رواية الاربعيني الاعزب الفصل الحادي عشر والثاني عشر بقلم الكاتبه آيه محمد رفعت حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات
![]() |
كرهها إليه ليس نابع بعد قرار حاسم، بل تعدى ذلك وحتى صوته كان
بغيض بالنسبة إليها، استجمعت رباطة جأشها وابتلعت اهانته اللاذعة ثم قالت
قصدك تقول رجعت لسجاني وبرجلي.
تجهمت معالمه، فاحتلهما حدة وعصبية خطيرة، وقلص المسافة بينهما
حتى بات مقابلها :
سجان! تعرفي إنك غبية لدرجة مخلياكي عامية ومبتشوفيش أنا بعمل
عشانك وعشان أهلك أيه!
وتعمد كسرها حينما قال:
لولا مساعدتي ليكم أنتي وأبوكي وأختك كان زمانكم نايمين على الرصيف في الشوارع.
تقهقرت دمعاتها التي كانت على حافة الهبوط، لترد عليه بكبرياء عجيب
المساعدة اللي بتتكلم عنها دي تبقى حق يا قاسم بيه، حق أبويا في الميراث والتركة اللي أبوك مسيطر عليه بالقوة.
ضحك باستهزاء، ثم كف عن الضحك فجأة ليبدو مخيفاً وهو يدعس سيجاره بحقد
ولما هو صاحب حق مبير فعش قضية ليه ويأخد حقه بالقانون.
ضغطت على شفتيها السفلية بعنف في محاولة بائسة لكبت موجة غضبها:
القانون اللي أنت واخده تحت جناحاتك بشهاداتك المزورة وبالرشاوي
خرج عن طور هدوئه الزائف حينما اقترب منها، فتراجعت للخلف بخوف كسر قناعها المصطنع، اصطدم جسدها بالحائط من خلفها فلم يعد هناك
مفر من مواجهته، فقرب وجهه منها متعمداً أن يلفح صوته وجهها عله ينجح تلك المرة في زرع الخوف بداخلها
ومستعد أعمل أكثر من كده عشان بس أطولك.
استجمعت دوافع الكره بداخلها لتقذفه بنظرة حملت استحقار عظیم يبقى هتستنى كتير، لإني عمري ما هحب واحد ملزق ومدلوق زيك.
ودفعته بيدها بعيداً عنها، لتستكمل طريقها للأعلى وهي تتجاهله عن عمد،
وكأنها تؤكد له بإن هذا الزواج لن يؤثر على طبيعة العلاقة بينهما، لكم بيديه المقعد فسقط أرضاً، وهو يهدر بعصبية:
هنشوف أخرة عنادك ده أيه يا لوجين.
ما أن إطمئن قلبها لمكان سيمنحها الأمان لبضعة ساعات، أزالت قناع القوة الزائف مع انغلاق باب غرفتها، لتهوى أرضاً خلفه، باكية، محطمة، مذبذبة تلوم نفسها على هروبها الذي زاد من عذابها عذباً، فإن لم تلتقي "بعاصي" ربما لم يصل بها الألم لذاك الحد، ربما كانت ستتقبل "قاسم" مع مرور الوقت، ضمت "لوجين" ساقيها لجسدها الذي يرتجف من أثر بكائها الهيستري، قلبها وعقلها هائم التفكير به وبحالته الصحية، فكم كانت تود الرحيل بعد أن يسترد وعيه، ولكنها خشيت من أن تزداد الأمور سوء برحيلها، توقفت عن البكاء فجأة حينما تذكرت صلاتها بالمسجد اليوم فكم أزاحت ما بها من هموم، لذا لم تتردد في الاستعداد للصلاة مجدداً علها بها تجد مخرج من تلك المصيدة المحكمة الغلق، وفي كل سجدة كانت تزيد من دعواتها بحفظ عاصي وشفائه العاجل، لم تطلب شيء لنفسها أو لارتواء قلبها المتعطش لغرامه، بل أرادت أن يكون بصحة جيدة فحسب، أم هي فقررت مواجهة مصيرها القاسي حتى وإن كانت ستلقى حتفها بمفردها، نعم هي بمفردها تواجه هذا اللعين بعدما أرسل والدها وعائلتها الصغيرة لأسبانيا، للعمل على إحدى المشروعات، رغب بابعاده حتى يستفرض بها، وكأنه بوجوده سيمنع شيء!
وصل "غيث" للمشفى بعد نصف ساعة، فهرول تجاه قسم النسا والتوليد وبعد أن استعلم عن اسمها ، أخبروه في قسم الاستقبال بأنها خرجت من العمليات منذ ما يقرب الخمسة دقائق، وأعطوه رقم غرفتها فصعد للطابق العلوي بخوف يكاد يوقف ضربات قلبه المتسرعة، فما أن فتح الباب حتى وجدها تغفو على السرير الذي يحتل الغرفة المزين طلائها باللون السماوي وبعض البلايين التي كان معظمها من نفس اللون وخليط أخر من الأبيض، ولجوار السرير وجد والدته تجلس على مقعد قريب من زوجته، فتحرك تجاهها وهو يسألها بنبرة جافة قليلا:
أيه اللي حصل ؟
مجرد سماعها لصوته تخدر تعبها ففتحت عينيها بلهفة لقاء عينيه الحنونة، ولسانها يهمس:
غيث.
كادت "سمية" بإجابته، ولكن استوقفتها "عائشة" التي بدأت باسترداد وعيها، أسرع "غيث" إليها، لينحني بجسده تجاهها، ومن ثم وضع كف يديه الخشن ليحتضن صدغيها وهو يردد بحنان
انتي كويسة يا عمري ؟
أومأت برأسها بإبتسامة صغيرة، وهي تخبره بصوتها الواهن:
الحمد لله، أنا كنت هكلمك الصبح لإني كنت حاسة بتعب فظيع، بس الحمد لله إن ربنا بعتلي ماما في الوقت ده، لولاها مكنش حد حس بيا. نقطة إيجابية كانت لصفها، حتى وإن كان مازال هناك مشاحنات بينهما ولكن راق لها ما قالته زوجة ابنها في حقها التفت "غيث" برأسه تجاه والدته وهو يمنحها نظرة ممتنة، فقالت الاخيرة بتغطرس
أي حد مكاني كان هيعمل كده على فكرة بس ده ميمنعش إن اللي بينا عمره ما هيتغير.
هز رأسه بقلة حيلة واستسلام بأن والدته قد تتغير يوماً، فضيق عينيه باستغراب حينما تحولت معالمها لحنان عظيم فور رؤية ابنه الذي تحمله الممرضة بين يدها، فكانت بطريقها إليهما، ولكن استوقفتها "سمية" حينما حملته بين ذراعيها بتلقائية، أزدهر وجهها بابتسامة اصطحبتها دموع فاضت بحنين لحمل صغير بين يدها، ناهيك إن كان هذا الطفل حفيدها
فقشعر بدنها بشعور غريب اجتاحها، فضمته لصدرها وهي تطبع قبلة صغيرة على خديه الناعم، فاتجهت به لمقعدها ثم حملته بين يدها لدقائق مطولة، شعرت بها وكأنها معزولة عن العالم بأكمله، ونظرات "غيث"
و "عائشة" تراقبنها بدهشة وفرح، ربما كانت تقسم بمعاملة جافة لعائشة ولما تحمله بين أحشائها، ولكن ذاك الشعور الذي سيطر عليها كان فريدا من نوعه، وكأن رباط العائلة المندث بالدماء اتصل بها ليؤكد لها بأنه حفيدها، لمعت دمعة خائنة بعين "غيث" وهو يراها هائمة بولده الذي لم يراه بعد هكذا، فأبعد زوجته المستندة برأسها على صدره وتراقب ما يحدث، ثم وضع الوسادة من خلفها ليتجه إليها، فما أن شعرت والدته باقترابه منها حتى رفعت رأسها تجاهه لتخبره بفرحة مغموسة بدمعات السعادة:
شكلك بالظبط يا غيث نفس البوق والملامح
واسترسلت بحماس
أنا عندي صورة ليك وأنت صغير، هتلاقيه شبهك بالظبط.
ابتسم وهو يجيبها بذكاء كمن بلهجته الحنونة
طبعاً يا أمي مش ابني أكيد هيبقى شبهي!
كانت رسالة صريحة لها بأنها أخطئت بحقه وبحق زوجته، فلم يكن بحاجة للشبه والزمردة الدم المتطابقة إليهما، ولكن ربما هذا الأمر يجعلها تثق فيما قال، أعادت "سمية" فرد الغطاء الرقيق على جسد الصغير، ثم حملته واتجهت للسرير، فجلست جوار "عائشة" تتطلع لها لدقائق بحرج، انتهت منها حينما قالت بحزن
متزعليش مني يا بنتي أنا كنت سخيفة معاكي أوي.
وزعت نظراتها المنصدمة بينها وبين "غيث" الذي منحها ابتسامة صافية واشارة لها بأن تحتضنها، فلم تتردد عائشة في ذلك، ثم قالت باحترام مفيش بنت بتزعل من والدتها يا ماما، أنا بالعكس نسيت كل حاجة في الوقت اللي شوفت فيه فرحتك بابني.
انسدلت الدموع من عينيها على مسامحتها لها بعد ما فعلته كانت تعلم بأن الأمر سيتطلب طلب السماح والغفران أكثر من مرة لما فعلته، ولكنها لم ترد تعكير صفوهما في تلك اللحظة بحديثها عما مضى لذا منحتها ابتسامة صغيرة قبل أن تعود لتأمل الصغير من جديد لتسأله بفضول:
هتسميه أيه يا غيث ؟
قال بعد فترة من الصمت
أكيد هسميه على إسم بابا الله يرحمه.
رددت والدته إسمه بسرور:
یزید!
أعاد هاتفه للوضع الصامت للمرة الخامسة بعدما تلقى بها مكالمة من زوجته، فخرج "عمر" من الغرفة، ثم أجابها بصوت شبه مسموع
أيوه يا حبيبتي..
أتاه صوتها المتعصب:
أنت لسه فاكر ترد بعد كل المكالمات دي!
مسمعتش الموبيل لإنه صامت.
إنت فين أنا كلمتك أكثر من مرة على تليفون العيادة الممرضة قالتلي إنك مجتش النهارده
بدى مرتبكاً، فكيف سيخبرها بما حدث مع أخيها وهي بتلك الحالة الغير مستقرة، فقال بعد صمت استحضر به خطة بديلة تخرجه من مأزقه لذا قال:
أنا مع "غيث" بالمستشفى، "عائشة" بتولد.
قالت في صدمة: ازاي ده بس لسه عن معادها كتير.
ثم استحضرت سؤالا هام يبعدها عن هذا القلق المميت:
طب طمني قامت بالسلامة ولا أيه؟
أجابها على الفور، بفضل مداومة اتصاله بغيث:
الحمد لله ربنا رزقهم بيزيد.
قالت ببسمة مشرقة:
ما شاء الله ربنا يباركلهم فيه.
ثم قالت بلهفة:
طب اديني أكلمها أطمن عليها.
مرر يديه على طول شعره بتوتر، تعداه حينما قال بحيادية:
شوية وهخليها تكلمك لإنها لسه طالعه من العمليات.
وأغلق معها الهاتف على ذلك الاتفاق الذي أنقذه في ذلك الوقت، فما أن أغلق معها حتى عاد تنفسه لمجراه الطبيعي، فمازال يخشى أن تعلم بما حدث لعاصي فحينها ستتدهور حالتها ، فهو بالنسبة إليها ليس مجرد أخاً بل أبيها الذي تكفل بتربيتها ومساندتها بكل ما يمتلكه من مشاعر تعوضها عن فقدان والدتها وأبيها، لذا عليه التعامل مع الأمر بمفرده لحين أن يستعيد "عاصي" صحته، وقد بدى ذلك إليه حينما استعاد وعيه، ولكنه الآن يعفو بفعل الأدوية، فخلع "عمر" معطفه ثم تمدد على الأريكة الصغيرة، ليسمح لنفسه بنيل قسطاً من الراحة بعدما هاجره النوم لساعات طويلة، تمكن بها القلق والخوف من السيطرة عليه...
بزغت الشمس كقبلة في ثغر الصباح المشرق؛ فأندفعت حزمة من أشعتها الذهبية على أوراق الأشجار المحاطة بالمشفى الخاص وأصوات العصافير تنساب شجية من بين أغصانها وكأن هناك إحتفالا مهيب بصحبتهم؛ فخلقت أصواتهم جواً مثالي يطرب الآذان لسماعه، فبدأ "عاصي"
بمهاجمة النوم العابس الذي يغلبه كل دقيقة، وتلك المرة حفزته عزيمته على النهوض، فإتكأ بمعصم يديه الأيسر حتى نهض عن الفراش، فرى يديه الأخرى محمولة برباط طبي يتعلق برقبته، بدى منزعج مما تقيد به، ولكنه حمد الله بأنه على الأقل مازال على قيد الحياة، فاستكمل خطاه الثقيل تجاه الشرفة المقابلة للسرير، فوقف يتأمل المنظر المحاط به بنظرة غامضة، كان على وشك خسارة حياته من تلك البقعة التي كانت ستعد نهاية إليه، أغلق "عاصي" عينيه بقوة، يشعر بنسيم تلك اللفحات الباردة التي تجدد شعوره بالحياة، ومن ثم استدار ليتأمل أروع ما يبدأ به عودته للحياة، أضاءت عينيه بوميض مصاحب لفرحة وفخر لاختياره لإصدقاء لم يخون أي منهما العهد، "غيث" يغفو لجواره على المقعد، و"عمر" على الأريكة القريبة منه، كلا منهما تناسى مشاغله الخاصة لأجل صديقه
المقرب، فما الذي سيسعده أكثر من ذلك، دنا "عاصي" منهما، فهز "غيث" برفق، ليفتح نصف عين بانزعاج، فوجده يقف أمامه ويخبره بشفقة:
نام على السرير بدل من نومة الكرسي ده مش مريحة.
فتح عينيه على مصرعيه ثم قال بفرحة:
حمد لله على سلامتك يا عاصي.
واحتضنه بهلع
أنت متعرفش قلقتنا إزاي !
رفع "عاصي" يديه على ذراعيه المصاب بألم سيطر على معالمه، فابتعد
الأخر عنه وهو يقول ساخراً:
لا مواخذة نسينا إنك متجبس ولسه مش في حالتك الطبيعية.
منحه نظرة شرسة، فضحك بصوته الرجولي وهو يشير إليه:
لا مش عايزك تضايق كده، لسه في استقبال للمولود ودنيا.
رفع حاجبيه وهو يتساءل بدهشة:
مولود مین، هي مراتك ولدت؟
اجابه بفرحة:
تصفح
أيوه ولدت إمبارح ومش هتصدق مين كان معاها !
سأله بفضول بعدما رواده شك بالأجابة:
مین؟
رضى فضوله بإجابته السريعة
خالتك بنفسها، وتقريباً كده لما شافت الولد اتحولت 180 درجة، كأن اللي
حصل محصلش من الأساس، ده أنا حتى سايبهم مع بعض قبل ما أجيلك.
ارتاح باله لما استمع إليه، ليخبره بثقة :
كنت عارف إن ده هيحصل.
وركن جسده على المقعد، ليسأله بصوت واهن:
"لوجين" فين، عمر كان قايل إنه هيجيبها
نمت معالمه عن تكشيرة عظيمة، ليتبعها لهجة حادة وعنيفة
أكيد مش قادرة تواجهك بعد اللي حصلك بسبب الحيوان ده.
رد عليه بنظرة غامضة
لعبه معايا بقى على المكشوف، مدام هو اللي بدأ يستحمل التقيل.
ظن أنه على فراشه الوثير، فتقلب بنومته حتى بات بأحضان الأرض
فتمتم بنوم
لسه بدري على معاد العيادة طفي النور واطلعي.
اقترب منه "غيث" ليلكزه بقسوة
ومش عايز قهوة محوجة بالمرة
فعت نظراته حينما استمع لصوت "غيث" يأتي من غرفة نومه، ففتح
عينيه ليجد ذاته مازال بالمشفى، فعبث بأصابعه بعينيه ليعاتبه بضيق:
وهو عيب لما تعملي قهوة ياخويا .
ثم نهض عن الأرض ليجلس على الأريكة، ليعبث بعينيه بنوم
رفع غيث ساعة يديه ليجيبه بعد تفحصها :
10.. بتسأل ليه وراك معاد مهم ولا أيه؟
جحظت عينيه في صدمة حقيقية، فجذب معطفه الملقي أرضاً ثم ركض تجاه الباب وهو يعنف ذاته
إزاي فضلت هنا لحد دلوقتي، أكيد إيمان هتستناني ببوليس الأداب.
وركض من أمام أعينهم، ليترك الضحك يغرد بينهما، فجذب "عاصي" هاتفه، ثم طلب مدبرة منزله يسألها عن "لوجين"، فاستشاط غضباً حينما أخبرته بأنها لم تعود منذ أمس، ألقى هاتفه أرضاً وهو يصيح بإنفعال:
إزاي ده ، عمر قالي إنها كانت هنا!
صمت "غيث" كان مصدر شك إليه، فتطلع إليه مطولاً إلى أن كسر الآخر قاعدة الصمت الغير مستحب لعاصي في أمر جادي كذلك :
معرفش هي فين بس هي من إمبارح وكلامها بيأكد شعورها بالذنب باللي حصلك من قاسم، وأكيد أخدت خطوة من وجهة نظرها الخلاص ليك من اللي هتواجهه.
عبست ملامحه فباتت كمن أشعلها بحطب صلب، ففقد إتزانه لأول مرة وصرخ بالمجنون
غبية إزاي تعمل كده؟
وجاب الغرفة ذهاباً وإياباً، وكأنه وحشاً يزأر خلف عرينه ويستعد لمهاجمة فريسته، ولكن ربما الوحش يختلف تفكيره كلياً عن ذلك الذي يلجئ
للبلطجة، فكان عليه استغلال عقله جيداً ليجعله يعض أنامله ندماً على ما
إقترفه بحقه وحقها، لذا استدار تجاه غيث وهو يخبره بجدية صارمة
اسمعني كويس يا "غيث"، اللي هقولهولك يتنفذ بالحرف الواحد. صغى إليه جيداً، ومن ثم أخرج هاتفه لينفذ ضربته التجارية التي ستستهدف تجارته الذي يفتخر بها، سيجعله الآن يئن حينما يصبح تحت ضرس "عاصي سويلم"، الذي سيفعل المحال لتحقيق وعده بحمايتها الدائمة.
استيقظت من نومها على صوت دقات متتالية على غرفتها، ففتحت الباب وهي تجاهد لفتح عينيها بعدما ظلت الليل بأكمله مستيقظة، شلت أطرافها حينما رأت الخادمة تقف من أمامها بفستان زفاف بسيط التصميم، لا يتدلى طرفه للأرض مثلما حلمت به، فبدى إليها فستاناً عادياً ، ولكن باللون الأبيض، لم تنتظر الخادمة سماع إذنها بالدخول وكأنها تعلم هذا مسبقاً، فوضعت ما تحمله على الفراش ثم أبلغتها برسالة "قاسم"
حينما قالت:
قاسم بيه مستنيكي تحت هو والمأذون.
تجمعت هالاتها الدامعة في عينيها، فقد شعرت بأن وقتها قد انتهى، لم يعد هناك تمنيات بالنجاة من ذلك المأزق، لذا لم تهدر طاقتها في محاربة شيئاً لن يحدث بالأساس، فحملت الفستان ثم دخلت الحمام الغرفة لتبدأ بارتداء ثوب نعشها الأخير، فالقت نظرة متفحصة على نفسها حينما انتهت منه رفعت "لوجين" أصابعها المرتجفة على موضع قلبها وهي تردد بعذاب نبع من داخلها
متتخلاش عني يا عاصي، أنا مش قادرة أتخيل نفسي لحد غيرك.. أنا بأحبك وعارفة إنك مستحيل هتحبني بس على الأقل أنت جنبي! وترقرقت دمعاتها تباعاً، وأصابعها هي من تزيحها مثلما اعتادت منذ طفولتها، ازدحم قلبها بنبضاته الغير متزنة حينما عادت نفس الدقات المتتالية على باب الغرفة من جديد، ولكن تلك المرة فتح الطارق الباب ليوفر عليها فتحه، فوجدته يقف أمامها بحلى سوداء جعلتها ترى الظلام الدامس الذي على وشك عيشه كل ثانية من عمرها، وإزداد حينما ابتسم وهو يخبرها بفحيح صوته الخبيث
يالا عشان منتأخرش على المأذون يا عروسة !
👤👤👤👤👤👤
الفصل الثاني عشر.
حاول "عمر" فتح باب الشقة أكثر من مرة، ولكنه لم يستجيب لمحاولته، فعلى ما يبدو بأنها أغلقته من الداخل وتركت المفتاح عالق بالمقبض مثلما تفعل كالمعتاد، فضغط على الجرس مطولاً، ولكنها لم تجيبه، فالتفت يراقب درج العمارة بحرج من وقفته التي طالت لأكثر من نصف ساعة، لم يمل بها من الطرق، ليجدها تجيبه أخيراً من خلف الباب
راجع ليه كنت خليك عندها يومين ثلاثة.
كز على أسنانه بغضب من طريقتها الطفولية، ومع ذلك رد عليها بتعجب:
هي مين دي!
أتاه صوتها المتعصب وكأنها تعارك شياطين العوالم بأكملهم:
اللي كنت مقضي ليلتك عندها یا دکتور یا محترم
صوتها العالي جعله ينتفض بوقفته، وهو يراقب الأبواب الموصدة من جواره، ويتمنى بداخله أن لا يخرج أحداً من الجيران ليجده بذلك الموقف المحرج، وحينما تأكد بأن كل شيء على ما يرام، عاد ليرمي بثقل جسده على الباب ليخبرها بصوته المنخفض
ليلة أيه بس، افتحي يا إيمان وبلاش هبل، أنا مش قايلك كنت فين إمبارح !
واسترسل بعتاب ظنه سيجعلها تلين:
يعني عايزاني أتخلى عن غيث في موقف زي ده!
طرقت بيدها على الباب بعدوانية كادت بأن تخلع وجهه المستند على طرفه وهي تصرخ بشراسة
بطل كدب بقى أنا كلمت عائشة وخالتو إمبارح وقالولي إنك مجتش من الأساس.
انتصب بوقفته فور أن لمح جاره يصعد للأعلى بصحبة زوجته وأولاده، فما أن رأه "عمر" حتى قال بابتسامة مصطنعة:
نسيت مفتاحي جوه والمدام نومها تقيل.
منحته المرأة ضحكة صفراء واستكملت طريقها للأعلى، بينما اقترب منه جاره ليقترح عليه
ما تتفضل معايا فوق لحد ما الأمور تصفى بينك وبين المدام يا دكتور
عمر.
ا تتقنت عينيه بنظرة جعلت الأخير يهرول للأعلى سريعاً، فطرق الباب
بعنف كاد بإسقاطه، وهو يصيح غاضباً:
إفتحي الباب ده، أصل أكسره فوق دماغك.
جابهته بعناد
إكسره ميهنيش.
بقى كده ماشي يا إيمان.
وتراجع للخلف ثم اندفع بكل قوته تجاهه، ففتحت الباب سريعاً ليقابل الحائط من أمامه، وإرتد أرضاً من قوة اصطدامه، فمرر يديه على كتفيه الأيسر وهو يئن ألماً، فأغلقت الباب من خلفه ثم وقفت تحدجه بنظرة تشفى وانتصار، نهض "عمر" عن الأرض ليسرع تجاهها وهو يردد بوعيد
طب ورحمة أبويا وأبوكي مانا سايبك النهاردة.
شعرت بخطورة ما ستواجه، وخاصة بعد أن فقدت حجتها حينما كانت تحتج ببطنها المنتفخة، فكانت تسنتزفه وهي على يقين بأنه لن يقترب
منها، هرعت "إيمان" لغرفتها، فحاولت غلق الباب من خلفها، ولكنه كان الأسرع إليها، فقفزت من فوق الفراش لتصل للسرير الصغير الموضوع
جوار فراشها، حملت الصغير وهي تشير إليه بتحذير:
قرب وشوف ابني هيعمل فيك أيه، هتستقوى عليا ولا هتستقوى عليا! أدمى شفتيه وهو يردد من بين اصطكاك أسنانه
بقى أنا تعملي فيا كده كل يوم والتاني قدام الجيران، أنا مبقتش عارف أودي وشي منهم فين، ومش مضطر أغير الشقة كل شهر والتاني بسبب جنانك
تصفح
استحضرت دموعها الزائفة، وهي تشهق بصوت مبالغ به
واللي بعمله ده ليه مش من عمايلك السودة، كل شوية تختفي
وتختر علي حجة شكل، ولما أدور وراك ألقيك كداب.
ألقى الوسادة تجاهها وهو يصيح بإنفعال:
ومين قالك تدوري ورايا، متجوز غفير أنا ولا أيه؟
تفادت الوسادة ببراعة، ثم أجابته بعصبية:
أه ما أنت نفسك في كده عشان تدور على حل شعرك.
مرر يديه على جبينه وهو يحارب صداع رأسه القوي، فتمتم بخفوت:
وصلتيني لحالة صعبة، بقيت حاسس إني محتاج لدكتور نفساني
يكشف عليا وعلى المرضى اللي عندي لإني معتش عندي طاقة...
لوت شفتيها بتهكم
شوفت بقى إن المهنة دي مش لايقة عليك، لان الدكتور النفسي
المفروض يطون بيتسم بالصبر والهدوء والإتزان وإنت مفيش شرط من
دول متحققين فيك.
قلص المسافة بينهما، ليجيبها ببرود خطير
مهو ده حصلي من يوم ما شوفت خلقتك السودة دي.
وضعت الصغير على الفراش، ثم وقفت قبالته، لتواجهه بما قال:
نعم هو أنت كنت تطول، ده أنت حفيت ورايا عشان تتجوزني. كنت مغفل ومعترف بده.
خلاص إحنا ننفصل وكل واحد يروح لحاله، أنا هتصل بعاصي بجي
يخدني.
وحملت هاتفها الموضوع على الكومود ثم كادت بتحرير زر الإتصال فانتشل "عمر" الهاتف منها وبدى جاداً للغاية وهو يخبرها:
بلاش نزعجه كل دقيقة بمشاكلنا التافهة. تحوله السريع جعل الشكوك تتسلل لداخلها، وخاصة بعدم إتصاله بها منذ الأمس، حتى أنها لم يأتي لزيارتها ، فاننعقد حاجبها وهي تتساءل بخوف: ليه ماله عاصي يا عمر ؟
شعر بأن ردة فعله كانت مبالغ بها، وستكشف حتماً ما يخفيه عنها، لذا
تهرب من لقاء عينيها وهو يجيبها
مفيش بس مشغول شوية في شغله.
تعرفه أكثر من نفسها، طريقته بالتهرب كانت ملحوظة لها، فاقتربت منه ثم قالت بصوت مهزوز يستحضر البكاء في أي لحظة:
أخويا ماله ؟
أمسك "عمر" بيدها المرتعشة بين أصابعه الخشنة، ثم قال:
مفيش يا حبيبتي هو بس كان تعبان شوية ونقلناه المستشفى بس الدكاترة طمنونا عليه.
جحظت عينيها في صدمة، لتعنفه بحدة:
تعبان وأنت مخبي عني ولا همك!
ثم تركته وأسرعت لخزانتها، لتجذب جلبابها الأسود سريع الإرتداء، ثم
جذبت حجابها وصوتها يتقطع لبكائها
أنا كنت شاكة إنك مخبي عليا حاجة بس مكنتش متوقعة إن الموضوع متعلق بعاصي!
دنا منها عمر ثم قال :
ممكن ممكن تهدي الاول وتفهميني إنتي رايحة على فين وانتي لسه
تعبانة وبالحالة دي!
جذبت حقيبة يدها وهي تجيبه بقهر:
أمال عايزني أقعد وأسيب أخويا أنا لازم أشوفه عشان أطمن.
ثم حملت الصغير بين يدها، واتجهت للردهة، فاتبعها "عمر" وهو يحذرها: هناخدي الولد معاكي ازاي مش هينفع يتعرض للهوا وهو مكملش حتى يومين
استدارت لتقابله بدمعاتها التي تسيل على وجهها ، وقد شعرت به يخلق حجج حتى لا تغادر
انت ليه مش عايزني أروحله، عاصي جراله أيه بالظبط ؟
حزن "عمر" لأجلها، فهو يعلم ما يعنيه عاصي بالنسبة اليها، فحمل عنها الصغير ثم قربها لصدره ويديه تربت على ظهرها بحنو
عاصي كويس والله ، يعني معقول هيبقى فيه حاجة وهرجع البيت.
وأبعدها عنه ثم قال بلهفة حينما رآها مازالت تبكي:
دراعه بس مكسور ومتجبس، ولو مش مقتنعة بكلامي هخدك تشوفيه بس ادخلي الأول اغسلي وشك وفوقي كده وهننزل حالا أومأت برأسها، وولجت للداخل لتنفذ ما قاله بهدوء، وحينما عادت إليه وجدته أبدل ثيابه، وجهز الصغير في بطانة زرقاء أحاطت بالحقيبة الموضوع بداخلها، وقد حرص على لفه جيداً حتى يحميه من التيارات التي ستبدو باردة بالنسبة لجسده الهاش، ليغادر بها عمر للقصر بعد أن علم من "غيث" برحيلهما بعد اصرار "عاصي" على ذلك.
عاون "غيث" "عاصي" على إرتداء ملابسه، فصفف الأخير شعره بثبات تام، وكأنه على مدعد مع عشاء عمل خاص، وليس استعداده لمواجهة عدوه، فما أن انتهى حتى هبط للأسفل، فلحق به "غيث" قائلاً بحيرة: الناس مستنين منك مكالمة واحدة عشان يلغوا الصفقات المشتركة بينهم وبين قاسم خلدون، ومع ذلك أنت مش مديهم قرار نهائي للي حابب تعمله، أنا نفسي مش عارف إنت في دماغك أيه!
زار شفتيه بسمة خبيثة، فرد عليه دون أن يتطلع إليه:
كل حاجة في معادها بتبقى أفضل يا غيث.
وإتجه للخارج فدنا منه السائق بالسيارة، ومن ثم فتح بابها ليستقر بالخلف، فلم يتركه غيث تلك المرة وصعد لجواره، فاستكمل "عاصي"
حديثه بمكر:
اللي بيبتديها بالدم بيتوقع إن الرد هيكون بنفس الطريقة، ومبيقاش متوقع غير كده.
تعمق بالتطلع إليه، بنظرة حاولت كشف ما يفكر به، وحينما فشل أشار إليه
بضيق:
مش مرتاحلك.
منحه ابتسامة خبيثة وهو يتطلع من نافذة السيارة للمارة برزانة وثبات مميت.
أعلم إنك يا قلبي لست علي ما يرام، فهناك شيء يخنقك من الداخل ودمع يقف علي أطراف الأهداب يؤلمك بلا هوادة، فلم يشعر بك أحداً سوى الله ولن يلمح حزنك حتى أقرب الأقرباء، أصبحت يا قلبي تكتم نصف الحديث لأنه أكبر من أن يقال أو يفهم، فكم تمنيت أن تصرخ بأعلى صمتك و تقول مستحيل العيش دونه وكلمات أخرى تهمس بشوقك إليه، فكيف أخبرك بأنني أتألم مثلك ويعتصرني بفراق من عشقت، فربما الدمعات هي من تهون ما يشعر كلانا في تلك اللحظة، لا تعلم لما تختطف النظرات تجاه
باب المنزل الضخم، وكأنها تتمنى قدومه، بالرغم من أنها لا تصدق بأنه سيفعلها بعدما طاله الأذى، ولكن تظل الأمنيات شيئا اعتادي بالنسبة لجسد مازال بداخله روح انهمرت دمعاتها تباعاً حينما وضع المحامي الأوراق من أمامها قائلاً بابتسامة مصطنعة اعتاد رسمها في مناسباته:
إمضي يا عروسة.
وزعت "لوجين" نظراتها الحائرة بين "قاسم" ومكان الامضاء بعينين غائرتين، ولأول مرة ينتباها ضعف وقلة حيلة لما ستفعله، لم يعنيها أبيها كثيراً فلطالما لم يهتم لأمرها كيف ستهتم هي لأمره، كل ما يعنيها هو ذاك كثيراً فلطالما لم يهتم لأمرها كيف ستهتم هي لأمره، كل ما يعنيها هو ذاك الرجل الشهم الذي ساعدها وفتح لها منزله دون مقابل، كانت تود حمايته من شر عظيم، سيطوله هو وعائلته، مرر قاسم يديه على طول ذراعيها فانتفضت بفزع، لتتراجع بجسدها بعيداً عن يديه القذرة، فردد ببسمة بدت مخيفة
امضي يا حبيبتي مش عايزين نعطل المتر.
تناولت القلم بين أصابعها المرتعشة، وهي تحاول غصب أصابعها على التحرك فتختم إسمها بمثياق سيجمعها به ولكن لا تعلم لما خفق قلبها بتوتر جعلها تشعر بوجود حاميها، فرفعت عينيها تجاه الباب، فوجدته يقف أمامها بشموخه المعتاد، ونظراته الصقرية تحيط من يقف مندهش لجوارها، ألقت "لوجين" قلمها، ثم هرعت تجاهه، لتهمس بعدم تصديق: عاصي
خفق قلبه فشوقه لسماع صوتها كان يقتله على البطيء، ناهيك عن سماع اسمه بلحن شفتيها المعسول، خطف "عاصي" نظرة سريعة إليها، قبل أن يعود لمعركته الدامية بينه وبين ذلك اللعين، الذي أشار لرجاله بأن يطوفوا المكان، فكاد أحداهما بأن يبعدها عنه، فلم يكفيه سوى ذراعيه السليم لتحطيم عظامه، فتراجع للخلف عنها بخوف، بينما وقف "غيث" بظهره كالنمر المتأهب بالإنقضاض على فريسته بأي وقت، هبط "قاسم" الدرج القصير الذي يفصله عنه، فوقف مقابله في حرب باردة بالنظرات، أنهتها خشونة نبرته الحازمة
أنا مش قادر أفهم أنت ليه بتعمل كل ده عشانها، يعني اللي حصلك مدکش ذرة عقل تفكر بيه من اللي ممكن يحصلك.
ابتسامة مثل المرسومة على وجه "عاصي" بالرغم من جمود تعابير وجهه كانت مخيفة بالدرجة التي وترت من يقف أمامه، وخاصة حينما أبعد "لوجين" بيديه ليجعلها تقف من خلفه فاختبئ جسدها الهزيل خلف
ضخامته التي بدت مهيبة لها، ناطحه بنظرة شرسة قبل أن يحرر كلماته السامة:
%١٦
تصرفاتك الغبية صورتلك إن عاصي سويلم" جبان ومش هيكون له ردة فعل
لعق "قاسم" شفتيه بارتباك فشل باخفائه، رغم إنه بموضع قوة فبالنهاية يقف بمنتصف منزله ورجاله يحيطنه تقلصت المسافة بينهما حتى بات لا يفصلهما شيء، فخرج صوته كفحيح وهو يخبره
أنا حذرتك قبل كده وقولتلك أنت اللي بايدك هتكتب نهاية لامبراطوريتك العظيمة.
وابتسم ساخراً وهو يستكمل:
ما أنت عارف بقى إن عاصي سويلم مبيخلفش بوعد أخده على نفسه.
ثم أشار بعينيه لهاتفه الذي يحمله بين يديه:
رد على تليفونك.
حدجه بنظرة مشتتة، تحولت لخوف حينما رن هاتفه برقم هام بالنسبة إليه، فتوتر وهو يحاول استدعاء اتزانه ليجيب على المكالمة التي بدت له
من البداية تصب لمصلحة من فرفع الهاتف لأذنيه ليستمع لما استهدفه في مقتل، فجعله يفقد القدرة على تحريك ساقيه، فارتد للخلف ليجلس على المقعد باهمال، وهو يرى شاشة هاتفه تنذره بانتهاء المكالمة التي انتهت من الطرف الأخر، بخطوات واثقة اقترب منه "عاصي" ليضع قدميه على نفس مقعده، ثم مال بجسده تجاهه وهو يردد بتغطرس نبرته
الرجولية:
الصفقة اللي رهنت عليها ودخلت بتقلك بقت تخصني، يعني من الآخر بقيت على الحديدة ده لو بقيت تملكها.
ثم استكمل بنظرة احتقار إليه:
إسمك اللي فخور بيه ده أنا مسحته من السوق، ومبقاش فيه اللي تغامر بیه یا قاسم باشا عشان بعد كده تتعلم تلعب صح مع أسيادك.
ثم انتصب بوقفته وهو يستطرد بصرامة:
الدرس ده هيعلمك تختار عدوك صح، لإن النتيجة أحياناً بتكون قاضية...
وتركه واتجه ليقف جوار رفيقه وجوارها، فرفع يديه ليشير إلى من تتطلع
إليه بذهول وصدمة، ليقول ممازحاً إياها:
مش يالا نمشي ولا عجبك قعدتك مع الملزق ده.
رسمت ابتسامة على شفتيها أشرقت شمس عينيها التي تخفيها بين أهدابها، فاتبعت "غيث" للخارج، ولكنهم توقفا حينما استمعوا لصوت "عاصي" يتحدث:
نسيت أقولك إن الصفقة اللي بينا لسه زي ما هي عشان تعرف بس إني كريم وبديك فرصة تعوض خسايرك، ومن المفترض انك تكون ذكي وتستغلها كويس وتكسب رضايا عنك وده هيحصل لما تحضر فرحي أنا
ولوجين وتباركلنا بقلب صافي.
وغمز له بخبث قبل أن يغادر من أمام عينيه، ليتركه في صدمة وعدم استيعاب لما تمكن من فعله، فقد غلبه بكل ما تحمله معنى الكلمة، وجعله عاجزاً، يواجه صدمة تلو الأخرى باستسلام وانكسار.
لم تختلف صدمة "غيث" عن صدمة "لوجين" التي استمعت لإعلانه الصريح بالزواج منها ، بدت حائرة للغاية، ولكنها لا تنكر سعادتها بأن حصنها المنيع عاد ليحميها من جديد توقف السائق أمام المشفى التي تقبع به "عائشة"، بعد أن وجهه "غيث" فهبط ليتجه للداخل، كاد "عاصي" بتتبعه فاستوقفته "لوجين" وهي تسأله بدهشة:
عملت كده ليه ؟ أنت مش مجبر تتجوزني بعد اللي حصلك.
ابتسم "عاصي" ثم ضرب كف بالأخر وهو يردد بحيرة بجد مش مصدقك لسه من شوية بنقذك من الملزق ده وبرضه مش عاجبك اللي عملته !
أطبقت على شفتيها بقوة وهي تتحكم في دموعها، ثم قالت بصوت مختنق
وهتفضل لحد أمته تنقذني منه ومن شره؟
منحها نظرة عميقة قبل أن يقترب منها، ليخبرها بصوته الرخيم
لحد أخر نفس خارج مني، وقتها بس ممكن يقدر يأذيكي.
ثم تابع بمعسول كلماته التي سكنت جوارحها فكانت أعظم دواء:
ويمكن يخاف من شبحي اللي أكيد هيلاحقه فمش هيكون عنده اختيار تاني غير إنه يسيبك.
انغمست بكلماته التي اشعلت رغبات حبها تجاهه، فرفعت حاجبها وهي تتساءل بدهشة وهي تراه يتعمق بالتطلع لها :
في أيه!
تعلقت عينيه بعينيها لحظات بدت كاندماج الشمس والقمر معاً، وإحتضان
النيران لحبات الثلج فانصهرت خصائصه، فخرج صوته الرخيم يخبرها :
بحب الحياة المختلفة اللي عيونك بتعكسها، وجوايا رغبة إني أشوف أكثر من كده.
ثم جذبها إليه ليردد بهمس ساحر
وبعد جوازنا هيكون لينا عالمنا الخاص
ابتسمت بعدم تصديق لما تستمع إليه لتمتم ساخرة
مش قادرة أصدق إن اللي واقف قدامي هو نفسه " عاصي سويلم"
الكئيب، يمكن أكون بحلم وهفوق من الحلم ده بعد وقت قصير! هز رأسه نافياً وهو يخبرها بمكر:
متقلقيش مش هخليكي تفوقي أبداً منه.
ضمت شفتيها معا بارتباك، فعبثت بخصلات شعرها المتطايرة بفعل الهواء، ومن ثم شغلت عينيها بالتطلع جانباً، فتساءلت باستغراب: إحنا ليه جينا هنا، أنت كويس أجابها وهو يتحرك تجاه باب المشفى
هنطمن على "عائشة" وهنرجع القصر على طول.
اتبعته وهي تطرح سؤال آخر:
ليه مالها ؟
رد عليها بهدوء بعدما ضغط على الطابق الذي يود الصعود به بالمصعد ولدت.
ابتسمت بفرحة ثم قالت بمرح:
هي متفقة مع إيمان ولا أيه؟
منحها ابتسامة زادت وسامته يمكن.
أخفضت نظراتها عنه سريعاً، فما أن توقف المصعد حتى اتبعته لغرفتها، وعينيها تتلهف لرؤية الصغير، فما أن ولجت للداخل حتى وجدت الجميع
فأسرعت "إيمان" تجاه أخيها، وهي تردد بصوت مبحوح : انتقلت نظراته على "لوجين" وهو يجيبها ببسمة هادئة كنت بجيب عروستي.
عاصي، أنت كنت فين قلقتني عليك روحتلك البيت ملقتكش!
انستاها كلمته اصابة يدها، فرددت بفرحة _عروستك!
تدخل "غيث" بحديثهما حينما قال بمزح
نفس صدمتي لما عرفت إن أخيراً عاصي قرر يقطع العزوبية ويتجوز.
نهضت "سمية" عن مقعدها ثم أسرعت لتقف جواره، قائلة بفرحة اتنقلت بنبرتها
الف مليوون مبروك يا حبيبي.
منحها ابتسامة هادئة
منحها ابتسامة هادئة
الله يبارك فيكي يا خالتو.
واتجهت للوجين، فوضعت الصغير بين يدها وهي تضمها لصدرها :
مبروك يا حبيبتي.
اتنقلت نظرات "عاصي" المندهشة من تغير خالته لتلك الدرجة، فرفع "غيث" كتفيه بقلة حيلة، ومازال يقف جوار زوجته، فتحرك تجاه الشباب، بعدما ابعدته "إيمان" لتجلس جوار رفيقتها، حتى "لوجين" وقفت لجوارها لتحتضنها بحب وتبارك لها ما منحها الله به، مال عمر على كتفيه ليهمس بمشاكسة:
يعني لا كده عاجب ولا كده عاجب نقتل الولية يعني! لكزه "غيث" بقوة، فتعالت ضحكاته هامساً بمكر:
لا إحنا عندنا عريس ولازم نفوقله بدل حركات العيال دي.
انتقلت النظرات تجاه "عاصي" الذي أشار لهم بتحذير:
حواراتكم دي تبعد عني بدل ما وعهد الله ما أعمل فرح خالص!
الفصل الثالث عشر والرابع عشر والاخير من هنا
🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺
متخرجوش كل حاجه عوزينها عندنا واتفضلوا حضراتكم كملوا معنا هنا 👇 ❤️ 👇
وكمان اروع الروايات هنا 👇
انضموا معنا على تليجرام ليصلكم اشعار بالروايات فور نزولها من هنااااااااا
🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺


تعليقات
إرسال تعليق