أخر الاخبار

رواية و ما أدراكِ بالعشق الجزء الثالث من عزلاء أمام سطوة ماله بقلم مريم غريب حصريه وجديده

 رواية و ما أدراكِ بالعشق الجزء الثالث من عزلاء أمام سطوة ماله بقلم مريم غريب حصريه وجديده 

رواية و ما أدراكِ بالعشق الجزء الثالث من عزلاء أمام سطوة ماله بقلم مريم غريب حصريه وجديده 

تمهيد 

أمام المرآة، في مشهد يتكرر كل يومٍ تقريبًا، تقف أصغر عضو بعائلة البحيري "فريدة عثمان البحيري".. البالغة من العمر ثماني سنواتٍ، إلى جانب أمها، بينما تضع الأخيرة حجابها الأسود، و تربطه حول عنقها بتأنقٍ، تمسك بإصبع الحمرة الخفيف و تضع طبقةٍ أخرى، ثم تتراجع للخلف ملقيّة نظرة شمولية على نفسها


سقطت عيناها الخضراوين على ثوبها الجميل، و هو ثوب من تصميمها، زهري بأكمامٍ واسعة، بطول الأرض و رقبةٍ عالية، و الحذاء بكعبٍ رفيع للغاية، استغرقت سنوات كي تتمكن من المشي عليه بسهولة


و أخيرًا ها هي جاهزة، تقترب من المرآة ثانيةً و تنظر بابتسامةٍ واثقة، مغترّة إلى نفسها، تلك نظرة اكتسبتها من دروس زوجها السريّة، فقد أعاد تربيّتها على يديه وفق ما يهوى و يحب، و قد نجح بالفعل في تحويلها إلى امرأة راقية تليق بالطبقة العلية، و سيدة أعمال ناجحة، اسمها صار نار علم.. "سمر حفظي"... زوجة "عثمان البحيري" أكبر رجال الأعمال بالبلد و اكثرهم ثراءً


تخطت حاجز العقدة النفسية لحقيقة إنها أقل منه في كل شيء، لكنه ساعدها لتحقق حياتها المهنيّة بنفسها، إلى جانب مساعدة والدته لها، في غضون عامين كانت قد أسست ثلاثةً فروع لعلامتها التجارية، بيت أزياء خاص للمحجبات، ذاع صيتها بسرعةٍ مذهلة و حقّقت ثروة طائلة


فمن ذا يُصدق !؟


قبل سنوات كانت مجرد فتاة فقيرة، معدمة، تعيش على الفُتات هي و أخويها، اليوم هي امرأة عاملة، ناجحة، زوجة لرجل تتمناه النساء، و هي بنظره امرأة بكل النساء.. و هذا حقًا يكفيها ...


-أنا عاوزة أروح معاكي يا مامي ! .. هتفت "فريدة" و هي تسير خلف أمها عبر ردهة الطابق الدائرية


استدعت "سمر" المصعد ضاغطة على الزر و هي ترد عليها بحزمٍ :

-قلت لك ماينفعش المرة دي يا فيري. أنا عندي Meeting طويل إنهاردة و مش هاكون متفرغة ليكي.


واصلت الفتاة إلحاحها :

-بليز يا مامي. أنا هقعد مع الـAssistant لحد ما تخلصي !


تنهدت "سمر" و هي تسحب باب المصعد و تلج قائلة :

-حتى رانيا مش هاتكون فاضية. هاتحضر معايا الـMeeting ..


و أنهت الحوار بإشارة من يدها و هي تقول بصرامةٍ :

-خلاص يا فريدة. اسمعي الكلام. المرة الجاية هاخدك معايا. و لو انتي نفسك تيجي أوي كده عشان تشوفي فستانك كده كده لسا مش جاهز. يلا روحي على أوضتك أو استني شوية مع فريال هانم ..


و نظرت إلى ساعة يدها الفاخرة معقّبة :

-كمان ساعة عندك درس بيانو.


احتقن وجه "فريدة" غيظًا و لم تفه بكلمةٍ أخرى عندما أغلقت "أمها باب المصعد بوجهها ...


غمغمت و هي تضرب الأرض بقدمها غاضبة :

-يعني بابي و يحيى و ملك في النادي سوا. و أنا أستنى هنا مع فريال هانم و أقعد لدرس البيانو.. اففففففف !!!!

__________


غادرت بوابات القصر مستقلّة سيارتها الفارهة (x5  BMW ) ...

كان الطريق سهلًا اليوم، و الطقس جميل بعد الظهر، مع القيادة بمحاذاة البحر و هواء المدينة المنعش، كان مزاجها في علوٍ و هي تردد بعذوبة كلمات الغنوة التي صدحت بها جنابات السيارة :


-عاوزني أقولك إني دايبة من زمان في هوااااك

باين عليا شوقي ليك و انت مش داااري

طب مش هقولك إن روحي يا حبيبي معاااااك

قرب شوية من عنيا

تحس بناااري

و يا حياة قلبي و كل مناااه

معاك عمري ما قلت الآه

و لا ليلة هواك بنساه

أنا كلّي كده ملك هواااك 


كانت تتمايل و تتغونج و هي تستحضر صورة زوجها بمخيّلتها، تشتاق إليه كثيرًا، رغم إنها رأته قبل سويعاتٍ قبل أن يغادر مع إبنهما و شقيقتها، و لكنه مشغولًا عنها بالآونة الأخيرة بسبب عمله، و هي لا تقوى على تحمّل بقائه بعيدًا عنها لفتراتٍ طويلة


إنه إدمانها ...


أخفضت "سمر" صوت الغنوة عندما دق هاتفها الآن، وضعت المكالمة على النظام الذكي للسيارة، و ردت دون الحاجة لإمساك الهاتف :

-حبيبي !


كان سماع صوتها الناعم كالحرير هو كل ما يحلم به في هذه اللحظة، برز صوته بعد لحظاتٍ لا يخفي الابتسامة التي تزين ثغره الآن :

-كام مرة حذّرتك تردي باللهجة دي على التليفونات !؟؟؟


ابتسمت بدورها و هي ترد :

-و ماسمعتش كلمة حبيبي خالص ؟ متخيّل يعني إني ممكن أقولها لحد غيرك !؟


سمعت تنهيدته يعقبها صوته الكفيل بدغدغة حواسها عن بُعدٍ :

-أمم.. يعني الأغنية إللي شغّالة في الباك جراوند دي ليا بردو ؟


-و مين غيرك يا حياتي. انت أصلًا واحشني جدًا. مش مكالمة هي إللي هاتروي شوقي ليك يا عثمان !


تأخر صوته لثوانٍ، فابتسمت مدركة جيدًا تأثير كلماتها عليه، و بعدها أصغت إليه جيدًا و هو يقول :

-عارف إني مشغول عنك بقالي فترة. و إنتي كمان مشغولة عني. بس خلاص من الليلة دي هانعطل كل حاجة.. إنتي وحشاني أووي !!


برزت أسنانها من شدة الإبتسام، و ردت عليه فورًا :

-موافقة. أنا مستعدة أسيب العالم كله و أبقى معاك بس.


-خلاص.. ألاقيكي جاهزة الليلة دي الساعة 10. تحضري شنطة هدوم صغيرة لينا.


-هانروح فين !؟


-هانروح مكان مافيهوش غيرنا طبعًا. أنا و إنتي و بس ! .. و أردف مُنبهًا :

-بس ماتنسيش الـBedgown إللي لبستيه عشاني في عيد ميلادي. ده أهم حاجة ..


أحسّت بقشعريرة تضرب أذنها إلى مؤخرة رأسها، إنه لا يزال يذكر ثوب النوم ذاك، لقد أبدى إعجابه الشديد به ليلة عيد ميلاده منذ شهران، لم تعجبه هديتها بقدر ما أعجبه القميص ؛ هذا هو زوجها، تعرفه، لديه شراهة كبيرة، إنه يحب العلاقة الحميمة كثيرًا، و هي تعشقه هو ...


-مش هانسى ! .. قالتها "سمر" بصوتٍ هامس، ثم سألته محاولة أن تثوب إلى رشدها :

-يحيى أخباره إيه طمنّي !؟


-يحيى ممتاز. البطولة دي بالذات فايتاكي.


-إبني شاطر زي أبوه. المهم خلّي بالك منه يا عثمان. و أول ما يطلع آكله عشان بيكون جعان أوي أحسن يهبّط !


سمعته يضحك بخفةٍ، ثم يقول :

-ماتقلقيش. أول ما يخلص هاخده هو و ملك و نروح نتغدى. أي أوامر تانية ؟


أومأت و كأنه يراها و قالت :

-أيوة. ماتتأخروش على فريدة. البنت زعلانة إنها فضلت لوحدها في البيت.


-مش فريال هانم معاها !؟


-آها معاها. لكن كان نفسها تخرج. أنا بس مشغولة إنهاردة عشان الديل إللي كلّمتك عنه مع شركة التوريدات الإماراتية. لولا كده كنت خرجتها شوية. و انت ماكنتش هاتعرف تاخد بالك منها هي و ملك و يحيى مع بعض !


-خلاص. مش هانتأخر عليها.. و إنتي خلّيكي مفتحة كويس. محدش من الجماعة دول يضحك عليكي في الديل.


رفعت رأسها بغرورٍ تبث في صوتها تلك النبرة التي علّمها إيّاها :

-محدش يقدر.. أنا مرات عثمان البحيري !


أتى صوته مفعمًا بالفخر :

-تعجبيني. تربية عثمان البحيري صحيح. أوكي.. إبقي كلّميني لما تخلّصي.


-حاضر.


-باي يا بيبي !


منحته قبلة مسموعة، ثم أغلقت معه و ركّزت أكثر على القيادة، وصلت في خلال دقائق معدودة إلى مقر عملها


بيت الأزياء الأشهر "Samar Fashion House" ...


نزلت "سمر" من سيارتها في مشهدٍ سينمائي منتزعة نظّارة الشمس بيدٍ، و في يدها الأخرى تغلق نظام السيارة بضغطة زر، شقّت طريقها إلى الممر الطويل المؤدي إلى البوابة المزدوجة للمكان


بخطواتٍ متهادية، مرّت من خلال إثنين من أفراد الحراسة الأشداء، ألقيا عليها التحيّة فردّت بإيماءة قصيرة، ثم دخلت إلى الصرح الكبير، تغمرها سعادة بالغة بمجرد تواجدها هنا، يمكنها أن ترى أكبر إنجاز صنعته بيديها، كل شيء نظيف، برّاق.. فخامة ...


-صباح الخير يا رانيا ! .. هتفت "سمر" و هي تمر بمكتب مساعدتها وصولًا إلى مكتبها الخاص


نهضت الفتاة الشابة ورائها و هي ترد مبتسمة :

-صباح الورد يا مدام سمر. حضرتك مبكّرة شوية إنهاردة. لسا ساعة على معاد العملا !


تجلس "سمر" خلف مكتبها المنمّق مصدرة نهدة عميقة، ثم تقول و هي تفتح حاسوبها الشخصي على الفور :

-العملا دول مهمين يا رانيا. لازم نجهز كل ورقنا عشان نكون مستعدين كويس قدامهم.. توكيل المصنع الجديد جاهز ؟


أومأت الأخيرة و هي تشير لملفٍ ملقى على المكتب :

-وصل من الصبح. أستاذ بدر المحامي بعته مع المساعد بتاعه. أهو قصاد حضرتك !


إلتقطته "سمر" مقلّبة في أوراقه و هي تعطي أوامرها :

-أوكي. روحي إنتي دلوقتي على مكتبك. حضريلي صور العقود و أعملي منها 3 نسخ.


أطاعت "رانيا" في الحال :

-أمرك يا مدام !


*****


 شهد نادي "الإسكندرية" الرياضي أفضل بطولات السباحة للناشئين ...


خلال منافسات البطولة، و في منافسات الصبيان، توّج الصبي المشهور "يحيى البحيري" بالكأس الفضّي، و قد حصل على المركز الأول، تلقّاه أبيه فور صعوده من المسبح، دثّره جيدًا بالروب المجفف و عانقه بسعادةٍ، ثم دفعه ليتسلّم جائزته و هو يصفّق له مع البقيّة و عيناه ملؤهما التباهي و الإعتزاز به


حصل "يحيى" على ميدالية أخرى، و لم يطيل المكوث مع فريقه، هرول من جديد إلى أحضان والده الذي حمله فوق كتفيه و مضى يحتفل به على طريقته، أمام أعين أولياء الأمور و نظرات الغيّرة من الجميع، لا يكف لسان حالهم يردد عبارات الاستنكار


كيف لتلك العائلة أن تظل في القمّة بكل شيء ؟


حتى الصبي مثل أبيه.. لا يخسر أبدًا ...


-عاش يا بطل ! .. صاح "عثمان" و هو يحمل حقيبة إبنه الرياضية إلى صندوق السيارة


ثم استقلّ وراء المقود، و أدار رأسه لينظر بفخرٍ إلى الصبي الجميل قائلًا :

-انت رفعت راسي و راس عيلة البحيري كلها يا يحيى. أطلب إللي انت عايزه !


رمقه الصبي متحديًا :

-إللي أنا عايزه. متأكد ؟


ابتسم "عثمان" محاكيًا نفس النظرة بعينيّ إبنه، و إن كانت في الحقيقة نظرته هو، و ما الصبي إلا مجرد نسخة مصغّرة منه، مع لمحات الجمال التي ورثها عن أمه، كلها متمثلة في خضرة عينيه و نصاعة بشرته، و أيضًا ضحكتها هي ...


-جرب ! .. قالها "عثمان" قابلًا التحدّي


إلتمعت عينيّ "يحيى" و هو يخبره بطلبه و كأنه كل شيء يتمناه :

-عاوز سكوتر. بليز يا بابا !


تلاشت الابتسامة مؤقتًا عن وجه "عثمان" و هو يرد عليه بشيء من الحدة :

-إحنا مش سبق و قفلنا الموضوع ده ؟ مش فهمتك إني خايف عليك. سكوتر إيه إللي عايزه تخرج بيه و تمشي في الطريق ممكن يجرى لك حاجة أو تعمل حادثة !


أخذ الصبي يستجديه باستكانةٍ :

-أوعدك مش هاخرج بيه. هاتحرك بيه في القصر و النادي بس. و في الصيف لو سمحت لي لما نروح الساحل. لكن مش هامشي بيه في الطريق. بليز يا بابا ماتقولش لأ. أنا عاوزه !!


رفع "عثمان" حاجبه مطلقًا زفرة يائسة، ثم قال مذعنًا أمام رغبة ابنه الشديدة :

-أوكي. إنهاردة يكون عندك.


انتفض جسد الصغير بمكانه و هو يصيح بسعادةٍ :

-Yes!


ابتسم "عثمان" لمرآى البهجة تجلل وجه ولده، مد يده رابتًا على رأسه المكسو بشعره الفاحم الحرير كأمه، ثم حانت منه إلتفاتة صوب "ملك" هاتفًا :

-و إنتي يا لوكا مش عايزة واحد ؟


كانت الفتاة ذات الخمسة عشر عامًا شاردة حين ناداها أبيها الروحي، و ليس مجرد زوج شقيقتها، فهي شديدة التعلّق به و تتبعه أينما ذهب، و هو كذلك، لا يفرّق بينها و بين "فريدة" ابنته، بل يعتبرها ابنته الحقيقية و يمنحها امتيازات و تفضيلات و كأنها فردًا من عائلة "البحيري".. أيّ شيء تطلبه لا يستطيع أن يؤخره عنها، إنها مُدللته ...


-ملك ! .. ناداها "عثمان" ثانيةً و قد استدار في مقعده أكثر لينظر إليها جيدًا


صحت "ملك" من شرودها الآن ناظرةً إليه، رسمت ابتسامةٍ طفيفة على ثغرها و هي ترد عليه :

-نعم يا بابي !


مجددًا أطربه نعتها له بالأب، لكنه كان صابًا جمّ اهتمامه عليها و هو يسألها عابسًا :

-مالك يا حبيبتي سرحانة في إيه ؟ و لا تعبانة !؟؟


نفت افتراضه على الفور قائلة :

-لأ أنا كويسة ماتقلقش. بس كنت بفكر في حاجة !


ضيّق عينيه مخمنًا بصوت أجش :

-بتفكري في حكاية سفرك عند فادي صح ؟


أومأت له دون كلام، فأردف بحزمٍ :

-قلت لك مافيش حاجة هاتحصل منغير رضاكي. أنا كلّمته و نهيت معاه القصة دي.


كست عيناها الملوّنتين طبقةٍ رقيقة من الدموع و هي تقول :

-هو زعل مني بس لما قلت له مش هسافر غير معاك انت و سمر. و كمان بيزعل لما بيسمعني أقولك بابي !


عقد حاجبيه بشدة مستاءًا من تصرفات صهره الصبيانية، تنهد بعمقٍ، ثم تحدث إلى الفتاة بجديةٍ :

-بصي يا ملك. هو فادي له حق فيكي. يمكن أكتر مني. طبيعي يضّايق من الترابط إللي بيني و بينك. و أنا مش بلومه لو طلب بحقه فيكي ده أو حب إنه يشوفك و يقضي وقت معاكي. مش بلومه بس عايزك تتأكدي إن راحتك عندي في المقام الأول. مافيش حاجة ممكن تحصل إنتي مش عايزاها. و بالنسبة لفادي أنا هاكلمه تاني و هتفاهم معاه.. المهم مش عايز أشوفك مضايقة أبدًا.


و كان يشير بسبابته في الأخير، فابتعلت ريقها مُبددة حزنها على الفور.. فأمال وجهه قليلًا داعيًا إيّاها :

-هاتي بوسة بقى !


ابتسمت و هي تشب عن المقعد لتدنو من خدّه ذو اللحيّة الخفيفة، طبّعت قبلة حلوة هناك، ثم استقرت بكانها ثانيةً ...


ابتسم "عثمان" و رسم تعبيرًا على وجهه و كأن قبلتها أنعشته، ثم أخذ ينقل عينيه بينها و بين "يحيى" قائلًا :

-فكّي يا لوكا محدش يقدر يهوب ناحيتك طول مانا عايش. و بكرة يحيى يكبر و هايبقى في ضهرك بردو. صح يا باشا ؟


أومأ الصبي لأبيه دون ترددٍ، ليستطرد "عثمان" و هو يشغّل محرك السيارة استعدادًا للإنطلاق :

-تمام. فكروا بقى لحد ما نخرج من هنا عايزين تتغدوا فين. معاكوا ساعة واحدة للغدا. و بعدين هانرجع على القصر عشان فريدة !


*****


تدق الساعة التاسعة و النصف مساءً ...


و لكنها لم تأتي بعد، رغم أنه أكد عليها، في العاشرة سوف يتحركا، لماذا تأخرت كل هذا الوقت !؟؟


زفر "عثمان" بنفاذ صبرٍ و أستلّ هاتفه ليتصل بها فورًا ...


-حبيبي أنا لسا طالعة بالعربية. عشر دقايق و هكون قصادك !


ربما توّقعت "سمر" أن تمتص غضبه بردها هذا، لكنه كان منزعجًا و هو يتمشى ذهابًا و إيابًا داخل البهو الرئيسي :

-أنا قلت لك تكوني جاهزة و مجهزة شنطة لينا الساعة 10 بالظبط. و إنتي لسا برا البيت يا سمر. بتعملي إيه كل ده ؟؟؟


-أنا آسفة يا حبيبي. كان في شغل بشرف عليه بنفسي. حقك عليا. و لو على الشنطة هاتكون جاهزة في ثانية إلا ثانية. أوعدك هانتحرك 10 بالظبط.


تأفف "عثمان" مغمغمًا :

-إنجزي طيب. و خلّي بالك و إنتي سايقة.


بانت ابتسامة في صوته و هي ترد :

-ماتخافش عليا. أنا مرات عثمان البحيري !


لم يستطع منه ضحكته من الإنبلاج على محيّاه،إنها حقًا تتغنّى بتلك الجملة و هي تشعر بالفخر كونها جزء منه، لكنه أيضًا لم يتساهل معها حتى بالرد، سرعان ما أغلق معها، لكنه اكتشف بأن هاتفه أغلق من تلقائه، إذ نفذت طاقة الشحن ...


صدرت عنه نهدة حارة أعاده إلى جيب سترته، ثم جلس فوق كرسي الصالون الأثري ينتظر عودة زوجته، البيت هادئ من حوله، بعد أن أنصرف كلٌ إلى غرفته، و بعد أن بذل هو مجهودًا كبيرًا في مرضاة صغيرته "فريدة" و إن كلّفه هذا الإرسال في طلب كعكة الشوكلاه المفضلة لديها من أفخم متاجر الحلوى، و قطع وعدًا لها بأن يأخذها بنفسه إلى مدينة الألعاب يوم العطلة 


لولا هذا ما رضيت عنه و لا سمحت له بنيل ابتساماتها و عناقها الدافئ ...


-عثمان بيه ! 


انتبه "عثمان" لنداء الخادمة الشابة، تطلّع إليها مقطبًا :

-في حاجة يا ميرفت ؟


ضمت يديها أمامه في احترامٍ قائلة :

-في واحدة على البوابة برا. الأمن بيقولوا طالبة تقابل حضرتك.


عبس أكثر.. لكنه قال في الأخير :

-خليهم يدخلوها !


انصرفت الأخيرة لتنفذ أمره، بينما قام واقفًا و هو يغلق زر سترته، مرّت دقيقة كاملة، ثم تناهى إلى سمعه صوت طرق كعب حذاء أنثوى، و ما لبثت أن ظهرت أمامه ...


فتاة شابة في مقتبل العمر، جميلة !


جميلة جدًا، طويلة القامة، بشرتها الخمرية تبدو ناعمة مغريّة للمس، خصرها النحيل يحيطه حزام جلدي عريض يناسب ثوبها الفضفاض بلون التوت، عنقها الأملس تزيّنه شامات متفرّقة، و فوق شفاهها الممتلئة شامة أخرى، أنفها دقيقٌ جدًا، و عيناها مثل لون الشمس في رمق الغروب الأخير، أما شعرها الأسود فكان طويلٌ بقصّات مُدرّجة أضفت عليها إثارة كالجحيم ...


-أفندم ! .. قالها "عثمان" و هو لا يزال يتفحّصها بفضولٍ


يريد أن يعرف من هي ؟ فقد إنتابه شهورٌ قوي لحظة قدومها إليه بأنه يعرفها، أو.. ربما تتشبّه إليه !!


-انت عثمان ! .. قالتها الفتاة بصوتها الرقيق كأنما تقرر الحقيقة


و كأنها تعرفه مسبقًا و لكنها لم تراه.. أو لم تقابله أبدًا ...


زوى "عثمان" ما بين حاجبيه مرددًا بصوتٍ أجش :

-مين حضرتك ؟


شعّت ابتسامتها الساحرة على وجهها الخلّاب للبصر و هي ترد عليه :

-أنا اسمي شمس !


و أحنت رأسها عابثة في حقيبة يدها حتى أستلّت محفظتها، فتحتها مفتشّة بأناملها الرشقة عن بطاقة هويتها، رفعت رأسها بحركة عفوية جعلت شعرها يتطاير حول وجهها لجزء من الثانية، مدت إليه البطاقة مستطردة بنفس الابتسامة :

-شمس.. يحيى صالح البحيري. أختك يا عثمان !


صوت الصمت، الصمت المطبق لا يخلّله سوى دقّات قلبه التي تسارعت بطريقةٍ ما، رغم تعبير البلاهة الذي طبع على وجهه، ثم فتح فاهه أخيرًا قائلًا و كأنها تحدّثت بلغةٍ قديمة للتو :

-نعم ! بتقولي إيه !؟؟؟


رفرفت بأجفانها مرتين و لم يزيدها هذا إلا جمالًا و جاذبية، ابتسمت باتساعٍ أكبر فبانت أسنانها الناصعة المرتبة، و قالت بهدوءٍ :

-أنا عارفة إنها مفاجأة. أو يمكن صدمة بالنسبة لك. لكن صدقني هي دي الحقيقة. أنا و انت لينا نفس الأب.. أنا شمس يحيى البحيري. و انت أخويا. عثمان يحيى البحيري !!!!


كانت لا تزال مادة يدها إليها بالبطاقة، فنظر إليها الآن و أخذها من يدها بحركةٍ حادة، غرز ناظريه بالأسم الرباعي، حدق بقوة حتى برزت شعيراتٍ دموية بعينيه، حقًا، صحيح، إنها لا تكذب، إنها.. أخته !


أخته !!!


-عثمــــــــــان !!!!


ارتعد مفجوعًا على صوت أمه الآتي من ورائه، استدار في لحظةٍ و قد أعجزته الصدمات التي تلقّها عن الرد أو الاستفسار، لتزيده أمه من القصيدة بيت


تهبط بقيّة الدرج و بالكاد تحملها قدميها، يجهل ما ألمّ بها، أو لعلها سمعت حديثه مع تلك التي تدّعي الأخوّة بينهما، و لكن "فريال" أظهرت له هاتفها و هي تخبره بصوتٍ مرتعش بينما الدموع تغطي وجهها :

-اتصلوا بيا من الآتيليه.. سمر... سمر عملت حادثة و هي طالعة على الطريق.. نقلوها على المستشفى ....


هزّه الخبر كهزة زلزالٍ مدمّر، لم ينتظر طلبًا في أيّ شيء هنا، لم تعد مهمة بالنسبة إليه مسألة الفتاة الدخيلة، أهي أخته أم لا


الشيء الوحيد المهم الآن هو "سمر".. زوجته ...


انسحب "عثمان" من وسط الفتاة و أمه، هرول بأسرع ما أمكنه إلى الخارج لينطلق في إثر زوجته، بقيت الإثنتان في مواجهة بعضهما الآن ! 


تابعووووني للروايات الكامله والحصريه



الفصل الثاني من هنا




تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
CLOSE ADS
CLOSE ADS
close