![]() |
روايه عزلاء أمام سطوة ماله
من البارت الثالث والعشرين حتي الخامس والعشرين
بقلم مريم غريب
( 23 ) "جزء أول "
_ القرصان ! _
علي متن اليخت الذي لم يقلع بعد ... تجلس "سمر" في غرفة النوم الفاخرة متيبسة ، لا تعرف كيف تتصرف
مع أنه ترك لها الغرفة منذ نصف ساعة لتحظي ببعض الخصوصية و تجهز نفسها علي الأقل بما إنها لم تأت بثياب إضافية لتبدل فيها طوال اليوم ..
لكنها مشلولة ، هذا أنسب تعبير لوصف حالتها الآن
عندما يتعلق الأمر به تجد نفسها عاجزة تماما .. عزلاء ، لا تملك ما تدافع به عن نفسها ، لا تستطيع التصرف أو التفكير
فقط كلمته هي التي تطغي علي كل شئ حتي تتحق مشيئته بالنهاية ، فهو يمسكها من اليد التي تؤلمها ..
-طيب و بعدين ؟ هعمل إيه دلوقتي ؟ .. تمتمت "سمر" لنفسها بحيرة شديدة ، ثم قامت من مكانها و أخذت تجوب المكان بنظرها بلا هدف معين
لتقع عيناها علي باب الحمام الموارب ..
مضت إليه بسرعة ... نظرت إلي الخارج عبر النوافذ الدائرية ، لكنها لم تري سوي البحر و السماء
قضي الأمر ، لقد أصبحت تحت رحمته و لا مفر منه أبدا ..
-مين ! .. صاحت "سمر" بذعر حين سمعت طرق علي باب الغرفة ، ليأتيها الرد ساخرا :
-مين إيه يا سمر ؟ هيكون مين يعني ! أنا عثمان.
سمر بتوتر :
-عايز إيه ؟
عثمان بضيق :
-خلصتي و لا لسا ؟ أنا قاعد لوحدي بقالي كتير و زهقت.
-أنا جاية !
تنهد "عثمان" بنفاذ صبر و قال :
-طيب . ما تتأخريش أنا مستنيكي.
و إختفي صوته
لتندفع موجة من الحرارة في جلدها من جديد ..
تنفست بعمق لمرتين ، ثم إتجهت نحو المرايا المتوضعة فوق الرف الطويل
بدا منظرها فوضوي للغاية ، إذ كان شعرها أشعث بسبب يده و أصابعه التي راحت تعبث فيه عندما كانت معه بالخارج ..
وجدت فرشاة الشعر أمامها ، فأمسكتها و أقحمتها بعنف بين لفائف شعرها و أخذت تسرحه حتي صار مرتبا و ناعما كعادته
غسلت وجهها الملتهب بالماء البارد ، فشعرت بإرتياح شديد يغمرها لتلقي المياه علي مؤخرة عنقها أيضا ..
إنتهت من هذا الغسل الجزئي ، ثم عادت إلي الغرفة مجددا
تناولت حچابها من فوق الفراش و لفته حول وجهها .. ثبتته جيدا ، ثم عدلت ثيابها المجعدة
و أخيرا إستعدت للخروج ...
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
ضاقت ذرعا بهذا ... طفح كيلها ، لقد تركته لأيام طويلة علي أمل أن يعود لصوابه و يعتذر منها و يطلبها للإتيان ليُصلح ما أفسده في فورة غضب
و لكنه لم يغعل ، حتي الآن لم يفعل .. و كأن حبه لها لا يعني شيئا ، و كأنه كان مجرد كذبه باتت طي النسيان !
و لكنها لن تقبل و لن تسمح بذلك أبدا ، فهذا ليس قراره وحده هي شريكته و نده في كل شئ مرتبط بهذه العلاقة ..
حسمت "صفية" أمرها و إستفاقت باكرا و ذهبت إلي المشفي ، عقدت العزم و بقوة علي إنهاء تلك المهزلة مهما كلف الأمر
لن ترحل من هنا إلا و هي مهزومة أو منتصرة ، إنما لن تنسحب أبدا ..
فتحت باب غرفته فجأة و دخلت دون أذن ، لينتفض "صالح" و هو يدير رأسه ليري من الذي إقتحم جناحه بهذا الشكل !!
-صفية ! .. هتف "صالح" ذاهلا
و لكن سرعان ما عاد التجهم إلي وجهه و هو يكمل بصلابة :
-إنتي إيه إللي جابك ؟ أنا مش قلت ماتجيش هنا تاني . مش قلت مش عايز أشوفك ؟!
وقفت "صفية" أمام سريره ، ثم قالت بجدية ممزوجة بالصرامة :
-لازم نتكلم يا صالح.
صالح واجما :
-مافيش كلام بينا يا صفية . كل حاجة إنتهت و إنتي عارفة كده كويس.
صفية بإنفعال :
-لأ ده بالنسبة لك كل حاجة إنتهت لكن بالنسبة لي لأ . لأ يا صالح . إنت مش من حقك تقرر مصير علاقتنا لوحدك أنا شريكتك في القرار و لما قرارك مايعجبنيش يبقي مش هيتنفذ سامع ؟؟؟
أشاح بوجهه عنها و هو يقول ببرود :
-أنا مابقتش عايزك يا صفية . إحنا فعلا ماننفعش لبعض زي ما أبوكي قال . هو رأيه كان صح . و أعتقد إنه إتأكد من كده أكتر بعد إللي حصلي.
-يعني ده كمان بقي رأيك يا صالح ؟ .. تساءلت "صفية" بوهن شديد ، و تابعت :
-إنت بجد عايز تسيبني ؟ .. عايز تسيبني بعد كل ده ؟ بعد كل السنين إللي عشناها سوا بنحب بعض ؟ عايز تسيبني بعد ما إرتبطنا رسمي و قدام الناس كلها ؟؟!!
عاود "صالح" النظر إليها ، ثم قال بسخرية :
-بس ماتقوليش بنحب بعض بس . أنا إللي كنت بحبك يا صفية و كنت عارف إنك مابتحبنيش . إنتي عمرك ما حسستيني إني موجود في حياتك أصلا . أنا بالنسبة لك كنت مجرد تحصيل حاصل كأنك كنتي بتقولي لنفسك إللي أعرفه أحسن من إللي ماعرفوش لحد ما يجي الشخص المناسب . كنت متأكد دايما إن هيجي عليكي يوم و هترميني بس أنا بقي فوقت قبل ما تعلميها و سبقتك يا صفية . كنت مغفل .. بس خلاص صحيت من غفلتي.
صفية بصدمة كبيرة :
-هي دي كانت فكرتك عني ؟ . إنت كنت فاكرني وخداك للمنظرة .. ثم صرخت بغضب :
-كنت فاكرني ممكن أبص لحد غيرك و أنا خطيبتك ؟؟؟
صالح بغضب مماثل :
-دي حقيقة مفروغ منها بالنسبة لي . لو ماكنش ده تفكيرك إنتي فأنا متأكد إنه تفكير أبوكي . عمره ما أخد موضوعنا بجدية و دايما بيتعامل معاه بعدم إهتمام كأنه واثق إننا مش هنكمل مع بعض و بردو كنت دايما بحاول أقنع نفسي بالعكس بس دلوقتي خلاص . إللي أنا بقيت فيه خلاني أستخدم عقلي و أشوف الحقيقة زي ما هي منغير كدب و لا تزويق.
-يعني ده أخر كلام عندك ؟ .. تساءلت "صفية" بغموض ، ليرد "صالح" بثبات :
-أيوه يا صفية . أنا سيبتك و إحنا دلوقتي مش أكتر من ولاد عم . ده أخر كلام عندي.
أومأت "صفية" رأسها ، ثم إستدارت و مشت بمنتهي الهدوء نحو النافذة الزجاجية ..
-رايحة فين يا صفية ؟ .. سألها "صالح" بقلق ، لتكمل هي سيرها غير مبالية به
-صفية رايحة فيـــن ؟؟ .. كرر "صالح" سؤاله ثانيةً ، فأجابته ببرود و هي تمد يديها و تفتح النافذة علي مصراعيها :
-إنت بتقول إن كل حاجة بينا إنتهت . و إني إنتهيت بالنسبة لك .. يبقي لازم إنتهي فعلا يا صالح !
و صعدت علي الكرسي لتعتلي السور الرخامي ..
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
في الخارج ... يجلس "عثمان" في إنتظار "سمر" و هو يشعر بالملل الشديد
كان ممسكا بكأس من الڤودكا الممتزجة بعصير الفواكه ، أخذ يتجرعه بفتور و عيناه مثبتتان علي باب الغرفة ..
-أخيـــــرا خرجتي يا بيبي ! .. قالها "عثمان" لحظة خروج "سمر" من الغرفة ، ثم قام و إتجه صوبها و هو يكمل :
-طولتي أووي . كنتي بتعملي إيه كل ده ؟
سمر بإرتباك و هي تتجنب النظر إليه :
-كنت بغسل وشي.
عثمان بدهشة :
-كل ده و كنتي بتغسلي وشك بس ؟ ده أن إفتكرتك بتاخدي شاور ! .. و لفت نظره أنها وضعت الحچاب مرة أخري ، ليقول بدهشة أكبر :
-الله ! لبستي الإيشارب تاني ليه ؟!
سمر بشئ من الإرتباك :
-أنا مش متعودة أقلع الحجاب قدام حد غريب.
عثمان و هو يبتسم بخبث :
-بس أنا مابقتش غريب بالنسبة لك يا سمر . أنا جوزك و إنتي مراتي . و لا ناسية ؟
لم ترد
لتزداد إبتسامته إتساعا و هو يقوم بنزع حچابها مرة أخري ..
-أيووه كده .. تمتم "عثمان" و هو يتأمل شعرها الفاحم الطويل بإعجاب ، ثم تابع :
-شعرك جميل أوي يا سمر . إنتي جميلة .. جميلة أووي .. و جاء ليقبلها ، فأبعدت وجهها بسرعة و هي تقول بإرتباك شديد :
-أنا . أنا لسا . لسا مش مستعدة !
عثمان و هو يرفع حاجبه بسخرية :
-مش مستعدة لإيه ؟ هو أنا هديكي حقنة يا بيبي ؟ ده أنا هبوسك.
سمر بأعصاب تالفة :
-معلش . مش دلوقتي.
تنهد "عثمان" و قال :
-أووك . عشان خاطرك . نصبر شوية كمان .. ثم أكمل بنبرته الخبيثة :
-لسا قدامنا الليلة بحالها !
أجفلت "سمر" خائفة ، ليمسك هو برسغها و يشدها خلفه قائلا :
-طيب تعالي نطلع فوق عشان نتغدا سوا . تحبي تاكلي الأول و لا نطلع باليخت الأول ؟؟
سمر بخفوت :
-إللي إنت شايفه !
-يبقي نطلع باليخت الأول . الأكل في وسط البحر بيبقي أمتع.
و أخذها علي سطع اليخت ..
أجلسها علي طاولة كبيرة مستديرة الحواف ، و ذهب هو إلي غرفة القيادة
و بعد قليل سمعت "سمر" صوت هدير المحركات و شعرت باليخت و هو يتحرك في الماء ..
فيما أظهر "عثمان" مهارة واضحة في القيادة ، حيث أقلع بروية و حرفية شديدة في آن حتي تجاوز مياه المرسي ..
مضي مسرعا إلي الأمام ، و كان اليخت يندفع عبر الأمواج بينما إزداد شعور الخوف لدي "سمر" و لكنه كان خوف مختلف عن سابقه
فقد كانت تخشي السرعة التي يبحر بها و كانت تشعر بقليل من الدوار ، لكنها تماسكت و حاولت أن تركز علي أشياء أخري
نادها "عثمان" عندما إنطلق شرقا في البحر الواسع ، فقامت و ذهبت إليه ..
-تعالي يا سمر . تعالي بصي ! .. قالها "عثمان" بإبتسامة عريضة و هو يمسك بخصرها و يقربها منه ، لتضغط علي أسنانها بقوة و هي تحاول ألا تلتصق به قد إستطاعتها
-عمرك شوفتي كوبري ستانلي من تحت ؟ .. سألها "عثمان" و هو يشير لجسر الإسكندرية المشهور ، لتهز "سمر" رأسها نفيا و تقول :
-أنا عارفة الأماكن هنا و شوفتها من بعيد . بس عمري ما إتفسحت فيها.
عثمان بإستغراب :
-ليه كده ؟
سمر بإقتضاب :
-بابا الله يرحمه كان دايما مشغول و ماما طول عمرها بتخاف عليا و ماكنتش بخرج لوحدي . و هما الإتنين مالهمش في جو الفسح ده.
عثمان بتفهم :
-إممم فهمت . عموما و لا يهمك يا حبيبتي . أنا هاعوضك و هحققلك كل أحلامك .. ثم ألصق فمه بخدها يلثمه بعمق ، لتظهر علامات الأشمئزاز علي وجهها فورا و تجاهد و هي تحاول أن تداريها قبل أن يلاحظها
لكنه لاحظ شيئا أخر و قال بضيق شديد :
-بردو لابسة الإيشارب ؟ لبستيه تاني ليـــــه ؟؟؟
سمر بنبرة مستهجنة :
-ألبسه طبعا . إحنا مش لوحدنا دلوقتي و أي حد حوالينا ممكن يشوفني.
عثمان بنفاذ صبر :
-ماشي يا سمر . علي راحتك.
مضي بعض الوقت و هو يتجول بها في إنحاء المدينة كلها ، و قد مرا علي مناطق عديدة كلها يفوح فيها عبق التاريخ
كـخليج أبي قير و سيدي جابر و قصر المنتزه الذي كان في القديم أحد القصور الملكية الفاخرة
وصولا إلي الأحياء الراقية بصورة عالية جدا ، و منها حي زيزينا الساحر ، و حي جليم الذي نشأ و كبر فيه ..
-شوفي يا سمر .. صاح "عثمان" و هو يشير لها بسبابته نحو قصر ضخم يعد تحفة فنية فريدة ، ثم أكمل بتفاخر :
-ده قصر البحيري . ده بيتي.
و نظر لها ليري ردة فعلها ، لتبتسم "سمر" بخفة و هي تسخر منه بشدة في قرارة نفسها ..
مرت بضعة دقائق أخري ، راحت أنوار المدينة و البنايات الضخمة تتلاشي قليلا عندما أخذ "عثمان" يبتعد حتي توقف في منطقة بعيدة
و فجأة بات كل شئ هادئ و ساكن حولهما ، فقط أصوات الأمواج و حركة اليخت الخفيفة ..
-خلصنا لف ! .. قالها "عثمان" بإبتسامة ، و أردف :
-إيه رأيك ناكل بقي ؟ أنا موصي علي غدا هيعجبك أوي . هو أكيد برد بس لو حابة تسخنيه أنا ممكن أساعدك ماعنديش مانع.
سمر بتوتر :
-لأ . مش مهم . عادي أنا أصلا مش جعانة أوي.
-لا لا لا مافيش الكلام ده يا بيبي . هتاكلي معايا . يلآااا .. و جرها خلفه للخارج ، ليجلسا قبالة بعضهما علي الطاولة
و في الهواء الطلق ، أخذ "عثمان" يكشف عن الصحون المغطاة بالآواني الزجاجية
لتظهر أطباق كبيرة الحجم بها مختلف المأكولات البحرية بكافة أنواعها ..
-يلا كلي بقي .. قالها "عثمان" بضيق ، و أكمل :
-مابحبش آكل لوحدي !
أومأت برأسها موافقة
و أمسكت بالملعقة و كادت تقرب لها صحنا ، ليدق هاتفهها في هذه اللحظة ، فتخرجه من جيب ردائها الصوفي و تنظر لإسم المتصل ..
-مين بيتصل يا سمر ؟ .. سألها "عثمان" بفضول حين رآي علامات الذعر ترتسم علي وجهها
بينما وثبت من مكانها في الحال و ضغط زر الإجابة ، و ردت :
-أيوه يا فادي !
فادي بلطف :
-إيه يا حبيبتي . فينك دلوقتي ؟ وصلتي المستشفي ؟
سمر بإرتباك خفيف :
-أه يا حبيبي وصلت من بدري .. أومال أنت فين كده ؟!
-أنا في الجامعة . لسا الإمتحان فاضله ربع ساعة قاعد بقي براجع مع صحابي.
-ربنا يوفقك يا حبيبي و يجعلك الصعب سهل . إبقي طمني بقي لما تخرج.
فادي بحب :
-حاضر يا حبيبتي . إدعيلي إنتي بس و بوسيلي البت لوكا بوسة جامدة أوي عشان وحشاني.
-ماشي يا حبيبي .. ماشي .. يلا .. مع السلامة.
و حالما أغلقت الخط ، تطلعت إلي "عثمان" و صاحت :
-نزلني !
عثمان بإستنكار :
-نعم ؟ قولتي إيه ؟!
سمر بجدية :
-قلت نزلني . أنا عايزة أرجع دلوقتي رجعني حالا.
عثمان بحدة :
-أرجعك إيه هو لعب عيال ! إهدي كده يا سمر و أقعدي مكانك . أنا مش فاهم إنتي جرالك إيه فجأة !!
صرخت فيه :
-نزلنــــي !
قام "عثمان" من مكانه و هو يقول بغضب شديد :
-إهدي و وطي صوتك ده . في إيه ؟ حصل إيه لكل ده ؟؟؟
صرخت بقوة أكبر :
-نزلنـــــــــــــــــــــــي !
عثمان منفعلا :
-إنتي مجنونة أنزلك إزآاااي ! هو إحنا ماشيين عالكورنيش ؟ إحنا في عرض البحر !!
سمر بتهديد :
-لو مانزلتنيش هرمي نفسي في البحر.
عثمان بذهول :
-لأ إنتي إتجننتي فعلا .. ثم تحول فجأة و غمغم بحدة شديدة :
-أو بتلاعبيني . بس مانصحكيش . إنتي مش أدي يا سمر !
نظرت له بخوف ، لكنها قالت بتصميم :
-أنا عايزة أرجع . نبقي نتقابل مرة تانية بلاش إنهارد آا ..
-مافيش رجووع .. قاطعها بصرامة شديدة ، و تابع بغضب :
-إنتي عايزة ترجعي في كلامك ؟
سمر بتردد :
-لـ لأ . بس ..
-بس إيه ؟ أنا قولتلك إني مابحبش الغصب . و عمري ما هجبرك علي حاجة .. ثم أكمل بمكر :
-بس لو رجعتي في كلامك أنا هزعل . و زعلي وحش أووي يا سمر .. مش عايزك تجربيه.
صمتت "سمر" أمام تهديده الصريح ..
هو محق ، بإستطاعته فعل الكثير .. إذا لم يؤذيها هي فربما يفعلها مع أخيها أو أختها ، و هي لن تتحمل ذلك
لن تتحمل ذلك أبدا !!
-قولتي إيه ؟ .. تساءل "عثمان" بنبرة هادئة للغاية ..
-لسا عايزة ترجعي ؟ أنا تحت أمرك.
أغمضت عيناها بشدة و خرجت الإجابة من فمها تزخر بالقهر الشديد :
-لأ .. مش عايزة أرجع !
يتبــــــع ...
( 23 ) "جزء ثاني"
_ غادر ! _
تصرفت بجنون مطلق ... عندما وقفت علي السور الزلق بحذائها ذي الكعب العالٍٍ غير آبهة بنداء "صالح" المتواصل ، فقد وجدت متعة شديدة في ترويعه و إخافته
و كأنها ترد له ما فعله بها و لكن بطريقة أكثر قسوة ..
-إنزلــــــــــي يا مجنوووونة ! .. صاح "صالح" بعصبية للمرة العاشرة حتي الآن ، لتبتسم "صفية" بإستفزاز قائلة :
-مش هنزل يا صالح . إنت إللي حكمت عليا بكده . يبقي بتلومني و عايز تمنعني ليه ؟!
صالح و هو يزدرد ريقه بقلق :
-صافي من فضلك إنزلي . ماينفعش تهزري في حاجات زي دي . إنتي عارفة إحنا في الدور الكام ؟
أومأت "صفية" و هي تجيبه ببرود :
-أيوه عارفة . في الدور الـ20 !
صالح بإنفعال :
-يبقي بطلي جنان و إنزلي . إنزلي حالا . دلوقتي يا صافي.
صفية بعناد :
-لأ يا صالح . مش هنــــزل ريح نفسك . أنا قررت مصيري زي ما إنت قررت مصير علاقتنا بالظبط !
صالح بعصبية مفرطة :
-صفيـــــــــة بقولك إنزلــــي . إنزلــي دلوقتي ماتجننيش.
صفية بإبتسامة باردة :
-باي يا صالح !
و مدت ساقها للأمام ، ليصرخ "صالح" بقوة و هو يحاول النهوض من السرير :
-لأااااااااااااااااااا !
و بكل ما فيه من غضب و كره للعجز الذي أصابه ، تحرك بعنف
ليسقط من فوق السرير و هو يتآوه بآلم شديد ..
-صالــــــــــح ! .. صرخت "صفية" بهلع و هي تنزل عن السور و تركض ناحيته
ركعت علي ركبيتيها بجواره و رفعت رأسه عن الأرض قائلة بخوف :
-صالح حبيبي .. إنت كويس ؟ إنت كويس يا حبيبي ؟ رد عليا !
و إختنق صوتها فجأة حين ذرفت عيناها الدموع ، ليرد "صالح" بصوت متألم :
-إنتي مجنونة آااه . إيه إللي كنتي عايزة تعمليه ده ؟ حرآاام عليكي كنتي هتموتيني.
صفية بإبتسامة ممزوجة بدموعها :
-خفت عليا يا صلَّوحي ؟!
صالح بضيق :
-صلَّوحك إيه و هباب إيه بقي ؟ .. أنا كنت ناقص يا صفية ؟ جيتي تكملي عليا !
صفية بحزن شديد :
-أنا ماقدرتش أبعد عنك أكتر من كده . و كنت كل يوم بستناك تكلمني تقولي وحشتيني تعالي أنا آسف .. بس ماكنتش بتتصل يا صالح . فصممت أجي و أوضع حد للسخافات بتاعتك دي.
صالح بحدة :
-تقومي تعرضي نفسك للخطر ؟ إنتي إتهبلتي ؟!
صفية بغضب :
-كنت عايزني أعملك إيه يعني ؟ كنت عايزني أثبتلك إزاي إني بحبك بجد ؟ إنت ظلمتني و رفضت تسمعني . أول مرة أشوفك قاسي بالشكل ده !
صالح بسخرية :
-بتتكلمي عن القسوة ؟ و إللي إنتي كنتي فيه معايا ده كان إسمه إيه ؟ ده إنتي عمرك ما بليتي ريقي بكلمة حلوة.
صفية بتبرير يشوبه بعض الإرتباك :
-آا إنت . إنت عارف . عارف إن أنا بتكسف و آا ..
-بتتكسفي ! .. هتف بدهشة و تابع :
-ليه أنا كنت بقولك كلام أبيح ؟ ده أنا طول عمري كنت حريص في التعامل معاكي و إنتي دايما كان إسلوبك واحد . النشفـــــــــان . عمرك ما قولتيلي كلمة حلوة يا صفية.
صفية بإنزعاج :
-خلاص بقي يا صالح . إنسي . إنسي عشان خاطري . و أنا أوعدك إني هتغير و هاهتم بيك أكتر بكتير من الأول.
صالح بجدية :
-الإهتمام مابيطلبش يا صافي . الإهتمام لازم يكون نابع من جواكي و لازم تكوني حباني عشان تقدري تاخدي بالك كويس و إنتي بتتعاملي معايا . تعرفي إيه إللي يجرحني و إيه يزعلني منك بجد.
صفية بصدق و نبرة حزينة :
-أنا بحبك.
تنهد "صالح" بثقل ، و قال :
-و للآسف أنا كمان لسا بحبك !
-للآسف ! .. غمغمت "صفية" و هي تضربه بخفة علي صدره ، ليبتسم نصف إبتسامة و هو يقول :
-أه للآسف . بجد كان نفسي أكرهك أوي و أبطل أحبك .. بس إكتشفت إن الحكاية مش بالسهولة دي أبدا يا صافي.
إبتسمت "صفية" بسعادة شديدة ، ثم قالت و وجنتها تتوردان خجلا :
-و أنا إكتشفت إني مش بس بحبك . ده أنا طلعت بموت فيك و أنا مش واخدة بالي . كنت هتجنن بجد كنت هتجنن طول الأيام إللي إتخاصمنا فيها . لا كنت عارفة آكل و لا أشرب . حتي عنتر أهملته جدا و مابقتش أسأل فيه زي الأول.
صالح بضيق شديد :
-ياااادي عنتر و سنين عنتر . أقسم بالله حاسس إن نهايتي هتكون علي إيده في يوم.
صفية و هي تضحك برقة :
-بعد الشر عنك يا قلبي . ده أنا أضربه بالنار لو بس حاول يخربشك.
صالح بعدم تصديق :
-بجد ؟ بجد يا صافي ؟ ممكن تضحي بعنتر عشاني.
-أيوه يا حبييي . حد قالك إن عنتر ده يبقي عمرو إبن أختي ؟ ده مجرد حيوان بعطف عليه .. ثم قالت بجدية :
-المهم إن إنت سامحتني . مش كده يا صالح ؟!
صمت قصير ... ثم قال "صالح" بإبتسامة :
-مابعرفش أزعل منك أبدا.
صفية بإبتسامة حب :
-حبيبي يموووت فيك و الله . كده بقي أقدر أرجع أزورك كل يوم و إبقي معاك و إنت في جلسات العلاج.
تجهم "صالح" فجأة عندما جاءت علي ذكر العلاج ، لتكمل "صفية" بجدية ممزوجة باللطف :
-إنت أخدت وقت كتير أوي يا صالح . لازم تبدأ . عشان خاطري . بلاش تعاند . أنا واثقة و متأكدة إن ربنا هياخد بإيدك و هتتحسن و هترجع أحسن من الأول كمان.
-أنا مش عايز أتعلق بأي أمل يا صفية ! .. قالها "صالح" بلهجة حزينة للغاية ، و تابع :
-مش عايز أحلم بحاجة و أصحي في الأخر علي كابوس . أنا كده كويس.
صفية بإستنكار :
-إيه إللي إنت بتقوله ده ؟ كلامك ده ماينفعش علي فكرة و مش منطقي . ده إسمه إستسلام يا صالح و أنا مش هسمحلك تعمل كده .. ثم قالت بصرامة :
-إسمع . إنت هتتعالج و هتبقي كويس . و غصب عنك هكون فوق راسك ليل و نهار لحد ما تقف علي رجليك فاهم ؟
صالح بإبتسامة :
-فاهم.
و هنا دخل الطبيب ، ليجدهم علي هذا الوضع الغريب ..
-إيه ده يا صالح بيه ! حضرتك وصلت للأرض إزاي ؟؟؟؟
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في يخت "عثمان البحيري" ... تحديدا عند بنش البـار في الطابق الثاني
يدق هاتف "سمر" و هي تجلس مع "عثمان" في هذا المكان علي مضض ..
بينما يتآفف الأخير بضجر قائلا :
-و بعدين بقي في موبايلك ده ! من الصبح مابطلش رن !!
تجاهلته "سمر" و ردت بصوت هادئ :
-ألو يا فادي .. كويسة يا حبيبي .. أيوه . أيوه إتعشيت .. إنت أكلت و لا لسا ؟ .. هتلاقي الغدا في التلاجة عندك . في تاني رف علطول .. بالهنا و الشفا يا حبيبي .. إن شاء الله علي بكره الصبح .. لأ مش هتأخر .. هنفطر سوا بإذن الله .. ماشي يا حبيبي .. يلا تصبح علي خير.
-لازم تدي لأخوكي تقرير مفصل كل ساعة يعني ؟ .. تساءل "عثمان" بسخرية ، ثم شرب ما تبقي في كأسه دفعة واحدة
لتجيبه "سمر" و هي تشعر بالملل و الضيق الشديد من رفقته المنفرة :
-أخويا و بيطمن عليا . حاجة ماضايقنيش.
عثمان بحدة :
-بس تضايقني أنا . أنا مش عارفة أتكلم معاكي كلمتين علي بعض من ساعة ما جينا . إقفلي الموبايل ده من فضلك.
سمر بإستنكار :
-مش هينفع لو فادي إتصل و لاقاه مقفول هيقلق و ممكن يعمل أي حاجة.
عثمان بغيظ شديد :
-يعني هنفضل كده طول الليل ؟ كل عشر دقايق ألاقي موبايلك بيرن ! بالشكل ده اليوم كله هيروح علي مافيش.
سمر بتوتر :
-هـ هو خلاص مش . مش هيتكلم تاني . لازم ينام بدري عشان عنده إمتحان الصبح.
تنهد "عثمان" و قال :
-يا مسهل . أما نشوف ! .. ثم أردف و هو يصب لها كأسا :
-يلا بقي إشربي معايا بقالي كتير بتحايل عليكي . إشربي ماتخافيش مش هيحصلك حاجة.
سمر بحدة :
-قولتلك مش هشرب خمرة . مستحيل أدوقها حتي.
عثمان و هو يحاول إقناعها :
-يا بيبي ماتبقيش خوافة كده . و بعدين الكاس مليان عصير و أنا يدوب حطيتلك شوية ڤودكا صغيرين . يلا بقي إشربي . صدقيني طعمه هيعجبك أوي.
سمر برفض قاطع :
-لأاااااا.
عثمان بضيق :
-طيب بلاش ده . هحطلك ليكور . ده مشروب خفيف و مناسب ليكي أوي مش هتسكري و الله ماتخافيش.
و هم ليصب لها من هذا المشروب ، لتصيح بحدة شديدة :
-قلت مش هشرب خمـرة . مش هشـــــــــــــرب.
عثمان بنفاذ صبر :
-أووك .. براحتك يا سمر.
و أخذ الزجاجة ليملأ كأسه الفارغ و يشرب هو من دونها
لكنه لم يفرط في الشراب كثيرا حتي لا يثمل و تنتهي الليلة التي خطط لها قبل أن تبدأ ..
-أنا قولتلك قبل كده إني كنت متجوز صح ؟ .. قالها "عثمان" بتساؤل ، لترد "سمر" بإقتضاب :
-أيوه قولتلي.
عثمان و هو يلهو بكأسه :
-ممم .. بس لسا ماقولتلكيش أنا طلقتها ليه !
سمر و هي تهز كتفاها بعدم إكتراث :
-عادي . أنا مش مهتمة أعرف.
عثمان بإبتسامة خفيفة :
-بس أنا عايز أحكيلك.
صمتت "سمر" و لم ترد ..
ليبدأ "عثمان" روايته :
-چيچي .. چيچي الحداد . بنت الحسب و النسب . أبويا هو إللي إخترهالي . قالي أبوها عنده نفوذ و جوازي منها هيضيف لعيلتنا كتيــــــر .. سمعت كلامه و خطبتها . 6 شهور و أنا معاها . ماحستش إني بحبها و لا إن في قابلية إني ممكن أحبها حتي . هي حلوة و كل حاجة . لكن أنا كنت قافل منها مش عارف ليه . بس برغم كده كملت معاها و قلت مش مهم الحب و خليني راجل عملي أحسن .. بس إتفاجئت قبل فرحنا بإسبوع واحد إنها بتخوني . شوفتي جرأتها ؟ نامت في حضن عشيقها قبل فرحها بسبعتيام و كانت عايزة تنام في حضني أنا و هي فاكرة إنها إستغفلتني .. ثم قهقه فجأة ، و أكمل بإسلوبه الشيطاني :
-المشكلة إني إبن أبلسة أصلا و أنا عارف كده كويس عشان كده ماعرفتش تضحك عليا .. عارفة عملت فيها إيه يا سمر ؟
رمقته "سمر" بوجوم تام و قد إزداد رعبها إزاءه ، ليكمل هو بإبتسامته الشريرة عندما أطالت في صمتها :
-صورتها و هي في حضن حبيب القلب . عندي ليها حتة CD يساوي مبلغ و قدره لو حبيت أستندل معاها أوي و أبيعه لأي منافس من منافسين أبوها هيجبلي ثروة في ساعة زمن مافيش غيرها.
-و إنت بجد ممكن تعمل حاجة زي دي ؟ .. تساءلت "سمر" بذهول شديد
بينما زم "عثمان" شفتاه ، ثم قال بمكر :
-و الله كل شئ وارد . ممكن بنسبة 90% الـCD ده يطلع في يوم من الأيام !
سمر بعدم تصديق :
-بس دي كانت مراتك . و غير كده دي بنت .. معقول هتآذيها بالطريقة دي ؟؟؟
عثمان بسخرية :
-دي واحدة خاينة . تستاهل الموت . آذيتي ليها بحاجة زي دي هتبقي أقل واجب ممكن أعمله معاها .. ثم غير مجري الحديث و قال مبتسما بخبث :
-خلاص بقي كفايانا كلام لحد كده . تعالي نطلع أوضتنا . عايزك تعرفي إنك أول واحدة تحط رجليها في اليخت ده .. هو عزيز جدا عليا . عشان كده مش أي حد ممكن يدخله !
و قبض علي يدها بقوة ، لتنتفض و هي تنظر له بخوف ..
-إيه يا سمر ! خايفة ؟ .. سألها "عثمان" بمكر ، لترد بشئ التوتر :
-لأ . مش . مش خايفة !
-طب يلا . تعالي معايا.
و شدها خلفه إلي غرفة النوم في الطابق العلوي
أغلق الباب و إلتفت إليها ..
بينما وقفت "سمر" مسلفة إليه ظهرها .. أعصابها مشدودة تكاد تكون علي حافة الإنهيار ، و الغرفة شديدة الدفء بعكس الجو العاصف بالبرودة في الخارج
لم تسمعه و هو يقترب منها ، لكنها شعرت بيداه و هما تحطان علي وسطها ..
فأحست أن كل عصب في جسدها صار مثل سلك كهربائي حي
إرتجفت بقوة ، ليطوقها هو بذراعيه و يلصق ظهرها بصدره قائلا بصوت متمهل :
-سمر .. ماتخافيش يا حبيبتي .. إنتي في إيد أمينة !
و مست شفتاه رقبتها ، تحت أذنها تماما ..
دغدغت أنفاسه الحارة عنقها ، فتململت قليلا محاولة الفكاك منه ، ليتركها هو بحركة مفاجئة و هو يقول بصوته العميق :
-يلا بقي .. إقلعــــــــي !
ضربها الرعب عند نطقه بها ، فإبتلعت ريقها بصوت مرتفع و هي تنظر له بذعر شديد ..
-إيه مستنية إيه ؟
سمر بإرتباك و قد تسارع وجيب قلبها بسرعة مميتة :
-آا أنا . أنا .. لأ . لأ مش . مش هقدر !
و راحت تهز رأسها سلبا بلا توقف ، ليقترب منها بخطوة و يمسك بوجهها قائلا بهدو :
-إهدي . إهدي يا حبيبتي . أنا معاكي أهو واحدة واحدة .. مش مستعجل.
و أمسك بسحاب ردائها و أنزله ، ثم قال بخفوت :
-يلا . كملي إنتي بقي.
حاولت "سمر" بصعوبة ... و لكنها لم تستطع !!!
-لأ .. صرخت برفض
ليتنهد "عثمان" بصبر ، ثم يقول بإقتراح :
-طيب .. عندي فكرة . أنا هطفي النور . تمام . و مش هفتحه خاااالص .. و إنتي خدي راحتك علي الأخر . بس ما طوليش أوك ؟ عشان أنا بمل و أنا لوحدي . إتفقنا ؟!
أومأت "سمر" ببطء
فذهب هو و أطفأ نور الغرفة ... ليسألها بعد خمسة دقائق بالضبط :
-ها .. خلصتي خلاص ؟
سمر بنبرة مهزوزة :
-لـ لـ. آ. ـ..ـسا لسـ.ا !
و بعد ثلاث دقائق إضافية :
-هاااااه ! .. لم يصدر عنها صوت
فإلتوي ثغره بإبتسامته الشيطانية ، ليغدرها و يضئ النور فجأة ، فينكشف له كل شئ ..
و هنا صرخت "سمر" ملء حنجرتها و هي تقول :
-يا كدااااااااااااااااااب . يا حيوااااااااان كدبت علياااااا كدبت عليااااااااااااااااا.
و أصابها الجنون و هي تحاول أن تستر ما ظهر منها دون فائدة ، فحاولت أن تشد ملاءة السرير ، لكنه قبض علي ذراعيها و هو يقول بنعومة خبيثة :
-تؤ تؤ تؤ .. إوعي يا بيبي . إوعي تستخبي مني . إوووعـــــي !
ثم شدها برفق و حزم في آن نحو الفراش الأكثر عمقا !!!!!
يتبــــع ...
( 24 )
_ آثمة ! _
كانت الشمس حارة علي جلد ظهرها المكشوف فإيقظتها عند الصباح ... بل لعله قبل الظهر بقليل ، ليست متأكدة !
لكنها كانت متأكدة تماما من أشياء أخري ، مثلا كانت تعرف تماما أين هي ..
تلك الغرفة المتألقة بسريرها العريض الوثير مع شلال من ضوء الشمس اللامع يدخل من النافذة المفتوحة
لم تستطع أن تفتح عينها ..
فقد كانت تعيسة و مكسورة فلم ترغب في زيادة الأمر .. ما كانت تسمع أي صوت غير صوت الأمواج في الخارج ، و صوت تنفسه الثقيل ، و صوت قلبها
بعد قليل وجدت أن التظاهر بالنوم ليس حلا جيدا للهروب من الواقع
يجب أن تستيقظ لترحل من هنا بسرعة ، لتعود إلي بيتها مجددا و تبتعد عنه ..
فتحت عيناها بتثاقل فكان أول ما شاهدته وجهه المشعر بلحيته الكستنائية
أطلقت شهقة مكتومة و هي تنظر له ، فرغم أنه كان نائم و قد بدا شكله مسالما تماما كالأطفال ، لكن مجرد رؤيته علي أي وضع أمر يبث الذعر فيها بقوة و خاصة بعد الليلة الماضية ..
إنزلقت بحذر من السرير ، لتجد قميصها القطني ملقي تحت رجليها تماما
أخذته و قامت بإرتدائه بسرعة ، ثم هربت إلي المرحاض الملحق بالغرفة ..
وقفت تحت رذاذ المياه الساخنة لتستحم و تزيل آثاره الكريهة من عليها
و لكنها كانت تعلم جيدا أنها لن تستطيع محو أي شئ فعله هو أو فعلته هي من داخلها مهما حاولت ..
إنتهت من حمامها ، و راحت تنظر إلي جسدها في المرآة الكبيرة
بالطبع كانت الهالات السوداء تحيط بعيناها ، و بخلاف هذا كانت شفتاها متورمتين قليلا ، و كانت المنطقة بين رقبتها و صدرها مزينة ببقع من اللون الأحمر و البنفسجي ..
-يانهارد إسود ! .. تمتمت "سمر" بخوف ممزوج بالتوتر الشديد و هي تتلمس تلك البقع بأناملها
ماذا لو شاهدها "فادي" ! .. ماذا ستقول له ؟ .. كيف ستبرر ظهور علامات كهذه ؟؟؟
هو ليس غبي بالتأكيد ، و إذا لمح شيئا كهذا لن تنطلي عليه أي كذبة تختلقها و سيعرف فورا السبب و ينكشف كل شئ
تنهدت "سمر" بضيق و هي تشد علي قبضتيها بقوة و تدعو في سرها ألا تزداد مصائبها أكثر من ذلك ، فإذا حدث شيئا أخر و لو صغيرا لن تتحمل أبدا .. ستنهار ..
إرتدت قميصها القطني مجددا و عادت إلي الغرفة
لتجده قد إستيقظ و يجلس مسترخيا في السرير يدخن سيكارته بفتور شديد
إرتعشت و هي ترمقه بنظرة جانبية و بحركة غريزية أحاطت كتفيها العاريين بذراعيها ، ثم إنطلقت لتنقب عن بقية ملابسها وسط كومة الثياب المتناثرة فوق الأرض ..
-صباح الخير يا سمر ! .. قالها "عثمان" بصوت ناعم ، لترد "سمر" بإقتضاب :
-صباح الخير.
كان صوتها متحشرجا بعض الشئ ، فسألها بقلق مصطنع :
-مالك يا حبيبتي ؟ إنتي تعبانة و لا إيه ؟ إوعي تكوني أخدتي برد !
حمحمت "سمر" لتنظف حنجرتها ، ثم قالت :
-أنا كويسة.
و باشرت بإرتداء ملابسها علي عجالة ، بينما أطفأ "عثمان" السيكارة ، ثم قام بتكاسل و توجه صوبها ببطء
لتدير له ظهرها بسرعة و هي تغمض عيناها بشدة متمنية ألا يضع يده عليها الآن
لا تريده أن يلمسها مجددا ..
لكن أملها قد خاب ، لأنه لمسها فعلا
أمسك بكتفيها ، و أقحم وجهه في شعرها المبتل الذي تفوح منه رائحة الصابون الفاخر ممتزجة برائحتها الطبيعية الطيبة ..
تنشق خليط العبير هذا بقوة ، ليشعر بالإنتشاء و يهمس في أذنها بعذوبة :
-ماعندكيش فكرة أنا إتبسطت أد إيه إمبارح ! .. إنتي تجنني يا سمر . بجد عمري ما حسيت كده مع أي واحدة قبلك .. إطلبي مني إللي إنتي عايزاه . أي حاجة نفسك فيها هعملهالك . إحلمي.
سمر بإزدراء :
-ليه ده كله ؟!
عثمان و هو يسير بكفاه صعودا و هبوطا علي كتفيها بهدوء و رقة :
-إنتي إدتيني متعة ماكنتش أحلم بيها و نستيني الدنيا بحالها . نسيت معاكي حاجات كتيييير أوي . إنتي بقيتي حاجة Especially بالنسبة لي خلاص و أنا عايز أكافئك.
سمر و هي تذكره بجمود :
-علي فكرة أنا ماعملتش أي حاجة . إنت إللي عملت كل حاجة.
ضحك "عثمان" بخفة ، ثم قال بخبث:
-أيوه عارف . بس ده مايمنعش إنك جامدة أووي بردو و تتاكلي من أي حتــــــــــة !
تنشجت "سمر" بعصبية و إلتفتت له و هي تقول بغضب شديد :
-بقولك إيه ! ماتكلمنيش بالإسلوب ده تاني سامع ؟ أنا مابحبش كده و مابحبش أسمع كلام زي ده . إوعي تقولي كده تاني.
عثمان بإبتسامة مرحة :
-إيه يا بيبي حصل إيه بس ؟ هو أنا قلت حاجة وحشة ؟ ده أنا بمدحك !
سمر بإنفعال :
-مش عايزاك تمدحني.
عثمان بضحك :
-طيب طيب . خلاص ماتضيقيش هبقي أخد بالي من كلامي بعد كده .. ثم قال بجدية :
-يلا بقي معايا علي المطبخ عشان نعمل الفطار سوا أحسن أنا ميـــــــت من الجوووع.
و أمسك بيدها ليخرجا معا ، لكنها شدتها منه بقوة و هي تقول :
-لأ مش هينفع . أنا لازم أرجع دلوقتي حالا . قلت لفادي إني هرجع بدري و هفطر معاه.
عثمان بإستنكار :
-ترجعي إيه ! إنتي فاكرة إننا هنرجع إنهاردة أصلا ؟ أنا عامل حسابي علي يومين !!
سمر بحدة :
-بس أنا مش عاملة حسابي و لازم أرجع بسرعة و إلا كل حاجة ممكن تتكشف.
عثمان بضيق :
-اففف بقي . كده ماينفعش خــــالص علي فكرة شوفي حل في قيودك دي أنا مابعرفش أصبر كتير.
لم ترد عليه ... فإستطرد بحنق :
-أوك هنرجع . بس إعملي حسابك المرة الجاية هتقضي معايا كام يوم مش بس يومين فاهمة ؟
حدجته بمقت شديد ، ثم إبتعدت عنه و أخذت تكمل إرتداء ملابسها
بينما زفر هو بنفاذ صبر و ذهب ليرتدي ملابسه هو الأخر علي مضض ...
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في قصر آل"بحيري" ... أخذ "مراد" يختبر شاحن هاتفهه المرة تلو المرة دون فائدة ، فقد إنتهي عمره الإفتراضي و أصبح تالفا
يتآفف بضيق ، ثم لا يجد بديل سوي "عثمان" ..
حتما لديه شاحن مثل هذا و لا مشكلة إذا إستعاره حتي يشتري واحد جديد
خرج "مراد" من الغرفة المخصصة له ، ثم ذهب إلي غرفة "عثمان"
فتح الباب ليجد "هالة" بالداخل ..
كانت متكئة علي سرير إبن عمها و ممسكة بقميصه تحتضنه بحب و تتشمه بهيام
إنتفضت حين إقتحم "مراد" الغرفة فجأة و بسرعة رمت القميص من يدها و قامت و هي لا تعرف كيف تبرر وضعها !!!
-هالة ! .. هتف "مراد" بدهشة ، و تابع :
-إنتي بتعملي إيه هنا ؟
هالة بإرتباك شديد :
-آاا آا أنـ أنا كـ كنت بـ بدور علي عثمان . كنت عـ عايزاه في حاجة مهمة !
مراد بنبرة تشكك :
-عثمان مش هنا من إمبارح.
كانت تعلم هذا ، لكنها لا تجهل سبب غيابه ، فتساءلت :
-أومال هو فين طيب ؟
مراد و هو يهز كتفاه بخفة :
-ماعرفش . مارضيش يقولي بس قالي راجع بعد يومين.
أومأت "هالة" بتفهم ، ثم قالت بإبتسامة متوترة :
-أوك . أنا . أنا هروح علي أوضتي دلوقتي بقي و لما يرجع هبقي أشوفه !
و خرجت مسرعة ..
ليقطب "مراد" بإستغراب و يفكر بصوتٍ عالٍ :
-هو إيه إللي بيحصل ؟ .. هالة تيجي ليه لحد أوضة عثمان ؟ .. ماتكلموش في التليفون ليه مثلا ؟ و إتخضت ليه لما شافتني !!
ثم مط شفتاه بعدم إهتمام و مضي يبحث عما جاء من أجله ...
••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
علي رصيف المرسى ... يقف "عثمان" و يسلم مفاتيح اليخت للسائس "ناجي" ثم يأخذ "سمر" و يذهبا إلي حيث ترك سيارته
إستقلا بجانب بعضهما ، ليقلع "عثمان" بروية في بادئ الأمر ، ثم يزيد السرعة لتبلغ الحد الغير مسموح به قانونيا ..
-ممكن تهدي السرعة شوية من فضلك ! .. غمغمت "سمر" و هي تنظر بهلع إلي الطريق و السيارات التي تجري من جانبهم في إتجاه معاكس
بينما رد "عثمان" بإبتسامة عريضة :
-بتخافي من السرعة يا سمر ؟ دي أمتع حاجة في الدنيا و بتدي ثقة في النفس أوي.
سمر بنبرة مرتعشة :
-لو سمحت هدي السرعة !
كان الهواء يصفق وجهها بمدي سرعة السيارة و كانت عيناها تحترقان ، لكن رغم ذلك أبقتهما متسعتين
بينما ضحك "عثمان" منها ، ثم إمتثل لرغبتها في الأخير و قلل من سرعة السيارة إلي حد مناسب جدا ..
-هاه ! . كده معقول ؟ .. سألها بنبرة ودية ، لتومئ دون كلام و هي تتنفس الصعداء
بعد ذلك راقبت الطريق جيدا و لما إقترب "عثمان" من المنطقة التي تسكن بها ، صاحت :
-بـــس .. نزلني هنا.
عثمان بإستغراب :
-بس لسا شوية علي بيتك !
-ماينفعش حد يشوفنا مع بعض .. ثم قالت بتهكم مرير :
-الناس منغير حاجة بتتكلم.
تنهد "عثمان" و قال بإستسلام :
-أووك . إللي تشوفيه.
و ركن علي جانب الطريق ..
مدت "سمر" يدها لتفتح باب السيارة ، ليستوقفها "عثمان" فجأة :
-إستني يا سمر !
إلتفتت له متسائلة :
-إيه ؟
أخرج بعض النقود من چزدانه و مد لها يده قائلا :
-خدي دول.
نظرت للنقود بيده ثم له و قالت :
-إيه دول ؟!
عثمان بسخرية :
-إنتي شايفة إيه ؟ فلوس يا حبيبتي هيكونوا إيه يعني !!
-بمناسبة إيه الفلوس دي ؟؟
-منغير مناسبة . و بعدين أكيد هتحتاجيهم.
سمر بإبتسامة إستخفاف :
-وفر فلوسك . أنا مش محتاجاهم . بس لو إخواتي إحتاجوا حاجة أكيد هطلب منك.
زم "عثمان" شفتاه ، ثم قال بنفاذ صبر :
-إزاي مش محتاجة فلوس ؟ إنتي مابتبصيش في المراية و لا إيه ؟ بقي ده منظر بنت ؟ خدي الفلوس و إنزلي إشتري هدوم لنفسك علي الأقل.
إبتلعت الإهانة بمرارة كبيرة ، لكنها نظرت له بغضب و قالت :
-أنا راضية عن منظري جدا و مش مضايقة و لازم تعرف كويس إني ماوطتش راسي ليك و وافقت أبيعلك نفسي غير عشان مصلحة إخواتي .. و أكملت بتحد :
-و عموما لو مش عاجبك إبعد عني أنا كده و هفضل طول عمري كده مش هتغير.
ثم نزلت من السيارة بسرعة تاركة إياه في حالة من الذهول و الغيظ الشديد ..
-مااااشي يا سمر .. غمغم من بين أسنانه المطبقة ، و أردف :
-و حياة أمي لأربيكي عشان تبقي تتحديني كويس بعد كده !
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
مشت "سمر" في الشوارع مطأطأة رأسها ... كانت لديها رغبة شديدة في البكاء ، لكنها قاومت و تماسكت بإعجوبة
لا يكفيه أنه ذلها و كسرها و إستغل فقرها لرغباته القذرة ، إهانها قبل قليل أيضا و لم يهتم بمشاعرها ..
ليس عليه حرج كل حال .. هي المذنبة الأولي و الوحيدة في حق نفسها !
فتحت "سمر" باب شقتها ، لتجد "فادي" يرص أخر صحن من صحون الإفطار ..
-حبيبتي جيتي ؟ .. قالها "فادي" بإبتسامة ، لترد "سمر" بنفس الإبتسامة :
-أه جيت يا حبيبي .. ثم نظرت للطاولة و قالت بدهشة ممزوجة بالإعجاب :
-إيه ده مش معقول ! إنت إللي عملت الفطار ده و لا إيه ؟؟
أومأ "فادي" و هو يقول بحركة مسرحية :
-الشيف فادي تحت أمرك يا هانم . إتفضلي لو سمحتي.
سمر بضحك :
-أه يا مجنون . أول مرة تعملها وريني إللي حضرته !
و ذهبت عنده لتري الأصناف التي قام بإعدادها ..
-بطاطس و جبنة بالطماطم و جبنة منغير طماطم .. و إيه ده ؟؟؟
فادي بحذاقة :
-ده يا ستي إختراع جبته من علي النت . بيتزا بتتعمل من البيض.
سمر بإستنكار :
-إيه ياخويا ؟!!
أجفل "فادي" و هو يرد :
-في إيه يا سمر أنا نقلتها بالنص . بيقولك نفس تحضيرات البيتزا بس بدل العجينة بيض.
-بيض !!
-أه بس ماتقلقيش أنا إتوصيت أوي في البيض و كسرت يجي عشر بيضات مع بعض.
سمر و هي تنظر له بجزع :
-طيب ربنا يستر يا فادي . أنا هاكل معاك بس إدخل هتلنا من علي النت رقم الإسعاف بقي.
تلاشت إبتسامته ، ليقول بضيق :
-ده إنتي بجد بقيتي فصيلة . مافيش أي تشجيع خآاالص . ماكنش العشم و ربنا يا ريتني ما كنت تعبت نفسي.
سمر و هي تضحك بمرح :
-خلاص يا حبيبي . خلاص ماتزعلش شكرا و تسلم إيدك من قبل ما أدوق . أنا هدخل أغير هدومي أهو و هاجي أمسح الأطباق دي كلها مسح.
فادي بإبتسامة باهتة :
-ماشي ياختي سجديني بكلمتين .. ثم قال بجدية :
-قوليلي صحيح ملوكة عاملة إيه ؟ مابقتش كويسة ؟
سمر بشئ من التوتر :
-لأ يا حبيبي طبعا بقت كويسة الحمدلله عن الأول !
فادي بسرور :
-الحمدلله .. طيب الدكتور ماقالكيش ممكن تخرج إمتي ؟؟؟
-لسا قال هيشوف علي أخر الإسبوع .. ثم تهربت من أسئلته بسرعة غير ملحوظة :
-أكلك ريحته طالعة و أنا جعانة أووي.
فادي بغرور مصطنع :
-أومال إيه يابنتي إحنا بنلعب و لا إيه ؟ و لسا كمان لما تدوقي هتشكري فيا للصبح.
سمر و هي تضربه علي كتفه بخفة :
-ماشي ياخويا هنشوف . هدخل أغير هدومي بسرعة و راجعة.
و فرت إلي غرفتها متحججة بتبديل ملابسها .. علي الأقل ستختلي بنفسها عدة دقائق لتهدئ أعصابها تماما
لا يجب أن يلاحظ "فادي" أي شيء !!!!!!
يتبــــع ...
( 25 )
_ تودد ! _
في منزل "سمر" ... يجلس "فادي" علي طاولة الطعام في إنتظارها ، بينما تقف هي بالمطبخ تقوم بإعداد وجبة العشاء
-يلا بقي يا سيدي كُل و نضف معدتك من العك إللي عملتهولنا الصبح ! .. قالتها "سمر" و هي تضع علي الطاولة طبق المعجبنات اللذيذة
ليرد "فادي" بغيظ و هو يتنشق الرائحة الشهية المنبعثة من الأطباق :
-و لما العك إللي عملته ماعجبكيش ياختي كلتي معايا ليه ؟!
سمر بإبتسامة ساخرة :
-كلت عشان ماتزعلش يا حبيبي لكن ربنا يستر و أعرف أنام إنهاردة . حاسة إن هايجيلي تلبك معوي !
فادي بإبتسامة صفراء :
-بقيتي ظريفة أوووي يا حبيبتي .. ثم أعترف علي مضض :
-هو الأكل كان في شوية عك و فعلا تعبني شخصيا . بس أنا حاسس العشا ده في الشفاء العاجل بإذن الله.
سمر بضحك :
-قليت شيخ يا واد و لا إيه . كُل طيب . كُل قبل ما الأكل يبرد.
و جلسا الشقيقين قبالة بعضهما يتناولان الطعام بشهية كبيرة ..
-ماقولتليش عملت إيه في إمتحانك إنهاردة ؟ .. تساءلت "سمر" وسط الطعام ، ليجيب "فادي" من خلال مضغه المستمر :
-الحمدلله . كان كويس . صحيح في تكات بس ماشي حاله.
سمر بقلق :
-يعني هتعدي من المادة دي و لا إيه ؟!
فادي بثقة :
-ماتقلقيش يا سمر أنا كنت مذاكر كويس و طبيعي تيجي أسئلة غير مباشرة يعني.
-طيب حليت الأسئلة دي ؟؟؟
-طبعا يابنتي هو أنا مجنون هسيب حاجة ! .. ثم قطب بإستغراب و هو يسألها :
-سمر .. إنتي من الصبح لابسة الطرحة ليه ؟ من ساعة ما جيتي ماقلعتيهاش !!
سمر بشئ من الإرتباك :
-عادي . مش عشان حاجة يا فادي بس . حاسة إني ممكن أدخل علي دور برد فبلحق نفسي . ماتنساش إني نمت برا البيت إمبارح و أنا مش متعودة و كمان الدنيا برد أوي اليومين دول !
أومأ "فادي" بتفهم ، ثم قال بجدية :
-طيب يا حبيبتي خلي بالك من نفسك بقي و إبقي إقفلي شباك أوضتك كويس و إنتي نايمة . و لو عاوزة دوا أنزل أجبلك.
-لا لا يا حبيبي مافيش داعي أنا كويسة . أقعد إنت إستريح شوية بعد العشا عشان تعرف تذاكر بتركيز ساعتين كده و لا حاجة و بعدين تدخل تنام و إن شاء الله هبقي أصحيك الصبح بدري.
فادي مبتسما بسخرية :
-تصحيني الصبح بدري ؟ خلاص يا حبيبتي أنا بطلت أصحي بدري . إنهاردة كان أخر يوم في الإمتحانات !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
في قصر آل "بحيري" ... يشعر "عثمان" ببعض الخمول و الرغبة في الراحة بعد قضاء يوم شاق و ممتع في نفس الوقت بالنسبة له
يطلب إحضار وجبة العشاء إلي جناحه ، ثم يلج إلي حمامه الفاخر
ينزع ثيابه ، ثم ينزل في المغطس الساخن ( الچاكوزي ) و يجلس في إسترخاء و هدوء لمدة نصف ساعة
بعد ذلك يأخذ دوشا سريعا ، ثم يخرج و هو يرتدي ثوب الإستحمام السميك ..
-إيه ده ! إنت إيه إللي جابك هنا الساعة دي ؟ .. قالها "عثمان" بتساؤل و هو ينظر إلي "مراد" المدد علي السرير بأريحية شديدة
-أعملك إيه ياخويا ؟ .. تمتم "مراد" بصوت متمهل ، و أكمل :
-أحوالك مش متظبطة اليومين دول و بقيت غامض أوي . ده أنا مش عارف أتلم عليك خالص يا راجل !
عثمان بفتور وهو يجفف فورة رأسه بالمنشفة :
-غامض إيه و بتاع إيه بس ؟ بيتهئلك . بيتهئلك يا مراد.
-كنت فين إمبارح يا عثمان ؟ .. سأله "مراد" مباشرةً ، ليرد "عثمان" ببرود :
-حاجة ماتخصكش يا مراد و قولتلك قبل كده.
قام "مراد" من مكانه و مشي ناحيته و هو يقول بعدم إرتياح :
-أنا مش مطمنلك يا عثمان . حاسس إنك بدبر حاجة مش كويسة أبدا !
عثمان بنفس البرود :
-بردو حاجة ماتخصكش يا مراد . أنا حر يا أخي إنت من إمتي كنت واصي عليا ؟!
مراد بجدية :
-أنا صاحبك و طبيعي تهمني مصلحتك.
عثمان بضيق ممزوج بالحدة :
-أنا عارف مصلحتي كويس مش مستني حد يعرفني.
مراد ببطء و هو يضيق عينيه بتركيز :
-عثمان .. إنت . كنت مع سمر ؟!
تفاجأ من تخمينه الدقيق ، لكنه تظاهر بالبلاهة و هو يصيح بإستنكار :
-إيه ؟ بتقول إيه ؟ و أنا هشوف سمر فين برا الشركة ؟؟؟
-إنت حاططها في دماغك . ماتنكرش.
عثمان بضيق شديد :
-طيب مش بنكر . بس أنا ماكنتش معاها . قولتلك ماكلمتهاش في حاجة أساسا.
-خالص ؟
عثمان بنفاذ صبر :
-خالص يا مراد زهقتني يابني في إيه ؟ و مهتم أووي بالموضوع ده كده ليه أفهم يعني ؟؟؟
مراد بإبتسامة نصر :
-مهتم عشان قولتلك البت دي كويسة و ماشية عدل و إنك مش هتعرف تميلها .. و أكمل بخبث :
-و كمان مهتم عشان الرهان يا حلو . و لا إنت نسيت وعدك ؟
عثمان بإبتسامته الشيطانية :
-لأ مش ناسي . حتة عربية مش هتآثر معايا يا مراد .. بكره الصبح لما تنزل الجراچ عم جابر السايس هيسلمك المفتاح .. ثم قال و هو يدير عيناه معبرا عن ضيقه :
-و يلا بقي هويني عايز أتعشا و أنام ورايا شغل الصبح !
مراد بحزن مصطنع :
-بتطردني ؟ بتطردني يا صاحبي ؟ بقي دي أخرتها ؟!
-أه دي أخرتها و يلا بقي حل عنـــــــــي . كان يوم إسود يوم ما عزمت عليك تيجي تقعد هنا.
و أخذ يدفعه إلي الخارج وسط قهقهات "مراد" المرحة ..
-يا ساتر ! .. غمغم "عثمان" بإنزعاج شديد و هو يغلق الباب ، و لكن سرعان ما تبدل مزاجه ليقول بإبتسامة ماكرة :
-قال ماشية عدل قال ؟ هههههههه و قال مش هعرف أميلها ! هههههههههههههههههههه !!
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
كانت تقف في ركن مظلم بالرواق الطويل ... تنتظر بصبر نافذ لحظة خروج "مراد" من عنده
و بعد أكثر من نصف ساعة ، خرج أخيرا ..
إختبأت "هالة" جيدا حين مر إزاءها و حبست أنفاسها لزيادة الأمان
و لما تأكدت أنه ذهب إلي غرفته ، إنسلت بحذر من مكانها ثم مشت علي أطراف أصابعها متوجهة إلي غرفة "عثمان" ..
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
كاد يضع أول لقمة بفمه ، حين سمع طرق خافت علي باب غرفته ..
عثمان و قد تحول ضيقه إلي حنق شديد :
-و بعدين بقي في الليلة إللي مش فايتة دي ؟ مش مكتوبلي أتعشا يعني !!
و قام بغضب ، ثم ذهب ليفتح الباب ..
-هالة ! .. هتف بدهشة ، و تساءل :
-في حاجة يا هالة ؟
هالة بتوتر و نبرة خفيضة :
-ممكن أدخل ؟!
أجفل "عثمان" بإستغراب ، لكنه قال :
-إتفضلي !
و أفسح لها مجالا للدخول ، ثم أغلق الباب من خلفها ..
-خير يا هالة ؟ كنتي عايزة حاجة ؟؟
أخذت "هالة" نفسا عميق ، ثم إلتفتت له و رفعت عيناها ببطء حتي إلتقت بعينيه ..
-أنا بحبك ! .. رغما عنها ، خرجت منها هذه الكلمة بصدق و تلقائية شديدة
هو يعرف ذلك منذ فترة طويلة جدا ، و لكنه لا ينكر الصدمة و الإرتباك الذي إنتابه لحظة نطقها بهذا ..
حمحم "عثمان" ثم قال بثبات ممزوج باللطف :
-حبيبتي و أنا كمان بحبك . إنتي عارفة كده كويس.
هالة و قد إلتمعت عيناها بحب :
-بجد ؟ بجد يا عثمان بتحبني ؟؟؟
عثمان بإبتسامة خفيفة :
-أيوه طبعا . إنتي بنت عمي و بعدين زيك زي صافي بالظبط.
-صافي ! .. تمتمت "هالة" و قد تلاشت إبتسامتها تماما
عثمان بشئ من الإرتباك :
-أه يا حبيبتي . إنتي أصغر بنوتة في العيلة و أنا من زمان بعتبرك أختي الصغيرة . إنتي غالية عليا أووي يا هالة !
هالة بدموع :
-عثمان بقولك أنا بحبك . بحبك مش حب الاخوات لبعضهم . بحبك .. إنت حبيبي . عايزاك حبيبي مش أخويـ آا..
-هالة من فضلك .. قاطعها "عثمان" بحزم ، و أردف بجدية :
-أنا مقدر مشاعرك و صدقيني كنت أتمني لو ينفع . بس للآسف أنا مش مناسب ليكي خالص.
هالة بإندفاع :
-مين قالك كده ؟!
-إنتي عارفة أنا أكبر منك بأد إيه ؟ إنتي 19 سنة و أنا 30 .. الفرق بينا مش قليل . إنتي أختي الصغيرة زي ما قولتلك و بجد تستاهلي واحد أحسن مني.
هالة بآسي :
-بس أنا مش عايزة غيرك.
و سالت الدموع من عينيها بغزارة
ليعبس "عثمان" بضيق و يحاول إحتواء الموقف ..
إقترب منها و أمسك بكتفيها قائلا بهدوء :
-يا حبيبتي . Please ماتعيطيش . أنا ماحبش أزعلك طبعا بس الوضع فعلا صعب .. هالة صدقيني أنا مانفعكيـ ...
قاطعته بقبلة مفاجئة علي شفتاه ..
أبعدها "عثمان" و هو يقول بصدمة :
-إيه إللي عملتيه ده ؟ إنتي إتجننتي ؟!
هالة ببكاء حار :
-عثمان أنا بحبك .. بحبك أوووي . عشان خاطري إوعي تقولي ماينفعش إووعي ..
رمقها "عثمان" بتأثر ممزوج بالحيرة و قال :
-هالة لو سمحتي ماتصعبيش الوضع أكتر . مش هينفـ ..
قاطعته بقبلة أخري ..
بدأ يضعف أمامها و يتجاوب معها ، فهي "هالة" أولا و أخيرا ، الفتاة الجميلة الرقيقة و التي تملك سحرا خاص بها وحدها
لكنه بعد لحظات ، أبعدها عنه بعنف و قال بحدة :
-ماينفعـــــــــش . ماينفعش إللي بتعمليه ده . إنتي بنت عمي ماقدرش أعمل معاكي كده !
هالة و هي تزيد في البكاء :
-أنا عايزاك . مش هقدر أعيش منغيرك أنا سيبت هنا و سافرت مع بابي لما خطبت چيچي . ماكنتش قادرة أتقبل فكرة إنك تبقي لغيري . بس لو سيبتك المرة دي هموت . هموووت بجد يا عثمان .. إنت مش حاسس بيا ليه ؟ لو طلبت تتجوزني بابي مش هيقول حاجة صدقني هيوافق علطول . و أنا مش فارقة معايا حكاية السن دي . أنا هفضل طول عمري أحبك بنفس الدرجة و أكتر.
أعطاها "عثمان" ظهره و قال بصرامة شديدة :
-إطلعي برا يا هالة . من فضلك إطلعي برا و مش عايز أشوفك هنا تاني.
نظرت له بقهر و عيناها لا تكفان عن ذرف الدموع ، ثم توجهت نحو الباب و خرجت بسرعة من غرفته و هي لا ترى أمامها ..
بينما نظر "عثمان" إلي عشاؤه الذي بهت من الإنتظار ، ثم قال بحنق شديد :
-كأنهم حالفين إني ماتعشاش الليلة دي .. طب و ربنا ما أنا واكل !
و ذهب إلي فراشه لينام و يضع حدا لتلك الليلة العجيبة ...
°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°°
في غرفة "فريال" ... تتحدث مع زوجها في الهاتف منذ وقت طويل ، لا تريد أن تغلق معه أبدا و كلما ينتهي حديث تفتح أخر
مما أثار إستغراب "يحيى" و قلقه في نفس الوقت ..
-فريال ! في حاجة يا حبيبتي ؟ في مشكلة عندك .. قالها "يحيى" بتساؤل مرتاب ، لترد "فريال" بنبرة شبه ثابتة :
-مافيش حاجة يا يحيى . إنت بس وحشتني أووي.
يحيى بحب :
-و إنتي كمان وحشتيني جدا جدا جدا .. ثم قال بقلق :
-بس مش عارف حاسك مضايقة ليه ؟ لو حصل حاجة قوليلي !
تنهدت "فريال" بحرارة و حارت ماذا تقول له ؟!!
هل تقول له عما فعله أخيه ؟ هل تقول له أن حاول إنتهاك حرمة منزله ؟ هل تقول له أنه حاول خيانته أثناء غيبته ؟
لا بالطبع لن تقول ذلك أبدا ..
-حبيبي صدقني مافيش حاجة و الله ! .. تمتمت "فريال" بشئ من الضيق ، و أكملت :
-إنت وحشتني بس . أول مرة تبعد عني المدة دي كلها.
يحيى بضحك :
-مدة إيه يا فريال هو أنا لحقت ؟ دول كلهم كام يوم إللي سيبت فيهم البيت.
-إرجع بسرعة و خلاص . أنا مابعرفش أعيش من غيرك.
يحيى بحب شديد :
-حاضر يا عمري . أوعدك هعمل المستحيل و هقصر المدة عشان خاطر عيونك !
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••
صباح يوم جديد ... تعود "سمر" إلي مؤسسة ( البحيري للتسوية و التجارة ) رغم شعورها ببعض التعب و أنها في حاجة لفترة راحة إضافية
لكنها لم ترغب أن يلاحظ "فادي" أي شئ خاطئ فيها ، ففضلت الإتيان إلي هنا علي أن تبقي معه في المنزل طوال النهار و الليل بعد إنتهت إمتحاناته ..
يرن جرس مكتبها ، فتأخذ الملفات التي طلبها "عثمان" و تقوم و تذهب إلي مكتبه
تطرق الباب مرتين ، ثم تدخل و تمشي ناحيته بخطوات ثابتة ..
-إتفضل ! .. قالتها "سمر" و هي تضع الملفات أمامه علي سطح المكتب ، ليرفع "عثمان" حاجبيه بدهشة و يقول :
-بجد مش فاهمك ! .. قولتلك طول ما إحنا لوحدنا ماتعملنيش برسمية . خدي راحتك.
سمر بإزدراء و هي تتحاشي النظر إليه :
-هو أنا قلت حاجة غلط يعني ؟ إتفضل بقت كلمة وحشة و أنا ماعرفش ؟!
ضحك "عثمان" بخفة و رد :
-لأ يا سمر . إتفضل مابقتش كلمة وحشة و لا حاجة.
ثم فتح الملفات و أخذ بعض العقود منها ، لتتحول ملامحه إلي جدية و هو يقول :
-العقود دي متأخرة ليه ؟ ماجتليش قبل كده ليه ؟؟
سمر بجدية مماثلة :
-حضرتك ماكنتش فاضي الفترة إللي فاتت . كنت مشغول في الصفقة الألمانية و بعدين .. بترت عبارتها فجأة ، ثم تنفست بعمق و أكملت :
-و بعدين أنا خدت أجازة كام يوم و نجلاء مسكت مكاني و حضرتك كمان خدت من أول إمبارح أجازة . عشان كده العقود وصلتلك متأخر.
أومأ "عثمان" بتفهم ، ثم قال بصرامة :
-طيب بعد كده يا سمر أي عقود تطبعيها ترجعيهالي فورا ماتخليهاش عندك . أنا مابحبش شغلي يتأخر.
-حاضر.
أمسك "عثمان" بقلمه و نقش إمضته الأنيقة علي العقود ، ثم أغلق الملف عليهم ثانيةً و قال و هو يرجعه إلي "سمر" :
-تبعتي منهم نسخة للطرف التاني و تقوليلهم إننا جاهزين و تتابعي معاهم بنفسك لحد ما يتحدد ميعاد وصول البضاعة.
-حاجة تاني .. تساءلت "سمر" بلهجة فاترة ، ليومئ "عثمان" قائلا :
-أيوه . لحظة بس !
و فتح أحد أدراج المكتب و أخرج زجاجة تحوي كبسولات علاجية ..
-خدي ! .. قالها "عثمان" و هو يمد لها يده بالزجاجة ، لتقطب متسائلة بإستغراب :
-إيه دي ؟
عثمان بجدية :
-دي حبوب منع الحمل نسيت أديهملك و إحنا في اليخت . هتبتدي تاخديهم من المرة الجاية . خلي بالك بقي و إوعي تنسي مالكيش حجة أهو . لو جيتي في يوم تقوليلي أنا حامل هقولك و لا أعرفك.
شعرت "سمر" بغصة مريرة بحلقها ، فإبتلعت ريقها بصعوبة لترد عليه بسرعة ..
سمر بإنفعال ممزوج بالغضب :
-و إنت فاكرني هموت و أخلف منك ؟ إنت مش حاسس إني ضاغطة علي نفسي عشان أقدر أستمر في القرف ده معاك !
صر "عثمان" علي أسنانه بغضب شديد ، و قال ضاغطا علي الأحرف :
-منغير قلة أدب يا سمر . إحنا كده متفقين يبقي تاخدي مني من سكات و حسك عينك صوتك ده يعلا عليا تاني .. فاهمة ؟
رمقته بنظرات عنيفة جدا ، ثم إلتفتت و غادرت مكتبه دون أن تأخذ منه تلك العقاقير التي تكمل خطته الدقيقة ..
بل خطته القذرة التي أقحمت فيها نفسها بنفسها !!!
يتبـــــــع ...
تكملة الرواية من هنا 👇👇👇
بداية الروايه من هنا 👇👇👇