغلقت الهاتف ثم دفعته تجاه عاصي الذي يتطلع لها هو والسائق بصدمةٍ، فقالت وهي تتطلع له بخجلٍ:
_بحقيقة الأمر أنا ليس لدي حبيباً، تلك كانت خدعتي لتخرجني من ذلك المكان..
جحظت عينيه في صدمةٍ حقيقية، وهو يرى تلك الفتاة القصيرة تتلاعب بعاصي سويلم، الذي لم يجرأ احداً على فعلها من قبل... فتطلع لباب سيارته ثم ردد بصوتٍ حاد:
_هيا إنزلي من سيارتي في الحال...
قالت بحزنٍ مصطنع:
_أتتخلى عني بتلك السهولة، ظننتك رجلاً شهم وستساعد فتاة بريئة بحاجة لمساعدتك ولكنك في حقيقة الامر مثل "قاسم" لا تفرق عنه كثيراً..
ثم تركته وهبطت من السيارة لتقف جانباً بحزنٍ مصطنع وهي تتصنع البكاء، مما جعله يلكم نافذة سيارته وهو يردد بضيقٍ شديد:
_اللعنة!
وفتح باب سيارته ثم هبط ليقترب منها ثم قال باستسلامٍ:
_حسناً سأساعدك... سادعك بمنزلي ثلاث أيام فقط حتى تدبري أمرك.. لا تحلمي بأكثر من ذلك..
صفقت بيدها كالطفلة الصغيرة وهي تخبره بفرحةٍ:
_لا تكفي، سأدبر أمري بعد ذلك... اعدك..
أومأ برأسه ثم قال بهدوءٍ:
_حسناً... اصعدي للسيارة..
صعدت "لوجين" لسيارته بإبتسامةٍ نصر، فتحركت بهما السيارة تجاه منزل شقيقته، وحينما توقفت اسفل البناية الراقية، قالت "لوجين" وهي تتطلع لاعلى البناية باعجابٍ:
_هل تسكن هنا!
لم يجيبها، بل قال بصرامةٍ:
_هل انتهيتي من جاكيتي!
فهمت مغزى حديثه، فخلعت جاكيته ثم منحته اياه، فلبسه على الفور ثم صعد الدرج وهو يقول بحدةٍ:
_اتبعيني...
صعدت خلفه حتى ولجت للمصعد ومن ثم توقف بالطابق المنشود، فخرج عاصي ومن ثم طرق الجرس مرتين متتاليتين، فقالت باستغراب:
_اليس لديك مفتاحاً لمنزلك؟
لم يجيبها وظل صامداً كشموخ الجبل، ففتح رفيقه باب المنزل ثم قال بصوتٍ مرتفع حتى تسمعه زوجته:
_لماذا تأخرت هكذا عاصي، الا تعلم أني انتظرك منذ ساعتين؟
لم يجيبه بل دفعه بقوةٍ حتى يفتح الباب على صراعيه، فولجوا سوياً للداخل، لتقف شقيقته هي وزوجها يتطلعون لمن تقف خلفه بصدمةٍ، وبأنٍ واحد قالوا سوياً:
_من تلك الفتاة؟
............ يتبع............
تكملة الرواية من هنا 👇👇👇👇👇👇


تعليقات
إرسال تعليق