القائمة الرئيسية

الصفحات

الفصل الحادي والعشرين حتي الخامس والعشرين جبر السلسبيل.. ✍️نسمة مالك✍️.. كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات

 


الفصل الحادي والعشرين حتي الخامس والعشرين 

جبر السلسبيل..

✍️نسمة مالك✍️..

كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات


.. بسم الله الرحمن الرحيم.. لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم..


دقائق معدودة و كان وصل "عبد الجبار" بسيارته داخل حديقة منزله، تزامنًا مع خروج زوجاته معًا من باب المنزل الداخلي.. 


بهتت ملامح "خضرا" و شحب وجهها كشحوب الموتى حين رأته مقبلًا عليهما بخطوات أقرب إلى الهرولة، لا يرى أمامه من شدة انفعالاته المضاربة، يرمقها بنظرته المتأججة حتى أصبح الخوف واضحًا عليها لمرآي وجهه الغضوب.. 


توقف أمامهما مباشرةً، يتنقل بعينيه بينهما، كانت "سلسبيل" مبتعدة بعينيها عنه عن قصد لتتجنب نوبة غضب ضُرتها ، بينما "خضرا" مختبئة خلفها تنظر لزوجها نظرة متوسلة و هي تقول بصوتٍ جاهدت على جعله طبيعيًا لكنه خرج مرتجف.. 

"أيه اللي رچعك بدري أكده يا عبد الچبار!!.. إحنا كنا رايحين لدكتور سلسبيل و هنعاود طوالي قبل رچعتك يا خوي".. 


نظر لها لدقيقة كاملة بصمتٍ، تعجبت "سلسبيل" من ما يحدث حولها، فرفعت عينيها بستحياء و تنقلت بينهما مرددة بقلق.. 

"هو في حاجة الدكتور قالها و أنتو مخبين عليا يا أبلة خضرا ؟! ".. 


أخيرًا وجدت" خضرا " جحة تفر بها من أعين زوجها، و نظرت ل" سلسبيل " بابتسامة زائفة و جاوبتها قائلة.. 

"لا يا خيتي أطمني مافيش حاچة.. متقلقيش واصل".. 


نظرت لزوجها و تابعت بتوتر.. 

" زي ما قولتلك عبد الچبار حدتني و قالي نچهز عشان معاد الكشف بتاعك الليلة.. مش أكده يا خوي".. 


ظل على صمته المريب دون أن يبتعد بعينيه عنها حتى نطق بهدوء رغم غضبه الظاهر على قسماته العابسة بشدة.. 

" چهزيلي الحمام قوام يا أم فاطمة".. 


انصاعت "خضرا" لحديثه في الحال و هرولت عائدة نحو الداخل بخطي راكضة ،و إبتسامة تزين محياها المرتعدة، فزوجها رغم غاضبه منها لم يكسر خاطرها  و قدر مشاعرها أمام ضُرتها.. 


 بينما هو أنتظر حتى تأكد أنها أبتعدت عنهما، و مد يده و جذب "سلسبيل" من معصم يدها، جذبها خلفه وسار بها نحو سيارته،فتح الباب و دفعها برفق حتى جلست بالمقعد الخلفي مردفًا بصوته الأجش.. 

"استنيني أهنه يا سلسبيل.. هغير خلجاتي و أرچعلك".. 


حركت رأسها له بالإيجاب ، ليهبط هو بكفه بحركة سريعة حتى قبض على كفها الصغير داخل راحة يده الضخمة، ضغط عليه بحنو، و سحب يده ببطء و هو يتحسس بشرتها الناعمة بشغف أسفل أصابعه الخشنة.. 


"مش هتأخر عليكِ".. 

قالها بابتسامته الجذابه و هو يغلق باب السيارة عليها، و دلف بخطي واسعة لداخل منزله، حيث قصد من فوره الدرج المؤدي للغرفة المتواجدة بها "خضرا".. 


دفع "عبد الجبار" باب الغرفة، و اندفع نحو لداخل غالقًا الباب خلفه بقوة، تسمرت محلها لبرهةً و هي تراه يقتحم عليها الغرفة هكذا و يرمقها بنظرات تطاير منها الشرر.. 

"أني چهزتلك الحمام ".. 

نطقت بها بصوتٍ خفيض بعدما ابتلعت لعابها بصعوبة بالغة، تسارعت نبضات قلبها حين لمحته يقترب منها بخطوات هادئه تشبه خطوات فهد يستعد للانقضاض على فريسته.. 


كتمت شهقة حادة حين شعرت بذراعه يحيط كتفيها ، و سار بها نحو أقرب مقعد اجلسها عليه، و جذب مقعد أخر وضعه مقابل لها تمامًا، و جلس عليه، مال بجزعه العلوي عليها مستند بمرفقيه على ركبتيه، نظر لها نظرة جامدة لأول مرة و تحدث بتساؤل قائلاً.. 

"من مِتي و أنتي بتخطي برة عتبة الدار بدون علمي يا خضرا ؟!".. 


صاح فجأة بصوتٍ جوهري دب الذعر بأوصالها مكملاً.. 

"من مِتي و أنتي بتفتحي باب للشيطان بنتنا يا بت الناس".. 


"من ساعة ما اللي اعتبرتها زي خيتي سرقتك مِني".. تمتمت بها بحشرجة مهددة بالبكاء.. 


رفع" عبد الجبار " حاجبيه معًا و هو يقول بستهجانٍ.. 

" سرقتني منك ! مش أنتي بنفسك اللي كنتِ هتحبي على يدي لاچل ما أكتب عليها، و لما أني رفضت و قولتلك معاوزش اتچوز عليكِ رغم أن ده حقي و سلونا في الصعيد إن الراچل مُلزم يتچوز أرملة أخوه، و إني رافضت لخاطر زعلك أنتِ.. روحتي من چهه تانيه و زنيتي على ودن البنته  الصغيرة و طلبتِ يدها لاچل ما تحطيني قدام الأمر الواقع بعد ما سألتي الدكتور و ضمنتي أنها مش هتقدر لا على حمل و لا على خلفه، و لا حتى تقدر تعطيني حقوقي الشرعية".. 


صمت لوهلة، و نظر داخل عينيها المتحجرة بها الدموع، و تابع بأسف.. 

" مجاش ببالك وقتها أنها بعد ما تبقي مَراتي هيبقي ليها حقوق عندي هتاخدها كاملة حتى لو هي متقدرش تعطيني حقي عنِدها.. اعقلي يا بت الناس و لجمي نار غيرتك بدل ما تتحرقي أنتي أول واحدة منِها.. ويكون في علمك فانز نسوووم اللي معترض على جوازي عليكي و مقويكي على عمايلك المهببة دي مش هينفعك لو حصل بنتنا حاچة عفشة".. (🌚🌝) 


مسح على وجهه بعصبية و هو يطرد زفرة نزقة من صدره، و انتصب واقفًا و سار تجاه النافذة وقف خلفها يتابع تلك الجالسة داخل سيارته مكملاً بصوتٍ يحمل بين طياته حزنٍ دفين استطاع إخفاءه لسنوات طويلة.. 

"كتبت عليكِ و بقيتي على ذمتي يا خضرا من غير ما ألمح طيفك حتى.. كنت ولد 21 سنة و أبوي اختارك ليا لأنك بنت أعز أصحابه و مقدرتش أكسر كلمته.. و اتفاچأت وقتها برفض أمي و حتى رفض كل أهل البلد قريب و غريب".. 


كانت قد وقفت هي الأخرى، و سارت نحوه حتى أصبحت خلف ظهره، تستمع له بصمت و أعين تفيض بالدموع، و بهمس متقطع قالت.. 

" كانوا مستعچبين كيف وافقت تتچوز حرمة تشبه الدكر مافيهاش ريحة الأنوثة، و قالولي أول ما يشوفك هيطلقك و ترچعلنا بالفطير سخن ".. 


استدار لها، و إحتوي جانب وجهها بكفه مغمغمًا بابتسامة .. 

" بس خيبت ظنونهم كلهم و نصفتك عليهم، و من وقتها و طوال 12 سنه چواز و إني شايلك چوه عيني و عمري ما هان على زعلك.. لكن في المقابل هان عليكِ أنتِ زعلي يا خضرا".. 


" لع.. كله إلا زعلك يا سيد الرچاله كلهم".. 

غمغمت بها و هي تميل على كتفه و تلثمه بعمق مكملة.. 

"حقك عليا.. حقك عليا يا سيد الناس.. أني مقصدش أزعلك.. الغيرة وچعها واعر على جلب العاشق.. و إني بعشق تراب رچليك يا عبد الچبار".. 


أبتلعت غصة مريرة بحلقها و تابعت بابتسامة متألمة.." وأنت بقيت خابر زين غيرة العاشق واعره قد أيه بعد ما جلبك عشق اللي بتقول عنِها متقدارش تعطيك حاچة"..


وضعت راحة يدها على موضع قلبه، و تابعت بقوة مصطنع.. 

" هي الوحيدة اللي قدرت تاخد جلبك".. 


انتهي الفصل.. 

بعتذر على حجم الحلقة بس عندي ضيوف فنزلت اللي كتبته يا حبايبي عشان متأخرش عليكم.. 

هكملها وانزلها بأمرالله يا انهارده يا بكرة بالكتير.. 

هستني رأيكم يا بنات.. 

واستغفرو لعلها ساعة استجابة..


الفصل ال22..

جبر السلسبيل..

✍️نسمة مالك✍️..


.. بسم الله الرحمن الرحيم.. لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم..


"سلسبيل".. 


تجلس داخل سيارة زوجها بشرود، تشعر أن هناك أمر ما يحدث حولها، لكنها على غير العادة تغمرها الراحة، و السكينة، تشعر بطمأنينة تملئ قلبها فهي على ذمة رجل جعلها خلال فترة زواجهما القصيرة تثق فيه ثقة عمياء حتى أصبحت على يقين إنه لن يخذلها مهما حدث.. 


وجدت معه الأمان الذي حُرمت منه طيلة عمرها، انبلجت إبتسامة على محياها الحزينة حين داهمتها ذكري تواجدها داخل جلبابه، كم شعرت بضئلتها بين ضلوعه و جسده العملاق الذي تحرك بها بمنتهي الخفة كأنها لم تزن شيئًا على الإطلاق،أخفاها عن ضُرتها التي كانت وقتها لا تنوي على الخير أبدًا، شعرت بتلك اللحظة أنه سندها، ظهرها، حصنها المنيع الذي يحاوطها بحماية.. 


تلاشت ابتسامتها حتى اختفت، و حل مكانها الخوف ، تسارعت دقات قلبها بذعر و هي تتخيل أن يأتي عليها اليوم و تجد نفسها بمفردها من دونه ثانيةً ، دون حمايته ، أمانه، نظرة عيناه العاشقه التي أدمنتها !!! رفعت كف يدها وضعته على قلبها تحاول تهدئة دقاته العنيفة و هي تدعوا بألحاح أن يدوم لها زوجها حتى لو ظلت له زوجة على الورق فقط إلى الأبد .. 


وجهت عينيها تجاه باب المنزل بملامح جامدة عكس ما بداخلها من صخب ،تنتظر طالته عليها بلهفة و نفاذ صبر حتى يهدأ ضجيج قلبها كعادته معاها، هامسة بإسمه بتنهيده حارة.. 

"عبد الجبار".. 


.................... سبحان الله العظيم...... 


"عبد الجبار".. 


متمكن في التحكم في زمام الأمور بجدارة يُحسد عليها، يستطيع السيطرة على مشاعره، و تعابير وجهه، إنما قلبه!!! لا يملك أي سلطة عليه، لذا قبض على يد زوجته و ابعدها عن موضع قلبه قبل أن تشعر بنبضاته التي تدق كالطبول على صدره حين ذكرت أسم من أستحوذت بعشقها عليه.. 


رسم الجدية على قسماته الصارمه، و تحدث بصوته الأجش.. 

" إني عمري ما زعلتك مني في يوم من ساعة ما أتچوزنا ".. 

صمت لبرهةً و تابع بنبرة محذرة و هو يرفع كف يده الأخرى الذي لم يشفي بعد أمام عينيها، ليظهر أثر جرح السكين التي حاولت "سلسبيل" قتل نفسها بها لولا وصوله بالوقت المناسب.. 

"حتي بعد اللي حُصل مِنك..و اللي مش هسمح أنك تكرريه مرة تانية.. فبلاش يچي اليوم اللي أزعل منك فيه يا خضرا".. 


توحشت نظرته بخطورة مكملاً .. 

"أنتي خابرة زين مافيش مخلوق يقدر يزعلك في حياة عيني.. و حقك بچبهولك لحد عندِك لإنك مَراتي و اللي يزعلك كأنه زعلني .. و سلسبيل كمان مَراتي و اللي يزعلها يزعلني كيفك بالتمام، و عشان أكده من هنا و چاي مهسمحش لمخلوق على وش الكون كله يغلط فيها حتى لو أمي".. 

قال الأخيرة بصوتٍ عالِ للغاية متعمد حتى يصل لوالدته الوقفه تتجسس عليهما كعادتها.. 


وصل غضبه لزروته جعل عروقه تبرز بهيئة مخيفه و علىَ صوته أكثر قائلاً و هو يشتعل غضبًا.. 

" و لا هسمحلك أنتي كمان تغلطي فيها تاني واصل يا خضرا.. لإنها مش قليلة الرباية و لا خسيسة كيف ما قولتي عليها.. بالعكس أنتي شايفة بعينك من يوم ما كتبت عليها و هي متنازلة ليكِ عن حقها فيا و عامله خاطر لزعلك و ساكته على كل عمايلك معاها، و أنتي غيرتك عمت قلبك كمان بقيتي لا مقدرة سكوتها و لا حتى مرضها"..

هذه المرة وصل صوته لقلب" سلسبيل " قبل أذنها، اقتحمها أحساسه الصادق بالخوف عليها، و شعرت بمدى وجعه منها بسبب تنازلها عن حقها فيه و  بعدها عنه،لا يعلم أنها تتمنى قربه ربما أكثر منه..


ترقرقت العبرات بعينيها و تقطعت نياط قلبها على حين غرة بسبب أخر كلمة تفوه بها مرضها!!!!!!! ربما أدركت

"خضرا" الوضع حاليًا بعد حديث زوجها المنفعل معاها ، و من الجائز أن ترضي بالأمر الواقع و تتقبلها ضُرة لها، لكن سيظل مرضها الحائل بينها و بينه، إذن لن تكون قادرة على تحقيق حلمه في إنجاب إبنٍ له، سيكون خطورة كبيرة على حياتها حينها.. 


حياتها!!! لا تهمها بالأساس، ما رأته خلالها جعل حالتها النفسية تسوء إلى أقصى حد، فأصبحت تتمنى لو تحصل على فرصة حتى تتخلص منها، لمعت عينيها ببريق أمل و تهللت أساريرها فجأة حين خطر على بالها فكرة حمقاء، ها قد وجدت تلك الفرصة أخيرًا.. 

"هحمل منك يا عبد الجبار".. 

غمغمت بها بوعيد و إصرار، و أعين تفيض بالدمع رغم سعادتها التي ظهرت على وجهها أشرقت نوره، و عادت الدماء تغزو وجنتيها من جديد.. 


بينما "خضرا" أجهشت ببكاء حاد حصلت به على عطف زوجها الذي كان يلهث من شدة أنفعاله نافثًا الهواء من فتحتي أنفه بصعوبة ،


أخذ نفس عميق يهدأ به نوبة غضبه، و احتضن وجهها بين كفيه، يزيل عبراتها بأصابعه مكملاً بنبرة هادئة.. 

"ميهونش عليا دمعك يا غالية.. كفايكِ بكى عاد.. أكده هزعل منكِ صُح".. 


"لع.. كله إلا زعلك عندي يا عبد الچبار" .. 

همست بها و هي تلثم كف يده المصابة بقبله عميقة مكملة.. 

"هتحق لسلسبيل مَراتك، و هحب على رأسها كمان بس متزعلش مني و لا جلبك يكون شايل من چهتي أيتها حاچة يا خوي".. 


تنهد" عبد الجبار "براحة، و انحني عليها مقبلًا جبهتها بعمق مغمغمًا.. 

" ربنا يكملك بعقلك يا أم فاطمة".. 


....................... لا حول ولا قوة إلا بالله....... 


" سعاد".. 

تجلس على الاريكة بجوار" فؤاد" والدها تتحدث معه بصوتٍ خفيض حتى لا يصل لسمع ابنها "جابر".. 

" يعني دي تاني جوازة كمان للبت و ابني عايز يطلقها من جوزها و يبقي الراجل التالت في حياتها !!!".. 

قالتها بملامح منذهلة، مصدومة و هي تضرب على صدرها بكف يدها.. 


زفر "فؤاد" بضيق، و تحدثت بتعجب قائلاً.. 

"هو ده اللي همك يا سعاد و مش همك بنت أختك اللي أكيد أول ما تشوفنا هتسألنا سبناها ليه كل السنين دي؟! ".. 


تحشرج صوت" سعاد " بالبكاء مردفة .. 

" و إحنا سبناها بمزاجنا يعني.. ما أنت عارف اللي حصل وقتها، و عارف كمان إن أبوها جبروت و ابني كان لسه عضمه طري ميقدرش يقف قدامه.. لكن دلوقتي ربنا يحفظه بقي راجل يسد عين الشمس هيبقي سند ليها و يقف في ضهرها و لو ليها حق هيجبهولها بس من غير جواز.. هي أه بنت أختي و غالية عندي و نفسي أشوفها و أخدها في حضني.. بس مش أغلى من ضنايا يا بابا و مستحيل أرضي إن ابني ياخد واحده خرج بيت واحد مش بتين كمان حتى لو بنت أختي ".. 


" بس نوصل للبت الأول يا سعاد".. قالها" فؤاد " بضحكة ساخرة مكملاً.. 

" جوزها طلع تقيل أوي و صاحب أملاك ياما و ابنك داير يلف عليه زي الدبور و مش عارف يوصله لحد ما تعب من كتر اللف و مرمى نايم جوه زي القتيل".. 


" و يارب ما يوصله يا حج".. 

نطقت بها بتمني شديد، و تابعت بسرها.. 

" إلا أما أجوزه الأول البت صفا بنت جوزي.. تربية أيدي ".. 


......................... صلِ على الحبيب......... 


" عبد الجبار ".. 


فرغ للتو من غُسلٍ كامل، هرول مسرعًا تجاه ثيابه المكونه من قميصًا أبيض اللون، و سروال من الجينز الغامق، حذاء كلاسيك أسود بلون الحزام الملتف حول خصره، وقف مقابل المرآه يمشط شعره بعناية، أرتدي ساعته الفخمه حول رسغه، و خاتم من الفضه بأحدي أصابعه، نثر عطره المميز بكثافه، هندم ذقنه و شاربه بدقه فأصبح مثالًا للغواية و الفتنة.. 


كانت "خضرا" تتابعه بصمت، نيران قلبها أصبحت هادئة قليلاً الآن، بعد احتواءه لها خاصةً حين قال .. 

"أني هفهم الدكتور يقول قدام سلسبيل إن هو اللي قدم معاد المتابعة.. لأنها المفروض الأسبوع الچاي.. بس عشان ميرضنيش يبقي شكلك مش ولا بد قصادها".. 


"اللي تشوفه يا خوي".. قالتها وهي تخفض رأسها و تبتعد عن عينيه التي تتابعها بنظرة متفحصة يقرأ بسهولة ما يدور بذهنها عبر المرآة.. 


جمع أغراضه المكونه من هواتفه ذات الماركات الشهيرة، و جزدانه الجلدي،نظارته الشمسية، مفاتيح سيارته،و أقترب منها حاوط كتفيها بذراعه هامسًا بأذنها بنبرته المزلزلة.. 

" في هدية مني ليكي هتعچبك قوي هتوصلك الليلة

بعد صلاة العشاء ".. 


أشهرت يديها الإثنين الممتلئتين بالاساور الذهبية، و أشارت على القلادات المعلقين برقبتها مرددة بفخر و هي تسير بجواره لخارج الغرفة.. 

"يخليك ليا و لا يحرمنيش منك واصل.. خيرك مغرقني يا سيد الناس".. 


" و اللي خلق الخلق الحُرمة دي عملالك عمل يا ولدي".. 

كان هذا صوت "بخيتة" التي جن جنونها حين رأت ابنها الذي كان يتشاجر مع زوجته كما لو كان جمرة نار من شدة غضبه منذ قليل،الآن يهبط الدرج وهو محتضن رأسها و يبتسم ببشاشة كأن لم يكن شيء.. 


" أمه..... ".. قالها "عبدالجبار " ضاغطًا على كل حرف بها، و هو يبتعد عن زوجته و يقترب منها مقبلًا رأسها، و يدها هامسًا برجاء.. 

"بكفايا نكد لحد أكده انهارده عشان خاطري يا أم عبد الچبار".. 


رمقة" خضرا " بنظرة سامّة مدمدمة.. 

"اممم.. لاچل خاطرك بس يا ولدي بس بشرط".. 

صمتت للحظة و تابعت بخبث.. 

"تچبلي حفيد.. راچل يشيل اسمك وأسم أبوك و يكون سندك كيف ما أنت سندي و ضهري يا عبد الچبار".. 


" كل شيء بأوان يا أم عبد الچبار ".. 

قالها و هو يرتدي نظارته الشمسية التي ذادت جذبيته أضعاف مضاعفة قبل أن يغادر المنزل بخطوات واسعة.. 


و بعد طول إنتظار لمحت طيفه يهل عليها، رفرف قلبها بشدة حين رأته مقبلًا عليها بلهفة أخفاها خلف نظارته السوداء، زينت شفتيه العريضة ابتسامة كان لها تأثير السحر عليها، أجبرتها على تأملها ببلاهة، نظرتها له متفحصة لا تخلو أبدًا من الإعجاب.. 


"عنك يا عبد الچبار بيه".. 

أردف بها "حسان" و هو يركض نحوه مسرعًا، و فتح له باب السيارة الخلفي .. 

"أيه الأخبار يا حسان؟".. 

قالها "عبد الجبار" و هو يجلس بجوار زوجته، علقت أنفاسها بصدرها حين اقتحمتها رائحة عطرة الذي أشعل جميع حواسها دفعة واحده.. 


أجابه "حسان " قائلاً.. 

"كلو تمام زي ما أمرتنا يا كبير".. 


كانت "سلسبيل" هائمة بالنظر إليه بابتسامة حالمة، عينيها مثبته على شعره الفاحم الرطب،تتمنى لو  تغرس أصابعها بين خصلاته.. 


لم تنتبه على حركة السيارة التي صدر عنها ضجيجًا عاليًا أثناء مغادرتها عبر البوابة المفتوحة على مصرعيها، تحت نظرات "خضرا " التي تقف خلف النافذة تتابعهما بأعين يتطاير منها الشرر بعدما لمحت نظرة الافتتان بأعين غريمتها لزوجها جعلتها تستشيط غيظًا و حقدًا عليها.. 


بينما "عبدالجبار" يجلس بجوارها المسافة بينهما لا تُذكر لكنهما لا يتلامسان، و رغم هذا كانت تشعر بذبذبات حاره منبعثه من جسده تجاهها إلى أن أحست بكفه قبض على يدها فجأة، و أصابعه تتخلل بين أصابعها و تشتبك بهم بقوة دفعتها للإنهيار داخليًا فأطلقت أنفاسها المحبوسة برئتيها دون أدنى أرادة منها..


"خابر أني اتأخرت عليكِ.. حقك عليا".. 

همس بها بنبرة بدت مدمرة، و هو يرفع يده المحتضنه كفها على شفتيه و لثمه بقبلة رقيقة أيقظت كل مشاعرها الخامدة تجاهه مرةً واحدة، شهقت بصوتٍ خفيض و قد فجأتها فعلته هذه و راقتها كثيرًا أيضًا .. 


جاهدت حتى تبتعد بعينيها عنه، و نظرت للجهه الأخرى لتجد أنهم على الطريق السريع المعاكس للطريق المؤدي إلى المستشفى.. 

" أيه ده.. إحنا رايحين فين!!!!".. نطقت بها و هي تتلفت حولها بصوتٍ مرتجف يعبر عن خوفها الشديد.. 


"ليه كل خوفك ده عاد"..تساءل "عبدالجبار" بقلقٍ جم، لترفع "سلسبيل" وجهها و تنظر لعينيه بعينيها الزائغة، و همست بصوتٍ اختنق بالبكاء.. 

"أوعي تكون موديني عند أهل أمي؟".. 

لتستطرد دون أن تمنحه فرصة للرد عليها.. 

"أنا مش مستعدة أشوفهم دلوقتي خالص .. خايفة من اللحظة اللي هشوفهم فيها يصدموني بحاجة توجع قلبي زيادة وأنا مش حمل أي صدمات تانية تزعلني زيادة وأنا في حالتي دي".. 


تنهد" عبد الجبار " متفهمًا مشاعرها و خوفها، أبتسم لها و هو يبعد نظارته عن وجهه لتظهر عينيه التي تجعلها تمتثل رغمًا عنها للسحر الذي يبثه لها بنظراته، إزداردت لعابها بتوتر حين وجدته ينظر لها نظرته التي تخطف أنفاسها، جذبها عليه محاوطًا إياها بذراعيه، استكانت بين يديه على الفور.. 


تنهد "عبد الجبار" بقوة مغمغمًا بخفوتٍ.. 

"أطمني.. متخفيش من أي حاچة واصل.. 

أني معاكِ و في ضهرك و مهسمحش لمخلوق يمسك بسوء، و كمان مش ناوي أوديكِ عندهم إلا لما تطيبي و تبقى زينة" .. 


"طيب أنت واخدني على فين".. غمغمت بها بخجل، و هي تتحاشي النظر لعينيه المحاصرة لها، رفع يده و إحتوي ذقنها بين أصابعه أجربها على النظر له مرة أخرى، تعمق النظر بعينيها التي تنجح في هزم كل قوته و عنفوانه و تجعله آسيرًا لها ليمد إبهامه ويلمس شفتها السفلى بحسيه شديدة خرجت من أعماق رجولته، و أردف مسبلًا عيناه نحو شفتاها الحمراوين و مقربًا وجهه من وجهها ببطء.. 

" هخطفك أيه قولك".. 


أسرعت بدفن وجهها داخل صدره تختبئ منه فيه بخجل حين لمحت نظرته المتلهفة لشفتيها.. 

"موافقة.. تخطفني يا عبد الجبار ".. دمدمت بها بهمس بالكاد وصل لسمعه، فضمها له بقوة أكبر، و هو يجذب يديها و يلفها حول خصره.. 


مر عليهما وقت ليس بقليل، ساعة أو أكثر لكنهما لم يشعروا به، كان مكتفيان بقربها لبعضها، منفصلان عن جميع ما حولها حتى توقفت السيارة و صدح صوت " حسان " قائلاً .. 

" حمدالله على السلامة يا كبير".. 


تنحنح "عبد الجبار" كمحاوله منه لإيجاد صوته مردفًا.. "احححم الله يسلمك يا حسان".. 


دارت "سلسبيل" بعينيها بالمكان حولها، شهقت بفرحة غامرة حين وقعت عينيها على أمواج البحر تنصدم بالاحجار الضخمة صادرًا عنهما صوتٍ ينعش الروح.. 

" احنا في إسكندرية صح!!!! ".. 

تفوهت بها و هي تغادر السيارة، واضعة يدها الصغيرة داخل راحة يده الممدودة لها.. 


حرك رأسه لها بالايجاب، و سحبها خلفه لداخل منزل حديث الطراز ، يطل مباشرةً على مياه البحر بلونه الأزرق المتلألئ تحت آشعة الشمس الساطعة.. 


كان بستقبالهما العاملين بالمنزل يقفون بصف واحد، ترأسهم "عفاف" سيدة أنيقة بأواخر عقدها الرابع، تحدثت بابتسامة بشوشة قائلة.. 

"نورتي بيتك يا ست سلسبيل هانم".. 


"بيتي!!!".. تمتمت بها مذهولة، و هي تتنقل بينها وبين زوجها الذي ينظر لها بإبتسامة حانية مردفًا بتأكيد، و هو يحاوط خصرها و يضمها له و يسير بها بالارجاء..

 "أيوه بيتك يا سلسبيل".. 


صعد بها على الدرج، و هو يقول.. 

"چهزوا الوكل يا عفاف.. الهانم معاد علاچها كمان ساعة".. 


"عفاف" بعملية.. "دقايق و الأكل يكون عند سيادتك يا عبد الجبار بيه".. 


سارت معه داخل ممر طويل حتى توقف أمام إحدي الغرف، و وضع يده على المقبض ، و نظر لها قبل أن يفتح الباب.. 

كادت أن تصرخ هذه المرة وهي ترى غرفة أقل ما يُقال عنها أنها رائعة الجمال، مملوءة بأجمل الورود بمختلف انواعها و ألوانها، 


دلفت معه للداخل بخطوات مرتعشة، لتجده يجذبها برفق نحو منضدة الزينة الموضوع عليها علب مخملية مفتوحة بداخلها أفخم المجوهرات التي صُنعت لها خصيصًا.. 


أوقفها أمام المرآة، و وقف خلفها و بدأ يخلع حجابها عنها حتى تخلص منه، فك عقدة شعرها لينسدل على ظهرها بنعومة و انسيابية،  أمسك عقد من الماس على شكل قلب منقوش عليه حروف إسمها، و قام بوضعه حول رقبتها ، زاد العقد جمالاً بها، فنحني عليها و عانقها بقوة هامسًا برومانسية.. 

"شبكتك يا ست البنات".. 


قال جملته وهو يشير لها على باقي الذهب أمامها، و أمسك أوراق كانت بداخل مغلف مغلق فتحها أمام عينيها مكملاً.. 

"و ده عقد البيت بأسمك يا سلسبيل، و في كمان شيك بورثك في حق أخوى الله يرحمه".. 


تتطلع حولها بأعين دامعة، مبهورة.. ما تعيشه الآن لم يخطر على بالها بيومٍ من الأيام..

"لمين كل ده يا عبد الجبار!!!"..


تأملها بعينيه الآسرة و نظرته العاشقه لها التي تُذيبها كليًا قائلاً بصوته القوي..

"للست سلسبيل هانم مَرات عبد الچبار المنياوي"..


سالت عبراتها على وجنتيها ببطء، و أبتسمت إبتسامة يملؤها الوجع مغمغمة..

"مراتك!!!"..


قرأ ما يدور بذهنها بشأن مرضها و عدم قدرتها على إعطاءه حقوقه، إحتوي خصرها بذراعيه، و انحني عليها ضمها لصدره بقوة طابعًا على خدها قبلاتٍ عميقة متتالية و هو يهمس من بينهم بحرارةٍ..

"أيوه مَراتي و عشج الجلب و الروح من أول مرة وقعت عينى عليكي فيها، و مكنتش خابر وقتها إنك أرملة أخوى يا سلسبيل"..


حديثه هذا لم تنتبه له جيدًا، فقربه منها بحميمية هكذا يبعثر مشاعرها و يفقدها إدراك ما يحدث حولها، أسبلت أهدابها و تنهدت مطوّلًا، ثم همست دون وعي بصوتٍ إختنق بالبكاء..

" أخوك ده أنا وافقت اتجوزه بسببك أنت يا عبد الجبار!!! "..


ر بااااه ماذا قالت!!!!


و ماذا قال هو!!!


نفس السؤال اقتحم عقلهما بأنٍ واحد، انتزعها من بين أحضانه دون أن يبعدها عنه، لتتقابل أعينهم بنظرة تلهف، و تحدثا بنفس واحد..

"وافقتي على چوازك من أخوى بسببي!!" ..


"شوفتني فين و أمتي؟! "..


انبلجت إبتسامة على محياة و هو يستعيد ذكري أول مرة رأها بها.. 


.. فلاش باااااااااااك.. 


بعد إنتهاء مراسم دفن شقيقه، عاد للمنزل و وقف لاستقبال واجب العزاء، كان صراخ و عويل النساء بالداخل يصم أذان الرجال بالخارج مما أغضبه كثيراً، فندفع نحوهم بملامح تشتعل غضبًا، و صاح بصوته الأجش و هو يتنقل بنظره بينهم يبحث عن والدته.. 

"أخرسي يا حُرمة منك ليها.. بكفاياكِ عاد يا أمه".. 


هنا لمحها، وقعت عينيه على فتاة تجلس بإحدى الجوانب بمفردها، وجهها يظهر عليه أثار عنف، و كدمات تاركة بقع حمراء و زرقاء و رغم هذا كانت الفرحة تُشع من ملامحها الدامية، عكس جميع الحضور، سعادة عجيبة، و غريبة ظاهرة على قسماتها الفاتنة التي شغلت جم انتباهه، لكنها لم تنتبه له على الإطلاق.. 


"مين دي يا حسان".. 

أردف بها بصوتٍ خفيض، و هو يشير تجاهها بنظرة من عينه.. 


إجابه "حسان" قائلاً .. 

"دي سلسبيل أرملة أخوك الله يرحمه يا كبير"..


عقد حاجبيه فأصبح عابسًا بشدة وهو يقول.. "أيه اللي عمل فيها أكده؟!".. 


"أخوك الله يرحمه بقي و يسامحه كان شديد قوي قوي عليها".. غمغم بها "حسان" بأسف.. 


و من تلك اللحظة، و هي سيطرت على تفكيره، و كأنها ألقت تعويذة سحرية على قلبه.. 


.. نهاية الفلاش باااااااااااك.. 


ختم حديثه و اختطفتها ذراعه كالخطاف وهو يحاوط بها خصرها ليجذبها اليه، و انحني بوجهه عليها هامسًا أمام شفتيها.. 

" كأن صورتك اتوشمت على جلبي".. 


أبتسمت له "سلسبيل" و رفعت يديها احتضنت وجهه بين كفيها مغمغمة بستحياء.. 

"من يوم ما أبويا خدني و رجع بيا على الصعيد، و أنا بسمع عن عبد الجبار المنياوي الراجل اللي كل أهل البلد بتحلف برجولته و أخلاقه، و أد ايه هو صاين مراته و مخليها زي الملكة.. وقتها اتمنيت و دعيت ربنا يرزقني براجل زيك يحميني و ينجدني من جبروت و ظلم أبويا و مراته.. لحد ما عبد الرحيم طلب أيدي، و عرفت انه أخوك.. فرحت و وافقت على طول و قولت أكيد هيبقي زيك في أخلاقه، و افتكرت ان ربنا رحمني أخيراً".. 


صمتت قليلاً تلتقط أنفاسها، و تابعت بغصة يملؤها الأسى.." بس للأسف مطلعش زيك يا عبد الجبار.. ده طلع جبروت عن أبويا، و انا من غبائي و سني الصغير وقتها قولتله أني كنت فكراه راجل زيك و هدته أني هشتكيه ليك أول ما أشوفك، ساعتها اتحول لوحش و كان هيقتلني، و بقي كل ما يعرف إنك جاي البلد يكتفني في اوضتي لحد ما أنت تمشي".. 

أنهت حديثها و انفجرت باكية ببكاء مزق قلبه لأشلاء ، بينما هو أخذها في عانق محموم حتى لم تعد قدميها لامسة الأرض، ذراعه ملتف حول خصرها، و ذراعه الأخر يربت به على شعرها بحنو.. 


كانت تهمس له بصعوبة بالغة من بين شهقاتها الحادة قائلة.. 

" مافيش ست في الدنيا مبتحلمش براجل يكون سندها، و ضهرها.. يحميها و يحسسها بالأمان ".. 


رفعت وجهها المتخضب بالحُمرة القانية، و نظرت لعينيه المتلهفة بعينيها الغارقة بالعبرات، و تابعت بتأوه.. 

"و أنت كنت حلم حياتي اللي متخيلتش أبدًا أنه ممكن يتحقق في يوم من الأيام يا عبد الجبار".. 


 تعالت وتيرة أنفاسه، و بدأ يلهث بوضوح و قد أشعلت بجسده حمم بركانية باعترافها الذي لم يخطر على باله أبدًا.. 


يلجم نفسه عنها بشق الأنفس، لصقها به بقوة، و يده تداعب جسدها بحميمية، و اقترب بوجهه منها حتى أصبح يتنفس أنفاسها، تحدث بصوته الأجش و شفتيه تمس شفتيها.. 

"رايدك.. رايدك يا سلسبيل".. 

قالها قبل أن يطبق بشفتيه على فمها يتذوق ذلك الصخب من بين شفتيها و كم تاق لهذا...... 


انتهي الفصل.. 

هستني رأيكم يا حبايبي.. 

واستغفرو لعلها ساعة استجابة..


الفصل ال23..

جبر السلسبيل..

✍️نسمة مالك✍️..


.. بسم الله الرحمن الرحيم.. لا حول ولا قوة إلا بالله.. 


في كثير من الأوقات نتعرض لضغوطات الحياة المختلفة التي تلعب دورًا هام في تكوين شخصياتنا على مراحل سنوات عمرنا،  إلى أن يأتي وقتٍ تنفذ فيه طاقتنا بسبب ضغط شديد يفوق تحملنا، حينها نكون أول من يُصدم من رد فعلنا،نتفاجئ بوجود شخصية أخرى بداخلنا لم يُخيل لنا وجودها،


شخصية شرسة بأمكانها أرتكاب أفظع الجرائم دون لحظة تردد، و هذا ما حدث ل "خضرا" بعدما تمكنت منها الغيرة التي أشعلت النيران بقلبها حتى غلفته 

القسوة،تلك النيران سيكون للجميع نصيب منها، ستحرق كل من يعترض طريقها، لن ترحم أحدًا حتى نفسها.. 


صدح آذان العشاء، و صدح معه رنين جرس باب المنزل الخارجي يعلن عن وصول الهدايا التي أوصى بها "عبد الجبار" خصيصًا لزوجته بإحدى دور الأزياء الشهيرة حتى تُناسب مقاساتها ، أتت قبل موعدها لينالوا رضا أهم عميل لديهم.. 


تقف "خضرا" بوجهه عابس بشدة، ممسكة هاتفها بيدها تعاود الإتصال بهاتف زوجها مرارًا و تكرارًا دون توقف، لا تكترث للهدايا على الإطلاق، كل ما يشغل بالها هي غريمتها، فقد تأكدت من مصادرها داخل المستشفى أن "سلسبيل" لم تصل إلى هناك .. 


إذن أين ذهب بها ، و ماذا يفعل معاها الآن !!.. 


ستجن لا محالة كلما تتخيل أنهما بمفردهما و من الممكن أن تتطور العلاقة بينهما، تدور حول نفسها ذهابًا و أيابًا و هي تلطم خديها بكل قوتها حتى أدمتها، تشعر بألم يمزق قلبها يفوق قدرتها على التحمل، كل هذا أمام نظرات "بخيتة" التي تتابعها بابتسامة واسعة تظهر جميع أسنانها بهيئة مخيفة، و مستفزة للغاية.. 


" كل عمايلك دي مبقاش ليها عازة خلاص يا خضرا، سلسبيل بقت مَرات عبد الچبار المنياوي اللي هتچبلوا الواد عن قريب قوي قوي".. 

غمغمت بها "بخيتة" وهي تستند على عكازها، و تنتصب واقفة سارت تجاهها بخطوات هادئة حتى توقفت أمامها مباشرةً، و نظرت لها بملامحها القاسية، و تابعت بضحكة ساخرة.. 

"كنتِ فاكرة حالك هتقدري تتحكمي في البنتة الصغيرة و تبعديها عن راچلها إياك!!!.. القلوب ملهاش حاكم يا أم البنتة، و سلسبيل عشجت عبد الچبار كيف ما هو عشجها، و مهتقدرش تمنع روحها عنِه أكتر من أكده"..


كانت "خضرا" تستمع لها بصمت، ملامحها جامدة، دموعها متحجرة بعينيها، تصطك على أسنانها بعنف كادت أن تهشمهم، هُيئ لها أن"سلسبيل " تقف أمامها و كم تتمني هذا الآن حتى تنقض عليها و تمزقها أربًا دون لحظة تردد.. 


تنهدت" بخيتة "براحة و قد وصلت لمبتغاها، و هي تري الغل، و الحقد ظاهر بوضوح على وجهه "خضرا" تجاه "سلسبيل"، فدمدمت لبرهةً قبل أن تقول.. 

"اممم.. لو فكرتي زين هتلاقي إن إتفاقك عليا مع سلسبيل اللي قولتيلي عليه ده هتطلعي منه خسرانة.. إنما لو اتفقتي معايا أني هتبقي أنتي لوحدك مَرات عبد الچبار يا خضرا و أم الواد اللي هتچيبوا ضُرتك كمان".. 


جحظت أعين "خضرا" على وسعهما، و نظرت لها بلهفة، كالغريق الذي كان على وشك الموت و أخيرًا وجد منقذه.. 

"قوليلي كيف يا أمه أحب على يدك".. 

نطقت بها بنبرة ملتاعة، و هي تميل على يدها تحاول أمساكها لتقبلها بتوسل..


دفعتها" بخيتة " بعيدًا عنها بعنف مردفة بغضب.. 

"أمه.. دلوجيت بتقوليلي يا أمه يا بت المركوب بعد ما كنتِ بتفقعي مرارتي بعاميلك العفشة و حديتك الماسخ".. 


ضربت" خضرا " على صدرها بكف يدها بحركة استعطافية مرددة.. 

"حقك علي راسي يا أمه.. مهعملش أكده مرة تانية واصل.. بس قوليلي كيف أكون مَرات عبد الچبار ، و أم إبنه لحالي من غير ضُرة.. إلا الضُرة مُرة و مرارها واعر قوي".. 


انبلجت ابتسامة شريرة على ملامح" بخيتة" حتي ظهرت تجاعيد وجهها وهي تقول.. 

"تهمليها مع راچلها لحد ما يحصل المراد، و تبجي حبلة منه، وقتها تحطيها چوه حباب عينك و تشيلها من الأرض على كفوف الراحة لغاية ما تچبلنا الواد اللي هيخلص عليها و هي بتولده كيف ما قال الحكيم إن جلبها مش قد الحبل و الولادة، و أول ما تموت تاخدي أنتي الواد و تبجي أمه.. الأم اللي بتربي يا خضرا مش اللى بتخلف".. 


فكرة راقت" خضرا".. لن تنكر أن حديثها قد راق لها كثيرًا، و تهللت اساريرها بسعادة، و دون ذرة تفكير منها حسمت قرارها بتنفيذ تلك الفكرة على الفور، و لكن ستظل تلك النيران التي تتآجج بقلبها مشتعلة لن يخمدها سوي شيئًا واحد فقط موت السلسبيل، الموت الذي لم تكن تظن بيومٍ أن تفكر فيه أو تتمناه حتى لعدوها.. 


بينما "بخيتة" ترمقها بنظرات مستهزءة لغباءها الذي صور لها بأن زوجها سيعود لها كما كان حين يُحرم من المراءة الوحيدة التي عشقها من صميم قلبه..


....................... سبحان الله العظيم....... 


"عبد الجبار.. 


كان يظن أن بأمكانه التحكم بفيض مشاعره التي أغرق بها  معشوقة قلبه و روحه، و أن الأمر لن يكون إلا مجرد قبلة شغوفة و يبتعد عنها في الحال، و لكن قد حدث ما كان يتمناه قلبه الملتاع منذ أن أصبحت زوجته.. 


انجرف بقاع بحر غرامها دون أدنى إراده منه، لأول مرة فشل في السيطرة على رغبته الجامحه بها، انفصل معاها عن العالم أجمع مكتفي بوجودها بين ذراعيه، لا يعلم كيف و متى و كم من الوقت بقي ينهال بجنون من شهدها لعله يشبع ظمأه منها، 


لم ينتبه على كل ما يدور حوله، رنين هاتفه المستمر حتى نفذت طاقته و أنطفئ تمامًا ، طرقات العاملين من حين لأخر، كان معاها و بها و لها فقط.. 

"عشجان.. أني عشجانك يا سلسبيل".. 

غرد بها داخل أذنها بصوتٍ هامس من بين أنفاسه اللاهثه المهتاجة، و هو يسير بوجهه المتناثر عليه حُبيبات العرق، على وجهها المتوهج بحمرة الخجل.. 


"عبد الجبار".. همست بها بأنفاس متهدجة من بين شفتيه التي تغمرها بوابل من القبلات المتلهفة، يستعد بها لأخذها بجولة أخرى من جولاتهم شديدة الخصوصية، 


لكن!!! همسها هذا أفاقه من نوبة جنون عشقه بها، تخشب جسده لوهله و قد أدرك ما فعله للتو، و من ثم انتفض من فوقها فجأة كمن لدغه عقرب سام، أو بالأصح كأنه تحول هو لهذا العقرب و قام بلدغ أغلى و أحب الخلق لقلبه.. 

"سلسبيل!!!!".. صاح بها صارخًا بقلب مرتعد، و هو يخطفها داخل صدره، اجلسها على قدميه، و بدأ يتفحص كل أنش بها، و هو يصيح بصوتٍ جوهري دون أن يتركها من يده.. 

"عفاااااف.. شيعي لحسان يچيب الدكتور".. 


"عبد الجبار أهدي.. أنا كويسة".. 

أردفت بها و هي تحتضن وجهه بين كفيها الصغيرين، لكنه أسرع بضم يدها بين قبضة يده الضخمة يتحسس برودة بشرتها، و يجذب الغطاء عليها بخوف يخفي به جسدها العاري، و عينيه تشملها بنظرة يملؤها العشق، و الندم معًا مغمغمًا.. 

"حاسة بأيه.. في حاچة بتوچعك.. قوليلي يا بت جلبي".. 

أنهى جملته، و أسرع بوضع راحة يده على موضع قلبها يستشعر نبضاته، دست نفسها هي بين ضلوعه، و لفت كلتا يديها حول خصره، و ضمته لها بكل ما أُتيت من قوة، و أطلقت تنهيدة طويلة و هي تقول بستحياء بصوتٍ بالكاد وصل لسمعه.. 

"مبسوطة.. أول مرة أبقى مبسوطة كده".. 


رفعت وجهها، و نظرت داخل عينيه بعمق مكملة.. 

"مبسوطة عشان بقيت مراتك أنت.. أنت بالذات يا عبد الجبار".. 


هدأت وتيرة أنفاسه قليلاً حين رأي ملامحها التي توردت و كأنها تفتحت كالوردة بعدما تشبعت من حبه و أهتمامه بها.. 


في هذه اللحظة ضمها له بيديه و حتى قدميه لعله يطمئن قلبه الذي أوشك أن يغادر صدره من عنف دقاته، 


مرت لحظات و هو محتويها بجسده كما لو كانت ضلع من أضلاعه، حتى استمع لطرقات على باب الغرفة يليه صوت "عفاف" تتحدث بقلق قائلة.. 

"الدكتور وصل يا عبد الجبار بيه".. 


على مضض ابتعد "عبد الجبار" عن زوجته، و هرول بلملمة ثيابه المبعثرة على الفراش، و الملقاه أرضًا و ارتداها علي عجل، و عينيه لم تتزحزح عن "سلسبيل" المختبئة بخجل أسفل الغطاء، شهقت بخفوت حين شعرت بيديه ترفعها بمنتهي الخفة، و قام بمساعدتها على أرتداء روب من الحرير الناعم أبيض اللون، احضره لها بلمح البصر من الغرفة الخاصة بثيابها،و حجاب كبير قام بوضعه على رأسها أخفي به شعرها و روبها بأكمله.. 


أغلقه جيدًا حولها قبل أن يسير تجاه باب الغرفة بخطي واسعة، و قام بفتحه و هو يتحدث موجهه حديثه للطبيب بنبرة لا تحمل الجدال.. 

"أسرع بالكشف على زوجتي، و تحدث معي باللغة الإنجليزية عن حالتها الصحية ".. 


"تحت أمرك عبد الجبار بيه".. 

نطق بها الطبيب الذي اندفع مسرعًا تجاه "سلسبيل" الجالسة على الفراش بأريحية،و إبتسامة دافئة تزين ثغرها المزموم.. 


بمنتهي الدقة أنتهي الطبيب من فحص شامل لها  أمام " عبدالجبار " الجالس بجوار زوجته، محاوط كتفيها بلهفة.. 

" اطمئن زوجتك بخير حال و لا يوجود أي خطر عليها"..


تتنقل "سلسبيل" بينهما بنظرات منذهلة، و هي تري زوجها يتحدث اللغة الانجليزية بطلاقة، ليتابع الطبيب بتعجب قائلاً.. 

"هل نسيت إتفاقك معي حول ما أقوله عن حالتها!!! ".. 


تنهد "عبد الجبار" بأسف، و قد ارتجف قلبه بخوف و هو يتخيل رد فعل زوجته إذا علمت باتفاقه هذا.. 

"لا لم أنسى اتفاقنا ، و لكني لم أنسى أيضًا أن قلبها كان على وشك أن يُصاب بجلطة، و لا أريد أن يتكرر الأمر ثانيةً".. 


"في أيه يا عبد الجبار.. فهمني".. 

همست بها "سلسبيل" لزوجها بصوتها الذي يُذيب عظامه، فضمها له بقوة أكبر مقبلًا جبهتها، و هو يقول.. 

"اطمني.. أنتي زينة يا ست الهوانم"..

نظر لطبيب وتابع بصرامة.. 

" مش أكده يا دكتور".. 


الطبيب بعملية و بعض الخوف من قسمات "عبد الجبار "الجادة" احححم.. أيوه حضرتك كويسة جدًا يا مدام اطمني"..


أردفت "سلسبيل" بلهفة و فرحة غامرة قائلة.. 

"أيوه أنا الحمد لله حاسة أني احسن بكتير.. يعني أقدر أحمل و أكون أم مش كده يا عبد الجبار ".. 


كان قد غادر الطبيب برفقة "عفاف" التي أغلقت الباب خلفها، و بقي بمفرده ثانيةً مع زوجته، انبلجت إبتسامة لعوب على محياه قبل أن يميل عليها يحاصرها بجسده لصقها به، و يده تتسلل ببطء نحن حجابها و روبها الحريري نزعهما عنها مغمغمًا.. 

" رايده تبجي حبله مني يا سلسبيل!! ".. 


لم تنطق بحرف واحد، اكتفت بالنظر له عينيها تتحدث لعينيه بكلمات نابعة من قلبها جعلته يغيب بها عن العالم حوله من جديد..


الليلة استقبلنى بكل جنوني،سأنزل بضيافة عينيك كحورية..

راقصنى فخلخالى لن يوقف رنينه ثانية،

وعانقنى أعزف على أوتاري موسيقى اللهفة،فشعوري شعور طفلة عارية دثرتها بمعطفك الدافئ، قطة صغيرة تقف بمنتصف الطريق مذعورة من الحافلات الضخمة، وجدت ركنًا احتضنها بظلاله، وجدت بين ضلوعك يقطينة تدلل بؤسها، و تزرع بحدائقي يقينً بعدما كاد أن يبتلعني حوت الشك، و عتمة الخذلان..


انتهي الفصل.. 

انتظروا فصل جديد في أقرب وقت.. 

واستغفرو لعلها ساعة استجابة


الفصل ال24..

جبر السلسبيل..

✍️نسمة مالك✍️..


"جابر".. 


 بعد وصلة بحث مكثفة يحاول خلالها الوصول ل "سلسبيل" أو لزوجها بشتى الطرق، غلبه إجهاده و تمكن منه التعب جعله يستسلم للنوم رغمًا عنه، قضى ساعات قليله غارقًا بأحلامه التي دومًا تكن هي بطلتها.. 


بينما أصدقاءه المقربين له لم يتوقفوا عن مواصلة البحث عن أي شئ يُساعد صديقهم في العثور على محبوبته، 

حتى صدح صوت رنين هاتفه أعاده لواقعه الخالي من وجودها مجددًا،فأسرع بالرد عليه قائلاً بلهفة.. 

"ها وصلتوا لحاجة!! ".. 


أتاه صوت صديقه "أيمن" مردفًا.. "حاجاااات مش حاجة واحدة يا فخامة".. 


غادر "جابر" الفراش بهرولة نحو ثيابه قفز داخلهم، و قد غمرته الفرحة و هو يستمع لحديث صديقه يُتابع بجملة تسارعت بسببها دقات قلبه.. 

"أخيرًا عرفنا مكان بنت خالتك".. 


"أنا جيلكم حالاً".. 

قالها، و هو يجمع أغراضه على عجل، ليوقفه صوت"أيمن " قائلاً.. 

" لا خليك و أنزل بعد ساعة كده لأننا لسه داخلين على المنصورة، و هنروح على الچيم.. تعالي لنا هناك عشان معانا ضيف عايزين نكرمه على الأخر ".. 


عقد "جابر" و هو يقول بتعجب.. 

"أنتو خرجتوا برة المنصورة رحتوا فين!!!".. 


استمع لصوت أنين مكتوم عبر الهاتف، فزمجر بعصبية مفرطة مغمغمًا.. 

"و مين الضيف اللي معاكم ده يا أيمن!!! ".. 


"أنا و الرجالة فضلنا ورا عبد الجبار المنياوي لحد ما لقينا نفسنا في إسكندرية و أدينا راجعين في الطريق أهو يا جابر".. نطق بها" أيمن"، و صمت لبرهةً و أكمل بأسف .. 

" وبالنسبة للضيف فهو مش ضيف خالص الصراحة.. إحنا خطفناه ، و هو بيقول أنه الدكتور المسؤول عن حالة بنت خالتك".. 


" جابر" بنبرة لا تحمل الجدال و هو يغادر غرفته بل المنزل بأكمله بخطوات راكضة.. 

" أنا هتحرك بالعربية و أطلع على إسكندرية .. ابعتلي عنوان سلسبيل ده أهم حاجة عندي دلوقتي، و اللى معاك ده خدوا يا أيمن أنت على الچيم، و أتصرف معاه بمعرفتك و أبقى بلغني بالجديد أول بأول ".. 


............ لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.... 


" عبد الجبار ".. 


أبتعد عن زوجته بشق الأنفس، معشوقته التي أحيت بقلبه مشاعر لم يتخيل بيومٍ أنه يكنها بداخله،تأكد الآن أن كل تلك السنوات التي مرت عليه كان فيها زوج يقوم بأداء واجباته الزوجيه كما لو كان آله مجردة من المشاعر .. 


أستطاعت "سلسبيل" التسلل لأعمق نقطة داخل قلبه لم يتمكن أحدًا قبلها من الوصول إليها، أما هو قد نجح في نزع خوفها و رهبتها من قربه منها، لم يتركها إلا بعدما عالج جروحات قلبها الغائرة، نعمها بفيض غرامه الذي أهاله عليها بكرمٍ و شغف فلم يسعها سوي الاستسلام الكامل له.. 


بقت متكومة بأحضان زوجها دون حراك،بينما هو يمسد على شعرها المشعث بفوضوية مثيرة، و يلثم كل مكان تقع عليه شفتيه بقبلات عميقة تدل على مدى لهفته، و عشقه لها.. 


"أنت عندك كام سنة يا عبد الجبار؟!".. 

همست بها "سلسبيل" و هي تعتدل بتكاسل مستنده على صدره العاري، و تطلعت له بابتسامتها التي تزيد من جنونه بها.. 


استغرق بعض الوقت ليعاود إتصاله بالعالم مرةً أخرى، رمقها بنظراته المُتيمة يراقب قسماتها المحمرة التي جعلتها مثالاً للإغواء و الفتنة، 

شعرت بأنامله تجد طريقها إلى خطوط عنقها الملساء.. 


كانت الدهشة واضحة على ملامحه الجذابة التي تخطف أنفاسها، لتجده حملها فجأة بمنتهي الخفه حتى أصبح جسدها الصغير بأكمله فوق جسده العريض ، و كم شعرت بتلك اللحظة بضئلتها بين يديه، داعب أرنبة انفها بأنفه كأنها طفلته المدلله مردفًا بتعجب..

"بجي في ست في الدنيا معرفاش راچلها عمره قد أيه!!!"..


"راجلي!!!.. الله حلوة أوي الكلمة دي"..تفوهت بها بسعادة واضحة على تعابير وجهها الخجول، و بتنهيدة تابعت.. 

"أنا عارفه إنك كبير يا عبد الجبار".. 


رفعت كف يدها ببطء، و وضعته على ذقنه مكملة بفخر.. 

"كبير في المقام و الهيبة رغم إن شكلك مكملش  ال33 سنة.. صح؟! ".. 


كان يستمع لحديثها الذي يشبه رذاذ بارد يتساقط على لهيب قلبه الخافق بعشقها، صوتها وحده يدغدغه، عينيه تتفرس ملامحها التي أزدهرت و تفتحت كالوردة بفضل أهتمامه بها..


حرك رأسه لها بالايجاب قبل أن يقبل جانب شفتيها قبلة رقيقة بعثرت كيانها،احتضن وجهها بين كفيه، و همس لها بنبرته المدوخة قائلاً..

"كانك مولودة في جلبي.. قولتها لك قبل سابق و هقولهالك تاني و تالت و مليون ، و عمري ما هبطل اقولهالك يا سلسبيل".. 


امتلئت عينيها بالدموع، و اعتلت ملامحها الذعر و هي تقول بصوتٍ مرتجف.. 

"خايفة يا عبد الجبار.. خايفة أوي".. 


"وه.. كيف تخافي و أنتي مراتي.. مرات عبد الچبار المنياوي!!!".. 


ابتلعت غصة مريرة بحلقها، و ببوادر بكاء قالت.. 

" قلبي عمره ما كدب عليا، و لا احساسي عمره خاني،و أنا حاسة أني مش هفضل مراتك يا عبد الجبار ".. 


شهقت صارخة بخفوت حين نهض بها فجأة دون سابق إنظار، و عكس وضعهما فأصبح هو فوقها، و تحدث بغضب عارم و قد توحشت نظرته حتى سارت عدوانية لأقصى حد.. 

"أنتي الليلة برضاكي بجيتي مراتي، و هتفضلي مراتي مهيفرقنيش عنك غير موتى يا سلسبيل ".. 


مدت يديها و حاوطت عنقه بذراعيها جذبته عليها، تضمه بكل قوتها لعل قربه يمحي من قلبها هذا الخوف المبهم الذي يجتاحه بين حين و أخر متمتمة بتمني شديد... 

"ربنا ميكتبش علينا الفراق أبدًا يارب".. 


طبعت قبلة ناعمة على كتفه مكملة.. 

" و لا يحرمني من حضنك أبدًا يا عبد الجبار ".. 


ضمها له بتملك مجنون، دافنًا رأسه بعنقها يغمره بقبلاته الحاره، و من ثم احتواها بين ضلوعه بحماية حين شعر بثقل رأسها على كتفه، فعلم أنها ذهبت في ثباتٍ عميق.. 


ظل بجوارها لبعض الوقت قبل أن يدثرها جيدًا بالغطاء و يغادر الفراش، أختفي لدقائق داخل حمام الغرفة، و خرج منه بكامل أناقته، جمع أغراضه و اقترب منها طبع وابل من القبلات المتفرقة على وجهها و شفتيها، تراقص قلبه بفرحة غامرة حين وصل لسمعه همسهما المتأوه بأسمه أثناء نومها.. 


أثلجت قلبه المُتيم بها عشقًا بفعلتها هذه، لجم نفسه و ابتعد عنها بصعوبة بالغة، سار لخارج الغرفة غالقًا الباب خلفه.. 


"عفاف".. نطق بها و هو يدلف داخل المطبخ، تأهب جميع العاملين لوجوده المفاجئ، وقف بينهم بطوله المهيب، و تحدث بصرامته و هو ينظر بساعة يده.. 

"الهانم نايمة محدش يقلقها واصل لغاية ما أروح مشوار و أعاود طوالي.. مفهوم".. 


"مفهوم يا عبد الجبار بيه".. 

قالتها "عفاف " و هي تسير خلفه نحو الخارج، ليكمل "عبد الجبار" حديثه قائلاً بحزم.. 

"لو فاقت هي لحالها اتصلي عليا على طول.. لكن ممنوع حد يصحيها، و إن شاء الله أني هعاود قبل ما تصحي".. 


ذهب و ترك قلبه بحوزتها، على أمل أن يعود قبل أن تستيقظ،لكنه قاد سيارته بالطريق المعاكس لطريق  "جابر"....... 


"قبل أن ألتقيكِ كانت مشاعرى ينفث الموت فيها، فقير العشق بقلب مشقوق، لملمتِ بقايا الروح، جزلتِ لي المشاعر و سهرتِ معي لأتنعم بترف الحُب،


أغفو على سكر من عناقيد العنب المفرطة على شفتيكِ، و أصحو على فنجان عشق، أرتحلتي بمدائني وحدك مشعلة بها حريقي مبتسمة، فاض نهرك لي أنا فقط حتى أرتوي قلبي الأجعف، عشت معك مساءات من الجنون أتمنى لو تدوم، ويدوم لي نبض قلبك"..


 


انتهي الفصل..

هستني رأيكم يا حبايبي، و انتظروا فصل كمان جديد انهارده بأمرالله ..

واستغفرو لعلها ساعة استجابة..


الفصل ال25..

جبر السلسبيل..

✍️نسمة مالك✍️..


"بسم الله الرحمن الرحيم.. لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ".. 


ليست كُلّ القلوب بالقلوب تليقُ فاختر لنفسك شخصًا إذا قَست عليك الأيام يكن لكَ فيه عشمٌ لا يخيب، ‏أختر خليلَ قلبك بحكمةٍ و أعلم أن كل شيءٍ يتغير ويذهب ، الأصدقاء والأحباب والبلاد والأماكن ، الشيء الوحيد الذي يبقى هو الوفاء و الذكريات ..


" خضرا ".. 

تنتظر عودة زوجها بنفاذ الصبر، لم يغمض لها جفن طيلة الليل، تدور حول نفسها في المنزل بأكمله دون هوادة، حتى توقفت أمام المرآة تطلع لانعكاس صورتها، عينيها تذرف العبرات ببطء، نادمة على قرارها الخاطئ كليًا بموافقتها على زواج زوجها من سلسبيل ، تقر و تعترف بأنها صُدمت من كم الألم و الوجع الذي اقتحم قلبها و روحها كلما رأتهما معًا، 


رفعت كلتا يديها وضعتهما على أذنها حين صدح في ذهنها حديث والداتها و نصحيتها لها التي لن ولم تنساها يومًا.. 


..... فلاش باااااااااااك... 


كانت الابنه المدلله، الوحيدة على أربعة رجال، قرة عين أبيها كل طلباتها مُجابة، لا يرفض لها طلب أبدًا،خاصةً أنها تشبهه في الشكل إلى حدٍ كبير أكثر حتي من أشقائها الذكور، ملامحها الرجولية كانت عائق في زواجها، و إقبال العرسان عليها.. 


حتى أتمت عامها السابعة عشر،  بدأت والدتها تفقد صوابها من شدة خوفها على ابنتها، فجميع الفتيات بعمر ابنتها قد تزوجوا و انجبوا طفل و اثنان، و ربما ثلاثة، وابنتها لم يأتي أي مخلوق لخطبتها حتى الآن.. 


"كل البنتة اتچوزت ، و بتي اللي قاعدة قعدة الحزانة يا راضي.. يا خوفي لتعنس و يفوتها قطر الچواز يا خوي".. 


تنهد "راضي" بحزن و هو يقول.. 

"كل شيء بأونه.. ادعيلها يا عديلة ربنا يرزقها بالزوج الصالح".. 


"الزوج الصالح موچود".. نطقت بها "خضرا" بفرحة غامرة فشلت في اخفائها، تأهبت جميع حواس والديها، و تطلعوا لها بلهفة يحسوها على استكمال حديثها، فتابعت بخجل قائلة.. 

"المثل بيقول اخطب لبتك و لا تخطبش لابنك، و أني رايدك تخطب لي يا أبوي ".. 


رمقها والدها بنظرات منذهلة حين وجدها تُكمل بنبرة متوسلة.. 

"ولد صاحب عمرك عبد الچبار المنياوي".. 


أبتسم والدها ببلاهة، و قد راقته فكرتها و عقد عزمه على تنفيذها في الحال لثقته العمياء بحب صديقه له، وأنه لن يمانع هذه الزيجة حتى لو رفض العريس ذات نفسه.. 


"براوة عليكي يا بت يا خضرا.. كيف كانت تايهه من عقلي الفكرة دي".. أردف بها و هو يهب واقفًا و سار تجاه باب المنزله بخطي مهرولة و هو يقول.. 

"أني هروحله دلوجيت و اتحدتت وياه، و هو هيرحب بچوازة ابنه منك يا خضرا و هيأمر ابنه يكتب عليكِ الليلة كمان".. 


"بلاش يا راضي".. نطقت بها "عديلة" بتحذير و تابعت بتعقل قائلة.. 

" الچواز معينفعش نچامل فيه.. لو ولد صاحبك

 اتچوز بتي غصب لاچل ما يرضى أبوه يبجي جلبه عمره ما هيميل لها، هيبجي عايش واياها چته من غير جلب و لا روح، و أول ما جلبه يلاقي اللي يعشجها بتك هتتحرق بنار الغيرة الواعرة اللي مهتقدرتش تتحملها".. 


"وه يا أمه لساتك كنتِ بتبكي و تقولي أني هعنس"..

غمغمت بها" خضرا " وهي تضرب الأرض بقدميها،نظرت لها" عديلة" بأعين دامعه و قالت بصوتٍ اختنق بالبكاء.. 

" أني خايفة عليكي يا بتي.. أيوه رايده اطمن عليكي في دارك مع راچل يعقد عليكِ برضاه لاچل ما يشيلك چوه حباب عنيه و يقفل عليكي برموشه"..


ربتت على كتفها برفق مكملة.. 

"اسمعي حديت أمك يا خضرا.. و بلاش يا بتي منها الچوارة اللي هيبجي العريس مچبور عليكي فيها.. هيچي عليه اليوم اللي جلبه هيعشج غيرك وقتها هتتمني الموت.. هيبجي ارحملك من الوچع اللي هيشج جلبك شج"..


...... نهاية الفلاش باااااك........


" يا ريتني سمعت حديتك يا أمه ".. 

همست بها محدثة نفسها بصعوبة بالغة من بين شهقاتها الحادة، ظلت تبكي لوقت ليس بقليل إلى أن وصل لسمعها صوت بوق سيارة زوجها تعلن عن وصوله.. 


مسحت عبراتها المنهمرة على وجنتيها سريعًا، و رسمت ابتسامة باهته على ملامحها الباكية، و سارت نحو باب المنزل بخطي شبه راكضة.. 


مرت دقائق معدودة كالدهر عليها و هي تقف تنتظر طالته عليها، جسدها ينتفض، و قلبها تسارعت دقاته بجنون من شدة ذعرها من أن يكون حدث بينه و بين ضُرتها ما تخشاه.. 


"أيه اللي موقفك أهنه!!"..

كان هذا صوت "عبد الجبار" الذي تفاجئ بوجودها تقف خلف باب المنزل، لم تنطق بحرف واحد، فقط تنظر له بملامح بدت جامدة، لكنها في الحقيقة تلقت صفعة ادمت قلبها على حين غرة حين لمحت ذلك البريق المتلألئ بعينيه رغم إتقانه الشديد في إخفاء مشاعره.. 


" دخلت على سلسبيل يا عبد الچبار؟؟!"..

قالتها بهدوء آثار الريبة بقلبه، هيئتها و الألم الظاهر على محياها جعل الخوف يزحف لقلبه حين وضع نفسه بمكانها، و تخيل ما الذي تشعر به في هذه اللحظة الأكثر ألمًا في حياتها علي الإطلاق.. 


اقترب منها و هم بضمها لصدره، و هو يقول بهدوء كمحاوله منه لإحتوائها.. 

"خضرا و بعدهالك عاد".. 


"داخلت عليهااااا؟!!!!".. صرخت بها بصوت يملؤه القهر، و الحسرة و هي تتراجع للخلف مبتعده عنه.. 


مسح "عبد الجبار" بيده على شعره بقوة كاد أن يقتلعه من جذورة، و ببوادر غضب قال.. 

"سلسبيل تبجي مراتي ولا ناسية!!!!".. 


"دخلت عليهاااا يا عبد الچبااار".. 

انفجرت بها بصراخ صم أذنيه، و أخرجه عن شعوره فأجابها على الفور بلهجة حادة.. 

"أيوه دخلت عليها يا خضرا".. 


"يا ألف بركة يا والدي".. 

كان هذا صوت "بخيتة" قالتها و هي تهبط الدرج و تطلق سيل من الزغاريد بسعادة و خبث في آنٍ واحد.. 


" مبروك يا أبو فاطمة".. 

أردفت بها "خضرا" و هي تسير من أمامه بخطوات ثابته كما لو كانت تحولت لآله تحت نظراته المشتعلة بالغضب، و الشفقة على حالها.. 


لتجحظ عينيه على آخرها حين وجدها تنظر له بقوة ذائفه، و ألقت على سمعه كلمة لم تخطر على باله أن تنطق بها بيومٍ من الأيام.. 

"طلقني... "... 


............... صلِ على محمد............. 


"جابر".. 


صف سيارته أمام منزل "سلسبيل" حب طفولته، و شبابه، كان قلبه متلهف للقاءها، و فرحته وصلت عنان السماء و هو يري أنه على بُعد بضعة خطوات صغيرة منها، و يصل لها.. 


لكن كل أحلامه تبخرت، ذهبت مع الرياح حين وجد نفسه مُحاوط بمجموعة راجل جميعهم موجهين سلاحهم عليه،و على رأسهم يقف حسان، ذراع" عبد الجبار" اليمين، و الذي يعرفه "جابر" جيدًا، فهو دومًا يقف عائق في طريقه.. 


رمقه "حسان" بنظرة متعجبة و هو يقول.. 

"جاي أهنه عاوز مين يا بيه!!".. 


"أنت بالذات أبعد عن طريقي الساعة دي يا حسان.. أنا الليلادي يا قاتل يا مقتول"..

قالها "جابر" بصوتٍ جوهري يدل على شدة غضبه، و هم بفتح باب سيارته إلا أن "حسان" اغلقها ثانيةً، و تحدث بأسف مصطنع قائلاً.. 

"هتبجي مقتول يا بيه".. 


................. سبحان الله العظيم......... 


" سلسبيل ".. 


لأول مرة تنعم بالراحة، و السكينة جعلتها تغرق بنومٍ عميق، تملمت على الفراش بتكاسل، لفحتها بعض البرودة جراء الهواء المتسلل عبر الأغطية ففتحت عينيها على وسعها حين أدركت نهوض زوجها من جوارها و مفارقته إياها.. 


تلاحقت أنفاسها و لوهله ظنت أنها كانت تتوهم وجوده، و أنه كان بطل إحدي أحلامها كعادته، و أن ما عشته معه مجرد حلم و ستفيق منه تجد نفسها بمفردها.. 


أخذ منها الأمر لحظات حتى استوعبت أن ما تعيشه ليس حلم بل حقيقة، و أنها أصبحت زوجة "عبدالجبار" و تحققت أهم أمانيها، تلفتت حولها تبحث عنه بلهفة.. 


مدت يدها،و تناولت روبها الحريري و ارتدته قبل أن تغادر الفراش، و سارت نحو باب الغرفة فتحته لتتفاجئ بجلوس "عفاف" على مقعد أمامه مباشرةً،

"صباح الخير يا مدام عفاف"..

أردفت بها "سلسبيل" و هي تدور بعينيها في الارجاء بحثًا عن من يمثل الأمان بالنسبة لها.. 


أما "عفاف" فور رؤيتها قامت بأظهار هاتفها و طلبت رقم رب عملها على الفور و هي تقول.. 

"صباح الخير يا هانم.. عبد الجبار بيه جاي في الطريق حالاً ".. 


اتقبض قلب" سلسبيل " حين وصل لسمعها صوت شجار بالخارج، ابتلعت لعابها بصعوبة، و تحدثت بصوتٍ مرتجف قائلة.. 

"أيه الصوت اللي بره ده"..

قالتها و هي تسير بخطوات واسعة تجاه نافذة الغرفة، و قفت خلف الواجهة الزجاجة ذات الميزة اللامرئية التي تتيح للرائي من الداخل فقط تبيّن ما بالخارج، تتابع ما يحدث بأعين مرتعدة، و قلب مذعور حين لمحت شاب ييتعارك بمفرده مع أكثر من رجل بجراءة و مهارة شديدة  ، غير عابئ للأسلحة الموجهه له، و يصيح بجملة واحدة فقط دون توقف.. 

"سلسبيل أنا جابر..... ".. 


انتهي الفصل.. 

هستني رأيكم يا حبايبي.. 

واستغفرو لعلها ساعة استجابة..

تكملة الرواية من هنا 👇👇👇


من هنا

تعليقات

تعليق واحد
إرسال تعليق

إرسال تعليق

التنقل السريع
    close