رواية عذرًا لقد نفذ رصيدكم الفصل الاول حتى الفصل الثاني عشر بقلم الكاتبه فاطمه طه سلطان حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات
رواية عذرًا لقد نفذ رصيدكم الفصل الاول حتى الفصل الثاني عشر بقلم الكاتبه فاطمه طه سلطان حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للرواياتجملة قد تكون محفورة في ذهنك بسبب هاتفك أو رصيدك في حسابك البنكي لكن لا أظن بأنك قد فكرت بها يومًا وتأملتها لمدة ثواني أنتَ فقط سوف تسخر من العنوان، لذلك هنا جئتُ لأغير مفهومك عنها، وأن أضيف معنى أخر معنوي لها، لذلك أخبرني هل تأملت رصيدك في الحياة وما قدمته، وما أدخرته.. هل سبق وفعلت؟!!
ولو فعلت هل تظن بأنك تركت رصيد كافي في نفوس من يحبونك يجعلهم يتحملون أفعالك وتصرفاتك؟!!
وبعدها أخبرني هل رصيدك في الحب كان كافيًا ليجعل شريكك أو حتى صديقك يغفر لك ما أقترفته أم أن رصيدك قد نفذ؟!
الفصل الأول من #عذرًا_لقد_نفذ_رصيدكم
#شارع_خطاب
بقلم #fatma_taha_sultan
____________
اذكروا الله.
دعواتكم لأهلكم في فلسطين والسودان وسوريا ولبنان وجميع البلاد العربية.
___________
بداية القصة دومًا ما تصف علاقة البطل والبطلة أو حتى مشهد قد يثير الفضول بداخلك لمعرفة الحكاية، لكن البداية هنا مختلفة سوف نبدأ بالتحضير إلى الهجرة...
**
إيطاليا..
هي الوجهة التي سوف يتجه لها طارق البالغ من العمر سبعة عشر عامًا عن طريق الهجرة الغير شرعية، أصبحت كل الطرق أمامه مسدودة، ويريد أن ينفق على عائلته بعد وفاة والده، لذلك حاول تدبير ما تحتاجه تلك السفرية من نقود والآن يجلس في وسط أصدقائه المقربين جدًا، بعدما قام نضال بدعوتهما على العشاء في أحد المطاعم توديع لهما، رغم انزعاجه الشديد هو ودياب من أمر سفر طارق لكنه كان مصممًا ولم يستطع أحد أن يفرض عليه رأيه؛ هو أعلم بظروفه واحتياجاته في النهاية، طارق، دياب ونضال في المرحلة العمرية نفسها، يسكنون في المنطقة ذاتها، طارق ونضال في نفس الشارع - شارع خطاب - أما دياب يقطن في شارع أخر لكن في المنطقة نفسها.
تمتم طارق بعدما انتهى من تناول الطعام كحال دياب ونضال:
-إيه التكشيرة دي؟!.
أردف دياب بنبرة جادة مصرحًا بمخاوفه:
-علشان مش موافقينك على اللي بتعمله ده وأنتَ عارف من الأول السفر بالطريقة دي غلط، كام مركب غرقت يا طارق؟!!! بلاش اقولك على اللي هيحصل بعد كده من بهدلة ليك.
صمت حل على الجميع حاول طارق القضاء عليه وهو يهتف بنبرة حاسمة:
-اللي هيحصل هنا بهدلة وهناك بهدلة ومحدش ضامن عمره يا دياب أهم حاجة اني اعرف اصرف على أمي واخواتي مكنش قاعد جنبهم حاسس بالعجز.
قال نضال أخيرًا وهو يشعر بأن المحادثة قد تتخذ منحنى غير جيد:
-خلاص مبقاش يفيد الكلام في حاجة طارق خلاص مسافر بكرا، ان شاء الله يوصل بالسلامة ويطمنا عليه.
عقب دياب على حديث نضال بنبرة هادئة:
-يارب.
أردف طارق بنبرة هادئة وهو ينظر لهما بحب حقيقي وتقدير؛ هما ليسوا أصدقاء فقط بل أشقاء:
-أول ما اوصل ان شاء الله هطمنكم عليا وان شاء الله هكون معاكم على تواصل علطول أنا عمري ما هتخلى عنكم أنتم حياة طارق وصحبته وعشرته الحلوة.
ابتلع ريقه ثم تحدث بحسرة وهو يتذكر شقيقه الأكبر:
-أنا كمان سايب عيلتي أمانة ليكم أحلام وأسراء وأمي هنا وأنا مش قلقان عليهم علشان أنتم هتكونوا في ظهرهم مكاني، أنتم عارفين أخويا أشرف مع أنه الكبير بس ايده والقبر ملهوش دعوة بأي حاجة مراته مخليانا نشوفه في المناسبات والحياة وخداه.
رد نضال عليه بهدوء:
-امك واخواتك في عيونا يا طارق متقلقش ولا تشغل بالك أهم حاجة تخلي بالك أنتَ على نفسك.
تحدث طارق بنبرة متألمة لم يفهم أو يستشعر أحد ألمها أو يعرف سببه غيره هو، ولكنه قالها وهو يمرح معهما:
-ان شاء الله بس تفضلوا قاعدين مستنيني لغاية ما اعرف انزل اجازات واحضر فرحكم وبلاش يا نضال تستعجل ما أنا عارف أول واحد هتتجوز فينا والعروسة موجودة.
تمتم نضال بنبرة عادية:
-يا عم لسه بدري على الكلام ده وبعدين..
قاطع دياب هذا الحوار ساخرًا:
-اه نقعد فوق الثلاثة عشر سنة علشان نتجوز ساعتها نكون هنركب طقم سنان نضال عايز يستنى يستنى أنا هتجوز أول واحد فيكم اخلص بس الدبلوم الفقري ده واعمل المعادلة وادخل الجامعة ويحلها الحلال ساعتها.......
تم توديع مسافر ومــــرت ســنــوات....
وطـارق في غربته لكن كما وعد الثلاثة بعضهم لم تنقطع العلاقات أبدًا، وظل على تواصل معهم يوميًا، كانوا هم الونيس له في رحلته عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وظل طارق يعمل كل شيء تخيله أو لم يتخيله من أجل أن ينفق على عائلته، كحال دياب لكنه لم يجد السفر حلًا بأن يجلس بعيدًا عن عائلته وما جعله يتأكد من أن اختياره كان صحيحًا حينما توفت والدة طارق ولم يستطع أن يهبط لتوديعها والسير في جنازتها بسبب سفره هربًا وسفره قبل قضاء الخدمة العسكرية.....
_____________
في صباح يوم جديد...
بعد صلاة الظهر ولج إلى محل الجزارة رغم أنه أصبح مسوؤلًا عن المطتم المختص بالمشاوي "وحلويات الجزارة" الذي يُسمي خطاب والذي افتتحه قبل عامين فقط، إلا أنه يأتي إلى الجزارة أولا يقوم بتجهيز المحل مع الصبيان التي تعمل معه مثل إخراج وتنظيف السكاكين اللذان يعملان بها، ويخرج اللحوم من الثلاجات معلقًا إياها بالخارج، نضال يبلغ الآن من العمر سبعة وعشرون عامًا، تخرج من كلية الحقوق لكنه لم يعمل بها، يمكث في المنزل الخاص به وعائلته، يجلس في شقة مع شقيقه الاصغر سلامة الذي يبلغ من العمر أربعة وعشرون عامًا، ويجلس والده مع زوجته التي ينسى عددها في شقة، وشقة أخرى تجلس فيها ابنة عمه سامية برفقة والدتها انتصار.
ما أن انتهى من تلك التجهيزات وقع بصره على سامية التي هبطت من البناية، لاحت شبح ابتسامة على وجهه ولم يفكر أو ينتظر أكثر مهرولًا نحوها، ملتهمًا المسافة بينهم ملقيًا على مسامعها تحية الصباح وهو يجدها تحمل حقيبتها الكبيرة التي تخص عملها ولا تفارقها:
-صباح الخير يا سامية..
وقفت مبتسمة له بسمة صفراء معلقة على الاسم الأخير:
-اسمي ساسو مش زفت سامية هقولهالك كام مرة؟؟.
امتعضت ملامحه من أسلوبها الجاف قائلًا:
-هعتبر نفسي مسمعتش كلامك ولسانك الطويل اللي عايز قصه ده وقوليلي رايحة فين على الصبح كدة.
قال الأخيرة متفحصًا هيئتها وزينتها البسيطة ردت بهزل مستهزءة به:
-رايحة العب وبعدين أنتَ مالك اصلا؟!.
تمالك أعصابه وغضبه بصعوبة بالغة مغمغم:
-أنا مالي؟! هو أنتِ مبتعرفيش تكلمي زي البني الآدمين؟.
-لا مبعرفش ووسع بقى هتاخر على الشغل.
تحدتث بصرامة تزامنًا مع صوت عمها زهران الذي كان يهبط في الوقت نفسه من المنزل وقاطع الحديث وهو يحثها على الاقتراب:
-في إية يا ولاد على الصبح؟! الواد ده بيضايقك ولا إيه يا سامية؟!.
ابتسمت مجبرة واقتربت منه على مضض بينما ابتسم نضال؛ فمهما فعلت ستظل بنظرهم سامية وليست "ساسو".
كاد نضال أن ينفي لولا اندفاع سامية تتحدث بغضب:
-اه يا عمي أنا متأخرة لوحدي على الشغل وهو موقفني يعطلني زيادة وعمال يستجوبني.
اقتحم نضال الحوار وهو يدافع عن نفسه:
-بعطلك إيه ده أنا لسه كنت هعرض عليكي إني أوصلك.
قالت سامية بعصبية:
-شكرًا مستغنية عن خدماتك.
نظر لهما زهران بغضب حتى ينهي هذا الجدال:
-خلاص يا سامية متبقيش حماقية كدة ويلا الحقي شغلك في أمان الله يا بنتي وعايزين نشوف حوار العربية ده بدل ما تركبي مواصلات وتتبهدلي اخدك واختار ليكي أحسن عربية واللي تشاوري عليه.
ابتسمت له بسعادة بالغة ثم تركت قُبلة على وجنتيه متمتمة:
-ربنا يخليك ليا يا أحلى عمو في الدنيا كلها.
ثم قامت بتوديعه مغادرة المكان تاركه الآخر يشتعل، متحدثًا بنبرة منزعجة:
-هو أنتَ بتنصرها عليا يعني؟!.
رد عليه زهران بعقلانية:
-البت مش هتيجي بالطريقة دي الستات بتحب اللي يأخذها على قد عقلها مش يقعد يستجوبها ويتخانق معاها في الرايحة واللي جاية أسالني أنا ما أنتَ عارف أبوك خبرة يا واد.
أنهى حديثه وهو يبتسم ويغمز له يريد أن ينسيه ما حدث، ثم رفع زهران صوته وهو يشير إلى أحد الصبيان بنبرة متحفزة:
-مش قايلكم نازل؟! محدش جهز الشيشة ليه؟!..
أما على الطرف الآخر...
خلعت سامية حجابها عن رأسها واستقلت سيارة أجرة بعدما ابتعدت مسافة مناسبة عن الشارع، وبعد نصف ساعة كانت تهبط منها، لتسير على قدميها قليلًا وعيناها تبحث عن المنزل المنشود والتي آتت كي تزين صاحبته من أجل زفافها الذي سيقوم الليلة؛ فهي تعمل خبيرة تجميل ولديها عدد كبير من المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي..
انتشلها من شرودها وهي تتأمل الفيلا المقام بها حفل الزفاف، صوت الحارس مردد:
-حضرتك مين؟!.
-أنا الميكب ارتست مش هنا فرح ياسمين عادل؟!
-ايوة اتفضلي، دقيقة هبعت حد لحضرتك يشيل الشنطة.
_____________
هبط سلامة من المنزل ثم سار بضعة خطوات حتى توجه صوب البناية التي تسكن بها خطيبته جهاد برفقة عائلتها المكونة من والدتها يسرا وشقيقتها الكبرى سلمى، الجدير بالذكر بأن سلامة وجهاد تخرجا من الكلية نفسها، ويعمل الاثنان معًا في شركة خاصة بالسياحة؛ وفي الغالب يذهب الاثنان معًا إلا إذا حدث تغيير في "الشيفت"....
كان سلامة يسير معها كعادة كل يوم وهو يتحدث معها عن زوجة والده الجديدة أو السابعة، التي تختلف عن أي زوجة تزوجها بل هي أصغرهم..
كان رد جهاد خطيبته عليه لامباليًا:
-هي أول مرة يا سلامة ابوك يتجوز، ده أنا من ساعة ما اتخطبنا ودي ثالث ست ابوك يتجوزها في أقل من سنتين، إيه اللي جد يعني؟! ده ابوك بيغيرهم ولا كأنه بيغير سكاكين الجزارة بتاعته اللي بتعمر معاه عن كده.
تحدث سلامة بانزعاج واضح وسُخطٍ:
-هو أنتِ لازم تاخدي الموضوع تريقة وخلاص أنا غلطان أني بحكيلك حاجة هبقى أشوف حد غريب احكي ليه إيه اللي خانقني.
وقفت جهاد لتتحدث بـغضبٍ:
-أنتَ صاحي تقول شكل للبيع ومش كفايا أنك نزلت بوست وقولت لشاهندة كل سنة وهي طيبة امبارح.
صاح هو الاخر بغضب:
- دي زميلة لينا عادي ماجرمتش وبعدين آه بقول شكل للبيع ومتعليش صوتك عليا وأنتِ بتكلميني أنتِ سامعة؟!!.
هتفت جهاد بانفعال:
-لا هعلي صوتي براحتي، تصدق أنا هروح الشغل لوحدي، هي اصلا خطوبة مش نافعة.
-وأنا بقول برضو أننا مش نافعين.
رمقته بغيظٍ ثم أخذت تسير بسرعة شديدة ويتبعها هو الآخر، فلم يكن هناك سبب للمشكلة ولكنها حدثت بالنهاية ككل مرة..
_________
قامت انتصار بعمل فنجان القهوة إلى المعلم زهران شقيق زوجها الراحل منذ سنوات، وهي تقطن في البناية في شقتها هي وزوجها برفقة ابنتها سامية، أتى للحديث معها في أمر سامية ونضال وباب الشقة كان مفتوحًا لأنها تجلس بمفردها.....
-أنا طلعت علشان اتكلم معاكي في موضوع سامية ونضال بصراحة أنا مش عاجبني حالهم، وأنتِ عارفة نضال بيحبها وبنتك منشفاها معاه خالص وقافلة دماغها حاولي تعقليها يا انتصار محدش هيحبها ويحافظ عليها زي ابن عمها.
قالت انتصار بصدقٍ:
-والله يا معلم زهران أنا أمنية حياتي البت تلين دماغها، ده نضال وسلامة دول تربية ايدي يعني، وأنا عارفة أن نضال بيحبها.
تحدث زهران بنبرة ذات معنى وهو ينظر لها:
-بنتك مش عجباني يا انتصار بعيدًا عن حوار نضال من ساعة ما اشتغلت كوافيرة ولا مسكب ارتست الاسم الجديد اللي مطلعينه ده مش عاجبني وحاسس أنها اتغيرت ونظريتها للأمور اختلفت وكأنها مستعرية من عيشتها أو من أصلها...
تلون وجه انتصار ولا تعلم ما الذي ترد به عليه هو محق ابنتها تغيرت بالفعل لكنها حاولت الحديث بنبرة متوترة:
- أنتَ عارف البنات والشباب في السن ده بيحاولوا يعرفوا الدنيا ويجربوا لكن البت مفيهاش حاجة وبعدين برضو نضال مش عارف يجاريها ولا يقولها كلمتين حلوين دايما واقف ليها على الواحدة والبت عنادية.
أخذ زهران رشفة من فنجان القهوة هاتفًا ببساطة:
-أنا بقولك اللي شايفه في النهاية دي بنت اخويا حتى لو ملهاش نصيب مع ابني هي بنتي وتحت حمايتي وعلشان متفتكرش إني بتكلم علشان اقنعها بنضال مع ان نضال ابني ألف واحدة تتمناه هي بس اللي سايقة العوق ومش عارفة قيمته، كلمي بنتك وعقليها أنها تهدى وتقلل من الفيديوهات اللي بتعملها أربعة وعشرين ساعة دي، هو احنا محتاجين فلوس أصلا لشغلها ده؟!.
-الموضوع مش موضوع فلوس يا معلم.
هتف زهران بجدية وهو ينهض بعدما أنهى قهوته ووضع الفنجان على الطاولة:
-انا جيت وقولتلك اللي أنا حاسه أنتِ امها واكتر حد المفروض تسمع كلامه، عقليها كده وخليها تهدى وتتعدل من تاني وبلغيها أني اول الشهر هاخدها تنقي العربية اللي تعجبها هي والواد سلامة.
-حاضر يا حج.
______________
بعد انتهاء دوامه غادر وهو يشعر بالغضب يتمكن منه فقد أدرك منذ لحظات بأنها قد غادرت عقب انتهاء عملها ولم تنتظره، بالطبع لن تترك تلك الفرصة كي تخلق شجار بينهم، اخرج هاتفه وهو يوقف سيارة أجرة وحاول الاتصال عليها لم تجيبه في البداية لكن بعد محاولتين منه ردت في الثالثة وكأنها لم تفعل شيء:
-ايوة...
تحدث سلامة منفعلًا:
-أيوة في عينك، أنتِ من امتى بتمشي من غيري؟خلاص بقيتي تعشقي الخناق والنكد زي عينيكي، مفيش يوم يعدي علينا حلوين لازم كل يوم خناق.
رفعت حاجبيها واتسعت عيناها مذهولة من اتهامه إياها بما يفعله هو قائلة بعصبية:
-بجد والله أنا اللي بعمل كل ده وأنتَ بقى الملاك اللي بجناحين صح؟؟ لو حضرتك ناسي يا أستاذ سلامة أحب افكرك انك أنتَ اللي بدأت خناق وأنتَ اللي غلطان.
-ده أنتِ اتلككتي بحوار البوست اللي نزلته لـ شاهندة وكبرتي الموضوع مع أنك أنتِ كمان نزلتيلها بعدي..
قاطعته جهاد بغضب وغيرة واضحة:
-نزلته مجبرة ما هو مش معقول خطيبي ينزلها وأنا لا يعني وبعدين متقلبش التربيزة عليا عشان خلاص حفظت الشويتين دول.
-لا معلش بقى الشويتين دول أنتِ اللي بتعمليهم.
ثم وجه حديثه إلى السائق هاتفًا بغضبٍ:
-على جمب يسطا...
دفع الأجرة ثم هبط من السيارة وتحدث بانفعال وهو يتذكر نظرات السائق له المتابع للحوار:
-عارفة يا جهاد لو مشيتي من غيري تاني هعمل فيكي إيه؟!..
ردت ساخرة ثائرة وهي تخلع خاتم الخطبة من يديها تضعه في علبة الشبكة الحمراء:
-مش هتلحق عشان خلاص خلصت، واتفضل دلوقتي تعالى تحت الشباك عشان انزلك شبكتك.
-يا سلام وماله أنا اصلا طقهت منك ومبقتش عايزك ولا مستحمل نكدك.
انتشلت (السبت) واضعه داخله الشبكة وتحركت نحو الشرفة تنظر بالاتجاه الذي يأتي منه لمحته يقترب فصاحت به على الهاتف وهي تقوم بأنزال الحبل المتصل بـ (السبت):
-اتفضل ادي شبكتك اهي، ابقى روح أخطب شاهندة ومتخافش هنزلكم بوست ابارك لكم فيه يا أبو عين زايغه ميملهاش إلا التراب.
نظر لأعلى مراقبًا هبوط السبت وما أن وصل إليه حتى انتشل الشبكة من داخله قائلًا لها بالهاتف وعيناه تناظر وجهها بالاعلى:
-مش هتلحقي هكون بلكتك من أساسه.
_______________
تحرك "دياب" الذي يعمل بذلك المقهى الراقي الذي عمل فيه بصعوبة بالغة؛ وها هو يذهب قاصدًا إحدى الطاولات التي يجلس عليها مجموعة من الفتيات المدللات والتي يظهر هذا بوضوح على هيئتهم التي تشبه كل من يأتي هنا...
وقف دياب أمامهم وتحدث بتهذيب مرحبًا بهم واضعًا أمام كل واحدة منهم القائمة الخاصة بالمقهى:
-اهلا بيكم يا فندم نورتونا.
انتهى من إعطاء كل واحدة القائمة ثم وقف جوارهم منتظرًا طلبهم، انزعجت واحدة منهم ورفعت عيناها الواسعة ذات الأهداب الكثيفة مردفة بتهكم شديد:
-أنت هتفضل واقف كدة ولا إيه؟؟ ما تيجي تقعد جمبنا احسن.
لم يستوعب بالبداية أنها تحدثه هو، فقطب حاجبيه وأشار نحو نفسه:
-حضرتك بتكلميني أنا يا فندم؟!.
-اكيد بكلمك أنتَ مش شايفة حد غريب غيرك واقف.
-أنا مستني طلبات حضراتكم.
تمتمت ريناد بانزعاج واضح متأففة كعادتها:
-طيب تقدر تمشي ولما نطلب أكيد هنادي على حضرتك المفروض تدينا وقت لو مش هنضايق جنابك.
حافظ على تعبيرات وجهه وابتسم لها مجبرًا ثم تحرك مبتعدًا عنهم كي يتركهم بمفردهم مثلما طلبت مقررًا العودة إليهم بعد دقائق..
نظرت أحدى الفتيات نحو "ريناد" وتحدثت معاتبة إياها:
-حرام عليكي يا ريناد الولد وشه جاب ألوان وبعدين هو بيشوف شغله.
حركت كتفيها بلامبالاة قائلة:
-وأنا عملتله إيه يعني ؟؟ أي مكان المفروض يدينا المنيو ويسيبنا نفكر وبعدين فكك فكك يلا شوفي هناخد إيه مش معقول هنفضل نتكلم عن حاجة ملهاش لازمة زي دي.
مرت دقائق جاء خلالها من جديد كي يدون طلبهم ويأتي به، أملت عليه الفتيات طلباتهم ولم يرفع عيناه بأحدهم ثم غادر بانصياع وهو فقط يؤدي عمله.
حضر بعد دقائق ومعه طلباتهم ووضع أول كأس أمامها وكاد يضع الثاني حتى وجدها تصرخ بوجهه بفظاظة من جديد:
-هو مش سموزي ولا إيه؟؟
استنكر كلماتها وقال بانفعال رغمًا عنه:
-لا يا فندم سموزي زي ما حضرتك طلبتي.
احتجت ريناد البالغة من العمر واحد وعشرون عامًا هاتفة وهي تهب من جلستها:
-أنا كدابة يعني ولا إيه؟؟ أنا طالبة سموزي مش عصير عادي وبعدين المفروض اقولك في مشكلة تغير ليا الاوردر علطول مش تقعد تجادلني، إيه ده أنا اول مرة اشوف كدة بجد، قلة ذوق مش طبيعية.
استغفر ربه في سره ثم انتشله من أمامها على مضض:
- هجيب لحضرتك غيره.
وضع باقي الطلبات الباردة أمام البقية فعلقت ريناد على حديثه بوقاحة:
-أنتَ بتاخدني على قد عقلي ولا أيه؟! فين المسؤول هنا اللي مشغل حمير مبيفهموش وأغبية وانتَ قليل الذوق وأهلك معرفوش يربوك.
علقت أحدى صديقاتها على حديثها بحرجٍ:
-خلاص يا ريناد مهوا قالك هيجيب غيره في إيه؟!.
شهقة خرجت منها ومن صديقاتها حينما رفع دياب الكأس وألقى بمحتواه في وجهها دون ترتيب أو ذرة تفكير لم يتحمل الإهانة أكثر من ذلك وتحدث بثورة:
-ودي بقا علشان تكوني كملتي شكوتك وتكون محبوكة بالملي واهلي ربوني أكتر من أهلك اللي كسلوا يعلموكي الأدب....
تحول المكان إلى صراخات هسيتيرية وتجمع الجميع حولهما، وكانت ريناد في حالة هياج غير طبيعية تسبه وتلعنه، تصرخ مخبره أياه بأنها لن تتركه..
______________
-مش عايزاه، لو أخر راجل في الدنيا مش عايزاه واديته شبكته ونهينا الموضوع والمرة دي الكلام بجد وحقيقي؛ أنا مش عايزة سلامة يا ماما لو حد كلمك قوليلهم اللي بقوله ده أن خلاص موضوعنا خلص، ده لو حد أتكلم أساسا ده لما صدق أخد الشبكة وطار.
تتحدث بنبرة جنونية ومنفعلة؛ تظن بأنها تبدو طبيعية لكن والدتها تنظر لها بقلق، وجاءت من الداخل سلمى التي تبلغ من العمر خمسة وعشرين عامًا..
غيرت ملابسها وأخذت حمامها، وأتت من عملها منذ قليل وولجت إلى المطبخ تعبث في الأواني لتعرف ماذا صنعت والدتها لتغمغم بنبرة غاضبة هي الأخرى:
-إيه يا ماما الدهن ده كله، وايه الزيت ده كله، طاجن اللحمة هينفجر من الدهون اللي جواه..
ردت عليها والدتها يسرا بغضب واضح:
-هو ده اللي عندي أكل العيانين بتاعك ده أنا مبحبهوش، اللحمة لو مش ملبسة كده متدخلش ذمتي ببصلة مش عاجبك ابقي اعملي أكل لنفسك.
هتفت سلمى وهي تعقد ساعديها باختناق:
-والله؟! كل ده علشان بقول نقلل دهون شوية علشان صحتنا، لازم الكوليسترول يضرب في السماء وضغطنا يعلى..
قاطعت جهاد حوارهما بانزعاج جلي وهي تنظر لهما بغضب وغيظٍ:
-أنتم عمالين تتكلموا في الزيت واللحمة وسايبين مشكلتي؟!.
سألتها سلمى بغضب فهي أتت لتوهها من صالة الألعاب الرياضية التي تعمل فبها كمدربة؛ وتبذل بها مجهود شاقٍ جدًا وهي تشعر بالجوع الشديد وتعلم بأن مشاكل شقيقتها بالنسبة لها تبدو تافهة:
-مشكلة إيه دي بقا ان شاء الله؟!.
غمغمت جهاد بغضب وبكت رغمًا عنها وهي تجيبها:
-أنا وسلامة سيبنا بعض خلاص.
ضحكت سلمى مستهزئة وغاضبة
:
-والله الأكل أهم دلوقتي، وبعدين يعني بتعيطي ليه أنتِ لسه محفظتيش ولا فهمتي علاقتكم؟! ده أنتم بتسيبوا بعض يوم الاتنين بترجعوا لبعض الخميس، ده أنا لو مسمعتش أنكم متخانقين في أسبوع بحس أن في حاجة غلط، يومين كده وهتلاقيه جاي هو وابوه يرجعلك الشبكة.
رغم صحة حديث سلمى إلا أن جهاد لم تتقبله وهي تهتف باختناق:
-أنتِ علطول كده معندكيش دم وبتتريقي على اللي بقوله على العموم براحتك وكلوا واشبعوا أنتم أنا مش هأكل ومحدش يدخل اوضتي ولا يجي ورايا عايزة أكون لوحدي.
أنهت حديثها ورحلت وفعلت ما أخبرتهما به، وهنا تحدثت سلمى بنبرة جادة:
-على فكرة أنا من بكرا هشتري اللحمة اللي أنا عايزاها صافية مفيهاش دهون وهطبخ لنفسي وهريحك مني.
هتفت يسرا بنبرة ساخرة:
-ريحيني يا حبيبتي عقبال ما اختك هي كمان ميعجبهاش اكلي وتطبخوا وتغسلوا غسيلكم وتعملوا كل حاجة لنفسكم مدام لسانكم طويل كده، وبعدين خفي على اختك شوية حتى لو اللي قولتيه هو الحقيقة اسمعيها وخلاص بتفضفض بكلمتين.
تمتمت سلمى وهي تجلس بجانب والدتها متحدثة بنبرة واضحة:
-اصلي زهقت كل أسبوع تقلب الدنيا مناحة وتشتم فيه وتنشر غسيلهم قدامنا وتصالحه بعدها، مينوبناش غير أننا بنشيل منه، وبعدين كل خناقتهم عبيطة علشان هما عيال صغيرة، وعمالين زي ناقر ونقير كأنهم توأم.
-الحب كده يا بنتي، أنتِ بس اللي منشفة دماغك وقلبك.
قالت سلمى بلا مبالاة:
-الحب مش كده ولا غيره ولو كده مش عايزاه وبعدين أنا عايزة أكل بعد المجهود ده لازم اكل بروتين مش اروح واكلة طاجن لحمة بالبصل يخليني أضرب.
ردت والدتها عليها وهي تلكزها بضيقٍ:
-من ساعة ما الدبلومة دي بدأت واحنا في النازل وبقيتي تدخلي في الأكل وتغيري طريقة أكلك وأنا مبحبش كده اللي اعمله يتأكل انتِ سامعة؟ أنا مش باجي من الشغل علشان اطبخ اكل وميتأكلش.
-خلاص ياستي حاضر هأكلها، مفيش أي اخبار من خالو بخصوص سفري؟!.
تحدثت يسرا بنبرة واضحة:
-انا مش موافقة على اللي بتقوليه ده ازاي يا بنتي تتغربي وتبعدي عني؟! حتى لو هتكوني مع خالك ومراته برضو انا مش هكون مطمنة عليكي غير وأنتِ قصاد عيني.
ردت سلمى عليها بطريقةٍ منطقية:
-الفلوس هناك هتكون أحسن، انا عماله ادرس يا امي واشوف كذا مجال علشان نحسن من مستوانا وكده كده بنتك هتتجوز هبقى ابعتلك تجيلي وخلاص.
غمغمت يسرا بنبرة عاطفية:
-انا ولا أقدر ابعد عنك ولا ابعد عن اختك، أنا قولت لخالك يبطل يدورلك ودبيت معاه خناقة الصبح..
قاطعتها سلمى بـلومٍ:
-ليه يا امي عملتي كده؟! هو في حد واقف جنبنا من ساعة ما جوزك سابنا غير خالو؟! ده لولاه ما كنا درسنا ولا عملنا أي حاجة، حتى هو اللي بيبعت كل شوية فلوس علشان جهاز جهاد تروحي متخانقة معاه لأنه عايز يساعدني؟! هو أحنا لازم نعيش عمرنا كله عالة عليه، هو برضو ظروفه مش احسن حاجة لكن بيحاول على قد ما يقدر.
رغم أن كلمات سلمى أوجعتها وبشدة وجعلتها تتذكر أشياء لا ترغب في تذكرها:
-خالك فاهم أنا بتخانق معاه علشان خايفة عليكي ومش عايزاكي تبعدي عني، وبعدين ما أنتِ بتشتغلي هنا الفلوس اللي هتاخديها هناك هتكون العيشة أصعب وهتدفعيها في حاجات تانية، أنا مش موافقة ولو عايزة تكسري كلمتي براحتك انتِ مبقتيش قاصر.
وكيف لها أن تفعل؟!
رغم أن علاقتها بوالدتها تشبه علاقة الاشقاء وطوال الوقت في جدال دائم على كثير من الأمور، إلا أنها لا تستطيع الاستمرار في شيء لا يعجبها ولا تريده، لا ترضى عنه مهما بلغت إرادتها به..
___________
يسير دياب بانفعال وضيقٍ شديد؛ وهو ناقم من تلك الأيام والظروف، هل كان ينقصه ترك العمل؟! هل كان ينقصه فتاة مثله؟ هو لديه الكثير من الأقساط...
أمسك بهاتفه وقرر محادثه حبيبته وخطيبته ليلى لعلها تهدأ قلبه الثائر والقلق مما هو قادم، جلس علي الرصيف لقد تعب من السير، لتجب عليه بعد ثواني فهي طوال الوقت تحمل الهاتف بين يدها..
في البداية أخذ يسألها عن يومها كيف مر في جامعتها، حتي أخد يتلو عليها ما حدث متوقعًا منه أن تسانده، أو تواسيه لكن ما حدث كان العكس تمامًا وهي تهتف بنبرة ساخرة:
-يعني مش قادر تمسك نفسك يا دياب ما كنت سيبتها تقول اللي تقوله يعني.
صاح دياب بنبرة متشجنة:
-بقولك شتمتني بأهلي ومسحت بكرامتي الأرض دي أقل حاجة كان ممكن أعملها معاها أصلا.
أردفت ليلي بغضب واضح:
-اديك اترفضت، هو كانت الشتيمة بتلزق يعني، ده أحنا داخلين في ثلاث سنين مخطوبين يا دياب أنا تعبت ده ماما كل ما تشوف حد اتخطب أو اتجوز تسم بدني بسبب أنك مش عارف تخلص الشقة ده امي هطين عيشتي لو قولتلها أنك سيبت الشغل.
ردد دياب ساخرًا ومندهشًا مما تقوله فهي لم تفعل شيء لتقوم بتهدئه بل زادت من غضبه:
-جرا إيه يا ليلي ما تهمدي وبراحة شوية يعني أنا بكلمك علشان اشكيلك همي وتهديني تقومي تردحيلي، بدل ما تطايبي خاطري بكلمتين، بتشيليني الهم.
حاولت ليلى تصليح موقفها متحدثة:
-أنا مش قصدي حاجة و..
قاطعها دياب بنبرة صارمة وغاضبة فهي خذلته:
-خلاص ولا قصدك ولا مقصدكيش سلام دلوقتي لما أروق هبقى أكلمك.
أغلق المكالمة ولم ينتظر ردها ثم أغلق الهاتف بأكمله عليه أن يفكر فيما يفعل الفترة القادمة، وكيف يجد عمل بتلك السرعة...
_____________
انتهى يوم العزاء الثالث، عاد إلى منزله، الشقة الذي يقطن فيها مع ابنه عمه وزوجته، وهو مُرهق ومُنهك إلى حدٍ كبير، يشعر بأنه أصبح عاريًا منذ وفاة والده وكأنه هو من كان يغطيه، يشعر بالبرد وكأنه هو من كان يبعث فيه الحرارة، خائفًا لأنه كان هو من يبث به الطمأنينة...
ترك شقيقته الصغرى (حالات داون) في الفيلا الخاصة بعائلته ومعها المربية الخاصة بها ومعها شقيقها الآخر...
يحاول أن يفكر في أي شيء يريد الإبتعاد لمدة يوم واحد يحاول أن يعيد فيه تنظيم حياته وفقًا لمسؤولياته الجديدة، حتى أنفاس والده الأخيرة كان يخبره بألا يترك شقيقته، يضعها أمانة له....
جواد هو الإبن الأكبر للدكتور والجراح الكبير عز الدين منصور وهو خليفته في المهنة؛ يليه ابنه الأصغر الذي يعمل في مجال الهندسة الكهربائية في الصين، متزوج ولديه ثلاثة أطفال ويعيش في الصين برفقة أسرته وأتى اليوم من السفر، لم يستطع أن يأتي فور سماعه بالخبر بسبب ترتيبات السفر وسيعود بعد عدة أيام، ويجلس في الفيلا مع شقيقته الصغرى نسمة التي ولدت حالة من حالات دوان، تبلغ من العمر ثلاثة وعشرين عامًا، كانت أكثر حظًا قليلا من الأشخاص الذي يعانون من حالتها، هي استطاعت أن تستكمل دراستها بعد مجهود كبير بذلته والدها ووالدتها، وتتمتع بذكاء كبير، رغم بعض الانتكاسات الصحية التي تصاب بها...
كان والده يعطيه وصيته وهي الاهتمام بشقيقته لأنه يعلم بأن ابنه الأخر قد انتهت حياته هنا وأصبحت له حياة مختلفة، لذلك كان يجب عليه وضعها أمانة إلى جواد...
جاءت رانيا من الخارج بعدما أخذت حمام دافئ تمسح به عناء الأيام الماضية في المستشفى وبعدها وجودها في منزل لا تحب التواجد فيه كثيرًا غير أنه هناك جانب منها حزين جدًا على وفاة عمها لن تنكر...
رانيا تبلغ من العمر ثلاثة وثلاثين عامًا، لديها علامة تجارية محلية خاصة بالملابس النسائية ولكنها مشهورة نوعًا ما، بدأتها منذ ثمانية سنوات بدعم زوجها وعمها...
-جواد مش يلا علشان نتعشى؟! أنا جهزت العشاء.
رد عليها رد باهت وهو مازال يرتدي ملابسه لم يبدلها بملابس منزلية:
-مش جعان مليش نفس كلي أنتِ.
جاءت رانيا وجلست بجانبه:
-أنا عارفة اللي أنتَ حاسس بيه، وأنا اكتر واحدة ممكن احس بوجعك لأني مريت بيه قبل كده، بس الحياة بتستمر وعمرها ما وقفت على حد، بنفضل شايلين الوجع في قلوبنا ومكملين...
هتف جواد وهو يهز رأسه بهدوء:
-معاكي حق؛ وعلشان كده أنا قاعد بفكر هعمل ايه الفترة الجاية في حياتي وهرتب دماغي ازاي.
ردت عليه رانيا بثقة وبنبرة جادة:
-إدارة المستشفيات أنتَ قدها وقدود يا حبيبي وأنا متأكدة من ده، ومعاك الدكتور اسماعيل عمو كان بيثق فيه اوي، وعلشان كده أنا عايزاك تطمن أنك قد المسؤولية اللي أنتَ محطوط فيها.
نظر لها نظرات لم تفهمها ليغمغم بتوضيح:
-اللي أنا بتكلم فيه يا رانيا أكيد مش المستشفيات وبس، اكيد ده حمل تاني بس اللي بتكلم فيه هو نسمة اختي.
بهتت هنا ملامح رانيا تمامًا وهي تسمعه يستكمل حديثه:
-أنا كنت عموما ناوي نتكلم في الموضوع ده الصبح بس مدام الكلام جاب بعضه، أحنا هنروح نقعد في الفيلا مع نسمة.
عقبت رانيا باستنكار شديد:
-إيه اللي بتقوله ده يا جواد؟!.
-بقول اللي سمعتيه مش محتاج تفسير، دي أمانة بابا ليا، ولازم أراعيها وأكون قد الإمانة زي ما حضرتك فكرتي في المستشفي كان أولى تفكري في اختي اللي هي بنت عمك مش غريبة عنك.
لوت فمها في تهكم وهي تجيب عليه بعضب مكتوم:
-اللي عايز يراعي حد يزوره، يبات معاه يومين في الاسبوع يعدي عليه ساعة بعد شغله لكن مش يروح هو ومراته يقعدوا معاه، أنا مش موافقة اسيب بيتي وأمشي يا جواد، إيه اللي يخليني أقلب حياتي كلها؟! واحنا في ايدينا نهتم بيها من غير كل ده..
قاطعها جواد بنبرة ساخرة:
-على أساس أنك كنتي معتبراها عايشة معانا أصلا ولا كنتي مهتمة بيها علشان تعملي كده دلوقتي، وبعدين يا رانيا أنا بخلص شغلي وش الفجر وساعات بيكون عندي عمليات بقعد لتاني يوم في المستشفى غير العيادة يعني يدوبك لما اخلص شغلي اروح اشوفها مش هيكون عندي وقت إني لسه امشي من هناك واجيلك البيت.
هتفت رانيا برفض قاطع:
-قسم الاسبوع بيني وبينها اقعد مع اختك واعمل واجبك وأنا هكون راضية لكن أنا مش هقعد هناك.
صرخ جواد في وجهها كما لم يفعل من قبل:
-رانيا متنرفزنيش، اللي بقوله هيتعمل عجبك عاجبك مش عجبك انتِ حرة أنا هقعد مع اختي عايزة يكون ليكي مكان معانا اهلا وسهلا مش عايزة خليكي هنا لوحدك، معرفش أنتِ ايه الجحود ده، كل ده علشان عمتك..
قاطعته رانيا بنبرة جامدة:
-اه انا مبتحملش اعيش مع حد مصاب بالموضوع ده لا جسديًا ولا نفسيًا وأنتَ عارف.
تمتم جواد بنبرة حاول أن يكون بها هادئًا قدر المستطاع:
-حالة عمتو نورا الله يرحمها غير حالة نسمة تمامًا وبابا عمل معاها مجهود جبار وكان عنده الوعي الكافي هو وماما لده علشان كده بلاش كلام ملهوش لازمة علشان قراري أنا مش هغيره كفايا أوي لحد كده أنا سكت ليكي كتير.
-سكت ليا على ايه فهمني؟!.
قالتها بغضب ولم تجد منه إجابة فقط أشاح بوجهه إلى الناحية الأخرى لتتحدث رانيا بنبرة مرتجفة:
-كل ده علشان موضوع الخلفة اني مرضتش أخلف احسن يجي لينا عيل زي عمتو او زي اختك، واهو اتعاقبت اني عمري ما هخلف يا جواد، نظراتك ليا طول الوقت بتقولي الكلام ده بيها وعلشان تبقى عارف انا مش ندمانة على احساسي ساعتها ولو رجع بيا الزمن هاخد نفس القرار ومش هعوز أخلف، وأنا متعاقبتش ده كان نصيب وبس.
حك مؤخرة رأسه متمتمًا بنبرة جامدة:
-رانيا أنا مش عايز افتح مواضيع قديمة ولا فيا حيل لكل ده قدري اللي أنا فيه، وبمجرد ما اخويا عماد يسافر أحنا هنروح نقعد في الفيلا مع نسمة والكلام خلص، أنتِ محدش هيطلب منك حاجة، ولا تعملي حاجة ازيد من اللي بتعمليه هنا في اللي بيخدم اختي وبيشوف طلباتها وأنا اللي مسؤول عنها، لكن مش هسيب اختي.
زيجة غير مفهومة، كان بينهما قُبول إلى حدٍ كبير وكانت رغبة والده في المقام الأول بألا يترك ابنة شقيقته وليكون لها نصيب من إرثه بزواجها من ابنه كون أن شقيقه لم يكن ميسور الحال وحتى ميراثه من والده قد أضاعه في بضعة مشاريع فاشلة لم تعطيه النتيجة المرجوة، وبعد الزواج بدأت المشاكل في التزايد بعدما أتت رغبة جواد في الإنجاب وكذلك رغبة عز الدين، وقتها كانت ترفض الموضوع رفض قاطع تخشى ان تنجب طفلًا كـعمتها أو شقيقته..
حاول جواد إقناعها بكل الطرق وكذلك عمها، ذهبت معه إلى أكثر من طبيب يؤكد لها بأنه ليس من الضرورة أن تنجب طفلًا كهذا، نعم هناك احتمال كأي احتمال في أي جنين ولكنه ليس شيء مؤكد، لم تقتنع أن تأتي بطفل به احتمال أن يكون مصابًا وهي لن تقدر على رعايته..
نصح وقتها عز الدين ابنه جواد بالتريث وأنها مع الوقت سوف تقتنع وتلح عليها عاطفة الأمومة والغريزة الطبيعية لأي أنثى لكن مرت سنوات وهي تزداد تشبثًا بوجهه نظرها إلا أن اضطرت بسبب حالة طبية طارئة إزالة الرحم، كانت تقنع الجميع بأنها سعيدة وهكذا ذهبت كل مخاوفها وإن كان جواد يريد الزواج للانجاب هي ليس لديها مانع أبدًا وظل الحال بينهما هكذا دون الوصول إلى حل أو نتيجة......
____________
راجع ليه من تاني عايز ايه؟!
انساني اللي بتتكلم عنه ماضي وعدّى وزمن أهو راح حب ده ايه بكفاية حبك مات جوايا ونسيت قلبك ونسيتك وخلاص منك قلبي ارتاح..
انت اخترت طريق ومشيته بعت هوايا وقلبي نسيته واما خسرت في بعدي رجعلي بتفكرني بحب زمان هو انت بتكذب وتصدق كان من امتى بتعرف تعشق ابعد عني خلاص وياريتك لو تتعود عالحرمان...
أنا ضحيت بالدنيا عشانك ولا يوم قلبي باعك ولا خانك ضحيت انتَ بإيه علشاني بعت غرامي وفيّا جرحت ويّاك ضاع العمر عليا عمري ما شفت معاك حنية يبقى عايزني ازاي أرجعلك ولاّ أسامحك مهما عملت...
تصدع كلمات الأغنية بقوة من التلفاز الذي قام سلامة بتوصيل هاتفه به وهو يجلس على الأريكة يكرر كلمات الأغنية بمشاعر قوية جدًا؛ يجلس في الشقة التي يمكث بها مع شقيقه عند زواج والدهما لتركه مع زوجته في شقة منفصلة لهما...
جاء نضال شقيقه الأكبر من الغرفة مستنكرًا هذا الصوت المرتفع:
-في إيه يا عم سلامة عاشور، عايز اتخمد.
تمتم سلامة بحسرة:
-سيبني بقا هو الواحد ميعرفش يعمل موف اون؟! اطلع اقعد في شقتي أحسن مدام مفيهاش جواز واخد راحتي بدل ما أنتَ طالعلي زي عفريت العلبة كده.
صاح نضال مستنكرًا وهو يغلق التلفاز بواسطة لوحة المفاتيح:
-موف اون إيه اللي بتعمله كل يومين ده تشغلنا ذكريات كدابة، وهيجيلي موجوع وانت اخترت، وتيجي في نهاية الاسبوع تشغلي خليني في حضنك يا حبيبي، وماله لو ليلة توهنا بعيد، أنا زهقت من العلاقة دي، وبعدين أنتم مش لسه متصالحين يوم الحد...
هتف سلامة وهو يعتدل في جلسته باقتضاب:
-وادينا فركشنا تاني وخلاص الموضوع انتهى واديتني الشبكة من البلكونة.
-الشبكة الشارع كله حفظها من كتر ما هي طالعة نازلة في السبت لغايت ما خست جرامات من الطلوع والنزول، كلها يومين وهتتصالحوا...
قال سلامة منزعجًا:
-بقولك المرة دي خلاص أنا قفلت منها المرة دي مختلفة.
-أنتَ كل مرة بتقول نفس البوقين دول، أنا هدخل اعملي حاجة هشربها بدل وجع القلب ده وأياك تشغلي اغاني عايز تسمع ادخل اوضتك ياخويا او حط سماعة في ودنك مش ناقص قرف أنا وصداع على أخر الليل.
وقبل أن يتحرك نضال من مكانه وجد باب الشقة يُفتح بواسطة أحدى المفاتيح والتي بالتأكيد تخص والدهما ليدخل إلى الشقة بعدما انحنى وحمل ارجيلته متحدثًا وهو يأمرهما:
-حد يروح يقفل الباب.
ولج إلى الداخل وجلس على المقعد واضعًا قدم فوق الأخرى ويسحب نفس من أرجيلته متحدثًا:
-إيه صوت الاغاني وريحة السجاير دي؟!.
تحدث سلامة باستغراب:
-الاغاني أنا كنت مشغلها وريحة السجاير دي شميتها منين؟!.
-أنا اعرف؟! أنا اللي طالع أسالكم يا بهوات ريحة السجاير جاية منين في بيتنا الا من عندكم طبعًا، كنت واقف في المطبخ بولعلي على الفحم علشان الشيشة شميتها قولت اطلع اشوف مين فيكم اللي بيشرب.
ضحك نضال ولم يتمالك نفسه ثم تحدث وهو يجلس بجانب شقيقه على الكنبة:
-ريحة السجاير لفتت نظرك بس ريحة الشيشة دي عادي؟!.
-أنا اشرب اه لكن أنتم لا لازم تخافوا على صحتكم، الريحة دي لو جاية منكم قولوا بالذوق.
هتف سلامة بنبرة مقتضبة:
-يعني احنا بقينا شُحطة لو بنشرب هنخاف يعني؟! هتلاقيها جاية من أي حتة.
رد زهران عليه منفعلًا:
-ومالك يا شملول مش طايق نفسك وبترد عليا من تحت ضرسك كده ليه؟!.
-سيبه يا بابا بقا، سلامة محقق اسكور رهيب مفشكل هو وجهاد الشهر ده فوق العشرين مرة.
ضحك زهران متحدثًا وهو ينظر إلى سلامة:
-هي الحكاية كده بقا، يلا هتتصالحوا مش مشكلة، أنا عموما طالع علشان اقولكم تنزلوا تناموا معايا من النهاردة بقا.
تحدث نضال بفضول:
-ليه يا حج أنتَ كمان فركشت زي ابنك ولا ايه؟!
-لا أنا بطلق علطول أنتَ عارفني وهي خدت هدومها ودهبها وحاجتها وخلاص بكرا هروحلها بيت اخوها علشان المأذون هيجي ونخلص الموضوع.
تمتم نضال بنبرة ساخرة:
-يا بابا أنتَ مكملتش خمس شهور معاها.
سحب زهران نفس من أرجيلته متحدثًا ببساطة:
-مهوا دماغنا مكنتش شبة بعض وبرضو هي صغيرة عليا.
كان سلامة يأخذ دور المستمع بينما نضال يخاطب أبيه:
-يعني أنتَ لسه فاكر دلوقتي الكلام ده؟!.
ببساطة شديدة كان زهران يتحدث بنبرة عادية:
-طبعا مش أنا اتجوز وبعدين اشوف هي هتنفع ولا لا، أجرب وبعدين اشوف، وبعدين يعني هي مطلعتش خسرانة هي كانت تحلم؟! دي واخدة دهب يكفيها عمرها كله، وهي كانت داخلة تقلبني وانا كنت فاهمها وبديها برضو بمزاجي ولا هي أول واحدة ولا أخر واحدة.
زيجات قصيرة الأمد أطول زيجة فيهما أستمرت أربع سنوات، والاخيرة لم تستكمل خمسة أشهر...
هتف نضال بتهكم:
-الحمدلله ابويا بيتجوز ويطلق فجاة واخويا بيفشكل كل اتنين وخميس.
تمتم زهران بهدوء يسبق العاصفة او اختيار العروس الجديدة:
-لا اخوك دول لعب عيال بس ملكوش دعوة بيا ولا بحياتي انا غيركم، والاسبوع الجاي نروح نصالح جهاد وسلامة ان شاء الله.
رد سلامة منزعجًا:
-مش هصالحها لو اتشقلبت المرة دي.
هتف زهران متهكمًا وهو ينظر إلى نضال:
-ابقى سجله وصوره صوت وصورة يا نضال بعد يومين لما يجي يقولي علشان خاطري يا بابا تعالى معايا صالحنا على بعض علشان يشوف نفسه.
تحدث سلامة بغضب:
-يوووه انا داخل انام احسن بدل ما اكون التسلية بتاعتكم.
رحل سلامة إلى غرفته ليعقب زهران باندهاش:
-قوله مينامش علشان ينزل تناموا معايا بقا بدل ما انام في الشقة لوحدي.
عقب نضال على حديث أبيه بحكمة:
-لا يا بابا الشقة دي بتاعت العزاب مدام بقيت سنجل أنتِ اللي تنام معانا هنا، ولغايت ما تلاقيلك صيدة جديدة ابقى انزل.
سحب زهران نفس من أرجيلته متحدثًا:
-والله معاك حق يا واد يا نضال بتقول حكم، بقولك ايه ما تقوم كده تشوحلنا كبدة على سجق أنا جعان اوي هطلب الحاج ابراهيم يبعتلنا فينو كده طازة تعملنا سندوتشات...
-حاضر، واضح أن نفسك بتتفتح على الطلاق...
_____________
- الساعة داخلة على اتناشر يا سامية، هو أنتِ ميكب ارتست ولا رقاصة بروح أمك أنتِ فين يابت؟!!..
كانت انتصار تتحدث مع ابنتها في الهاتف، لكن توقفت عن الحديث وأغلقت المكالمة بعدما سمعت رنين الجرس؛ فتحت الباب لتجد نضال أمامها، ابتلعت انتصار وابتسمت بتوتر قائلة:
-اهلا يا بني.
نطق لسانه مستفسرًا عنها:
-هي سامية لسة مرجعتش لغايت دلوقتي؟!
قالت انتصار محاولة أن تبرر تأخيرها:
-متخافش هي بلغتني أنها هتتاخر، أصل العروسة طلبت منها تفضل معاها لحد الاخر، عشان كل شوية بتغيرلها المكياج و كل شوية تغير الفستان، وقال ايه عايزة تغير معاه الميكب.....
كز على اسنانه ولم يهتم بتلك الترهات التي تلقيها زوجة عمه عليه، فقد ينشغل قلبه عليها وخُيل له العديد والعديد من الأفكار....
-تعرفي الزفت الفرح ده فين؟؟؟
-لا والله ما اعرف.
تفاقم غضبه واراد الطيح بكل شيء أمامه، لم يتحمل الوقوف أو البقاء وهبط للاسفل كي ينتظرها ويستنشق هواء نقي عله يبرد نيرانه..
مضت ساعة ولم تأتي بعد، كاد يجن ويفقد عقله، سار مثل المجنون ذهابًا وأيابًا؛ حتى سقط بصره على إحدى السيارات وترجلها منها مهندمة حجابها التي يتضح بأنها لم تكن ترتديه.
جحظت عيناه، ولم يشعر بذاته الا وهو يقطع المسافة الفاصلة بينهم وقسماته توحي بالشر....
غادرت السيارة وهندمت حجابها ورفعت عيناها كي تصل إلي بنايتها، لكن تيبست في مكانها وهي تراه يقترب منها ويقبض على معصمها متمتمًا من بين أسنانه يتوعد لها:
-نهار ابوكي مش معدي النهاردة...
منتظرة تفاعلكم الحلو وتبشروني خير😂😂😂😂💜💜💜💜
بوتو يحبكم...
الفصل الثاني من #عذرًا_لقد_نفذ_رصيدكم
#شارع_خطاب
بقلم #fatma_taha_sultan
____________
اذكروا الله.
دعواتكم لأهلكم في فلسطين والسودان وسوريا ولبنان وجميع البلاد العربية.
___________
تفاقم غضبه واراد الطيح بكل شيء أمامه، لم يتحمل الوقوف أو البقاء وهبط للاسفل كي ينتظرها ويستنشق هواء نقي عله يبرد نيرانه..
مضت ساعة ولم تأتي بعد، كاد يجن ويفقد عقله، سار مثل المجنون ذهابًا وأيابًا؛ حتى سقط بصره على إحدى السيارات وترجلها منها مهندمة حجابها التي يتضح بأنها لم تكن ترتديه.
جحظت عيناه، ولم يشعر بذاته الا وهو يقطع المسافة الفاصلة بينهم وقسماته توحي بالشر....
غادرت السيارة وهندمت حجابها ورفعت عيناها كي تصل إلي بنايتها، لكن تيبست في مكانها وهي تراه يقترب منها ويقبض على معصمها متمتمًا من بين أسنانه يتوعد لها:
-نهار أبوكي مش معدي النهاردة..
كانت تلك الكلمات التي قالها نضال إلى سامية بعدما قبض على معصمها والسيارة التي كانت تنقلها كانت قد ذهبت في الوقت نفسه ولم تكن هي موضع اهتمام نضال الآن..
كان هناك خيارين بالنسبة إلى سامية أما أنها سوف تبكي لشدة خجلها وتوترها تحديدًا وهي تعلم بأن حجابها غير موجود على رأسها والخيار الثاني هو أن تكابر وترفع صوتها مثله متحدثة بانفعال واضح من أسلوبه الهمجي وتطاوله عليها وحاولت دفع يداه عنها لكنها لم تستطع فقالت بتشنج:
-إيه نهار ابوكي دي ما تتكلم كويس وتتكلم معايا عدل، فاكر نفسك مين يعني؟!! أنتَ مجرد ابن عمي وملكش حكم عليا ومش من حقك أبدًا تمسكني بالشكل ده.
هتف نضال بغضب جامح وهو ينظر لها:
-فين طرحتك ولا وقعت من الصياعة وقلة الأدب اللي أنتِ فيها، راجعة بعد نص الليل وقالعة طرحتك وعايزاني أكلمك ازاي يعني؟!..
كان قد ترك يدها فغادرت من أمامه وهي تحمل الحقيبة بصعوبة وركضت نحو المنزل وصعدت على الدرج وهو خلفها يسير بغضب، فقامت بقرع الجرس وفتحت لها انتصار الباب سريعًا وهي تنهر ابنتها كي تنقذها من بطشه وحتى لا تكبر المشكلة أكثر من ذلك:
-إيه اللى اخرك كل ده يا مقصوفة الرقبة حسابك معايا عارفة لو الموضوع اتكرر تاني...
عقب نضال على كلمات والدتها:
-يتكرر مين هو لسه هتستني لما يتكرر، بنتك راجعة من غير الطرحة يا حجة انتصار دي متخرجش من البيت تاني ومفيش شغل ولا غيره.
هللت سامية واضعة يدها أعلى خصرها وهي تأتي من الداخل:
-نعم يا حبيبي؟! يعني إيه اللي مفيش شغل؟! أنتَ بتحلم، وبعدين أنتَ مالك؟! حاشر نفسك في حياتي ليه أنتَ مجرد ابني عمي وقريبي ملكش أي صفة في حياتي أنتَ سامع؟! ده الواحد يسيب ليكم البيت ويغور في داهية، دي بقت عيشة تقرف....
انتهت من حديثها ثم ولجت إلى الغرفة دافعة الباب بعنف من خلفها، مما جعله يهتف بنبرة هسترية:
-أنا هوريكي القرف على أصوله يا سامية.
تحدثت انتصار بغضب وخزي من أفعال ابنتها:
-خلاص يا نضال يا ابني اهدى ووطي صوتك وأنا هتكلم معاها ونقعد بكرا نتكلم مينفعش كده هتلموا وتفرجوا علينا الناس أطلع يا ابني وعدي الليلة دي على خير..
_____________
في اليوم التالي..
-قسما الله لو ما حطيتي حد ليه واخدتي موقف بجد وبطلتي شغل معاهم معاهم عليهم عليهم ده هسيبلك البيت واطفش أنا بقولك اهو...
صرخت سامية في وجه والدتها بتلك الكلمات، منذ ليلة أمس نيران مشتعلة بها بسبب طريقته المستفزة والوقحة معها بالنسبة لها وأصابتها بالحرج أمام صديقها....
ردت عليها انتصار بغضبٍ:
-لمي نفسك وكلميني عدل، تصدقي هو فعلا نضال حياقك، يمكن يربيكي علشان أنا شكلي معرفتش.
قالت سامية بثقة:
-بقي علي أخر الزمن أنا أتجوز نضال ده اتخبط في نفوخه باين، أنتِ بس نضال داخل دماغك علشان ابن عمي وعلشان أنتِ طول النهار في البيت مشوفتيش الرجالة برا عاملة ازاي..
تمتمت انتصار ساخرة وهي تنظر لها بسُخطٍ:
- عاملين ازاي يا هانم؟! وبعدين هما الاشكال دي هيبصوا ليكي علي إيه يا بنت عبد السميع؟! اتوكسي واحترمي نفسك جيبتي لينا الكلام يا بجحة..
نما إلى سمعهما صوت رنين الجرس لتنهض انتصار وتفتح الباب لتجد زهران أمامها لتهتف بقلق وهي تبتلع ريقها بتوتر:
-أهلا يا معلم اتفضل.
هتف زهران بعبوس نادرًا ما يكون عليه دائمًا الجميع يصفه رجل صاحب "مزاج"، ولكن منذ الصباح ونضال يخبره بما حدث ليلة أمس مما أفسد مزاجه:
-البت سامية صاحية؟!.
ردت عليه انتصار بارتباك:
-أيوة اتفضل.
ولج زهران بعدما أفسحت له انتصار الطريق وهو يدخل ويجلس على المقعد بينما تجلس سامية على الأريكة وولج إلى صُلب الموضوع فورًا:
-بسببك يا سامية أنا لسه مشربتش الحجر بتاعي اللي مقدرش أكمل يومي من غيره وقولت أنزل اسمع منك اللي حصل بعد ما سمعت من ابني.
تمتمت سامية بغضب واضح:
-اللي حصل يا عمو أني مش عايزة ابنك ولا هفكر اتجوزه، وياريت يبطل يتحكم فيا ولا كأن في بينا حاجة، ده أول نقطة..
قال زهران بنبرة لا تعرف المزاح:
-أنتِ واخده مقلب في نفسك يا سامية ولا إيه؟! لو شايفة نضال ابني مش عاجبك ولا مناسب ليكي وشايفة نفسك علينا وعلى ابن عمك وأنك تستاهلي الأحسن فابني نضال لو شاور بس هيلاقي البنات تحت رجله فوقي من اللي أنتِ فيه.
كادت أن تجيب سامية عليه ولكنه لم يعطها المجال:
-وموضوعنا مش موضوعك أنتِ ونضال ولا هو بيتحكم فيكي بس أنتِ ساكنة في بيت رجالة، عمك مش مركب قرون يا سامية علشان تقلعي طرحتك؛ ولا عيال عمك *****، احترمي نفسك وارجعي لعقلك مش معني إني سايبك براحتك أني هسمح تخلي الناس تجيب سيرتنا على أخر الزمن.
هتفت سامية بتوتر ولكنها حاولت أن تكابر وهي تغمغم:
-الحجاب ده حاجة بيني وبين ربنا ومحدش له حق يدخل فيها وانا اصلا مكنتش محجبة بمعنى الكلمة يعني أنا كنت بحطها فوق رأسي وخلاص منظر؛ وبعدين ابنك قل مني واتكلم معايا بأسلوب وحش في الشارع هو مش وصي عليا.
تحدث زهران بنبرة واضحة:
-سامية كلام الستات أنا مبحبهوش ومعاكي حق نضال ملهوش حق يحكم عليكي بس أنا عمك وليا حق غصب عنك ولو أمك مش هتقدر تلمك وتحكم عليكي وتخليكي تحترمي نفسك وتفهمك أنتِ بتهببي إيه يبقى أنا اللي هحكم عليكي متخرجيش برا باب البيت.
كادت سامية أن تتفوه بما قد يخرب الوضع أكثر ولحقتها والدتها التي قالت:
-معلش يا حج زهران البت بس لسه طايشة وصغيرة.
هتف زهران بنبرة جامدة:
-صغيرة إيه؟! اللي قدها فاتحين بيوت كلامك ده اللي مخليها تتفرعن، أنا عمري ما حكمت عليها ولا ادخلت في حاجة وحتى ابني كنت بمنعه عنها وبقوله يشوف غيرها لكن ده مش معناه أنها تنسى أنها لحمي ودمي وأنا مش هقبل بأي غلط وكلام ملهوش لازمة، عقلي بنتك يا انتصار ولغايت ما تعقل ملهاش خروج برا البيت ولو على نضال هو من النهاردة ملهوش علاقة بيكي الكلام معايا أنا.
وجه حديثه الأخير إلى سامية ثم نهض، لتنهض سامية هي الأخرى متحدثة بعدم استيعاب:
-يعني إيه الكلام ده؟! انا عندي شغل ومواعيد وحجوزات.
رد زهران عليها ببساطة:
-مش هتخرجي من البيت لغايت ما تكون قد الثقة أننا نسيبك تخرجي وتروحي وتيجي زي الأول، ولا تقوليلي حجوزات ولا مواعيد اقعدي ساعدي أمك في البيت أنتِ مش ناقصك حاجة ومتجادلنيش اكتر من كده أنا رايح أشرب الحجر بتاعي على رواق..
وسار بضعة خطوات ليقول بنبرة جهورية:
-عقلي بنتك يا انتصار وخليها تحمد ربنا أن نضال هو اللي شافها مش أنا علشان كنت جرجرتها من شعرها..
كانت تلك الكلمات هي ما ختم زهران بها حديثه وهو يغادر من الباب الذي مازال مفتوحًا..
______________
بعد أذان العصر..
أول شيء فعلته سلمى عند دخولها إلى المنطقة هو الذهاب إلى جزارة خطاب من أجل شراء اللحمة؛ اليوم هو يوم الراتب لذلك هي ستقوم بشراء اللحمة التي قد تكفيها الشهر كله تقريبًا..
ذهبت وتحدثت مع الشاب الذي يعمل هناك وهي تخبره ببساطة شديدة:
-عايزة اتنين كيلو لحمة مفرومة واتنين كيلو صاحية، بس كلهم مفيهمش دهون خالص عايزة حتة لحمة حمراء، وعايزة كل ثمن منهم لوحده أو ربع...
عقب الشاب بانزعاج وهو يقوم بتقطيع اللحم للمرأة التي تقف بجانبها دون أن ينظر لها:
-ثمن إيه يا آنسة هي في حاجة اسمها كده؟!.
جاءه صوت رجولي يعرفه جيدًا وهو يأتي من خلف سلمى:
-كمل اللي أنتَ كنت بتعمله وأنا مع الآنسة سلمى هشوف محتاجة إيه وفي أي وقت تيجي تعملها طلبها.
هتف الشاب وهو يرفع بصره بنبرة هادئة وتغيرت نبرته تمامًا وهو ينظر لهنا:
-حاضر يا معلم نضال.
أستدارت سلمى متحدثة بنبرة هادئة:
-ازيك يا نضال عامل إيه؟!.
أجاب نضال عليها ببشاشة كعادته مع الجميع رغم انزعاجه مما حدث ليلة أمس حتى أنه تأخر في نزوله اليوم عن أي يوم أخر..
-الحمدلله بخير، ثواني هدخل اغسل ايدي واجي.
بعد دقائق كان يقف أمامها يقوم بتقطيع اللحمة لها؛ لحم صافي كما أختارت وأخذ يقسمه لها كما أرادت رغم أنه لا يفعل هذا إلا قليلًا لكنها في النهاية أخت زوجة شقيقه المستقبلية.
-وقفت علشانك مخصوص مهوا مش كل يوم بتنورينا دي أول مرة اشوفك..
تحدثت سلمى بنبرة ساخرة رغمًا عنها:
-شكرًا تعبتك معايا..
-العفو متقوليش كده وبعدين صحيح العروسة عاملة إيه؟!.
ردت سلمى عليه ساخرة:
- شكلها مفيش عروسة ولا عريس، جهاد حطت الشبكة لسلامة في السبت أنتَ متعرفش ولا إيه؟!
قهقه نضال هاتفًا وهو يهز رأسه لها متحدثًا وهو يزن اللحمة في الأكياس:
-اه ما أنا شوفت بعيني الشبكة منورة عندنا على السفرة، ويا ستي دول عقلهم صغير وبيحبوا بعض وكلنا عارفين أنهم هيتصالحوا، وبعدين هي أول مرة أختك تديه الشبكة يعني؟! على يوم الخميس هتلاقي أبويا طالع معاه او مرات عمي انتصار وبيصالحوهم على بعض.
تمتمت سلمى بنبرة هادئة وهي تعقد ساعديها:
-ربنا يصلح ليهم الحال ويهديهم.
- آمين يارب.
ثم أسترسل حديثه ببساطة وهو ينظر لها بعدما وضع كل شيء في كيس كبير ويمد يده لها:
-بعد كده لما تعوزي حاجة متتعبيش نفسك اتصلي بس بيا او بالرقم اللي على اليافطة ويطلعولك الحاجة لغايت فوق.
أخذت سلمى منه الكيس ووضعته على المقعد الحديدي الذي يتواجد جانبها هاتفه وهي تخرج محفظتها من الحقيبة:
-تمام شكرًا جدًا يا نضال.
-العفو على إيه بس؟!.
هتفت سلمى بهدوء:
-ها الحساب كام بقا مش عايزة أعطلك عن كده أكيد رايح المطعم.
عقب نضال على حديثها وهو يرفع حاجبيه:
-أنتِ بتهزقيني يا سلمى؟!.
تحدثت سلمى بعدم فهم لا تعلم فيما أخطأت:
-عملت إيه أنا غلط؟!
-حساب إيه اللي تدفعيه؟! أحنا أهل ومفيش الكلام ده.
قالت سلمى بصلابة وهي تنظر له رافضة:
-لا شكرًا يا نضال، بس مش هينفع لو سمحت قولي الحساب كام لأني معرفش أصلا كيلو اللحمة عامل كان دلوقتي أنا أول مرة أصلا أجيب لوحدي ماما دايما اللي بتجيب كل حاجة.
هتف نضال بهدوء:
-يا سلمى قولتلك خلاص.
-لا مفيش خلاص لازم تقولي بكام...
نبرتها كانت مرتفعة قليلا؛ وكان من يصعد على السلالم في الوقت نفسه الحاج زهران وخلفه الصبي يحمل له أرجيلته بعدما هبط من شقة شقيقع:
-أهلا أهلا يا سلمى يا بنتي مالك صوتك عالي ليه؟! هو نضال تخصص يضايق لينا القوة الناعمة ولا إيه.
ضحك نضال هاتفًا بسخرية من نفسه:
-شوفتي يا سلمى أهو هتثبتي عليا تهمة بحاول ابعدها عني.
ثم وجه حديثه نحو والده:
-يا بابا مصممة تدفع حق الحاجة.
تحدث زهران برفض قاطع وهو ينظر لها بعتاب:
-تدفعي إيه يا سلمي؟! متزعلنيش منك يا بنتي خدي الحاجة ودي حاجة بسيطة روحي....
ثم وجه حديثه إلى الشاب الذي يقف ويراقب الحوار ويشرب كوب الشاي:
-ادخل اوزن للست سلمى اتنين كيلو سجق كمان علشان تجربه وتقولنا رأيها
تمتمت سلمى بحرج شديد:
-يا عمو أنا مش هينفع اخد أي حاجة إلا لما أدفع ثمنها.
أردف زهران وهو يمزح معها:
-دوقي بس السجق والحاجة وقوليلي عجبوكي ولا لا، وبعدين نبقى نشوف حوار الدفع ده، عيب يا سلمى أنتِ زي بنتي وأحنا أهل، ده أنا حتى بقول عليكي عاقلة مش زي اختك وسلامة الاتنين عقلهم خفيف، ربنا يكملك بعقلك..
ثم أسترسل حديثه بنبرة ذات معنى:
-ازيك وازي الحاجة يسرا؟!.
ردت سلمى بحرج وهي تشعر بالضيق الشديد لم يكن عليها أن تأتي إلى هنا ولن تأتِ مرة أخرى:
-الحمدلله بخير.
تحدث نضال مقاطعًا الحوار:
-أنا هدخل اغسل ايدي وامشي علشان رايح هناك..
رد والده عليه:
-روح أنتَ وأنا كلمت ليك سمير يبعتلك الخضار...
______________
-يعني إيه يعني مش هتسبيني أنزل؟!.
قالت سامية تلك الكلمات وهي تقف بجوار والدتها في المطبخ وهي تقوم بتقطيع الخضروات من أجل صنع الطعام..
تحدثت انتصار ببساطة:
-هو أنتِ مسمعتيش كلام عمك؟! مش قالك مش هتنزلي من البيت؟! يبقى متنزليش.
هتفت سامية بنبرة غاضبة:
-وهو هيحكم عليا ليه؟!؟
-بصفته عمك، مش أنتِ عايزة حد له صفة يحكم عليكي مدام نضال ملهوش صفة يبقى عمك من حقه يربيكي.
غمغمت سامية متأففة بنبرة هسيتيرية:
-أنا معرفش أنتِ اللي سلبية معاهم بالشكل ده معايا ولا معاهم أنا اللي بنتك؟! وبعدين هما بيمنوا علينا يعني؟! أي حاجة بيعملوها ده حقنا مش زيادة منهم، وأحنا حريين.
أستدارت لها انتصار قائلة بعصبية مُفرطة:
-لا يا بنت بطني أنتِ مش حرة، مدام وصلت بيكي قلة الأدب أن حتى الطرحة اللي كنتي بتحطيها منظر ومبينه شعرك منها تروحي خلعاها بكل بجاحة معرفش ليه، يبقى أنتِ عايزة راجل يشكمك مدام أنا مبقتش قادرة عليكي وبعدين اتخفي من وشي أنا مش طايقاكي أصلا.
هتفت سامية بنبرة غاضبة:
-أنا هكلم خالو وخالتو على فكرة وهقولهم..
قاطعتها انتصار ساخرة:
-قوليلهم عمي مانعني اخرج علشان قلعت الطرحة وانا ماشية ولو مجاش خالك كسر رجلك وعمل اللي عمك معملهوش مبقاش انا انتصار وابعدي عن وشي بقا سبيني اتنيل اخلص الأكل بدل سدة النفس اللي أنتِ مخلياني فيها دي روحي اترزعي في أي حتة..
قالت سامية بتهور:
-أنا هنزل..
-عمك تحت لسه كنت شايفاه وانا بنشر الغسيل عايزة تفرجي عليكي الشارع وعلينا انزلي.
أبتعدت سامية عنها وذهبت إلى غرفتها وألقت بحقيبتها على الفراش بغضب وغل كبيران فهي كانت قد استعدت للخروج لكن الآن حديث والدتها جعلها تتراجع قليلًا ولأنها ترغب في السيارة لا تريد أي نقاش جديد مع عمها إلى أن تأتي السيارة على الأقل..
نهضت من الفراش والتقطت هاتفها وهي تغلق باب الغرفة ثم قامت بالاتصال على رقم مُسجل باسم حمزة..
أجاب عليها بصوتٍ هادئ ومشرق:
-الو يا ساسو عاملة إيه؟!.
على الأقل هي "ساسو" في نظر بعض الأشخاص، حمزة هو زميل لها في الجامعة، كانت على علاقة سطحية جدًا به، لكنها نوعًا ما كانت تكن له الإعجاب بطريقته وحديثه اللبق، وكل شيء...
وبعد ان انتهت من دراستها منذ عامين تقريبًا لم يحتك بها إلا قبل ثلاث أشهر تقريبًا وجدته قد أرسل لها طلب صداقة قامت بقبوله وأخذ يتابع منشوراتها ويبدي إعجابه بها وكان من القليل جدًا من الرجال الذين يتابعون محتوى هكذا...
كان بين الحين والأخر يسألها عن أحوالها في محادثات قصيرة جدًا وعلى فترات متباعدة إلى أنه قبل ثلاث أسابيع تواصل معها من أجل حفل زفاف شقيقته ورغب في إتيانها وجعل شقيقته تحدثها بأنها تتابعها وشعرت بالسعادة حينما علمت بأنها صديقة مشتركة بينها وبين شقيقها...
ليلة أمس كانت مختلفة جدًا بالنسبة لها، لطالما عرفت بأن حمزة من وسط مختلف تمامًا عن وسطها وبيئتها لذلك كانت ترغب في الظهور بشكل مختلف؛ وهي لم ترتدي الحجاب الحقيقي، ولا غير الحقيقي عن اقتناع، بل اجبرتها الظروف فقط؛ لكنها ترغب في ترك خصلاتها حرة وأرادت الظهور بهذا الشكل ليلة أمس، وفي نهاية اليوم عرض عليها أن يقوم بتوصيلها..
-الحمدلله يا حمزة أنا كويسة، أنا بس متأسفة مش هقدر اجي الكافية عندك النهاردة.
سمعت صوته تحول من الإشراق إلى العبوس في ثواني:
-ليه كده بس؟!.
-حصلت ظروف.
ادهشها وهي تسمع صوته من الهاتف يقول:
-بسبب الواد اللي جه في الشارع خدك ده لما نزلتي من العربية، على فكرة انا مرضتش انزل علشان ميحصلش مشكلة أنا استنتجت أنه حد من ولاد عمامك علشان كده مرضتش انزل واعملك مشكلة مع إني اضايقت جدًا من الأسلوب الهمجي ده..
شعرت بالحرج الشديد لذلك أجابت عليه:
-يعني أنا كنت متأخرة وكده..
قاطعها هو بنبرة واضحة:
-وهو ماله هو مجرد ابن عمك ملهوش حكم عليكي.
-يعني اكيد بس طبعا الموضوع وصل لعمي وأنا اتاخرت امبارح فحصلت شوية مشاكل يعني الأمور عندنا مش بتمشي كده.
سمعته يهتف متأسفًا:
-للأسف...
ثم أسترسل حديثه بنبرة خافتة:
-مع إني كان نفسي اشوفك النهاردة ونتكلم مع بعض واوريكي الكافية بتاعي اللي لسه فاتحه.
تمتمت سامية بنبرة هادئة ومرتبكة من أن تأتي والدتها في اي لحظة:
-معلش ان شاء الله تتعوض قريب أول ما ظروفي تتحسن هجيلك علطول أنا عرفت مكانه.
-بلغيني قبلها وهكون في انتظارك.
____________
- يوه يا إيناس أنا جاية أقعد معاكي مش علشان اشوف الحيطان.
قالت أحلام " شقيقة طارق" وهي تعمل طبيبة في أحدى المستشفيات، لم يقصر شقيقها طارق المهاجر في تعليمها ابدًا حتى أن أنهت دراستها والآن اصبحت طبيبة مثلما حلمت والدته للراحلة يومًا وتمنت.
قال أحلام تلك الكلمات وهي تجلس في الصالة الخاصة بشقة الزوجية الخاصة بصديقتها إيناس " شقيقة دياب" وزوجها عمرو الذي يكون متواجد في عمله الآن..
جاءت إيناس من الداخل وطفلتها "جني" البالغة من العمر ثلاث سنوات تسير بجانيها وهي ممسكة بطرف عبائتها، بينما شقيقتها التوأم "جواد" نائم بالداخل.
كانت إيناس تحمل فوقها أكواب الشاي وكعك صنعته من أجل صديقتها، وها هي تجلس على الأريكة مما جعل صديقتها أحلام تتحدث وهي ترى الضمادة الموجودة حول معصم ايناس والتي قامت بتغييرها عند إتيانها:
-عرفتي اخوكي دياب أو امك؟!.
تحدثت إيناس وهي تهز رأسها نافية:
-لا معرفتش حد لو عرفوا هتبقي مصيبة ومشكلة يا أحلام، أنا مش بروح علشان العيال والمسافة بعيدة على امي وهي عارفة ان ظروفنا على قد حالها مش بتيجي غير لو أنا عزمتها هي بتكلمني كل يوم وأنا بقولها أن كل حاجة تمام.
لوت أحلام فمها بتهكم متحدثة بجنون:
-المصيبة فعلا أن تعيشي تحت سقف واحد مع الراجل ده، اللي كل شوية يديكي علقة وأنتِ سكتاله.
تنهدت إيناس ثم أردفت وهي تراقب ابنتها التي جلست بجوارها على الأريكة تشاهد أحدى المقاطع على الهاتف:
-لو مسكتش هعمل ايه؟! ما أنا لما بناطحه بيضرب اكتر، ولو قولت لدياب او امي هيحصل مشكلة وهيطلقوني منه.
-احسن هو دي عيشة تكوني مطلقة احسن ما تكوني في بيته ولا للدرجاتي لاحس مخك وبتحبيه.
خرجت من إيناس ضحكة ساخرة وهي تتذكر وقت مراهقتها حينما كانت فتاة في مرحلة الثانوية العامة لا تدري متى وكيف تعرفت عليه، أنقلبت حواسها وقتها رغم تفوقها الشديد في الدراسة، الجميع كان يراهن بأنها ستدخل إلى كلية الطب هي وصديقتها وجارتها أحلام، لكنه استحوذ عليها بالكامل أهملت كل شيء لأجله حتى في النهاية ولجت إلى كلية التجارة ووقتها تم الزواج وهي في الفرقة الثانية، بينما أحلام ولجت إلى كلية الطب محققة أحلامها ورغم كل ذلك علاقتهما لم تنتهي أبدًا.
-الحب ده اللي ضحك عليا وكل عقلي بيه يا أحلام قبل الجواز، لكن دلوقتي مفيش حب كل حاجة راحت.
سألتها أحلام بعدم فهم:
-اومال مكملة يعني معاه علشان العيال؟! وهو صريف اوي يعني..
-لا مش صريف بس بيصرف حتى لو قليل أخر مرة روحت عن امي وغضبت من سنة مكنش بيبعت حتى جنية وأنا كنت متقلة على دياب أوي، دياب وراه حمل ما يتلم امي ودراسة اختي، وجوازه بقاله ثلاث سنين خاطب ولسه شقته مخلصتش لو روحت واطلقت هزود الحمل من عليه، خصوصًا ان امي قالتلي امبارح انه ساب الشغل.
تمتمت أحلام بحيرة وانزعاج:
-انزلي اشتغلي يا ايناس أنتِ مش جاهلة يعني والمحاسبة والشئون الإدارية مرتباتهم حلوة، أنزلي اقفي على رجلك كده واصرفي على نفسك والعيال وديهم حضانة.
أردفت إيناس بألم:
-مش عايزني اشتغل خالص.
-اطلقي واشتغلي وريحي دماغك وريحيني أنا مش مستحملة أشوفك كده..
تنهدت إيناس ثم ابتسمت بمرارة محاولة تغيير الموضوع:
-اتكلمي في أي حاجة تانية يا أحلام؛ أنا قرفانة وعايزة اقضي معاكي وقت حلو ينسيني الغلب اللي أنا فيه مش يفكرني بيه..
تفهمت أحلام ذلك وسمعتها تعقب بعدها:
-صحيح لابسة أسود ليه كده؟!.
أردفت أحلام موضحة:
-مش أنا قولتلك أن الدكتور عز الدين توفي، روحت المستشفى وكنت فاكرة أن جواد هيجي محبتش أقابله وأنا لابسة ملون بس مجاش النهاردة برضو.
ردت إيناس عليها بدهشة:
-أنا مش عارفة أنتِ عايزة أيه من الراجل ده؟! يعني ولا جواز عايزة تتجوزيه ولا عايزة تسبيه والمفروض انك بتحبيه.
-مش عايزة اكون زوجة تانية ولا عايزة الناس تتكلم عليا.
هتفت إيناس ساخرة:
-وهي الناس مش هتتكلم عليكي والمستشفى كلها عارفة العلاقة اللي ما بينكم تقريبًا؟!.
هزت أحلام رأسها متحدثة بلا مبالاة:
-دلوقتي هي مجرد شكوك غير لما يكون الوضع رسمي وواضح.
ببساطة شديدة أجابت عليها إيناس:
-طب ما أنتِ عارفة من البداية من قبل ما يكون في بينكم حاجة أنه متجوز ومن بنت عمه ومفيش أمل يطلقها؛ وهي معندهاش مشكلة يتجوز كمان علشان موضوع الخلفة زي ما قولتي وبعدين الراجل غني وبيجيبلك كل شوية شيء وشويات بتقبلي ليه مدام أنتِ مش عايزة.
أردفت أحلام بنبرة عادية:
-يعني أنا كنت بحبه ومنجذبة ليه في البداية فعلا بس مع مرور الوقت بحاول احسبها صح.
-عارفة إيه مشكلتك يا أحلام؟!.
-إيه هي مشكلتي يا إيناس؟!.
تمتمت إيناس بصراحة مطلقة رغم أنها لا تعرف الرجل نفسه فقط تقرأ عنه في صفحات التواصل الإجتماعي ومن صديقتها تسمع عنه:
-مشكلتك أنك بتدوري على الاحسن منه لكن لغايت دلوقتي مش لاقية حد ينافسه، يعني مش لاقية حد يجيبلك اللي هو بيجيبه ولا يعملك اللي هو بيعمله وبيساعدك في مجالك والمستشفى وبيصرف على الماجستير بتاعك، ويكون مش متجوز وقدك في السن لو لقيتيه هتكرفي الراجل ده، زي ما كنتي حاطة عينك على نضال بعدين كرفتيه لما لقيتي اللي يناسب مستواكي في التعليم...
ضحكت أحلام متحدثة بنبرة هادئة:
-بحب فيكي يا إيناس أنك فهماني أكتر من أي حد، وبعدين أنا فعلا بحب جواد بس برضو مفيش مانع اخد وقتي محدش بيجري ورايا وفي نفس الوقت هو فعلا مقدرش أتخلى عنه ده راجل لما أقول الحاجة قدامه بالصدفة بعديها بكام يوم يكون جايبها ليا ليه اسيبه؟!.
ابتسمت إيناس بعدم رضا:
-بس انا مش مرتاحة للموضوع ده يا أحلام يا حبيبتي، يعني خدي موقف الافضل يا تكملي معاه وخلاص مدام هو كويس يا تسبيه وتنتظري حد فيه المواصفات اللي أنتِ عايزاها.
قالت أحلام بثقة وهي تنهض من مكانها تعدل من وضعية ملابسها:
-متخافيش عليا يا إيناس أنا عارفة أنا بعمل ايه وبأخد أكتر ما بدي، المهم أنا هقوم امشي بقا قبل ما جوزك يجي، وهحاول أكلم جواد وأنا ماشية يمكن يرد عليا لأنه موبايله أغلب الوقت يا مقفول يا مش بيرد من ساعة وفاة والده.
ثم أسترسلت حديثها بنبرة ذات معنى وهي تنحني متحدثة بنبرة خافتة:
-الشنطة اللي اديتهالك فيها البرشام أنا جيت اول ما قولتيلي خلص ومش عارفة تنزلي تجيبي حاجة، اوعي تحملي تاني من الراجل ده حتى لو بالغلط هي المشرحة مش ناقصة قُتلة، كفايا عليكي جنى وجواد اوعي تسمعي كلامه وتخلفي تاني أبدًا، فهميه أن التأخير مش منك سمعاني.
-حاضر يا أحلام متقلقيش أنا مش ناوية أزود الحِمل عليا.
___________
في البناية التي يقطن بها دياب مع عائلته في الطابق الثالث..
أما الطابق الأول يعود إلى صاحب البناية ولكنه تركها منذ زمن وشقته مغلقة يأتي بين الحين والأخر...
أما الطابق الثاني تقطن السيدة بهية البالغة من عمر سبعون عامًا بمفردها، منذ أن وُلد دياب وهو يعلم بأن تلك المرأة تقطن بمفردها وبين الحين والأخر كانت تأتي شقيقتها مع طفلها إلى حين أن توفت ويأتي لزيارتها ابن شقيقتها فقط، تلك المرأة هي حالة نادرة بالنسبة إلى دياب، لم يأتِ في عقله يومًا أن تصبح أمرأة عزباء لمدة تزيد عن خمسين عامًا ولم تتزوج بعد وفاة خطيبها ظلت طوال عمرها وفية له حتى الآن تعلق صورته في منزلها، كانت دومًا حزينة يتذكر بأنها كانت أمرأة جميلة جدًا قبل أن يصيبها العجز وبعدها ذهب نظرها....
يحمل بين يديه كيس بلاستيكي يتواجد بداخله دجاج مشوي على الفحم من أجلها رغم أنها جزء من أخر نقود في جيبه بجانب ما أعطاه إلى والدته "حُسنية" من أجل مصاريف دراسة شقيقته ومصاريف المنزل ولا يعرف ما الذي سيفعله في أيامه القادمة..
ضغط على الجرس ولم يجد إجابة منها، كررها للمرة الثانية والمرة الثالثة، وهي أخبرته أنه إذا تخطى الأمر ثلاث مرات ولم تفتح، يدخل هو مستعملًا نسخة المفتاح التي أعطتها له ذات يوم لعل هناك مكروة أصابها، فتح دياب الباب وولج بلهفة وقلق بعدما ترك الطعام ليجدها تجلس على المقعد ترتدي خمارها المنزلي وهي تؤدي صلاتها هنا تنفس الصعداء وأغلق الباب ببطئ شديد وقرر أن يمرح معها قليلًا..
وجدها في مرحلة التسليم لذلك أسقط أحدى الزهريات البلاستيك التي أتى بها يومًا للزينة والتي يخرج منها ورود بلاستيكية ليجدها لم تتحرك ولم تصدر أي رد فعل ؤرغم أنها أنتهت من صلاتها ولكنه وجدها تنهض وتتوجه ناحيته وهي تسير على عكازها شعر بأنها أتت من أجل أن تفتح له الباب ولكن لم يكن في الحسبان أنها رفعت عكازها وضربته على كتفه متحدثة بسخرية:
-أنتَ فاكرني عامية يا واد ومش هحس بيك؟!.
تأوة دياب وهو يضع يده على ذراعه متحدثًا بفظاظة:
-أومال أنتِ أيه يا حجة؟! بتضحكي علينا يعني وبتشوفي؟!.
-بحس يا عبيط وبسمع، ودني بتسمع ضربة النملة يلا تعالي أقعد معايا وحشتني يا ابني.
هبط دياب بجسده وترك قُبلة على كفها الممتلئ بالتجاعيد وتحدث وهو يسير خلفها حتى جلس على المقعد وهي جلست على الاريكة، وتحدث:
-وأنتِ كمان وحشتيني يا بهية، عاملة ايه يا ست الكُل؟!.
هتفت بهية ببشاشة:
-بخير يا حبيبي وزي الفل، أنتَ إيه اخبارك من ساعة ما سيبت الشغل؟!.
رفع دياب حاجبيه وتحدث ساخرًا:
-جرا ايه ؤا حجة بهية طب بتحسي وبتسمعي ماشي، لكن مش شغالة في المخابرات، عرفتي الكلام ده منين؟! ده لسه امبارح...
ردت عليه وهي تستند على عكازها وتنظر ناحيته ولكن ليس له:
-مش بسمع صوت دبة رجلك وأنتَ نازل في ميعاد شغلك، فسألت البت حور وهي رايحة المدرسة قالتلي أنك سيبت الشغل.
-اهو بسبب واحدة بس لو أعتر فيها هلعب في وشها البخت ومش هيطلع عليها الصبح، واحدة من الناس اللي شايفة نفسها ومشافتش ساعة تربية.
تمتمت بهية بعد تنهيدة خرجت منها وهي حزينة على هذا الخبر الذي قام بتأكيده:
-معلش يا ابني اهو ده النصيب، نصيبك في الشغل ورزقك هناك انقطع لغايت كده، وربنا هيرزقك بالاحسن ان شاء الله؛ البت ليلى خطيبتك عاملة ايه؟!.
هتف دياب بنبرة مختنقة:
-زي القردة وشبة متخانق معاها.
ضيقت بهية عيناها متحدثة بانزعاج:
-ليه كده بس.
-كل ما أكلمها تجلد في اللي خلفوني، وهتعمل إيه هتعمل إيه، وتروح قايلالي أمي مش ومش أمي، وتقعد تشيلني الهم أكتر ما أنا شايله، فقولتلها متتصلش بيا تاني لغايت ما أفوقلها واشوف هعمل معاها هي إيه، أنا مش ناقصني واحدة تعلني.
حاولت بهية قول أي شيء قد تواسيه به:
-يمكن يا ابني بس هي نفسها تتجوزوا علشان كده بتعبر بطريقة غلط بس ومش قصدها تضايقك ولا حاجة.
-دي مش عيلة صغيرة ولا مش فاهمة كم الضغوطات والمسؤوليات اللي عليا أنا جه وقت كنت بنام اقل من ثلاث ساعات في اليوم، الصبح في المطعم وبليل كنت بشتغل في صيدلية دكتور جورج قبل ما يسافر علشان اعرف اجيب الشقة بس واسدد اللي ورايا وهي مش حاسة بأي حاجة طول الوقت هتعمل إيه، هتعمل إيه وتسم في بدني.
أردفت بهية بهدوء:
-خلاص روق كده وبعدين دي ليلى حبيبتك يعني، هي بس بتعبر عن خوفها عليك بطريقة غلط.
يعلم بأنها تحاول التهوين عليه بطريقة لم يفعلها أحد سوى أمه، حتى معشوقته تلومه في الليل وفي النهار، لا تشعر بعجزه الحقيقي....
هتف دياب محاولًا أن يغير الموضوع:
-أنا جايبلك بقا فرخة مشوية من عند الكبابجي اللي بتحبيه في السيدة روحت مخصوص.
عاتبته بهية متحدثة بتهكم:
-يا ابني خلي فلوسك أنا عندي كل حاجة والله مش محتاجة حاجة، لازم تقعد تبزعق في اللي معاك وأنتَ في فترة صعبة.
تمتم دياب بنبرة جادة:
-الساعة اللي بقعدها معاكي دي يا بهية بالدنيا وما فيها عندي وبعدين مستورة الحمدلله، أنا عموما لو احتاجت أي حاجة هاجي أخد منك مش أحنا صحاب وفي ضهر بعض.
ضحكت بهية على ما يبدو لم يستكمل جديته إلى النهاية:
-وأنتَ يا واد بتعرف تأخد أوي، أنا بطلت اطلب منك تجيبلي حاجة علشان مش بتأخد ثمنها وبقيت أقول لأبن ام شيماء وهو نازل علشان بيأخد مني وبيرحني.
حاول دياب تغيير الأمر قائلا:
-يلا يا بهية الفرخة هتبرد، أنا سايب البسلة بتاعت أمي فوق علشان بشوفها بتنرفز ومبحبش حتى اشوفها في الطبق قدامي ونازل أكل معاكي، تعرفي لو كنت شوفتك زمان او كنت عايش على أيامك أنا كنت اتجوزتك اهو احسن من بنات اليومين دول......
____________
تسير " أحلام" في الشارع وهي تضع الهاتف على أذنيها متحدثة بنبرة هادئة بمجرد أن سمعت صوته الكئيب بسبب ما يمر به:
-الو ازيك يا حبيبي عامل إيه؟!.
أتاها صوته من الهاتف مقتضب:
"الحمدلله يا أحلام، أنتِ عاملة إيه وإيه اخبارك؟!".
-بخير الحمدلله؛ المهم أنتَ عندي، كنت فاكرة أنك هتيجي المستشفى النهاردة وكنت مستنياك.
"مش هعرف اجي الكام يوم دول قاعد ما اخويا قبل ما يسافر ومع اختي".
بصوتٍ حنون كانت أحلام تعقب على حديثه:
-ماشي يا حبيبي خد وقتك مع أنك واحشني والمكان من غيرك ملهوش طعم، بس علشان خاطري حاول ترد على الأقل على الواتساب انا قلقانة عليك ومش عارفة أقعد كده من غير ما أعرف عنك حاجة.
"هحاول بس موعدكيش أنا مخنوق جدًا".
-عارفة ومقدرة اللي أنتَ فيه، لأني مريت بيه ربنا يعينك ويقويك يا حبيبي.....
_____________
مش بتحبى تعيشى حياتك غير بشروطك
مش بتحبى تشوفى حقيقتك غير فى مرايتك
مهما اتكلم عمرك مابتسمعى غير صوتك
خدتى حياتى وروحى وعمرى خلاص بكفاية
انانية وغرورها ماليها وبتظهر على غير حقيقتها
قسوتها دى احن مافيها وبتتباهى بحنيتها
ولا دى الانسانة اللى اتمنيتها ولا اختارتها
ياخسارة كل التضحيات اللى انا ضحيتها
على واحدة مبتحبش فى حياتها غير نفسها
مش دى الانسانة اللى اتهيائلى فى يوم حبيتها
ولا دى الانسانة اللى اتمنيتها ولا اختارتها
ياخسارة كل التضحيات اللى انا ضحيتها
على واحدة مبتحبش فى حياتها غير نفسها
يسمع "سلامة" كلمات الأغنية من المقطع الذي قامت جهاد بنشرها على حسابها الشخصي يحاول فهم ما الذي تريده في نشر مقطع هكذا الحديث لا يناسبه مثلًا إذا كانت قامت نشره من أجل أن يراه وهي تقصده كباقي الأغاني...
للحق هو مشتاق إلى حد الجنون لذلك أراد أن يكف عن العناد ويصالحها وأخذ يفكر في تعليق مناسب قد يكتبه لها على المقطع لعله يكون السبب في صُلحهم.....
" جرا إيه يا جهاد واخدة دوري ليه، أستاذ أحمد سعد كان بيغنيها لواحدة، ياريت تاخدي الاغاني اللي تمشي معاكي وتسبيلي الاغاني اللي تمشي معايا لو سمحت".
ألحق تعليقه بـ ملصق تعبير غامزًا لها، وكانت في الوقت نفسه جهاد الهاتف بين يديها رأت إشعار قد أرسل لها بتعليقه لتستشيط غضبًا وهي تقوم بقرأته وأخذت تكتب له دون تفكير وكعادة أي رجل حاول أن يصالحها وأن يبدأ الحديث بينهما لكنها ظنت بأنه يصفها هي، لذلك جدث مشكلة أخرى الرجال لا يعرفون تنسيق كلماتهم يقصدون شيء ويحدث شيئًا أخر...
"مين دي اللي أنانية وغرورها ماليها يا أستاذ سلامة؟! أنتَ تقصدني أنا بالكلام ده، كتر خيرك وعلى العموم أنا اللي غلطانة إني مبلكتكش من ساعة ما اخدت شبكتك كان المفروض متبقاش عندي على الاكونت..".
قرأ سلامة التعليق الخاص بها فهو ينتظره على أي حال وحاول قرأة تعليقه مرة أخرى ولا يعلم ما الذي فهمته تلك المعتوهة هو يريد الصلح معها...
ولما تخبر الناس على الملأ في التعليقات بأنها قد أخذ شبكته؟!.
" تبلكي مين يا جهاد؟! أنتِ شكلك أتجننتي"
تعليق يتم اتباعه بتعليق جديد...
"اتجننت يوم ما حبيتك يا سلامة واتخطبت ليك، لو أنا أنانية وغروري ماليني مالك بيا؟! خطبتني ليه واتحايلت عليا علشان أوافق بس اتخطبلك ليه"
"أنتِ كنتي تطولي أساسًا؟!! وبعدين أنا ولا قولت أنانية ولا غيره أنتِ اللي عاملة شير للأغنية أساسًا فوقي يا دراما كوين".
هذا ما كتبه وحاول كتابة تعليق أخر لكن في الوقت نفسه أتى له إشعار بأنه قام بانتهاك المعايير الخاصة بالتطبيق ولا يعلم ما الذي فعله!!!..
لكن كل ما يعرفه بأنه تم حظره...
ليراقبها وهي تعلق..
"مين دي اللي تطول اومال مين اللي كان في الطالعة والنازلة كان بيتحايل عليا علشان اوافق بيه"
كتبت جهاد التعليق وانتظرت رد لكن لا يتواجد رد لمدة دقائق.....ظ
قامت بكتابة تعليق أخر..
"أنتَ فين يا أستاذ سلامة؟! روحت فين؟! لما رديت عليك سيبتني؟!! ولا علشان معندكش كلام تقوله"
" ولا أقولك شوف نفسك بتكلم مين ان شاء الله عنك ما رديت".
كتبت تعليقها الأخير وألقت بالهاتف على الفراش ثم ركضت إلى الخارج بطريقة جعلت كوب الشاي الذي يتواجد في يد والدتها يسرا على وشك أن يسقط وهي تخبرها:
-أنا مش هرجع لسلامة أنتِ سامعة..
تزامنًا مع صوت صراخ جهاد كانت سلمى تدخل إلى المنزل وهي تحمل أكياس اللحم وبعض المشتريات التي وضعتها وتسمع صراخ شقيقتها وهي تختم حديثها:
-لو أخر راجل في الدنيا أنا مش عايزاه ولا يمكن ارجعله....
أنهت حديثها وركضت إلى غرفتها وهي تأخذ هاتفها من وسط دموعها وتجده لم يجب على تعليقاتها فقامت بمسح المنشور وأخيرًا انتبهت أن هذا الشجار كان أمام الجميع، ولأنها ترغب في تكملة الشجار كانت على وشك الاتصال به من كثرة الغيظ التي تتملكها ولكنها أبت من أجل كرامتها، لكن بما أن الهاتف قد اهتز في يدها معلنًا عن اتصال من سلامة نفسه إذن لن تتأذى كرامتها وهي تجيب عليه:
-ألو..
هتف سلامة معتذرًا أنه لم يستكمل الشجار..
"ألو يا جهاد معلش يا حبيبتي معرفتش اكمل الخناقة والله اتحظرت ومش عارف أرد اوعي تفتكري اني طنشتك".
ردت عليه بنبرة منفعلة:
-حبك برص..
" لا حبتني جهاد"
ثم أسترسل حديثه بشقاوة:
"وبعدين مين دي اللي أنانية يا بت، ده أنتِ روح قلبي من جوا يا جهاد وبعدين أنتِ معاكي حق أنا كنت بلف الدنيا وفي الطلعة والنازلة بتحايل عليكي علشان تتجوزيني ونتخطب، كل اللي قولتيه صح فعيب بقا بعد ده كله نفضها سيرة.....".
هتفت جهاد بكبرياء:
-والله كنت قولت لنفسك الكلام ده قبل ما تروح تنزل بوست لشاهندة تقولها كل سنة وهي طيبة..
"امسحلك شاهندة واللي خلفوها كمان لو حابة، هبلكها خالص؛ ولا هنزل لأي واحدة اي حاجة، بس نتصالح، يا جهاد احنا فرحنا قرب بقا المفروض نعقل شوية".
تمتمت جهاد بنبرة هادئة مقارنة بما كانت عليه:
-هو أنا يعني اللي بعمل المشاكل دي لوحدي؟! ولا أنتَ اللي بتقول شكل للبيع.
"حقك عليا، حقك عليا يا ستي أنا غلطان متزعليش بقا علشان خاطر اللي ما بينا، وبعدين هي ولا أول خناقة ولا أخر خناقة هتحصل يعني.."..
المشهد قد يبدو غريبًا..
لكنه ليس غريبًا أبدًا أن كان يصف علاقة كـ علاقة سلامة وجهاد....
في الخارج..
كانت سلمى هي التي تدب شجار هاتفة:
-أنتِ ليه مقولتليش أنك لما بتروحي تجيبي لحمة من عند جزارة خطاب أنهم مش بيأخدوا منك فلوس.
سألتها يسرا بغضب وتوضيح في الوقت ذاته:
-وهو أنتِ سألتيني وأنا مردتش عليكي؟! وبعدين أنا عارفة حصلت معايا مرتين ومن ساعتها بطلت اروح وبجيب من جزارة اولاد عزت من السوق وبريح دماغي وبعدين سلامة لما كان بيجي زيارات كان ساعات بيجيب معاه لحمة بس لكن انا مبروحش اشتري أنتِ مسألتنيش..
هتفت سلمى بنبرة ساخطة وأعصاب طوال الوقت مشدودة:
-كان لازم تعرفيني برضو...
قالت يسرا بجنون من بناتها فهما على وشك أن يكونوا السبب في ذهابها إلى العباسية:
-هو أنا بخمن يعني؟!!!! لو كنتي اتنيلتي سألتي كنت قولتلك وابعدي عني بقا علشان اخلص كوباية الشاي واقوم اشوف البت مالها إيه اللي فتحها تاني بالمنظر ده..
تمتمت سلمى باختناق شديد وهي تخبر والدتها بما حدث:
-انا روحت ومرضيش لا نضال ولا أبوه ياخدوا مني فلوس، وكمان ادوني حاجات غير اللي طالباها.
وفي الوقت نفسه وقبل أن تنهي يسرا كوب الشاي جاءت جهاد من الداخل ببسمة واسعة وهي تمسح دموعها بيد واليد الاخري تحمل الهاتف بها والذي كان سلامة عليه..
-أنا وسلامة اتصالحنا يا ماما وهو بيقولك فاضيين امته علشاني يجي يديني الشبكة؟!.
كانت الصرخة تلك المرة من نصيب سلمى التي هتفت:
-هو المسلسل التركي ده كل شوية يتعاد ولا إيه احنا زهقنا
سمعت جهاد صوت سلامة من السماعة الموضوعة في أذنيها:
-لا اختك مجنونة بجد وتصرفاتها مش طبيعية أنا هبقى أكلمك وقت تاني خدي ميعاد من طنط....
____________
في اليوم التالي...
-أنا بس لو أشوفها تاني مش هحلها.
قال دياب تلك الكلمات وهو يسحب نفس من سيجارته وهو جالسًا على القهوة مع صديقه نضال الذي رد عليه بنبرة عادية:
-خلاص يا دياب سيبك منها بقا هي واحدة في الاول والاخر مش راجل، سيبك منها وخلاص راحت لحالها.
هتف دياب ساخرًا:
-اه راحت لحالها ياخويا بعد ما قلت مني وبسببها اطردت من الشغل والنهاردة روحت مقابلة عايز يشغلني بألفين جنية في الشهر، والله مشيت قبل ما اسمعه الغلط والصح واللي ميتقالش واللي يتقال.
حاول نضال أن يواسيه متحدثًا بطريقةٍ إيجابية:
-ان شاء الله تلاقي فرصة كويسة قريب أنتَ لسه سايب الشغل أول أمبارح ملحقتش تدور كويس أصبر شوية ووسع خلقك.
تمتم دياب متهكمًا:
-ماشي ولما أنا اوسع خلقي المسوؤليات اللي ورايا هتوسع خلقها هي كمان؟! مش في دروس ومصاريف بيت غير ليلى هانم اللي بتسم بدني بالكلام ومش عاجبها اني سيبت الشغل على أساس إني سايبه بمزاجي ولا علشان أخد ريست..
كان يرغب في أن يقترح عليه أن يعطيه مبلغ من المال ويرده حينما يستطيع ولكنه خشى أن يزعجه فهو يعلم حساسية دياب في تلك الأمور وأنه حينما يريد "سُفلة" منه سيخبره بمفرده ويُردها لذلك عقب نصال بنبرة هادئة:
-أن شاء الله هتتحل قريب فكها بقا.
تمتم دياب باستغراب وهو ينظر له:
-أنا اللي افكها؟! ولا أنتَ اللي ضارب بوز أكتر مني ولا كأنك أنتَ اللي واحدة ملهاش لازمة مسحت بكرامتك الأرض وبقيت عاطل..
لأنه يحمل هموم أخرى منذ رؤيته إلى سامية وهو يشعر بمشاعر غريبة غير مفهومة لكن من ضمنها الغضب وتلك المرة لا يستطيع مشاركة مشاعره تلك وهذا الموقف أمام صديقه، هي ابنة عمه في النهاية لا يستطيع أن يخبر أحد بما فعلته.
-مفيش حاجة بس مخنوق شوية لا أكثر ولا أقل.
تمتم دياب بذكاء هو يعلم على الأقل أن الموضوع يخص ابنة عمه حتى ولم لا يفصح عن التفاصيل:
-والله أنتَ اللي دماغك مريحاك اللي مش عايزك متعوزهوش يا نضال وشوف ست ستها واتجوز ريح دماغك ولا تتعب قلبك ولا نفسك مع اللي مش مقدرك....
كلمات كانت في الصميم....
لكن لم يكن نضال يرغب في أن يتحدث في الأمر لذلك تمتم بنبرة عادية:
-إيه رأيك لو نكلم الواد طارق فيديو كول أنا مكلمتهوش النهاردة تعالى نشوفه عامل إيه......
الاتصالات لم ولن تنقطع بين الثلاثة أبدًا..
صداقة لن تجد لها مثيل ونادرة في هذا الوقت..
عقب دياب بنبرة جادة:
-يلا نكلمه علشان اخليه يحسبن معايا على اللي ما تتسمى يارب تقع تحت ايدي تاني وهطلع قرف السنين كله على جتتها....
____________
في مطار القاهرة كان يقف محمد مستعدًا للسفر إلى الإمارات العربية المتحدة، من أجل مؤتمر...
محمد يمتلك شركة خاصة بالانشاءات والعقارات بل أنه أكبر المستثمرين في الشرق الأوسط، يبلغ من العمر خمسة خمسين عامًا، ورث كل شيء عن والده...
وقبل أن يتحرك مع رجاله إلى الساحة الخاصة بالانتظار صدع صوته هاتفه يعلن عن اتصال من رقم غريب..
فأجاب ليأتيه اتصال من ابنته ريناد:
-بابا الحقني..
تيبس محمد في مكانه هاتفًا بقلق:
-مالك يا ريناد؟! ورقم مين ده اللي بتتكلمي منه؟!!
-بابا أنا في القسم تعالي ضروري...
بوتو يحبكم...
💜💜
الفصل الثالث من #عذرًا_لقد_نفذ_رصيدكم
#شارع_خطاب
بقلم #fatma_taha_sultan
____________
اذكروا الله.
دعواتكم لأهلكم في فلسطين والسودان وسوريا ولبنان وجميع البلاد العربية.
___________
يجلس دياب في منزل الحاج زهران، قام نضال بدعوته للعشاء معهما فأتى "دياب" معه من القهوة..
ولم تكن تلك المرة الأولى بل هو معتاد على الذهاب وقضاء بعض الليالي معه هو وسلامة تحديدًا لأنهما يمكثا بمفردهما وهذه المرة يشاركهما الحاج زهران وأرجيلته الغنية عن التعريف مادام أصبح رجل عازب إذن ليشارك الشباب جلستهم....
كان دياب يجلس بجانب زهران على الأريكة وسلامة على المقعد، بينما نضال عالق في المطبخ في تحضير العشاء..
أخرج دياب علبة السجائر المتواجدة في جيبه تحت أعين زهران الذي صاح في وجهه بغضب واضح:
-هطلع علبة السجاير تشربها قدامي إيه مفيش احترام؟!.
رد دياب عليه ببساطة وعفوية:
-وإيه المشكلة يا حج زهران ما أنتَ قاعد تشرب الشيشة قصادي ومتكلمتش ولا فتحت بوقك ولا هو حلال ليك وحرام عليا.
عوج زهران فمه وغمغم ساخرًا:
-أنتَ بتقارن نفسك بيا؟! ده القوالب قامت والأنصاص نامت صحيح، بقا العيال...
قاطعه دياب هاتفًا وهو يضع العلبة في جيبة متمتمًا حتى يتجنب النقاش:
-خلاص يا حج زهران احنا لسه هنقول محاضرة مش شارب هشرب لما أكل، هتبقى اقعد في البلكونة..
تمتم زهران بنبرة ساخرة بعدما سحب نفس من أرجيلته:
-عايز تشرب مع ابني وانتم قاعدين في البلكونة علشان تفسد أخلاق ابني المتربي وتعلمه شرب السجاير.!، مهوا أنا قلقان منك طول عمري، الواد طارق مكنش بيشرب أي حاجة، صحيح ما التفاحة الفاسدة تفسد صندوق كامل...
ضحك سلامة على طريقة أبيه بعدما ترك الهاتف ليتحدث تلك المرة دياب بنبرة مرحة فهو يعتاد على زهران ليس جديدًا عليه بل يحب الجلوس معه بين الحين والأخر:
-ما بقولك إيه يا عم زهران ما تسيبك من الفاكهة والتفاح وخليك في اللحمة...
ابتلع ريقه ثم أسترسل حديثه بنبرة جادة:
-وبعدين يعني هو دياب الوحيد اللي بيشكل خطر على ابنك مهوا بيقعد على القهوة مع اللي بيحششوا وبيشربوا كل حاجة ثق في تربيتك وبعدين ما أنتَ خير مثال ما طول النهار قاعد في وش ابنك بالشيشة ومتأثرش.
سحب زهران نفس من أرجيلته ثم غمغم بنبرة ذات معنى:
-والله كل اللي قولته ده اكتر حاجة عجبتني فيه اني عارف تربيتي وواثق فيها..
مال دياب عليه قائلا وهو يمرح معه:
-علشان تبقى عارف بس اني صاحب فاسد اه بس بخاف على صاحبي في مرة كان عايز يشرب سيجارة ويجرب بس أنا مرضتش علشان خاطرك فثق في صاحب ابنك كمان...
صدع صوت زهران متمتمًا تحت ضحكات دياب وهو يرى ملامحه التي تغيرت وصدق حديثه الذي يمزح به معه:
-واد يا نضال تعالى...
تمتم سلامة ساخرًا:
-يا بابا الواد ميت من الضحك جنبك أنتَ مصدق يعني، وبعدين هو احنا عيال صغيرة..
توقف دياب عن الضحك متمتمًا حينما أتى نضال من الداخل وهو يرتدي مريول المطبخ:
-مفيش يا نضال ارجع كمل الاكل علشان أنا ميت من الجوع وعايز نفتح البسبوسة اللي أنا جايبها..
قاطعه زهران بنبرة متهكمة:
-ما خلاص عرفنا أنك جايب بسبوسة...
رد دياب عليه بمرحٍ:
-لا مش باين أنكم عرفتم ده أنا ناوي اصورك بيها واحطها على الفيس واعمل منشن لصفحة الجزارة علشان الناس كلها تعرف إني جيبت ليك بسبوسة..
ثم أسترسل حديثه بنبرة ذات معنى حينما رحل نضال:
-بقولك إيه انا حاسس أن كل العصبية اللي أنتَ فيها دي بسبب أنك لوحدك وأنتَ مش واخد على كده، أنا عندي ليك عروسة لم يسبق لها الزواج أصلي أنا عارفك وحافظك واحنا لينا نفس المواصفات..
تمتم زهران بعدما سحب نفس من أرجيلته وقام بتعديل وضع الفحم:
-متجوزتش قبل كده ازاي يعني؟! دي عندها كام سنة دي؟! اكيد صغيرة في السن..
قاطعه دياب بنبرة واضحة:
-لا مناسبة ليك في السن عيب عليك ودي حاجة تفوتني وبعدين يا حج زهران أرحم صحتك كده وشوف اللي قدك اللي فاتت كانت صغيرة عليك...
نهض سلامة حينما قامت جهاد بالاتصال عليه وذهب نحو غرفته، ليتحدث زهران بغضب:
-احترم نفسك يا واد أنا لسه شباب، وبعدين عندها كام سنة دي؟!!!!.
هتف دياب بنبرة جادة:
-يدوبك اتنين وسبعين سنة من سن بعض، بهية جارتنا..
ضربه زهران بخرطوم الارجيلة قائلا بغضب وقد احتدم على أخره:
-اتنين وسبعين سنة في عينك، ليه فاكرني مركب طقم سنان يلا، ده أنا لسه بصحتي وشباب قال من سني قال قوم اخفي من وشي وساعد نضال في الاكل بدل ما أنتم سايبين الواد لوحده أنا غلطان أني عمال اخد وادي معاك في الكلام...
ثم صاح بجنون وهو يدافع عن نفسه:
-قال قدي قال في السن..
-الصبغة دي بس اللي مخلياك تتكبر على مخاليق الله، وبعدين بقولك إيه روح الحق اصبغ تاني علشان من الجناب بدأ الشعر الابيض يظهر تاني...
صاح زهران بنبرة غاضبة:
-يا نضال تعالى شوف صاحبك..
تحت ضحكات نضال الذي يقف في المطبخ المفتوح والواضح لهم لكن من مسافة بعيدة:
-تعالى يا دياب وسيبه بقا علشان ميقمش يولع فينا بدل الفحم...
بالفعل نهض دياب وذهب ناحية نضال ليساعده رغم أنه لا يفقه شيء في صنع الطعام لكن رُبما يستطيع مساعدته في أي شيء، وتزامنًا مع ذهابه أتى سلامة متمتمًا وهو يحتل مكان دياب بجوار أبيه:
-أنا صالحت جهاد امبارح واحتمال اروح بكرا اديها شبكتها...
غضب زهران متمتمًا:
-وليه عملت كده من غير ما تقولي...
لم يفهم سلامة سر غضب أبيه مما جعله يغمغم باستغراب:
-وهيفرق في إيه يعني؟!!.
-اسكت أنتم كلكم تحرقوا الدم روح معاهم شوفهم بيعملوا إيه أنتَ كمان..
___________
-بابا أنا...
لم تستكمل ريناد كلماتها.....
تلقت عدة صفعات متتالية بجنون من والدها لأول مرة يصل إلى تلك الحالة لكن من يلومه؟!..
بعد الذي فعلته هي به؟!
ابنته تم القبض عليها في أحدى الملاهي الليلة بسبب كسرها زجاجة على رأس أحدى الشباب الذي حاول التحرش بها في المكان، غير صديقاتها منهم من كان في حالة سُكر واضحة...
-أنتِ لسه ليكي عين تتكلمي..
جذبها من خصلاتها تحت تأوهاتها وبكائها الشديد وهي تصعد معه الدرج الخاص بالفيلا وهي تسير معه مجبرة حتى ذهب إلى غرفتها ليفتحها ويلقيها بالداخل مما جعل خطواتها تتعثر حتى سقطت أرضًا وسمعته يهدر......
-على أخر الزمن، تستغفليني وتقوليلي أنا عند صاحبتي معزومة على العشاء وهبات عندها علشان أنتَ مسافر، أنا هوريكي يا ريناد قسمًا بالله هوريكي على اللي عملتيه النهاردة، من هنا ورايح جامعة مفيش خروج مفيش، مش هتخرجي من الأوضة حتى...
صرخ في وجهها هادرًا بعنف وجنون كبير:
-قومي هاتي اللاب توب والموبايل والايباد ومحفظتك ومفتاح العربية.....
لم تتحرك ليهتف محمد بنبرة هسيتيرية:
-اتحركي..
نهضت بسرعة وأعطته ما أرادته على عجلة من أمرها وهي تنتفض، ولم تستطع أن ترفض أبدًا يكفي ما مرت به اليوم، أخذ المحفظة ليخرج كل البطاقات الائتمانية وحتى بطاقتها الشخصية وكل شيء منها....
خرج من الغرفة ثم وضع تلك الأجهزة على أحدى المقاعد في الخارج ثم أغلق الباب وهو يهدر...
-زينب...
جاءت زينب العاملة التي تعمل في منزلهما منذ سنوات وحتى قبل أن تتوفى زوجته:
-ريناد متخرجش من أوضتها لأي سبب من الاسباب أنتِ سامعة وأي حد من الصيع صحابها هيجي يزورها ميدخلش البيت من أساسه حتى الأكل تأكله في أوضتها...
لم تفهم زينب الذي حدث ولكنها هزت رأيها بإيجاب متمتمة بتوتر من الأجواء المشحونة:
-حاضر...
رحل محمد بغضب شديد بعدما أخذ الهاتف وكل شيء، وذهب إلى غرفته..
بينما في الداخل ريناد كانت تبكي وتشهق بقوة بسبب ما تعرضت له طوال اليوم الغريب وذهابها إلى قسم الشرطة بتلك الطريقة غير أنها المرة الأولى التي يصفعها والدها بتلك الطريقة على العكس هو دومًا حنون منذ وفاة والدتها عليها لكن على ما يبدو هذه الطريقة لم تفلح معها.....
لا تعلم حتى كيف استطاع والدها أن يأتي رغم سفره الهام، غير محاولته الشديدة للتفاوض مع صاحب المكان والشاب الذي قامت بجرحه في رأسه جرح غائر حاول السيطرة على كل شيء ولم يتحدث معها في أي شيء حتى دخل الاثنان إلى المنزل وانفجر بها، هي تستحق أن يفعل بها ما هو أكثر من ذلك يا ليتها لم تذهب إلى هذا المكان مستجيبة إلى صديقاتها....
____________
ترك سلامة دياب ونضال وحتى والده ثم ولج إلى الغرفة تاركًا أياهم مع الطاولة لعبتهما المفضلة، حتى يتحدث مع جهاد مرة أخرى لقد تأخرت عن موعد عودتها إلى المنزل ومازالت في الخارج وهذا ما ازعجه لذلك قرر الاتصال بها..
في الوقت نفسه في أحدى المولات التجارية كانت جهاد تقوم بقياس الملابس في غرفة القياس تاركة حقيبتها وهاتفها مع صديقتها المُقربة ميار التي تقف في الخارج...
صدع صوت هاتف جهاد الذي يتواجد بين يديها ولم تكن تلك المرة الأولى بل أنها الثالثة لذلك أجابت ميار:
-ألو..
وقبل أن يسمع الصوت كان سلامة يتحدث بغضب:
-أنتِ فين يا ست هانم ما تباتي برا أحسن الساعة عشرة.....
عقبت ميار على حديثه بنبرة عادية:
-أنا ميار صاحبتها جهاد جوا بتقيس الهدوم، احنا خلاص ماشيين.
تمتم سلامة بفظاظة:
-هو أنا متصل على موبايلك يعني بتردي ليه؟!.
ردت ميار على حديثه ببساطة ولا مبالاة:
-والله أنا لقيتك عمال ترن فقولت أرد عليك علشان متقلقش، وبعدين أتكلم بأسلوب كويس.
جاءها صوت سلامة من الهاتف متحدثًا بنبرة ساخرة:
-معلش والله أنا بتكلم زي ما أنا عايز وتاني مرة مترديش على الموبايل بتاع جهاد لما أتصل..
ولم ينتظر أن تعقب على حديثه بل أغلق الهاتف في وجهها، وفي الوقت نفسه أتت جهاد من الداخل وهي تحمل قطع الملابس متمتمة:
-شكله عبيط عليا أوي وكبير زيادة عن اللزوم وكنت بنادي عليكي برضو علشان تشوفيه مشيتي ليه؟!.
تمتمت ميار ببساطة:
-أبدًا سلامة كان عمال يرن فروحت رديت عليه خوفت يقلق عليكي والشبكة جوا وحشة فمشيت شوية كده، وبعدين يعني مقولتيش أنك أنتِ وسلامة رجعتوا لبعض؟!..
هتفت جهاد بنبرة عادية:
-معرفش ما أنا أول ما شوفتك كنتي عماله تحكي حوار عمتك وبنتها ومجتش فرصة أقولك وبعدين كنت هقولك أكيد...
قاطعتها ميار متحدثة بنبرة عادية:
-أنا بتكلم عادي يا جهاد مفيهاش حاجة براحتك المهم كلميه علشان هو متعصب جدًا عقبال ما اخرج برا علشان الداتا تلقط وأطلب **** علشان نروح.
"بعد عودتها إلى المنزل"
كانت تضع الهاتف على أذنيها متحدثة بغضب:
-أنتَ أصلا عمال تزعق ليه؟!.
جاءها صوته غاضبًا هو الآخر من الهاتف:
-راجعة البيت والساعة داخلة على (١١) وعايزاني أسقف يعني ولا أعمل ايه والزفتة صاحبتك دي بترد على الموبايل ليه؟!.
تمتمت جهاد بغضب:
-أنتَ لسه ملكش حكم عليا يا سلامة وبعدين أنا اتاخرت غصب عني لأني أصلا نزلت متأخر وأنتَ عارف، وبعدين أنتَ شايل ميار وحاططها فوق دماغك ليه؟! وإيه الطريقة الزفت اللي كلمتها بيها دي؟!.
سمعت صوته يصيح:
-اومال هحب فيها يعني؟! هي اللي المفروض متردش على الموبايل مدام شايفة اسمي.
هتفت جهاد بنبرة عادية ولا تجد أي مشكلة في الأمر:
-مش كنت عمال ترن أكثر من مرة وهي مردتش من أول مرة وقالت أنها خافت تقلق عليا...
قاطعها سلامة بنبرة ساخرة:
-مش ده موضوعنا أنا كنت متعصب اصلا بسبب تأخيرك ومكنش ينفع أصلا تنزلي من البيت الساعة سبعة....
تمتمت جهاد بانزعاج جلي:
-أنتَ عايز تعمل فيها سي السيد وتقعد تتحكم فيا الكلام ده لما أكون في بيتك غير كده لا وألف لا وبعدين كان ضروري أنزل...
قاطع حديثها وهو يغمغم:
-اه كان المفروض تنزلي علشان خناقة الشحرورة وعمتها واحنا مالنا بيها..
هتفت جهاد بجنون وضيقٍ شديد:
-سلامة متجيش وخلي الشبكة معاك علشان أنتَ مفيش فايدة فيك..
-لا هاجي وهتلبسي الشبكة أن مكنش بمزاجك هيكون غصب عنك والله ليكي روقة معايا لما نتجوز ليكي روقــة..
-لا متجيش...
عقب سلامة على حديثها قبل أن يغلق المكالمة:
-لا جاي.
_____________
سافر شقيقه عماد كالمتوقع ولا يعلم متى سوف يراه مرة أخرى، وذهب للعيش في الفيلا الخاصة بعائلته برفقة رانيا التي جاءت معه مُجبرة، غير راضية أبدًا على الأمر...
يقضى اليوم كله مع شقيقته تقريبًا، رُبما لأنها الوحيدة التي تشاركه حزنه وتشعر بما يشعر بها ولأنها تمتلك من الشفافية ما لا يمتلكه أي شخصٍ أخر، الحديث بينه وبين أحلام شبه مُنقطع، فهو لا يجيب على هاتفه إلا نادرًا على الرغم من اتصالات اصدقائه، واتصالات أحلام التي لا تتوقف أبدًا ورسائلها الطويلة ولكنه غير مهتم بأي شيء......
نامت شقيقته نسمة بعدما شعر بارهاقها طوال اليوم التي قضته في البكاء ولأن قلبها لا يتحمل هذا كله، حاول مواساتها قدر المُستطاع وتهدئتها حتى نامت وترك قُبله على رأسها ودثرها بالغطاء وكأنها طفلته وهي بالفعل كذلك طفلته وصغيرته...
ذهب إلى غرفة نومه التي أصبحت خاصة به وبزوجته، ليجدها جالسة على الفراش تعبث في هاتفها، بدل ملابسه ثم جاء وتحدث معها متمتمًا حاول أن يكون حديثه معها هادئًا، وهو يجلس بجانبها على الفراش..
-أنا راجع الشغل بعد بكرا.
ردت عليه بلامبالاة ونبرة مقتضبة:
-كويس.
سألها جواد بنبرة عادية رغم أن يعرف أن الإجابة لن تروق له عند سماعها:
-منزلتيش تتعشي ليه معانا؟!..
تمتمت رانيا بانزعاج جلي ولم تخلف توقعاته:
-كده أنتَ عارف رأيي مش كفايا إني جاية مجبورة؟! عايز إيه مني تاني؟!.
استغفر جواد ربه ثم غمغم بنبرة منزعجة وهو يعتدل في جلسته قائلا بانفعال:
-جرا إيه يا رانيا هو حد عملك حاجة تضايقك؟!، هل حد لزمك بحاجة ولا طلبت منك تعملي أي حاجة أنتِ في حتة ونسمة في حتة، ولا طلبت منك أي حاجة علشان تعيشيني في النكد ده و مش مقدرة اللي بمر بيه...
هتفت رانيا بضيقٍ:
-جواد متزعقش..
نهض من الفراش ثم غمغم بانزعاج:
-يعني تحرقي في دمي وطول النهار مبوزه في وشي وتردي عليا من تحت ضرسك وعايزاني اعملك إيه بجد؟! أنتِ مش طبيعية، عايزة تعملي حوار وخلاص مش كفايا كنتي قاعدة على الغداء نظراتك لنسمة زي الزفت وهي بتحس أكتر منك على فكرة.........
قاطعته رانيا بسخرية وعتاب واضح:
-ده بدل ما تشكرني يعني إني عملت اللي أنتَ عاوزه وجيت معاك؟!. اسيطر على تعبيرات وشي كمان؟!
تحدث جواد بأعصاب مشدودة وغاضبة:
-اشكرك لما تكوني مريحاني على الأقل مش تكوني متكدرة ولا بتنزلي تأكلي ولا غيره ومحسساني اني ضاغط عليكي ومخليكي تعملي اللي فوق طاقتك وأنتِ النسمة مش بتشيليها من الأرض، دي أول مرة في حياتي من ساعة ما اتجوزتك أطلب منك حاجة دايما بتعملي اللي على مزاجك وبس....
كادت أن تتحدث ليغمغم جواد بنبرة قاطعة:
-يا تقعدي هنا باحترامك وتعرفي أن ده الوضع اللي هنستمر عليه وإني مش هسيب أختي، يا ترجعي شقتك لوحدك اقعدي ولما افضالك أبقى اجيلك ده أخر كلام عندي..
تمتمت رانيا بتهكم:
-ده نظام قلب ترابيزة علشان توزعني وتروح تتجوز السنيورة بتاعتك مش كده وتجيبها هنا...
ضحك جواد رغمًا عنه ساخرًا منها ثم غمغم:
-أنا ولا بقيت طايقك يا رانيا ولا طايق غيرك ومتقلقيش أنا مش ناوي اجيب حد غريب اقعده مع اختي، اما اللي بنت عمها ومتربية معانا قاعدة مش قادرة تستحمل يومين ومحدش طلب منها تعمل حاجة أصلا غير أنها تتعامل بضمير وانسانية، فسقف توقعاتي في الغريب مفرقش كتير عنك...
ذهبت إلى الفراش ودثرت نفسها بالغطاء متمتمة:
-لو سمحت انا عايزة أنام ومش عايزة اقضي يومي كله في الخناق علشان عندي اجتماع الصبح لو حابب كمل خناق لوحدك...
هتف جواد قبل أن يرحل:
-وأنا معنديش كلام أقوله يا تقعدي بأدبك يا تمشي يا رانيا....
____________
بعد عودته من العشاء وجلوسه لوقتٍ طويل في منزل عائلة زهران عاد إلى منزله والغريب أن والدته التي تنام مُبكرًا كعادتها كانت مستيقظة وفي انتظاره على الأغلب.....
أغلق دياب الباب وأقترب منها بعدما خلع حذائه متحدثًا:
-مساء الخير يا ماما عاملة إيه؟!..
-الحمدلله إيه موبايلك مقفول ليه؟!
كانت تلك الكلمات التي قالتها حُسنية "والدته" مما جعل دياب يأتي ويجلس على المقعد هاتفًا ببساطة:
-فصل شحن ونسيت اشحنه واتلهيت في كذا حاجة...
عقدت حُسنية ساعديها ثم غمغمت بنبرة ذات معنى:
-فصل شحن ولا قافله علشان متردش على ليلى.
هنا اتضحت الرؤية مما جعل دياب يتحدث بنبرة غاضبة:
-يعني حضرتك بقا قاعدة مستنياني علشان كده؟! واضح أن الهانم اتصلت بيكي وقعدت تشتكي ما هو ده اللي هي فالحة فيه.
تمتمت حُسنية ببساطة وهدوء:
-يا ابني البت صغيرة متبقاش حمقي كده وقدرها وهي عملت إيه لده كله يعني؟! ما طبيعي تزعل إنك سيبت شغلك..
قاطع دياب والدته بنبرة منفعلة:
-تزعل لما أكون سيبت الشغل بمزاجي مش اطردت منه بسبب اللي ما تتسمى دي، تزعل لما يكون خطيبها قاعد في البيت مبلطج ومش بيتشغل ومش طافح المرار علشان نتجوز...
قالت حُسنية بنبرة لينة:
-أهدى يا ابني كده احنا بنتكلم مع بعض، وهي زعلانة والله ومنهارة علشان أنتَ مبتردش عليها وبعدين دي ليلي حبيبتك اللي بقالها ثلاث سنين وأكتر موافقة على ظروفك ومكملة معاك ومستنياك علشان بتحبك....
قاطع دياب والدته للمرة الثانية وهو يتمتم بغضب جامح:
-اللي بيحب حد مبيجيش عليه، مبيقعدش يلومه كل دقيقة رغم أنه مش مقصر في أي حاجة وعامل اللي عليه وزيادة، مبيقعدش يشيله الهم والمرار.....
-أكيد مش قصدها هي بس اتصرفت غلط وأنتَ عارفها عبيطة في كلامها.
هتف دياب بنبرة مختنقة وهو ينظر إلى والدته:
-دي مكنتش أول مرة، لما سيبنا بعض أول مرة برضو كان بسبب كده لما قعدنا ثلاث شهور مفركشين كان بسبب كلامها وهي وعدتني أنها هتتغير وأنه مش قصدها، دي ظروفي ومش هغيرها ومش هروح أسرق علشان أخلص بدري وأتجوزها، وأنا عمري ما خبيت عليها ظروفي وعيشتها في وهم وقعدت أقول ياما هنا ياما هناك لا هي عارفة كل حاجة من الأول...
تمتمت حُسنية بانزعاج واضح:
-وأخرتها إيه ما طول ما أنتَ مطنشها مش هتوصلوا لحل لازم تقعد كده وتتكلم معاها و رد عليها...
تحدث دياب بنبرة منزعجة:
-أنا مش عايز ارد عليها مش علشان مش عايز اسمع كلامها بس لا أنا بحميها من لساني والقرف اللي ممكن أطلعه عليها ما أنا مش هفضل كابت نفسي وبسمع منها بس لا هرد عليها ردود مش هتعجبها، الأسبوع الجاي هكلم أبوها وأروح أقعد معاهم في البيت وهو واحد اتنين تلاتة مش عاجبها ظروفي خلاص كل واحد يروح لحاله....
هتفت حُسنية بعتاب لم تستطع كبحه:
-من الأول قولنا بلاش ليلى مش عيب فيها علشان بس أبوها ملهوش كلمة وأمها هي اللي ممشية البيت وممشية ليلى، بس اللي كان يشفع عندي أنها بتحبك وأنتَ بتحبها وكنت مصمم عليها.
ابتلعت ريقها ثم استرسلت حديثها موضحة موقفها نرة أخرى:
-ومش معنى إني كنت معترضة من الأول علشان الموضوع ده إني هسمح أنك تظلم بنات الناس لو طبعها مش ماشي معاك خلاص فضها سيرة مئة ألف خطوبة تتفشكل ولا جوازة تبوظ......
صمت دياب ولم يعقب لتهتف حُسنية قبل أن تنهض وتتوجه صوب غرفتها:
-أنا يوم الخميس هبات عند خالتك وهرجع يوم السبت أبقى متتاخرش برا علشان اختك متبقاش لوحدها في البيت..
-تباتي ليه عندها؟! من امته ما أنتِ علطول بتروحي زيارة وبترجعي؟!..
حاولت حُسنية قول أي شيء كاذبة:
-خالتك تعبانة شوية ووحشتني وأنا مبروحش عندها كتير..
_____________
تجلس أحلام في المنزل وتضع الهاتف على الطاولة وتجعله يستند على الزجاجة لأنها تتحدث مكالمة فيديو مع شقيقها وهي تتناول الطعام بعدما عادت من عملها..
تحدث طارق وهو ينظر لها وهو الآخر في منزله:
-إيه البت هدير نايمة ولا إيه؟!.
هتفت أحلام بعدما أخذت ملعقة من الأرز:
-اه نامت علشان صاحية من بدري أوي وكان وراها درسين بعد المدرسة.
تمتم طارق وهو يتحدث معها باهتمام كعادته كل يوم:
-في حاجة نقصاكم الفلوس بتكفي اللي ببعتها؟!.
-أيوة متقلقش...
رد عليها طارق بهدوء:
-أي حاجة تعوزها قولولي علطول..
-حاضر.
سألها طارق بفضول:
-أشرف مش بيجي خالص ولا بيتصل بيكم؟!.
هتفت أحلام بلا مبالاة:
-لا مجاش من ساعة ما جه في رمضان بس، ومش بيتصل البت هدير من وقت للتاني بتكلمه مع إني معرفش بتتنيل تكلمه على إيه هو بيسأل فينا ولا معبرنا..
قاطعها طارق بنبرة رزينة:
-ملكيش دعوة يا أحلام وسبيها براحتها حتى لو هو مش بيكلمكم متدخليش مدام هي حابة تكلمه سبيها، يمكن ربنا يهديه في يوم..
ردت أحلام بانزعاج:
-يهديه بقا ولا لا هو من ساعة أمك كده دلدول لمراته..
تمتم طارق باختناق رغم أن حديثها صحيح نوعًا ما:
-احترمي نفسك يا أحلام مهما كان هو أخوكي الكبير، خليكي في نفسك وفي أختك وبس، وخلينا في موضوعنا.
أخذت قطعة من الدجاج تناولتها أمامه وهي تسأله باستغراب وهي تضيق عيناها:
-موضوع إيه ده؟!.
رد طارق عليها ساخرًا:
-أنتِ بتفقدي الذاكرة فجأة يا دكتورة ولا إيه؟! موضوع عبد الرحمن مش قولتلك فكري، الواد محترم ومتربي وجارنا وعنده شقة وإمكانياته كويسة و...
قاطعت أحلام الحديث بنبرة منزعجة:
-إمكانياته مش كويسة؛ معقولة أي حد بيتحوز لازم يكون بيتشغل ويكون معاه شقة ده مش انبهار يعني، وبعدين أصلا ده خريج تجارة وشغال كاشير...
صحح طارق لها الحديث بنبرة مكتومة:
- شغال محاسب أول كاشير إيه؟!...
لم تهتم أحلام وهي تخبره:
-محاسب أول ولا كاشير، كلها نفس الشيء مختلفناش كتير، أنا دكتورة يا طارق يعني بعد السنين دي كلها وبعد الدراسة والماستر اللي بعمله، وبعد تعبك ومصاريفك عليا عايزني اتجوز محاسب؟!!.
تمتم طارق بنبرة متهكمة:
-انزلي من على المسرح يا دكتورة احنا بندور على شريك حياة وعلى راجل مش بناقش رسالة ماجستير ولا بنختار حد نعمل معاه مستشفى احنا بنختار واحد تتجوزيه يعني راجل يعتمد عليه ويقدر يفتح بيت وراجل محترم وبيصلي، راجل يقدر يعاملك بالمعروف مش بنشوف شهادة تخرجه وبعدين ده محاسب يعني خريج جامعة زيه زيك..
لا تدري لما شعرت أحلام بأنها رُبما جرحته دون أن تقصد كونه لم يستكمل دراسته من الأساس لذلك غمغمت بنبرة هادئة وجادة:
-قوله مفيش نصيب يا طارق أنا عموما مش بفكر في الجواز دلوقتي، ورايا ماستر بعمله غير شغلي، وغير أن هدير أكيد مش هسيبها لوحدها، قوله مفيش نصيب وخلصنا من الموضوع ده..
-براحتك يا أحلام ياريت بس تعدلي دماغك شوية، علشان طريقة تفكيرك مش عجباني..
____________
تجلس يسرا على الأريكة بينما ابنتها تجلس أرضًا أمامها، وهي تقوم بتمشيط خصلاتها...
غمغمت سلمى باستغراب:
-هو صوت جهاد عالي ليه؟! هي بتتخانق معاه تاني؟! هو لسه جاب الشبكة أصلا؟!.
ردت يسرا عليها ببساطة ورجاحة عقل:
-أكيد هي وهو بيزعقوا مع بعض علشان هي اتأخرت فعلا وأنا من قبل ما تنزل قولتلها متنزليش متأخر كده وهي صممت تنزل علشان ميار..
قالت سلمى وهي تتأوه بعدما جذبت والدتها خصلاتها:
-هو ملهوش حق يتكلم هو مجرد خطيبها...
قاطعتها يسرا بنبرة عادية:
-يا بنتي هو مش حكاية ملهوش حق هو خايف عليها وبيتكلم من منظور تاني وبعدين سلامة يعني مش الشخص الرزل اللي بيقعد يحكم، الموضوع مش موضوع عند ولا حكم الموضوع موضوع احترام لرأيه وده مش معناه أنه متحكم أنا لو شايفة أنه متحكم هتكلم معاه طبعًا..
تمتمت سلمى بنبرة منزعجة ومريرة:
-علشان هي ملهاش أب بيعمل كده.
انزعجت يسرا وشعرت بالضيق الشديد بسبب حديث ابنتها الذي لامس جرحها متحدثة بانزعاج وهي تجذب الجانب الآخر من خصلات سلمى:
-ملهاش علاقة بطلي كلام عبيط يحرق الدم وملهوش لازمة، وبعدين يعني دي صفة في الشباب كلها مش في سلامة بس.
هتفت سلمى بوجع نفسي وجسدي في رأسها:
-طب براحة طيب كفايا شد.
-مش أنتِ اللي عايزاني أعملك طاقية؟! علشان مبتعرفيش تعمليها مش عارفة هتكبري أمته؟!...
تمتمت سلمى باستنكار:
-يعني هو الكبر ده في أني ألف شعري طاقية بس؟!.
قالت يسرا باستنكار واضح بعدما انتهت مما تفعله:
-عليكي لسان مبرد يا سلمى، مش عارفة هيتحملك جوزك ازاي؟!.
-ده لو اتجوزت من أساسه وبعدين...
قاطعتها يسرا بغضب وهي تضربها على رأسها فهي مازالت تجلس ذات الجلسة رغم أنتهاء والدتها:
-احترمي نفسك ومتقوليش كده ان شاء الله هتتجوزي وهفرح بيكي أنتِ واختك وبعدين عارفة يا سلمى لو قصيتي شعرك تاني مش هبيتك في البيت أنتِ سامعة؟!.
حينما تتحدث في أمرٍ هام تعود جميع الأمور إلى أمر شعرها، أو حاجبها أو أي شيء..
يبدو أن والدتها ككل الأمهات لم تقتنع أن تلك القرارات شخصية وأنها لك تعد صغيرة...
أردفت سلمى بغموض وعدم ارتياح:
-سيبك من شعري وحواجبي وركزي معايا.
-أنا امك مش جهاد اتكلمي معايا عدل، هو أنتِ بتكلمي صاحبتك؟!.
تمتمت سلمى ببساطة شديدة وهي تستدير لها:
-اه بكلم اختي وصاحبتي وحبيبتي، المهم متخلنيش انسى أنا كنت عايزة اقول إيه..
-قولي..
-بنت عمي بقالها فترة بتخش على الاكونت بتاعي على التيك توك وعلشان أنا أدمن في جروب الجيم والصفحة لقيتها بقت فجاة متابعة كل بوست وبتعمل لايكات وأنا مش مرتاحة..
شعرت يسرا بالاندهاش مما جعلها تهتف:
-وإيه المشكلة يمكن حابة تتكلم معاكي او هي وأبوها عايزين يلطفوا الدنيا معانا، في النهاية هما في حالهم ولا شوفناهم لا في الحلو ولا في الشر وهما ملهمش علاقة باللي أبوكي عمله....
قاطعتها سلمى بنبرة جادة:
-بس أنا مش مرتاحة للموضوع ده..
تمتمت يسرا بعصبية وهي تنهض من مكانها هاتفة:
-لا أنتِ مش حكاية مش مرتاحة أنتِ نكدية، ربنا رازقني بجوز بنات اتنين حالفين ينكدوا عليا عيشتي، وقال يقولوا مفيش أحلى من خلفة البنات أنا داخلة أنام احسن...
رحلت يسرا ونهضت سلمى أمامها وهي تركض خلفها هاتفة:
-يا ماما استني نتكلم.....
____________
يوم الجمعة...
بعد الصلاة...
يجلس دياب في غرفته فهو أتى من المسجد قبل قليل، وقرر أن يجيب على الاتصال الألف من ليلى...
كان أول شيء قد قاله بمجرد أن أجاب عليها:
-تتحسدي يعني صاحية من بدري..
تمتمت ليلى بعدم تصديق:
-دياب أنتَ رديت عليا بجد؟!
-أكيد مش عفريتي يا ليلى..
عاتبته ليلى هاتفة بانزعاج شديد:
-أهون عليك متردش عليا كل ده؟! وكل يوم أنام معيطة بسبـــ...
قاطعها دياب بنبرة واضحة:
-وأنا هونت عليكي تقوليلي كنت اسيبها هي الشتيمة بتلزق، ليه مخطوبة لدكر بط لما اسيب واحدة تهزقني حتى لو علشان الشغل؟!..
هتفت ليلى باعتذار شديد وآسف:
-حقك عليا أنا عارفة اني غلطت أنا بس كنت بتكلم بعفوية والله ومش قصدي حاجة أنا بس متوترة الفترة دي وأنتَ عارف أن ماما ضاغطة عليا وأنا عايزة نتجوز علشان طولنا أوي فقولت كده من غير ما أقصد يعني..
تمتم دياب بنبرة واضحة:
-أنا مكدبتش عليكي في يوم يا ليلى وأنتِ عارفة حياتي وظروفي وعارفة إني بعمل اللي فوق طاقتي مش طاقتي بس علشان كده وأنتِ محتاجة تقدري ده يا أما كل واحد يروح لحاله..
ردت ليلى عليه بلهفة:
-يعني أنا اتصل بيك أصالحك تقولي كل واحد يروح لحاله؟! أنا حتى كنت هعزمك على خطوبة اختي يوم الجمعة الجاية ان شاء الله..
لم تجد منه رد فعادت ليلى تعتذر مرة أخرى:
-دياب أنا آسفة ومتزعلش مني بقا بجد مش عارفة لا أنام ولا أكل ولا أشرب طول ما أنتَ زعلان مني.
شعر باللين قليلًا رغم عدم اقتناعه كليًا وفي الوقت نفسه جاءت شقيقته الصغيرة حور البالغة من العمر سبعة عشر عامًا:
-أنا جهزت الفطار..
...بعد مرور دقائق...
كان دياب يجلس على السفرة وشقيقته بجانبه:
-فين الفطار؟!.
أشارت حور ببساطة على الطاولة والاطباق:
-الفطار اهو مش شايفه ولا إيه؟!..
حمل دياب طبق البطاطس الذي أقترب لونها من الأسود متمتمًا:
-يعني البطاطس المحروقة والبيض اللي بسمنة اللي لسه بيلعب في الطبق وبيجري ده، والعجة اللي المعلقة مش عارفة تفصلها عن الصينية من كُتر ما لزقت هو ده الفطار؟!!!..
تمتمت حور بتوتر:
-ما تسيبك من حوار أن العين بتأكل قبل البوق ودوق وشوف الطعم أهم....
رد عليها دياب ساخرًا:
-طعم إيه، طعم إيه اخرسي، ده أنا قولتلك هجيب سندوتشات من المطعم ونخلص قولتلي لا أنا هعملك فطار زي اللي ماما بتعمله..
هتفت حور بنبرة جادة:
-معلش كنت بذاكر وبتابع الدرس على اليوتيوب ونسيت البطاطس فاتحرقت مني..
أردف دياب بسخرية:
-هي المشكلة في البطاطس بس يا حبيبتي؟! يلا مش مشكلة..
أسترسل حديثه وهو يتناول البطاطس مُرغمًا:
-أهم حاجة ركزي في مذاكرتك ومتخبيش زي اختك اللي قررت تضيع مستقبلها وتتجوز، وركزي كده واعملي اللي عليكي بس أهم حاجة عارفة ايه؟!.
تحب حزر شقيقها دياب، فهو ليس مجرد شقيق بل هو أب وقدوة لذلك هي تنتظر نصيحة منه:
-إيه يا ديبو؟!.
-متعتبيش باب المطبخ تاني علشان ملبسش وشك في الطبق..
-حاضر..
أخذ الاثنان يحاولا تناول أي شيء إلا أن قاطع دياب هذا الصمت الغريب والطعام الذي لا يصلح للتناول:
-تعالي نروح للبت إيناس علشان وحشتني بقالي كتير مشوفتهاش وهي بقالها كتير مجتش..
غمغمت حور بتفكير:
-معنديش مشكلة أخلص اللي ورايا وننزل بس اتصل قولها الاول لأنها مبتحبش نروح على غفلة يعني وكده.....
تمتم دياب ساخرًا:
-احنا مش رايحين نأكل ولا رايحين نكلفها ودي اختنا لازم نطمن عليها، نروحلها بعد العشاء مش هنكمل نص ساعة ونمشي ونأخدلها شوية حاجات معانا ليها هي والعيال مش هندخل فاضيين عليها أكيد..
-اللي تشوفه...
______________
في وقت الغداء كان يجلس سلامة ونضال على الطاولة التي يترأسها زهران، يتناول الجميع الطعام بصمت بعدما مدح زهران كالعادة ما يصنعه ولده نضال يقسم بأنه لم يرى شخص لديه المهارة في الطهي كـ نضال...
صدع صوت رنين الجرس فنهض سلامة ثم فتح الباب ليجد سامية تقف أمامه بحجاب مضبوط بشكل أكثر بكثير مما كانت تفعل في السابق وقال بنبرة عفوية:
-ادخلي يا سامية.
وتزامنًا مع دخولها، نهض نضال وترك السفرة وتوجه إلى غرفته بكل هدوء وثبات وأغلق الباب خلفه..
هتف زهران مرحبًا بها:
-أهلا يا سامية يا بنتي ادخلي جيتي في وقتك تعالي اقعدي كلي..
أغلق سلامة الباب ثم جاء وجلس على مقعده ثم استكمل طعامه وكأنه لم يحدث أي شيء..
تمتمت سامية بنبرة متوترة تحديدًا من انزعاجها من مغادرة نضال بهذا الشكل:
-أنا هنزل وهطلع تكونوا...
قاطعها زهران رافضًا:
-مدام طلعتي على الأكل تعالي اقعدي كلي عيب يا سامية تعالي أقعدي..
بالفعل جلست وتناولت القليل جدًا بسبب إصرار عمها وبعدما انتهى عمها وغسل يده ثم حضر أرجيلته جاء وجلس بجانبها على الأريكة وهو يقوم بضبط وضعية الفحم بينما سلامة جالسًا في النصف الاخر من الاستقبال ويشاهد أحدى المقاطع..
تمتمت سامية بنبرة متوترة:
-أنا طالعة اعتذر لحضرتك بسبب اللي عملته أنا آسفة وفعلا لما قعدت مع نفسي حسيت قد إيه اللي عملته غلط ومينفعش وأنا اوعدك يا عمو إني مش هكررها تاني أبدًا..
كان زهران ينظر لها بهدوء شديد وتأمل، فالصوت والكلمات رائعة جدًا، والهيئة محتشمة إلى حدٍ كبير أكثر من هيئتها السابقة، الأمر إلى حدٍ كبير رائع، لكن ما أفسده في نظره أو يفسده هو أنها سامية والذي يعلم جيدًا بأنها لن تعود إلى رشدها في تلك الفترة القصيرة جدًا، وهو لا يؤمن بالمعجزات، قد انتهى زمنها في نظره......
أسترسلت سامية كلماتها بتردد:
-أنا عارفة إني غلطت وزعلت حضرتك مني وأنا طالعة أعتذر منك حضرتك في مقام والدي وربنا يعلم غلاوتك عندي قد إيه وإني مقدرش على زعل حضرتك أبدًا.
قاطعها زهران بنبرة جادة بعدما سحب نفس من أرجيلته:
-بلاش موضوع إني في مقام عبد السميع الله يرحمه، لأن محدش بيحل مكان الأب ولو كنتي فعلا معتبراني كده وغلاوتي عندك كبيرة زي ما بتقولي مكنتيش عملتي كده وصغرتيني...
احتقن وجهها بالدماء بسبب كلماته التي كالرصاص ليلحقها بكلمات واضحة:
-يا سامية أنا مقصرتش معاكي؛ أنتِ فعلا بنتي اللي مخلفتهاش، مكنتش بدخل في حياتك أنتِ وأمك ولا عمري قولتلكم بتعملوا إيه ومبتعملوش إيه، علشان مكنتش عايز أحسسكم إني مدخل في حياتكم بشكل يضايق امك ولا يضايقك علشان بس تفضلوا معانا.
-أنا أسفة.
حاول زهران أن يختصر الأمر هاتفًا:
-أهم حاجة مترخصيش نفسك يا سامية وافضلي غالية في عين نفسك وحافظي على نفسك، ولا تعملي حاجة تقل منك ولا تغضب ربنا منك، اللي عملتيه مينفعش بكل المقاييس أنتِ كبيرة مش مراهقة يا سامية اللي عملتيه ده متعملهوش العيال الصغيرة لامؤاخذة.
تمتمت سامية بنبرة متوترة:
-عارفة وأنا طالعة أصالح حضرتك واقولك متزعلش مني واوعدك إني مش هعمل أي حاجة تضايقك مني وإني اتغيرت، بس لو سمحت انزل شغلي زي الأول لأن دي أكتر حاجة بحبها في حياتي ومعنديش حاجة غيرها اعملها..
تمنى زهران أن تكون صادقة رغم يقينه الشديد بأنها أتت فقط من أجل يسمح لها بالخروج ولكنه رغم عقله وكل ما يفعله يعلم جيدًا بأنها راشدة بما يكفي ولم يعد إناث يسجنون في المنزل....
لكنه تمنى ولو واحد في المئة بأن يكون احساسه خاطئًا وأنها أدركت خطأها فعلا...
...داخـــل غــرفــة نضال...
فتح سلامة الباب ثم هتف بنبرة عادية:
-على فكرة سامية نزلت لو عايز تخرج.
لم تتغير تعابير وجه نضال وهز رأسه بإيجاب مما جعل سلامة يعقب رغمًا عنه:
-غريبة يعني أول مرة ألاقيك كارفها بالشكل ده بجد مش كلام قولته لما كنت بتحكي لأبوك...
-كارفها لأنها مبقتش تلزمني ولو حد له حكم عليها فهو أبوك؛ أنا من اليوم اللي شوفتها شايلة فيه طرحتها وماشية في الشارع وبتبجح بالشكل ده متلزمنيش لو بقت رابعة العدوية بعد كده خلاص مبقاش له لزوم...
نظر له سلامة باستغراب شديد مما جعل نضال يعقب وهو يتذكر كلمات دياب الذي اقتنع بها:
-اللي مش هيعوزني مش هعوزه، خلاص أنا وسامية عمر ما هيكون لينا عيش مع بعض لو هي أخر واحدة في الدنيا؛ ده لو فرشتلي الأرض ورد من بعد النهاردة خلاص، خلص الكلام.....
الفارق بين سلامة ونضال كبير..
سلامة في وقت غضبه يتفوه بكلمات هو غير قادر على تنفيذها وبعدها يدرك بأنه كاذب أما نضال حينما يتفوه بشيء يعلم سلامة بأنه حقيقي ولن يغير رأيه مما جعله يشعر بالاستغراب الشديد لطالما كانت سامية حب طفولة نضال هل تخلي عنها إلى تلك الدرجة؟!..
حينما خلعت حجابها خلعت كل شيء في نظر نضال، تخلت عن دينها، عن أخلاقها، مبادئها، ثقة أهلها بها، لم يعد هناك شيء لم تفعله بتلك الفعلة لذلك هي قطعت كل شيء قبل أن يبدأ...
____________
بعد طريق طويل بين منطقته والمنطقة النائية البعيدة التي تقطن فيها شقيقته، كان يقف أمام شقتها وبجانبه حور، يحمل بعض العلب الكرتونية الخاصة بالحلويات.......
يسمع أصوات تكسير غريبة أثارت قلقه وصوت صراخ شقيقته يعلو وهي تهتف بجنون غير بكاء الأطفال..
"مش نازلة ولا هروح لأمك يعني مش نازلة حتى لو هتقتلني أنا قرفت"...
" ماما"
يعلوها صراخات أخرى ودياب أسودت عيناه حتى ما يحمله سقط من يده وأصبح بيد واحد يقرع الجرس واليد الأخرى يطرق بها على الباب بغضب وهو يرغب في كسره....
-أفتح الباب....
أما حور بدأت تشعر بالرعب ولا تعلم لما شعرت بالقلق الشديد وأخيرًا استجاب عمرو وفتح الباب ليجد أمامه دياب، كان عمرو بين يديه حزامه الجلدي وقبل حتى أن يفهم أو يستوعب وجوده كان قد سقط أرضًا مواجهًا لكمات وهجوم لا يستطيع حتى صده........
تحت صراخ دياب الهستيري الذي تفوه:
-ليلة أمك واللي خلفوك كلها مش معدية يا عمرو يا ابن منى....
أما حور حاولت الولوج وهي تجد شقيقها أنهال باللكمات على عمرو الذي حاول التماسك ونهض وهو يترنج ليقذفه دياب بعدما لما هيئة شقيقتها على الخزانة الزجاجية، "النيش" ليصدع صوت تكسير مُريب وعالي جدًا...
حور والصغار ركضوا ناحية إيناس التي كانت تقف في أحدى الزوايا مذهولة مما يحدث...
_______يتبع______
لو وصلتم لهنا متنسوش الفوت والكومنت علشان التفاعل واقع🙃🙃🙃🙃
بوتو يحبكم وان شاء الله نتقابل في فصل جديد...
دمتم بخير..
الفصل الرابع من #عذرًا_لقد_نفذ_رصيدكم
#شارع_خطاب
بقلم #fatma_taha_sultan
____________
اذكروا الله.
دعواتكم لأهلكم في فلسطين والسودان وسوريا ولبنان وجميع البلاد العربية.
_____________________
ده الي كان نفسي فيه لو تيجي صدفه تجمعني بيه فرصه عمري اضيعها ليه مش معقول
عيني قدام عنيه باكتر من الي حلمت بيه ده اليوم الي انا مستنيه عشان اقول
وياه الحياه هتحلي وانا معاه هو ده الي انا بتمناه والي عيني شيفاه احساس انه احلي واغلي الناس
خلي قلبي يقولي خلاص اهدي بقي لقيناه
ايوه هقول واعيد مهو بقي جنبي ومش بعيد فرحه قلبي كانو عيد مستنيه
يلا اهوه جه الاوان مش هستني ليوم كمان لازم اقولو من زمان عيني عليه
كلمات الأغنية تصدع بقوة من الخارج، بشكل ازعج نضال الذي خرج من غرفته وسار بضعة خطوات ليجد سلامة في المطبخ يرتدي مريول المطبخ في حالة نادرة جدًا، هو أقصى ما قد يفعله هو الشاي والقهوة وبضعة شطائر....
يرتدي مريول المطبخ لأنه يصنع قهوة سريعة الذوبان فقط وهذا ما استنتجه نضال وهو يجده يدندن كلمات الأغنية ويسير في المطبخ بطريقة مسرحية وهو يحمل المضرب الكهربائي.....
تمتم نضال بعدما خرج وأوقف الاغنية من ريموت التلفاز:
-هما اخترعوا السماعات ليه؟! وكل شوية يخترعوا حاجة جديدة منها بشكل جديد؛ علشان الواحد يسمع مع نفسه مش يطرش اللي في البيت...
ضحك سلامة من منظر شقيقه الغاضب على الأغلب والحانق لكنه أسترسل بخفة وهو يدندن:
-خلي قلبي يقولي خلاص اهدي بقي لقيناه....ايوه هقول واعيد مهو بقي جنبي ومش بعيد فرحه قلبي كانو عيد مستنيه..
هتف نضال بنبرة جادة:
-أنا هشيل السماعات وهخرب الساوند سيستم اللي في الشقة ده لجل خاطر عيونك يا سلامة.
عبس سلامة وهو يهتف ساخرًا:
-أنا معرفش أنتَ نكدي لمين؟! بكرا أتجوز واكون في شقتي لوحدي أنا ومراتي وتبقى تقول ولا يوم من أيامك يا سلامة، ياللي كنت مالي الشقة عليا يا سلامة وساعتها ولا هعبرك هكون مجرد جار ليك وهسمعك الاغاني من فوق.
تحدث نضال بنبرة حاول جعلها جادة:
-والله أنا ما هفتقد حد غير الأستاذ عمرو دياب وتامر عاشور والفنانة أصالة، وبعدين ساعتها لما تكون جاري هعملك محضر ازعاج..
وضع سلامة يده على قلبه بطريقة مسرحية ليدندن:
-اه الفنانة أصالة اه، وياك لو حتى وأنتَ بعيد، الشوق إليك بيزيد وأفضل أفكر فيك...
ابتلع ريقه ثم تحدث بجدية:
-هخلص النسكافيه واشغلها...
رغم أنه دومًا يتشاجر معه ويستنكر علاقته بخطيبته لكنه يتمنى أن يظل سعيدًا وصاحب مزاج رائق هكذا.........
هتف نضال بنبرة متهكمة:
-ياريتك بتطرشني على حاجة عدلة..
قاطعه سلامة بنبرة ساخرة:
-هو لازم اسمع أغاني من العصر الحجري علشان اعجبك؟!..
-اللي ميسمعش ألحان بليغ حمدي ورياض السنباطي والموجي وعبد الوهاب يبقى محتاج ينضف ودنه، مفيش حاجة اسمها مبحبش الاغاني القديمة في حاجة اسمها لسه مكتشفتش إني بحبها..
تمتم سلامة بهدوء:
-خلاص روح شغل لينا حاجة على ذوقك يمكن اكتشف المرة دي إني بحبهم..
رد عليه نضال ببساطة:
-لا، أنا مش بسمع عمال على بطال يعني، وأنتَ مش كل يوم أغاني قرفتنا بقا..
كاد أن يتحدث سلامة ويخبره بأنه أصبح مثله هو وأبيه لديه تقلبات مزاجية عنيفة بعدما كان يسخر منهم لكن صدع صوت الهاتف المتواجد في يد نضال ليجد دياب هو المتصل أجاب عليه:
-ألو...
جاءه صوت دياب بنبرة مقتضبة:
-أيوة يا نضال أنا في القسم، تعالى..
هتف نضال بدهشة وقلق شديد:
-ليه حصل إيه؟! عملت إيه يا دياب؟!.
-تعالى بس وهتعرف لازم حد يجي يضمني أو يكون معايا حد لأني أنا هنا ومعايا حور وايناس...
لم يفهم نضال كليًا ما يحدث ولكنه سأله:
-حاضر، حاضر جاي حالًا، قولي في قسم إيه طيب..
تحدث سلامة مستفهمًا بقلق هو الآخر:
-في إيه يا نضال؟!!!
______________
الدخول إلى الفرع الأول والرئيسي لمجمع المستشفيات كان أمرًا صعبًا عليه، أن يدخل ولأول مرة بدون والده، والده الذي كان بمثابة قدوته، معلمه، صديقه الأول الذي لم ينافسه أحد في مكانته.....
كان كل شيء بالنسبة له...
إنسان حنون قبل أو يكون أب وجراح...
كل ركن في المستشفى له ذكرى مع والده، منذ أن كان طفل صغير يأتي مع والدته لزيارة والده بين الحين والأخر في عمله...
في نهاية اليوم ولج إلى مكتب والده الخاص بالإدارة كان المكتب مثلما تركه كل شيء فيه يحمل بصمته ولمسته....
لم يستطع أن يجلس في مقعده لكنه جلس على الأريكة الجلدية مع الدكتور مصطفى صديق والده الذي أخذ يحاول تعزيته وتقويته، ويجعله يهتم بما تركه له والده وهذا من حسن البر به، استكمال عمله والدعاء له، وفعل ما كان يفعله..
كان الحديث روتينيًا..
ففي وقتها قد تظن بأنه حديث أحمق، لأنه يخرج من شخص حتى لو تعرض للشيء نفسه هو قد تخطاه أو تأقلم عليه بينما أنتَ مازالت في خطوتك الأولى فيه لم تعتد على الأمر حتى.....
لذلك تجد حديثهم عبثًا...
تركه مصطفى ورحل ليستكمل دوامه وظل هو جالسًا في مكانه يتصل تارة بزوجته وتارة أخرى يطمئن على أحوال شقيقته...
لا يظن بأنه سوف يستطيع اليوم ممارسة عمله بشكل فعلي مازال يحتاج إلى وقت، هو لن يطيل جلسته لليوم الأول على أي حال، ليلقي التحية على الأطباء ويتابع كل شيء مثلما كان يفعله والده بالإضافة إلى عمله....
مرت ساعة أخذ يسير فيهما في المستشفى ثم عاد مرة أخرى إلى الغرفة يظن بأنه قد أتى الوقت حتى يرحل..
لكن قبل أن ينفذ ما رغب فيه كان هناك طرقات خافتة على الباب وهادئة، أذن جواد إلى صاحبها في الدخول...
وولجت أحلام بالفعل بابتسامة صافية من الدرجة الأولى وأغلقت الباب خلفها، فهي شخصية بشوشة على أية حال وهذا ما جعله ينجذب لها من البداية:
-كُنت ناوية أصبح عليك، بس اعمل إيه وقت الصباح عدى، ممكن أقول مساء الخير؟!.
عقب جواد وهو يعقد ساعديه يناظرها:
-مساء النور يا أحلام، عاملة إيه؟!.
تمتمت أحلام بنبرة عادية وهي تأتي وتجلس على أحد المقاعد:
-أنا الحمدلله بخير، مكنتش متوقعة أنك جاي النهاردة، ومعرفتش غير من الدكتورة عبير، مع إني بعتلك الصبح ومكلفتش نفسك ترد عليا، ولفيت على المستشفى كلها إلا القسم بتاعنا و....
قاطعها جواد بنبرة جادة لكنه كان كاذبًا:
-أبدًا صدفة مش لسبب معين وأنتِ عارفة الظروف اللي أنا بمر بيها الفترة دي فبلاش تزودي الضغوط عليا لو ممكن يعني أنا مبقتش زي الأول.
ردت أحلام عليه ببساطة ونبرة لطيفة:
-أكيد أنا مقدرة اللي أنتَ فيه، بس بصراحة أنا مش مطمنة..
سألها جواد باستغراب لكن نبرته لم تكن فضولية هي فقط نبرة باردة وجامدة إلى حدٍ كبير:
-ليه حصل حاجة عندك؟!..
هتفت أحلام بنبرة جادة وهي تخبره بما تشعر به حقًا:
-جواد أنا حاسة أنك بتبعد عني كل يوم أكتر من اليوم اللي قبله ومتقولش من ساعة وفاة والدك علشان أنتَ من قبلها بفترة وأنا حاساك متغير معايا اه بتكلمني وبنخرج بس مش معايا زي الأول و...
تمتم جواد بانزعاج وهو يحاول غلق هذا الأمر مؤقتًا لكن بالتأكيد سيتحدث معها فيه مطولًا وقريبًا جدًا....
-أحلام لو سمحت أنا مش حابب أتكلم في حاجة دلوقتي ولا حابب أدخل في أي نقاش، أنا ولا ببعد ولا بقرب، لكن دلوقتي أنا حياتي وحسبتي مختلفة عن قبل كده ومسؤولياتي زادت، ونفسيتي مش جايبة إني اتكلم في أي حاجة، لما أحس إني قادر أتكلم هقولك ونتكلم زي ما أنتِ عاوزة...
شعرت بأن هناك دلو من الماء المثلج قد أسكبه فوق رأسها وللحق يُقال هي شعرت بالقلق من حديثه هذا...
هل صرف نظر عنها تمامًا؟!
هل يرغب في إنهاء كل شيء؟!!!...
هل حساباته الجديدة هي ليست موجودة فيها؟!!..
ومن كثرة قلقها لم تنتبه إلى صوت هاتفها الذي يصدع بقوة وهو موضوع في "البالطو" الطبي التي ترتديه مما جعل جواد يهتف بنبرة هادئة:
-أحلام موبايلك بيرن..
هزت رأسها بحرجٍ ثم نهضت وأخرجت الهاتف من جيبها وأجابت على إيناس التي قالت لها شيئًا ما جعل أحلام تتحدث بنبرة جادة:
-وده حصل أمته ده؟! خلاص أنا جاية، أنتم فين دلوقتي...
صمتت لثواني ثم تحدثت:
-خلاص هجيلكم على البيت تكونوا وصلتوا، أنا خلصت شغل عمومًا ماشي سلام..
تمتم جواد وهو يراها قد انتهت من المكالمة:
-في حاجة ولا إيه؟!.
عقبت أحلام بهدوء:
-أبدًا في مشكلة كده عند صاحبتي ولازم امشي، عن إذنك نبقى نتكلم يوم تاني ان شاء الله..
____________
كان هناك بعض الكدمات البسيطة جدًا في جسد دياب مقارنة بالكدمات والجروح العميقة جدًا في رأس عمرو زوج إيناس وجسده، تجمع الجيران وحاول فصلهما ولكن لم يكن دياب يتركه أبدًا تحت صراخ شقيقتيه بأن يتوقف....
لم يتوقف أبدًا حتى طلب أحد الجيران الشرطة لأنه لم يكن أي شخص قادر على أن يوقف الاثنان أبدًا وفي النهاية ذهب الاثنان إلى القسم وأخذ دياب يخبرهم بما حدث وكذلك عمرو الذي أخذ ينفي كل شيء وأخبر الشرطي بأنه هو من تهجم عليه في منزله دون سبب..
لكن إيناس كذبته، لو كان موقف أخر لكانت صمتت لكن عند شقيقها لم يعد لها قدرة على الصمت وأخبرت الشرطي بما حدث بأنه كان يتهجم عليها لذلك فعل شقيقها ما فعله...
وفي ذلك الوقت كان نضال قد أتى مع والده زهران، بمجرد معرفة زهران من سلامة ما حدث جاء خلف نضال فورًا، هو لن يترك دياب هو ابن ثالث له،...
ويعلم بأنه لا يتواجد له أب أو قريب يستطيع الوقوف بجانبه لذلك حاول مساندته هو ونضال، حتى أن الشرطي تعاطف مع دياب بداخله ويعلم بأن ما فعله يفعله أي رجل حُر قد علم بإهانة شقيقته...
أخبر الشرطي زوج إيناس بأن زوجته لديها عدة جروح في جسدها بالإضافة إلى يدها الجريحة والتي أقرت بأنه هو السبب في هذا الأمر، لذلك حاول الشرطي إخافة عمرو بأن هذا سيكون ضده في الوقت ذاته لذلك أسلم حل له أن يتنازل عن المحضر وأن يكتب الاثنان تعهد بعدم التعرض للآخر وكان زهران هو الذي يحاول أن يسعى إلى هذا الأمر وحاول إقناع دياب بصعوبة الذي كان على وشك بأن يتعدى عليه في قسم الشرطة وأن يضعف موقفه.....
لقد قضى على الرجل حقًا ليس هناك مكان في جسده سليمًا أن كان كدمه تحولت إلى اللون الأحمر والأرزق أو جروح بسبب الزجاج غير الجرح الغائر في رأسه وساقه......
انتهت الليلة بأقل الخسائر وأخذ زهران دياب في سيارته حاول تهدئته وكان معه ابناء شقيقته وفي السيارة الآخرى الخاصة بـ نضال كانت تجلس ايناس وحور مع نضال حتى أوصلهما إلى المنزل ورحل أبيه لمقابلة أحد أصدقائه....
ظل نضال واقفًا في الطابق الثاني، لم يرغب في الذهاب حتى يتأكد من أن دياب لن يهبط مرة أخرى، تحديدًا بعدما أتت أحلام وألقت التحية عليه حينما وجدته واقفًا على الدرج..
صدع صوت هاتف نضال فأخرجه من جيبه وجده والده فأجاب:
-أنا في البيت يا بابا، واقف في الدور التاني عند شقة بهية، مرضتش ادخل معاهم علشان اسيبهم على راحتهم وفي نفس الوقت مش عارف امشي.
"صوتك بيقطع يا ابني"
حاول نضال التحرك قليلا من مكانه:
-معلش أنا واقف على السلم الشبكة وحشة؛ سامعني؟!.
"أيوة كده سامعك"
-بقولك واقف عند شقة بهية، خايف المجنون ده ينزل تاني ده حالف أنه يروح يقتله..
"ايوة خليك معاه متسيبهوش، أصل الواد الصغير ياريته ما ركب معانا في العربية فضل يقوله دي مش أول مرة بابا يعمل كده في ماما، جننه أكثر؛ صاحبك صعب خليك معاه علشان ميوقعش نفسه في مصيبة لو عرفت هاته يبات معاكم هنا".
تمتم نضال بنبرة منزعجة:
-حاضر ممكن خمس دقائق كده وأطلع او انزل اقعد في العربية، لغايت ما اطمن انه مش هينزل، ولو نزل هحاول أجيبه.
"ماشي أنا هخلص مع عمك فتحي وهتصل برضو أطمن عليكم، المهم متسيبهوش علشان ده دماغه مفوتة أنا عارف أن معاه حق بس في حاجة اسمها عقل ودياب مقطع بطاقته ده عايز يضربه في القسم".
" بـــداخـــل شـقـة عائـلـة ديـاب"
-كنتي عارفة، كنتي عارفة طبعًا ما أنتِ مخزن الأسرار، وجنى قالت أنك روحتي وغيرتي على الجرح..
كان دياب يصرخ بهستيريا أمام أحلام التي تجلس بجانب صديقتها وردت عليه بغضب هي الأخرى:
-متزعقليش يا دياب، وبعدين أه كنت عارفة أعمل إيه يعني؟!! كنت ببقى عايزة اجي اقولك أنتَ وطنط حُسنية واختك مش راضية، اعمل إيه اجي اقول بالعافية واكون أنا اللي بخربها وبخرب بيتها.
تحدث دياب ساخرًا وهو يدور في أرجاء الشقة ولم يجلس لثانية حتى منذ صعودهما:
-صح العيب مش عليكي العيب على الهانم اللي ساكتة ومخبية وكل ما نكلمها تقول أنا كويسة، وشارطة علينا نيجي في ميعاد ونمشي في ميعاد وسايباه يمد ايده عليكي.....
يصرخ بشكل جنوني مما جعل إيناس ترد عليه بنبرة لا تقل عنه:
-أيوة كنت بضرب وساكتة، ومش عايزة أعرفكم علشان كنت عارفة أن ده اللي هيحصل يا دياب وأنك مش هتتحمل، وممكن تضيع نفسك، سكت مش علشان بحبه ولا زفت ولا علشان حاجة، سكت علشان أنا مش عارفة اعمل حاجة ومش عايزة أشيلك حِملي أنا كمان، علشان مجيش اطب عليكم هنا واضايق أختك وهي ثانوية عامة...
انفجار آخر...
كما انفجر هو وأخرج كل طاقته وغضبه من كل شيء يحدث، انفجرت إيناس بما يتواجد بداخلها، لقد تحملت كل شيء على أمل أن ينصلح حال زوجها، قامت بالدعوة له في كل صلاة بأن يصلح الله شأنه من أجل أطفالها، ومن أجل ألا تصل إلى تلك النقطة..
لكن لم ينصلح أي شيء...
جاءت حور في الوقت نفسه من الداخل متمتمة بتوتر وأعصاب متوترة بسبب هذا اليوم الصعب:
-يا جماعة وطوا صوتكم شوية العيال منهارة من العياط، اليوم ده صعب عليهم...
نهضت إيناس وخلفها أحلام ولجوا إلى الغرفة التي يتواجد بها الأطفال وعلى عكس المتوقع فتح دياب باب المنزل وهو يشعر بالغضب الشديد يفتك به يحاول تخيل معاناة شقيقته من أجله ومن أجل الظروف الشاقة، لن يتركه حتى ولو قتله...
أغلق باب المنزل خلفه وهبط على الدرج وحينما شعر نضال بأن هناك من يهبط من الدور العلوي وضع هاتفه في جيب بنطاله، اتضح له الأمر أنه دياب فاقترب من دياب متحدث بنبرة جادة:
-رايح فين؟!.
سأله دياب بملامح مُبهمة:
-أنتَ واقف بتعمل إيه هنا؟!.
غمغم نضال كاذبًا:
-كنت طالع ليك أطمن عليك..
-مش وقتك..
أمسكه نضال من ملابسه حينما وجدته يتحرك مقررًا الهبوط:
-استنى بس رايح فين..
-رايح للـ*** ده...
كان دياب مقررًا أن يتحرك عنوة عن نضال الذي يمسك في أحد أكمام سترة صديقه ويشده منها تحت حركة دياب مما جعل الكم ينفصل عن باقي السترة تحت صرخة دياب:
-عاجبك كده قولتلك سيبني...
صرخ نضال فيه هو الآخر وهو بيده الاخرى لأن الاولى يتواجد بها أحد أكمام السترة:
-مش سايبك، إيه عايز تروح تلبس نفسك مصيبة تانية؟!.
-خليك في حالك وأبعد عني أنا مش طايق نفسي وعلشان متزعلش من ردة فعلي يا نضال أبعد عني وخليك في نفسك..
-ممكن تخرس شوية وبعدين مش هخليني في حالي ولو أنتَ مش خايف على نفسك أنا خايف عليك..
ثم صرخ نضال فيه غاضبًا:
- وبعدين أنتَ ماضي تعهد على نفسك ولسه ماشيين من القسم عايز تروح تهبب إيه؟! شغل دماغك شوية.
"مساء الخير"....
صوت أنثوي لفت انتباه الاثنان، لم يدرك نضال ودياب بأن هناك فتاة تتابع هذا العرض الرائع وهي تقف أمام شقة بهية تطل منها بعدما فتحت الباب وكانت على وشك أن تصعد وتذهب إلى شقة الخالة حُسنية والدة دياب...
أستدار نضال فالصوت ليس غريبًا أبدًا على مسمعه، بينما دياب هتف أولًا بنبرة قلقة رغم عقله المشحون:
-ازيك يا سلمى عاملة إيه؟!.
ردت سلمى عليه بنبرة هادئة:
-الحمدلله، أنا جيت علشان أدي الحقنة لبهية، وكنت لسه هطلع عندكم أقول لطنط أنها تنزل تقعد معاها شوية لغايت ما تنام علشان أنا اتأخرت...
سألها نضال بنبرة غريبة وهو ينظر بها بأعين واضحة يتمنى أن تفهم ما يرمي إليه رغم اندهاشه من وجودها هنا، وكان يشير إليها من خلف دياب الذي أصبح أمامه:
-ليه هي تعبانة ولا إيه؟!.
فهمت سلمى ما يريده منها لكنها على أي حال لن تكذب هذا هو حالها بالفعل:
-هي فعلا تعبانة شوية وعايزة حد يقعد معاها لغايت ما تنام لأني اتأخرت جدًا...
______________
مازال عقابها مستمرًا هي لا ترى حتى والدها...
لا تراه أبدًا ولا يسمح حتى بخروجها خارج غرفة نومها...
تشعر بالضيق الشديد....
لا يتواجد معها هاتف، ولا أي شيء، فقط التلفاز المتواجد في غرفتها لا تغلقه حتى في نومها على عكس المعتاد؛ الوقت يمر ببطئ شديد عليها...
حتى الجامعة لا تذهب لها ولا يسمح والدها تحت أي ظرف أن تخرج من المنزل...
تجلس ريناد على الفراش، فُتح باب الغرفة بعد طرقات خافتة أذنت ريناد لصاحبتها بالدخول وبالتأكيد هي زينب لا يدخل أحد إلى غرفتها سواها تقريبًا..
دخلت وهي تحمل صينية الطعام ووضعتها على الطاولة متحدثة:
-العشاء يا حبيبتي.
ردت ريناد عليها بنبرة منزعجة:
-مليش نفس ومش عايزة أكل حاجة أنا خلاص زهقت حاسة إني هتجنن من القعدة في الأوضة..
جاءت زينب وجلست بجانبها على الفراش متمتمة:
-معلش يا حبيبتي استحملي شوية بس أكيد هو هيروق وهيقعد يتكلم معاكي وبعدين يعني اللي عملتيه مش شوية...
قالت زينب كلماتها الاخيرة معتمدة على رواية ريناد لها التي أخبرتها بما فعلته وسط بكائها حتى تستحق عقاب هكذا.....
هتفت ريناد بنبرة متألمة:
-والله العظيم كانت أول مرة أروح مكان زي ده والله أول مرة وأخر مرة ومش هعملها تاني، أنا حبيت أجرب حاجة جديدة ومشيت ورا كلام صحابي أننا مش هنخسر حاجة ومش هيحصل حاجة...
قالت زينب بنبرة جادة وهي تنظر لها بحنان بالرغم من ذلك:
-واهو حصل يا ريناد، حصل حتى ولو من أول مرة، المهم دلوقتي تفكري ازاي تصالحي والدك يا حبيبتي، من ساعتها وهو متعصب طول الوقت ومش كويس خالص...
تمتمت ريناد بنبرة منزعجة:
-وأنا هعرف منين اصالحه وهو مانعني أخرج من الأوضة، ومش طايق يبص في وشي...
-أعذريه أكيد شوية وهيروق يا بنتي هو أكيد كان خايف عليكي وبيفكر في ألف احتمال واحتمال...
رفعت زينب يدها ووضعتها على وجنتي ريناد متمتمة بنبرة هادئة:
-كلي أنتِ وكل شيء هيتحل وأنا هحاول اتكلم معاه قبل ما اروح ان شاء الله خير اهم حاجة تكوني عرفتي وأدركتي غلطك يا بنتي..
-عرفته والله مش هكررها تاني..
______________
-خلع إيه يا متخلفة؟!..
قالت أحلام تلك الكلمات وهي تنهر صديقتها التي تجلس بجوارها على الأريكة بعدما جعلت طفليها يخلدون إلى النوم بعد نومة بكاء مريرة...
تمتمت إيناس بانزعاج شديد:
-أمرك عجيب يا أحلام بقالك سنين بتقولي ليا أطلق ولما...
قاطعتها أحلام بنبرة واضحة:
-بقول اطلقي وتاخدي كل حقوقك لكن الخلع ده هتعملي فيه جميل وهو نفسه يأخد كل حاجة ما الخلع ده يعني هتتنازلي عن كل حاجة وهو ميستاهلش نسيب له حاجة...
هتفت إيناس ساخرة:
-عمرو لو عايز يطلقني كان طلقني من زمان لكن هو مش هيرضى يخسر حاجة وأنا مش هدخل دياب في مشاكل أكتر من كده، لولا الظابط ابن الحلال اللي كان هناك وعم زهران، عمرو مكنش اتنازل عن المحضر؛ اخويا أهم عندي من أي حاجة وعمرو أصلا استحالة يرجعني بعد اللي حصل ومش هيطلقني برضو.
قاطعتها أحلام وهي تعقد ساعديها بتفكير:
-استني اكيد ليها حل اهدي كده، أهم حاجة متسبيش للحيوان ده أي حاجة..
_______
في الطابق الثاني...
كان يجلس دياب على المقعد بينما بهية مستلقية على الاريكة وكان نضال واقفًا في مكانه، قد رحلت سلمى منذ حديثها معهم مخبرة أياهم بأنها قد تأخرت وعليها الرحيل الآن...
تمتمت بهية منزعجة:
-ازاي يعني معكش رقمه؟!.
رد دياب عليها موضحًا الامر:
-مهوا الحظ بقا أنتِ موبايلك سلم نمر وأنا موبايلي البوردة بتاعته والشاشة لما اتغيروا كل حاجة اتمسحت بس متقلقيش هتصرف أنا..
تحدثت بهية بانزعاج شديد:
-ياريت يا ابني واحشني أوي وأول مرة يغيب كده وقلقانة عليه...
ثم توقفت عن الحديث وأخذت تحرك رأسها متمتمة:
-في حد هنا غيرك صح ودخل معاك؟!..
تمتم دياب بنبرة ساخرة:
-اه ده نضال صاحبي، شكلها شمت ريحتك يا نضال وغريبة عليها...
ردد نضال كلماته باستنكار:
-شمت ريحتي؟! ما تحسن ملافظك..
هتفت بهية بترحاب:
-طب أقعد يا ابني واقف ليه؟!.
شعر نضال بالقلق وجلس على المقعد وهو يميل على دياب قائلا:
-هي بتشوف؟!.
رد عليه نضال ساخرًا:
-لا، مخاوية..
تحدثت بهية بنبرة غاضبة:
-احترم نفسك يا واد سمعاك؛ وبعدين أنا أه مش بشوف بس بسمع كويس وبشم كل حواسي التانية شغالة بشكل أحسن منكم..
وجهت بهية حديثها إلى دياب متمتمة:
-وبعدين قولي كنت فين وإيه اللي حصل مع اختك..
أخذ دياب يخبرها بما حدث، مما جعلها تشعر بالأسف والحزن الشديد على فتاة في عمر إيناس مرت بهذا كله مما جعل دياب يختم حديثه....
-مرضيناش نقول لماما علشان متجيش مفزوعة لغايت ما ترجع هي بكرا بقا وتعرف لوحدها، معتقدش يعني عمرو أو حد من اهله هيتصل يعرفها حاجة...
ثم حاول تغيير الموضوع متحدثًا:
-كنت ناسي أن ميعاد الحقنة النهاردة، كويس أن سلمى افتكرت لوحدها بنت حلال والله.
تحدث نضال هنا باستغراب:
-أول مرة أعرف أن سلمى بتدي حقن يعني أو أنها تعرف بهية أصلا..
رد دياب عليه تحت صمت بهية:
-سلامة اللي قالي، أحلام ساعات كانت بتيجي بس مبقتش تعرف تيجي لما تكون في المستشفى ومش من النوع اللي تعتمد عليها في مواعيد فلما كنت مسافر أنتَ وعم زهران العمرة وكنت قاعد مع سلامة على القهوة بتكلم في الموضوع راح قالي وكلمناها ومن ساعتها وهي بتيجي عموما بتزور بهية وبتديها الحقن في مواعيدها..
هتفت بهية بنبرة ساخرة معقبة على حديث دياب:
-قول شعر عنها بالمرة، وبعدين سيبني أرد هو أنا مفيش فيت لسان يعني أرد على الواد اللي ريحته غريبة ده...
عقب دياب على حديثها متهكمًا:
-يا ابني ما تروح تستحمى قرفتنا بقا..
تمتم نضال ساخرًا:
-يا حجة بهية والله عماله تشككيني في نفسي أن ريحتي فايحة ولا إيه؟! أروح أخد دش وأرجعلكم تاني ولا أعمل وإيه؟!...
تجاهلته بهية ثم وجهت حديثها وهي تحاول التقاط يد دياب متحدثة بحنو:
-كلام صاحبك صح يا ابني اطلع كده وريح دماغك شوية، وإياك تروح تاني للواد ده الحمدلله أن ربنا سترها استنى امك لما ترجع وساعتها يحلها الحلال لكن متوقعش نفسك في مصيبة...
بدأ يشعر دياب بالاقتناع لرأيهم، وشعر باهتزاز هاتفه للمرة التي لا يعرف عددها وكان صاحب الاتصال معروفًا وهي خطيبته ليلى الذي لا يمتلك أي مزاج رائق ليخبرها بكل ما حدث..
___________
أخذ القرص الأول من المُسكن بعد هبوطه من عند دياب لكن الآن وهو يتواجد في منزله برفقة أبيه لا يظن بأن باقي الشريط قد يُسكن ما يفعله أبيه الآن في رأسه...........
غير ضحكات سلامة الغير منطقية مقارنة بما يسمعه والذي تسبب في جنون نضال...
تمتم نضال بنبرة جادة:
-بابا هو اللي بتقوله ده بجد ولا بتهزر لأن لو بتهزر علشان افك بعد اليوم الغريب ده فصدقني الموضوع مش مضحك خالص زي ما ابنك مش قادر يبطل ضحك كده...
ترك زهران الارجيلة متحدثًا بقوة وهو يؤكد على حديثه مرة أخرى:
-يعني أنتَ تعرف عن أبوك كده؟! أبوك يا نضال يهزر في أي حاجة إلا الجواز والطلاق ده مفيهمش هزار، خط أحمر.
هتف نضال بنبرة ساخرة بعض الشيء:
-يعني إيه؟! بعني أنتَ خلصت على كل الستات اللي تعرفهم خلاص ومبقاش غير أم خطيبة ابنك؟!.
تمتم زهران ببساطة شديدة وبدأ سلامة يعتدل في جلسته ويحاول أن يتوقف عن الضحك:
-كيفي كده، القلب وما يريد يا أخي.
قاطعه نضال بنبرة ساخرة:
-قلب إيه وكبدة إيه؟ ده أنتَ مبقالكش أسبوعين مطلق ده أنتَ بتخلص الموف أون بسرعة الصاروخ، الموف أون اللي عندك يا بابا محتاج يتصدر للشباب ده علشان يعرفوا يكملوا بقية حياتهم، ده أنتَ ملحقتش...
هتف زهران بجدية وهو ينظر له:
-أنا بنجز وبخلص بسرعة..
هتف نضال بنبرة هادئة حاول تصنعها فـوالده سيفقده عقله:
-بابا شوف أي حد غيرها أحسن أنتَ هوائي وهطلقها بعد فترة زي أي واحدة قبلها وهتعمل مشاكل لابنك فيما بعد وهدخله في حوارات..
رد زهران عليه ببساطة:
-ما أنا هتوب على ايديها نويت اتغير فيها إيه دي؟!.
-يا مثبت العقل والدين يارب...
قالها نضال ثم وجه حديثه إلى سلامة متحدثًا:
-ما تتكلم وتبطل ضحك..
غمغم سلامة من وسط ضحكاته:
-والله مش عارف اقول إيه بس يسرا طيبة أنها تأخد صفة مرات الأب والحماة...
هتف نضال بسخرية:
- يا روقانك أنتَ وأبوك، هو أنا الوحيد اللي مش عاجبني الكلام؟!
تمتم زهران بجدية وهو ينظر له بانتصار:
-لا أنتَ الوحيد اللي مش متربي ومش عايز يقف جنب أبوه..
قاطع سلامة الحديث بنبرة حاول جعلها جادة قدر المستطاع:
-أنا مع نضال بصراحة بس مش قادر مضحكش.
عقب زهران بغضب:
-ولا ابو شبكة رايحة جاية ده كمان أتربى..
تمتم نضال وهو يسأل والده بنبرة جادة:
-طيب هي تعرف؟! أو لمحت ليها عن حاجة؟.
رد زهران عليه نافيًا:
- حد الله، لا طبعًا أنا مش بلمح ولا بقول حاجة لأي واحدة أنا بقول في وشها مرة واحدة عايز اتجوزك وافقت أهلا وسهلا موافقتش أهلا وسهلا هو أنا لسه عيل صغير هقعد ألمح..
هتف نضال بغضب مكتوم:
-طيب عرفت منين أنها عايزة تتجوز أصلا مهي بقالها سنين مطلقة لو كانت عايزة كانت اتجوزت من زمان...
تمتم زهران ببساطة بعدما أمسك خرطوم الارجيلة وسحب نفس منها:
-أعتقد أنا عريس مترفضش.
هز نضال راسه بإيجاب وهو يتحدث بسخرية:
-طبعًا ده مفيش حاجة تخليها ترفض أنها تكون الزوجة الثامنة هي تطول أصلا....
هتف زهران بنبرة غاضبة:
-عمومًا أنا اللي غلطان إني بتكلم مع شوية عيال زيكم وبأخد رأيكم، عموما أنا حر في اللي أنا هعمله بيكم ومن غيركم أنا بس حبيت أخد رأيكم وسديتوا نفسي..
تمتم نضال بنبرة صريحة:
-لا متقلقش يا بابا أنتَ نفسك بتتسد عن أي حاجة في الدنيا إلا الجواز..
رد زهران عليه بابتسامة صفراء:
-عقبالك يا حبيبي لما نفسك تتفتح على الجواز زي أبوك..
وقبل أن يُفتح في جروح ولده تحدث بنبرة جادة تحت نظراته إلى سلامة الذي نهض بسبب اتصال هاتفي من أحد أصدقائه:
-أهم حاجة بكرا تجيب ليا الواد دياب أتكلم معاه أنا معرفتش أتكلم معاه لازم يهدى كده وميعملش أي تصرف غبي وميروحش يأخذ حاجة أخته ولا يعمل حاجة لغايت ما الموضوع يهدى وقتها نقعد مع الواد وأهله سواء هترجع أو مش هترجع برضو نروح معاه ونتكلم بالاصول وييطل يشغل دراعه ويشغل دماغه شوية...
_____________
في صباح يوم السبت...
تستيقظ بهية مع صوت أذان الفجر لتتوضأ وتقضي فرضها وتظل جالسة لمدة تقوم بقول أذكار الصباح وإذا أرادت النوم مرة أخرى تفعل...
لكن اليوم كانت تشعر بأنه سيأتي رغم أن دياب لم يجد رقمه ولم يتصل به...
تجلس على الأريكة تقوم بسماع القرآن من الراديو كعادتها كل صباح، سمعت رنين الجرس فنهضت من مكانها بعدما حركت يدها لتبحث عن عكازها وحينما لمسته استندت عليه ونهضت وهي تحفظ كل شبر في شقتها عن ظهر قلب لذلك ذهبت إلى الباب بسهولة وما أن فتحته تحدثت وكأنها تراه حقًا:
-محمد...
رد عليها بهدوء متعجبًا من أنها تعرفه بسهولة في كل مرة:
-أيوة أنا..
رفعت كف يدها التي ترتعش قليلا كـ حركة طبيعية لمن هم في عمرها، محاولة الوصول إلى وجهه لتضعها عليه وساعدها هو حينما أمسك معصمها..
تحدثت بهية بنبرة عاطفية وهي تحاوط وجهه بكفيها بعدما تركت عكازها يسقط أرضًا:
-كنت مستنياك يا حبيبي وكنت حاسة أنك هتيجي، أنتَ كويس؟! طمني عليك يا حبيبي...
تمتم محمد بآسفٍ وهو يحتضنها:
-حقك عليا اتأخرت عليكي المرة دي أوي..
-ولا يهمك يا ابني تعالى ندخل جوا مش هنفضل واقفين على الباب...
بعد مرور نصف ساعة تقريبًا..
كان محمد يجلس فيها مع بهية خالته، شقيقة والدته الراحلة التي كان يأتي معها لزيارة عائلتها بين الحين والاخر ولكن بعد وفاتها انقطعت زياراته لفترة لأن والده لم يكن يسمح له أو بمعنى أصح لم يكن الأمر في أولوياته...
وحينما نضج محمد وكبر أصبح يأتي بين الحين والأخر حتى أنه عرض عليها الكثير من المساعدات ولكنها لا تقبل أي شيء هي فقط تريد رؤيته ولا تريد الانتقال من المنزل كما يريد أو أخذ نقود منه هي فقط تقبل الهدايا التي يأتي بها لها على مضض لا أكثر من ذلك...
حتى أنه عرض عليها في وقت من الأوقات أن يأتي بـ جليسة لها في المنزل تساعدها نظرًا لوضعها وفعل وأرسل لها بدل الواحدة ثلاثة ولكنها لم تتكيف ولم تشعر بالراحة بأن يكن هناك نفس غريب في منزلها ولأن الشخص الكفيف يصعب عليه العيش مع أناس غريبة لأنها لا تقبل أي تغيير أبدًا في المنزل هي تحفظ خطواتها منذ سنوات عدة...
ولا تستطيع التكيف مع أي تغيير حتى ولو بسيط ولن تأخذ راحتها لذلك كانت تغلق جميع الأبواب في نظره لمساعدتها...
لذلك اقتصر الأمر لزيارتها في أوقات فراغه وحينما يشعر بالضيق وأن جميع الأماكن لا تناسبه.....
"مالك يا ابني فيك إيه؟!".
هذا السؤال كررته بهية أكثر من مرة وفي النهاية أخبرها محمد بكل شيء تقريبًا وبما فعلته ابنته وجعلته في تلك الحالة وشعور عميق بالذنب يحتله لن ينكر......
فهو يفكر هل أخطأ بحقها؟!
هل قام بالتقصير معها؟!
لكنه سعى دومًا أن يعوضها عن كل شيء...
عقبت بهية بنبرة هادئة:
-مش شرط تكون أنتَ السبب في اللي هي عملته أنتَ زي أي حد حب يعوضها عن موت امها وينفذ طلباتها ورغباتها ويدلعها، بس هي فهمت الدلع ده غلط وبعدين هي صغيرة وطايشة والعيال في السن ده ممكن يعملوا تصرفات غريبة ده وارد عند أي حد بيكون عندهم طاقة عايزين يعملوا كل حاجة ويجربوا كل حاجة جديدة وغريبة....
تمتم محمد بنبرة جادة:
-ده مش مُبرر للي عملته أنا حابسها في البيت مش عقاب قد ما هو خوف عليها، خوف أنها تعمل حاجة تضر نفسها، تقريبًا هي بقت متخيلة أن من كتر ما حياتها سهلة يبقى أي حاجة عادي ومش متحملة مسؤولية حاجة لدرجة أن صحابها أثروا عليها وخدوها معاهم، الحمدلله أن الخبر متسربش كمان..
كانت بهية تسمعه باهتمام وإنصات نادرًا ما تقاطعه هي تريده أن يفرغ ما بداخله....
تحدث محمد بضيقٍ:
-سيبك مني وقوليلي أنتِ عاملة إيه؟؟.
لا تختلف إجابة بهية مهما حدث هي شاكرة وحامدة:
-الحمدلله في أحسن حال.
______________
-ازاي كل ده يحصل ومحدش فيكم يكلمني؟!.
قالت حُسنية تلك الكلمات وهي تجلس على الأريكة وفي أحضانها جنى حفيدتها، وقبل أن تتفوه بتلك الكلمات كان دياب قد جاء من غرفته فهو كان قد خلد للنوم حديثًا بعد ليلة كان يحرق ذاته بدخان سجائره....
كان يحاول أن يخرج غضبه في أي شيء..
ولم يكن الأمر صعبًا على دياب وهو ينظر إلى حور هاتفًا:
-الست ملحقتش تغير هدومها حتى وبعدين تعرفيها، مهوا طبعا الراديو معرفش يسكت لازم ست حور تنطق وتقول ملخص كافي ووافي بسرعة في أقل من خمس ثواني..
تمتمت حسنية بسخرية:
-كل ده اللي هامك يا أستاذ دياب؟! مكنش همك أنك تودي نفسك في داهية؟!.
هتف دياب بنبرة مقتضبة وهو يجلس جوار حور:
-بنتك اللي كانت المفروض تفكر في كل ده قبل ما تقبل على نفسها الإهانة وأرجوكم محدش يحاول يفتحني، المهم الـ *** ده لازم يطلقها..
ثم سأل باستغراب:
-هي إيناس فين أصلا؟!.
ردت حور عليه مثل الصحفي أو المذيع الذي يتفوه بالنشرة الإخبارية:
-إيناس دخلت تنام شوية علشان طول الليل معرفتش بسبب الواد..
تحدث دياب ساخرًا:
-مش عارف من غيرك هعرف أي خبر في الدنيا ازاي..
هتفت حُسنية بنبرة جادة:
-سيبك من ده كله بلاش تتسرع في موضوع الطلاق خراب البيوت مش بالساهل كده يا دياب..
رد دياب عليها بقوة:
-اه يدوبك نرجعها ليه علشان يخلص عليها ولا أنتِ عايزة إيه؟!...
تمتمت حُسنية بغضب:
-أكيد أنا مقولتش كده بس في نفس الوقت مينفعش نستعجل، وقت الخناقات والمشاكل مينفعش حد يأخذ قرار وبعدين احنا لازم نفهم و عمرو له أهل نتكلم معاهم..
-يولع بجاز وسخ هو وأهله ومش هنتكلم مع حد وأعلى ما في خيلهم يركبوه يا يطلقها بالذوق يا أنا هخليه يطلقها بمعرفتي...
هتفت حُسنية بلومٍ واضح يكفي ما حدث لها خلال اليومين الماضيين يكفي ما عرفته:
-دايما كده أنتَ صوتك من دماغك وصعب التفاهم معاك ودايما تاعب قلبي..
غمغم دياب بنبرة متشجنة:
-صح أنا غلطان فعلا كان المفروض لما أروح ألاقيه ضارب أختي أروح اقوله كمل يا حبيبي حقك عليا، عطلتك صح؟! ده اللي أنتِ عايزاه مني علشان مبقاش بتاع مشاكل صح؟!.
ردت والدته عليه بانزعاج واضح:
-هو ده اللي باخده منك تريقة وبس يا دياب، كل اللي بقوله اهدى علشان نعرف نفكر محدش بيأخد حقه وقت المشاكل المفروض نفكر كويس..
قال دياب قبل أن يدخل إلى حجرته مرة أخرى:
-اللي عندي قولته؛ الراجل ده يطلق اختي ومش هتقعد في بيته من تاني لو إيه اللي حصل، ولا حد يقولي عقل ولا يقولي منطق، ده لما نكون بنتكلم مع راجل مش مع **** بيمد إيده على اللي مش هتقدر عليه...
_______________
بعد مرور أسبوعين..
هبطت ريناد برفقة والدها..
كان اليوم هو اليوم الأول الذي دخل فيه إلى حجرتها بعدما طلب من زينب تحضير حقيبة ملابس منزلية لها......
ذهبت ريناد برفقته دون أن تعرف إلى أين سوف تذهب، مازال الحديث بينهما منقطع فقط سمعت صوته وهو يخبر الفتاة التي تقف معهم في المتجر بأن تأتي لها بملابس تناسب قياسها، تكون لائقة ومحتشمة إلى حدٍ ما..
لم تكن ريناد ترتدي ملابس قصيرة أو بها شيء مُلفت إلى حد كبيرة ولكن الوضع الجديد يناسبها ملابس جديدة مختلفة التصميم قليلا عما كانت ترتديه.
لم تعترض ريناد يكفي بأنها خرجت من المنزل أخيرًا بعد كل هذا الوقت...
شعرت بأنها عادت إلى الحياة مرة أخرى...
بعد شراء ملابس كثيرة من اختيار والدها هي فقط كانت تقوم بالقياس، ذهبت معه إلى "سوبر ماركت" كبير أخذ يقوم بشراء بعض الاحتياجات الضرورية وهي كانت تراه شيئًا غريبًا والدها ليس من عادته أبدًا شراء أغراض إلى المنزل...
لكنها كانت صامتة تسير جانبه ولا تعلم متى سوف ينتهي هذا اليوم ومتى سوف ياحدث معها كالسابق وإذا مازال ممتنع عن الحديث معها لما أخبرها بأن ترتدي ملابسها حتى تهبط معه؟!..
في طريق العودة لم يكن طريق منزلهما بل كان طريق أخر جعلها تمر على بعض المناطق المكتظة وبها ازدحام مروري لا ينتهي، بعدها بمدة ولج إلى حي شعبي كما ترى ولكنها كانت تخشى أن تعترض لو كان في السابق لأظهرت إعتراضها بشكل واضح..
هل أتت هنا من قبل؟!.
هي ترى المكان مألوفًا رُبما أتت في طفولتها لا تتذكر...
تقرأ أسماء الشوارع وهي تسير على اللافتات الزرقاء الموجودة ومعبئة بالاتربة، ومنها كان شارع خطاب.
وبعدها ولج والدها إلى شارع جانبي ثم أصطف بالسيارة أمام بناية رقم 14....
-أنزلي..
فتحت ريناد الباب وهبطت من السيارة وكذلك والدها وأخذت تتأمل الشارع بشكل مخيف، تلك الأماكن لا تراها إلا في التلفاز حتى ولو كان المكان مألوفًا لها وتشعر بأنها أتت من قبل إلا أنها خائفة......
هتفت ريناد بتردد أخيرًا خرج صوتها المهزوز:
-أحنا فين هنا؟!.
-قدام البيت اللي فيه الشقة اللي اتولدت فيها أمي، جدتك وعايشة فيها دلوقتي خالتي اللي هي تعتبر جدتك برضو......
أسترسل محمد حديثه ببساطة:
-لو تفتكري مرة جيتي معايا زمان وأمك جت بس من بعدها محدش جه معايا فيكم...
سألته ريناد بتردد وخوف لا تعلم لما يرافقها:
-بس حضرتك ليه جايبني هنا؟! علشان نزورها؟!.
تحت ذهول ريناد كان يجيب عليها محمد:
-لا علشان هتقعدي هنا........
________يتبع________
لو وصلتم لهنا دمتم بألف خير...
ونتقابل في فصل جديد ان شاء الله...
متنسوش الفوت والكومنت وتفاعل حلو ها 🙂😂😂
بوتو يحبكم💜🙅♀️..
الفصل الخامس من #عذرًا_لقد_نفذ_رصيدكم
#شارع_خطاب
بقلم #fatma_taha_sultan
____________
اذكروا الله.
دعواتكم لأهلكم في فلسطين والسودان وسوريا ولبنان وجميع البلاد العربية.
_____________________
يحنو علينا الحُب مرّة
ويقسو ويردَع ،ألف مرّة
لكننا رُغم هذا لا نملكُ سوى أن نُحب لنعيش .
#مقتبسة
••
وما الحبُّ إلَّا للذينَ تمكَّنوا
من القلبِ، إنَّ القلبَ مَأوى الأحبَّةِ .
#مقتبسة
_______________
في فيلا عز الدين...
كان يجلس جواد ونسمة على الطاولة، يراقبها وهي تتناول طعامها ببطئ لكن الدموع لا تفارقها...
توقف جواد عن الطعام الذي لم يكن يتناوله بشهية من الأساس متحدثًا وهو يراها تنظر ناحية مقعد أبيها الفارغ الذي يتوسط السفرة:
-خلاص يا نسمة كفايا عياط، أدعيله يا حبيبتي..
ردت عليه نسمة بنبرة متلعثمة وهي تنظر له بأعين تغمرها الدموع:
-حاضر، أنا بدعيله كتير والله بس هو واحشني أوي..
نهض جواد من مقعده وتوجه صوبها وأنحني مُقبلًا وجنتيها ورأسها هاتفًا وهو يحاول أن يكون متماسكًا قدر المستطاع تحديدًا أمامها هي...
-وحشنا كلنا، وبعدين أنا مش قولتلك هاخدك تزوريه يوم الجمعة، أكيد لو روحتي وأنتِ كده هيضايق منك......
-خلاص هكون كويسة أن شاء الله...
هبطت رانيا من الدرج؛ وكانت على وشك الرحيل من دون حتى إلقاء التحية...
استوقفتها نسمة هاتفة ببطئ وهي تبتسم ببراءة رغم الدموع التي تهبط من عيناها:
-تعالي أفطري معانا يا رانيا قبل ما تمشي..
لم تعقب رانيا على الحديث بل ظلت تنظر لهما بانوعاج واضح وهنا تحدث جواد بنبرة جادة:
-لا رانيا مش هتفطر معانا كملي أنتِ اكلك هي وراها ميعاد مش كده يا رانيا؟!.
عقبت رانيا على حديثه بلا مبالاة تحت عبوس نسمة الشديد بعدما اختفت ابتسامتها:
-فعلا ورايا ميعاد كلوا أنتم عند أذنكم..
غادرت رانيا من الباب بعدما سارت بضعة خطوات وهنا تحدث جواد بنبرة جادة:
-منيرة..
جاءت أمرأة في الاربعينات من عمرها ليغمغم جواد وهو يداعب خصلات شقيقته:
-خليكي مع نسمة عقبال ما أجي.
سألته نسمة باستغراب:
-رايح فين؟!.
-أبدًا في حاجة نسيت أقولها لرانيا كملي فطارك عقبال ما أجي..
رحل جواد وخرج من البوابة الداخلية للمنزل وسار بضعة خطوات ليجد رانيا تجلس في سيارتها وكانت على وشك الرحيل ليشير لها هاتفًا بنبرة مرتفعة:
-استني...
وما أن أقترب من السيارة حتى هتف:
-أنزلي..
نظرت له رانيا بضيقٍ ثم فتحت باب السيارة؛ وهبطت منها ثم أغلقت الباب خلفها متححدثة بانزعاج:
-خير يا جواد في إيه على الصبح؟!.
تمتم جواد باقتضاب:
-النهاردة مترجعيش بعد الشغل على هنا..
سألته رانيا بعدم فهم وهي تنظر له رافعة حاجبيها بذهول:
-أومال أرجع على فين مش فاهمة؟!.
-ترجعي على شقتنا، مترجعيش هنا، ولا هتدخلي البيت ده تاني..
ابتلع ريقه ليعقب ساخرًا:
- كده كده أنتِ مجبتيش حاجتك لسه هناك، خليكي هناك لغايت ما أفضى وأجيلك ونتكلم...
نظرت له رانيا بغيظٍ:
-ويعني إيه ده بقا؟! هو أنا بمزاجك شوية تعالي نروح وتجبرني أجي وشوية أقعدي لوحدك؟! هو في إيه؟!..
أمسكها من معصمها بعنف لم يستعمله معها أبدًا من قبل:
-أنتِ بجحة بحاجة مشوفتهاش على بني أدم...
ابتلع ريقه ليقول هادرًا بعنفٍ وقسوة:
-كل يوم بيعدي علينا بقول هتعقلي، هتتعاملي زي البني أدمين الطبيعية بس مفيش فايدة، نسمة نفسيتها أهم من أي حاجة وكفايا أصلا اللي هي حاسة بيه بسبب بابا، أنا مش هسمح أنك تتسببي بانتكاسة ليها، اقعدي في شقتك لغايت يا تعقلي وربنا يهديكي وساعتها تعالي يا أما هيكون لينا كلام تاني مع بعض، ويلا مش ناقص تعككني عليا أكتر من كده....
ردت عليه رانيا بنبرة منفعلة:
-ماشي براحتك يا جواد وأنا في انتظارك بس أفتكر انك أنتَ اللي طردتني....
-طب امشي قبل ما أرتكب فيكي جناية..
___________
يقف "دياب " في الشرفة والسيجارة تتواجد بين أصابعه يشربها بحرية لأنه في الداخل أصبح هناك أطفال يزعجهم الدخان.......
مر أسبوعين دون أن يتلقى خبر من عمرو أو عائلته وفي الواقع هو يكبح نفسه بصعوبة بالغة من الذهاب وتكسير عظامه....
الآن يبحث عن عمل حتى أنه سوف يُجبر إلى أخر حل......
فهو لا يستطيع أن يظل عاطلًا أكثر من هذا، تحديدًا في المسوؤليات الجديدة التي تم إضافتها إلى ما يحمله، لا يستطيع أن يجعل المنزل يستمر بهذا الشكل...
صدع صوت هاتفه الذي يتواجد بين يديه فأستند على السور الحديدي وهو يجيب عليه:
-ألو.
جاءه صوت خطيبته ليلى الحانق:
-والله كتر خيرك أنك اتنازلت و رديت يا دياب أنا قولت شكلك نسيت أنك خاطب من أساسه.
رد عليها دياب بنبرة جادة فقد فاض به الكيل ولا يستطيع أن يكون صبورًا وأن يصبح رجل لين في تلك الأيام:
-ليلى أنا أقسم بالله العظيم ما فيا حيل أناهدك ولا اتخانق معاكي حتى؛ ولا أنطق بكلمة ولا ناقص نكد هتقولي حاجة عدلة قولي معندكيش أقفلي.
تحدثت ليلى بانزعاج واضح فهو تحاول أن تتحمل الأمر قدر المُستطاع رغم كلمات والدتها التي كالرصاص في وجهها:
-والله أنا اللي عايشة في نكد داخلين في شهر ولا بشوفك ولا حتى بترد عليا ومعظم الوقت بتتجاهلني دي مبقتش عيشة...
أردف دياب بنبرة ساخرة هو الآخر وهو يرى السيارة المتواجدة أسفل المنزل والذي يعلم صاحبها جيدًا بأنه قريب الخالة بهية التي ترفض أي مساعدة منه، هي أمرأة ذات كبرياء حقًا، لكن لحسن الحظ أنه أتى فهي كانت تشعر بالقلق عليه...
-والله أنا مش حاجز شهر عسل ولا متجوز غيرك أنا قاعد ورايا هم ما يتلم وأنتِ عارفة وعرفتك اللي حصل مع جوز إيناس ومش مخبي عليكي حاجة يعني..
تمتمت ليلى بتردد:
-ماشي وأنا مقدرة ده يا دياب بس قدرني أنتَ شوية.
لم تجد رد ولكنها أسترسلت حديثها بنبرة جادة:
-بكرا ماما عازماك وقالتلي أكلمك أقولك، خطيب منة كمان جاي..
تحدث دياب بانفعال طفيف:
-يعني ده وقت عزومة...
قاطعته ليلى بغضب وانفعال طفيف يكاد يشعر بأن دموعها قد هبطت في تلك اللحظة:
-قدرني شوية يا دياب لو سمحت ومتكسفنيش، أنتَ بقالك كتير مجتش ولا شوفتني وماما كلت وشي بالكلام بصراحة...
الأمر كله يكمن في..
"ماما".
رد عليها دياب بنبرة جادة:
-ان شاء الله جاي يا ليلى خلاص متعيطيش ولا تزعلي خير ان شاء الله...
___________
-ده هزار، استحالة...
استحالة....
تتحدث ريناد وهي تضع أصابعها في خصلاتها وفي رأسها، على وشك أن تصاب بالجنون مما تسمعه، هي لم تتحمل الدخول في المنطقة قط؛ لا تتحمل رائحة الرطوبة التي تفوح عند صعودها إلى المنزل..
كيف يريدها أن تقطن هنا؟!..
هتف محمد بنبرة جادة:
-أنا مش بهزر معاكي يا ريناد، يا هتعملي اللي أنا بقولك عليه يا هترجعي معايا البيت وهتكملي حياتك متخرجيش من أوضتك..
تمتمت ريناد بنبرة جادة وهي تصرخ واقفة في منتصف شقة بهية التي تضع يدها على أذنيها بسبب الصةا..
-أنا استحالة أعيش هنا، مش علشان غلطت غلطة واحدة تعمل فيا كده....
نهض محمد متحدثًا بنبرة ساخرة وهو يقف أمامها:
-لما أجيبك من القسم علشان كنتي سهرانة وسكرانة أنتِ وصحابك تقوليلي غلطة واحدة..
تنظر له ريناد وتبكي ليتسرسل حديثه:
-القرار قرارك، أنا قدمت ليكي في كلية تجارة جامعة ******** ، خلاص جامعتك مش هتدخليها تاني، موبايلك هيكون اللي هناك ده.
وأشار إلى هاتف يتواجد على الطاولة، لتنظر له ريناد باختناق شديد هذا الهاتف ضعيف جدًا وقليل الإمكانيات مقارنة بالهاتف التي كانت تحمله...
ستموت، هي لا تتحمل هذا كله...
تمتم محمد وهو ينظر لها موضحًا:
-عربيتك مش هتشوفيها تاني، وبعدين متعمليش نفسك زعلانة أوي أنتِ سقطتي سنتين في الجامعة، وفيهم ترم مروحتيش الامتحان فيه علشان مودك مكنش حلو ونفسيتك تعبانة وروحتي سافرتي مع نفس الشلة الصايعة بتاعتك..
ابتلع ريقه لسترسل حديثه بنبرة غاضبة:
-ساعتها عديتها ليكي بس علشان خاطر خالك وكنت غلطان إني سكت على اللي عملتيه وده خلاكي تتمادي في قلة أدبك وفي غلطك، هتقعدي هنا ومن بكرا تروحي الجامعة تشوفي إيه اللي فايتك لأني دخلتك بصعوبة أساسًا..
ثم أخرج من الحقيبة التي تتواجد على الطاولة الخشبية الصغيرة محفظتها:
-دي محفظتك فيها بطاقتك وحاجتك..
أخذتها ريناد بغضب وهي تفتحها بغيظٍ واضح لتجد كل بطاقاتها الائتمانية غير موجودة، فقط هناك بضعة ورقات نقدية سحبتها ريناد وهي تهتف:
-إيه ده؟!.
-ده مصروفك..
تمتمت ريناد بعدم استيعاب بعدما قامت بعدهم:
-دول ثلاث ألاف جنية؟! مصروف شهري إيه؟! أنا بصرف أكتر منهم وأنا بتعشى مع صحابي في يوم..
رد محمد عليها ببساطة:
-ده علشان لو في كتب أول حاجة أو حاجات هتشتريها للجامعة، بعد كده هيكونوا ألفين بس كل شهر...
صاحت ريناد مستنكرة وهي تصيح بجنون:
-استحالة ده يكون حقيقي ألفين جنية إيه دول مش ثمن الماسكرا اللي بحطها، استحالة، أنا لا يمكن أعرف أعيش كده، وكمان بنزين العربية...
قاطع محمد حديثها بنبرة جادة :
-مهوا مفيش عربية، لما تروحي الجامعة هتروحي بالمترو أبقي اعملي اشتراك الطلبة..
صاحت بهية التي تتابع الموقف وتسمعه في جلستها:
-وطي صوتك أنتَ وبنتك هطرش بسببكم، مش كفايا عيني هيكون السمع كمان...
تمتم محمد بتحذير بسيط:
-أنا نازل دلوقتي رايح مشوار هكلمك أنا جيبتلك خط جديد في الموبايل الجديد بتاعك، هتصل بيكي بليل لو حابة ترجعي البيت هترجعي بس زي ما كنتي عايشة الأيام اللي فاتت لا جامعة هتروحي ولا خروج هتخرجي وكلامي خلص..
ثم أسترسل حديثه بتوضيح:
-اي حركة ملهاش لازمة هتعمليها هعرف، ومتفتكريش إني حتى هنا هسيبك لنفسك، لا موبايلك مفتوح عندي وكل خطوة هتروحيها هعرفها، غير ان في الجامعة عندي اللي هيقولي بتروحي ولا لا وبتحضري ولا لا...
صمت لدقيقة وهو يناظرها يراقب رد فعلها على حديثه وصمتها الغريب:
- جدول محاضراتك معايا هعرف بتنزلي أمته وبترجعي امته، ومش هتخرجي، من الجامعة لهنا ومن هنا للجامعة، وأنا كل ما أجي أشوفك وهجيب ليكم طلبات البيت وأحمدي ربنا أنها مش من المصروف..
______________
-تعالى يا إيناس عايز اتكلم معاكي...
قالها دياب وهو يقف في الصالة أمام أمه الشاردة والتي تحتضن حفيدها، بينما حور تجلس على السفرة وبجانبها تجلس جني تقوم بالكتابة أو النقش على الورق والتلوين حتى تترك حور تنهي واجباتها في سلام فحاولت حور أن تجد شيء يشغلها عنها..
بالنسبة إلى ايناس كانت جالسة على الأريكة صامتة وشاردة هي الأخرى..
فكان كل شخص شارد في همه، وقاطع دياب شرودها بجملته تلك وهنا تحدثت حور منزعجة:
-ما تقول قدامنا عادي، أنا مبحبش كده مش هعرف أكمل اللي بعمله لو معرفتش أنتَ عايز إيه منها..
تمتم دياب ساخرًا:
-خليكي في نفسك يا حشرية أنا عايزها هي وخلصي اللي وراكي لأن لو حد كلمني من مساعدين المدرسين وقالي حاجة، هخلي يومك مش فايت أنتِ سامعة..
هتفت حور مرددة بحماقة:
-ياريتني حطيت رقم عم حودة اللبان أحسن من النزاهة اللي أنا فيها دي.
اقترب منها دياب هاتفًا بانزعاج:
-بتقولي حاجة؟!.
ردت حور عليه بابتسامة كاذبة:
-لا مبقولش غير ادخلوا جوا اتكلموا علشان اعرف أكمل الواجب.
بداخل حجرة دياب التي أصبحت حجرة إيناس وأطفالها بينما حور تنام مع والدتها في الغرفة الأخرى، أما دياب أصبحت الأريكة مكانه وفراشه الجديد...
كانت إيناس تجلس بجانب دياب على الفراش الذي سألها بنبرة واضحة:
-إيناس أنا عايز أتكلم معاكي بوضوح.
ردت عليه إيناس بنبرة هادئة:
-أتكلم يا دياب سمعاك.
ولج دياب في صلب الموضوع ولم يطيل الأمر:
-بما أنه عدى أسبوعين اكيد زمانك اتكلمتي مع امك وصاحبتك وحسبتي الأمور مع نفسك واكيد فكرتي أنتِ عايزة إيه، أنا رأيي في الموضوع ده معروف وواضح وقبل ما أعمل أي حاجة تانية أنا حابب أعرف رأيك..
هتفت إيناس بنبرة جادة لا تظن بأن تحملها الأمر أكثر من ذلك قد يفيد أطفالها على الأقل التي كانت تتحمل من أجلهم كل شيء؛ وتعلم أن الطلاق لن يكن أمرًا سهلًا في ظروفها:
-هخلعه علشان مش هيرضى يطلقني أنا هخلعه، ومش عايزة حاجة منه وهشتغل وهصرف على ولادي....
قاطعها دياب متجاهلا هذا كله ليؤكد على قرارها ولتترك خططها المستقبلية لوقتٍ أخر:
-يعني أنتِ عايزة تتطلقي؟!.
-أه مش عايزاه تاني ومش هينفع اقعد معاه تاني أنا كنت بسكت نفسي وبحاول أقول الوضع هيتحسن بس هو كان عمال كل شوية يتنيل عن قبل كده مش بيتحسن...
رد دياب عليها بنبرة لم تفهمها جيدًا:
-تمام أوي كده...
طرقات خافتة على الباب طرقتها حور ثم فتحت الباب هاتفة:
-اتمنى مكنش جيت في وفت غير مناسب..
قال دياب مستنكرًا:
-مش هتبطلي حشرية بقا...
دافعت حور عن نفسها بشراسة:
-أنا مش حشرية مع أن كل الظروف بتقول إني حشرية، بس المرة دي مظلومة، أحلام برا وجت عايزة تشوف إيناس...
"بعد مرور نصف ساعة"
كانت تجلس إيناس برفقة صديقتها أحلام التي تشعر بالانزعاج منها؛ أحلام شخصية مزاجية من الدرجة الأولى تحدثها وقتما تشاء وتختفي وقتما تشاء، حتى أنها لم تطمأن على أحوالها منذ أسبوع لم تتصل بها ولم ترسل رسالة واحدة حتى...
وها هي الآن تخبرها بمشكلتها..
-جواد متغير معايا أوي، مش طبيعي، مش عادته يكون معايا كده..
ردت إيناس عليها بتلقائية:
-يمكن بسبب الظروف اللي بيمر بيها وفاة أبوه وكده.
-مش مُبرر أنه يبعد عني بالشكل ده..
هتفت إيناس باستغراب شديد:
-مدام بتحبيه أوي كده من بدري رافضة تتجوزيه ليه؟! مع ان أبوه كتن عارف علاقتكم ومراته نفسها عارفة وهي معندهاش مشكلة يتجوز ولا هو عنده مشكلة وعرض عليكي الجواز..
قالت أحلام بمنطقية واضحة:
- مش حكاية بحبه ولا لا بس لما عرفته كنت لسه صغيرة ولسه خارجة من الكلية ومكنش منطقي أوافق عليه بالسرعة دي، كان ممكن يجيلي حد أحسن أكيد..
قالت إيناس باستنكار وهي تنظر لها متحدثة بدهشة:
-أحلام لازم تقبلي أن محدش بيأخد كل حاجة، مش هتاخدي اللي قدك ومعاه فلوس واللي معاه كل المميزات اللي مش موجودة عند حد، مينفعش تكوني رابطة الانسان اللي تشاركيه حياتك بفكرة أنك ممكن تشوفي حد أحسن؛ ما لو اتجوزتي حد ولقيتي حد أحسن إيه هتروحي تطلقي؟!..
تمتمت أحلام بسخرية:
-أنتِ بتهزري يا إيناس..
-بتكلم بجد أنا مليش نفس أهزر عمومًا..
سألتها أحلام بعفوية وهي تنظر لها باهتمام حتى لا تتحدث في أمر علاقتها مرة أخرى على ما يبدو لن تسمع كلام يرضيها:
-الموكوس ده كلمك ولا اتصل بيكي؟!..
-لا من يوم المشكلة مسمعناش صوته....
______________
مر أسبوعين وبدأت تعود إلى عملها...
لكن بنفس غير راضية أبدًا...
لم تتلقى أي اتصال من حمزة خلال تلك المدة، لم يتصل بها، ولم يرسل لها رسالة واحدة حتى يسألها عن أحوالها...
لا تعلم هل فعلت شيء ازعجه دون أن تدري؟!
رُبما أنزعج منها حينما لم تأتِ بسبب عمها ولم تفِ بوعدها له..
لاحظت أيضًا إختفائه من على مواقع التواصل الاجتماعي أيضًا لذلك شعرت بأنه قد أصابه مكروه ويجب عليها السؤال عنه، ألتقطت هاتفها وأخذت نفس طويل وقامت بالبحث عن اسمه ثم قامت بالاتصال به لتسمع صوته الهادئ بعد ثواني معدودة ليُربكها..
-ألو ازيك يا ساسو عاملة إيه؟!.
هتفت سامية بتردد:
-الحمدلله، أنتَ عامل إيه؟!.
-تمام بخير..
طال الصمت بينهما لمدة دقيقتين ولوهلة شعرت بأنه لم يكن يجب عليها الاتصال به، كيف تخبره بأنها كانت تراقبه إذا كان قد قام بتنزيل أو مشاركة أي منشور وأنها كانت تنتظر اتصال منه...
أنه شيء محرج من الدرجة الأولى...
شعر حمزة بما ينتباها لذلك تحدث معها بـ لباقة:
-أسف كنت محتفي الكام يوم اللي فاتو كان عندي شوية مشاكل كده وحاجات في الشغل؛ وفي نفس الوقت حبيت أسيبك براحتك علشان متحسيس إني بضغط عليكي تيجي وكده حتى كنتي لسه على بالي النهاردة وكنت هكلمك..
تمتمت سامية تحاول قول أي شيء قد يحفظ ماء وجهها لكن كل الإجابات تقريبًا لن تخفف من موقفها:
-خير ان شاء الله، أهم حاجة تكون أمورك كويسة دلوقتي.
-تمام أحسن، المهم أنتِ عاملة إيه؟! طمنيني عنك أخبارك واخبار شغلك؟!.
قالت سامية ببساطة وأكثر أريحية:
-يعني الأمور زي ما هي روتينية سواء في الشغل أو في الحياة عادي، يمكن اللي هيختلف إني هجيب عربية وده هيكون أريح بالنسبة ليا علشان إني بتنقل طول الوقت..
-بجد كويس جدًا، مبروك يا ستي ده كده ليا عزومة أكيد حلاوة العربية...
وقبل أن تجيب عليه كان هو يسترسل حديثه بنبرة هادئة:
-هو أنتِ أصلا بتعرفي تسوقي أو معاكي رخصة؟! ولا لسه هتتعلمي على العربية الجديدة؟!...
ردت سامية على أسئلته ببساطة:
-اه معايا رخصة وبعرف، في الصيف كنت بتعلم وكده، عمي اللي كان بيعلمني علشان كان واعدني بالعربية، وخلاص كلها كام يوم وهتكون معايا..
-خلاص هستناكي تيجي بقا بالعربية الجديدة والمرة دي مش عزومة مراكبية أنا عايزك تيجي واتكلم معاكي شوية...
تمتمت سامية بأختصار:
-حاضر ان شاء الله، صحيح ياسمين عاملة إيه؟!.
-كانت في المالديف الفترة اللي فاتت علشان الـ Honeymoon وخلاص راجعة بكرا خلاص..
-ترجع بالسلامة ان شاء الله، سلم عليها كتير بجد كانت عسولة ورقيقة ومريحة جدًا في التعامل.
رد عليها حمزة بنبرة خافتة:
-وهي كمان حبيتك جدًا ومتأكد أنه أكيد هيكون ليكم لقاء مع بعض قريب جدًا....
____________
يجلس "سلامة" على الفراش ويضع الهاتف على أذنيه يتحدث مع جهاد كعادتهما في الآونة الأخيرة يتم النقاش في الأمور التي تخص شقتهما...
الأمر الذي يحمل العديد والعديد من الشجارات الغير متناهية..
-لا يا جهاد البوتجاز أربعة شعلة مش هتجيبي خمسة كده أحسن للمساحة هيكون حلو ومدي مكان للرخامة لأنك أصريتي أن المطبخ ميتفتحش كان ممكن ده يوسع مساحته...
كان هذا رد سلامة على جهاد التي تخبره بأنها في الغد سوف تذهب من أجل شراء "الموقد" و "الميكرويف"...
جاءه صوت جهاد ساخرًا وغاضبًا:
-أنتَ مالك أجيبه أربعة ولا خمسة ولا ستة حتى؟! وبعدين أربعة شعلة مش عملي الخمسة أحسن..
رد عليها سلامة متهكمًا:
-لا وأنتِ يا بت طباخة ماهرة أوي هتشغلي خمس عيون مع بعض علشان كده قلبك حارقك، الأربع عيون أحسن مش هيأخد مكان وهو مرسوم كده...
هتفت جهاد بغضب شديد ونبرة مرتفعة:
-ملكش فيه يا سلامة أنا هجيب البوتجاز خمس عيون يعني خمس عيون، أنا حرة متدخلش في المطبخ وبعدين أه انا طباخة وهشغل الخمس عيون مع بعض..
-الاربع عيون عملي يا جهاد وأنتِ مبتعرفيش تطبخي ابقي اعملي أكلات الحلة الواحدة ولو الاكل معجبناش هنطلب أكل من عندنا أو حتى هننزل نأكل مع نضال يلا عدي ليلتك بقا.
جاءه صوت جهاد التي تشعر بالغيظ الشديد منه:
-سلامة خليك في حالك وعدي ليلتك أنتَ، علشان أنا هعمل اللي في دماغي ومش هتمشي رأيك...
قاطعها سلامة ببساطة:
-لا وأنتِ الشهادة لله بتمشي رأيي في حاجة طب يا جهاد عارفة أن المطبخ كمان اللي الراجل بيعمله لو معجبنيش مش هركبه ويلا سلام..
-سلام يا سلامة والقلب داعيلك يا حبيبي لو مش عاجبك تعالــ
قاطعها سلامة ولم يجعلها تستكمل حديثها الذي يعرفه جيدًا وهو يقلدها:
-تعالى وخد شبكتك.
ابتلع ريقه ثم أسترسل حديثه ساخرًا:
-جملتك المحفوظة بس أنا مش جاي ومش قادر مليش مزاج أفشكل النهاردة لما يكون ليا مزاج هقولك سلام...
-ماشي سلام.
انتهت المكالمة وخرج سلامة من الغرفة ليجد نضال جالسًا أمام الشاشة في الخارج وبين يديه يد التحكم البلاستكية واللاسلكية الخاصة بـ البلاستيشن...
-بتزعق ليه؟!.
عقب سلامة وهو يجلس بجواره متحدثًا بانزعاج:
-جهاد عايزة تجيب البوتجاز خمسة شغلة وأنا عايزاها تجيب أربعة علشان المساحة وهي مصممة مفيش فايدة...
ثم لثواني ثم تحدث مستنكرًا:
-وبعدين ده هي واختها عشرين شعلة لوحدهم..
تمتم نضال وهو يرتدي نظارته الطبية التي لا يرتديها طوال الوقت وتركيزه الكامل مع اللعبة..
-احترم نفسك وبطل غلط في حد مغلطش فيك....
ثم عاتبه وهو يسخر منه:
-وبعدين عامل زي خالتي اللتاتة ليه؟! ولا أنتَ ولا هي بتعرفوا تطبخوا مالكم بالمطبخ؟! سيبها تجيب اللي يريحها وخليك في نفسك وبطل مشاكل ملهاش لازمة، أنتم مش ناقصين مش كل ركن في الشقة هتقعدوا تتخانقوا عليه كده هتتجوزوا بعد عشر سنين...
تحدث سلامة منزعجًا وقد أصبح حديث شقيقه منطقيًا في عقله فهو في العادة المنطق يذهب من رأسه حينما يتحدث معها هي..
-ماشي.
هتف نضال بنبرة جادة وهو يسأله:
-أبوك اتكلم معاك تاني في الحوار ده؟!.
تمتم سلامة نافيًا:
-لا متكلمش في حاجة يعني ممكن كان بيقول كده وخلاص يعني، مهوا علطول بيفكر يتجوز ومدام مأخدش خطوة يبقى فكك اكيد كلامك معاه خلاه يتراجع..
قاطعه نضال ساخرًا:
-أنتَ غلبان أوي يا سلامة وشكلك متعرفش أبوك كويس، وبعدين أنا مش قلقان غير منك أنتَ أول واحد بتعوم على عومه..
تحدث سلامة وهو ينفي التهمة عن نفسه رغم صدقها:
-انا؟! أبدًا...
نظر إلى نضال بخبثٍ ثم حازل استفزازه:
-وبعدين ليه لا يمكن الراجل بيتكلم بجد وهو فعلا بيحبها وناوي يستقر يعني وبعدين في كل طلاق حصل بيكون في أسباب مش بيروح يطلق من نفسه يعني علشان فاضي..
-اه بيحبها، ومستغرب أنتَ أنا ليه أنا بقول أنك بتعوم على عومه وبشك فيك أنه بيعرف يقنعك بكلامه..
ضحك سلامة ببساطة وهو يرد عليه:
-الهوى ملهوش سلطان يا نضال يمكن فعلا حبها..
غمغم نضال بسخرية وهو يستكمل لعبه:
-يا عم أنا غلطان هي جوازتي أنا اللي هتبوظ ولا أنتَ اعملوا ما بدالكم وأنتَ قوم وسيبني لوحدي أحسن...
أستكمل حديثه بتهكم:
- روح اتخانق معاها يلا ومتوجعش دماغي قولها مينفعش تجيب خمسة شعلة كفايا أربعة..
-شوفت أنا قولت كده برضو....
بــــعـــد..
مرور ثلث ساعة كان دياب يقف أمام نضال في منزله.
-هتيجي معايا ولا لا؟!.
-يعني ده اللي اتفقنا عليه؟!.
رد دياب عليه ساخرًا ومغتاظًا:
-اتفقنا إني معملش حاجة لوحدي واديني اهو جيت ليك أقولك تعالى معايا وأنتَ اللي مش عايز...
يبدو أنه مصممًا إلى حدٍ كبير...لذلك تمتم نضال بنبرة منزعجة:
-خلاص استني ألبس وهاجي معاك بس أنتَ قولت مش هتعمل حاجة هتتكلم معاه وتأخد الحاجة بس صح؟!..
رد دياب عليه بنبرة غاضبة وهو ينظر له:
-أيوة صح يلا خلص وأنجز.
بعد بضعة دقائق...
كان يهبط نضال برفقة دياب، وإجباري يجب أن يمر من يهبط من البناية الخاصة بعائلة خطاب على محل الجزارة، مما جعل زهران الذي يجلس على المقعد البلاستكي على الرصيف في مسافة ليست بعيدة كليًا عن المتجر وأمامه طاولة بلاستيكية وبين يديه خرطوم أرجيلته المفضلة..
-على فين العزم ان شاء الله يا حلوين كده...
هتف دياب مختصرًا بعدما توقف الاثنان:
-رايحين نقعد على القهوة شوية..
تمتم زهران وهو يشير إلى مكان ما يبتعد عنهم بمسافة تكاد ترى بالعين المجردة:
-القهوة بتاعتكم اهي مفرقتش كتير أقعدوا معايا واطلب ليكم شاي وقهوة على هنا..
رد دياب ببساطة وهو يكز على أسنانه:
-رايحين قهوة تانية هو لازم القهوة دي؟!
ضيق زهران عيناه ونظر إلى ابنه هاتفًا:
-اخرس أنتَ معجون بمية الكدب، ما تتكلم يا نضال رايحين فين؟! ولا أنتَ واكل سد الحنك.
غمغم نضال بنبرة مقتضبة وعيناه تفضحه، فـ نضال لا يتقن الكذب:
-رايحين مشوار.
عقب زهران على حديث ولده ساخرًا بعدما سحب نفس من الارجيلة:
-وهو المشوار ده ده ملهوش اسم، ملهوش مكان ولا موقع على الخريطة يا بهوات...
تمتم دياب بانزعاج واضح من استجوابه لهم:
-في إيه يا عم زهران هو أنتَ بتكلم عيال في ابتدائية؟!..
هتف زهران بجدية ووضوح:
- ما أنتم مش هتمشوا من هنا غير لما أفهم أنتم رايحين فين علشان أنا مش واثق فيكم ومش مرتاح ليك..
رد دياب عليه تحت انزعاج نضال:
-لا خلاص خلي ابنك معاك تحكم عليه براحتك، علشان أنا ماشي يعني ماشي ومحدش هيمنعني...
تمتم زهران ببساطة شديدة واهتمام في الوقت ذاته:
-ماشي يا بجح قولي رايح فين وانا مش همنعك بس انطق......
_____________
تقوم سلمر بعمل بعض التمارين المنزلية قبل أن تخلد إلى النوم...
نعم الساعة لم تتخطى الثامنة ونصف ولكن تلك حياة سلمى تنام مبكرًا وتستيقظ مبكرًا جدًا حتى قبل موعد عملها...
لذلك ينتهي يومها قبل الجميع..
رُبما هذا سبب خلافها مع والدتها وشقيقتها طوال الوقت، أنها تحب أن تفعل كل شيء مبكرًا بينما لم يبدأ أحد يومه في المنزل وحتى العشاء تجعلهم يتناولوه مبكرًا ليصبح العشاء بالنسبة لها؛ غداء بالنسبة لهما..
دخلت جهاد الغرفة ثم صرخت هاتفة:
-بسم الله الرحمن الرحيم.
ردت سلمى عليها بنبرة منزعجة:
- في إيه شوفتي عفريت..
هتفت جهاد بعدم تصديق:
-سلمى أقسم بالله كل مرة بشوفك فيها فاتحة حوض وعلى الارض كده بحس أنك مش هتعرفي تقومي، هتيجي في مرة مش هتعرفي تقومي أنا بقولك أهو وهنجيب ماس من الشارع تشيلك...
تمتمت سلمى ساخرة منها:
-يلا يا بت روحي برا شوفي بتعملي إيه عقبال ما اخلص علشان هنام ومش هستحمل رغيك طول الليل جنبي ولا الفيديوهات اللي بتشغليها متدخليش الاوضة إلا لما تكوني هتنامي...
-الواحد حاسس بالقهر والظلم في بيته...
قالتها جهاد وكانت على وشك الرحيل لتوقفها سلمى هاتفه بنبرة جادة وتحذير:
-المكوجي هيبعت الأخمرة بتاعتي خديهم، الراجل ده معاه الليل وأخره ولما تاخديهم مترمهمش في أي حتة علشان ميتكسروش زي المرة اللي فاتت علشان مش هرحمك المرة دي، المرة اللي فاتت كانوا كأنهم طالعين من بوق كلب لما رمتيهم بطريقتك المتخلفة دي..
تمتمت جهاد ببساطة:
-أوك متقلقيش وبعدين بطلي طولة لسان وأنتِ في عرض تقومي تقفي على رجلك أساسًا؛ قومي أنتِ بس ولو احتاجتي حد يقومك ناديني..
-ماشي يا ظريفة..
صدع صوت هاتف سلمى بعد رحيل جهاد مباشرة، لتنهض سلمى بمرونة ورشاقة، ثم توجهت صوب الكوميدنو المتواجد عليه هاتفها لتجد رقم غريب فأجابت:
-ألو؟! مين معايا...
-أنا أحمد يا سلمى وحابب أتكلم معاكي شوية..
تمتمت سلمى بانزعاج واضح:
-مش محتاجة أقول جيبت رقمي منين علشان واضح أنه من اختك لكن ازاي تتصل بيا في وقت زي ده؟!.
رد عليها الشاب بنبرة متوترة:
-والله لثانية واحدة افتكرت أن الساعة عدت اتناشر من كلامك الساعة لسه مجتش تسعة يا سلمى في إيه؟! وبعدين أنتِ مش عايزة تديني فرصة ليه؟! أنا مش فاهم مش برضو.
عقبت سلمى على حديثه بجدية شديدة:
-علشان مش عايزة اتجوز معتقدش في شيء محتاج أني اشرحه ولو سمحت متتصلش بيا تاني يا أحمد من فضلك...
جاءها صوته وهو يحاول شرح نفسه:
-سلمى أنا عايز اتجوزك، وأنتِ قاطعة كل الطرق لدرجة أن مجرد ما قالتلك اني هاجي اتقدم ليكي اتخانقتي معاها وعلشان متعمليش معاها مشكلة أنا اخدت رقمك من موبايلها من وراها..
حاولت سلمى أختصار الوقت وتلك المكالمة التي لا ترغب في أن تطيل:
-ربنا يوفقك يا أحمد ويرزقك بـ بنت الحلال لكن أنا مش عايزة أتجوز، ولو سمحت متتصلش بيا تاني سلام..
أغلقت المكالمة دون أن تسمع رده حتى..
وجاءت والدتها متحدثة وهي تحمل بعض الملابس المبللة في الوعاء:
-بتزعقي ليه يا سلمى صوتك عالي كده ليه؟!.
ردت سلمى عليها وهي تخرج بعد الملابس من خزانتها:
-مفيش يا ماما أنا خلاص هاخد دش وأنام...
__________
"بعد مرور ساعة ونصف تقريبًا"
كان زهران يجلس على الأريكة الخشبية الخاصة بحارس البناية المقابلة للبناية التي تتواجد فيها شقة الزوجية الخاصة بـ عمرو وإيناس..
وحارس البناية يجلس بجانبه، بينما الصبي الخاص بأحدى المقاهي في المنطقة يكون بضبط الأرجيلة له بعدما تركه دياب ونضال، الذي ذهب الثاني لشراء بعض الفواكة تحت غضب دياب الواضح...
"الراجل مدشمل لازم ندخل عليه بحاجة مينفعش ندخل عليه وأيدينا فاضية"
وكان وقتها هذا رد نضال عليه..
في الواقع لم يقبل زهران أن يجلس في السيارة بل فضل النزول بعدما تعرف على حارس البناية، وهو من طلب الارجيلة له...
فـ بعد إصرار زهران الشديد عليهما وتصميمه الواضح أخبره نضال إلى أين هم ذاهبين ولم يعترض فهو لو كان في مكان دياب سيفعل مثله وأكثر...
لكن على الاقل رغب في الذهاب معهم لعله يستطيع التصرف إذا حدث شيء...
-اه يعني لبني دي مطلقة ومعاها ثلاث عيال؟!.
هز الحارس رأسه متمتمًا:
-اه بس مش بفضلها ليك يا معلم أنا هشوفلك عروسة مناسبة؛ أصل دي ست بتاعت مشاكل وكانت رافعة خلع على جوزها وخليته على الحديدة..
رد زهران عليه منزعجًا:
-ولما هي بتاعت مشاكل بتقولي عليها ليه؟! ليه بس يا عبدالعزيز بتزعلني منك ما كنا ماشيين مع بعض حلو....
-خلاص عندي واحدة تانية ولا تزعل نفسك...
يتحدث زهران هو والرجل وكأن العلاقة بينهما تخطت سنوات بينما هي في الواقع لم تتخطى النصف ساعة.........
بينما في البناية المقابلة وتحديدًا في الدور الثامن كان نضال يقف أمام باب الشقة وخلفه دياب بعدما قرع الجرس..
كان نضال يلتقط أنفاسه بصعوبة بالغة بسب صعوده تلك الأدوار فـ لم يكن في البناية مصعد لذلك لم يصعد زهران معهما....
بعد وقت فتح عمرو ورأسه ملفوفة بالشاش الطبي، وكذلك ذراعه هذا فقط ما يظهر، احتضنه نضال بعدما أعطى الأكياس البلاستيكية التي تتواجد في يده إلى دياب بينما في الوقت نفسه نضال كان يدفع عمرو نحو الداخل:
-ازيك يا عمرو عامل إيه؟!...
ولج دياب خلفه وأغلق الباب مما جعل عمرو يدفع نضال عنه بصعوبة بالغة:
-إيه اللي جابكم هنا أطلعوا برا بيتي بدل ما أصوت ألم عليكم العمارة كلها..
وقبل أن يتحدث دياب كان نضال يسبقه:
-عيب والله لما تبقى راجل شحط كده وتقول جملة النسوان دي أنك هتلم علينا الناس، عيب عليك يا راجل..
ابتلع نضال ريقه ثم تحدث وأسترسل حديثه بسخافة:
-وبعدين هنكون جايين ليه؟! مش علشان نطمن عليك؟! ده أنا حتى جايبلك شوية تفاح وبرتقال اخضر حقك عليا البرتقال الحلو لسه مطلعش وشوية موز.
تمتم عمرو بنبرة جنونية:
-إيه السخافة دي؟! اطلعوا برا بيتي بدل والله ما هطلب البوليس وأعرفهم أن الباشا جاي يتهجم عليا في بيتي وهو ماضي على عدم تعرض..
أمسكه نضال من ذراعه المصابة بقوة وهو يتحدث بمرونة تعكس نظرته ويده:
-وليه بس الطريقة دي؟! ده دياب جاي بس يأخد شوية حاجات لاخته وللعيال مش جايين نعمل مشاكل فـ بلاش تزعله..
تأوه عمرو ثم صاح بغضب واضح تحت نظرات دياب الهادئة؛ هدوء ما يسبق العاصفة:
-مفيش حاجة هتخرج من البيت، ترجع بيتها هي وعيالها وتقعد وأنا هنسى اللي حصل بس تقطع علاقتها بأخوها..
تحدث دياب مستنكرًا هنا:
-قولت ترجعلك وتقطع علاقتها بمين؟!
-بيك أنتَ.
هنا تحدث نضال منزعجًا وهو يعاتب عمرو:
-ما بلاش تعصبه بقا أنتَ مفيش فيك حتة سليمة لوحدك، ده شكلك شبه سوسن بدر في فيلم الفرح، اهدى كده وكل موز وأسمع الكلمتين اللي هو جاي يقولهم...
تمتم دياب بنبرة جادة:
-ياريت تسمع كلامه لأن والله العظيم لولا إني حالف لعم زهران إني مش همد إيدي عليك ولا هاجي جنبك ولا هلمسك لكنت....
صمت دياب لثواني ثم قال معترفًا بـ صدقٍ
- مع أني والله ما لاقي حاجة تنفعلك بعد اللي أنتَ فيه..
عقب نضال وهو يمسكه من موضع إصابته تحديدًا ويجبره أن يجلس على المقعد الخشبي قائلا:
-بس أنا محلفتش ممكن أكمل عليك أنا واهدى كده لأنه هيكون دشملك قبل ما تصوت يا ***..
تمتم دياب بنبرة هادئة بعد صديقه:
-أنا جاي أخد هدوم أختي وعيالها، و ورقتها توصلها وتجيب المأذون وتطلقها..
عقب عمرو رغم ألمه من حركه نضال:
-طلاق مش هطلق وأعلى ما في خيلك اركبه، أختك عايزة تطلق يبقى مش هتأخد أي حاجة لأنها هي اللي عايزة تتطلق مش أنا، لو عايزة ترجع أهلا وسهلا لكن متحلمش أنها تطلق وتاخد أي حاجة...
هتف دياب بنبرة باردة وكأنه لم يخبره بحديث يزعجه عكس المتوقع، بينما نضال رفع قدمه ووضعها على الطاولة محاصرًا جسد عمرو تقريبًا بها وبين يديه موزه يقوم بتقشيرها ويتناولها ببرود:
-بقا أنتَ مش عايز تطلق علشان اختي متأخدش حاجة صح كده؟!
هز عمرو رأسه موافقًا بجمود رغم قلقه...
رفع دياب أحدى المقاعد الخاصة بالـسفرة على حين غره وقذفها باتجاه التلفاز، "الشاشة المعلقة" ليصدع صوتها بشكل مخيف..
عقب دياب بعدها:
-أنتَ بتتذاكي علينا صح، فاكر إني هقولك خلاص طلقها يا عمرو وأحنا مش عايزين حاجة، أو اقولها تروح تخلعك علشان مندخلش في قواضي كتير ونوجع دماغنا..
خرجت من دياب ضحكة ساخرة ليعقب بعدها بـصلابةٍ:
- لا ده أنا أكسرك و***** وأكسر كل حاجة في الشقة جيبتها أنا وأبويا بشقانا ومخلكش تتمتع بيها ولا تفرق معايا أنتَ ولا التعهد ولا ***** يا ابن اعتماد...
ابتلع دياب ريقه ثم غمغم:
-أنا داخل ألم حاجة أختي والعيال، وياريت لما أرجع متضطرنيش اكسر حلفاني لو لسه مصمم على كلامك ده أنك مش هتطلق لأني هبدأ بيك قبل ما أكسر بقيت الشقة على دماغك....
اختفى من أمامهما ليتحدث نضال منزعجًا وهو يتحدث بجدية غريبة وهو يتناول الموز:
-هو أهلك فين صحيح؟!، لامؤاخذة يعني مدشمل و ***** وسايبينك لوحدك بدل ما يجوا يكونوا جنبك، والله زعلت عليك..
ثم نظر إليه متحدثًا باستنكار واضح:
-أصلا مش عارف ازاي ليك قلب تقعد هنا وكأنك مستنيه يجي يكمل عليك...
هتف نضال بعدها وهو يضع يده على رأس عمرو تحديدًا على جرحه:
-طلقها واديها حاجتها بالمعروف احسن علشان أحنا ماسكينه بالعافية وزي ما أنتَ شايف زي الثور الهايج ولا قسم بيوقفه ولا تعهد بيخوفه وهتكون أنتَ شغلانته الفترة الجاية أنا قلبي عليك..
رد عمرو عليه باقتضاب وكأنه أدرك بأنه لن يتخلص من شر دياب فعلا كما نصحه والده وفي نفس الوقت يريد أن يكسب وقتٍ حتى يفكر في شيء يردعه:
-هطلقها، هجيب المأذون يوم الخميس واطلقها....
قام نضال بتقشير الموز ووضعه في فم عمرو بدون مقدمات وهو يقبل رأسه في موضع الجرح:
-أحسنت والله وريحت نفسك وريحتنا علشان السلم بتاعتكم صعب أوي بصراحة..
ثم ابتعد عن عمرو ووصل إلى باب الشقة ليخرج الهاتف من جيبه ويتصل بوالده...
"في الأسفل تحديدًا امام البناية"
أجاب زهران على ابنه ليعرف ما حدث
-خلاص هقول لعبد العزيز يجيبلكم عربية نقل دلوقتي تشيل الحاجة؛ ومش هنستنى ليوم الخميس علشان يكون كلم حد ويغير رأيه، أنتَ تنزله معاكم دلوقتي وأنا هكلم أحمد سعيد المأذون اللي عندنا يجيلنا على شقة دياب..
ثم قال بعدها زهران:
-اصل أنا ليا جمايل عليه هيجي علطول مفيش حد مشغله غيري أصلا..
كان رد نضال عليه:
-أنتَ هتقولي يا بابا..
تجاهله زهران وأسترسل حديثه:
-ولو على المكان هفتحلك الشقة اللي في الدور الارضي عندنا يحطوا فيها الحاجة لغايت ما يعرفوا هيعمل إيه، يلا سلام علشان نلحق نشوف عربية...
أنتهت المكالمة ليسحب زهران نفس من الأرجيلة قائلا وهو يتحدث مع حارس البناية:
-قولتلي بقا الست عبير دي كام سنة وساكنة فين؟!.............
______________
صباح اليوم التالي..
بعدما انتهت الليلة كما أراد دياب وقام عمرو بطلاق إيناس في حضور أحد الجيران من المنطقة، زهران ونضال...
لم يكن هناك المتسع من الوقت ليلة أمس أن يذهب دياب لزيارة بهية، كان يومه مشغولًا وطويلًا جدًا................
يجلس "دياب" على الأريكة يشاهد أحد الأفلام الكرتونية مع ابناء شقيقته، بينما ايناس كانت جالسة في غرفتها منذ ليلة أمس تقريبًا تجلس بمفردها إلا لو قرر أطفالها اقتحام خلوتها مع ذاتها أو عُزلتها...
جاءت حُسنية من الداخل هاتفة:
-في ريحة شياط و غاز يا دياب أنزل كده شوفي أحسن تكون خالتك بهية ناسية البوتجاز، مهوا أصل مفيش غيرنا وغيرها في العمارة محدش في الدور الأول....
نهض دياب قلقًا وهو يبحث عن ميدالية مفاتيحه وما أن وجدها حتى هبط وهبطت خلفه حور وهي ترتدي إسدال المنزل..
كانت خلفه على الدرج ليتوقف دياب هاتفًا بانزعاج:
-مش هتبطلي حشرية يا بت أنتِ نازلة ورايا ليه؟!
تحدثت ريناد بسُخطٍ:
-اهو سيب البيت اللي هيولع من وركز معايا أنا دي مبقتش عيشة..
جذبها دياب من يدها لتهبط منه وهو يخنقها بذراعه بخفة ويقوم بقرع الجرس الخاص بشقة بهية...
لكن لا تتواجد إجابة...
أخذ يبحث عن المفتاح في الميدالية التي يتواجد بها العديد من المفاتيح بعدما ترك حور التي تحدثت:
-الريحة جاية فعلا من الشقة فايحة أوي من أول ما قربنا من الباب...
أخرج المفتاح أخيرًا وفتح الباب ليجد صريخ فتاة يأتي من أحد الغرف ليتوجه ناحيته برفقة حور، ليجد بهية على الفراش نائمة أو لا يدري ما الذي ينتابها....
وفتاة زادت صراخاتها حينما وجدتهما أمامها وحتى الآن لا تعرف هويتهم..
-أنتم مين ودخلتم إزاي؟!!!!..
ثم قالت ريناد وهي تبكي كطفلة صغيرة رغم أنها لم تتعرف على هاوية الشاب ولا حتى من معه لكنها تريد أن يمد أحدهم يد العون لها:
-هي تقريبًا مغمى عليها الحقوني أنا مش عارفة أتصرف...
حاول دياب أن يفهم وهو ينظر لها وإلى بهية في الوقت نفسه، لا يعلم ما الذي تفعله الفتاة التي تسببت في طردته ويرغب في النيل منها في شقة جارته بهية الحبيبة..
والحقيقة أنه في الوقت ذاته بدأت ريناد تتذكر هويته...
أما حور ركضت فورًا إلى المطبخ بسبب رائحة الغاز الواضحة جدًا....
صرخ دياب في وجهها وهو يقترب من بهية...
-أنتِ إيه اللي جابك هنا وبتعملي إيه هنا؟!..
______يتبع_____
لو وصلتم لهنا دمتم بألف خير...
ونتقابل في فصل جديد ان شاء الله
متنسوش الفوت والكومنت....
لأن التفاعل على الفصل اللي فات كان وحش جدًا🙂🙂🙂🙂🙂🙂🙂🙂🙂
تقريبًا نص الناس معملتش فوت......
تفاعل حلو على الفصل اللي فات والفصل ده...
ورغم أن التفاعل وحش...
بس بوتو يُحبكم..
الفصل السادس من #عذرًا_لقد_نفذ_رصيدكم
#شارع_خطاب
بقلم #fatma_taha_sultan
____________
اذكروا الله.
دعواتكم لأهلكم في فلسطين والسودان وسوريا ولبنان وجميع البلاد العربية.
_____________________
لا يستجد في حياتك شيء إلا خير، ولا يغادرك شيء إلّا لخير، ربما لن يبدو الأمر واضحًا في بداية الأمر، لكن مع الوقت ستفهم كُل شيء، وتُصبح الرؤية أكثر وضوح، فتعرف طريقك جيدًا، وتقدّر ذاتك بالشكل الصحيح، على الإنسان فهم الحياة والحكمة من تجاربها قبل إصدار الأحكام..
#مقتبسة
في يومٍ ما ستعرف أن وقتك أثمن من يضيع في حواراتٍ لا تخدمك، وعلاقات مؤذية لا تُقدم لك الكثير، ومناسبات مليئة بالنفاق الاجتماعي لا تُشبهك، وأن عليك حينها التّوقف لبرهةٍ ووضع النقط على الحروف، وإعادة ترتيب أولوياتك، وتشكيل خريطة حياتك كما تُريد وتشتهي..
وقتك الخاص ثمين وحياتك تستحق.
#مقتبسة
______________
كان أفضل شيء يستطيع دياب فعله من أجل بهية، هو الاتصال بـ أحلام..
كونها طبيبة باطنة...
ولحسن الحظ حسب معلوماته بأن هذا ليس موعد عملها؛ الوقت مازال مبكرًا إذا لم يحدث تغيير لا يعرفه...
اتصل بها وأخبرته بأنها ستأتي بعد دقائق وبالفعل جاءت ولأول مرة تكون صادقة في موعد أعطته له...
كانت بهية بدأت تعود إلى وعيها قبل أن تأتي من الأساس، فقامت أحلام بقياس الضغط والسكر لها؛ فكان الثاني مرتفعًا وهذا ما جعلها تعطيها شيء له..
وبعدما انتهت أحلام ورحلت على الفور مخبرة أياهم بأنها سوف تأتي بعدما تنتهي من عملها وإذا حدث أي تغيير يتصلوا بها..
بعد رحيلها، تحدثت ريناد التي تقف بجانب فراش بهية تحت أنظار حور ودياب:
-أنا لازم أتصل بـ بابي يجي يوديها المستشفى مهوا مينفعش...
قاطعتها بهية بنبرة هادئة ورزينة:
-أنا كويسة وأديكي سمعتي أحلام قالت إيه، السكر علي شوية أنا مأخدتش العلاج بقالي كذا يوم طنشته..
هتفت ريناد بعفوية:
-وهي بتفهم يعني؟! أنا شايفاها صغيرة اكيد معندهاش experience...
رد دياب عليها بنبرة ساخرة من الدرجة الاولى:
-لا طلعوها من كلية الطب شفقة، جايبينها من ورا الجاموسة وجاية، سيبنا ليكي الفهم يا فيلسوفة..
تحدثت بهية بلطافة رغم إدراكها بأن الأجواء مشحونة بطريقة لم تفهمها جيدًا:
-في إيه يا ولاد بس، وبعدين استنوا لما أعرفكم على بعض، دي حفيدتي يا دياب، بنت محمد اللي شوفته كام مرة هنا وهي قاعدة معايا الفترة دي..
كيف!!
كيف من الممكن أن تحدث صدفة كـ تلك؟!
كيف تكن تلك الفتاة الفظة قريبة تلك المرأة الطيبة؟!
وجهت بهية حديثها إلى ريناد متمتمة:
-ده دياب ابن جارتي، وزي ابني بالظبط أنا يعتبر اللي مربياه..
كانت ريناد تتحدث وهي تقف بجانب بهية مباشرة تشعر بالخوف ولا تعلم لما تحديدًا وهو ينظر بها بتلك الطريقة..
كأنه سوف يبتلعها...
تمتمت ريناد بنبرة متوترة حاولت قولها بالعربية لكنها لم تفلح سيطر توترها بشكل كبير:
-اه، فرصة حزينة...
رد دياب متهكمًا:
-هي حزينة فعلا..
تحدثت هنا حور بنبرة جادة ومشاغبة كعادتها:
-جرا إيه يا بهية؟! نستيني ولا إيه؟! مش هتعرفيها على دكتورة المستقبل..
تمتمت بهية بعد ضحكة خرجت منها:
-دي بقا حور سكرة البيت...
قاطع دياب هذا الحديث كله بنبرة غاضبة ومغتاظة إلى أقصى حد؛ أخر شيء كان ينقصه فعليًا هو رؤية تلك الفتاة مرة أخرى، وفي وضع هكذا، شيء لم يأتي حتى في أحلامه:
-أنا بقول يلا نمشي يا حور علشان نسيبها ترتاح شوية...
كان تعقيب بهية غريبًا عليه فهي لم تسمع حديثه بل بدأت حواسها في العمل بفاعلية مرة أخرى:
-إيه الريحة دي؟!..
ضحك دياب ثم تحدث متهكمًا وهو يناظرها بغل كبير، فهي السبب الأساسي فيما هو فيه الآن:
-أبدًا حفيدتك الكتكوتة هتولع فيكي وفينا وفي البيت، كانت سايبة الغاز مفتوح....
كانت ريناد تقوم بسماع بعض الأغاني في الصباح وهي تضع السماعة في أذنيها وضعت البيض في طنجرة معه القليل جدًا في المياة وبعدها جلست في الشرفة تفكر فيما فعله فيها والدها واختيارها هذا الاختيار اللعين حتى لا تسجن في المنزل مرة أخرى....
أو لتكن صريحة حتى تجد طريقة مناسبة كتر عخرج من هذا المأزق وتبعد عن هنا...
وتناست أمر البيض والطنجرة تمامًا ولم تهتم بل فقدت شهيتها، فهي كانت ترغب في تناول البيض والجبن وشرائح التركي المدخن لكنها تناست كل شيء..
ولا تستطيع فعل شيء من الأساس....
لم تقف مرة في حياتها في المطبخ حتى لصنع شيء..
حتى المياة حينما تريدها كانت تأتي حتى فراشها...
و ما حدث هو أنها ولجت إلى الشقة ثم ذهبت إلى غرفة بهية وحينما وجدتها نائمة بتلك الطريقة وقامت بالنظاء عليها أكثر من مرة ولم تجب كادت أن تصرخ لكنها وجدت شاب وفتاة أمامها.....
هذا كل ما حدث...
حاولت ريناد قول أي شيء تحفظ به ماء وجهها:
-كل الحكاية إني كنت بحضر الفطار ليا وليها، ولما جيت أصحيها لقيتها كده ونسيت....
تحدث دياب منفعلًا تحت نظرات شقيقته التي ترغب في سؤاله لما هو فظًا بتلك الطريقة مع فتاة يبدو لها أنهما يرونها للمرة الأولى:
-اه واضح فعلا أن ده اللي نساكي؛ علشان كده أنتِ ماخدتيش بالك بحاجة لولا أن حور اتكلمت، ده الحمدلله أن ربنا ستر والدنيا مولعتش...
كزت ريناد على أسنانها، وكادت أن تجيب عليه وتخبره بأنه ما شأنه بها، لما يتحدث معها بتلك الطريقة لولا أن دياب هتف بنبرة عصبية:
-أنا ماشي يا بهية لو في حاجة كلميني..
قالت بهية بـ غموض وعدم فهم:
-طيب يا ابني..
___________
يقف نضال في "الجزارة" كعادته حينما يشعر بالملل في المتجر يأتي ويقوم بالجلوس قليلًا مع الشباب والرجال التي تعمل فيها...
لكنه لم يعرف بأن هناك من يراقبه من الشرفة، وبمجرد رؤيته واقفًا يمزح مع الرجالة، ولجت إلى الشقة وقررت أن تهبط له، كانت والدتها على أي حال في الشقة مع سلامة...
بالفعل كانت دقائق معدودة مرت وسامية تأتي إلى الجزازة ووقفت أمامه تقريبًا هاتفًا:
-ازيك يا نضال عامل إيه؟!.
أجاب عليها نضال بنبرة هادئة بلا تعابير واضحة وهذا ما ازعجها تحديدًا وهي تتذكر لهفته السابقة عليها:
-الحمدلله بخير، محتاجة حاجة أخليهم يحضروها ليكي؟!
-لا أنا جاية أتكلم معاك أنتَ مش عايزة حاجة.
رد نضال عليها بنبرة واضحة ولكنها خافتة:
-مفيش كلام نتكلمه يا سامية، عايزة إيه؟!
قالت سامية معترضة بانزعاج واضح:
-يعني أنا جاية لغايت عندك وعايزة اتكلم معاك ونتصالح علشان أنتَ مضايق مني، تقولي مفيش كلام نتكلمه يا سامية؟!.
هتف نضال بنبرة هادئة وهو ينظر لها:
-والله أنا معنديش أي مشكلة ولا زعلان منك أحنا في النهاية ولاد عم لكن انا بطلت أحتك بيكي زي ما كنتي طول عمرك عاوزة يا سامية إيه المشكلة بقا..
في كل جملة ينطق اسمها..
ســامـيـة..
هذا ما يزعجها هل هو متعمدًا لا تعلم ولكنها لا ترغب في الحديث في الأمر....
-أيوة بس ده مش معناه أن..
قاطعها نضال بنبرة جادة ولكنها ساخرة إلى أبعد حد:
-أنتِ مشكلتك يا سامية أنك مش عارفة أنتِ عايزة إيه بالظبط علشان كده أنتِ هنا قدامي دلوقتي، وأسف أني مش هقدر أحققلك حلمك ولا أنتِ محور الكون علشان افضل أجري وراكي...
كادت أن تتحدث لولا أنها رأت نضال أعطى كامل تركيزه وانتباهه في مكان أخر ناحية المنزل....
______________
اليوم لم تصمت أحلام...
بل كانت غاضبة إلى أقصى حد بسبب هذا التجاهل ولم تستطع الإستمرار بتلك الطريقة...
بل أرسلت له رسالة بأن يأتي في أحد المقاهي التي كانت تجلس فيها معه بعد موعد عملها، هي تريد الحديث معه بأي طريقة وخارح المستشفى لأنها لا تأخذ راحتها بها...
وهي تعلم جيدًا بأنه غير مرتبط بمواعيد أو عمليات، كونه لم يعود إلى العمل حتى الآن بشكل مباشر....
هو فقط يأتي من أجل إدارة المستشفى....
وبسبب إصرارها ورسالتها كان بالفعل يجلس أمامها هاتفًا بعدما طلب قهوته:
-إيه المهم للدرجة دي؟! إيه اللي يخليكي تتصلي بيا كل ده وتجبيني بالشكل ده وإصرارك الرهيب..
أردفت أحلام بوضوح دون مماطلة:
-المهم أنك وحشتني، واني عايزة أقعد وأتكلم معاك مش عايزة أحس أنك بعيد عني بالشكل ده، ده مش كفايا؟! مفيش أهم من كده في نظري...
سألها جواد بنبرة جادة أظهرت جزء من غضبه الذي يحاول كتمه قدر المُستطاع:
-إيه اللي منتظراه من واحد أبوه بقاله شهر ميت وهو بيحاول يتأقلم على الوضع الجديد، منتظرة مني أعمل ليكي إيه، أو إيه نوع الاهتمام اللي منتظراه مني في ظروف زي دي؟!..
شعرت بالتوتر الرهيب لكنها حاولت الحديث بطريقة ملائمة:
-ربنا يرحمه، والله ربنا وحده يعلم قد إيه أنا زعلانة عليه، وأنا مش عايزاك تهتم بيا ولا عايزة حاجة قد ما أنا عايزة أنك تسمحلي أقف جنبك، تسمحلي إني حتى أشاركك حزنك يمكن أقدر أخفف عنك..
أجاب جواد عليه بنبرة مقتضبة:
-في ظروف مينفعش الواحد حد يخفف عنه فيها لازم يمر بيها لوحده ويعديها لوحده...
هتفت أحلام بنبرة جادة:
-جواد لو أنتَ بتتهرب مني أنا...
قاطعها جواد بانزعاج واضح وهو يطالعها بغضب يبدو أنه حان وقت أنفجاره:
-تاني يا أحلام؟! بتعيدي نفس الكلام تاني وأنا لسه بقولك اللي فيا..
صمت لدقيقة واحدة ثم تحدث بصراحة مطلقة:
-وبعدين أنا عمري ما اتهربت منك، ولا عمري بعدت عنك لأني مكنتش قريب من الأساس وأنتِ السبب عمومًا في وضعنا الغريب واللي مش مفهوم ده.
رددت أحلام كلماته باستنكار شديد:
-أنا السبب ليه بقا مش فاهمة؟! أنتَ عايز تطلعني غلطانة وخلاص؟! مع أنك بتتهرب مني وبتبعد عني مهما كان معاك حق في الظروف اللي بتمر بيها، حتى في المستشفى مبقتش تعبرتي..
هتف جواد بانفعال وقد طفح الكيل حقًا وهو لم يعد يستطيع أن يظل صامتًا:
-أنا مش بتهرب منك يا أحلام، أنتِ اللي بتعملي ده، من أول يوم شوفتك فيه أنتِ عجبتيني فعلا، وحبيت أساعدك في شغلك، حبيت أقف جنبك بكل الطُرق قولتلك كل حاجة لا وهمتك ولا غيره لكن أنتِ اللي كنتي بتماطلي وبتأجلي..
شحب وجه أحلام وهو يسترسل حديثه:
-أحنا عمرنا ما كنا قريبين علشان نبعد، واه أنا بقلل احتكاكي بيكي فعلا في المستشفى علشان محدش يتكلم عليا أو عليكي لأن الموضوع بوخ أوي كنت الأول بقول بابا عارف، شوية وهنتجوز وساعتها محدش هيقدر يتكلم، لكن أنتِ اللي فضلتي تماطلي مع إني بدل المرة ألف طلبت منك رقم أي حد من اخواتك أكلمه...
تمتمت أحلام وهي تحاول أن تدافع عن نفسها بأي طريقة وألا تخسر في تلك المعركة:
-أنا كنت خايفة وقلقانة من فكرة أننا نتجوز وأنتَ متجوز وكنت لسه صغيرة ومتخرجة وطبيعي أكون متوترة، أنا ضيعت سنين وأنا جنبك يا جواد مش علشان في الآخر تقولي الكلام ده...
عقب جواد بنبرة صريحة صدمتها كليًا:
-ضيعتي السنين دي بمزاجك، أنا مضحكتش عليكي ولا لعبت بيكي ولا عيشتك في وهم أنتِ عارفة أني عايز اتجوز وأنا متجوز وعارفة إني مش ناوي أطلق مراتي، ومقعدش اضيع معاكي وقت بل بالعكس بعد شهور قليلة من معرفتي بيكي عرضت عليكي الجواز وخليت بابا الله يرحمه يكلمك وكنتي عارفة أن رانيا معندهاش مشكلة..
بكت في ثواني وهي تتقن الدور على أكمل وجه:
-يعني بعد ده كله عايز تتخلى عني وتسيبني ولا أنتَ عايز إيه بالظبط بكلامك ده؟!، عايز توصل لإيه؟!، أنا غلطانة يعني إني حبيتك؟! أنا بحبك بس خايفة أكون زوجة ثانية..
دور الضحية دورها المفضل على الأغلب..
هو لا يصدقها ولم يعد يصدق تصرفاتها وأفعالها..
أو حتى حبها كما تدعي...
هي قامت بفرض وضع غير معلوم بينهما...
لا هي زوجته ولا هي شيء في حياته..
ولا حتى أمرأة تعمل في مكانه..
ليست هي المذنبة الوحيدة هو مثلها ايضًا....
لكنه كان في غفلة رُبما، كان ينتظرها، وينتظر أن تسمح له بأن يقترب خطوة جادة، وظن في أنتظار تلك الخطوة لما يقارب ثلاث سنوات تقريبًا وأكثر...
لم يكن وقتها يدرك أهمية الوقت، لكن بعد وفاة والده الكثير من الأشياء تغيرت في نظره...
بدأ بالفعل يعيد حساباته كلها..
ولم يعد يلزمه علاقات وهمية غير مفهومة...
لكن بالرغم من هذا كله مد يده لها بمنديل ورقي هاتفًا:
-بطلي عياط يا أحلام ملهوش لزوم كل ده وأجلي الكلام وقت تاني...
قال ما عنده...
لكنها حاولت أن تستفزه عاطفيًا كما كانت تفعل دومًا...
وتجعله يصبر عليها...
لكن الفارق الوحيد أنه في السابق كان يصدق...
لكن الآن هو يحاول أن يريح عقله من المناقشة الآن......
___________
كانت سلمى تقف بجانب جهاد التي تهتف وهي ترفع سبابتها في وجه سلامة:
-متقوليش اهدي...
رد سلامة عليها ساخرًا وهو يقلد حركتها بأصبعها:
-لا صوتي ولمي علينا الشارع متهديش، وبعدين أعملك إيه ده اللون اللي اخترتيه.
هتفت جهاد بنبرة جادة:
-لا ده أفتح من اللي طلبته يا سلامة متشتغلنيش أنا بركز كويس..
أتت جهاد اليوم مع شقيقتها لرؤية ألوان الحوائط التي انتهت وكانت قد طلبتها بنفسها، ووالدتها كانت في العمل لذلك من أتت معها شقيقتها الكبرى سلمى وصعدت معهما "انتصار" وقام بمصافحتهما ووداعهما عند شقتها وتركت سلامة يقوم بتوصيلهما...
قال سلامة بنبرة واضحة:
-اللون هو هو أنتِ بتتلككي والله...
هتفت جهاد بإصرار شديد وهي تنظر له بجدية:
-لا يا سلامة مش هو أفتح درجة من اللي طلبته أنا مش عامية...
قالت سلمى وهي تحمل بعض الأكياس، فهي كانت تقوم بشراء ما يتبقى لشقيقتها من ملابس من أجل زواجها، وقابلهما سلامة وأتى بهما إلى هنا وكان يحمل الأكياس من سلمى ولكن عند هبوطهما تناسى الأمر أنشغل في شجار غريب من نوعه وجديد..
-جهاد ممكن اختلاف اضاءة مش أكتر وأنا مش شايفة أنه في فرق كبير..
تمتم سلامة بنبرة جادة:
-أهو شهد شاهد من أهلها أنا متكلمتش...
" في إيه يا جماعة صوتكم عالي كده ليه "
كان هذا تعقيب نضال الذي أتى وخلفه سامية تلاحقه بغيظٍ كبير من تجاهله لها حتى أنه تركها وأتى إلى إليهما بعدما شعر بشجار يشب بينهما...
تمتم سلامة بانزعاج واضح:
-جهاد مش عاجبها اللون اللي هي اخترته..
تحدثت سلمى بعد سلامة معقبة:
-هو اختلاف إضاءة والله مش أكتر وأنا شايفة أنه هو هو..
هتفت جهاد بغضب وهي تعقد ساعديها:
-لا أنا شايفاه أغمق..
عقب نضال بعدهما ببساطة وهدوء:
-ممكن تشوف اللون اللي اخترته قبل كده ولو مش هو فعلا وفي اختلاف عرفوه لأنه هيكون غلطه هو مش غلطكم يعني وممكن يمكن هو هو وأنتِ متهايقلك يا جهاد..
تحدثت سامية بنبرة عالية بعض الشيء على ما يبدو الجميع تناسى وجودها:
-ازيك يا جهاد وازيك يا سلمى..
"الحمدلله"
"تمام".
الأول كان رد سلمى...
أما الثاني كان رد جهاد...
تحدث نضال بعتاب واضح إلى سلامة:
-يعني عمال تتخانق أنتَ وجهاد وسايبين سلمى شايلة الشنط دي كلها لوحدها..
عقبت سلمى بحرج وهي تزيد من إحكام قبضتها على الحقائب:
-لا مفيش حاجة أصلا كلهم حاجات خفيفة..
أخذ سلامة منها جزء ونضال فعل المثل تحت نظرات سامية المحترقة، بينما تحدث سلامة بأسفٍ:
-حقك عليا يا سلمى أهو اختك السبب..
تمتمت جهاد بسخرية:
-ما كفايا يا ملاك بقا..
تمتم نضال بنبرة جادة:
-يا جماعة مفيش حاجة والله مستاهلة الخناق، حتى لو مش عايزة اللون يتغير، كفايا مشاكل ملهاش لازمة كل دي حاجات بسيطة جدً..
ردت سامية عليه بانزعاج واضح:
-بيعجبني فيك عقلك الكبير..
كانت سامية تشعر بالضيق والاختناق..
فهي دون سبب حقيقي تبغض جهاد وسلمى والأكثر سلمى منذ الصغر ولا تعلم لما حتى..
لكنه شعور دون سبب واضح وصريح..
فهناك أشخاص في حياتك لا تتقبلهم دون سبب..
لا تتألف روحك معهم..
تحدثت سلمى وهي بدأت تشعر بالضيق من تلك الأجواء العجيبة بالنسبة لها:
-يلا يا جهاد بقا نروح زمان ماما راجعة من الشغل وأبقي شوفي هتعملي إيه بعد كده يلا..
ونظرت لها نظرة ذات معنى أظهرت فيها انزعاجها وانصاعت جهاد لها هاتفة بخنوع لا يليق بها:
-ماشي يلا..
-ممكن الشنط...
كان هذا حديث سلمى التي وجهته إلى نضال وسلامة لكن نضال أعطى الحقائب إلى سلامة مغمغمًا:
-وصلهم يلا وكفايا مشاكل وانا شوية كده وطالع....
هتف سلامة بهدوء:
-ماشي..
رحلت سلمى وجهاد وخلفهما يسير سلامة، وهنا تحدثت سامية بنبرة ساخرة:
-واضح أن اللي حصل علمك تتعامل مع البنات كويس بدل طريقتك اللي كانت معايا دي...
قاطعها نضال بنبرة منزعجة فهي تضغط على جرحه الذي يحاول تضطميده بمفرده، ويحاول نسيانه والتخطي لكنها لم تأتي للاعتذار بقدر إتيانها حتى تغضبه تقريبًا..
-اللهم طولك يا روح، سامية كفايا كده أطلعي بيتكم، وربنا يهديكي..
رحل نضال متوجهًا صوب الجزارة مرة أخرى تاركًا أياها....
____________
ألـــم عــظــيــم...
تشعر به إيناس كأي أمراة تتعرض للانفصال....
تحديدًا أمرأة تمر بظروفها وظروف عائلتها...
فـهي تشعر نفسها حِمل ثقيل جدًا على شقيقها...
ينام طفلها على الفراش، تداعب خصلاته بأصابعها وعقلها في مكان أخر تحاول التفكير في أي شيء لكن كل شيء أمامها أسود بشكل مخيف...
حسنًا هي تعلم بأنها تخلصت منه..
تخلصت من حياة هكذا..
من حب لم تجده..
حبه كان وهمًا جعلها تعيش فيه، هو لم يفعل معها أي شيء قد يدل حقًا بأنه يُحبها كما كان يزعم...
تنهدت تنهيدة طويلة تحاول التوقف عن التفكير حتى ولو لبضعة دقائق لكن لا تستطيع أبدًا...
الرؤية معتمة بالنسبة لها إلى حدٍ كبير...
مرت خمس سنوات وأكثر رُبما على تخرجها ومن وقتها لم تعرف شيء أكثر من زوجها وأطفالها، منزلها، لا تعلم أي شيء عن سوق العمل حتى كليتها لا تتذكر منها أي شيء، وفي النهاية الدراسة شيء أخر مختلف عن الدراسة..
جاءت والدتها حُسنية متحدثة بنبرة هادئة وهي تقترب منها وتجلس على طرف الفراش:
-إيه يا بنتي هتفضلي طول اليوم قاعدة في الأوضة كده...
هتفت إيناس بنبرة جادة:
-في حاجة في البيت محتاجة إني اعملها معاكي؟!.
ردت عليها حُسنية بانزعاج:
-مفيش حاحة يا بنتي تعمليها كل حاجة زي الفل، أنا بتكلم علشانك هتفضلي حابسة نفسك كده؟!.
تمتمت إيناس بفتور:
-المفروض اعمل إيه يعني؟!.
-عيطي مداريش وجعك وزعلك على الأكل، أنك تكتمي جواكي ده غلط يا حبيبتي أنتِ لسه صغيرة أوي على الكلام ده..
كانت كلمات والدتها بمنزلة تصريح وإفراج لدموعها التي هبطت دون توقف هاتفة وهي تحاول أن تكون متماسكة قدر المُستطاع:
-أنا زعلانة على نفسي أوي يا ماما، مقهورة بشكل هيموتني مش زعلانة علشانه، الانسان بيزعل على وجعه وقهرته، وكسرته، مبيزعلش على الشخص، بيزعل على نفسه وعلى مشاعره ووقته...
أمسكت والدتها كف يدها بحنان واضعة أياه بين كفيها متحدثة:
-متزعليش يا حبيبتي، كله مقدر ومكتوب ونصيب، على الأقل أنتِ قدام نفسك عملتي كل اللي عليكي علشان في يوم من الأيام متلوميش نفسك أنك كان المفروض تحاولي تاني ولا لما عيالك يكبروا محدش يلومك في حاجة؛ أنا عارفة أن كل حاجة في أولها صعبة؛ بس ربنا مبيعملش حاجة وحشة..
مسحت حُسنية دموع ابنتها بأناملها الحنونة وهي تنظر لها بأسفٍ شديد وحزن واضح..
عقبت إيناس عليها بنبرة جادة:
-كنت فاكرة أنك هتقولي كلام غير ده، لأنك مكنتيش عايزاني أطلق...
تحدثت حُسنية ببساطة شديدة وهي تشرح موقفها:
-أنا مقولتش مكنتش عيزاكي تطلقي كل اللي كنت بقوله فكري كويس، مهما كان الشخص اللي احنا عايشين معاه وحش أو مهما كانت ظروفه وحشه أو ظروفنا مينفعش اقولك اطلقي من غير تفكير؛ لازم تفكري كويس في قرارك وتعرفي أنتِ عايزة ايه..
ابتلعت ريقها وتحدثت بنبرة حنونة:
-خراب البيوت مش بالساهل ودي حقيقة لازم الانسان بيحاول مرة واتنين وتلاتة، الطلاق مش حاجة سهلة، انا عمري ما أقبل باهانتك ولو كنت اعرف من بدري كنت ادخلت، أصلا سكوتك ده كان أكبر غلط، وحتى لو كنتي هترجعي كنا هنرجع بكذا قعدة علشان يعرف غلطه لكن خلاص الموضوع خلص واللي حصل ده أكيد خير للكل...
أخذت إيناس كف والدتها قامت بتقبيله بامتنان حقيقي ثم أردفت وهي ترتجف:
-خايفة من اللي جاي يا ماما أوي، خايفة، عمرو مش هيدفع فلوس لعياله أنا عارفاه وأنا تقلت عليكم وعلى دياب أوي كده وهو المفروض على وش جواز غير مصاريف دروس حور غير أنه قاعد من الشغل وأنا عارفة كويس أن معاش بابا مش بيكفي حاجة...
تمتمت حُسنية بحنان شديد:
- ربنا يسترها ويكرمه ويكرمك أنتِ كمان لما قسيمة الطلاق تكون في ايدك ساعتها تقدري تقدمي على المعاش، وواحدة واحدة الدنيا هتتعدل فكري بس في نفسك دلوقتي...
ثم أسترسلت حديثها وهي تضع يدها على وجنتي ابنتها:
-بقولك ايه يلا البسي أنتِ والعيال ونقابل حور وهي راجعة من الدرس ونشرب عصير عند ***** اهو ننزل نتهوى شوية..
____________
يقوم نضال بتحضير العشاء...
لكنه توقف في منتصف تحضيره وتوجه صوب غرفة سلامة تحديدًا بعدما قام بالاتصال بوالده ولم يجب عليه..
كان الباب مفتوحًا وسلامة مستلقي على الفراش وبين يديه هاتفه، تحدث نضال باستفسار:
-هو مش ابوك تحت؟! مش أنتَ لسه طالع من عنده؟!.
هز سلامة رأسه في إيجاب مما جعل نضال يعقب باستغراب:
-أومال مش بيرد عليا ليه؟!.
رد سلامة عليه بجدية زائفة:
-علشان حضرتك كاسر بخاطره ومزعله، بقالك فترة؛ وبتخلي الراجل يكتم مشاعره...
أردف نضال باستغراب وهو يشير على ذاته:
-أنا؟!..
هز سلامة رأسه مؤكدًا، ثم أردف بنبرة ممازحة:
-جرب كده تكون مكانه وحد يمنعك عن البنت اللي بتحبها وشوف مشاعرك هتنهار ازاي...
نضال يعلم جيدًا بأن سلامة يستفزه ولا يقبل بالوضع ولكنه يحب دومًا خلق جو من المرح...
أسترسل سلامة حديثه بمرحٍ:
-الله يسامحك الراجل ولا عايز يشرب ولا يأكل وقاعد تحت ومش هيطلع يأكل معانا يا عاق، ربنا ما يرزقني بعيل عاق زيك..
-أنا مش عارف أنا قاعد معاكم بعمل إيه غير أنه بيتحرق دمي كأنكم أنتم الاتنين عايشين في كوكب موازي..
سأله سلامة بجدية:
-طب ما تجرب يا أخي تعيش معانا حارم نفسك من المتعة ليه، دي متعة، إثارة تشويق..
ثم أسترسل حديثه بعتابٍ:
-وبعدين فين الأكل؟!.
-هو أنا الخدامة اللي جابها أبوك؟!.
ضيق سلامة عيناه ثم سأله وهو يعتدل في جلسته على الفراش:
-هي مش الكلمة دي بتقولها الامهات ولا إيه؟!.
رد نضال عليه بنبرة ساخرة:
-بيقولها اللي بيعمل الأكل.
بعد محادثة حاول سلامة فيها أن يمرح فيها ويستفز شقيقه في نفس الوقت كعادتهما كل ليلة...
فـ سلامة قد يشبه والده في الطباع، لكنه يمتلك وجه والدته وملامحها، أما نضال يمتلك ملامح زهران ولا يمتلك الكثير من صفاته...
ذهب نضال ليستكمل طهي الطعام ليصدع صوت هاتفه يعلن عن إتصال من صديقه طارق، مما جعله يجيب عليه فاتحًا مكبر الصوت وهو يقوم بتقطيع الخضروات......
-بقى كده يا نضال يحصل كل ده لدياب ومتقوليش؟! لولا أن أحلام قالتلي مكنتش أعرف، وأنا بقول بقالي فترة طويلة كل ما بتصل بدياب يا اما يرد عليا وميكملش دقيقتين ويقفل بأي حجة يا ميردش عليا ويبعتلي رسالة أنه مش فاضي..
عقب نضال على حديث صديقه الذي يأتي من الهاتف وهو يقوم بعتابه بشكل واضح:
-أنا مقدرش أقول حاجة مدام صاحب الشأن متكلمش يا طارق وبعدين يعني اكيد دياب كان هيفوق وهيحكي ليك كل حاجة...
تمتم طارق بسخرية:
-اكيد مش كل مشكلتي أن دياب يحكي ليا، مش هاخد جائزة يعني، مشكلتي إني مضايق إني بعيد ومش قادر أقف جنبه ولا أعمله حاجة..
قال نضال بأسف بعدما توقف عن تقطيع الخضروات:
-يمكن علشان كده هو مقالش ليك علشان أنتَ بعيد وميشغلش بالك على الفاضي وبعدين متزعلش أنا نفسي مش عارف أعمله حاجة بسبب موضوع شغله ده كمان، والمشكلة إني عارف كويس أنه في وضع صعب جدًا والوضع كمل بطلاق أخته...
ثم أسترسل نضال حديثه وهو يخبره بجدية:
-كنت عايز أعرض عليه يشتغل معانا بس أنتَ عارفة هيفضل يقول لا، وهيقرفني، كنت بفكر أخلي ابويا هو اللي يكلمه..
سمع صوت ضحكات طارق رغمًا عنه:
-أنا مش متخيل أنك عايز أبوك اللي يقنعه ده هما علاقتهم قط وفأر ولا كأنهم من سن بعض ولا توأم..
-معرفش بقا يا طارق بحاول أوصل لحل..
هتف طارق على عجلة من أمره:
-طيب أنا هقفل دلوقتي علشان أنا في الشغل أصلا لما أروح البيت هكلمك، وهفكر ممكن نساعده ازاي وهقولك يلا سلام..
-سلام.
بعد مرور نصف ساعة تقريبًا كان نضال يهبط على الدرج إلى حيث تتواجد شقة أبيه...
سلامة ونضال يجلسون في شقة الزوجية التي تخص زهران وزوجته الأولى والدة نضال وسلامة...
أما زهران أنفصل عنهم حينما رغب في الزواج فقام بتجهيز شقة أخرى في البناية له..
فقط في زيجاته الأولى حينما كان عمرهما صغير كان يجلسا معه في الأسفل...
لكن حينما ولجوا في مرحلة المراهقة انفصلوا عنه..
وجد نضال باب الشقة مفتوحًا ليدخل إليها ليجد الشاب الخاص بتوصيل الطلبات في مطعمهم " كبابجي" يقف في الشقة مع والده ومعه بعض الأكياس غير الأرجيلة الموضوعة أمام والده والكثير من الأكياس الخاصة بالمقرمشات، والفول السوداني، والفواكة...
-خد دول عشانك كتر خيرك تعبتك يا حسن.
رد عليه الشاب بابتسامة وهو يأخذ منه النقود:
-تعبتني إيه بس يا معلم زهران تعبك راحة، ولو مش عايز حاجة تاني أنا هنزل بقا علشان معايا طلبات تانية...
-ماشي روح أنتَ..
" يا مساء الخير "
قالها نضال وهنا تخشب وجه زهران بعدما كان بشوشًا، بعدها قام نضال بمصافحة الشاب وتوصيله حتى البوابة ثم صعد مرة أخرى إلى أبيه هاتفًا.....
-هو ده الانهيار...
عقب زهران بنبرة جادة للغاية:
-اه بفش غلي في الأكل أعمل إيه يعني لحضرتك وبعدين هو أنتَ اللي بتربيني ولا أنا اللي بربيك؟!!!..
تمتم نضال بنبرة ساخرة من نفسه:
-رغم إني عارف أن سلامة بيحور عليا، وأنكم أنتم الاتنين فيكم حاجات مع بعض إلا إني ولو لمدة ثواني فكرت أنك مضايق بجد وهلاقيك مجروح بتسمع هاني شاكر وتامر عاشور..
- أنا لما بضايق لازم اجيب كباب ضاني وريش، وفتة وموزة كده غير كده جرحي مبيخفش، وبعدين أنتَ جرحتني جامد لولا موضوع دياب شغلنا أنا مكنتش اتكلمت معاك بس أعمل إيه في قلبي الطيب...
رد نضال عليه باعتراف صريح:
-لا مدام وصلت للموزة يبقى فعلا أنتَ اتجرحت يا بابا حقك عليا......
______________
في اليوم التالي...
كان يجلس نضال برفقة دياب وكان الاثنان في انتظار سلامة الذي ذهب لتوصيل خطيبته بعد عودتهما من العمل سويًا....
تحدث دياب بنبرة مختنقة:
-هو أخوك فين كل ده؟!.
رد نضال عليه بعدما أخذ رشفة من مشروبه:
-ما قولتلك راح يوصل خطيبته..
سخر دياب منه متحدثًا بنبرة متشنجة:
-مش ملاحظ أن خطيبته دي ساكنة معاكم في نفس الشارع ونفس الشارع ده اللي على ناصيته القهوة اللي أحنا فيها...
تمتم نضال ببساطة شديدة وهو ينظر له بـ شكٍ:
-يبقى بيتخانقوا عند بيتها الطبيعي يعني، وبعدين هو أنتَ مالك قالب وشك كده ليه؟! وبتتكلم من تحت ضرسك من ساعة ما شوفتك وامبارح طول اليوم مختفي ومش بترد عليا..
رد دياب عليه ساخرًا:
-وإيه اللي المفروض واحد زيي يعمله في الظروف ده أقوم أرقصلك؟!..
لم تكن عادة دياب أن يشتكي طوال الوقت...
لكن الآن لديه الحق بما يمر به...
وتلك الإجابة تحديدًا حاول أن يخفي بها انزعاجه من رؤيتها...
-لا مليش في الحاجات الناشفة بعد الشر عليا..
وأسترسل حديثه بجدية فهو لم يصدق تلك الإجابة:
-معاك حق بس مش ده اللي مضايقك واضح أن فيه حاجة جديدة، لو حابب تقول قول؛ مش حابب براحتك بس اللي متاكد منه أن السحنة اللي قدامي دي في حاجة خلتها تتقلب بالشكل ده...
تحدث دياب بانزعاج واضح، هو لن يخفي ما حدث له أكثر من ذلك:
-فاكر البت اللي ما تتسمى اللي هي السبب أني أسيب الشغل؟!.
ضيق نضال عيناه وغمغم باهتمام شديد وهو يعقد ساعديه:
-ايوة مالها؟! إيه اللي جابها في بالك تاني؟!.
رد دياب عليه بنبرة متشجنة:
-وهي كانت بتروح من بالي يعني؟! ده أنا كل ما بفتكرها ببقى عايز أمسك في زمارة رقبتها أو أرنها علقة...
لم يفهم نضال ما يحدث مما جعله يقول باستغراب:
-طب وإيه المشكلة دلوقتي، إيه اللي حصل جديد يعني؟!..
هتف دياب بنبرة هادئة وهو يعتدل في المقعد البلاستيكي يخبره بما حدث:
-اللي حصل إني صحيت امبارح الصبح عادي جدًا، نزلت اشوف بهية عادي جدًا علشان شمينا ريحة غاز..
تمتم نضال بعدم فهم:
-ما تقول في إيه يا دياب علطول إيه جو الكلمات المتقاطعة ده ما تنطق مرة واحدة..
قال دياب ساخرًا:
-المحروسة هي اللي كانت هتولع في العمارة، طلعت قريبة بهية..
سأله نضال بغباء جعل المتبقى من صبر دياب ينفذ:
-ايوة مين المحروسة دي؟!.
-رانيا..
-رانيا مين؟!..
تمتم دياب يحاول تذكر أسمها هو يحفظ وجهها جيدًا الذي ألقى بالمشروب عليه لكنه ينسى اسمها:
-مش رانيا، راندا...
يسأله نضال بانفعال:
-راندا مين يا ابني ورانيا مين ؟!.
حاول دياب أن يتذكر اسمها وهتف أخيرًا:
-ريناد، اسمها ريناد، هي السبب في طردي اللي اتخانقت معاها يا نضال أنا لقيتها في شقة بهية وطلعت قريبتها...
أقترب نضال منه ومال عليه متحدثًا بنبرة خافتة:
-أنتَ شارب حاجة يا دياب؟! لو الظروف اضطرتك تشرب حاجة قولي ونلحق الموضوع من الأول..
صرخ دياب في وجهه وجذب بعض الأنظار:
-يا عم شارب إيه هو هتكون أنتَ وأبوك عليا؟! ولا شارب ولا منيل، اللي بقوله حقيقي هي صدفة عجيبة وغريبة بس حقيقة شوفتها في وشي وكنت عايز افصل رقبتها عن جسمها بسبب اللي انا عايش فيه طلعت هي بنت ابن اختها....
بدأ نضال يستوعب الأمر ويتذكر قريب بهية التي كان يخبره دياب عنه...
-خلاص يا دياب فكك منها بقا، ريح دماغك منها واكيد يومين وهتمشي ريح دماغك بقا هي كانت سبب، عيشك في المكان ده اتقطع لحد كده بيها أو من غيرها كنت هتمشي..
كاد دياب أن يعقب على حديث صديقه لكن نما إلى سمعه صوت هاتفه المتواجد على الطاولة ألتقطه ليجد المتصل هي خالته -سمر- أجاب عليها باستغراب ليس من عادتها أن تتصل به طوال الوقت تتحدث مع والدته فقط لكن ليس هو......
-الو، ازيك يا خالتو عاملة إيه؟!
ردت عليه سمر بهدوء..
"تمام يا حبيبي أنتَ إيه اخبارك؟!"
-الحمدلله.
سألته سمر بوضوح:
"أنتَ في البيت؟!"
تمتم دياب بـقلقٍ:
-لا على القهوة في حاجة ولا أيه؟!
"أنا عايزاك تجيلي عايزة أتكلم معاك شوية، بخصوص أمك، ومتعرفهاش أنك جاي".
هتف دياب بـتوتر فبدأ قلقه يتفاقم بشكل واضح:
-أنا ابتديت أقلق قولي في إيه علطول؟!.
"تعالي بس أشوفك ونتكلم، أنتَ واحشني يا ابني"
_____________
اتــصـال منه لها اليوم اخبرها فيه بأنه سيأتي لها في المساء.....
ولم يعطها أي تفاصيل واضحة..
لكنها قامت بتحضير العشاء رغم أنها تعلم ما ستفعله...
أما ما سيفعله هو...
بأنه يأتي للشجار لكن لا مانع من تحضير طعام جيد على الأقل لها...
فتح جواد باب المنزل وولج إليه واستقبلت أنفه رائحة الطعام اللذيذة لكن ليس لديه شهية.....
أغلق الباب خلفه ووضع ميدالية مفاتيحه وهاتفه على الطاولة التي قابلها أثناء سيره وهو يتوجه صوب الأريكة ويجلس عليها..
لتأتي رانيا من الداخل وهي ترتدى أحدى مناماتها الحريرية التي تناسبها جدًا، هاتفة:
-نورت يا جواد.
سألها جواد باستغراب وهو ينظر لها:
-أنتِ بتعملي ايه؟!.
ردت عليه بنبرة فاترة لا تناسب ما تقوله من الأساس كأي زوجة ترغب في أن تطعم زوجها:
-بحضر العشاء جعانة جدًا، هتأكل ولا واكل؟!.
-لا واكل أنا مش جاي علشان أكل، أنا جاي علشان أتكلم معاكي...
هتفت رانيا بنبرة عادية ولامبالاة واضحة:
-ماشي مدام مش هتأكل نتكلم بعد ما أكل أنا....
قالتها ونفذتها وتناولت بشهية كبيرة تعكس تمامًا الحالة التي تعيش بها...
يعلم جواد جيدًا بأن هناك بعض الحالات تتناول الطعام ليكن هو المواساة لهم في فترات الحزن لكنها ليست هي...
لكنه بالرغم من ذلك ظل جالسًا ينتظرها حتى بعدما قامت بجمع الأطباق ووضعتها في المطبخ وصنعت مشروبها المفضل ثم جاءت وجلست على الأريكة بجواره وهي تضع قدم فوق الأخرى هاتفة بنبرة ساخرة بعض الشيء:
-غريبة يعني مكنتش متوقعة أنك هتيجي بالسرعة دي، قولت بعد ما طردتني هتقعدلك شهر ولا شهرين عقبال ما تشوف خلقتي أو تفضي نفسك وتيجي...
رد جواد عليها بنبرة بدأ يظهر فيها القليل جدًا من انفعاله الذي يكبحه من الظهور:
-أكيد أنا مش هسيبك شهرين معرفش عنك حاجة؛ لو دي صورتي عندك للأسف يبقى متعرفنيش كويس ولا *** علشان يسيب مراته كل ده لوحدها...
تمتم جواد بغضب:
-أنا بجد مش فاهمك أنتِ مكسلة حتى تمثلي قدام نسمة أنك طايقاها، أتعالجي يا رانيا إيه رأيك؟!
لم يزعجها أقتراحه بل على العكس ردت عليه بسخرية شديدة:
-والله انا معنديش حاجة علشان اتعالج منها نقطة من أول السطر أنا مش حابة أعيش معاها في بيت واحد ولا أعيش مع أي حد في الحالة دي أنا حرة...
قاطعها جواد بنبرة واضحة:
-مش كل الأوقات الانسان حر، لازم الإنسان في ظروف معينة يتصرف بانسانية خصوصًا محدش جبرك باحتكاك مباشر، بس يعني أنا هكلم مين عن الانسانية والاخلاق، لو كان بس عندك منهم شوية كنتي قدرتيني كزوج أولا بيمر بفترة صعبة وثانيًا إني ابن عمك مش غريب ولا نسمة غريبة عنك..
هتفت رانيا باختصار شديد وهي تنظر له ببرود:
-أنا مش حابة أسمع شعارات أنا مش هغير وجهة نظري ولا حتى رأيي مهما قولت يا جواد ومهما حاولت معايا، لذلك أنا بقولك أهو انا مش هقبل بده، ولو دي مسؤولياتك الجديدة، فأنا عايزة أطلق علشان نخلص..
نظر لها جواد مدهوشًا هو توقع شجارًا ضخمًا ولكنه لم يتوقع استسلام أو محاولة لأن تنهي كل شيء، لم يكن يدعي المثالية ولكنه تحدث بصدقٍ..
-رغم كل حاجة حلوة ووحشة مرينا بيها يا رانيا، وحتى لما فكرت أتجوز عليكي، عمري ما فكرت أتخلى عنك، ودايما مهما حصل كان عندي عشم فيكي، بشكل غريب ولغايت وقتنا ده معرفش ليه..
قاطعته رانيا بنبرة جامدة:
-أنا مش هقبل وضع مش عاجبني...
رد جواد عليها بنبرة غاضبة ولكنها فضولية:
-نفسي أفهم إيه مشكلتك مع نسمة؟! إيه مشكلتك أنك حتى لو شوفتيها بالصدفة تقولي صباح الخير أو ازيك، إيه المشكلة لو حاولتي تتعاملي كويس وتقدري الموقف اللي أنا فيه؟! فهميني إيه الصعب أنك تكوني عندك رحمة...
هتفت رانيا بنبرة جادة وهي تهتف:
-المشكلة إني مش بتقبل اقعد في مكان فيه حالة زي دي مش اختك بس، من وأنا صغيرة شايفة أن مفيش شيء يستدعي أرهق نفسي وأقعد مع حد من الحالات دي وعلشان كده أنا مكنتش عايزة أخلف إيه الجديد واللي متعرفهوش يعني؟!......
رد جواد عليها بنبرة ألمتها حقًا تلك المرة:
-لا كان ينفع تخلفي طفل سليم ولا حتى طفل أتولد علشان يدخلك الجنة يا رانيا؛ أنتَ متخلقتيش أنك تدي ولا أتخلقتي أن يكون عندك مشاعر تديها لحتة منك مهما كان فيها، يعني افرضي أنا او أنتَ أو حتى لو كنا خلفنا طفل سليم فيما بعد حصلت له مشاكل صحية كنا هنرميه ولا لو أنا تعبت هترميني؟!!!!.
رغم أن حديثه أوجعها لكنها تحدثت بنبرة ساخرة:
-صدقني مش وقت شعارات ولا محاولات تقنعني أنا مش عايزة أكمل وشايفة أنه أنسب حل ليك وليا أننا نطلق..
-أنتِ شايفة كده؟!.
-أه، وأنا حبيت أتكلم معاك في شوية حاجات قبل الطلاق...
نظر لها جواد باستغراب:
-إيه اللي هنتكلم فيه بعد ما حضرتك قررتي تنهي كل حاجة؟! اعتقد الباقي معروف يعني مؤخرك و...
قاطعته رانيا بنبرة جادة وجشعة:
-دي حاجات روتينية ومعروفة أكيد مش بتكلم في كده، أنا كنت عايزة تكتب الشقة دي باسمي والعربية كمان اللي جيبتهالي في عيد ميلادي اللي فات وساعتها بسبب مشكلة الضرائب والحاجات اللي حصلت في شغلي معرفتش اكتبها باسمي بس دلوقتي الأمور أتحلت..
عقد جواد حاجبيه وتحدث بنبرة غامضة:
-طب العربية مفهومة، لكن اكتبلك الشقة بمناسبة إيه؟!.
تمتمت رانيا ببساطة:
-كده أنا بحب الشقة دي وهفضل قاعدة فيها، اومال هقعد في الشارع أنا بنت عمك أكيد مترضهاش ليا...
خرجت من جواد ضحكة ساخرة لم يستطع أن يكبحها...
رانيا سوف تجلس في الشارع؟!.
من أي جهة؟!
إذا ارادت شراء فيلا في الصباح ليس شقة تفعلها فقط من الأموال الخاصة بالعلامة التجارية التي انتشرت بشكل واسع لها ..
-بتتكلمي كأنك عملتي حتى بصلة القرابة بيني وبينك ولا حتى بينك وبين نسمة...
-اديني هريحك مني..
سألها جواد بنبرة لم تفهمها:
-وإيه شروطك تاني يا أستاذة سمعيني؟!...
أردفت رانيا ببساطة شديدة وكأنها لم تقل شيئًا:
-تكتب ليا أسهم أو نسبة من شركة الأدوية والفرع الرئيسي للمستشفى..
ضحك جواد قائلا بنبرة متهكمة:
-أنتِ مش قادرة تستني وتكملي على ذمتي لغايت ما أموت وتورثيني فعايزة تورثيني وأنا حي يعني ولا إيه؟!..
هزت كتفها بلا مبالاة:
-عمو الله يرحمه جوزنا علشان كده اني أكون ليا في ورثه...
قاطعها جواد بنبرة جادة وحقيقية رغم أنه يشعر بالصدمة مما تقوله:
-كان السبب من جوازنا يا رانيا أنك تكوني جنبنا، حاول يقربك مننا؛ ويخليكي جنبنا، كانت الأسباب حاجات تانية كتير أكتر من شوية فلوس وأسهم...
ابتلع ريقه رغم أنه لأول مرة يدرك جشعها الغريب، ثم تحدث بغضب:
-وبعدين هو مين اللي دفع علشان تفتحي أول فرع غيري؟! وأبويا فضل معاكي في كل فرع جديد بتفتحيه وكل خطوة بتعمليها أنتِ كنتي مديرة شاطرة وناجحة أنك تمشي الدنيا لكن البداية مكنتش تعبك ولا رأس مال يخصك، أنتِ لا أحنا اللي عملنا كده حتى لو أنتِ كملتي..
-بس هو نجاحي، وأنا دي طلباتي علشان نطلق..
تمتم جواد بنبرة جادة ولأول مرة يدرك بشاعة ما يعيشه معها أو مع أحلام حتى:
-العربية هكتبها، الشقة هكتبها علشان بس أنا مقدرك لأخر لحظة ومؤخرك هتأخديه الضعف لكن أسهم في شركات أبويا أو المستشفيات بتاعته لا..
-مستسخر فيا؟!
رد عليها وهو يرفع حاجبيه بدهشة من وقاحتها:
-اه..
______________
-خالتو أنا ولا عايز أشرب ولا عايز حاجة أنا عايز افهم في إيه؟! وماما مالها..
قال دياب تلك الكلمات وهو يجلس في شقة خالته التي تقوم بوضع العصير والكعك أمام ابن شقيقتها...
تمتمت سمر بنبرة متوترة:
-هي كانت ناوية تقولكم بس عماله تأجل وكمان موضوع إيناس ده خلاها مش عارفة تقول قدامكم ازاي وعلشان ظروفك وظروف شغلك بس انا مش حابة أنها تخبي أكتر من كده..
هتف دياب بتردد:
-ايوة تقولنا إيه؟! قولي علطول متقلقنيش أكتر من كده....
ردت سمر عليه بألم وانزعاج:
-أمك عندها كانسر يا دياب ولازم تبدأ تأخد كيماوي، وهي مطنشة بقالها مدة وده خطر عليها لازم نبدأ بالعلاج علشان نقدر نسيطر على الحالة؛ لما كانت بايتة عندي روحت أنا وهي للدكتور سوا...
_______يتبع______
لو وصلتم لهنا...
دمتم بألف خير ونتقابل في فصل جديد ان شاء الله...
متنسوش الفوت والكومنت...
بوتو يحبكم💜💜🙅♀️
الفصل السابع من #عذرًا_لقد_نفذ_رصيدكم
#شارع_خطاب
بقلم #fatma_taha_sultan
____________
اذكروا الله.
دعواتكم لأهلكم في فلسطين والسودان وسوريا ولبنان وجميع البلاد العربية.
_____________________
"الحياة ستحطِّمك عدة مرات، وسترى أمورًا لا تريد رؤيتها، وقد تحزن وتفشل وتُخذل من أقرب الناس لك، ولكن انهض ولا تفقد الأمل أبدًا فيجب أن تتجاوز خوفك، وندمك، وهزيمتك، فإنَّ الحياة لن تقف لتُراعي حزنك، إمَّا أن تقف أنت وتكملها رغم انكسارك أو أنَّك ستبقى طريحًا للأبد."
#مقتبسة
لم تكُن شظيةً من أنفجار، لم تكُن رصاصة من بندقية، كانت كلمة.
#مقتبسة
______________
-أنا اتصلت بيك وخليتك تيجي علشان أفكر معاك يا حبيبي، أمك لازم تبدأ علاج، تأخيرها ده مش في مصلحتها اللي بسمعه أن اليوم بيفرق وكل ما الحالة بتبدأ علاج في الأول بيكون أحسن وأحسن، وأنا مقدرة الظروف..
ابتلعت سمر حديثها وهي تضع كفها الحنون على ذراع دياب متحدثة بعاطفة قوية:
-أنا عارفة الظروف وعارفة أنك عامل اللي عليك وزيادة يا حبيبي، وأنا عمومًا هساعد باللي أقدر عليه، عندي غوشتين هـ....
قاطعها دياب بنبرة واضحة:
-الوضع مش وحش للدرجة دي يا خالتي خلي دهبك معاكي، أنا مموتش علشان حد يصرف على أمي..
قاطعته تلك المرة خالته سمر بتوبيخ واضح:
-يصرف على أمك إيه يا عبيط، ويعني إيه حد؟! دي اختي حبيبتي اللي مليش غيرها في الدنيا، ده لو هبيع هدومي علشانها هعمل كده..
تحدث دياب محاولا ألا يكن فظًا رغم أنه يحاول استيعاب الموقف قدر المُستطاع:
-يا خالتي أنا مش قصدي، بس انا لسه بحاول أجمع اللي قولتيه وفي كل الأحوال خلي معاكي حاجتك أنا امي هعالجها وفي أحسن مكان، أنا قادر على ده ولو احتجت مساعدة أنتِ اول حد هطلب مني أنتِ امي التانية..
هبط وأمسك كفها وقام بتقبيله امتنانًا وتقديرًا لها وهو يحاول كبح دموعه التي على وشك أن تهبط منه...
فهو يشعر بألم شديد يفتك بجسده كله...
سيموت مما سمعه...
رُبما لأول مرة يتألم قلبه حقًا...
أو ليكون صادقًا تلك هي المرة الثانية..
الأولى كانت يوم وفاة والده..
هبط دياب من المنزل بعد وقت ليس طويلًا قضاه مع خالته التي حاولت التهوين عليه وتقديم كل أنواع الدعم التي تستطيع فعلها معه هي وزوجها الذي أتى من العمل ووجد دياب وكان يعرف بالقصة من حُسنية حينما كانت تمكث في منزلهما..
أخيرًا بعد طريق طويل حاول السير فيه قدر المُستطاع عاد إلى المنزل مر على الطابق الأول الذي يعد مهجورًا ثم الثاني التي أصبحت تسكنه مع بهية أكثر إنسانة ازعجته واغضبنه والسبب فيما يحدث فيه رُبما لو كان يعمل الآن لكان الوضع اختلف...
أما الطابق الثالث كانت شقة جده، والتي توراثها فيما بعد والده ثم أصبحت في النهاية له ولعائلته، قد تبدو صغيرة في نظر البعض، لكنها في نظره هي عمره وذكرياته، طفولته، صباه، أحلامه ويأسه حتى شبابه تشهده الآن..
فتح الباب ليجد ابناء شقيقته يشاهدان التلفاز بينما تجلس حور على الطاولة تقوم بالمذاكرة على ما يبدو.......
سار بضعة خطوات والغريب أنه لم يلقي التحية على أي شخص ولج إلى المطبخ مباشرة ليجد ايناس تقوم بغسل الصحون رغم رفض والدتها أن تفعل شيئًا لكنها أخبرتها بأن الجلوس دون فعل شيء هذا أصعب بالنسبة لها ليس راحة...
سألها دياب بنبرة مباشرة:
-ماما فين يا ايناس؟!.
ردت إيناس عليه ببساطة:
-مفيش دخلت ترتاح في اوضتها شوية..
هتف دياب بلهفة وقد شحبت ملامحه في ثواني:
-ليه مالها؟! هي تعبانة؟! حصلت حاجة؟!..
اندهشت إيناس من طريقته وتحدثت بتوضيح بسيط وهي تشعر بالشك تجاهه:
-مفيش يا دياب أنا قولتلها تقعد ترتاح علشان تعبت في عمايل الأكل، في إيه؟! حصلت حاجة ولا إيه؟!.
يعلم بأنه يجب عليه إخبارها لكنه ليس لديه طاقة الأن ليترك الغد يحدث كل ما يجب أن يحدث فيه:
-مفيش أنا كنت عايز أكلمها في موضوع.
ترك إيناس التي أخذت تراقب طيفه وأثره ثم سار بضعة خطوات وطرق عدة طرقات على غرفة والدته ثم فتح الباب حينما أذنت له...
ولج وأغلق الباب خلفه وكانت هي تجلس على الفراش، تشاهد بضعة صور ورقية قديمة لها ولزوجها الراحل، تمتم دياب بنبرة عاطفية:
-إيه وحشك ولا إيه؟!.
ردت حُسنية عليه بحب واضح يظهر في نبرتها وعيناها وحزن عميق لم تستطع السنين إخماده:
-وهو امته راح من بالي علشان يوحشني؟! الانسان بيوحشه اللي بينساه لكن عدى سنين وهو لسه في بالي وصوته لسه في ودني.
جلس دياب بجانبها على الفراش متحدثًا:
-معقول كنتي بتحبيه أوي كده؟!.
ابتسمت حسنية بخجل وكأنها مازالت ابنة السابعة عشر الذي تزوجت حديثًا:
-مكنتش اعرف اني بحبه الحب ده كله، كنت بتكسف اقوله بحبك، بس هو كان بيحبني أوي بس مكنش بيقولها كتير..
ابتسم دياب وقلبه على وشك أن ينفطر وهو يسألها:
-وعرفتي منين أنه بيحبك الحب ده كله وهو مش بيقول كتير؟!.
تنهدت حُسنية وأجابت عليه بتوضيح واستفسار:
-في ضحكته؛ ونظرته، في كل تفصيلة مع بينا، في تقديره ليا، تسلم ايدك اللي بيقولها بعد كل أكله، كان بيراضيني، كان كفايا عندي أنه يروح فرنه العيش البعيدة اللي بتعمل عيش حلو علشان انا بحبه، كنت أحب لما يجي من الشغل يروح يجيبلي أنا الخضار علشان متعبش أو يقابلني في السوق يشيل معايا..
شعر بالألم في نبرتها تحديدًا وهي تخبره:
-عمره ما مد ايده عليا، ولا اتعصب عليا مهما عملت ولا صوته علي عليا، ولا فرج الناس عليا زي ما الرجالة بتعمل، معرفش ليه حصل في بنته كده رغم أنه كان بيراعي ربنا في الكل، فيا وفيكم وفي كل اللي يعرفهم......
تحدث دياب ودمعة فرت من عينه رغمًا عنه وحاول الحديث بنبرة مرحة:
-أهو أنتِ وبهية اللي رافعين سقف توقعاتي زيادة أوي، ومبقاش فيه الكلام ده ليلى علطول فضحاني اني مقصر معاها...
رفعت حُسنية كفها بحب ووضعتها على وجنتيه:
-الست هي زرعتك زي ما هتديها هتديك، وأنتَ بتحصد اللي زرعته؛ ولو الأرض بور دي مش مشكلتك لأنك مهما عملت مش هتحصد.
ضحكت ثم غمغمت بعتاب:
-شوف عمال تخليني أقول إيه وأنا بتكلم في العموم لكن ليلى غلبانة وبتحبك وبعد الجواز هتكون تحت طوعك مش طوع أمها والأمور هتختلف..
أستدار برأسه وترك قُبلة وضعها على كف والدته الموضوع على وجهه تاركًا أمر ليلى تمامًا الآن...
-ليه خبيتي عليا؟!.
سألته حسنية باستغراب:
-خبيت عنك إيه يا ضنايا؟!.
رد دياب عليها وهو يضع كفها بين كفيه ضاغطًا عليه برفق:
-أنا كنت عند خالتي وهي قالتلي كل حاجة..
شحب وجه حُسنية ثم تحدثت بانفعال:
-كده يا سمر والله ليا حساب تاني معاكي..
رد دياب عليها بنبرة حاول جعلها مرحة:
-حرام عليكي ده الست كانت هتخلع الغوشتين اللي حيلتها اللي كل ما تتزنق تبيعهم وتعمل جمعية بعدها تجيبهم تاني، علشانك..
هتفت حُسنية بهدوء:
-أنا كنت هعرفكم بس الظروف مش مناسبة يا ابني وكمان هروح أقدم في ******..
قاطعها دياب بنبرة واضحة:
-مفيش حاجة أهم منك يا امي ولا طلاق إيناس ولا حتى شغلي ولا أي شيء في الدنيا ولازم في أقرب وقت لو بكرا، تبدأي العلاج مش هنستنى ومش هتقدمي في حاجة انا هتصرف..
قالت حُسنية برفض تام:
-هتتصرف منين؟! وبعدين مالها ما كل الناس بتروح يا حبيبي هو أنا بس، وبعدين المستشفيات الخاصة غالية على الفاضي..
-ماما في الموضوع ده مش هنتناقش، هتتعالجي في أحسن مكان، وأنا كفيل بده أهم حاجة صحتك وريني التقارير والحاجة أصورها..
سألته حُسنية باقتضاب:
-ليه؟!.
قال دياب كاذبًا:
-هبعتهم لحد يشوفهم يمكن يكون له وجهه نظر مختلفة عن الدكتور اللي روحتيه..
_____________
استيقظت أحلام في الصباح الباكر..
صنعت بعض الشطائر إلى شقيقتها ولها، حتى تتناولها عند استيقظاها....
وجدت أن الوقت مبكرًا من الممكن أن تنام ساعة أخرى فولجت إلى فراشها بالفعل وكانت على وشك أن تخلد إلى النوم مرة أخرى لكن قاطع رغبتها إتصال ما...
أخذت هاتفها، لتجد أن المتصل....
هو دياب...
تأففت أحلام بانزعاج يبدو أن الموضوع هي بهية سيجعلها تأتي مرة أخرى لها وهي ترغب في الراحة قليلًا...
فكرت في تجاهل المكالمة لكنها في النهاية تنهدت وأجابت عليه:
-ألو..
منذ ليلة أمس وإتيانه من عند خالته وبعدها حديثه مع والدته وهو طوال الليل مستيقظًا...
جالسًا في الشرفة لا يتواجد معه غير سجائره يحرق ذاته بها......
-معلش يا دكتورة بزعجك على الصبح..
قاطعته أحلام بنبرة جادة:
-لا مفيش ازعاج ولا حاجة، هي طنط بهية تعبت تاني ولا إيه؟!.
هتف دياب بتردد:
-لا مش بهية أنا بكلمك بخصوص أمي.
أعتدلت أحلام في جلستها متحدثة باستغراب:
-ليه مالها طنط حُسنية؟!
رد دياب عليها مختصرًا:
-الموضوع طويل أنا صورتلك اشاعات وتقارير وبعتهالك على الواتساب، شوفيها وهتفهمي اكتر المهم هي عندها كانسر في الثدي والدكتور اللي راحت عنده قالها لازم تبدأ كيماوي بس أنتِ عارفة قوائم الانتظار في معاهد الأورام.
شعرت أحلام بالأسف متحدثة:
-ألف سلامة عليها..
-الله يسلمك..
تحدثت أحلام بنبرة عادية:
-طب أقدر أساعد ازاي ولا أعمل إيه؟!
هتف دياب بتوضيح بسيط:
-أنا طول الليل عمال ابحث على النت وفي كل حتة عن دكاترة تكون كويسة وفي الغالب كله بيتكلم عن دكتور ماجد عبدالله شاهين وعرفت أنه بيجي بجانب عيادته الخاصة في المستشفى عندكم مرتين في الأسبوع، أنا اتصلت بالمستشفى وعرفت أن برضو في انتظار.
قالت أحلام بنبرة عملية:
-أه دكتور ماجد صعب تحجز عنده أصلا، هو حتى بيشوف الحالة مرة ومرتين وبعدين بيحدد كورس العلاج وبتكمله الحالة مع المساعدين والدكاترة اللي شغالين معاه، بس هو كشفه غالي أوي والعلاج عنده و.....
قاطعها دياب بنبرة واضحة:
-عارف أنه غالي لأني اتصلت بالمستشفى ومش دي المشكلة أنا متصل بيكي بس علشان لو تقدري بأي طريقة تحجزي لينا أنتِ في أقرب فرصة النهاردة قبل بكرا هتعرفي؟!.
تحدثت أحلام بنبرة جادة:
-لا هعرف منين...
ثم صمتت لثواني معدودة وهي تفكر في هذا الحديث الذي يبدو جيدًا نوعًا ما هذا يخلق نوع من الحديث معها ومع جواد الذي يتجاهلها تمامًا...
وهي لا تستطيع خسارته الآن...
الشكر لدياب بأنه أعطاها سبب للحديث معه
قالت أحلام قبل أن يتحدث دياب:
-بُص هحاول وهكلمك او عرفت أحجز بس هحاول لما اروح المستشفى هتصرف...
_____________
كل ما يحدث يصيبها بالتوتر...
العيش في هذا المنزل لا تتقبله...
ولكنها لا تقبل بأن تسجن في المنزل مرة أخرى تحاول التفكير في الأمر لعلها تجد حل...
لذلك تحاول أن تكسب وقت...
هل تذهب إلى الجامعة في الغد؟!!
تعلم بأن هناك فارق كبير بين الجامعات الدولية والجامعات الحكومية...
ولكن ماذا تفعل؟!!
أي شيء أفضل من جلوسها في هذا المنزل الغريب جدًا بالنسبة لها، والغريب بأن بهية نهضت وصنعت الطعام، صدقًا هي تشك بأن تلك المرأة ترى..
هي تصنع الطعام وتحفظ مطبخها وكل تفصيلة فيه بشكل غريب أكثر مما يبصرون والغريب جدًا أنه حينما جعلتها تتناول الطعام أعجبت بيه بشكل رهيب...
رُبما أنه كان أفضل شيء تناولته..
هي أمرأة مثيرة للاهتمام حقًا...
جاء والدها ليلة أمس ومعه بعض الاغراض، والطعام والمعلبات وبعض احتياجات المنزل، وكان رد ريناد عليه أنها لا تستطيع الطهي من الأساس لا ينقصها الامكانيات أو المعدات.....
ينقصها المهارة نفسها..
الغريب أن بهية لم تخبره بما فعلته، أنها تناست الغاز، ولم تخبره حتى بأنها قد مرضت وهذا جعل ريناد تشعر بالاستغراب الشديد...
لذلك اليوم قررت أن تتحدث مع تلك المرأة العجيبة التي مازالت تراها غريبة ولا تتقبلها...
كما لا تتقبل المكان لكنها مثيرة للاهتمام وأثارت فضولها بشكل كبير، فقط أكثر شيء يزعجه هذا الشاب الغليظ...
المستفز...
-أنتِ ليه مقولتيش امبارح قدامه عن اللي حصل؟!
هتفت بهية وهي تجلس على الاريكة المتهالكة ويتواجد بين يديها السبحة الخاصة بها..
-كده علشان هو زي اللي مشحون وهيفرقع من كتر الشحن اللي فيه، وعلى أخره مش حمل يسمع حاجة عن كونك مهملة...
قالت ريناد بانزعاج واضح وهي تجلس على المقعد:
-على أساس أنه متوقع يعني إني هعرف اعمل حاجة؟! هو سايبني هنا علشان يعاقبني وهو عارف كويس إني مبعرفش اعمل اي حاجة...
ردت عليها بهية ببساطة:
-بالعكس ده بيقدم ليكي احسن حاجة هيعملها في حياتك أنك تكوني انسانة مسؤولة عن نفسك..
لم يعجبها ريناد حديث بهية وانقلبت ملامحها مما جعل بهية تسترسل حديثها:
-ميغركيش أنا دلوقتي، أنا كنت دلوعة أوي زمان مبعرفش أعمل أي حاجة ولا بشيل الورقة من الارض زمان جدتك اتجوزت، وانا كنت مخطوبة بس خطيبي مات قبل الفرح، بعدها السنين عدت وفقدت امي وابويا وبعدين اختي، من بعدها الصاحب أو القريب اللي كان بيسأل الدنيا لاهته ومبقاش يسأل..
ابتلعت ريقها ثم تحدثت بنبرة هادئة:
-اتحولت من واحدة مبتعرفش تحط لنفسها جبنة في سندوتش فينو، لواحدة بتروح تقف في طوابير العيش، وتروح تجيب التموين، تنظف شفاط المطبخ، لو تعبت تأخد نفسها وتروح للدكتور لأن مبقاش في اللي يشوفك تعبانة ويقولك اوديكي للدكتور ويتحايل عليكي...
كانت بهية تحدثها وتنظر في ناحية أخرى صمتت لثواني ثم أردفت:
- حتى لما فقدت نظري بقيت معتمدة على نفسي أكتر، لو فضلتي انسانة غير مسوؤلة على نفسك وعلى حياتك وعلى ابوكي وسمعته ده هيخليكي تخسري كل النعم اللي ربنا أنعم عليكي بيها، المال والبنون زينة الحياة الدنيا، يعني المال ده رزق كبير ونعمة أنتِ فاكرة أنه شيء عادي لكن هو مش كده..
هتفت ريناد بانزعاج رغم أن الحديث أصابها لكنها كانت تكابر:
-أنا مش عيلة صغيرة ومش معنى أن الانسان غلط أنه يتحرم من كل حاجة في حياته..
ضحكت بهية ثم أردفت بنبرة جادة:
-أبوكي متهاون أوي يا ريناد واحد غيره كان عمل فيكي اللي محدش عمله؛ لكنه معملش أي حاجة لمجرد بس أنه جابك هنا وغيرتي الجامعة وسحب منك الفيزا والابصر إيه بتاعكم بقى عقاب؟!.
قالت ريناد بنبرة منزعجة:
-مهما اتكلمت محدش هيفهمني...
-حاولي تعملي تصرفات تخلي ابوكي يفهمك، روحي جامعتك واجتهدي، واعملي اللي يخلي ابوكي يثق فيكي من تاني...
تجاهلت ريناد هذا كله ثم تحدثت بـضيقٍ:
-هو صحيح اللي جه امبارح هو والبنت اللي معاه مين دول؟!..
ردت عليها بهية بعفوية:
-ما أنا قولتلك أنه جيراني وساكنين فوقينا..
تحدثت ريناد باعتراض:
-ماشي بس ازاي معاه مفتاح ويدخل بمزاجه مرة واحدة كده نلاقيه قصادنا..
وضحت بهية لها الأمر ببساطة:
-أنا مدياله مفتاح علشان لو حصلي حاجة يقدر يفتح ويلاقوني، وكمان هو دخل أكيد علشان ريحة الغاز، وبعدين أنتِ حطاه فوق دماغك ليه؟!..
صاحت ريناد مستنكرة:
-وأنا هحطه في دماغي ليه يعني؟!.
____________
في نهاية كل أسبوع..
تحديدًا اليوم الذي يليه الإجازة..
هو اليوم الذي يخرج فيه سلامة مع خطيبته جهاد حتى ولو كان هناك شجار قائم بينهما لا يؤثر أبدًا على هذا اليوم..
تتناول جهاد "البيتزا" وسلامة يجلس قبالتها، هو يكره الزيتون الذي يضاف على البيتزا وقد تناسى أمر إخبار النادل بطلبه لذلك أتت البيتزا وفوقها قطع من الزيتون الأسود..
أخذت جهاد تقوم بإبعادها باستخدام "الشوكة" ببساطة شديدة من البيتزا الخاصة به تحت انظاره..
-خلاص يا جهاد مش لازم هأكلها وخلاص.
عقبت جهاد على حديثه رافضة الأمر:
-لا طبعًا مينفعش تأكلها وأنتَ مضايق، خلاص أهو أنا بشيل من نص البيتزا بتاعتك وأنا هاخد النص بتاعي، وهديك من بتاعتي وهي مفيهاش زتون..
قالتها جهاد ببساطة وحنان كأنها تعامل طفلها...
وهذا هو مشهد بسيط جدًا من التناقض الذي يعيشه الاثنان سويًا...
أنتهت أخيرًا مما تفعله وقامت بالتقسيم...
ثم أخذ الاثنان يتناولا الطعام وفي المنتصف توقفت ثم قامت بفتح المياة الغازية ووضعتها أمامه قبل حتى أن تفتح خاصتها...
تحدث سلامة مقاطعًا هذا الصمت بنبرة عقلانية وهادئة:
-أنا كلمت الراجل وهو قال وراه شغلانة كده هيخلصها ويجي يوريكي الألوان اللي كانت معاه وتقارني اللي اخترتيه باللي هو عمله، ولو كده هيغيره...
قاطعته جهاد بنبرة هادئة وكأنها لم تكن تلك الفتاة التي تشاجرت معه في الشارع أمام شقيقتها وشقيقه:
-خلاص يا سلامة مش مهم، مش لازم تتعب نفسك وتكلف نفسك من تاني...
تمتم سلامة بجدية كأنه رجل أخر غير الذي كان يتهمها بأنها هي من تصنع المشاكل دون سبب وجية..
-لا مدام شيء مش عاجبك لازم يتغير دي شقتك اللي أنتِ هتقعدي فيها، ولازم تكوني مرتاحة لكل تفصيلة فيها مهما كانت هي إيه تتغير..
ردت جهاد عليه بنبرة عاطفية وحنونة خافتة عن المعتاد:
-كفايا تفكيرك فيا وتقديرك ليا وده عندي بالدنيا يا سلامة ومش مهم أي حاجة تانية وأنا لما روحت البيت وشوفت الصور حسيت فعلا أنها نفس الدرجة وممكن أنا ساعتها مكنتش شايفة كويس.
أخذ سلامة رشفة من المشروب ثم قال بتصميم واضح:
-ماشي بس برضو لازم الراجل يجي وتكوني موجودة أنتِ وطنط أو أنتِ وسلمي..
-ملهوش لزوم تتعب نفسك..
-تعبك راحة..
ابتسمت له بحياء، ثم غمغم سلامة بنبرة هادئة لكنها أكثر جدية:
-عايزين نقعد بقا ونحدد ميعاد كتب الكتاب والفرح بما أن أغلب الحاجات يعتبر خلصت والشقة يعتبر خلصانة خلاص، والعفش على أخر الاسبوع هيجي، وأنتِ قولتي يعتبر خلصتوا كل حاجة.
هتفت جهاد بحماس رهيب وهي تخبره:
-والله كويس انك اتكلمت في الموضوع ده كنت أصلا لسه عايزة أتكلم معاك أنا مش حابة أن نكتب كتب الكتاب يوم الفرح..
سألها سلامة بفضول وبسمة لا تفارق وجهه:
-نكتبه يوم الحنة؟! ولا عايزة نكتب في مسجد قبلها بشوية؟!.
قالت جهاد بنبرة هادئة وهي تحاول التفسير له:
-أنا قولت يعني أننا نعمل كتب الكتاب يوم منفصل، علشان بيأكل من وقت الفرح وبتحس أن مفيش وقت فأحنا نعمله في قاعة كده صغيرة، ونعمل سيشن حلو والبس فستان أبيض بسيط...
قاطعها سلامة بسخرية:
-لا جو البلوجرز ده وجو الناس الفاضية اللي كل مناسبة يوم ده لا، أنا عايز يوم واحد انا بروح الافراح بالعافية مش علشان اعمل كل مناسبة فرح..
ردت جهاد عليه بنبرة منزعجة وكأن أحدهم ضغط بالزر حتى يتحول هذا اللقاء الجميل والبسيط إلى أخر..
تحديدًا تحول إلى شــجــار....
-مهوا كل حاجة بمزاجك، لما جهاد تقول حاجة يبقى لا، لكن لو انتَ اللي عايز الحاجة دي كنت فضلت تقنعني وفضلت تزن على دماغي...
تحدث سلامة بنبرة متشنجة:
-والله كمان بقيت انا اللي غلطان ولا أنتَ اللي عايزة مشكلة، هو الفرح أخرك معايا لو عايزة تكتبي كتب الكتاب في يوم تاني يكون في مسجد أو يوم الحنة ده أخرك معايا..
تحدثت جهاد باختصار:
-لو سمحت روحني....
____________
-جواد أنتَ متأكد من موضوع الشقة ده؟! مش من حقها تأخدها على فكرة، أنا بجد مش موافق على ده، طب العربية ماشي علشان دي هدية عيد ميلادها كده كده، لكن الشقة ليه؟!
كان هذا تعقيب المحامي الذي على الهاتف ويتحدث مع جواد الذي بمثابة شقيق وصديق عزيز له..
رد جواد عليه الذي يجلس على المكتب متحدثًا بانزعاج واضح:
-خلاص يا أحمد، أنا بعمل بأصلي معاها لغايت أخر لحظة ولو هي عايزة الشقة تشبع بيها متفرقش معايا في حاجة جهز الأوراق وخلصنا من الموضوع ده..
طرقات خافتة على الباب هي ما ازعجته لذلك تحدث جواد قبل أن يغلق المكالمة:
-هقفل دلوقتي وهرجع أكلمك تاني سلام..
انتهت المكالمة فهتف جواد بنبرة مرتفعة:
-ادخل..
ولجت أحلام من الباب وصدقًا تحولت ملامحه إلى أخرى غاضبة ومغتاظة في ثواني....
لا يعرف أين تلك "السكرتيرة" التي تسمح دومًا بدخولها دون إخباره حتى، لن يصمت على هذا الأمر مرة أخرى...
دخلت أحلام وأغلقت الباب خلفها، ثم أقتربت منه متحدثة بنبرة هادئة:
-بعتلك على الواتساب مردتش عليا يعني؟!.
رد جواد عليها بنبرة جادة:
-مشوفتش حاجة، في إيه؟!.
تمتمت أحلام وهي تجلس على المقعد متحدثة بهدوء محاولة استمالته رُبما كونها أنسانة محبة للخير لا تعلم ولكنها تبحث عن أي شيء حتى لا ينتهي الحديث بينهما والشكر إلى دياب أنه أعطاها تلك الفرصة.................
-باعتة ليك تقارير وحاجات وعايزة منك خدمة لو ينفع.
تحدث جواد وهو يعقد حاجبيه ويعقد ساعديه:
-خدمة إيه وتقارير إيه اللي بعتيها دي؟!.
-مامت صاحبتي وجارتي عندها كانسر وكنت محتاجة تحجزلي عند ماجد عبدالله أقرب ميعاد لأني حاولت وهيقعدونا على الويتنج كتير أعتقد دي مش حاجة صعبة عليك..
صمت جواد لثواني ثم تحدث بنبرة هادئة كونه شيء يستطيع فعله سيفعله...
ليس من أجلها من أجل المريضة..
-هكلمه النهاردة هقوله، وهبعتله التقارير اللي بتقولي عليها وهقولك..
تحدثت أحلام بامتنان حقيقي له:
-شكرًا يا جواد دايما تاعباك معايا كده.
رد جواد عليها باقتضاب:
-العفو.
رغم أن الحديث على ما يبدو قد انتهى إلا أنها لم ترغب في أن ينتهي بتلك السرعة لذلك قالت:
-سمعت أنك من بكرا هترجع تاني الشغل بدل ما كنت سايب الحالات مع دكتور ياسر..
-اه، يمكن رجوعي الشغل يكون أحسن وخلاص قعدت بما يكفي ومينفعش يفضل الباقية مضغوطين كل ده بسبب غيابي.
تمتمت أحلام بهدوء:
-ربنا يصبرك وده أحسن قرار فعلا، مش أنا قدمت في سفرية لـ ألمانيا في جامعة *******.
رد جواد عليها رد مختصر تمامًا:
-كويس ربنا معاكي.
لم يعرض عليها أي نوع من المساعدة المادية أو المعنوية كعادته..
لم يعترض عليها أي شيء...
لم ينزعج من فكرة سفرها..
لم يسألها حتى كيف فعلتها؟!....
أنه يتخلى عنها بشكل رسمي....
هذا ما جعلها تنهض وتتركه دون قول أي شيء...
يبدو أنها سوف تتجه إلى الحل الأخير......
من أجل أن تذهب إلى ألمانيا ولن تؤجل الأمر مهما كلفها؛ جواد لم يعد يهتم بوجودها......
___________
-خلاص يا سلامة أنا مش زعلانة والله، متشغلش بالك...
قالتها جهاد وهي جالسة على فراشها، بينما شقيقتها مستقلية على الفراش الذي يجاورها وعلى ما يبدو أنها نائمة...
"لا زعلتي يا جهاد هو أنا مش عارفك يعني، ده أنتِ زعلتي وقبلتي وشك كمان".
أردفت جهاد بنبرة جادة وهي تلف أحدى خصلات شعرها على أصبعها:
-معاك حق، هي فكرة مش لذيذة أوي أنا لما فكرت مع نفسي حسيتها مش أحسن حاجة، وكمان تكاليف على الفاضي، وفرهدة، أنا أصلا كنت بتكلم معاك بصوت عالي وبفكر مكنش قرار أنا أخدته يعني..
جاءها صوته من الهاتف بنبرة حنونة:
"متأكدة أنك مش زعلانة مني؟!".
-أيوة مدام الدبلة في أيدي لسه يبقى احنا في السليم وبعدين أنا مقدرش أزعل منك..
"على رأيك مدام الشبكة مش عندنا على السفرة يبقى العلاقة لسه بخير"
تحدثت جهاد بنبرة هادئة:
-يلا بقا تصبح على خير أنا تعبانة وعايزة أنام.
هتف سلامة بنبرة هادئة:
"وأنتِ من أهل الخير يارب يلا سلام بقا"
-سلام إيه هو أنتَ لما صدقت تقفل معايا؟!.
رد سلامة عليها بعدم فهم:
"هو أنتِ عايزة مشكلة وخلاص، ده أنتِ تعبانة في دماغك، سلام يابت"
ضحكت جهاد فهي كانت ترغب في المرح معه فقط ثم أردفت:
-سلام..
أنهت حديثها ونهضت من مكانها ثم ذهبت إلى فراش سلمى تستلقي بجانبها عنوة مما جعل سلمى تصيح التي لم تكن قد ذهبت إلى النوم بشكل عميق..
-في إيه يا جاموسة أنتِ؟!.
هتفت جهاد ببساطة وهي تحاول رفع الغطاء والنوم بجوارها:
-الجو سقعة هناك جنبك أنتِ تدفيني وسريرك دافي عن سريري علشان نايمة بقالك كتير..
أستدارت سلمى تنظر لها بملامح غاضبة:
-هو اللي يعيش معاكي في اوضة واحدة بيعرف ينام أساسًا؟!..
وضعت جهاد رأسها على كتف سلمى بأريحية شديدة:
-بكرا لما اتجوز تقولي ولا يوم من أيامك يا جهاد يا حبيبتي ياللي كنت مالية عليا حياتي يا جهاد برخامتك يا جهاد وتبصي على سريري وتعيطي كده..
صاحت سلمى باستنكار وهي تحاول أن تبتعد عنها:
-يا بت ابعدي عني كده، وبعدين اتجوزي بكرا وانا مش هنطق بحرف، هصلي ركعتين شكر لما ارجع من فرحك إني خلصت منك..
احتضنتها جهاد بحب هاتفة بإصرار:
-من ورا قلبك أكيد الحقيقة أنك بتموتي فيا...
-بموت منك..
رفعت جهاد يدها ووضعتها على خصلات سلمى متحدثة باستنكار:
-إيه روتين شعرك يا أنسة سلمى؟! ده أنا مهما بحط على شعري مش بيصون العيش والملح..
تحدثت سلمى ساخرة:
- جينات ورثت شعر أبوكي وعماتك الحلو، الحاجة العدلة اللي اخدتها منه..
قالت جهاد بنبرة مبهمة وهي تنظر إلى شقيقتها:
-تفتكري هو عايش ازاي؟!.
تنهدت سلمى ثم أردفت بألمٍ واضح:
-يعيش ولا يموت ميفرقش كتير هو مات من يوم ما طلق أمك ومشي يا جهاد، مات من يومها في نظري...
تمتمت جهاد بتردد:
-مش يمكن له أسباب..
-أسباب في عينك أنتِ كمان عملته ملهاش أسباب، أنتِ عبيطة؟!.
تحدثت جهاد بنبرة منطقية وهي تدافع عن نفسها:
-عارفة أكيد، بس كل الحكاية إني بحاول أفكر معاكي بصوت عالي يعني، بحاول ألاقي سبب..
-جهاد لو مش عايزاني أقوم اصوت في عز الليل واجيبك من شعرك ونصحي أمك يبقى تسكتي وتقفلي على السيرة دي..
أردفت جهاد باعتراض وهي مازالت تحتضنها:
-ده اللي يتناقش معاكي يموت نفسه قبلها أحسن، يا ساتر مش مدية فرصة لحد يتكلم ولا يقول رأيه إيه الاضهطاد ده؟!
غمغمت سلمى بعصبية مُفرطة فالحديث عن والدها هو أكثر شيء يزعجها في الحياة:
-مدام مش طايقاني روحي نامي على سريرك أنتِ مش عيلة صغيرة.....
تمتمت جهاد بنبرة هادئة:
-لا مش هسيبك برضو مهما تعملي بحبك يا ستي...
-وأنا كمان بحبك.
___________
في اليوم التالي...
يقف نضال في الشرفة، يراقب الرائح والغادي...
هو بالفعل يحاول تجاهلها...
وينجح في ذلك لكن بينه وبين نفسه هو منزعج وغاضب بشكل كبير،...
فـ وراء قناعه الغاضب ثوران شديد..
خرجت سامية من أفكاره ومن المنزل في الوقت ذاته ليشاهدها وهي تخرج من البناية...
تسير حتى اختفى طيفها من أمامه وخرجت من الشارع، لم تكن تحمل حقائبهما الكثيرة الخاصة بالعمل...
فـ إلى أين هي ذاهبة يا ترى؟!..
يسيطر على نفسه بصعوبة كبيرة..
لكن لحسن الحظ هو يفعل في النهاية...
...بعد مرور ساعة تقريبًا...
هبط نضال من الشقة ثم إلى الطابق الخاص بشقة عمه ليجد الباب مفتوحًا وقف لمدة دقيقة تقريبًا ووجد انتصار تخرج من الشقة وهي تحمل حقيبة يدها وترتدي عبائتها السوداء..
ما أن وجدته أمامها تحدثت برفقٍ:
-ازيك يا نضال يا ابني عامل إيه؟!.
تحدث نضال بأدب واحترام:
-الحمدلله بخير، أنتِ إيه اخبارك رايحة فين؟!.
هتفت انتصار بهدوء ونبرة لينة:
-بخير الحمدلله، رايحة اشوف اخويا تعبان شوية.
رد نضال وهو يعرض عليها:
-ألف سلامة عليه، خلاص تعالي اوصلك المشوار مش بعيد أساسًا.
غمغمت انتصار بنبرة هادئة:
-لا متتعبش نفسك يا ابني أنا هاخد تاكسي أول ما أخرج من الشارع، ملهوش لزوم.
-لا مفيش تعب ولا حاجة ده مش هنكمل تلت ساعة وبعدين أنا مواريش حاجة أساسًا
ثم سألها بنبرة تبدو عفوية وكأنه لا يعلم بأن سامية غادرت منذ وقتٍ طويل:
-هي سامية مش رايحة معاكي ولا إيه؟!.
أجابته انتصار بتلقائية وهي تنظر له:
-البت سامية راحت تقابل واحدة صاحبتها من أيام المدرسة مشافتهاش...
سامية لا تمتلك صديقات مقربة وكل مدة لديها صديقة مختلفة ليس من طباعها هو مقابلة صديقاتها القدامي.......
وهذا ما جعله يشعر بالشك هو يحفظها ويعرفها جيدًا لكنه صمت لأنه لا يمتلك دليل واضح...
ورُبما هو يقوم بتضخيم الأمر لأنه منزعجًا منها...
بعد ساعة قام فيها نضال بتوصيل انتصار إلى منزل شقيقها عاد مرة أخرى إلى المطعم ليجلس على أحدى المقاعد شاردًا تارة في سامية وتارة أخرى في دياب الذي يشعر باختفاءه...
من عادة دياب تحديدًا في الآونة الأخيرة...
طوال الوقت أن يكون جالسًا معه لأنه لا يفضل الجلوس في المنزل هذا الوقت كله بسبب فقدانه لعمله.........
قرر نضال الاتصال به....
______________
في أحدى المناطق البعيدة قليلًا عن المنطقة الذي يتواجد بها شارع خطاب كان دياب يقوم بتنزيل الورقة الضخمة الكرتونية الذي قام بتنزيلها بواسطة حبل صغير من النافذة...
كان معه حارس البناية..
وكان هو في شقة الزوجية الخاصة به التي كانت شارفت على الانتهاء...
هتف دياب بعدما انتهى مما كان يفعله وهو يوجه حديثه إلى الرجل الذي يجلس معه...
-لو أي حد جه أنا سايب معاك المفتاح، فرجه على الشقة وكلمني وأنا برضو صورت الشقة وهنزلها على النت.
غمغم الرجل بنبرة جادة وهو يبتسم:
-حاضر يا دياب بيه بس أبقى شوفني..
ضحك دياب ثم أردف من وسط همه:
-حاضر هشوف حد يشوفني ويشوفك أنتَ كمان يا عم احمد......
ضحك الرجل ثم غمغم ببساطة:
-ماشي أنا نازل بقا علشان ورايا حاجات اعملها ابقي عدى عليا وأنتَ ماشي..
قالها الرجل ثم رحل، فـ نما إلى مسمع دياب صوت هاتفة ليجد صديقه نضال يتصل به....
أجاب نضال عليه بهدوء:
-ألو يا نضال، في إيه؟!.
جاءه صوت نضال ساخرًا:
"متصل أحب فيك تسمحلي أحب فيك؟!"
- لا شكرا اليومين دول مش طايق نفسي ولا طايق حد يحب فيا ولا طايق حد يتكلم جنب ودني أساسا..
ضحك نضال ثم سأله باهتمام:
-أنتَ فين طيب؟! مختفي ليه وملكش حس؟! في البيت ولا إيه؟!.
-لا مش في البيت.
تحدث نضال باستغراب:
-اومال فين؟!.
غمغم دياب متشنجًا:
-هو أنتَ خطيبتي؟! ده خطيبتي من كتر ما أنا مش طايق نفسي بطلت تسأل السؤال ده..
-اخلص أنتَ فين؟!، أنا بخاف منك لما تختفي أكيد يا بتعمل مصيبة يا بترقد لحاجة..
عقب دياب بسخرية:
-في مشوار يا نضال وخلاص جاي قدامي ساعة ولا حاجة واكون على القهوة..
-خلاص ماشي هستناك...
____________
الذهاب إلى " الكافية" الخاص بـ حمزة...
كان هو ما يهمها اليوم...
فهي تجهزت كثيرًا من أجل هذا اليوم...
أخبرته بأنها سوف تأتي..
وهذا لم تفعله بمفردها بل هو من ألح عليها من خلال اتصالاته المستمرة بها، والرسائل العديدة أنه يرغب بأن تأتي له حتى يراها....
فهي أرتدت ملابس جديدة كليًا لم ترتديها في السابق من أجل رؤيته وتتمنى أن تنال إعجابه..
وقفت أمام الموقع الخاص به ثم اتصلت به ليجيب عليها:
-ألو، فينك دلوقتي؟!..
عقبت سامية على حديثه بهدوء:
-أنا برا أهو.
-هجيلك أركن العربية منك استني..
قاطعته سامية بتردد:
-لا أنا جاية من غير العربية...
كان هذا تعقيبها قبل أن تمر دقيقتان تقريبًا وكان يقف حمزة أمامها يصافحها بترحاب كبير، ثم أخذها لتجلس معه في الداخل على أحدى الطاولات وطلب لها أحدى العصائر كما رغبت على أن يؤجل الغداء إلى أن يرحب بها ويتحدث معها قليلا..
تحدث حمزة بانزعاج واضح وهو يجلس بجوارها على المقعد الخاص به والمجاور لمقعدها:
-طب ومدام مجتيش بالعربية ليه مقولتيش إني أجي اخدك أحسن ما تتبهدلي في المواصلات..
غمغمت سامية بتوضيح بسيط:
-أنا جيت في ****، وبعدين العربية جت بس برخصها وخلاص بكرا أو بعده هتكون معايا ان شاء الله وهمشي بيها براحتي.
غمغم حمزة بإصرار على موقفه:
- بس برضو كان لازم تقوليلي وأقابلك وحتى لو علشان اللي جه عملك مشكلة ده كان ممكن اقابلك برا شوية عن شارعكم أنا بجد كل ما بفتكر اللي حصل بضايق..
شعرت سامية بالحرج الشديد ولكنها حاولت قول أي شيء:
-يعني الموضوع مش زي ما أنتَ فاهم..
تحدث حمزة بنبرة غاضبة:
-لا الموضوع واضح، عمك وابنه بيدخلوا في حياتك زيادة عن اللزوم بشكل يضايق ومعرفش أنتِ ازاي سامحة ليهم بكده..
ردت سامية عليه بنبرة هادئة وجادة:
-عمي كويس جدًا معايا بصراحة هو نضال اللي صعب شوية وكده بس يعني هو مبقاش له علاقة بيا..
-وده الصح أنه ملهوش علاقة بيكي ولا من حقه يقولك أي حاجة، أنتِ حرة في حياتك ومش من حق أي بني أدم يقولك أي حاجة وبعدين أنتِ مش هتفضلي قاعدة ليهم العمر كله يعني مصيرك هتتجوزي ومش هتفضلي تحت سيطرتهم اكيد..
ابتسمت سامية له بتردد وحاول أن يخفف حمزة من حدة الاجواء متحدث بلباقة:
-وبعدين أنا معاكي وموجود في أي وقت حبيتي أنك تتكلمي مع حد أو احتاجتي أي حاجة، اتصلي بيا بس أو ابعتيلي ماسدج وهتلاقيني معاكي..
توترت سامية وشعرت بالخجل والحرج في الوقت ذاته متحدثة:
-الموضوع مش زي ما أنتَ فاكر والله يعني الأمور مش بالشكل اللي أنتَ متخيلة عمي حد كويس جدًا وبيعملي كل اللي أنا عايزاه ومعتبرني زي بنته ويعني لو اعترض على حاجة بيكون لمصلحتي مش اكتر وحتى لو على نضال هو بيقدر يوقفه..
ابتسم لها حمزة ثم حاول أن يشرح موقفه لها:
-أنا اسف لو بدخل في حياتك بس كل الحكاية إني من ساعة اللي حصل اليوم اللي وصلتك فيه وأنا بجد مخنوق جدًا من اللي حصل، عارف إني مليش حق أتكلم بس أنا مش متحمل، وأهم حاجة زي ما قولتلك ده مش كلام بقوله وخلاص أنا معاكي وقت ما تحتاجيني فيه..
هزت رأسها بامتنان متحدثة بحياء:
-شكرًا يا حمزة ربنا يخليك ليا..
-مفيش حاجة مستاهلة الشكر دي أقل حاجة أقدر أقدمها ليكي..
صمت لثواني ثم غمغم بنبرة هادئة:
-المهم بلاش نتكلم في المواضيع اللي زي دي قوليلي تأكلي إيه؟! احنا عندنا هنا في المنيو حاجات حلوة جدًا، والباستا بجد خيال بكل أشكالها..
هتفت سامية برفض:
-لا والله ملهوش لزوم تتعب نفسك و...
قاطعها حمزة برفض وعتاب واضح:
-اتعب نفسي إيه بس، متزعلنيش منك بقا، وبعدين أنتِ لسه مقومتيش وشوفتي الكافية وشوفتي المطبخ وشوفتي مكتبي جوا، ولا شوفتي المكان كويس أنا مستني الفرصة دي بقالي كتير إني اشوفك وتقعدي معايا، في حاجات كتير أوي محتاجين نتكلم فيها.....
ابتلع ريقه ثم ابتسم لها حتى أن غمازتيه قد ظهرت أمامها متحدثًا بطريقة لينة:
-إيه هتشوفي المنيو ولا تحبي أطلب ليكي أنا حاجة على ذوقي؟!!...
ردت سامية عليه بـ رقة:
-تمام خلينا على ذوقك.
غير مجرى الحديث تمامًا هاتفًا وهو يناظرها متفحصًا كل خلية بها:
-شكلك حلو بالطرحة، ستايلك حلو بيها أكتر من التربون والسكارف واكتر من شعرك..
سألته سامية باستنكار:
-بجد؟!..
-اه بجد، أنا كنت مستغرب عمومًا أنتِ كنتي جاية فرح ياسمين من غير الطرحة ليه..
شعرت سامية بالخجل وهي تخبره:
-يعني أنا بحاول اتعود وكده وربنا يهديني وبحاول مع نفسي التزم..
تحدث حمزة بإطراء لطيف:
-عمومًا أنتِ شكلك حلو في أي حاجة، أهم حاجة تكوني راضية عن شكلك وحاسة نفسك حلوة..
____________
...بعد مرور عدة أيام...
-سيب الموبايل..
قالت ليلى تلك الكلمات وهي تقف أمام ابن شقيقتها البالغ من العمر ستة سنوات والذي يلعب بـ هاتفها الخاص.....
رد عليها الصبي ببرود يغضبها وهو يعطي كامل تركيزه إلى اللعبة التي يقوم بـ لعبها على هاتف ليلى..
-أخر جيم سبيني بقا..
صرخت ليلى بانزعاج مما يحدث...
منذ أن تطلقت شقيقتها منذ عام تقريبًا لا تأخذ راحتها في المنزل تمامًا، تحديدًا حينما بدأ ذلك الرجل في الدخول إلى حياة شقيقتها والذي أصبح خطيبًا لها....
تحولت حياة ليلى إلى جحيم بسبب المقارنات التي ترهقها طوال الوقت من قِبل والدتها...
ولجت والدة ليلى إلى المنزل وأغلقت الباب خلفها بوجه غاضب فتحدثت ليلى بنبرة غاضبة:
-ماما خلي يوسف يديني الموبايل..
هتفت والدتها بثورة ونبرة عالية:
-سيبك من الموبايل ومن الزفت على دماغك ده وتعاليلي هنا..
نظرت ليلى إلى والدتها باستغراب متمتمة:
-في إيه يا ماما؟!..
سألتها والدتها بانفعال واضح:
-هو دياب اشتغل على توكتوك؟! أنا شوفته من بعيد وأنا في السوق بس عمالة أكدب نفسي إني غلطت مع ان عيني لقطته...
توترت ليلى بشكل كبير متحدثة بتردد:
-ايوة يا ماما..
امسكتها والدتها من يدها هادرة بعنف كبير:
-أيوة يا ماما إيه؟!.
تأوهت ليلى ثم أردفت:
-ايوة اشتغلها بس مؤقتًا والله لغايت بس ما يلاقي شغل وبعدين أنتِ عارفة الظروف اللي هو فيها..
صاحت والدتها مستنكرة وساخرة:
-ولا ظروف ولا جوابات، ده يجي يأخد شبكته وكفاية أوي كده مسخرة وقلة قيمة، الحق عليا إني وافقت عليه من الأول بقاله سنين معلقك جنبه، وليه الذل ده أنتِ متجوزتيش قبل كده ولا بايرة؟! مش شايفة أختك معاها عيلتين وخطيبها بيعمل معاها إيه ولا مع عيالها؟! مش شايفة ولا اتعميتي...
أسترسلت والدتها حديثها بنبرة واضحة وهي تصيح:
-اللي معهوش يتجوز ميعلقش بنات الناس معاه، بقاله سنين معلقك ولا حتى الجامعة خلصها، والشقة خلصها بالعافية ولسه العفش والفرح فيهم سنتين، تلاتة، أنا ليا كلام تاني مع أبوكي، الواد الصايع ده أحنا مش هنكمل الخطوبة الشؤم دي، بصي لاختك وبصي لجوازات الناس ده كل شوية عنده مشكلة وعنده موال مع نفسه بقا..
لم تجد ليلى كلام ترد على والدتها به...
لأنها أي مبرر سوف تخبرها به لن يعجبها وسوف تسخر منها...
ولأن كلماتها إلى حدٍ ما أصابتها....
أخذت ليلى تبكي بانهيار شديد ووالدتها مستمرة فيما تفعله وهو انتقادها، وانتقاد اختيارها...
غافلين الاثنان تمامًا عن من يسمعهما من الهاتف بسبب ضغط ابن شقيقتها على المكالمة بعد اتصال جاءها من....
ديـــاب....
________يتبع________
لو وصلتم لغايت متنسوش الفوت والكومنت وتفاعل حلو...
ونتقابل في فصل جديد ان شاء الله...
بوتو يحبكم ودمتم بألف خير...
الفصل الثامن من #عذرًا_لقد_نفذ_رصيدكم
#شارع_خطاب
بقلم #fatma_taha_sultan
____________
اذكروا الله.
دعواتكم لأهلكم في فلسطين والسودان وسوريا ولبنان وجميع البلاد العربية.
_____________________
ينبغي أن تنتظر عمرًا كاملًا لكي تفهم حكمة الأبواب المغلقة
- بسام حجار
سوف يمضي بك الزمن وتُعلّمك الأيام أن جعبة الحياة مليئة بما لا تتوقع، وعليك أن تكون على الدوام مستعدًا، وستدرك أن كل خسارة هيّنة ما لم تخسر نفسك، وأن أعظم استثمار هو ما تستثمره في حقول ذاتك، وأنك كلما كنت ممتلئًا بالطيّبات طابَت لك الحياة وجادَت عليك بالأعطيات.
#مقتبسة
"تجرع الصبر فإن قتلك؛ قتلك شهيدًا، وإن أحياك؛ أحياك عزيزًا."
- ابن القيم
______________
أنه اليوم الأول لها في الجامعة الحكومية..
طلبت سيارة في الصباح من إحدى التطبيقات فـأضاعت الكثير من النقود المتبقية معها، خير تناولها الطعام في أحدى العلامات المعروفة نعم ليست باهظة الثمن إلى حدٍ كبير لكن أسهم مع السيارة في إضاعة أكثر من ألف جنيهًا من الثلاثة التي تمتلكها في اليوم الأول..
حضرت المحاضرات بنفس باهتة لا تصدق هذا العدد الضخم واللامحدود الذي كان يحضر المحاضرة معها كادت على وشك أن تشعر بضيق في التنفس....
أقتربت الامتحانات وهي لا تعلم أي شيء حتى اشفقت عليها فتاة تعرفت عليها وأخذت رقمها وأخبرتها بأنها سوف ترسل لها بعض المحاضرات والملخصات...
وجعلتها تركب معها "مترو الأنفاق" لأول مرة في حياتها تقريبًا كان الأمر بالنسبة لها مخيفًا من هذا الازدحام الرهيب تحديدًا لأنها تعود في وقت عودة الموظفين او ميعاد الموظفين كما يتم تسميته...
لكن أفضل شيء أن محطة المترو كانت قريبة جدًا من المنطقة الذي يتواجد بها منزل بهية، لم تعرف هذا الأمر بمفردها بل عرفته من أبيها بعدما سألته عن العنوان وكانت على وشك أن تضيع طريقها لكن لحسن الحظ ها هي هنا...
تتناول الطعام التي صنعته بهية؛ وهو لذيذًا بشكل مُريب لولا أنها في المرة الأولى كانت تصنعه أمامها وهي معها في المنزل لظنت بأن أحد يصنعها غيرها رُبما والدة هذا الشاب الوغد التي تحكي عنها بهية...
لكنها هي من تصنعه فعلتها أمام عيناها مرة
لذلك لم تشك بها...
انتهت من الطعام وحاولت غسيل الصحون حتى تساعد تلك المرأة لكن جاءت بهية ووضعت يدها على الصحن متحدثة بنبرة ساخرة:
-إيه القرف ده؟!..
تمتمت ريناد بانزعاج واضح من تعبيرها:
- قرف إيه مهوا غسلته خلاص ماله؟!.
-الطبق ملسلس زي ما هو؛ المفروض تغسلي بمياة سخنة مش ساقعة..
هتفت ريناد بنبرة متأففة:
-مهوا أكيد مش هستعمل المياة السخنة أنا مش غسالة أطباق..
تحدثت بهية بسخرية:
-أكيد مش مياة نار ولا مياة مش هتتحمليها يعني، بس المفروض تغسلي بمياة سخنة شوية امشي أنتِ وأنا هكمل..
أردفت ريناد باقتراح بسيط:
-خلاص أنا عندي فكرة بعد كده.
سألتها بهية بعدم فهم:
-فكرة إيه دي؟!.
-نجيب أطباق اللي بيتأكل فيها مرة واحدة دي ونرميها هي والكوبيات ونريح دماغنا..
غمغمت بهية بسخرية:
-أنتِ دماغك تعبانة، الحاجات دي عايزة ميزانية بيت لوحدها، غير كده الأكل في الاطباق الصيني له طعم مختلف..
ردت ريناد عليها بهدوء:
-كله نفس الأكل في الآخر..
-يلا روحي بقا مش هتناقش معاكي، علشان أنا أصلا مش متعودة حد يقعد يناقرني يا تغسلي الحاجة عدل يا تمشي بلاش أفكار متخلفة..
بعد وقتٍ...
كانت "ريناد" تجلس في الحجرة الخاصة بها أو أصبحت كذلك....
تشاهد بضعة مقاطع على الهاتف بعدما صنع والدها لها باقة انترنت صغيرة بعدما ذهبت بهية للتقديم على الانترنت بالخط الأرضي أو المنزلي من أجلها.
لاحظت ريناد العديد من الفيديوهات فتيات تتحدث عن يومهم في الجامعة غير مستحضرات التجميل التي تستخدمها..
"Get ready with me"
سلسلة فيديوهات لذيذة لأكثر من فتاة اندمجت معها حتى قررت بأنها ستفعل المثل...
فقط ينقصها متعلقاتها الشخصية...
زينب هي الحل....
ستجعلها تأتي بها لها....
هي تحفظ رقم هاتفها ليس صعبًا عليها أبدًا...
____________
يجلس نضال على الأريكة وبين يديه هاتفه يقوم بمشاهدة المقاطع دون هدف واضح...
بعد أذان المغرب وتناول الغداء يظل نضال في المنزل لفترة قصيرة ثم يهبط مرة أخرى...
كان زهران يجلس بجواره على الأريكة يشاهد التلفاز وبين يديه خرطوم أرجيلته الحبيبة.
كان الصمت طويل بينهما و سلامة يجلس في حجرته بعدما أتى من العمل...
تحدث زهران كاسرًا هذا الصمت:
-واد يا نضال..
رفع نضال بصره إلى والده بانتباه متحدثًا باحترام :
-نعم يا بابا..
سأله زهران بعفوية:
-فاكر ميرفت؟!..
"ميرفت".
كرر نضال اسمها باستنكار ليس لأنه لا يتذكرها ولكن مرت سنوات عديدة جدًا على انفصالها عن والده وكانت الوحيدة بين زواجاته الذي انتهى الزواج بينهما بشجار كبير جدًا...وعرف فيما بعد عادت إلى محافظتها الساحلية...
وكانت هي الزوجة الثانية لزهران بعد وفاة زوجته الأولى والدة أبنائه..
تحدث نضال باستغراب:
-أيوة فاكرها، بس مالها يعني إيه اللي جابها على بالك دلوقتي؟! ولا أنتَ شوفتها؟!..
سحب زهران نفس من الارجيلة متحدثًا بجدية:
- لا مشوفتهاش، مش عارف بس بقالها فترة على بالي بطريقة غريبة أصلها كانت حب عمري برضو..
هتف نضال مستنكرًا بعدما ترك الهاتف على الطاولة ونظر له:
-هي مش كانت اللي هي حب عمرك دي أمي؟!..
تمتم زهران بتأييد موافقًا على حديثه:
-أيوة امك حب عمري اللي مبيتنسيش ولا يروح من بالي مهما اتجوزت الله يرحمها، لكن أي حب عمر تاني بيتنسي عادي ممكن افتكره وممكن لا..
تحدث نضال بملل واضح:
-هتلاقي بس موسم الحنين والرجوع للاكس ناقح عليك شوية..
جاء سلامة من الداخل في تلك اللحظة مغمغمًا بسخرية وهو يغلق ساعة يده:
-أنهى اكس فيهم؟! ده دابل وتريبل أكس، ده عنده عشروميت أكس...
نظر له زهران بغيظٍ:
-رايح فين يا شملول مش كنت عمال تقول أنا داخل أنام.
تمتم سلامة بعفوية شديدة وهو يخبره:
-طنط يسرا خبطها تكتوك وايديها اتشرخت وهي راجعة من الشغل واتجبست فكنت بكلم جهاد وهي قالتلي فلازم أروح اطمن عليها..
ترك زهران الأرجيلة متحدثًا بجدية ولهفة جعلت عين نضال تخرج من مكانها:
-ومقولتش ليه من بدري يلا نروح..
تحدث نضال وهو ينهض هو الآخر:
-إيه النون اللي سمعتها دي؟! ليه في نون جمع؟!
رد زهران عليه ببساطة:
-هروح مع سلامة، هو أنا جيبت سيرتك..
تمتم سلامة بجدية:
-لا أنا رايح لوحدي، أنا مش قورني لو سمحت..
نظر له زهران بغيظٍ ثم غمغم بنبرة منزعجة:
-دي حب عمري اللي جاي مقدرش مروحش أطمن عليها..
هنا تدخل نضال هاتفًا:
-هو إيه اللي كل دقيقة عندك حب عمر شكل ده؟! هو في إيه؟! هو قلبك قلب رمانة...
نظر له زهران مستنكرًا وهو يرد عليه ويعطي تركيزه الكامل له بينما سلامة كان يسير بهدوء وخطوات غير محسوسة:
-أنا اصلا هتناقش مع واحد مشاعره ميتة وبايظة زيك ليه؟! اللي قدك كان زمانه فرحني بخلفته، مش يقعد ينظر عليا..
وصل سلامة أخيرًا عن الباب وفتحه بخفة وأخذ الحذاء ليرتديه في الخارج:
-حلق على أبوك يا نضال أوي تخليه يجي ورايا...
ثم أغلق الباب خلفه وكاد زهران أن يتحرك وهو ينتعه بأفظع وأبشع الشتائم وهنا غمغم نضال بلا وعي:
-أنا هكسرلك الشيشة بتاعتك و...
قاطعه زهران وهو يستدير له بنبرة غاضبة بشكل مخيف:
-تكسر إيه يا روح أمك؟!.
تمتم نضال بخوف مصتنع:
-شكلها وسعت مني شوية، بلاش أكسرها هخبيها بس في مكان مش هتلاقيها فيه...
______________
يجلس سلامة على المقعد بينما تجلس جهاد ووالدتها على الاريكة وسلمى تجلس على مقعد أخر...
-ألف سلامة على حضرتك يا طنط.
ردت عليه يسرا بنبرة هادئة:
-الله يسلمك يا ابني تعبت نفسك والله أنا كويسة..
تحدث سلامة بنبرة بعتاب لطيف ولكنه صادق:
-تعبت نفسي إيه أنا زعلان بجد أنك متصلتيش بينا أننا نجيلك هناك، الواد ده كان لازم يروح القسم شوية حمير راكبين وبيسوقوا سواقة زي الزفت مش شايفين قدامهم وشاربين..
هتفت يسرا بنبرة لطيفة:
-مكنتش عايزة لا أقلق حد ولا اتعب حد وكمان الواد عيل صغير في الآخر من دور ولادي مينفعش اعمله مشكلة وخلاص أنا كنت ماشية سرحانة شوية ومش مركزة كعادتي...
تحدثت سلمى أخيرًا مقاطعة هذا الحوار بنبرة عقلانية رغم أنها تشاجرت مع والدتها أنها كانت ترغب في التصرف مع هذا الشاب لكن انتهى الأمر لم يعد للشجار وقت:
-الحمدلله أنها جت لحد كده.
رد الجميع عليها في نفس واحد
"الحمدلله"
تحدث سلامة بخفة وهو يلتقط هاتفه الموضوع على الطاولة ويستعد للرحيل:
-أنا هقوم امشي بقا علشان مطولش عليكم أكتر من كده...
قاطعته جهاد بتلقائية وتهور يليق بها:
-لا تقوم تمشي إيه أنتَ تقعد تتغدى معانا سلمى عملت الأكل..
قالت سلمى بصوتٍ خافت وكأنها تحدث نفسها ولم يكن صوتها مسموعًا:
-سلمى مين؟!
رد سلامة بحرج على حديث جهاد:
-لا ملهوش لزوم تتعبوا نفسكم أنا كنت جاي بس اطمن عليها ورايح القهوة..
غمغمت جهاد برفض:
-لا طبعا مدام جيت في ميعاد غداء لازم تأكل معانا وبعدين يعني اعتبرنا القهوة واقعد شوية أنتَ اكتر من نص يومك بيخلص في القهوة...
وافقتها يسرا الأمر بسبب الحرج الذي تملكها بمجرد أن عرضت ابنتها الفكرة وكيف ترفضها هي؟!..
بعد مرور دقائق...
...فـي المـطـبـخ...
كانت سلمى بين يدها السكين وتقف جهاد أمامها متحدثة بتوتر:
-السلاح يطول يا سلمى يا حبيبتي اهدي..
قالت سلمى بانفعال واضح لكنها حرصت على أن تكون نبرتها خافتة قدر المستطاع:
-الواد كان ماشي وأنتِ عماله تمسكي فيه وقال إيه سلمى عاملة أكل، سلمى مين اللي عاملة أكل؟! ياللي تنشكي في لسانك ده أنا عاملة شوربة خضار ولحمة أنتِ نفسك مش عاجبك تروحي مقعداه هو...
هتفت جهاد بتردد:
-أكيد في حل؛ نطلع حاجة من الفريزر...
تحدثت سلمى ساخرة:
-حاجة إيه اللي هتفك وتطبخ في نص ساعة يا فيلسوفة؟!، اعمل فيكي إيه بس..
"في الخارج".
نما إلى سمع سلامة صوت هاتف جهاد الموضوع أمامه وعفوية منه رأي المتصل الذي كان والده وهذا جعله يشعر بالاستغراب الشديد، الهاتف بين يديه ولم يتصل به....
كانت يسرا في هذا الوقت تتحدث في الهاتف مع أحدى صديقاتها......
فتح سلامة المكالمة وقبل أن ينطق بحرف كان والده يسبقه بلهفة:
-ازيك يا جهاد يا بنتي عاملة إيه؟!.
-أنا سلامة يا بابا..
نبرة زهران اللينة تحولت إلى أخرى غاضبة وخشنة:
"وأنتَ بترد على موبايلها ليه يا بايخ يا تنح؟! هو أنا متصل بيك أنتَ علشان تسمعني صوتك"
-في إيه يا بابا بس.
رد زهران عليه بصراحة ووضوح:
"في إني متصل بيها علشان تخليني أكلم أمها اطمن عليها وأنتَ حاشر نفسك يا بايخ يا ***"
تحدث سلامة بخبثٍ:
-خلاص يا بابا متزعقش أنا نازل ليك أهو خمس دقائق وابقى عندك..
جاءه صوت زهران من الهاتف بعدم فهم:
"أنتَ بتقول إيه؟! تزعق فين وجاي فين؟! أنا مش عايز اشوف وشك أساسًا"..
غمغم سلامة بنبرة جادة:
-خلاص نازل ليك أهو مش هأخرك سلام..
تزامنًا مع نهاية المكالمة بين سلامة ووالده كانت يسرا هي الأخرى تغلق المكالمة فتحدث سلامة هنا بلُطفٍ كونه استشعر الحرج على وجه سلمى ووالدتها ويبدو أن جهاد هي فعلت الأمر...
-أنا همشي بقا علشان في مشوار ضروري لازم اروحه مع بابا، حضرتك محتاجة حاجة؟!.
-تسلم يا حبيبي أن شاء الله يكون خير مفيش حاجة؟!..
قالت يسرا تلك الكلمات متوجسة أن يكن هناك أمرٍ هام بسبب طريقة حديث سلامة وتعابير وجهه...
-دي زيارة لحد من قرايبنا تعبان شوية وهما مستنيني هعدي عليكم يوم تاني ان شاء الله..
_______________
يجلس نضال على الفراش في غرفته وحيدًا...
وبين يديه هاتفه، يقوم بالمرور من بين مقطع وأخر بملل رهيب يحتله...
كان ملفتًا إلى نظره إحدى المنشورات التي قامت سامية بمشاركتها على حسابها الشخصي، الذي يتواجد عليه أقاربها وصديقاتها وعدد محدود من المعارف، غير حسابها العام الذي يخص عملها...
كان المنشور يعود إلى ما قبل ثلاثة أيام...
"الحب الحقيقي هو أن يكون حقيقيًا بكل ما يحمل الحب من معاني سامية".
ضحك نضال رغمًا عنه...
حينما قرأ كلمة "سامية"..
يعلم بأنه المعنى والنطق شيئًا أخر لكنه تذكر غضبها الملحوظ دومًا من النداء عليها باسمها بدلًا من هذا الاسم المائع والمستفز بالنسبة له التي اختارته لنفسها.......
لو كان وقت أخر..
لو كان لم يصرف نظر عنها ولم ينزعج منها بهذا القدر..
كان قد كتب لها تعليقًا مرحًا على تلك النقطة ولكن لم يعد هذا خيارًا متاحًا هو في طريقه إلى التعافي، فـ حاول النسيان، يحاول الاستمرار في لامبالاته التي تحرقه...
ليس من عادته أن يفعلها أن يرى من أعجبوا بالمنشور التي قامت بمشاركته لم يفعلها في أي وقت لكن فعلها الآن.......
وجد بضعة صديقات وجيران يعرفهم وأقارب من عائلة والدتها، لكن وجد اسم غريبًا ومختلفًا كونه رجل..
"حمزة عبدالله"
اسم مكتوب باللغة الإنجليزية قد أبدى إعجابه بالمنشور ولم يكتفِ بهذا بل ترك تعليقًا عبارة عن رمز تعبيري "قلب أحمر"...
هنا أنقلبت ملامحه تمامًا..
كما اختفت ابتسامته....
ليس من عادة سامية إضافة رجال..
حسب ما يعرف...
أم كانت تفعل لكنه لم يلاحظ الأمر مُسبقًا؟!!!..
بسرعة كالرهوان وحدة السيف ضغط على اسمه وصورته الشخصية وهنا فُتحت له صفحة جديدة خاصة بحساب هذا الرجل التي كانت خاصة تمامًا ولا يستطيع رؤية أي شيء من ملفه الشخصي إلا صورة ملفه الشخصي التي لم تكن واضحة لكنه على حد علمه ليس شخص من أقاربها....
من هذا الرجل؟!!....
أخذ نفس طويل بعدما اعتدل في الفراش بضيقٍ كبير، المشكلة بأنه انقسم إلى قسمين...
القسم الأول يرغب في الهبوط الآن رغم أن الساعة تخطت الثانية صباحًا بعد منتصف الليل وينهرها سائلا أياها من هذا الرجل؟!..
رُبما لأنه رجل كان يكن لها بعض المشاعر حسب وصفه، ولأنه ابن عم لها...
أما القسم الثاني كان يرى بأن تفعل ما تفعل..
لا يجب أن يظهر لها اهتمامًا...
هو ليس وصيًا عليها....
احترق وغضب بسبب مما يشعر به من مشاعر وتصرفات متناقضة وقاطع تلك المشاعر اتصال من صديقة المُقرب طارق عبر وسائل التواصل الاجتماعي.......
"الو سامعني".
-معاك..
"عامل إيه يا نضال؟!".
رد نضال عليه بنبرة مقتضبة:
-الحمدلله بخير..
لاحظ طارق شيئًا ما في نبرته ليقول بإجهاد واضح فهو عاد من عمله إلى التو:
"إيه مالك؟! هو أنا صحيتك من النوم ولا إيه؟"
-لا أبدًا صاحي لسه منمتش، أنتَ عارف مش بنام دلوقتي أصلا، أنتَ إيه اخبارك؟!.
رد طارق عليه بهدوء:
"الحمدلله بخير، اهو لسه راجع من الشغل وهنام بس قولت أكلمك اشوفك عامل إيه بما إني متصلتش بيك من امبارح"..
-الحمدلله أنا كويس.
سأله طارق بحزن واضح في نبرته وأسى:
" أحلام قالتلي على اللي حصل لخالتي حسنية عرفت ولا لسه؟!"
تحدث نضال بنبرة تشبهه:
-عرفت، ربنا يشفيها يارب ويشفي كل مريض وبإذن الله محنة وهتعدي أنا بس مش عارف دياب هيلاقيها منين ولا منين بس..
"ربنا هيعوض دياب بإذن الله، هيعوضه عن كل حاجة شافها وبيشوفها ربنا كريم أكتر مما تخيل وما ضاقت إلا ما فرجت".
-معاك حق..
هتف طارق بنبرة هادئة:
"عايزين نحاول نساعده ولا حاجة أنا قولت لأحلام لو تعرف تعمله خصم ولا حاجة على الجلسات بتاعتها بما أنها بتشتغل في المكان أي حاجة مهما كانت صغيرة هتفرق أكيد، لأنه طبعا لو قولنا من هنا للسنة الجاية أننا نساعده هيطنشنا أنا بكلمه بس بيرد عليا بالقطارة".
-اعذره اللي فيه مش شوية...
" أكيد طبعًا، ربنا يصلح الحال، المهم متنساش موضوع السمسار يا نضال علشان البيت اللي قولتلك عليه، عايز أعمل حاجة ليا ولاخواتي البنات مطنشنيش، وبكرا برضو هكلمك ان شاء الله اول ما اصحى لأني فصلت شحن".
تحدث نضال بنبرة هادئة:
-ماشي متقلقش مش ناسي أنا كلمته وهو لما يشوف حاجة كويسة هيكلمني، يلا تصبح على خير..
"وأنتَ من أهله".
انتهت المكالمة بينهما وبقى نضال مع أفكاره التي تقتله....
_____________
في اليوم التالي...
-بقولك هخرج يعني هخرج لازم أعرفه مقامه...
قالت والدة ليلى تلك الكلمات وهي تقف في غرفة نومها هي وزوجها الذي رد عليها بصوتٍ غاضب للمرة الأولى تقريبًا لكن طفح به الكيل....
-مش هتخرجي وقسمًا بالله العظيم لو خرجتي برا الاوضة وقليتي أدبك وقولتي حاجة للواد لهكون رامي عليكي يمين الطلاق، ولعلمك الواد مش جاي يكلم ولا يحب فيها، ده جاي يخلص الحوار بسببك وبسبب لسانك..
لم تنزعج من حديث زوجها عن الطلاق هي تعلم أنه مجرد تهديد، ما اعجبها في الأمر بأن ابنتها ستكون حرة سوف تختار لها الرجل والزيجة التي تناسبها...
هتفت والدة ليلى بفرحة وسعادة:
-يا اخي بركة يفشكل ويريحنا، معلق البت بقاله سنين ومعرفش أنتَ عاجبك الواد ده إيه؟! مش شايف خطيب بنتك التاني يا راجل بطل تبص بقا تحت رجلك.
تمتم والد ليلى بجدية:
-عاجبني انه راجل، وفي الزمن ده الفلوس بقت سهلة، وكل حاجة في الدنيا بقت سهلة لكن الرجالة مبقتش موجودة؛ وده اللي هتفهميه في يوم من الأيام لما تندمي أنكم ضيعتوه من إيديكم..
تحدثت زوجته ساخرة:
-بلاش الكلام الخايب ده اللي ملهوش لازمة؛ الحمدلله أن البت هتخلص منه، كان لسه هيقعدها جنبه سنين كمان عقبال ما يخلص، هي بنات الناس لعبة ولا إيه؟!
كان الرجل يفكر في مشاعر ابنته...
يمتلك شخصية ضعيفة وهو يعترف بهذا ..
لكن ما يشغل عقله دومًا هو مشاعر وحياة ابنائه...
-اخرسي مش عايز اسمع صوتك ولا اشوفك برا الأوضة حسبي الله ونعم الوكيل ضيعتي البت...
___________
...في الخارج..
كانت تجلس ليلى أمام دياب تشعر بالحرج الكبير فهي ظنت بأن المشكلة كلها أنه قد استمع لكلمات والدتها...
ظنت بأنه أتى من أجل الحديث مع والدها لكن لم يأتِ في عقلها أبدًا أنه أتى من أجل الانفصال...
يوم أمس حينما أخذت الهاتف من ابن شقيقتها وجدته قد اتصل وانتهت المكالمة في الوقت التي كانت تتحدث فيه مع والدتها...
أخذت تحاول الاتصال به لمدة طويلة بارتباك شديد أرسلت العديد من الرسائل معتذرة له، أو حتى تحاول فهم إلى أي مدى قد سمع؟!.
لكنه كان يقرأها ولا يجيب عليها...
وفي صباح اليوم أخبرها والدها بأنه تلقى اتصال من دياب وهو يرغب في أن يأتي للجلوس والحديث معها دون توضيح أي شيء..
-حقك عليا يا دياب أنا أسفة، دي ماما وأنتَ عارفها.
قالت ليلى تلك الكلمات وهي تحاول أن تخفف عن كاهلها الحرج التي تشعر به، تحاول فعل أي شيء بدلًا من هذا الصمت المميت..
يعلم بأنها مضطرة لكن استمع الحديث كله تقريبًا وسمع ما يكفيه ورغم معرفته بأنها مجبرة على أمرها وتشعر بالضيق وأنها والدتها.....
لكن في كرارة نفسه المتألمة والمصفوعة ألف مرة من الزمن كانت ينتظر أن يسمع منها أي دفاع عنه، سمع بكاء وانهيار لكنه لم يسمع ما قد يرمم رجولته ومشاعره....
هتف دياب بنبرة هادئة:
-ملهوش لزوم تعتذري يا ليلى أنا مش جاي علشان كده وصدقيني مامتك مغلطتش في حاجة هي بتفكر في مصلحتك؛ أنا جاي علشان أقولك كل شيء قسمة ونصيب...
شحبت ملامح ليلى وهبطت دمعة من عيناها وهي تجده يسترسل حديثه بتوضيح:
-وصدقيني أنا أصلا كنت متصل علشان أقولك كده وأن الموضوع مش كلام أمك بس، أنا هبيع الشقة بسبب ظروفي اللي حصلت ومشواري لسه بيبدأ من الصفر تاني وأنا لو ليا أخت مش هرضى أنه واحد يعلقها أكتر من كده.
ردت ليلى عليه بنبرة مجروحة؛ قالتها بصدمة وعدم تصديق مما تسمعه، رغم أنها ليست شغوفة أو لديها الجرأة لقولها إلا أنها فعلت..
-دياب أنا بحبك...
تألم قلبه لكنه رد عليها بتلقائية شديدة..
-مهما كنتي بتحبيني ومهما كنت بحبك، مش هتعرفي تكملي في علاقة زي دي، تفضلي طول عمرك بتحاربي علشان أكون حاجة في عين أمك ومش هيحصل، وفي النهاية هي أمك وصدقيني أنا هبدأ من الصفر من تاني لا شغل ولا شقة ولا حاجة...
ابتسم لها ثم أردف:
-أنا جاي أقولك كل شيء قسمة ونصيب ولا العيب فيا ولا فيكي هي الظروف بس كانت منحسة معانا ونصيب في الأول والآخر أنا قولت لـ والدك كل حاجة وهو قالي أخد الشبكة والموبايل الهدايا بس الشبكة والهدايا كلها بتاعتك هدية مني ليكي...
نهض وهو يختم حديثه قائلا في الوقت نفسه الذي يأتي والدها من الداخل:
-اتمنى بس تعرفي أن مكنش قصدي في أي يوم ألعب بيكي أو اعلقك بس أنا ظروفي كانت اوحش من أني اقدر أنفذ كل اللي وعدتك بيه وافتحلك بيت، ربنا يوفقك ويعوضك عني وعن كل حاجة..
لم تكن تجد كلمات مناسبة ترد عليه به هي مازالت تشعر بالصدمة والتبلد وكأن ما عادت الكلمات تنفع حتى تصلح وضعهما.....
لقد تدمر كل شيء..
هل كان الفاعل الزمن أم والدتها؟!.
القدر أم النصيب؟!.
من كان الفاعل الذي قام بالفعل؟!!
لا تعلم لكن المؤكد أنهما كانا المفعول...
________________
لا يجيب على اتصالاتها الهاتفية....
لا يقوم بمشاركة أو الإعجاب بأي منشور لها...
رغم أنه كان حريص على الاعجاب والتعليق على منشوراتها لعدة أيام متواصلة لكنه اختفى مرة واحدة...
ولا يقوم بمشاركة أي منشور...
لذلك اتصلت به حتى تطمئن على أحواله تارة يعطيها هاتفه بأنه مغلق وتارة لا يُجيب..
شعرت بـغضبٍ وانزعاج كبير..
ما الذي يحدث معه؟!.
هذا السؤال يجعلها تشعر بالقلق عليه بجانب مشاعرها الأخرى....
فكرت بأن ترسل رسالة إلى شقيقته تسألها عنه لكن شعرت بالحماقة، ماذا تخبرها؟! وكيف سيكون شكلها وما هي صفتها حتى ترسل إلى شقيقته رسالة كهذه؟!.
تركت سامية هاتفها حينما سمعت نداء والدتها من الخارج وهي تخبرها..
"يلا يا سامية، الأكل على السفرة"
خرجت سامية من الحجرة هاتفة بانزعاج وهي تقترب من الطاولة الموضوع عليها أطباق الطعام هاتفة:
-كام مرة أقولك بلاش اسم سامية ده؟! بسمعه بتعصب معرفش ليه مُصره تضايقيني؟!..
ردت انتصار عليها بسخرية لكن ملامحها كانت مُرهقة من تحضير الطعام وهي تجلس على المقعد:
-علشان أنتِ اسمك سامية يا عين أمك وساسو ده اسم سايس وملزق كده معرفش عاجبك فيه إيه؟! ومش داخل دماغي ولا عاجبني علشان أقوله مش جاي على لساني اصلا.....
تمتمت سامية ساخرة وهي تجلس هي الأخرى وتنظر لها ومازالت لم تنظر إلى محتوى الأطباق التي تتواجد أمامها والطاجن الفخار..
-أي حاجة بتفرحني بتكون صعبة عليكم حقكم عليا...
ثم نظرت إلى الأطباق هاتفة وكأنه قد قرصها ثعبانًا ما:
-أنتِ عاملة بامية؟!.
ردت والدتها عليها ببساطة شديدة وهي تناظرها:
-اه عملالك بقا طاجن البامية باللحمة الضاني اللي بتموتي فيه عملته مخصوص علشانك....
صاحت سامية بنبرة متشجنة فـ كانت أعصابها مشدودة إلى حدٍ كبير تحاول أن تخرج شحنة غضبها بأي شكل من الأشكال..
-أنا مبأكلش البامية وأنتِ عارفة..
ردت انتصار عليها ساخرة وهي تنظر لها بعدم تصديق:
- ده من امته ده؟! وبعدين أنتِ عبيطة ولا اتجننتي؟!، ده أنتِ بقالك اسبوعين بتتحايلي عليا اعملهولك، واعملك بامية ومبتأكليش أي طبيخ غيرها..
تحدثت سامية بانزعاج:
-خلاص مش عايزة أكلها دلوقتي أنا حرة..
هتفت انتصار بنفاذ صبر:
-خلاص كلي ملوخية وطلعي اللحمة من الطاجن وكليهم على الرز كده وخلاص...
نهضت سامية هاتفة بنبرة عصبية:
-لا شكرا مش عايزة أكل حاجة...
صاحت انتصار هي الأخرى بعد رحيل سامية الغير مفهوم:
-متأكليش يا سامية، أنتِ شكلك مجنونة دلوقتي وأنا مش رايقة ليكي ولا اللي أنتِ فيه ده يا عين أمك...
__________
يجلس دياب مع صديقه المقرب على المقهى بعدما هبط من منزل ليلى ليخبره بأنه باع شقته وانفصل عن خطيبته...
تحدث نضال معاتبًا له وهو يراه ينفث دخان سيجارته بضيقٍ واضح:
-وليه عملت كل ده من غير ما تعرفني طيب؟! ولا تعرف حد من عيلتك..
تمتم دياب بنبرة واضحة ومنطقية بالنسبة له:
-علشان مشيلش أمي الهم، وعلشان أنتَ هتقول زي ابوها قال إني استني شوية وصدقني الفشلكة في مصلحة ليلى أكتر مني، مهما كانت بتحبني ومهما كنت بحبها، مش هتعيش سعيدة معايا بخلاف ظروفي الطين؛ طول ما أمها منكدة عليها عيشتها وقاعدة تقارنها باللي رايح واللي جاي ده هيأثر عليها مهما كنت في نظرها وفي قلبها..
صمت لثواني ثم تحدث بنبرة هادئة:
-العلاقة اللي بيحتار فيها الشخص بين أهله وبين اللي بيحبه تعب قلب، وأنا دلوقتي مقصر في حقها وعندي مسؤوليات كتير والمشاكل ما بينا هتزيد وأصلا امها قالت كل ده لمجرد إني اشتغلت على التوكتوك ومكنتش لسه عرفت حوار الشقة..
"اللي بيحب بيستحمل"..
كبح نضال نفسه من قولها، لا يدري لما لا يعجبه وهن تلك الفتاة مهما كانت الأسباب...
دياب رجل لا تتركه فتاة عاقلة حتى ولو أرادت والدتها، لو كانت تحبه بشكل واضح لم تكن تعنيها المقارنات وهذا كله...
تلك وجهه نظره، ولكنه لم يخبر دياب بها ليس وقته قولها، أو لن يأتِ وقته أبدًا رُبما هو من سوف يستنتجها بنفسه في وقتٍ من الأوقات....
-طيب يا دياب ياريت متتصرفش من نفسك تاني حتى لو تصرفك صح شورني، ممكن تسمع حاجة من حد تايهة عن بالك أنا مبقولش تصرفك غلط بس يعني على الأقل بلاش تكون متهور في قرارات زي دي..
سحب دياب نفس من سيجارته ثم أردف بيأسٍ:
-كلها محصلة بعضها يا نضال..
كاد نضال أن يرد عليه لكن قاطعهم صوت هاتف دياب الموضوع على الطاولة الخشبية فأجاب دياب على الفور بمجرد أن لمح اسم أحلام...
-ألو.
"ازيك يا دياب عامل إيه؟!".
رد دياب عليها تحت أنظار نضال:
-أنا بخير الحمدلله، في أخبار؟!.
جاءه صوت أحلام بنبرة واثقة:
"طبعًا مدام وعدتك إني هتصرف يبقى هتصرف، بكرا الميعاد ان شاء الله الساعة خمسة هستناكم في المستشفى، وهو هيقول كورس العلاج علطول لأنه شاف التقارير يعني هيتكلم معاها شوية وفحص كده، وهيقول هتمشي على الجلسات ازاي".
-شكرًا بجد يا أحلام مش عارف أقولك إيه.
"العفو يا دياب أحنا أهل طول عمرنا، ولعلمك الكشف مدفوع".
تغيرت ملامح دياب متمتمًا:
-لا طبعا ليه تعملي حاجة زي كده؟!..
ردت أحلام عليه ببساطة وهي تتذكر حديث جواد لكنها حاولت نسب الفضل إلى نفسها..
"أنا دكتورة في المستشفى وطبيعي يكون ليا استثناء لما يكون حد جاي من طرفي؛ يلا مع السلامة بقا"
لا يدري لما لم يرغب دياب الدخول في نقاش يبدو حديثها وتفسيرها منطقيًا بعض الشيء بالنسبة له ولأنه سعيد بأنها استطاعت فعلها:
-مع السلامة...
______________
-قولتلك بطلي عياط أنتِ مش عيلة صغيرة، يعني أحنا بنعاملك أنك كبيرة؛ وبنقولك علشان نفسيتها الفترة الجاية وأنتِ قاعدة تعيطي زي العيال الصغيرة؟!..
اليوم ذهبت حُسنية برفقة سمر لزيارة أحد الأقارب تحاول سمر التهوين على شقيقتها على قدر استطاعتها......
وأخذ دياب يخبر شقيقتيه بالوضع الحالي والصحي لوالدتهما، إيناس حاولت استيعاب الموقف لكن حور كانت تبكي بهستيرية وشكل مخيف....
مما جعله يصرخ فيها بغضب كبير رُبما لأنه يشعر بالغيرة منها، لأنها تستطيع البكاء والتعبير عن مشاعرها، بينهما هو لا يمتلك هذا الأمر هو عليه أن يتصرف بأقصى سرعة........
تركهما دياب وذهب إلى الشرفة وهنا أخذتها إيناس في أحضانها وهبطت دموعها هي الأخرى لكنها هتفت بيقين وصلابة:
-ربنا بإذن الله هيشفيها؛ خير يا حبيبتي متعيطيش يا نور عيني...
بعد وقت هدأت فيه حور قليلًا وضعت إيناس الخمار المنزلي عليها لأنها سوف تخرج إلى الشرفة وهي تجد طفلتها جنى تنظر لهما بتعاطف بينهما طفلها الأخر منشغل بالهاتف..
-تعالى اقعدي مع حور وقوليلها متعيطش لغايت ما اجي...
هزت جنى رأسها موافقة ثم ذهبت وجلست بجانب حور على الأريكة ثم وضعت يدها الصغيرة على وجنتي حور هاتفة بحروف تكاد تنطق صحيحة وبطيئة جدًا..
-خلاص يا حور متعيطش علشان خاطر جوجو..
أخذتها حور في أحضانها وبكت أكثر...
"داخـــل الـــشـــرفــة"
-ممكن متزعقش في حور كده تاني يا دياب..
قالت إيناس تلك الكلمات مما جعل دياب يتحدث بنبرة جادة:
-أنا مش متحمل حد ومش متحمل دلع من حد..
ردت إيناس عليه بحنان فهي تدرك بأنه غاضب هذا ليس دياب الحنون التي تعرفه؛ حسنًا هو لا يُحسن الحديث طوال الوقت بحديث معسول لكنه رجل المواقف:
-هي مش بتدلع يا دياب؛ وبعدين أنتَ فاكرها كبيرة ليه؟! حور لسه صغيرة، زيها زي جنى متختلفش كتير عنها، وهي مشافتش ابوك ولا قدرت تستوعبه زينا، وطبيعي أنها تخاف وتصطدم لما تعرف اللي حصل لماما، احنا كبار بنحاول نلم الموقف رغم أننا هنموت من جوانا لكنها مش كده سيبها تطلع اللي جواها يا حبيبي.
حديثها كان منطقيًا جدًا وحقيقيًا...
وشعر بالضيقٍ بأنه صرخ في وجهها بتلك الطريقة....
إيناس محقة...
حتى ولو حاول الجميع تعويض حور لكنها تعاني من نقص كبير في حياتها وخبر هكذا ليس هين بالنسبة لها....
صمت دام لعدة دقائق...
مما جعل دياب يفجر القنبلة:
-أنا هبيع الشقة في مشتري شافها النهاردة، واحتمال نتفق، وفركشت مع ليلى ولأسباب كتير أوي لكن أنا لو كملت معاها هظلمها اللي مرضهوش على اللي مني مرضهوش عليها...
نظرت له إيناس بشفقة وتعاطف كبير...
هي يجب عليها البحث عن عمل ومساعدته في أقرب وقت ممكن...
اقتربت منه إيناس واحتضنته ليحتضنها دياب بعمق وألم كبير، يحتاج أن يواسيه أحدهم يحتضنه دون عتاب......
-ربنا يقويك يا حبيبي؛ ويكرمك، ان شاء الله يا دياب ربنا هيكرمك كرم أنتَ نفسك متتوقعهوش يا حبيبي على قد كل حاجة بتعملها معانا وعلى قد ما بتيجي على نفسك؛ وبإذن الله لو في خير ترجع أنتَ وهي تاني يا حبيبي...
ابتعد عنها دياب وترك قُبلة على جبهتها ورأسها بحنان ثم تحدث بنبرة جادة:
-أهم حاجة عندي تكونوا كويسين يا إيناس وأمك بإذن الله تكون كويسة ولا هامنني أي حاجة تانية ولا عايز غير ربنا يدينا الصحة ويديم علينا ستره وبس...
ثم تحدث بنبرة مشاغبة قليلًا لكنها تحمل الألم في طياتها:
-يلا نشوف البت اللي جوا دي..
ولج إلى الشقة وخلفه إيناس ليجلس بجانب حور هاتفًا وهو يمسك يدها بنبرة غليظة:
-بطلي عياط ومرقعة أنا عارفك بتتهربي من امتحان الفيزياء بتاع بكرا علشان تقولي أنا كنت مكتئبة وكنت بعيط، وسامحوني معلش وهعوض المرة الجاية بلاش الشغل ده لأني هعلقك ساعتها مش هرحمك هطلع غلي فيكي لو النتيجة معجبتنيش..
ضحكت حور من وسط بكائها كالمجنونة، مما جعله يجذبها إلى أحضانه باحتواء كبير هاتفًا:
-متزعليش مني يا حور أنا مضغوط شوية..
ردت حور عليه وهي تضع رأسها على صدره تحت مشاهدة ايناس لهما وعلى شفتيها ابتسامة حنونة:
-أنا عمري ما ازعل منك يا دياب، أنتَ أبويا وأخويا وكل حاجة ليا...
ترك قبلة على رأسها هاتفًا بـ نفسٍ عميق يبث الطمأنينة في نفسه قبل أن يكون لهم وكأنه يحدث ذاته:
-كل حاجة هتكون كويسة بإذن الله وماما هتكون كويسة.......
_____________
في صباح يومٍ جديد...
استيقظت سلمى وارتدت ملابسها وخمارها وهي تستعد للذهاب إلى العمل في يومها الأخير بسبب التصليحات التي سوف تحدث في صالة الألعاب الرياضية...
لكنها لم تخبر أحد بتلك النقطة...
سمعت صوت الجرس وكانت جهاد قد هبطت منذ دقائق هل نست شيئًا وعادت؟!.
لكن هي معها المفتاح....
من سيأتي في هذا الوقت...
ذهبت سلمى وفتحت الباب لتجد أمامها أخر شخص تتوقعه...
-سلمى حبيبة بابا.....
________يتبع_______
لو وصلتم لهنا دمتم بألف خير ونتقابل في فصل جديد ان شاء الله...
بوتو يحبكم💜💜
دمتم بألف خير...
الفصل التاسع من #عذرًا_لقد_نفذ_رصيدكم
#شارع_خطاب
بقلم #fatma_taha_sultan
____________
اذكروا الله.
دعواتكم لأهلكم في فلسطين والسودان وسوريا ولبنان وجميع البلاد العربية.
_____________________
«إنسان هذا العصر مُنهمك في دوّامة الحياة اليومية، أصبح الواحد منا كأنه تِرس في دالوب المهام والتفاصيل الصغيرة التي تستَلِمُك منذ أن تستيقظ صباحًا، حتى تُلقيك منهمكًا فوق سريرك في أواخر المساء».
#مقتبسة
"الحُب إن لم يُجردك من كل ثِقل، فهو ثِقلٌ
إضافي في حياتك لا يعول عليه"
#مقتبسة
_______________
-سلمى حبيبة بابا...
صوته افزعها وأربكها...
كما أنه صدمها....
كيف من الممكن أن يظهر ماضيك الذي ظننتُ بأنه قد انتهى وتخطيته مرة واحدة، بعدما اعتقدت بأنك أصبحت شخصية جديدة مختلفة تمامًا عن وهنك وضعفك السابق ومشاعرك السلبية....
كيف من الممكن أن الصوت الذي نسيت بأنك سمعته من قبل يرن صداه حينما تسمعه كأنه لم يغب سنوات بل لم يغب يومًا من الأساس وكان دومًا محفورًا في ذاكرتك ولم يذهب يومًا بل أنتَ من وهمت نفسك....
طال صمت سلمى وصدمتها مما جعله يدخل المنزل ويغلق الباب خلفه وتحدث مدحت ببساطة وهدوء شديد:
-وحشتيني، عاملة إيه؟! كبرتي يا سلمى...
هنا ردت عليه سلمى بقوة وهي تحاول أن تنظم أنفاسها وهي تبتعد عنه حينما شعرت برغبته الواضحة في احتضانها مما جعله يعود خطوة إلى الخلف حينما رأى هذا النفور منها:
-كبرت لدرجة أنك اتأخرت أوي أنك تدرك معلومة زي دي....
صرخت سلمى في وجهه هاتفة بجنون ونبرة هستيرية جعلت والدتها تأتي من الداخل ركضًا على صوتها فهي لم تكن نائمة بل مستيقظة:
-إيه اللي جابك؟! إيه اللي جابك دلوقتي؟! ليه تظهر في حياتنا تاني لــيـه؟!!..
جاءت يسرا وهي تسير بصعوبة بسبب الكدمات التي تتواجد في جسدها بأكمله غير يدها الملفوفة بالجبيرة وشعرت بصدمة لم تختلف عن سلمى كثيرًا بل فاقتها أضعاف مضاعفة...
وكيف ألا تفعل؟!..
فـهي صُفعت بواسطة خذلان رجل ظنته عائلتها وحبها الوحيد...
صرخت سلمى في وجهها مرة أخرى متحدثة بعصبية مُفرطة:
-إيه اللي جابك؟! رد عــلــيـا...
هتف مدحت بتوتر محاولًا قول أي شيء:
-اهدي بس يا بنتي كل حاجة وليها سبب سبيني أشرحلك...
تحدثت سلمى بنبرة ساخرة:
-كل حاجة وليها سبب إلا عملتك ملهاش سبب، وده كفيل أن يخليني معوزش أشوفك قدامي عمري كله، أنتَ مُت بالنسبالي...
أردفت يسرا هنا محاولة أن تتجاوز صدمتها وهي تنظر له بجفاء واضح:
-أطلع من بيتي يا مدحت، أطلع من بيتي ملكش مكان فيه، بيتي ده اللي أنتَ سيبته بعد ما أخدت الخلو من صاحبه وانا أجرته منه وملكش حاجة هنا وباين أوي أن حتى بناتك اللي ليك مش عايزينك...
غمغم مدحت بشراسة واضحة:
-ليا يا يسرا وليا كتير أوي، ليا بناتي وليا أنتِ..
تحدثت يسرا مقاطعة أياه بنبرة اكثر حكمة من جنون سلمى وهي تناظره بنظرات تحرقه لو كان يشعر:
-بناتك مش عايزينك وده واضح أما أنا ملكش فيا أي حاجة أنتَ طلقتني من زمان وبعتلي ورقتي لو نسيت...
عقب مدحت وهو يقترب منها بنبرة جادة:
-زي ما طلقتك رديتك يا يسرا ومن سنين طويلة وأنتِ مراتي وعلى ذمتي....
نظرت له يسرا بعدم استيعاب وهي تردد باستنكار شديد:
-أنتَ بتقول إيه؟!.
رد مدحت عليها مؤكدًا المعلومة ببساطة افقدت سلمى الباقي من صبرها:
-بقول اللي سمعتيه...
-أنتَ بتخرف...
قالت سلمى تلك الكلمات بعدم تصديق أو استيعاب مما جعل مدحت يرد عليها بنبرة منفعلة:
-ده الوضع اللي هيحصل وهرجع اقعد في بيتي مع مراتي وبناتي إذا كان عاجبكم، ودي الحقيقة ومقدر صدمتكم علشان كده مش هأدبك يا سلمى على اللي بتقوليه ده وكان المفروض امك تديكي بالقلم بسبب اللي بتقوليه لأبوكي ده....
صرخت سلمى في وجهه بنبرة جادة وهي تنظر له بعين لا تهاب شيئًا:
- متجيش تعمل نفسك أب دلوقتي ومنتظر نقولك حاضر وطيب ونعم، وقسما بالله العظيم لو ما مشيت من هنا دلوقتي هصوت وألم عليك الناس كلها....
قاطعتها يسرا برزانة رغم أنها لم تستوعب الأمر جيدًا ولم تفهم ما يحدث لكنها تعيش مع ابنتيها بمفردها وابنتها الأخرى على وشك الزواج لا يصح أن تحدث مشكلة كبيرة تجعل أي شخص يقوم بنشر الأقاويل عليهن...
-سلمى...
تحدثت سلمى بنبرة جادة وهي توجه حديثها له:
-هتمشي ولا أروح أصوت افرج عليك الشارع كله؟!.....
تمتم مدحت بنبرة رزينة وحكيمة إلى حدٍ ما فهو يريد أن يكسب ودهم لا أن تكون المقابلة الأولى بينهما شجار يتحدث عنه الجميع:
-أنا همشي يا سلمى بس أعملوا حسابكم أني راجع تاني......
أنهى كلماته ورحل فاتحًا الباب ثم غادر المنزل بأكمله وهنا جلست يسرا على المقعد بأعصاب مُتعبة تحاول استيعاب ما سمعته بالتأكيد تلك مزحة!!
لا يُعقل...
يجب عليها الاتصال بـ شقيقها في أقرب فرصة بل الآن أما سلمى شعرت بالضيق الشديد فـغادرت المنزل متجاهلة نداء والدتها عليها.......
هي لا ترغب حتى في التفوة بكلمة واحدة...
____________
اليوم جهاد ذهبت إلى العمل مبكرًا عن خطيبها سلامة....
بسبب التغيير في المواعيد...
فاستيقظ سلامة من النوم ثم صنع لنفسه كوب القهوة المميزة وشطيرة الجبن وفي أثناء تناوله لهما كان الهاتف بين يديه يقلب في الهاتف بلا هدف حقيقي إلا أن قابلته صورة جعلت عيناه تخرج من مكانها..
زلزلت كيانه وأفسدت بداية يومه..
صورة تجمع أحد الشباب الذي يعمل معه ومجموعة من الفتيات وشاب أخر يجلسون على الطاولة ومنهم جهاد، وقد دون عليها عبارة تعبر عن تناوله الفطور مع زملائه في العمل...
هذا ما جعله يحاول الاتصال بها أكثر من مرة لكن لا تجيب زاد هذا من جنونه رغم معرفته الجيدة بأن هذا وقت العمل ولا تستطيع الإجابة على هاتفها كونهما يعملا في "خدمة العملاء" لا يصلح لهما الحديث في الهاتف طوال الوقت......
توقف عن تناول فطوره وذهب ليأخذ حمامه ويرتدي ملابسه على عجالة من أمره ويذهب مبكرًا رغم أن هذا ليس موعد عمله لكن لا يستطيع الصبر...
"في الظهيرة"
كان يقف سلامة مع جهاد في الممر المؤدي إلى المكان الذي يتواجد به الجميع في ساعة الراحة الخاصة بهم أو ما يسمى "البريك" يحاول السيطرة على صوته قدر المُستطاع....
-أنتِ بتتنيلي تفطري معاه ليه يا ست هانم؟! لا وكمان متصورة والضحكة من الودن للودن في الصورة..
في الوقت نفسه كانت ميار صديقتها متواجدة بجانبها وحاولت جهاد الدفاع عن نفسها بمنطقية:
-هو أنا كنت بفطر معاه برا يعني ولا لوحدي؟! ما الشغل كله كان قاعد وبيفطر وأنا اتحرجت أقول لا يعني..
صاح سلامة مستنكرًا:
-واتحرجتي كمان تقولي لا مش عايزة اتصور صح؟!..
استغفرت جهاد ربها ثم غمغمت بنبرة مُنفعلة بعض الشيء:
-وطي صوتك هتفرج الناس علينا وبعدين كلنا كنا قاعدين يا سلامة متعملش مشكلة دول زمايلي وأنا أصلا لا بكلمه ولا بيكلمني الا لو في حاجة في الشغل وهو محترم معملش معايا أي حاجة؛ وحتى لا عندي على الفيس ولا أي حاجة ده عندك أنتَ...
تحدث سلامة بغضب جامح وغيرة حارقة:
-وعلى إيه؟! ما نضيفه على الفيس والانستا ونستناه أما يعمل حاجة وساعتها نتكلم عشان يكون ليا حق أتكلم...
تعالى صوت ميار متحدثة وهي تدافع عن صديقتها:
-على فكرة هي مغلطتش بقا، وبعدين كلنا كنا قاعدين واتصورنا مع بعض كـ Team يعني، أنتَ مكبر الموضوع..
نظر لها سلامة بانزعاج واضح متحدثًا بسخرية:
-أنتِ مالك أصلا بتدخلي في اللي ملكيش فيه ليه؟! أنا بتكلم مع خطيبتي حد خد رأيك؟! وبعدين أنتِ اللي بالنسبالك عادي مش بالنسبة ليا ولخطيبتي عادي خليكي في حالك..
تحدثت جهاد بحرج:
-سلامة كلامك معايا أنا...
قاطعها سلامة متحدثًا بسخرية:
-صح وده اللي أنا بقوله كلامي معاكي يبقى هي متدخلش..
عقبت ميار على حديثه بلامبالاة:
-ربنا يعينك يا جهاد ده بني أدم غريب ولا يُطاق...
تحدث سلامة بانفعال واضح وهو ينظر لها:
-ولما اقول كلام يخليكي عاجزة أنك تردي عليه هيعجبك؟! لو سمحت سبيني أنا وخطيبتي لوحدنا ولا أقولك خديها معاكي ما هي اللي مدياكي الجراءة تغلطي في خطيبها وهي واقفة..
ردت ميار عليه بعدم استيعاب:
-انا بدافع عن صاحبتي وبعدين أنتَ اللي بدأت الغلط فيا...
غمغم سلامة بجدية:
-وأنتِ اللي بدأتي تدخلي في اللي ملكيش فيه يبقى متزعليش لما يترد عليكي رد يضايقك...
عقبت جهاد بانزعاج وغضب واضح:
-ممكن تسكتوا لو سمحت...
____________
ليلة أمس تم الطلاق بشكل رسمي بينه وبين رانيا....
أخذت ما أرادته ولم تتراجع عن أي شيء....
لم تظهر حتى ذرة ندم لذلك لم يحاول هو التمسك بها، كما لا يحاول التمسك بأي شخص أو إرضاء أي شخص....
اليوم عاد يمارس عمله بشكل فعلي حتى أنه قام بـ إجراء عملية تخطت الثلاث ساعات وانتهت بنجاح بالغ أكثر مما توقع حتى، وحينما عاد إلى غرفته سمع طُرقات خافتة على الباب أذن لصاحبها بالدخول...
ولجت أحلام ليسألها جواد بطريقة مباشرة:
-خير يا أحلام في حاجة ولا إيه علشان زياراتك كترت أوى؟!.
تحدثت أحلام بنبرة لينة فهو لا تريد إضاعة الوقت مادام هناك وقت لسفرها حتى ولو ليس طويلًا ويمكنها فالاستفادة منه بأي شكل من الأشكال تعجبها.. .
لذلك لن تتردد في التودد له:
-أبدًا، أول حاجة حبيت أجي أقولك برافو على العملية وأنك رجعت تاني، وتاني حاجة جاية علشانها إني أشكرك بما أن جيراني لسه ماشيين وكشفت عند الدكتور...
تمتم جواد بإرهاق حقيقي:
-طيب كويس، ان شاء الله خير...
هتفت أحلام بتردد:
-شكرًا يا جواد على أي حاجة بتعملها علشاني..
صحح جواد لها المعلومة هاتفًا بوضوح:
-أنا معملتش كده علشانك، أنا صحيح عملت علشانك كتير بس دي أنا عملتها ليكي كأي دكتورة أو دكتور شغال معانا في المستشفى طلب مني طلب زي ده...
تنفست أحلام بعد كلماته تلك بصعوبة بالغة لم يكن يومًا رجل فظ إلى هذه الدرجة، بل كان يسعى في إرضائها يطلب منها رقم شقيقها حتى يتواصل معه من أجل الزواج منها، كان يشتري لها كل ما تفكر به..
ما الذي تغير فيه إلى تلك الدرجة؟!.
حاولت أن تستمر معه في الحديث ببساطة وكأن كلماته لم توجعها بما يكفي، وتذكرت كلمات ايناس لها ليلة أمس وهي تخبرها بأنها سوف تبحث عن عمل، ةسوف تقبل بأي عمل من أجل المساعدة في المنزل..
-طب بما إني زيي زي أي دكتورة في المستشفى فأنا كنت طالبة منك خدمة..
نظر لها نظرات لم تفهمها ولكنها أسترسلت حديثها وهي ترسم على ملامحها الضيق الزائف:
-صاحبتي بتمر بظروف وحشة وكنت حابة أنها تشتغل هنا لو ينفع....
رد عليها جواد بنبرة واضحة وقاطعة ولم يدعها تسترسل حديثها:
-بما إني قولتلك إني عملت اللي هعمله لأي حد يطلب مني خدمة وهو شغال هنا، فأعتقد مفيش حد بيطلب كل شوية بعشم قدك، للأسف الحال ده لازم يتغير برضو شوية ده أولا وثانيًا أحنا مش محتاجين حد دلوقتي...
تحدثت أحلام بعصبية تلك المرة:
-مش ملاحظ أن طريقتك وحشة معايا جدًا..
جلس جواد على مقعده وهو يرتدي ساعة يده بهدوء ورزانة:
-أعتقد طريقتي معاكي منطقية جدًا زي معاملتي مع أي حد شغال هنا، ولو كانت طريقتي غير كده الأول فده كان شيء طبيعي بالنسبة لواحدة كنت طالب إيدها وعايز اتجوزها لكن مدام الموضوع ده اتلغى فأنا بتعامل بطريقة رسمية أتمنى أنك تلتزمي بيها أنتِ كمان...
تمتمت أحلام بانزعاج وعتاب واضح:
-يعني كل الكلام اللي بتقوله كان كدب وفيلم وخلص؟!
سألها جواد بوضوح:
-إيه الكلام اللي كنت بقوله يا دكتورة؟! غير إني عايز اتجوزك وبما إنك قعدتي تماطلي لوقت طويل وصلني الرد أنك مش حابة تتجوزي أو رافضة الجواز مني، لذلك أنا لغيت الفكرة وسحبت عرضي عليكي، ده اللي حصل ومتحاوليش توهمي نفسك وترسمي لنفسك قصص تطلعي نفسك مظلومة فيها..
لأول مرة تسمع منه تلك الكلمات..
لأول مرة يتحدث معها بتلك الطريقة الواضحة والفاصلة...
هتفت أحلام بنبرة جادة:
-أنتَ طلقت مراتك.....
ضيق جواد عينه متحدثًا باستغراب:
-وأنتِ عرفتي منين؟!.
منذ أن بدأت علاقتها بـ جواد وحاولت التقرب منه والتودد له وهي تراقب الصفحات الخاصة بالعلامة التجارية لزوجته، وحتى حسابها الشخصي، وليلة أمس وجدتها قد أزالت حالتها العاطفية بأنها متزوجة منه...........
مستبدلة أياها بأنها قد أصبحت عزباء....
ردت أحلام ببساطة ونبرة باردة:
-عرفت مكان ما عرفت..
تمتم جواد وهو ينظر له مشيرًا نحو الباب:
-مدام عرفتي مكان ما عرفتي ده ميغيرش أي حاجة ولا له علاقة بيكي ومن فضلك أنا خارج من عملية صعبة وبقالها ساعات فياريت تسبيني أرتاح لأني مش حمل الكلام الكتير ده في موضوع خلصان.
-ماشي يا دكتور جواد..
قالتها أحلام قبل أن تغادر وهي تغلق الباب خلفها بعصبية شديدة...
_____________
تجلس في المنزل...
تصنع الطعام وتقوم بـ ترتيب المنزل، تفعل أي شيء يقع على عاتقها ولا يقع اي شيء يأتي أمامها حتى لا تفكر فيما سيقوله الطبيب بشكل رسمي وفي الوقت نفسه لا ترغب في إصابة والدتها أو دياب بالذعر بسبب اتصالاتها...
كانت حور في درسها وذهبت خالتها ودياب مع والدتها ولم يكن يصح بأن تذهب هي وطفليها إلى المستشفى مسببة إزعاج وتوتر للجميع ولم يكن لديها من تستطيع ترك أطفالها معه والذهاب معهم لذلك جلست تحضر الطعام ثم جلست في انتظارهم...
كان أطفالها يشاهدا التلفاز تركتهما وذهبت صوب غرفة النوم حينما نما إلى سمعها صوت هاتفها، وهي تظن بأن دياب من يتصل أو حتى خالتها...
لكن المتصل كان أخر شخص تتوقعه....
هو زوجها عمرو...
أو بمسمى جديد " طليقها عمرو "...
الغريب أنه لم يفكر الاتصال بها بعد الشجار الذي حدث بينه وبين دياب...
ولا حتى فكر في الاتصال بها بعد الطلاق من أجل الأطفال ولا أي شخص من عائلته اتصل بها...
وهذا ما يجعلها تسأل ذاتها لماذا يتصل الآن؟!
هل يرغب في الحديث عن أطفاله؟!
انتهى الاتصال وهي تفكر الغاية من اتصاله بها لكنه فعلها وكررها مرة أخرى...
وأجابت عليه هذه المرة....
لا شك أنها شعرت بالفضول في المقام الأول وفي المقام الثاني ظنت بأنه رُبما يرغب في الحديث والاطمئنان عن الأولاد وقد استيقظ من غفلته...
-ألو..
رد عمرو عليها بنبرة لم تستشعر بها عشق خالص:
"الو يا ايناس، وحشتيني يا بت عاملة إيه؟!".
-عايز إيه يا عمرو ومتصل بيا ليه؟!...
تمتم عمرو بانزعاج واضح استشعرته ولكنه مازال يحاول الاستمرار في اللين الذي يستخدمه معها:
"إيه الرد الناشف ده؟! بقا بقولك وحشتيني تقوليلي عايز إيه يا عمرو؟!".
لم يرق قلبها..
لم تشعر بأنه بالفعل اشتاق لها...
كلماته كانت كاذبة لم تشعر بها أبدًا مهما حاول صبغها...
من يحب ويشتاق حقًا لم يكن قد أغضبها..
لم يفكر في ضربها مرارًا وتكرارًا...
لم يكن يسلبها كرامتها...
غمغمت إيناس بنبرة جادة:
-ملهوش لازمة الكلام ده يا عمرو أحنا خلاص اطلقنا اللي ما بينا أولادنا وبس الكلام خلص من بدري ولو متصل علشانهم هخليك تكلمهم غير كده لا..
رد عمرو عليها ببساطة:
"اطلقنا أه بس احنا لسه في فترة العدة يا ايناس يعني ممكن اردك في أي وقت، أنتِ وحشتيني وأنا مش عارف أعيش من غيرك أنتِ والعيال، البيت فاضي من غيركم، وحياتي ملهاش لا طعم ولا لون".
تحدثت إيناس بضيقٍ شديد:
-مفيش رجوع يا عمرو موضوعنا انتهى وكان منتهى من مدة طويلة، وكان بينتهي في كل مرة كنت بتمد ايدك عليا وبتهين كرامتي فيها وأنا كنت كل مرة بحاول اصدق أنك هتتغير...
تمتم عمرو وهو يحاول استمالتها بكل الطُرق الممكنة فهو مازال لا يصدق حماقته بأنه قد طلقها حقًا واعطاها كل شيء:
"كل المتجوزين بيمروا بمشاكل يا إيناس، وفي فترات في حياتهم بتكون صعبة عليهم، وتنقطع ايدي اللي اتمدت عليكي يا حبيبتي، إيناس أنا بحبك، أنتِ حب حياتي وأول دقة قلب"..
-لو كنت بتحبني زي ما بتقول يا عمرو مكناش وصلنا لهنا أبدًا..
هتف عمرو بنبرة خافتة ولينة:
"البني أدم بيغلط وربنا بيسامح، وبعدين افتكريلي أي حاجة حلوة بينا، فكري في مصلحة ولادنا، اخوكي خرب عليكي يا إيناس، خرب عليكي وهد بيتك وقعدك جنبك تخدميهم، أنتِ مكانك مع حبيبك، جوزك أبو عيالك"..
أسترسل حديثه بنبرة جادة:
"نرجع وبشروطك أنا موافق، ولو مديت ايدي عليكي ياستي تاني ابقى ***".
تمتمت إيناس بضيقٍ وهي ترد عليه بقوة:
-محدش خرب علينا يا عمرو أنتَ اللي خربت بيتنا، أنتَ السبب لما بطلت تعاملني بما يرضي الله، دياب خلصني من اللي أنا فيه، عرفني إني مكنش ينفع اتهاون في كرامتي لأي سبب من الأسباب، متحاولش ترمي فشل علاقتنا على أخويا اللي رد كرامتي ورد اعتباري..
هتف عمرو بنبرة منزعجة ومنفعلة بعض الشيء:
"يعني ده أخر كلام عندك؟!"
قالت ايناس ومن دون مماطلة أو تفكير حتى:
-ايوة أخر كلام عندي احنا اللي ما بينا عيال وبس أنا عمري ما هرجع على ذمتك تاني يا عمرو، أنتَ كسرتني قدام نفسي، عمري ما هطمن إني أكون معاك في بيت واحد من تاني..
ابتلعت ريقها وقالت والدموع تنهمر من عيناها وهي تتذكر كل لحظة وكل ألم استشعرته معه؛ إهانته لها ثم احتضانها وكأنه لم يفعل بحقها شيئًا:
-أنتَ كسرت كل حاجة بين الراجل ومراته أنا مبقتش مطمنة معاك؛ عايزني استنى لما كنت تخلص عليا خالص وساعتها عيالي يعيشوا من غير أم...
رد عليها عمرو بسخرية:
"متكبريش الموضوع بس، وبلاش كلام الأفلام ده، افتكري بس يا بنت الناس إني لغايت أخر لحظة شاريكي وإني بحاول أرجع لمياة لمجاريها وبحاول أصلح اللي اخوكي خربه، اصلح حياتنا"..
صمت لثواني ثم أسترسل حديثه بنبرة غاضبة:
"بكرا هتفهمي إني كنت على حق وأن اخوكي هو السبب في خراب بيتك، افتكري إني كنت شاريكي لغايت أخر لحظة وأنتِ بايعاني وبايعة السنين اللي ما بينا وحتى عيالك مش فارقين معاكي بُعدهم عن أبوهم ابقي خلي اخوكي ينفعك سلام"..
أغلق المكالمة قبل أن يسمع ردها...
وهذا جعلها تدخل في نوبة بكاء مريرة...
ليس من أجله أو عليه..
لكن من أجل كرامتها المهدورة....
_____________
منذ الصباح عدد مهول من الاتصالات منه..
اليوم كان لديها عروس يجب أن توضع لها مساحيق التجميل المناسبة وهي تحب الفتيات التي يقبلن التصوير لكنها لم تكن تستطيع أن تفعل ذلك اليوم بمزاج رائق بسبب اتصالاته المتكررة التي تتجاهلها..
هي غاضبة من ظهورة المفاجئ واختفاءه المفاجئ في الوقت ذاته...
توقفت واستأذنت من الفتاة بأن لديها مكالمة هامة وخرجت من الغرفة التي تتواجد في أحد الفنادق.......
أجابت عليه فهو لا يتوقف ولا تستطيع تصوير العروس حتى تصنع عدة مقاطع وتقوم بتنزيلها على صفحتها...
وهو يقوم بتعطيلها...
-ألو..
جاءها صوته بلهفة واضحة..
"أخيرًا رديتي يعني، ده أنا اتصلت بيكي فوق الثلاثين مرة ومش بتردي"
تحدثت سامية بنبرة مكتومة وغاضبة:
-وده ملفتش نظرك إني مش حابة أرد أو مش فاضية أرد عليك...
رد عليها حمزة ببساطة ولم ينزعج منها:
"ده واضح أن شايلة مني جامد وزعلانة بجد".
تمتمت سامية بحرج محاولة أن تنفي تلك الشكوك رغم أنها حقيقية مئة بالمئة:
-وأشيل منك ليه؟! كل الحكاية إني في الشغل مع عروسة ومش عارفة أصور كل شوية تتصل بيا ومش عارفة أشوف شغلي..
عقب حمزة على حديثها بنبرة جادة وهو يعتذر منها:
"حقك عليا، علشان مكنتش برد بس كانت نفسيتي وحشة وعندي مشاكل كتير في شغلي وفي حياتي غير أن ماما كانت تعبانة شوية، وحقيقي مكنتش عايز اشيلك همي ولا أبان قدامك شخص كئيب ولا بالحالة دي".
تحدثت سامية باهتمام حقيقي:
-ليه والدتك مالها؟!.
تمتم حمزة بتوضيح:
"يعني تعبت شوية كده بسبب الضغط وكانت في المستشفى كذا يوم وأغلب الوقت مكنش في شبكة إني أرد عليكي حقك عليا، متزعليش".
هتفت سامية بتردد ولكن كانت جادة فيما تقوله:
-مش زعلانة يا حمزة، وألف سلامة على والدتك ويارب تكون بخير دلوقتي..
"الحمدلله بقت أحسن كتير كُنا فين وبقينا فين، النهاردة رجعت البيت ولسه نازل وأول حاجة فكرت أعملها إني أكلمك واشوفك، وحشتيني وعايزة أقابلك..."
شعرت بالحرج الشديد من تصريحه بالأمر بأنه قد أشتاق لها بمنتهى الأريحية....
هي أيضًا اشتاقت له لكن لا تستطيع التعبير مثله وشعرت بالحرج حتى أن ترد على السؤال..
مما جعله يسترسل حديثه بنبرة هادئة:
"ها قولتي إيه؟! نتقابل النهاردة؟! قوليلي أنتِ فين أجيلك عقبال ما تخلصي"..
كانت ترغب بالفعل في رؤيته والحديث معه، ترغب في أن توافق على ذلك وتراه تحديدًا بأن أقصى شيء ساعة ونصف وتكون قد انتهت مما تفعله لكن وجدت نفسها تخبره كاذبة...
-للأسف مش هينفع عندي مشوار كده بعد ما أخلص مع ماما...
سألها حمزة بنبرة رجولية خافتة لمست كل ذرة بها:
"طب هشوفك امته طيب؟! بقولك وحشتيني"..
-مش عارفة بصراحة أنا الأسبوع ده عندي مواعيد وحجوزات كتيرة وغالبًا شغالة الاسبوع كله، وكمان...
قاطعها حمزة بسلاسة ويسر:
"مش مشكلة ياستي أي وقت تلاقي نفسك فاضية فيه كلميني الصبح او بليل أي وقت تكوني فاضية بس اتصلي وهكون عندك علطول.... "
_______________
"في نهاية اليوم"
بعد تفكير عميق كانت تقف بجانب سيارته تنتظر هبوطه ولقد انتظرته طويلًا بعدما تركت ميار تذهب وظلت في انتظاره إلى أن يُنهي عمله حتى تتحدث معه....
أنهى سلامة عمله وهبط قم سار حتى يتوجه صوب سيارته ليجدها واقفة بجوارها...
تحدث سلامة ما إن وصل لها:
-لسه مروحتيش يعني؟! ليه الست ميار مروحتكيش ما هي..
غمغمت جهاد بتردد وهي تنظر له باختناق ومقاطعة حديثه:
-سلامة متكبرش الموضوع أنا جاية أصالحك اهو وسيبك من ميار، أنا جاية أقولك أنا آسفة كان المفروض مقعدش ومتصورش مدام ده هيضايقك رغم أن كلنا زمايل عادي لكن مدام ده بيضايقك أنا مش هعملها تاني ومش هكررها..
تنهد سلامة وهو ينظر لها بتفكير...
فاليوم لم يكن يعطي تركيزه للعمل..
بل تركيزه كله كان يفكر بشجاره معها...
حينما هدأ قليلًا شعر بأنها لم تفعل شيء كبير إلى حدٍ كبير تلك المواقف واردة في العمل نعم، وهو يغار وغاضب من تصرفها بالرغم ومازال لكنه يحاول التفكير بشكل جاد في الأمر من ناحيتها ومن ناحيته....
حاول التفكير بكل الجوانب والظروف....
تمتم سلامة بنبرة جادة:
-ماشي يا جهاد؛ بس ياريت تعملي حسابك إني لو حسيت أن علاقتي أنا وأنتِ في حجر صاحبتك وكل حاجة بتروحي تعرفيها ليها، وتقعد تدخل كل شوية في أي مشكلة مش هيحصل كويس...
تمتمت جهاد بنبرة متوترة بسبب اتصال سلمى المُبهم وهي تسألها عن موعد عودتها ولم تخبرها في الواقع سبب منطقي:
-هي مكنش قصدها حاجة وحشة هي حاولت تدافع عني وتوضح الصورة قدامك...
تحدث سلامة برفض قاطع لما يحدث:
-قصدها مش قصدها أنا كلامي واضح يا جهاد تدخل البت دي في كل تفصيلة وكل حاجة أنا مش هسمح بيه، صاحبتك دي تكلميها وتكلمك، تخرجي معاها، لكن تدخل في اللي بيني وبينك لا.....
____________
-زعلانة منك يا دياب، زعلانة منك والله، كل ده يحصل ومتقوليش؟! وتغيب عني كل ده ولا تسأل عني ولا حاجة، ولا حد فيكم يقولي اللي حصل لحسنية؟!..
قالت بهية تلك الكلمات وهي تجلس بجوار دياب على الأريكة في منزلها فهو قرع الجرس وفتحت له ولم يرغب في الدخول قبل أن يتأكد من تلك الفتاة ليست هنا....
فهو أتى من عند الطبيب حديثًا وتناول الطعام مع عائلته وقرر الهبوط إليها..
تمتم دياب بهدوء:
-مكنتش في فرصة ومحبتش أقلقك واديني يا ستي في الآخر جيت وقولتلك كل حاجة...
ثم أخرج ميدالية مفاتحيه متحدثًا ببساطة:
-هخرج ليكي المفتاح من الميدالية مدام معاكي حد في البيت مش لازم يفضل معايا المفتاح..
ردت بهية عليه برفضٍ واضح:
-لا خليه معاك لوقت عوزه، أنا أصلا عايزاك تطلع ليا نسخة اديها للبت ريناد، لو معاك رقم الراجل كلمه وأنا هخلي الواد محمود يجيبه ويحطهولي في السبت لما يرجع من المدرسة..
تحدث دياب بنبرة هادئة وهو ينظر لها وفي سؤال واحد يتواجد في عقله غير تلك الصدفة العجيبة...
لما هذه الفتاة جالسة هنا؟!!..
وعلى ما يبدو فترة جلوسها سوف تستمر...
كونها ترغب في أن تعطيها مفتاح المنزل....
-خلاص أنا هعمله وابعته ليكي مع حور كده كده الراجل في الشارع اللي ورا مش بعيد..
ردت عليه بهية بلطفٍ:
-مش عايزة اتعبك يا حبيبي، وبعدين أهم حاجة الفترة دي كده تكون هادي، وكلكوا تكونوا حوالين أمكم أهم حاجة نفسية المريض ومعنوياته وفي نفس الوقت هونها على نفسك يا ابني، كله هيعدي ان شاء الله.
تنهد دياب ثم غمغم بخفوت:
-ربنا يهونها بإذن الله، أنا أهم حاجة عندي أن ماما تكون كويسة ومش عايز أي حاجة تانية من الدنيا..
-ان شاء الله يا حبيبي.
ثم تحدثت معه بجدية وحنان:
-مش حاسس أنك اتسرعت في موضوع ليلى برضو؟! البت غلبانة برضو ومينفعش تتأخد بذنب أمها...
رد دياب عليها بنبرة منطقية:
-ينفع ولا مينفعش اللي حصل هو الصح، أمها هتخلي حياتها جحيم لو كملت معايا، وأنا السنين اللي قدامي يمكن أكتر من السنين اللي هي عدت بيها معايا، اللي حصل هو الأفضل للكل وكل حاجة في أولها صعبة وبعدين الواحد بيتعود وبيتأقلم...
استشعرت بهية الألم في حديثه إلى حدٍ كبير...
لكنها ابتسمت له...
لتسمعه يقول وهو ينهض من مكانه بخفة:
-على العموم أنا ماشي علشان قدامي نص ساعة وتبدأ ورديتي في التوكتوك، ولسه هعدي على واحد صاحبي، يلا عايزة حاجة؟!.
تحدثت بهية برفقٍ:
-ماشي يا حبيبي عايزة سلامتك خلي بالك من نفسك بس، وابقي طمني عليك كل شوية كده واتصل بيا حتى لو مش عارف تيجي أهم حاجة تطمني عليك..
-ماشي..
سار بضعة خطوات لكنها استوقفته وهي تسأله بذكاء واضح:
-هي ريناد هي البنت اللي السبب في أنك تسيب شغلك صح؟!.
أستدار لها دياب متحدثًا بنبرة منزعجة ومغتاظة:
-هي اللي قالتلك؟!.
ردت عليه بهية وهي عاقدة ساعديها وتنظر أمامها:
-هي مقالتش بس أنتَ اللي قولت وأكدت شكوكي واللي بفكر فيه..
تحدث دياب بنبرة غير حقيقية مئة بالمئة أو بمعنى أصح لا يقتنع به إلى حدٍ كبير هو فقط يُكرر كلمات نضال أمامها:
-بيها أو من غيرها في كل الأحوال كنت همشي في الأول والآخر ده نصيب...
_____________
لم تتناول سلمى الغداء بل أخذت من غرفتها مأوى لها ولم يحاول أحد الحديث معها بعد عودتها رُبما لأن لا أحد يمتلك كلمات حتى جهاد التي أتت وشعرت بالصدمة حينما أخبرتها والدتها بما حدث....
فقد الجميع شهيتهم..
ولم يتبقى للكلمات موضع أو مكان...
تحدثت جهاد بارتباك وقلق شديد:
-طب وسلامة اللي جاي بكرا هو وأبوه؟! أقولهم إيه؟! وإزاي اقولهم حاجة زي دي أصلا، دول مشافوش أبويا كل الاتفاقات كانت معاكي ومع خالو...
غمغمت يسرا بنبرة متبلدة وهي تحاول التماسك قدر المُستطاع:
-خليهم يجوا في ميعادهم عادي متتكلميش في حاجة ولا تأجلي حاجة وأنا بكرا هحاول أوضح ليهم الموضوع.....
هتفت جهاد بقلق:
-أنا مش عارفة إيه اللي بيحصل...
تمتمت يسرا بنبرة مكتومة:
-ولا حد عارف اللي بيحصل يا بنتي، أنا لسه لغايت دلوقتي بحاول استوعب أنه جه وبحاول استوعب اللي قاله أصلا، ازاي بس؟!!!
_______________
خرطوم الارجيلة في يده جالسًا على مقعده المفضل.........
يسحب نفس من الأرجيلة متحدثًا وهو يضيق عينه موجهًا حديثه إلى سلامة ونضال الذين يجلسون معه كلاهما على مقعد محدد، وكان زهران يجلس بأريحية شديدة ويضع قدم فوق الأخرى...
-ياه الشقة دي فيها كل تفصيلة بيني وبين أمكم تتقال في كُتب وتُدرس، حب عمري اللي مش هيجي زيه لغايت أخر يوم في عمري...
مال سلامة على نضال هاتفًا بنبرة منخفضة:
-اومال لو مكنتش حب عمره كان اتجوز بعدها كام مرة؟!..
رد نضال عليه بنبرة خافتة هو الآخر:
-العدد في الليمون، كويس أنه بيحبها الحب ده، كان زمانه بيتجوز في الشهر الواحد أربعة، يمكن ده الحاجة الوحيدة اللي محجماه دي محدش عارف.
ثم صمت لثواني وأسترسل حديثه:
-او الشيشة هي اللي مخلياه أغلب الوقت مش فاضي بس، يا عيني عليها متحملة وشايلة كتير..
غمغم زهران بنبرة هادئة وهو ينظر إلى التلفاز لكنه يوجه حديثه لهما:
-كانت ست ولا كل الستات ألف رحمة ونور عليكي، دورت عليكي في كل الستات مش لاقي ضُفرك حتى...
تحدث نضال هنا تلك المرة وهو يميل على شقيقه:
-شوفت ظلمته طلع بيدور يا عيني عليها مش بيتجوز وخلاص يا جاهل خف ظُلم شوية...
تمتم سلامة بنبرة تشبه شقيقه:
-شوف يا أخى الراجل طلع مريض في الآخر ومحتاج يتعالج نفسيًا وأحنا اللي كنا ظالمينه أنام ازاي دلوقتي بعد ما ظلمت ابويا...
أردف زهران أخيرًا وقد اختلفت ملامحه المرتخية وهو ينظر لهما:
-هو أنتم بتتنيلوا تقولوا إيه وبتتكلموا بصوت واطي كده ليه؟!.
غمغم سلامة بنبرة بريئة:
-مفيش حاجة يا بابا كنت بتكلم مع نضال وبقنعه يجي معانا بكرا لما نروح نحدد ميعاد كتب الكتاب والفرح..
رد زهران عليه بعدما سحب نفس من أرجيلته ثم نظر لهما بسخرية:
-ده براوي ده؛ سيبك منه مش فالح بس إلا يدور مع دياب في الرايحة والجاية...
أردف نضال وهو يرفع حاجبيه:
-هدي اللعب يا بابا كده تعمل مشكلة ما بينا وتوقع ما بيني وبين أخويا...
تمتم سلامة ببساطة:
-لا عادي أنا مش عقلي صغير للدرجاتي وبعدين هتيجي تعمل إيه يعني...
تحدث نضال بنبرة هادئة وهو يسترسل الحديث بدلًا من شقيقه:
-وبعدين هاجي اعمل إيه صحيح ما أصل أنا مليش حد أروح اشوفه زيك يا حج أنتَ رايح لهدف معين..
صاح زهران في وجهه باستنكار كبير:
-أنا يا ابني؟! اتقي الله وبعدين أنا صرفت نظر عن الموضوع ده خلاص كان عندك حق يا ابني مضاقتش بيا الدنيا يعني اروح اتجوز حماة ابني، وبعدين يسرا دي مش التيب بتاعي...
ردد سلامة كلمة والده بعدم فهم:
-التيب إيه؟! ده زي الطيب أحسن يعني ولا إيه؟!..
هتف زهران ببساطة:
-التيب يا واد يعني مش نوعي المفضل في الستات ولا اللي يدخلوا مزاجي أنا بس كنت بنكشكم مش أكتر..
هتف سلامة بتصحيح بسيط وعفوي:
-الـ type..
عقب زهران على حديث ولده بنبرة جادة:
-لا يروح أمك أنا دفعت فلوس في تعليمكم قد كده، مش علشان تصحح ليا، لا علشان اتفشخر بيك وترتطن قدام الناس الغريبة لكن أنا أقول اللي أنا عايزه أنا مش في حواري لندن..
ثم غمغم حينما نما إلى صوته صوت الباب:
-قوم افتح الباب تلاقيه المكوجي كنت باعت له حاجات...
نهض سلامة واستجاب إلى طلب أبيه وفتح الباب ليجد أمامه صبي بالكاد يبلغ من العمر ثلاثة عشر عامًا يحمل على ذراعيه بعض الملابس الموضوعة في كيس..
-إزيك يا عبدالله، مين اللي فتحلك الباب تحت؟!.
رد الصبي عليه ببساطة:
-الحمدلله كويس، الست انتصار كانت باعتة هدوم وهي اللي فتحتلي...
بعد حديث روتيني وعفوي بين سلامة والصبي، دفع له الحساب وغادر...
فدخل سلامة ووضع الملابس على الطاولة أمام أعين نضال التي كانت على وشك أن تخرج من مكانها هاتفًا:
-العباية دي من العبايات اللي جبتها من السعودية، اللي مش بتلبسهم إلا في المناسبات الخاصة...
ببراءة شديدة كان زهران يجيب عليه:
-هو في مناسبة خاصة اكتر من جوازة ابني علشان أطلع واحدة جديدة فيها؟!...
الحديث لم يدخل عقل نضال ولكنه حاول تمريره لأنه يشعر بالصداع على أي حال....
ويحاول أن يحسن الظن بوالده...
_____________
في الشارع كانت تسير ريناد وهي تضع السماعة في أذنيها وكانت قد أقتربت من بوابة المنزل...
-وكده خلاص يومي خلص، وخلاص داخلة البيت ويعتبر الـ vlog خلص باقي بس اكتب محاضراتي واتغدى..
عند دخولها إلى بوابة المنزل وهي تحمل الهاتف بين يديها في وضعية التصوير اتصطدمت بجسد ما وكادت أن تسقط كما سقط هاتفها أرضًا لولا يده التي أمسكت بذراعيها وساعدها في التوازن....
أعتدلت وقبل أن ترى من الذي اصطدمت به انحنت وأتت بالهاتف صارخة في وجهه حتى بعد معرفتها هويته:
-هو أنتَ ورايا ورايا، ورايا ورايا....
تحدث دياب بغضب هو الأخر من صراخها:
-وطي صوتك أنتِ تعبانة في دماغك؟!..
غمغمت ريناد بنبرة منفعلة وهي ترفع سبابتها في وجهه:
-متغلطش فيا أنا بقولك أهو، وبعدين أنتَ اللي خابطني وبتزعق فيا..
ضرب دياب كفًا على كفٍ متحدثًا بإرهاق وغضب واضح:
-يا بنت الناس متخلنيش أفقد أعصابي أنا مش طايق نفسي، أنتِ اللي ماشية بتصوري نفسك ومبحلقة في التليفون...
تحدثت ريناد وهي تصرخ في وجهه وهي تفحص الهاتف:
-الشاشة اتكسرت اعمل فيك إيه؟! أقول عليك إيه؟!.
رد دياب عليها بنبرة واضحة:
-أنتِ اللي غلطانة بلاش استفزاز أنا...
قاطعته ريناد بوضوح وانزعاج شديد:
-ولا أنتَ ولا أنا، أنتَ تصلح ليا الشاشة؛ وتركب ليا شاشة و تتصرف مدام أنتَ السبب يبقى تتصرف الموبايل مش مدي حاجة اصلا...
غمغم دياب بعدم تصديق لما يحدث:
-حلي عني بقا، ارحمي اللي خلفوني...
نظرت ريناد على الناحية الأخرى ناحية متجر ما متحدثة بجدية فهى ذهبت في الصباح لشراء "cover" لهاتفها...
-تعالى معايا هتصلح ليا الشاشة أو هتدفعلي حقها حسب التكلفة هتيجي معايا مدام كسرتها تصلحها..
تحدث دياب بسخرية لاذعة:
-وأنتِ يا شملولة لما كنتي السبب في طردي من الشغل دفعتيلي المرتب يعني ولا إيه؟!.
ردت ريناد عليه بوقاحة من وجهه نظره:
-دي مش زي دي، أنتَ قليت أدبك عليا وده اللي استحقيته، لكن ده أنتَ اللي بوظته..
صاح دياب بغضب واضح"
-تعالي معايا علشان نخلص في ليلتك دي علشان موركيش قلة الأدب على أصولها...
رغم أنه لم يرى الهاتف لكنه وضع يده في سترته القطنية وتوجه صوب هذا المتجر وهي تتبعه بانزعاج واضح وحينما ولج دياب تحدث مع الشاي الذي يعمل هنا فهو يعرفه فأردف:
-شوفلنا الشاشة يا محمود بتاعت الأستاذة تتكلف كام علشان نخلص..
ثم نظر إلى ريناد هاتفًا بضيقٍ:
-اديله الموبايل..
أعطته ريناد الهاتف إلى الشاب ليأتي بأحد الأدوات ويقوم بإزالة "اللاصقة التي توضع على شاشة الهاتف لحمايته متمتمًا ببساطة:
-الشاشة مش مكسورة ولا حاجة دي الاسكرين..
غمغمت ريناد بعدم تصديق وهي تنظر إلى الهاتف:
-ازاي يعني مش الشاشة؟! وبعدين الموبايل مش شغال......
أردف دياب بجدية:
-فلوسك حلال يا واد يا دياب حطلها اسكرينة بثلاثين جنية أخرها معايا...
أخذ الشاب يضغط على زرٍ يتواجد بجانبه ليفتح ويظهر بأنه قد انتهت بطاريته...
-هو فصل شحن مش أكتر..
تذكرت ريناد بأنها بالفعل كانت ترغب في شحن بطاريته....
أخرج دياب ورقة نقدية من جيبه متحدثًا ببساطة:
-حطلها اسكرين يا محمود ومشيها علشان أنا مش فاضي استنى...
ورحل قبل أن ينتظر تعقيب ريناد الغاضب:
-إيه مشيها دي هو أنا قطة؟! قليل الذوق جدًا..
_______________
الــيوم الـتالـي..
-ألف سلامة عليكي يا ست يسرا..
أردفت يسرا بنبرة هادئة محاولة الابتسام والحديث بطريقة هادئة رغم ما تمر به...
-الله يسلمك يا حج زهران...
تحدث زهران بـ ودٍ مبالغ فيه وهو يجلس بجوار سلامة على الأريكة، بينما على المقعد تجلس يسرا وعلى المقعد المجاور لها تقبع جهاد....
-والله أنا كنت عايز أجيلك من بدري بس اعمل إيه في الواد سلامة هو السبب والله..
لم تفهم يسرا أي شيء مما قاله لكنها أردفت بتعبير بسيط:
-سلامة جه وعمل الواجب، وكأنك جيت يا حج...
غمغم سلامة محاولًا تغيير الموضوع بأي حديث:
-صحيح سلمى فين؟!...
تحدثت هنا جهاد بارتباك:
-يعني تعبانة عندها برد ونايمة شوية...
غمغم زهران بأسفٍ:
-ألف سلامة عليها، والله البت دي حد ضاربها عين، ما هو كده في الزمن ده الواحد بيتحسد على أخلاقه وأدبه...
تمتم سلامة مقاطعًا حديث والده:
-عندها برد يا بابا بس يا بابا ربنا يشفيها.
رد زهران عليه بجدية شديدة وابتسامة مرسومة على شفتيه:
-هو البرد ده شوية؟! ده أنا أول ما انزل هبعتلها حتة لحمة تعملوا بيها شوية شوربة يرموا عضمها.
تحدثت يسرا بحرج فهي ترغب أن تنتهي الجلسة في أقرب وقت ممكن هي لا تستطيع الحديث في شيء هي فقط ملتزمة بموعد لا أكثر، رجوع هذا الرجل الذي يدعي مدحت زلزل كيانها تحديدًا بحديثه عن ردها..
-ملهوش لزوم تتعب نفسك يا ...
قاطعها زهران بعتاب لطيف جدًا وهو ينظر نظرات جعلت سلامة يشعر بالقلق:
-والله ازعل، ده كلام أحنا أهل والغالي للغالي و....
قاطع سلامة حديث والده تلك المرة متحدثًا بقلقٍ شديد بعدما أرسل رسالة إلى شقيقه..
كانت تنص على..
"نضال ما تيجي اعمل أي حاجة أبوك ناقص يقوم يأخد الست بالحضن ويغنيلها من حبي فيك يا جاري يا جاري من زمان، الحقني يا نضال أبوس رجلك وتعالى"
- بمناسبة أننا أهل يعني أحنا كنا جايين نتكلم في موضوع كتب كتابي أنا وجهاد ونحدد ميعاد الفرح بالمرة، بما أن كل حاجة تعتبر خلصانة خلاص ومحدش فينا ناقصه حاجة، وأنا كلمت عم "رياض" وقالي أننا نتفق على كل حاجة ونبلغه علشان يظبط أجازته..
غمغمت يسرا بتردد:
-يعني اللي يريحك ويناسبك لما تشوف مواعيد القاعات، احنا معندناش مشكلة...
صدع رنين الجرس فنهضت جهاد بارتباك رغم أنها ليست متوقعة الطارق فهي ظنت بأنه ليس لديه الجراءة في الاتيان مرة أخرى وبتلك السرعة.....
فتحت جهاد الباب لتجده أمامها....
والدها "مدحت" وفي الوقت ذاته تحدث زهران بجسارة وجراءة تناسبه:
-احنا عايزين الفرحة تبقى فرحتين، فرحة جهاد وسلامة وفرحتنا التانية، انا جاي أطلب أيد..
قاطعه صوت رجل يظن بأنه قد رأه من قبل ولكن مرت سنوات عديدة على أية حال:
-يا مساء الخير، مش تكلموني أجي علشان عندنا ضيوف شكلي جبت في الوقت المناسب.......
دخل مدحت بعدما ترك قُبلة على جبهة جهاد التي كانت على وشك أن تبكي من فرط الحرج والانزعاج التي تشعر به ينما يسرا لم تتحدث بل حاولت أن تدارك الموقف قدر المستطاع فلا يمكنها افتعال شجار أمام خطيب ابنتها.....
اقترب مدحت وترك قُبلة على جبهة يسرا التي نظرت له بغضب أحرقه وهي جالسة في مكانها...
نهض سلامة وزهران الذي شحب وجهه وشعر بالقلق الكبير ليصافحهما مدحت ببساطة شديدة وكأنه كان قد رأهما ليلة أمس:
-منورين والله..
سأله سلامة بغباء شديد:
-أنتَ مين؟!
ضحك مدحت متحدثًا بنبرة ساخرة فـ على أية حال هو عرف ترك الاخبار من ابنة شقيقه وقد رأى صورة جهاد مع سلامة في خطبتهما:
-أنا ابو عروستك يا عريس ازاي متعرفنيش يعني...
رد سلامة بنبرة ساخرة بعض الشيء:
-يمكن علشان أول مرة اشوفك...
تحدث هنا زهران بلا استيعاب ولم يستطع كبح تعجبه وشحوبه الواضح:
-هو مش أنتَ كنت مطلق وسايب المنطقة من زمان؟!..
قهقة مدحت وهو يقترب من مقعد يسرا ويجلس بجوارها بسبب وقوف جهاد:
-هي كده الستات جوزها يكون متغرب علشانها وتقول للناس أنها اطلقت، ربنا ما يجيب طلاق أنا مقدرش استغني عن ام عيالي، ولا بناتي حبايبي، أقعدوا كده واقفين ليه..
كانت جهاد مازالت تقف عند الباب المفتوح وهي تراقب جلوس زهران وسلامة الذي يظهر على وجههما علامات الصدمة وعدم الاستيعاب التي تخفي خلفها ألف سؤال وسؤال...
تمتم مدحت ببساطة شديدة وهو يحاوط ذراع يسرا التي أنزلت يده بانزعاج جلي...
-كنت بتقول إيه بقا يا معلم جايين تطلبوا إيد مين غير جهاد اما دخلت عليكم؟!....
ردد زهران بتلقائية ولا يعلم كيف خرجت منه بتلك السهولة:
-جايين نطلب إيد سلمى لنضال ابني الكبير، ونخلي الفرحة فرحتين...
تحدث مدحت وهو يعقد حاجبيه بنبرة جادة:
-وهو في عريس بيجي أبوه يخطب ليه؟!..
ثم صمت لدقيقة تقريبًا تحت شحوب ملامح سلامة وغضبه الشديد مما يحدث...
أو مما على وشك أن يحدث...
غمغم مدحت باستنكار:
-فين نضال اللي أنتَ بتقولوا عليه ده؟!.
"أنا نضال"
قالها نضال الذي كان يقف على الباب بعدما استلم رسالة شقيقه ليأتي من أجل إنقاذ شقيقه.....
ولم يسمع أي شيء سوى صوت رجل غريب لا يعرفه يسأل عنه......
وقبل أن يتفوه نضال بحرف أخر أشار زهران ناحيته هاتفًا بثقة وابتسامة لا يدري كيف رُسمت على وجهه وهو يفعل ما يفعله:
-أهو العريس وصل أهو...
________يتبع________
لو وصلتم لهنا دمتم بألف خير ونتقابل في فصل جديد ان شاء الله💜💜💜
بوتو يحبكم دمتم بألف خير💜
الفصل العاشر من #عذرًا_لقد_نفذ_رصيدكم
#شارع_خطاب
بقلم #fatma_taha_sultan
____________
اذكروا الله.
دعواتكم لأهلكم في فلسطين والسودان وسوريا ولبنان وجميع البلاد العربية.
_____________________
- الحب هو الذي يبقى بعد أن يتلاشى كل شيء آخر، وهو الذي ينهض بنا من أعماق اليأس.
- دوستويفسكي 📚.
"المشاعر المخذولة لن تعود على سجيتها، مهما حركّها الحنين."
#مقتبسة
- هذا العالم غارق في الآلام والمآسي من رأسه إلى قدميه، ولا أمل له في الشفاء إلا بيد الحب.
- جلال الدين الرومي 📚.
_____________
تقوم بحزم امتعتها وجميع متعلقاتها الخاصة بالعمل............
اليوم لديها أحدى الحجوزات الخاصة بخطبة أحد الفتيات التي قامت بالحجز معها لكن ستبدأ متأخرًا عن العادة....
صدع صوت هاتفها يعلن عن اتصال منه ولم تكن تلك المرة الأولى ولا الثانية بل تخطت العاشرة منذ مكالمته معها وهي في الفندق يوم أمس وهو لا يتوقف عن الاتصال أو إرسال الرسائل راغبًا في مقابلتها....
كأنها تأخرت عليه!!
هو فقط طلب منها بالأمس إذن لما هذا الإصرار؟!
لكن لتكون صادقة، يروق لها اهتمامه بشكل كبير جدًا أكثر مما يتوقع هو حتى...
أجابت سامية بنبرة هادئة:
-ألو...
جاءها صوته المشرق والشغوف دومًا:
-ازيك، عاملة إيه؟!.
ردت عليه سامية باستغراب:
-الحمدلله بخير، في حاجة ولا إيه مش عادتك تتصل بدري كده؟!.
تحدث حمزة بنبرة واضحة:
-أنا عندكم في المنطقة برا عند موقف الاتوبيسات عايز اشوفك....
غمغمت سامية باستنكار شديد:
-نعم؟!...
أردف حمزة بلهفة وجسارة واضحة:
-زي ما سمعتي أنا عايز اشوفك لأني عارف لو فضلت مستنيكي لغايت ما تتصلي بيا ونتقابل ده مش هيحصل وأنا عايز اشوفك تعالي قابليني خمس دقائق بس.
تحدثت سامية بارتباك واضح وهي تعقب على كلماته تلك:
-ازاي تيجي يعني من غير ما تقولي؟!..
رد عليها حمزة بوضوح شديد:
-علشان زي ما قولتلك انتِ كنتي هطنشيني وأنا محتاج اشوفك...
غمغمت سامية متحججة بعملها:
-حمزة أنا ورايا شغل على فكرة وعندي ميعاد كمان ساعة...
أردف حمزة بنبرة لينة وهو يتوسل لها دون حرج:
-علشان خاطري أنا محتاج اشوفك ومش هاخد من وقتك كتير خمس دقائق بس وإلا هاجي عندك تحت البيت...
"بعد مرور نصف ساعة تقريبًا"
كانت سامية تصطف بسيارتها أمام سيارته...
هبطت من السيارة لتجده يخرج من السيارة وهو يحمل باقة من الزهور أسرت قلبها لكنها تجاهلت هذا كله متحدثة بنبرة منزعجة:
-يعني أنتَ بتهددني؟!.
سألها حمزة بعدم فهم:
-بهددك إيه؟!.
تحدثت سامية بانزعاج واضح وعتاب:
-اومال إيه اللي لو مجتش هتيجي عندي تحت البيت دي؟!..
ضحك حمزة ثم أردف بنبرة جادة:
-أكيد مش هعمل كده، أنا قولتها بس تعبيرًا عن قد إيه نفسي اشوفك وهعمل أي حاجة علشان اشوفك، أنتِ فهمتي إيه بس؟! أنا مكنتش هعمل كده لسبب بسيط جدًا إني مسببش ليكي أي مشكلة مع عمك وابن عمك دول...
نظرت له سامية بعدم فهم...
لا تعلم هي تارة تشعر بالأمان الشديد معه...
تارة أخرى تشعر بأنها لا تفهمه حقًا...
شخص غريب..
لكن تحاول بث الطمأنينة في ذاتها بأنه فقط الأمر كله يرجع إلى اختلاف الطبقات بينهما أو على الأقل أسلوب المعيشة..
مد حمزة يده بباقة الزهور متحدثًا بنبرة هادئة وعاطفية:
-اتفضلي...
أخذتها سامية منه مما جعلها تعقب بعدم فهم:
-بمناسبة إيه؟!..
رد حمزة عليها وهو يقف أمامها بشموخ والبسمة لا تفارق وجهه:
-هو مش لازم مناسبة معينة يعني، بس المرة دي أنا جايبها علشان اعتذر على اللي حصل مني الفترة اللي فاتت، حقك عليا إني اختفيت بس صدقيني ظروف وكان غصب عني يعني فلازم اعتذر منك على كل اللي حصل مني ولولا أن عندك شغل كنت قولتلك أنا اختفيت ليه بعيد عن تعب ماما كمان..
شعرت بالحرج وهي تخبره ببساطة:
-مش مستاهلة يعني...
رد عليها وهو ينظر لها نظرات أربكتها رُبما هذا يحدث كونها لأول مرة تشعر بتلك المشاعر:
-زعلك يستاهل، وأنتِ عندي حاجة كبيرة أوي ومينفعش أبدًا اعرف أنك زعلتي مني وتقوليلي مش مستاهلة يعني واضح أنك لسه معرفتيش قيمتك عندي كويس...
هتفت سامية بتردد:
-أنا قصدي مكنتش تعبت نفسك أنا مقدرة أنك مكنتش فاضي..
-متزعلنيش منك بالكلام ده، تعبك راحة ده لو هنسمي ده تعب أصلا، كفايا عليا أصلا إني اشوفك متعرفيش دي بالنسبالي بالدنيا وما فيها..
نظرت سامية متأملة الباقة الجميلة والانيقة جدًا تحاول أن تشغل نفسها عن تلك الكلمات التي تصيبها في موضع شديد الخطورة ثم تحدثت برفقٍ تحاول الهروب بأي طريقة، فهي مازالت تخطو خطواتها الأولى في دروب العشق:
-شكرًا بجد؛ بس أنا مضطرة أمشي لأني هتأخر على العروسة كده وشكرًا على الورد وعلى كل حاجة...
-العفو وأنا مش هعطلك اكتر من كده ولا هعطلك عن شغلك، بس توعديني إني اشوفك قريب وبلاش تطنشيني..
ردت سامية عليه ببسمة هادئة ونبرة صادقة:
-ان شاء الله قريب.
__________
-فين نضال اللي أنتَ بتقولوا عليه ده؟!.
"أنا نضال"
قالها نضال الذي كان يقف على الباب بعدما استلم رسالة شقيقه ليأتي من أجل إنقاذ شقيقه.....
ولم يسمع أي شيء سوى صوت رجل غريب لا يعرفه يسأل عنه......
وقبل أن يتفوه نضال بحرف أخر أشار زهران ناحيته هاتفًا بثقة وابتسامة لا يدري كيف رُسمت على وجهه وهو يفعل ما يفعله:
-أهو العريس وصل أهو...
سؤال واحد كان يخطر على عقل نضال...
إلى من يشير والده؟!.
كانت الإجابة أنه يشير عليه هو، فـ نظره ليس ضعيفًا إلى هذا الحد....
لكن من "العريس" الذي وصل؟!..
هل يأتي أحد خلفه؟!
أستدار نضال بنصف جسده للخلف لرؤية إذا كان يأتي أحد خلفه، لكن النتيجة أنه لا أحد..
تحدث أبيه ينتشله من الشرود أو البلاهة الذي انتابته:
-تعالى يا نضال يا ابني اتأخرت علينا قاعدين مستنينك من بدري مكنتش عايز أبدا كلام إلا لما تيجي...
أقترب نضال منه ليقول زهران وهو يقترب من أذنيه:
-أبوس إيدك ما تفضحنا وعدي اليوم علشان خاطري متخربش الدنيا
جلس نضال على الأريكة بجوار زهران الذي يجلس بينه وبين سلامة، كان نضال يحاول أن يستوعب ما يحدث، من عُمق الصدمة الذي تملكته وحلت عليه لم يجد كلمات مناسبة قد يتفوه بها..
تحدث زهران بنبرة هادئة وابتسامة لم ولن تختفي:
-عايزين نخلي الفرحة فرحتين بقا نفرح بـ نضال وسلمى مع سلامة وجهاد..
أردف مدحت بضيقٍ وهو يضع قدم فوق الأخرى:
-والله أنتَ فاجئتنا بالموضوع ده..
غمغم سلامة بنبرة غير مسموعة إلا لوالده تقريبًا:
-والله احنا اللي متفاجئين بيك أنتَ أساسًا...
قال زهران ببساطة:
-المهم أن المفاجأة حلوة، واحنا يشرفنا ننسابكم تانس وتكون سلمى بنتي التانية ومرات ابني ان شاء الله، ونخلي الفرحة فرحتين...
زهران يبتسم ولكن هناك من يجلس بجانبه وعلى وشك أن يتصاعد الدخان منه كان هذا نضال الذي لا يعرف ما الذي عليه فعله، يريد أن يصرخ ويخبر أبيه..
"ما الذي تفعله؟!" لكن لم يخرج منه شيء؛ كأن لسانه قد أنعقد...
أما سلامة خائفًا من تصاعد الأحداث...
رد مدحت مختصرًا حتي يُنهي هذه الجلسة:
-والله أحنا معندناش رد دلوقتي ممكن نفكر ونرد عليكم ان شاء الله..
رُبما الشيء الوحيد الجيد في زهران هو أنه يستطيع تحمل جميع الأنواع من البشر وألا يجعل أعصابه تثار بسهولة لأنه يجدها أهم من الكثيرون...
غمغمت يسرا بحرج كبير وانفعال تحاول كبته بسبب ما يحدث تحديدًا وجود هذا الرجل:
-هو موضوع نضال وسلمى محتاجين نفكر فيه ونأخذ رأي العروسة وبالنسبة لسلامة وجهاد أنا مش هقدر أقول أي حاجة قبل ما نكلم خالها ونعرف إجازته هتكون امته، لكن هينزل قريب أن شاء الله..
قالت يسرا كلماتها الأخيرة بخصوص شقيقها توجه حديثها إلى مدحت ليعلم بأن الأمر لن يستمر وشقيقها أتى....
تمتم زهران بنبرة هادئة ومسالمة معقبًا على حديثها:
-ماشي، نقوم نمشي احنا بقا علشان طولنا اوي ونبقى اكلمك ونعرف الرد...
قاطع مدحت حديثه وهو ينهض من مكانه، مما جعل زهران ينهض هو الاخر كما فعل الجميع:
-الكلام مع راجل البيت..
ضحك زهران رغمًا عنه وهو يخرج هاتفه من جيب جلبابه البيضاء متحدثًا بنبرة هادئة:
-طيب يا راجل البيت اديني رقمك علشان لما اعوز اعرف ردهم في البيت أكلمك...
أخذ زهران رقمه بالفعل...
وبعدها هبط بعدما ألقى التحية على الجميع في عجلة من أمره، سار بسرعة ذهبت منذ أن كان شابًا تقريبًا....
حتى أنه لم ينتظر أولاده الذين فعلوا مثله ألقوا التحية وهبطوا لكنه كان الأسرع ومجرد أن خرج من البناية وجد "توكتوك" يمر من أمامه أشار له..
-استنى يا ابني خدني معاك..
وقف (التوكتوك) وركبه زهران فتحدث السائق:
-رايح فين يا معلم زهران؟! .
كان الشاب يعرفه يقطن هنا في المنطقة؛ فأردف زهران:
-مش عارف امشي بس بسرعة دلوقتي وديني الجزارة أخذ أمانتي، الشيشة بتاعتي من هناك وعلى حسب تساهيل ربنا...
سار "التوكتوك" تزامنًا مع خروج سلامة من البناية وخلفه نضال، وكان سلامة ينادي والده متحدثًا:
-كنت خدني معاك طيب.....
وضع نضال يده على كتف سلامة يحاول أن يتجاوز صدمته هو لم ينطق حرف في الأعلى حتى الآن يعيش أثار الصدما الغريبة...
غمغم سلامة متوسلًا:
-والله يا نضال ما كنت أعرف أننا هنوصل لهنا، كل حاجة حصلت مرة واحدة أبوك كان راسم يطلب ايد أمها لقاها محجوزة وملقاش حاجة يقولها غير كده..
هتف نضال بنبرة غاضبة وهو يكز على أسنانه:
-أنتَ عارف أنا هعمل فيك إيه؟!.
تحدث سلامة بجدية:
-لا مش عارف ومش حابب أعرف...
ثم تحدث وهو يشير إلى أحد الأماكن:
-ألحق الواد دياب في واحدة ست بتشرشحله واقف بالتوكتوك هنا أهو...
أستدار نضال ونظر ناحية ما يشير إليه وهتف وهو يحاول النظر جيدًا وقد أنطلت عليه الخدعة:
-فين ده؟!...
أستدار مرة أخرى ليجد شقيقه قد ركض من جانبه...
حقًا على وشك أن يُصاب بجلطة بسبب ما يفعلونه به، هرب الاثنان...
يحاول التفكير فيما حدث...
كيف يفعل والده هذا به؟!!.
هو وسلمى؟!!.
لا...
________
بالأعلى.....
خرجت سلمى من الغرفة وهي ترتدي ملابسها التي كانت نائمة بها، هي لم تبدل ملابسها عند عودتها من الخارج، فحاولت ضبطتها تحسبًا إن كان يتواجد سلامة ووالده هنا...
كان سبب خروجها هو صوت صراخات والدتها وهي تهتف بجنون:
-إيه اللي جابك تاني؟! وإيه القرف والحاجات اللي بتعملها دي قدام الناس، أنا عيشت سنين محافظة على نفسي وعلى عيالي، ومش هسمح أنك تطلعني كدابة قدام الناس العمر ده كله..
الحق يُقال سلمى كانت نائمة هروبًا مما يحدث ولم تكن تشعر أو تعرف حتى بأن والدها قد أتى، هي تعلم بأن سلامة ووالده هنا من أجل تحديد موعد زفاف شقيقتها...
تمتم مدحت بنبرة قوية لا تناسب وضعه الحقيقي:
-أومال عايزاني اسيبك أنتِ وعيالك على حل شعركم؟! لازم الناس تعرف أن ليكم راجل لو بتفهمي هتعرفي أن ده الصح ليكم...
غمغمت سلمى تلك المرة وهي تأتي من الرواق هاتفة بسخرية:
-معلش هي مش مستوعبة، أصلك اتأخرت أوي أنك تعمل راجل...
-طب والله ما أنا سايبك...
كاد أن يصفعها لولا والدتها وقفت أمامها وكذلك جهاد، فتحدث هنا مدحت بجنون:
-هي دي تربيتك يا ست هانم، أنا جيت يا ست سلمى هوريكي أنا الرجولة اللي على حق وهربيكي من أول وجديد..
تحدثت يسرا بانفعال كبير:
-متعليش صوتك في بيتي ولا ليك دعوة ببناتي أنتَ سامع، واطلع برا وياريت متورناش وشك تاني لغايت ما أخويا يجي من السفر..
غمغم مدحت بنبرة غاضبة:
-لا مش فاهم وأنا حر في بناتي أيكش اقتلهم، وخدي بالك البيت ده مش هيفضل من غير حاكم، شغل السبهللة اللي أنتم فيه ده مش هيكمل كتير وهاجي وهقعد في بيتي معاكم غصب عنك؛ أنا بس سايبكم تتقبلوا الفكرة لغايت ما أجي واظبط أموري وادينا مستنين المحروس أخوكي...
ثم أسترسل حديثه بعنجهية واضحة:
-ولعلمكم بكرا جاي عريس لسلمى وعلشان كده أنا مش موافق على اللي اسمه نضال ده وهقولهم طلبهم مرفوض...
صاحت سلمى في وجهه بعدم فهم:
-نضال مين وعريس مين؟! وهو في إيه؟! أنا مش فاهمة حاجة هو بيقول إيه ده؟!...
قالت جهاد موضحة:
-عم زهران هو ونضال وسلامة لسه نازلين ونضال طالب يتجوزك...
بدأت تضح الرؤية قليلا وهي تشعر بالبلاهة أما والدها استرسل حديثه متشبسًا:
-ايوة بس أنا مش مقتنع بيه ولا مرتاح ليهم أنا عاجبني العريس اللي جاي بكرا ومقتنع بيه وللعلم أنتِ تعرفيه...
صاحت سلمى ساخرة من الجراءة التي يتحدث بها:
-أنا مش فاهمة أنتَ بأي حق جاي بعد السنين دي كلها واحنا منعرفش عندك حاجة تقول ده ينفع وده مينفعش، ورايح جاي على بيتنا معرفش ليه؟!، أنتَ جايب البجاحة دي منين بجد.....
غمغم مدحت وهو يكز على أسنانه ويده تحاول أن تصل لها لكن يمنعه جسد جهاد ويسرا:
-متخلنيش أتغابى عليكي أنا لغايت دلوقتي مقدر غيابي اللي عندي تبريرات ليه أكيد..
أردفت جهاد بنبرة متوترة:
-وإيه اللي عندك تقوله؟!.
توتر مدحت وحاول قول أي شيء غير الحقيقة بأنه سافر وتزوج بامرأة أخرى ثم عاد خالي الوفاض بعدما أخذت كل ما جمعه:
-كنت بشتغل وبحاول اعمل مستقبل علشانكم لكن...
ضحكت سلمى مستهزئة وهي تقول:
-فعلا بصراحة غرقتنا بفلوسك اللي عوضتنا عن غيابك، تعرف إيه أنتَ عننا؟! تعرف إيه؟! احنا بيعنا عفش بيتنا كله زمان علشان نأكل ونشرب، مكناش لاقين حاجة نتغطى بيها لولا خالو، جاي أنتَ تقول وتتكلم في إيه؟!، علشان تيجي تقولي هتتجوزي مين ومش هتتجوزي مين، وبعدين أصلا عريس مين ده اللي انا اعرفه...
الحقيقة أن مدحت تجاهل النصف الذي لم يعجبه من حديثها وكان هذا النصف الأول وحاول الإجابة على النصف الثاني متحدثًا بتوضيح:
-أخو صاحبتك تعب ودور على أخواتي وهما وصلوه بيا علشان يتقدم ليكي..
-نعم!! ويدور عليك بتاع إيه اصلا أنا أساسا رفضته والموضوع منتهي ومقفول والعريس اللي بتكلم عنه ده ومقتنع بيه اتجوزه أنت.
اشتعل وجه مدحت من جرائتها وقوة ردها، كاد يرفع يده ويصفعها ولكنه تمالك نفسه باللحظة الاخيرة، صارخا بعنف عليها، ما يجعله يتراجع عن ضربها بيس فقط جهاد ويسرا الحاجز بينهما لكن هو لا يريد الأمور أن تكون سيئة أكثر من هذا ليجد مكان يمكث فيه بدلًا من التنقل والذل الذي يعيش فيه وحرجه من المعارف:
-احترمي نفسك واتكلمي عدل متنسيش إني ابوكي عيب على لبسك وأدبك اللي الناس بتتكلم عنه، هي دي تربيتك يا يسرا اتفرجي بنتك المحترمة بتقول ايه.
سبقت سلمى والدتها معلقة على حديثه:
-انا متربية غصبا عن عين التخين وآه بصي يا ماما على تربيتك وافتخري، أنا عمري ما هنسى اللي أنتَ عملته أنا حتى مش طايقة اقعد معاك في مكان واحد نفسي بيضيق...
ضحك بسخرية وعقب وهو يتحرك نحو الاريكة يجلس فوقها واضعًا قدم فوق الاخرى:
-لا ما انتِ اتعودي بقى من هنا ورايح علشان أنا مش قريب أوي هكون هنا وبالنسبة لـ نضال ف ده مرفوض وكلامي أنا اللي هيمشي البيت ده خلاص بقى ليه راجل وكلمتي هي اللي هتمشي.
وبذات القوة ردت سلمى بتحدي ارتسم على ملامح وجهها قبل نبرة صوتها:
-على جثتي التهريج ده يحصل.
أنهت حديثها ورحلت في ظرف ثواني من المنزل حتى أنها خرجت بحذائها المنزلي كادت جهاد أن تخرج خلفها لكنها لم تكن ترتدي أي شيء في قدمها حتى أنها هبطت عدة درجات وهي تناديها...
ولكن توقفت حينما شعرت بالحماقة تلك وعادت مرة أخرى حتى ترتدي الحذاء لكنها سمعت والدها يهتف...
-الحقي يا جهاد أمك اغمى عليها....
_____________
خرجت من المنزل وأغلقت هاتفها لا تعلم ما هذا الضعف المريب الذي تشعر به..
لم تذهب في أحلك أوقات حياتهم من المنزل...
لم تترك والدتها ولا شقيقتها...
لكنها فعلت الآن...
لم تكن لديها هدف حقيقي أو مكان تذهب إليه وجدت نفسها تذهب نحو الشارع الذي يتواجد في المنزل التي تقطن فيه بهية في عمارة رقم " أربعة عشر"..
لم يكن معها لا الحقيبة ولا نقود ولا أي شيء تستطيع التصرف بهما...
كان هذا المكان الوحيد الذي فكرت فيه....
لتصعد إليها في عجلة من أمرها...
فتحت لها بهية الباب ودون مقدمات بكت سلمى بمجرد أن رأت بهية وألقت نفسها في أحضانها ومن الباب وحتى الأريكة التي تجلس فوقها الأن وهي في أحضان بهية؛ التي تشعر بالقلق الكبير لكنها بالرغم من ذلك تحضنها وتحتويها وهذا ما كانت سلمى تحتاجه ورُبما هذا الذي ما جعل قدمها تأتي بها إلى هنا...
-فهميني يا بنتي مالك بس؟!..
هتفت سلمى بتردد وهي تبتعد من بين أحضانها حتى خمارها قد تبلل من دموعها هاتفة بانزعاج جلي:
-أنا مش هطول عموما ولا هزعجك شوية بس و...
قاطعتها بهية بنبرة غاضبة ومنزعجة إلى حدٍ كبير:
-يعني أنا عايزة أفهم مالك تقوليلي مش هزعجك؟! البيت بيتك يا بنتي، أنا بس حابة أعرف حصل إيه علشان قلبي يطمن شوية..
أردفت سلمى بصدقٍ ونبرة مرتجفة في الوقت نفسه التي جاءت ريناد فيه بعدما فتحت الباب بالمفتاح التي أعطته أياها بهية في الصباح:
-أنا مش حابة أتكلم أو أقول حاجة دلوقتي بس هقولك لما أحس إني كويسة.
تحدثت ريناد بحرج فهي أتت من جامعتها حديثًا:
-أسفة دخلت كده معرفش أن عندك ضيوف...
قالت بهية بنبرة هادئة:
-ضيوف إيه دي سلمى زي بنتي وأكتر تعالي لما أعرفكم على بعض....
بعد وقت من التعارف وأخبرتهم سلمى بما يحدث معها وهي تهتف مؤكدة للمرة التي لا تعرف عددها:
-لو سمحتم أنا بأكد عليكم تاني اهو محدش يعرف إني هنا لغايت ما أحس أني كويسة وأقدر ارجع البيت..
ردت ريناد عليها بترفع:
-والله أنا معنديش مشكلة ولا في مني خوف في النهاية أنا معرفش أي حد هنا بروح الجامعة وبرجع من الجامعة لا أكثر ولا أقل..
تحدثت بهية وهي تنصحها مرة أحرى:
-زي ما أنتِ عايزة يا بنتي بس برضو حطي في حسابك أمك واختك ليه تقلقيهم عليكي بسببه هو؟!.
كان حديثها صحيحًا إلى حدٍ كبير...
___________
-والله أنا قولت في مصيبة يا شيخ، وقال تكملني تقولي لما تخلص الشغل وتدي التوكتوك لصاحبه تعالى وفي الآخر يطلع ده الحوار..
قال دياب تلك الكلمات وهو يجلس على الأريكة في منزل صديقه نضال وبين يديه كيس المقرمشات الذي قام بشرائه منذ الصباح تقريبًا ولم يكن لديه شهية لتناوله..
تمتم نضال بنبرة ساخرة:
-هو أنتَ بجد شايف الموضوع عادي؟! ده أنا هيجرا بيا حاجة من الصبح والاتنين مختفيين ومش بيردوا عليا ولا عارف أجيب حد منهم، سابوني مع نفسي أغلي وخلاص...
تحدث دياب وهو ينظر له بعدم فهم:
-هو يا ابني أنتَ في حاجة في دماغك؟! إيه المشكلة يعني هم ضربوك بالنار..
غمغم نضال وهو يكز على أسنانه:
-متستفزنيش يا دياب أنتَ كمان.
أردف دياب بنبرة جادة وهو يناظره ولا يحيد بنظره عنه:
-أنا ولا بستفزك ولا غيره أنا بتكلم بجد شوف يا اخي أنا اعرفك من امته، وأول مرة أبوك يأخد قرار يعجبني ويدخل مزاجي..
كان نضال يحدثه وهو يسير ذهابًا وأيابًا لا يستطيع أن يجلس أو يقف في موضع سكون..
-لا والله؟!.
رد دياب عليه بنبرة باردة وهادئة جدًا في نظر نضال المشتعل:
-اه والله، هو أنتَ تطول تتجوز واحدة زي سلمى دي من أكتر الشخصيات والبنات المحترمة اللي شوفتها في حياتي، ولا أنتَ ليك في اللي يكرفلك ويطلع عينك وبس..
صاح نضال باسمه مستنكرًا:
-ديـــاب...
-هي كلمة الحق بتوجع وبعدين مالك متفرعن كده ليه؟!، هي للدرجاتي البت مش على هواك ولا فكرت فيها في يوم؟!.
كاد نضال أن يلعنه ويصرخ في وجهه إلا أن دياب تحدث بنبرة هادئة:
-تعالي بس كده أقعد ونتكلم راجل لراجل بدل ما أنتَ عمال تدور قدامي زي النحلة لغايت ما صدعتني ودوخت منك......
جاء نضال وجلس على المقعد ليس لأنه محبًا أن ينفذ الأوامر أو التعليمات التي تلقي عليه ولكنه على الأقل أدرك بأنه أرهق وعليه أن يجلس لأن ما يفعله لن يأتِ بشقيقه أو حتى والده...
تحدث دياب بهدوء هنا بعدما ترك كيس المقرمشات على الطاولة:
-قولي بقا إيه رأيك فيها؟!..
صاح نضال في وجهه متشنجًا:
-هو أنتَ كل مشكلتك إيه رأيي فيها؟! الكلام ده كنت تقوله لو مثلا حد اقترح عليا يجيبلي عروسة وكانت هي من ضمن الاقتراحات ساعتها أه كان ممكن تسألني لكن مش أكون طالع علشان ابويا هيتجوز وبحاول اسيطر عليه ألاقي نفسي أنا اللي بدبس...
ختم نضال حديثه بنبرة غاضبة إلى أقصى حد:
-المشكلة مش فيها طبعًا أنا مغلول من اللي عملوه فيا..
قاطعه دياب بمنطق عجيب:
-طب ما تفكر يا اخي، إيه المشكلة يعني مش يمكن دي إشارة تشوف حاجة مش شايفاها يا رجل الإشارات، واللي بتقعد تدي فتوة لما تحصلي حاجة..
-طب نقطني بسُكاتك..
انتقل دياب إلى موضوع أخر في ثواني معدودة هاتفًا وهو يضحك على ما يقوله ويتحدث بكلمات منقطعة:
-أنا متخيل أخوك سلامة ده بعد عشرين سنة لو ربنا أداني العمر، قاعد في الشارع ماسك الشيشة وقاعد مع ابوك ولابسين جلاليب زي بعض، سبحان الله جينات أبوك طافحة فيه بشكل مُريب..
تنهد نضال ومسح وجهه بكفيه متحدثًا وهو ينظر له نظرات جادة تناقض ما يتفوه به:
-والله يا دياب حقك عليا إني جيبتك علشان أخد وقتك الثمين كل ده علشان تسمعني قانون مندل للوراثة ومين خد جينات مين، أنا مغلول بقولك ومتنرفز...
تحدث دياب بهدوء وهو ينظر له:
-أنتَ بس اللي واخد الموضوع على قلبك كده ومش واخده ببساطة لو فكرت في سلمى كـ بنت اتقدمت ليها مهما كانت الطريقة اللي دبسوك بيها الموضوع هيختلف، وكمان يعني دي حركة متوقعة من أبوك واخوك، الغريب أنك روحت يعني هو أنتَ اللي كنت هتمنع الجوازة يعني؟! هو أبوك من امته حد بيمنعه عن حاجة يعوزها...
هتف نضال بحسرة ونبرة مختنقة:
-الحق عليا معاك حق مكنش ينفع اروح وكنت اسيبهم يعملوا اللي يعملوه....
تمتم دياب بنبرة مسالمة ولا يدري متى وصل لها؟! فهو لو كان في موضع نضال أو حتى إذا كان قص نضال عليه الأمر قبل بضعة أشهر وقبل أن يمر بكل ما مر به؛ كان قد رأى الأمر كبيرًا ومزعجًا مثل صديقه لكن الآن اختلفت المعايير بالنسبة له..
-والله أنا شايف تفكر في سلمى كزوجة ليك، وشوف الإنسان اللي زيك وشبهك ويريحك، وتريحها بلا وجع قلب ولا اختيارات غلط توجع قلب الواحد..
كاد نضال أن يرد عليه لكن قاطع هذا الحديث أن باب الشقة انفرج ويدخل جسد ما يرتدي قناع الخاص بالأطفال تحديدًا شخصية "سبونج بوب" وهو يحمل أحدى العلب الخاصة بالحلويات...
أغلق سلامة الباب خلفه وهو يدندن:
-أنا سبونج بوب بوب، أنا سبونج بوب بوب اصفر كموني، سفنجة وده لوني...
دخل سلامة وسار بضعة خطوات ورأي نضال ودياب يجلسون على الطاولة مما جعله يهتف وكأنه لم يفعل شيئًا رُبما لأنه بالفعل لم يكن يعرف ما الذي يخبئه اللقاء حقًا ويتم ظلمه:
-انزل يا جميل في الساحة واتمخطر كده براحة...
قالها وهو يضع علبة الحلوى على الطاولة وخلع القناع الذي يتواجد على وجهه ومتحدثًا بنبرة هادئة:
-كل سنة وأنتَ طيب يا نضال ياخويا، كل سنة وأنتَ بخير ودايما في قلوبنا..
لم يستوعب نضال ما الذي يحدث؟!
وما هذا الهراء حقًا...
كما الحال مع دياب..
انحنى سلامة وترك قُبلة على وجنتي شقيقه ثم غمغم:
-عيد ميلادك قرب فقولت نحتفل بيه سوا والحمدلله أن دياب موجود يشاركنا الاحتفال البسيط ده..
غمغم دياب هنا بعدم فهم:
-هو اخوك فاقد الذاكرة ولا إيه؟!.
تمتم نضال بسخرية:
-لا مش فاقد الذاكرة ولا حاجة أنا فعلا عيد ميلادي قرب...
رفع دياب حاجبيه متحدثًا باستنكار واضح:
-يا راجل!!..
رد نضال عليه بسخرية واضحة:
-اه قدامه حوالي شهرين ونص كلام فارغ يعني هانت..
شعر سلامة بالخوف وهو يُردف:
-أنا بقول تفتح التورتة كده وتطلعوها عقبال ما أدخل اجيب شوك واطباق وسكينة..
جذبه نضال ليجلس بجانبه مُجبرًا هاتفًا بشر:
-لا تروح فين بس؛ دياب هو اللي هيروح يجيبهم افتح أنتَ التورتة وفرجني...
أخذ سلامة يرتعش وهو يفتح الصندوق الكرتوني بأصابع مرتجفة ونضال يضع يده على كتفه وكادت أظافره أن تخترق ملابسه ثم بعدها جلده......
فتح سلامة العلبة وبدون مقدمات وضع نضال يده على مؤخرة رأس شقيقه وانحنى بيها إلى أن أصبح وجه شقيقه والكعكة شيئًا واحدًا........
ثم أبعد يده وهنا هتف نضال ساخرًا تحت ضحكات دياب صدقًا عائلة خطاب هي أكثر أشخاص تصيبه بالضحك تلك الفترة:
-وأنتَ طيب يا حبيب اخوك، قولي بقا أبوك فين؟!.
تمتم سلامة وهو يضع يده على وجهه يحاول أن يمسح أي شيء ولكن ليس هناك فائدة تلطخ وجهه وعنقه بالكامل:
-والله ما اعرف أنا مشفتهوش من ساعة ما نزلنا من عندهم ولا حتى بيرد عليا أنا كمان وبعدين هو اللي دبسك مش أنا، أنا مكنتش أعرف أن الأمور هتوصل لكده......
ثم تحدث سلامة بنبرة اغضبت نضال حقًا:
-وبعدين يعني حد يطول يتجوز واحدة زي سلمى؟!...
صرخ نضال في وجههما بطريقة جعلت سلامة ينتفض حتى أنه سقط على دياب الذي صاح مستنكرًا..
-هو كلكم هتقولولي هو أنتَ تطول، ليه شايفين أن مفيش واحدة تقبل بيا يعني؟! ولا حد دافعلكم فلوس مش فاهم مالكم؟!..
تحدث سلامة بنبرة خائفة:
-قطع لسان اللي يقول كده هو في واحدة تطول تتجوز نضال زهران خطاب ده امها تكون دعت ليها في ليلة القدر مش كده يا دياب..
تحدث دياب بانزعاج وهو يحاول أن يدفع سلامة عنه:
-كده اه بس أبعد عني وقوم الله يخربيتك السويشيرت ابيض ووشك بينزل كريمة وشيكولاته عليه..
ثم تحدث بنبرة جادة تناقض ما يحدث:
-أنا نفسي اعرف ايه نوع الصنف اللي بتضربه أنتَ وابوك..
نهض سلامة واقترب من نضال هاتفًا بوقاحة وهو يرفع هاتفًا بطريقة جعلت نضال على وشك أن يقتله:
-يلا صورة حلوة لينا احنا التلاتة بمناسبة عيد ميلادك....
الجزء الثاني من الفصل العاشر..
___
بعدما أخذ سلامة حمام عميق ودافئ من أجل أن تذهب الحلوى والكعك من وجهه ورأسه وعنقه كان يجلس على الأريكة بعد ذهاب دياب وبقى شقيقه في غرفته في الداخل....
ها هو يضع الهاتف على أذنيه يتحدث معها بنبرة غاضبة ولكنه حرص على أن تكون خافتة قدر المُستطاع...
-أنتِ فين يا ست هانم من ساعة ما كنت عندكم مفيش منك لا حس ولا خبر..
ردت عليه جهاد بعصبية وصوتٍ اخترق أذنيه:
"وهو أنتَ كنت اتصلت بيا ولا عبرتني وأنا مردتش عليك؟!"
غمغم سلامة بانزعاج كبير:
-أنا اللي المفروض اتصل ولا أنتِ؟! اللي المفروض تفهميني إيه اللي حصل ده؟! ابوكي امته ظهر ويعني إيه رادد أمك وأنتِ قولتي مطلقين من زمان وعشان كده كان الاتفاق مع أمك وخالك...
تحدثت جهاد بغضب واضح وعصبية مُفرطة أحداث اليوم كانت صعبة عليها:
"طلعت بكدب عليك تعمل ليا إيه بقا؟! أنا كدابة وكنت بحور عليك أنا وأهلي"...
صاح سلامة باسمها مستنكرًا وغاضبًا من كلماتها:
-جــهــاد متعصبنيش واتكلمي عدل..
ردت جهاد عليه بغضب وشراسة لم تدوم طويلًا:
" بلا جهاد بلا زفت بقا ...
لم تستكمل كلماتها بل غرقت في نوبة بكاء مريرة وهذا ما غير المعادلة تمامًا وسلامة يسمعها هاتفًا بختناق:
-بتعيطي ليه دلوقتي طيب؟!...
غمغمت جهاد بألم واضح ونبرة تائهة:
"كده علشان أنا تعبانة ومش عارفة اتكلم ومش عارفة الصح أتكلم معاك ولا لا في أمور مينفعش اقولها".
صمت سلامة ولمدة ثواني فقط شعر بالندم الشديد..
لم يكن عليه أن يغضب عليها ويتحدث في بادئ بتلك الطريقة يبدو أن هناك أشياء كثيرة لا يفهمها وهو تحدث بطريقةٍ سطحية....
-طب اهدي طيب، خلاص أنا مش عايز أعرف حاجة مدام مش حابة تتكلمي بس اهدي على الأقل وكل حاجة هتتحل..
بكت أكثر وهي تغمغم بقلة حيلة:
"كل حاجة هتتحل ازاي بس؟! سلمى سابت البيت وقافلة موبايلها كمان ومش عارفة أوصل ليها"..
ردد سلامة كلماتها بعدم فهم لتجذب أذن نضال الذي ولج إلى المطبخ المفتوح:
-يعني إيه سابت البيت وقافلة موبايلها؟! ليه كل ده؟!......
تحدثت جهاد بانزعاج واضح:
" مش عارفة أنا خايفة عليها أوي دبت خناقة مع بابا بعد ما مشيتوا، واللي فهمته أن في واحد أخو صاحبتها كان قايلها انه عايز يتقدم ليها بس هي معرفتش حد ورفضته من برا برا والواد وصل لعمامي وهما وصلوه لأبويا وهي مش عاجبها كل ده"..
تمتم سلامة بنبرة مرتفعة يقصدها وهو يشعر بحركة نضال في المطبخ لكن لم يظهر ذلك:
"يعني هي موافقة على نضال بس مش موافقة على الراجل التاني؟.
"معرفش هو الخناقة كلها على الواد التاني ده وبعدين مش هي دي المشكلة بقا أنا قلقانة عليها ومش عارفة اعمل إيه وماما ضغطها علي واغمى عليها بس الحمدلله فاقت يعني وروحنا الصيدلية قيسنا الضغط ورجعنا"..
هتف سلامة بتردد:
-ألف سلامة عليها وبالنسبة لـ سلمى يمكن راحت عند صحابها يا ستي حبت تفصل شوية ومفيش حاجة متفكريش بطريقة وحشة...
جاءه صوت جهاد وهي تشعر باحباط شديد:
"مش عارفة يا سلامة احنا كلمنا صحابها اللي تعرفهم بس هما مش كتير، سلمى معندهاش صحاب كتير، وكلهم قالوا ميعرفوش حاجة وماما حلفتهم خافت أحسن يكونوا بيقولوا كلام وخلاص وهي معاهم"
تمتم سلامة بقلق هو الآخر بدأ يستشعره:
-الساعة لسه تسعة يمكن جاية ومتقلقيش نفسك على الفاضي، طب أنتِ شاكة في مكان أو حاجة، في حاجة أقدر اعملها طيب اجيلكم؟!! انزل ادور عليها...
هتفت جهاد بنفاذ صبر وهي تمسح دموعها:
"هتنزل تدور فين بس، هو احنا عارفين حاجة أصلا؟! أنا هقفل معاك وهتصل بخالو يمكن يكون كلمته وهو أقرب حد ليها، ولو وصلت لحاجة هكلمك"..
قال سلامة بجدية:
-ماشي اقفلي وكلميه ولو في اي حاجة اتصلي بيا أي وقت ماشي؟!
"حاضر".
-افتكري إني موجود، سلام..
"سلام".
هكذا انتهت المكالمة بينهما ليشعر سلامة بالضيق من أجلها هو لا يتحمل بكائها أبدًا بالرغم من مشاكلهما الكثيرة لكنها قصيرة الأمد لأنه لا يتحمل فراقها او الابتعاد عنها أو معرفة أنها حزينة....
يعلم أن هناك الكثير من الأشياء مفقودة فهي قصت الجزء الخاص بسلمي فقط لكنها لم تخبره شيئًا عن أبيها...
ليكون صادقًا هو كان يريد أن يخرج شحنة من غضبه في المقام الأول وفي المقام الثاني لأنه يغار....
نعم يغار من رجل يقطن في منزل خطيبته حتى ولو كان والدها لانه ببساطة لم يراه ابدًا...
كأنه رجلًا غريبًا...
لم يعتاد على وجوده معها...
هناك شيء مفقود وعلى ما يبدو أنها لا ترغب في الحديث في أي شيء لذلك التزم الصمت ولم يسألها عن أمره كثيرًا...
بينما في المطبخ كان نضال يقف ينظر ناحية كوب الشاي الذي أسكبه منذ قليل يحاول أن يراجع ما سمعه وشعر بالانزعاج الشديد من اختفاء سلمى.....
ومن العـريـس الآخر؟!
ما الذي يحدث من الأساس...
هو يشعر بألم شديد في رأسه من كثيرة الأمور الغريبة الذي يمر بها تلك الأيام...
سؤال واحد يأتي في عقله أين ذهبت تلك الفتاة؟!
عليه أن يفكر...
__________
تجلس ريناد في الشرفة تضع السماعة في أذنيها بعدما تناولت العشاء برفقة المرأة التي تكون قريبة لها ورفقة تلك الفتاة التي لا تعلم من أين ظهرت لها...
هل كان ينقصها شخص أخر يدخل إلى تلك الشقة الصغيرة جدًا، هي لم تعتاد على بهية قط لكن انتهت حلولها حينما رفض خالها مساعدتها بل حاول أن ينصحها بأن تفعل ما يريده والدها وألا تغضبه أكثر من ذلك...
هذا جعلها تذاكر طيلة الليل وتحاول أن تفعل أي شيء قد يُنسيها المكان التي تتواجد فيه، كما أن تلك المقاطع التي بدأت بصنعها على غير المتوقع بدأت بعض الفتيات بمتابعتها وانتظار مقاطعها وهذا الشيء اسعدها قليلًا وساهم في أن يشغل وقتها...
هي غاضبة إلى أقصى حد حتى أنها بسبب الصداع الذي يصيبها، خلعت تلك السماعة وبمجرد أن خلعتها ووضعتها على الطاولة نما إلى سمعها صوت حوار يأتي من الطابق العلوي....
من شــرفـة مـنـزل ديـاب..
-الحمدلله الدكتور طمنا يا دياب، وبإذن الله بعد الجلسات وتعمل المسح الذري هتكون كل حاجة كويسة يا حبيبي..
قالت ايناس تلك الكلمات بعدما تركت أطفالها أمام التلفاز وشقيقتها تذاكر في الغرفة أما والدتها خلدت إلى النوم قليلًا...
تمتم دياب بعدما سحب نفس من سيجارته:
-يارب يا ايناس يارب..
هتفت ايناس بنبرة هادئة ومتفائلة أو تحاول صنعها بالرغم من قلقها وخوفها الكبير الذي رُبما يفوق الجميع:
-ان شاء الله خير يا حبيبي ربنا مش هيخذلنا أبدًا هو اختبار وهنعدي منه ان شاء الله..
-ان شاء الله.
ثم تنهد دياب وتمتم بعدما أطفأ سيجارته:
-كام اختبار الواحد هيعدي منه يا ايناس؟! لما ابويا مات قولت ده اختبار، لما سيبت الشغل قولت ده اختبار، لما عرفت اللي حصل لامك ده اختبار، كل ما اروح في شغلانة متقبلش اقول ده اختبار، سيبت ليلى وقولت ده اختبار، كام اختبار الواحد هيعدي منه؟؟!..
أسئلته كانت استنكارية بشكل رهيب هذا ما جعل ايناس توضع يدها الحنونة على كتفه متحدثة بنبرة قوية:
-احنا في دار بلاء يا دياب، كل اللي احنا فيه ده طبيعي محدش هنا علشان يلاقي السعادة ولا احنا في الجنة، الحياة يوم حلو ويوم مُر، السعادة الحقيقية والنعيم مش هنا أبدًا، وكل الناس بتمر باختبارات باختلاف حياتهم وظروفهم، وكل ده علشان نأخذ جزاء عليه في الأخرة، أنتَ راجل مؤمن يا دياب متقولش كده تاني ولا حتى بينك وبين نفسك...
انزعج من نفسه أكثر مما انزعجت هي مما جعله يعقب بنبرة خافتة:
-حاضر..
سألته ايناس بنبرة جادة:
-أنتَ بطلت تصلي ولا إيه يا دياب؟!.
أجابها دياب بـ حرجٍ:
-بقطع، بحاول استمر..
-ارجع صلي تاني يا حبيبي، وارجع دياب اللي أنا اعرفه اللي مهما دق على رأسه هو واثق أن ربنا مش هيسيبه وهتتحل، متسيبش للشيطان فرصة يدخل ليك منها.
هز رأسه بإيجاب وهو ينوي فعلا بأن يفعل هذا....
حاولت ايناس أن تغير الموضوع هاتفة بعد دقائق من الصمت الذي طال بينهما:
-كلمت ليلى من بعد ما فشكلتوا ولا حاجة؟؟.
أردف دياب بتلقائية:
-لا طبعا هكلمها أقولها إيه؟! هي بعتتلي عامل إيه على الواتس بس مردتش عليها وبحاول امنع نفسي من اني ارد عليها...
غمغمت ايناس بتردد:
-هي كانت بتحبك أنا متأكدة من ده بس موضوع شغلك على التوكتوك ده اللي جنن امها..
تحدث دياب بنبرة قوية وهو يشعل سيجارة جديدة:
-مبقاش له لازمة الكلام يا ايناس وبعدين أنا كان لازم الاقي حل علشان مصاريف البيت، ربنا يوفقها في حياتها وتلاقي نصيبها، في أمور بتخلي الناس يفشكلوا وأنتِ مش فاهمة ليه يسيبوا بعض مع أنهم بيحبوا بعض بس اتضح أن كلمة الناس الكبيرة أن الحب لوحده مش كفاية كان عندهم حق.....
-ربنا يصلح ليك الحال يا دياب، زي ما أنتَ طول عمرك ومن بعد أبوك شايلنا وشايل حملنا، هيجي في يوم والدنيا هتضحك لك ان شاء الله..
غمغم دياب بنبرة مرحة وهو يتذكر كلماتها:
-بس أنا عايز ادخل الجنة مبقتش هماني الدنيا...
-بإذن الله ربنا يرزقك بيها، ويصلح حالك في الدنيا ويعلي من شأنك ويعوضك ويكرمك....
ضحك دياب بنبرة هادئة:
-تعرفي الانسان امته بيكبر؟!.
سألته إيناس بفضول لمعرفة إجابته:
-امته؟!.
تحدث دياب بنبرة عفوية:
-لما بيكون نسخة من امه وابوه، وبيعمل التصرفات اللي كانت بضايقه منهم، لما كبرت وبقيت بعمل كل حاجة ابوكي بيعملها معانا مع حور علشان تذاكر وفي كل تفصيله في البيت حتى يوم إجازتي اقعد أفك البيت حتة حتة واصلحه، لما بشوفك مع عيالك وبتتعاملي معاهم زي ما امك كانت بتعمل بالظبط، حتى دلوقتي كلامك ودعواتك...
كان في الطابق الثالث شقيق يفضي ما في نفسه ويتحدث هو وشقيقته عن أوضاعهم وما يحدث في حياتهما...
بينهما في الطابق الثاني كان هناك فتاة مدللة كما يصفها الجميع تسمع معاناة حتى ولو بطريقة سطحية غير عميقة لكنها كانت كفيلة أن تشعر بالغضب من نفسها أنها كانت السبب في أن يترك عمله ويبدة أنه في حاجة ضرورية وماسة إليه...
ارتكبت حماقة كبيرة وسوء في حقه قامت بأذيته دون أن تدري....
كلماتهم ترن في صغاها وتشعر بالاختناق أكثر وأكثر تحديدًا تلك الفتاة التي لا تعرف هويتها لكنها قالت كلمات مستها بشكل مخيف.....
___________
جدول عملياته مزدحم إلى حدٍ كبير...
لا يستطيع أن يأتي على الغداء ولكنه يحرص على الاتصال بهما طوال الوقت، وكان لدى نسمة صديقة مُقربة من أحدى الجيران على الرغم من الحالة الصحية لنسمة واختلافهما في كثير من الأمور إلا أن صداقتهما لم تنقطع....
لكنها في الفترة الماضية كانت خارج البلاد مع والدها وتزامنًا مع عودتها أصبحت تأتي يوميًا لزيارة نسمة وقضاء بعض الوقت معها في فترة غياب جواد.
كان هذا ما يجعله مطمئنًا قليلًا...
مع وجود منيرة طوال الوقت تقريبًا..
لأنه لا يستطيع اللحاق بالغداء؛ يحرص على أن يأتي في وقت العشاء وهي تكن في انتظاره حتى ولو تأخر...
وها هو يجلس معها على الطاولة يتناول العشاء معها بلا شهية ولكنه مجبر على التناول...
لم يعد له شهية لأي شيء، حياته أصبحت مريبة تغيرت بين ليلة وضحاها...
موت والده جعله يرى الحياة بعين أخرى..
لم يعد يرغب في زيجة زائفة...
أو علاقة مؤقتة..
أو أن يكذب على نفسه بأنه قد وجد الحب الحقيقي..
أصبح كل شيء في عينه غير حقيقيًا بعد كل ما مر به....
فهم أنه كان يحاول أن يوهم ذاته بمشاعر غير موجودة عند الطرف الآخر...
فهم بأن كل ما كان يعيش فيه مع زوجته أو مع أحلام كان غير حقيقًا بالمرة؛ لذلك لم يرغب في أن يظل متمسكًا بخيوط مقطوعة من الأساس أو حبال دائبة أو علاقات زائفة...
من وسط تفكيره فيما مضي وفيما سوف يحدث...
قاطعت نسمة هذا الصمت الرهيب ببراءة واضحة وشفافية عالية كل ما يقع على لسانها تتفوه به دون تفكير:
-أنتَ طلقت رانيا؟!.
ترك جواد الملعقة التي كانت تتواجد بين أصابعه متحدثًا بنبرة هادئة رغمًا عنه فهو لا يخرج غضبه أو ضيقه حتى عليها يحاول أن يفعل ما فعله والده معها:
-أنتِ مين اللي قالك يا نسمة؟!.
أردفت نسمة بتوضيح وكلمات تخرج منها ببطئ:
-هي جت تلم هدومها مع صاحبتها، اكيد منيرة مرضتش تقول ليك علشان متضايقش..
تحدث جواد بنبرة واضحة وهنا خرجت كلماته منه بعصبية وهو يفكر بأنها قامت بالاحتكاك مع نسمة بطريقة ازعجتها:
-كلمتك أو قالتلك حاجة؟!!.
هزت نسمة رأسها نافية ثم غمغمت بنبرة غير سريعة تمامًا تأخذ وقتها بين كل كلمة وأخرى:
-لا كنت قاعدة مع هايدي، أنا قولت أنكم أطلقتوا فهي جت تاخد اي حاجة ليها..
رد جواد عليها مختصرًا:
-اطلقنا اه...
عليه أن يتحدث مع الجميع...
يجب عليهم أن يخبروه بمن يدخل المنزل أو يخرج منه، لكن الخطأ ليس خطأهم، بل كان الخطأ منه هو لأنه لم يخبر أحد بأنه تم الطلاق بينهما حتى الآن لذلك وجد الجميع دخولها المنزل شيئًا طبيعيًا...
تحدثت نسمة بلا تردد أو خوف، هي لا تسيطر على كلمتها:
-علشاني؟! أصل هي مكنتش بتحبني...
صمتت لثواني وهو ينظر لها وانزعاجه من رانيا يتفاقم بشكل مُريب لكنها ختمته بنبرة عفوية من الدرجة الأولى:
-ولا كانت بتحبك...
نظر لها جواد بدهشة...
يا ليت جميع البشر يشعرون كشقيقته، ويمتلكون من الشجاعة والجسارة وعدم الخوف من قول مشاعرهم والحقيقة دون تزيفها مثلها...
أمسك جواد كف شقيقته الممتلئ والصغير قليلًا تاركًا قُبلة فوقه، محاولا قول أي شيء غير أن رانيا لا تحب نفسها من الأساس..
-مفيش حاجة حصلت علشانك يا نسمة، الموضوع ده من زمان كان المفروض يخلص، احنا مكناش مناسبين لبعض لا أكثر ولا أقل، متحطيش حاجة في بالك ولا تركزي في حاجة...
ثم ابتسم لها وهو يحاول تغيير الموضوع هاتفًا:
-هايدي بعتتلي أنها عايزة تخرج معاكي بكرا، أنتِ إيه رأيك؟!
هزت نسمة رأسها بإيجاب متحدثة بلهفة طفل غير مصتنعة:
-أيوة عايزة اخرج معاها...
-ماشي بس منيرة تروح معاكم علشان اكون مطمن عليكي...
تمتمت نسمة بهدوء:
-ماشي...
بعد تناول العشاء ولج جواد إلى الغرفة مع شقيقته ظل جالسًا معها، يتحدث معها إلى أن خلدت إلى النوم ليترك قُبلة على رأسها وبعدها يدثرها بالغطاء ويغلق المصابيح ثم غادر من الغرفة متوجهًا صوب الغرفة...
وقبل أن يخلع ملابسه وجد اتصال من شقيقه الأكبر عماد أجاب..
-الو، ازيك يا عماد عامل إيه؟!.
"الحمدلله بخير، وأنتم عاملين ايه؟!"
رد جواد عليه بهدوء:
-الحمدلله احنا كويسين..
سأله عماد بحذر واضح:
"أنتَ طلقت رانيا؟!".
تحدث جواد ساخرًا وهو يفتح مكبر الصوت حتى يخلع ساعته وهو يحدثه:
-ما شاء الله الخبر تخطى حدود بيتنا ومصر والدول المجاورة ووصل للصين..
رد عماد عليه ببساطة:
"رانيا منزلة على الفيس ولسه جيهان قايلالي أنها منزلة أنها بقت سنجل".
-اه اطلقنا..
"ربنا يعوضك بالاحسن الصراحة أنتم الاتني مكنتوش نافعين مع بعض، ما علينا دي حياتك وأنتَ حر فيها، المهم أنا كنت متصل علشان حاجة تانية أساسًا".
سأله جواد بفضول:
-حاجة إيه دي؟!
"كنت حابب نسمة تيجي تقعد معانا فترة وتغير جو، حاسسها هتكون فرصة كويسة ليها جدًا وممكن منيرة تيجي معاها واحجز ليهم هما الاتنين أنا معرفش في إجراءات معينة ولا لا بخصوص حالة نسمة بس يعني سهلة نسأل ونشوف"..
تحدث جواد بقلق أب تلك المرة:
-بس نسمة عمرها ما سافرت يا عماد، وكمان السفر للصين بيعدي الـ اثنى عشر ساعة...
"مش عارف بس حاسس أنه عادي، نسمة حالتها مش سيئة للدرجة دي، أنا قولت تغيير جو ليها وكنت بفكر اخدها ونسافر انا وهي والولاد اي بلد أسبانيا كام يوم، وبعدين أنا لو عليا عايزك أنتَ كمان تيجي معاها بس هتفضل تقولي الالتزامات اللي عندك زي كل مرة"
-مش عارف يا عماد خليني أفكر برضو واخد رأي الدكتورة بتاعتها...
"تمام يا جواد شوف وعرفني"..
بعد دقائق انتهت المكالمة بين جواد وعماد...
وما أن كاد يفتح أزرار قميصه حتى يغير ملابسه وجد اتصال من طبيب يعمل معه في المستشفى تحديدًا في الطوارئ..
-الو..
"الو يا دكتور؛ اسف لو صحيتك من النوم".
رد جواد عليه ببساطة:
-أنا مش بنام دلوقتي لسه، في إيه؟!..
جواد عز الدين..
من أهم الأسامي، كما كان والده في مصر الذي يتم ذكر اسمها ولذلك عند الحالات الصعبة يتم اللجوء إليه..
"في حالة جت في الطوارئ ولازم تدخل عمليات حالا في رصاصة في الرئة تقريبًا واعتقد حضرتك لازم تيجي الوضع صعب ودكتور جورج تعبان وحالته الصحية حرجة".
-جهزوا العمليات وجهزوه وأنا جاي حالا.....
___________
"أكل العسل حلو بس النحل بيقرص، شرب الدواء مر بس بيشفى ويخلص، في لحم تأكله، لحم يأكلك...."
يدندن زهران تلك الكلمات بمزاج رائق بعدما ولج إلى الشقة " الشقة الذي يجلس فيها مع زوجته" ليس شقة نضال وسلامة..
وضع الأرجيلة الخاصة به في أحدى الجوانب وأغلق الباب خلفه ثم مد يده ليضغط على الزر حتى يتم فتح المصابيح وما أن فعل حتى خرجت منه شهقة وأتسعت عينه بذهول وهو يجد نضال يقف أمامه وينظر له بأعين مخيفة...
-بسم الله الرحمن الرحيم...
ثم أسترسل زهران حديثه وهو يبتلع ريقه محاولًا أن يعود إلى توازنه مرة اخرى:
-أنتَ بتعمل إيه هنا؟! وبعدين حرام عليك عايز تقطع لأبوك الخلف يا نضال يا ابني لما تخضني كده؟!.
تحدث نضال بنبرة منفعلة:
-خلف إيه اللي بتتكلم فيه، أنتَ كنت فين طول اليوم؟!.
تمتم زهران بنبرة هادئة ولا يدري من أين أتى بها:
-كنت واخد البت كريمة في مشوار كده، قولت أغير جو وبعدين مالك أنتَ؟! أنا اللي أبوك وأسالك روحت فين وجيت منين مش أنتَ اللي تسألني..
الحقيقة هي بأنه كان يخشى العودة إلى المنزل...
لذلك عاد في هذا الوقت المتاخر من الليل، قُرب منتصف الليل...
حتى يتجنب الشجار مع نضال اليوم أو حتى الحديث معه....
غمغم نضال بعدم فهم:
-كريمة مين؟!..
أردف زهران بنبرة جادة وهو ينظر له:
-الشيشة..
ضيق نضال عيناه وهو يحاول أن يستوعب ما يسمعه تحديدًا ووالده يسترسل حديثه بجدية شديدة:
-اصلي قولت برضو ازاي بعد العمر ده كله والأصيلة الغالية الكريمة معايا فيه، بقالها سنين، من ساعة ما الأولى اتكسرت وهي بترافقني في كل مكان قولت ازاي مسمتهاش لغايت دلوقتي؟! قولت لايق عليها كريمة...
سأله نضال بوضوح قاطعًا هذا الهراء كله:
-إيه اللي عملته؟! ازاي تعمل كده وتقول كده..
تمتم زهران بنبرة جادة وهو يعقد ساعديه ويتحدث بأسى شديد:
-متفكرنيش يا نضال يا ابني باللي حصل؛ طول اليوم بحاول انسى وأشرب حجر ورا الثاني، والثالث ورا التاني، ومفيش حاجة بتقلل الألم اللي أنا فيه...
تحدث نضال بنبرة غاصبة إلى أقصى حد ولكن بالرغم من ذلك كان يحاول السيطرة على ذاته بألا يعلى صوته عن صوت أبيه، هو يجاهد لـ يحافظ على نبرته بصعوبة شديدة:
-أنتَ مدرك عملت إيه؟! ودبستني في إيه؟!..
غمغم زهران مدافعًا عن نفسه ببساطة شديدة وهو يتخطاه ويذهب ليجلس على الأريكة:
-اومال أنا اعمل ايه؟! وأنا رايح اخطب حب عمري وفاكرها سنجل طلعت متجوزة، شوف اللي حاصل في قلب أبوك قبل ما تدور على نفسك...
ثم صرخ في وجهه وهو يجده ممسكًا الأرجيلة بيد واحدة مما جعله ينهض من فوق الأريكة :
-سيب كريمة...
تمتم نضال ساخرًا:
-ولا هسيب كريمة ولا هسيب سماح، أنتَ دبستني ومش هتشوف كريمة تاني.
اقترب زهران من ولده هاتفًا:
-كله إلا كريمة، خلاص حقك عليا، وبعدين ذنب كريمة إيه يا ابني؟! مهوا أنتَ اللي جيت وأنا بتكلم، إلا صحيح إيه اللي جابك؟!..
تحدث نضال بجنون:
-جيت بسبب ابنك، هو اللي بعتلي رسالة وقالي أجي علشان ألحق اللي بتعمله.....
ضحك زهران ثم غمغم بجدية وتشفي:
-شوف ربنا، جيت تمنع جوازتي بحب عمري اللي طلعت متجوزة، أنتَ اللي ادبست مهوا اللي حصلك ده مش من شوية، من نيتك السوداء أنتَ واخوك بلاش تلومني أنا، أنا كل اللي عملته إني بحفظ ماء وجهي..
رفع نضال الأرجيلة إلى أعلى ثم نزل بها إلى أسفل وهي مازالت بين يديه مما جعل زهران يتحدث بملامح خائفة:
-قلبي هيقع في رجليا يا ابني سيب كريمة علشان نعرف نتفاهم...
-ده أنا هكسر كريمة وابنك اللي فوق ده مش هسيبه علشان هو السبب الأساسي في الموضوع..
تحدث زهران بخوف وهو يجد يد ابنه ارتفعت مرة أخرى:
-طب سلامة عادي هو السبب، لكن كريمة مكنتش حاضرة الواقعة، كُن منصفًا يا سيدي القاضي...
غمغم نضال بنبرة متشنجة:
-إيه يا عم زهران الساهر، هو أنتَ هتغنيلي...
أردف زهران بنبرة جادة للغاية:
-يكون في علمك بقا كريمة لو حصلها حاجة مش هسامحك لآخر يوم في عمري، وكل يوم والعربيات ماشية بالخرفان والعجول هخليهم يعرفوا المنطقة كلها إني اتبريت منك....
ترك نضال الأرجيلة متحدثًا بنبرة هستيرية:
-حضرتك قاعد بتهزر، وبجد مش مستوعب إيه اللي أنا عملته؟!.
تمتم زهران بجدية بالغة:
-أنا مش شايف إني عملت أي حاجة يعني، طول ما البت مطلعتش متجوزة زي حالاتي يبقى أحنا في السليم، وآمالك متحطمتش زي أبوك يبقى الموضوع بخير، وبعدين دي جوازة ليه محسسني إني كنت بقدملك على طلب الإعدام؟!..
تحدث نضال بجنون حقيقي وهو يضع يده على مؤخرة رأسه:
-كل حاجة عندك سهلة كده...
-مهوا مفيش أسهل من الجواز...
-اتجوز واحدة لا بحبها ولا...
قاطعه زهران وهو يحمل كريمته أو أرجيلته ويضعها بجواره على الأريكة متحدثًا بنبرة شاعرية:
-طب تصدق أنا اتجوزت سميرة جوازتي الرابعة بعد ما شوفتها مرتين بس في الثالثة كنت بتجوزها، الله يمسيها بالخير ان كانت عايشة ويرحمها ان كانت ميتة..
ابتلع ريقه وهو يزيد من اشتعال نضال هاتفًا:
-وكانت حب عمري وأسعد جوازتي؛ وبعدين سلمى أدب واخلاق وجمال تلاقي فين زيها تاني أصلا؟! لولا أنها كده مكنتش قولت اللي قولته مهما كنت تحت ضغط أنا اصلا كنت من فترة هقترح عليك الموضوع أنا شايفها فعلا بنت متتعوضش..
صاح نضال بنبرة ساخرة وهو يضع يده على الطاولة :
-ما كفايا انتَ وحب عمرك وكريمة علشان أنا على أخري؛ ومش كل ما أكلم حد يحكيلي قد إيه هي متتعوضش...
تحدث زهران بنبرة دبلوماسية:
-انا عارف إني غلطت بس كنت مضطر، أنا شايف أنك تطلع تهدى وتحاول تنام كده، ونتكلم وقت تاني علشان مش هنوصل لحل وأنتَ بالمنظر ده..
كان هذا أكثر شيء منطقيًا خرج من فم والده بعد هذا اليوم العجيب وكان ينفذ ما قاله بعدما أستدار وسار بضعة خطوات ليسمع زهران يطلب منه بأدبٍ:
-ما تولعلي على الفحم كده وأنتَ واقف بدل ما أنزل أقعد أقابل عمك أحمد إسماعيل على القهوة من ساعة ما طلقت وهو مش لاقي شغل كنت بشغله أنا...
أستدار نضال ينظر له بأعين غاضبة ومتشنجة، مغتاظة إلى حدٍ كبير مما جعل زهران يقترح بتوتر:
-لا خلاص يا حبيبي أطلع أنتَ وأنا هقوم أولع على الفحم أو أنا اصلا نازل مع ألف سلامة خلي بالك من نفسك وأنتَ طالع على السلم...
_____________
في منتصف الليل تقريبًا...
كان نضال يقف مع دياب، وسلامة أمام شقة بهية....
تحدث سلامة ساخرًا:
-والله هطلع شكلنا زي الزفت يا نضال، استحالة تكون سلمى قافلة موبايلها وسايبة البيت علشان تستخبي في الشارع اللي ورانا، هيبقى شكلنا قدام الناس زي الزفت وأحنا جايين ليهم في نص الليل...
تمتم دياب هو الآخر بنبرة جادة بعدما اتصل به نضال وأخبره بأنه قادم ولخص له الأمر وشكوكه بأن تكون سلمى هنا:
-والله أنا مكسوف من اللي هقوله ده بس أنا بتفق مع سلامة النهاردة وحاسس أنه بيتكلم صح، اتفقت مع ابوك وسلامة في يوم واحد مش مصدق اللي بيحصل..
-ممكن مسمعش صوتكم وتخرسوا شوية...
أنهى نضال جملته وضغط على زر الجرس..
كانت بهية تنام من بعد العشاء وكذلك ريناد خلدت إلى النوم مبكرًا لديها محاضرات في الثامنة صباحًا..
كانت الوحيدة المستيقظة هي سلمى، فحاولت النظر في تلك الأعين السحرية كما يسمونها الموجودة في الباب لمعرفة الطارق لتجد رؤيتها مشوشة تمامًا فسألت:
-مين؟!
شعر دياب وسلامة بالبلاهة كان نضال محقًا هي هنا...
اتضح كل شيء بعدما سمعوا صوتها..
لكز نضال يد دياب فغمغم دياب وهو يقلد صوت الصبي الذي يأتي بالمكوجى:
-أنا المكوجي جايب حاجات ست ابتهال...
صمت لثواني يحاول تذكر اسمها:
-أقصد ريناد..
-أوك ثواني وهفتح دقيقة...
ضحك سلامة رغمًا عنه فوضع نضال كفه على فمه، فتحت سلمى الباب بحسن نية بعدما أرتدت خمارها بشكل غير مهندم لكنه يفي بالغرض...
لتجد ثلاثة شباب يقفون أمامها..........
________
الفصل الحادي عشر من #عذرًا_لقد_نفذ_رصيدكم
#شارع_خطاب
بقلم #fatma_taha_sultan
____________
اذكروا الله.
دعواتكم لأهلكم في فلسطين والسودان وسوريا ولبنان وجميع البلاد العربية.
_____________________
نتمنى أن نجد مَن يُحبنا ليس لعلةٍ ما، أو لأننا نملك جناحين أن يحبنا لأننا "نحن"هكذا وبلا سبب حتى ولو كنا بلا أجنحة وهجرتنا كُل الأسباب .
#مقتبسة
"كمَن يوَدُّ أَن يَتخطَّى فَترات حياتهِ الصَّعبَة سريعًا بكُلّ صَلابتِه، ثُمَّ يَبكي."
#مقتبسة
كيف للمرء ان ينسى اشياء اهدر من اجلها قلبه •
#مقتبسة
_____________
تضع أحلام الهاتف على أذنيها وهي نائمة في فراشها تتحدث بصوتٍ ناعس ومنزعج من اتصاله عن رغبتها في النوم:
-في إيه يا طارق؟!..
جاءها صوته وهو يتحدث بنبرة لينة لم تكن غاضبة مثلها أو منزعجة حتى:
-في إني بقالي كام يوم ببعتلك صور كذا بيت وأنتِ ولا بتردي ولا غيره تقوليلي هشوف وأرد عليك ومش بشوف منك رد وأنا عايز أنجز في الحوار ده......
أردفت أحلام باستغراب:
-أنا مش فاهمة ليه الاستعجال ده طيب؟! وبعدين أنا مردتش النهاردة علشان كنت طول اليوم مشغولة في المستشفى..
تحدث طارق بعدم فهم من مماطلتها في الأمر:
-وإيه المشكلة يا أحلام يعني؟! ما الحاجة كل يوم بتغلى وبتزيد، ده العقارات والدهب كل يوم برقم مختلف عن اللي قبله زي ما أنتِ شايفة والفلوس مع الوقت قيمتها بتقل ومبيكنش ليها لازمة.
ابتلع ريقه وهو يوضح لها الأمر بطريقة أكثر وضوحًا في رغبته:
-وده حلمي من زمان أن يكون لينا بيت أنا بإذن الله أسكن فيه وأنتِ يكون ليكي شقة واختك ليها شقة وبيت من أوله وأخره يكون بتاعنا منقعدش في إيجار تاني، هو سنين الغربة والعمر ده والعمر اللي جاي كل ده ليه يعني؟!.
أعتدلت أحلام في فراشها ثم تحدثت بنبرة جادة:
-يا حبيبي أنا عارفة كل ده بس أنا يعني بقول في طُرق كتيرة تانية تستثمر فيها فلوسك أحسن خصوصًا إني أكيد لما اتجوز او هدير هتتجوز يعني العريس اللي هيجيب الشقة..
رد عليها طارق بهدوء شديد:
-اهو هتبقى فلوس ومتشالة ساعتها مخسرناش حاجة وبتزيد مع الوقت، شوفي الحاجات اللي بعتهالك أنا عاجبني أخر واحد هتلاقيني حاططلك نقطة عليه بس برضو شوفيهم كلهم وقرري كده وعرفيني علشان أرد على نضال والسمسار..
غمغمت أحلام بنبرة جادة:
-حاضر يا طارق هقفل معاك حالا وهشوف وأقولك إيه اللي عجبني..
-تمام وأنا بعتلك كل التفاصيل كمان وكل بيت كام متر وفين بالظبط في منهم اتنين عندكم في المنطقة وواحد تاني برا في ******..
بعد مرور ثلث ساعة تقريبًا...
كانت تجلس أحلام على الأريكة تضع الهاتف على أذنيها تتحدث مع صديقتها إيناس بعد فترة انقطعت بينهما الاتصالات تقريبًا فهي كانت ترد ببطئ رهيب على إيناس بين الحين والأخر...
-والبجح ده بيتصل بيكي ليه؟! أنا مشوفتش بجاحة كده ولا هشوف.....
"اه جاي يعمل نفسه حبيب دلوقتي"
تمتمت أحلام بنبرة تشجعية:
-فكك منه خالص، ده بس قلبه حارقه على العفش والحاجة غير كده ولا هامه لو كلمك تاني امسحي بكرامته هو واللي خلفوه الأرض اتشجعي كده وميهمكيش..
ردت إيناس عليها بتردد:
" ربنا يسترها"
ثم قالت بانزعاج شديد وعتاب واضح:
"وبعدين يعني ده أنا مصدقتش لما لقيتك بترني أخيرًا؛ أنتِ بتغطسي فين وبتغيبي فين يا بنتي؟!".
ارتبكت أحلام ثم أردفت محاولة قول أي شيء:
-هكون فين يعني يا ايناس؟! يا في البيت بروق وبعمل أكل يا في المستشفى مطحونة في الشغل يا الجامعة، الدنيا مدربكة فوق رأسي كالعادة وكنت كده كده هكلمك...
حاولت إيناس أن تنهي الأمر..
لعلها بالفعل تخبرها بالصدق وهذا ما يشغلها لذلك أردفت بهدوء:
"ربنا يعينك ويقويكِ ردي بس عليا على الواتس على الأقل أطمن أن أمورك بخير"..
قالت أحلام مستسلمة:
-حاضر..
____________
-مين؟!
شعر دياب وسلامة بالبلاهة كان نضال محقًا هي هنا؟!!!!!!!!!..
اتضح كل شيء بعدما سمعوا صوتها..
أو هكذا ظن نضال...
لكز نضال يد دياب فغمغم وهو يقلد صوت الصبي الذي يأتي بالمكوجى:
-أنا المكوجي جايب حاجات ست ابتهال...
صمت لثواني يحاول تذكر اسمها:
-أقصد ريناد..
-أوك ثواني وهفتح، دقيقة...
ضحك سلامة رغمًا عنه فوضع نضال كفه على فمه، فتحت سلمى الباب بحسن نية بعدما أرتدت خمارها بشكل غير مهندم لكنه يفي بالغرض...
لتجد ثلاثة شباب يقفون أمامها..........
لكن منهم اثنان بمجرد رؤيتها ركضوا وهبطوا من الدرج في منظر مُريب، على ما يبدو كان مازال هناك شك في نفوسهم حتى بعد استماع صوتها..
أردفت سلمى بعدم استيعاب أكبر من عدم استيعابها لمعرفتهم مكانها أو وجودها هنا:
-هما جريوا ليه؟!...
تحدث نضال بنبرة جادة ومتوترة وهو يشعر بأنه يتعامل مع أطفال صغار حتى دياب نفسه:
-تقريبًا هما معندهمش خطة إيه اللي المفروض يقولوه لما شافوكي لأنهم حلفوا وقالوا أنك استحالة تكوني هنا..
قالت سلمى بعدم فهم وفضول وهي تتجنب التواصل البصري الصريح له:
-أومال أنتم عرفتوا منين إني هنا أصلا؟!.
-أنا اللي اتوقعت...
نظرت له سلمى باستغراب شديد، لما يأتي في عقله هو شيئًا هكذا؟! هي كانت تظن بأن لا أحد قد يعرف مكانها هنا أبدًا حتى عائلتها، هي حتى لم تجد تعقيب مناسب قد تتفوه به على تصريحه هذا......
سمعته يهتف باعتراض واضح:
-مهما كانت الظروف والأسباب مفيش حاجة تستحق تقلقي أهلك عليكي يا سلمى.
...بالأسفل...
وقف سلامة أمام دياب متحدثًا بدهشة:
-هو أنتَ نزلت معايا وجريت ليه؟!.
غمغم دياب بجدية وصدقٍ ونبرة شبة ناعسة فهو عند اتصال نضال استيقظ من النوم:
-معرفش أنا شوفتك بتجري جريت وراك، قولت في حاجة أكيد..
تحدث سلامة بتوضيح لما حدث له:
-لا أنا جريت بس علشان ملقتش كلام أقوله أنا جاي وراسم إنها مش هتكون موجودة وهقعد اشمت في نضال واقوله ازعجنا الناس، اصل خد بالك أنا كول سنتر يعني حافظ حاجات بتكلم فيها؛ لو السيناريو أو المشكلة جديدة واتغيرت بحس بعطل...
هتف دياب وهو يضع يده على كتفه:
-تعرف أنا دلوقتي حسيت بـ صاحبي على اللي بيقوله أنه عايش مع ناس بدماغكم، وأنا اللي زي الاهطل روحت جاري ونازل وراك...
..عودة مرة أخرى إلى عند سلمى ونضال...
هتفت سلمى مختصرة بعد سؤاله:
-في حاجات كتير متعرفهاش...
قاطعها نضال بنبرة جادة ومُصرة على رأيه:
-برضو مفيش حاجة تستاهل أن أختك ووالدتك يكونوا قاعدين في البيت مش قادرين يعملوا حاجة ولا يوصلوا ليكي..
صعد دياب وسلامة على الدرج بملامح جامدة وجادة وكأنهم لم يركضوا كالمجانين، وكأنهم قد شاهدوا شبحًا ما وقتها...
تحدث سلامة ما إن وصل لهم:
-ازيك يا سلمى عاملة إيه؟!.
أردفت سلمى ساخرة وهي تنظر إلى سلامة:
-إيه هنبدأ اللقاء من الأول ولا إيه؟!.
هتف سلامة برجاء حقيقي:
-اه ياريت، نعمل cut للي حصل و نبدأ من الأول....
كاد نضال أن يتحدث بأن هذا ليس وقت المرح لكن قاطع الجميع صوتٍ يأتي من الداخل هاتفًا، لم يكن هذا الصوت سوى صوت بهية التي استيقظت من النوم؛ منذ دقائق وهي سمعت صوت الباب لكنها انتظرت إي أشارة أو أن يغلق مرة أخرى لكن ذلك لم يحدث هذا ما جعلها تنهض من فوق فراشها وترتدي خِمارها المنزلي:
-بتكلمي مين يا سلمى وباب الشقة مفتوح ليه؟!.
رد هنا دياب بنبرة عالية بعض الشيء لتصل لها:
-أنا دياب يا بهية، ومعايا نضال وسلامة....
...بعد مرور بضعة دقائق...
كان نضال، سلامة ودياب يجلسون على أريكة واحدة، بينما سلمى تجلس على المقعد الخشبي المتواجد بجانب مقعد بهية التي استقبلت الشباب بترحاب كبير.......
جلس الثلاثة ولا أحد يستطيع قول كلمة واحدة، كان أول شيء أخبرت سلمى (سلامة) به ألا يخبر جهاد بشيئًا، بعدها احتل الجميع صمت مُريب...
أرسل سلامة رسالة نصية إلى والده منذ عدة دقائق عند دخولهما..
"احنا لقينا سلمى يا بابا عند الست بهية اللي ساكنة في عمارة دياب"
جاءت ريناد من الداخل متحدثة بصوتٍ ناعس وهي تقف خلف الأريكة الجالس عليها الثلاث شباب حينما شعرت بحركة في الخارج...
-هو البيت ده محدش بيعرف ينام فيه ليه؟!...
تحدثت بهية وهي تنظر في أحد الجوانب حينما سمعت صوت ريناد:
-دول جيرانا يا ريناد جايين علشان سلمى خشي اوضتك دلوقتي..
سألتها ريناد وهي تفرك عيناها لا تهتم بخصلاتها الغير مرتبة ولا أي شيء:
-ليه ادخل هو مينفعش أقعد؟!...
غمغمت بهية بنفاذ صبر:
-اقعدي في أي حتة يا ريناد اعملي اللي يريحك بس اسكتي.
جاءت ريناد وسحبت مقعد خشبي وجلست خلف الأريكة التي يجلس عليها الثلاثة شباب والجميل في الأمر بأن الثلاثة لم يفكر أحد حتى أن يستدير لرؤية صاحبة الصوت إلا أن دياب فقط كان غاضبًا ومغتاظًا....
-هاي يا جماعة..
قالت ريناد تلك الكلمات وهي جالسة على المقعد ليعقب سلامة بسخرية رغم أنه لم يستدير:
-هاي.
تحدث نضال موجهًا حديثه إلى سلمى بنبرة قاطعة:
-سيبتي البيت ليه يا سلمى، لغايت دلوقتي أنتِ متكلمتيش ولا قولتي سبب مقنع يدخل دماغ الواحد...
عقب سلامة على حديث شقيقه بنبرة جادة:
-ايوة يا سلمى ليه كده؟! جهاد مموته نفسها من ساعة ما مشيتي ومش عارفة تعمل إيه، ليه مش عايزاني أطمنها حتى؟!...
قالت سلمى بثبات انفعالي كبير جدًا تحسد عليه:
-أنا اتخانقت مع ابويا اللي ظهر في حياتنا فجأة وعلشان كده أنا سيبت البيت، وعموما كنت بفكر ارجع الصبح مش هطول أنا بس بفصل شوية...
تحدث هنا دياب بنبرة جادة وقوية ومن غيره يستطيع أن يصف الأمر:
-ووالدتك اللي ضغطها علي وتعبت دي؟! مش ليها حق عليكي؟! مفيش أهم من صحة والدتك ومتكونيش أنتِ سبب في تعبها...
قال دياب كلماته بمشاعر صادقة هو أكثر من يُجيد الحديث عن تلك النقطة لأنه يمر بأقوى اختبار الآن مع والدته وللحق كلماته أثرت بها بشكلٍ كبير..
خيم الصمت مرة أخرى لمدة ثلاث دقائق وهنا تحدثت بهية بنبرة هادئة:
-قومي اعملي شاي يا ريناد...
أشارت ريناد على نفسها هاتفة باستنكار:
-أنا؟!.
كادت بهية أن تتحدث لولا جرس الباب الذي قرع بقوة، هنا أردفت ببساطة:
-ايوة أنتِ وقومي شوفي مين على الباب..
نهضت ريناد متأففة وفتحت الباب لتجد أمامها رجل خمسيني لا تعرفه، وصبي في فترة المراهقة يحمل أرجيلة ويخاطبه الرجل الخمسيني..
-أيوة سيبها هنا يا حبيبي كتر خيرك تعبتك معايا...
تحدث الصبي وهو يأخذ منه النقود:
-تعبك راحة يا معلم زهران..
ثم رحل وهنا تحدثت ريناد مخاطبة أياه باستغراب:
- مين؟!
رد زهران عليها وهو ينظر لها مبتسمًا، كانت ريناد جميلة وتجذب من ينظر لها وتلك حقيقة مؤكدة:
-مساء القشطة يا بنتي، أنتِ اللي مين أول مرة أعرف أن في بيت بهية بنات حلوة كده..
لم تنزعج ريناد من إطرائه لكنه كان غريبًا بالنسبة بها وسمعت ما يدور في الداخل وهنا عرفت هويته.
غمغم دياب باستغراب:
-هو أبوك ايه اللي جابه وعرف منين إننا هنا؟! مش قولت على القهوة قاعد مع صاحبه...
نظر نضال ناحية سلامة بنفاذ صبر وكانت تلك الإجابة التي وضحها نضال دون أن يفتح فمه....
غمغم سلامة بخوفٍ وهو يرى نظراتهم المخترقة له:
-أنتم بتبصوا كده ليه؟! أنا والله بعتله اطمنه بس مكنتش اعرف أنه هيجي...
ردت بهية وهي تشم رائحة الدخان والأرجيلة وهي تعرف هذا الرجل جيدًا منذ أن كان شابًا وقبل أن تفقد بصرها:
-اتفضل يا معلم زهران بس لوحدك الشيشة متدخلش........
دخل زهران منزعجًا بعدما نهض دياب وجلس على مقعد خشبي بينما جلس زهران بجانب سلامة ونضال على الأريكة..........
تحدث زهران بقلقٍ وهو ينظر لهم بضيقٍ شديد:
-أنا قلقان على كريمة وهي برا كده في البرد لوحدها...
غمغم دياب بنبرة مرحة رغمًا عنه:
-متقلقش على كريمة مفيش غيرنا في البيت أصلا محدش هيقرب ليها، وبعدين كريمة فحمها مولع ومدفية اطمن أنتَ بس..
وجه زهران حديثه إلى سلمى هاتفًا:
-كده تقلقينا كلنا عليكي يا بنتي، وبعدين يعني في حد يسيب البيت علشان عريس مش عاجبه؟! هو في حد هيغصبك على حاجة ونضال موجود...
"نضال مين؟!"..
كان هذا السؤال الذي يخطر على عقل نضال بعدما قام بهز رجله الملاصقة لجسد والده لعل ذلك يجعل رسالة معينة تصل إلى أبيه وهو أن يصمت، لكن ذلك لم يحدث....
تحدثت سلمى بنبرة جادة:
-أنا محدش عمومًا يقدر يغصبني على حاجة، أنا مسيبتش البيت علشان العريس ومش أنا اللي اعمل كده؛ أنا سيبت البيت لأني اتخانقت مع بابا بعد ما رجع بعد السنين دي كلها وفاكرنا لسه مستنينه أو أن له مكان....
اندهش الجميع من جراءة سلمى وقوة كلماتها، وهي تتحدث بالكلمات التي لم تجرؤ جهاد على قولها أمام سلامة، لكن سلمى لا تخاف من شيء ولا يهمها رأي أي شخص بها:
-أبويا طلق أمي من أكتر من عشر سنين واختفى من حياتنا منعرفش عنه أي حاجة ولا حتى اخواته كانوا يعرفوا عنه حاجة، رجع دلوقتي وبيقول أنه رد أمي من زمان من غير ما يعرفها وكل شوية ينط لينا، وجاي عايز يقنعني بالعريس اللي أنا رفضته...
انزعج زهران مما يسمع بينمل هناك سؤال عفوي خرج من نضال وهو لم يكن يومًا رجلًا يتحدث من دون أن يفكر:
-رفضتيه ليه؟!..
عقب زهران على حديث ولده بمكرٍ وهو يناظرها:
-ايوة ليه رفضتيه صحيح؟!..
ردت سلمى بحرج ولكن كانت نبرتها قوية هي لا تهاب أي شيء ما عدا ذكرياتها المؤلمة عند رحيل والدها:
-رفضته علشان أنا مش حابة اتجوز هو شخص كويس وغالبًا هو افتكر رفضي ليه أنه كلمني أنا الاول فقط لذلك دور على عمامي...
شعور بالضيق يحتل صدر نضال ولا يعلم لما ازعجته كلماتها بهذا الشكل الغير مفهوم أبدًا، ولكنه ألتزم الصمت رغم رغبته في تكسير اي شيء أمامه من كثرة الإحراج الذي يصيبه به والده...
تحدث زهران بهدوء ماكر:
-يا سلمى يا بنتي أنا بس خوفت نكون لينا أي يد في الموضوع أنك تسيبي البيت..
ردت سلمى بنبرة واضحة:
-لا طبعًا مش ده السبب...
غمغم زهران بنبرة جادة وعرض حقيقي ليس لأنه فقط يرغب في الزواج من يسرا لكنه لا يتأخر في مساعدة أي شخص:
-يا بنتي لو على حوار أبوكي لو في حاجة أقدر اعملها أنا مش هتأخر واحنا جنبكم يعني..
قالت سلمى بنبرة واضحة وهي تنظر له دون حرج زاد هذا ما من إعجاب نضال بها، وكذلك ريناد التي تراقبها مبهورة من ردودها الحاضرة والقوية على الرغم من أنها لا تعرف اصل الموضوع لكنها بدأت تنسج خيوطًا في عقلها وتفهم المشكلة إلى حدٍ ما بعقل ساذج وهذا ما سوف يظهر بعد قليل...
-أنا بحكي اللي حصل علشان اوضح موقفي وموقف والدتي لأن هي مكدبتش على حد زي ما هو حاول يوضح، لكن رغم كل ده أنا مش هسمح لأي حد يتدخل بيني وبين أبويا، ولا وسط أهلي خصوصًا أن خالي خلال أيام هيكون هنا وهو أولى واحد يحل مشكلة أخته...
قدر زهران موقفها وتحدث بصلابة ووضوح:
-واحنا أهل وجيران يا بنتي، وأنا غرضي المساعدة مش أكثر، احنا أهلك برضو لكن مدام أنتِ حابة أن محدش يدخل براحتك ومع ذلك أحنا موجودين في أي وقت تحتاجينا حاجة فيه..
عقب نضال على حديث والده:
-مدام مش حابة حد يدخل الأفضل ترجعي تطمني اختك ووالدتك عليكي، مينفعش حد في تفكيرك ودماغك يعمل اللي بتعمليه ده ويسيبهم مش عارفين أنتِ فين لأني مش هسمع كلامك زي ما سلامة عمل وهنزل من هنا هروح وأعرفهم مكانك.
نظرت له سلمى بنبرة مغتاظة، وهنا أردفت ريناد بنبرة ساذجة لم تعطها فرصة للرد عليه كما كانت تريد:
-مقولتيش رأيك لينا إيه في العريس التاني طيب انا متشوقة أوي أعرف؟!!
نظرت لها سلمى بأعين تكاد تخرج من مكانها وحرج كبير احتلها تلك المرة حتى أنها صمتت تمامًا تحت ضحكات زهران أما سلامة كتم ضحكاته بصعوبة بينما نضال اشتعل وكاد يصرخ مما يحدث صدقًا لم تغضبه ريناد بقدر ما اغضبه والده وشقيقه..
تحدث دياب مستنكرًا:
-أستاذة ابتهال، معلومة بس حضرتك...
قاطعته ريناد بأعين مشتعلة:
-ابتهال مين دي؟! أنا اسمي ريناد..
رد دياب عليها بنبرة ساخرة:
-ابتهال ولا ريناد، ولا الجن الأزرق مش دي المشكلة يا أبلة، العريس التاني هو نضال اللي قاعد بيتكلم من الصبح ده..
تحدثت ريناد بعد ضحكة خرجت منها وشهقة:
-بجد؟! أنا كنت فاكرة أنه حد تاني...
ظن دياب بأنها فهمت الأمر أو حتى ترجمته لذلك سوف تصمت لكنها هتفت بابتسامة واسعة وساذجة إلى حدٍ كبير في نظره:
-فهمت يعني هي مش عايزة تتجوز العريس الاولاني علشان بتحب نضال وباباها عايزها تتجوز حد تاني..
أحمر وجه سلمى تحت كلمات دياب:
-ياريتك ما فهمتي عموما وكنتي دخلتي نمتي أحسن وأفيد.
تحدث زهران مقاطعًا هذا كله:
-سيبك من القمر دي يا دياب وقوم شوف كريمة بخير ولا لا، زمان الحجر اطفى...
تحدث دياب منفعلًا تلك المرة بـحقٍ:
-يا عم زهران كريمة هتكون زي الفل خلينا في اللي احنا فيه ابوس ايدك، علشان أحنا كلنا مش كويسين وأنتَ مركز مع كريمة وبس..
هتف زهران بنبرة مرحة وهو ينظر إلى سلمى:
-والله حفيدتك يا ست بهية لفتت نظري لحاجات كتير، أنا عمري ما شوفت اتنين لايقين على بعض بالشكل ده زي سلمى ونضال، مش كده يا ست بهية؟!.
ضحكت بهية وهي تجيب عليه:
-مبشوفش والله يا زهران يا ابني.....
رد زهران عليها ببساطة:
-حسيهم، ما شاء الله بجد، كان اختيار نضال أنه يتقدم ليها أحسن قرار أخده في حياته ...
ابتلع ريقه ثم غمغم زهران بينما نضال دفن وجهه بين كفيه يئسًا من أن يتوقف أبيه:
-لولا الملامة كنت جيبت أحمد المأذون اللي أنتَ عارفه يا دياب اللي طلق اختك، كان قاعد مش لاقي شغل كان جه كتب كتاب الاولاد...
نهضت سلمى متحدثة بنبرة جادة حتى ينتهي هذا الأمر والهراء:
-أنا هرجع البيت دلوقتي خلاص...
ضحك سلامة وهو يُردف بنبرة مرحة:
-سلمى حرمت تسيب البيت تاني من النهاردة...
______________
سلامة رافقها حتى منزلها....
لم تكن المسافة بين شارع خطاب والحارة التي يقطن بها دياب كبيرة بل المسافة صغيرة جدًا لم تستغرق عشر دقائق سيرًا على الأقدام...
تركها سلامة عند المنزل ثم عاد هو إلى منزله براحة بال على الأقل هذا كان أفضل حل تم الوصول إليه، وأفضل نتيجة حدثت حتى تنتهي أخيرًا تلك الليلة الصعبة والغريبة....
صعدت سلمى وفتحت الباب لها جهاد التي استقبلتها بالاحضان وكأن الروح عادت لها تنفست الصعداء أخيرًا وهي تبكي بجنون، أخيرًا عادت شقيقتها، هنا فقط تصبح الليلة أمنة...
بعد هذا الاستقبال ولجت سلمى إلى الشقة ثم توجهت صوب والدتها الجالسة على الأريكة وأخذتها في أحضانها بحبٍ كبير وهبطت دموعها هي الأخرى معقبة بجدية شديدة وثقة:
-جهاد من بدري بتقولي أنام شوية وارتاح بس حلفت إني مش هيغمض ليا عين قبل ما تيجي وكنت عارفة أنك مش هيهون عليكي تحرقي قلبي وتعدي الليلة علينا وأنتِ مش معايا...
تحدثت سلمى معتذرة وهي تنظر لها بحرج شديد:
-حقك عليا يا ماما أنا مكنش ينفع اعمل كده ولا اسيبك...
تحدثت جهاد باستغراب وفضول:
-كنتي فين يا سلمى؟!..
أردفت سلمى وهي تجيب على سؤال شقيقتها بوضوح:
-كنت عند طنط بهية، وجيت مع سلامة هما عرفوا مكاني هو ونضال وعم زهران جم ليا هناك...
تعجبت جهاد من هذا وكذلك يسرا، لكن تحدثت الأولى بعدم فهم:
-عند طنط بهية؟!!! وهما عرفوا منين حاجة زي دي؟! أنا أصلا مجاش على بالي الست دي خالص أخر احتمال ممكن يجي في بالي اصلا.....
سلمى لا تحسن الكذب...
ولا يوجد كذبة مقنعة قد تستطيع قولها وفي الوقت ذاته لا تستطيع إخبارهم بأن نضال شعر بأنها هناك!!!
الأمر نفسه عجيب ومخيف..
كيف له أن يخمن مكان كهذا؟!.
كيف له أن يفعل وهو رأها مرة واحدة هناك؟!..
والغريب أنها هي نفسها لم يخطر على عقلها بأنها سوف تذهب إلى منزل تلك المرأة التي لا تذهب عندها إلا قليلًا جدًا من أجل علاجها، لم تكن تظن بأنها ذات يومًا ستكون المكان الأمن التي تلجأ إليه..
إذن كيف له أن يفعل هو؟!...
-معرفش بقا المهم أنهم لاقوني وإني جيت هما اللي اقنعنوني ارجع دلوقتي أنا كنت هاجي الصبح..
أردفت يسرا بعتاب شديد:
-كده يا بنتي؟! كنتي عايزة تسبيني بناري لغايت الصبح؟! ده ربنا وحده اللي يعلم أنا بنكوي ازاي وقلبي هيتقطع من ساعة ما مشيتي واختفيتي ومش عارفة عنك حاجة..
ردت سلمى وهي تنظر لها بحرج كبير من فعلتها وكيف أنها سببت هذا الخذلان إلى والدتها:
-كنت خايفة يكون هنا، أنا مش مستحملة وجوده وكان لازم أفصل، أصلا أنا لغايت دلوقتي مش عارفة أنا ازاي مشيت كده...
رفعت يسرا كفيها وحاوطت بها وجه ابنتها مُقبلة جبهتها:
-أهم حاجة أنك جيتي يا حبيبتي؛ وأنك بخير متعمليهاش تاني يا سلمى مهما حصل.
تمتمت سلمى بهدوء:
-حاضر يا ماما...
في هذه الأثناء رحلت جهاد للحديث مع سلامة، فـ ولجت إلى الغرفة واتصلت به ليجيب عليها على الفور فهو كان يقف أسفل منزله..
-الو يا جهاد؛ سلمى طلعت؟!
غمغمت جهاد بنبرة هادئة:
-أيوة طلعت شكرًا يا سلامة، شكرًا بجد ليكم أنكم السبب أنها ترجع ماما كان شوية وهيجرى ليها حاجة والله من الخوف والقلق..
جاءها صوته الهادئ:
-بعد الشر عليها يا جهاد الحمدلله أن اليوم خلص على كده..
تحدثت جهاد بفضول وهي تسأله:
-هو أنتَ عرفت مكانها ازاي صحيح؟! من صاحب نضال اللي ساكن هناك؟! هو شافها وقالكم؟!
وضح لها سلامة الأمر ببساطة:
-لا هو ولا أنا عرفت، ولا دياب شاف، نضال عرف ان سلمى مش موجودة وفضل يفكر هي ممكن تكون فين وهو اللي اقترح أنها عند بهية وبصراحة محدش فينا كان مصدق أن ممكن يكون عنده حق...
..عـــودة مرة أخرى إلى يسرا وسلمى..
-أنا هتصل بأحمد وهتكلم معاه وهفهمه الموقف وهو أكيد لما يعرف اللي فيها هينفض ليه، أحمد شخص محترم وكويس وأنا عارفة أنه أكيد باللي عمله ده رغم أنه اذاني بيه إلا أنه ميعرفش اللي هيحصل هو أصلا مكنش يعرف مشكلتي مع أبويا وخالو هيجي وهيتصرف معاه..
ردت عليها يسرا بنبرة متعبة ومُرهقة:
-ايوة يا بنتي، ربنا يسترها أهم حاجة أنك هنا وإني اطمنت عليكي وكده الواحد يقدر يدخل سريره ويغمض عينه...
بالفعل نهضت يسرا وتوجهت صوب غرفتها وأغلقت بابها خلفها، تشكر ربها بأن الليلة انتهت وابنتها في حضنها وفي بيتها وهذا فقط ما يهمها أي شيء أخر لا يهمها أبدًا...
ظلت سلمى جالسة في مكانها حتى جاءت جهاد وجلست بجانبها هاتفة وهي تضع يدها حول ظهر سلمى التي كانت تقوم بخلع خمارها...
-سمعت أن العريس حس بمكانك وهو الوحيد اللي جابك...
أردفت سلمى بجدية:
-اخرسي يا جهاد متخانيش أفوق عليكي أنا فيا اللي مكفيني ونفسي اليوم ده يخلص بقا...
تحدثت جهاد معترضة:
-كل ده علشان بقول الواد حس بيكي وعرف مكانك ده أنا اللي اسمي اختك محاش في بالي بهية دي خالص...
عقبت سلمى باستهجان:
-يمكن هو ذكي وأنتِ I Q بتاعك zero، وغبية ومفكرتيش تشغلي دماغك مش أكتر..
تمتمت جهاد وهي ترفع حاجبيها متحدثة بنبرة مسرحية من الظرحة الأولى:
-يعني أنا اللي غبية؟!، لكن ده مش ترابط أفكار ومشاعر واضحة...
-دي مشاعر هطلة، أنا داخلة اخد دش وأغير هدومي وأنام ويحلها الحلال الأيام الجاية أهم حاجة خالك يجي في أسرع وقت..
كانت جهاد تركض خلفها متحدثة بجدية جعلت سلمى تصرخ منها:
-ان شاء الله بس دي مش مشكلتنا انا مش هسيبك تنامي غير انا اعرف بينك وبين نضال إيه يخليه يحس بيكي كده...
بينما كان هناك فتاة تصرخ بسبب مرح شقيقتها التي يصيبها بالخجل كان هناك من يجلس في غرفته ممتنعًا عن الحديث مع شقيقه أو مع والده، لأن الحديث معهما لا يُجدي نفعًا...
فقط ما يجعله يشعر بالراحة هو أن سلمى أصبحت في بيتها، وليحدث ما يحدث فيما بعد...
لا يدري رغم غضبه الشديد من والده ومن تصرفاته ومن كثرة يأسه من أن يتغير لم يعاتبه على أي شيء بل أتى فورًا إلى المنزل..
كان يبتسم رغم غضبه وهو يتذكر تلك الجلسة الغريبة من نوعها في منزل بهية، وكلمات سلمى ترن في أذنيه.......
توقف عن الابتسام مرة واحدة..
يبدو أنه تمادي لذلك جذب الغطاء فوقه وهو يستعد إلى النوم....
_____________
في صباح اليوم التالي...
عاد جواد في التاسعة صباحًا إلى المنزل..
بعد تلك الجراحة المُرهقة التي قام بها إلى أحد المصابين..
والآن عليه أن يخلد إلى النوم لأن لديه جراحة اليوم لكنها بعد منتصف اليل...
أخذ حمام دافئ قد يزيل إرهاقه؛ له ليلتان مستيقظًا عليه أن يستريح قبل عمليته الأخرى..
أرتدى ملابس منزلية نظيفة ومريحة ثم ولج إلى الفراش حتى يخلد إلى النوم لكن لم يدوم الأمر طويلًا قبل أن يغلق عينه حتى كان هاتفه يصدع عن صوته يعلن عن اتصال ما...
ليته أغلقه لكنه دومًا يقلق من فكرة إغلاقه تحديدًا تلك الفترة بسبب غياب الجراح الآخر، يخشى أن يكون هناك حالات حرجة...
وجد الاتصال من أحلام......
ما الذي تريده الآن؟!!....
أجاب عليها حينما كررت الاتصال مرة أخرى...
-ألو..
أجابت عليه أحلام بنبرة خافتة:
-صباح الخير يا دكتور عارفة أنك لسه صاحي لأنك كنت في المستشفى..
عقب جواد على حديثها بنبرة ساخرة بعض الشيء وهو يشعر بالغيظ الكبير من إصرارها الغير مفهوم:
-صباح النور يا دكتورة والله كويس جدًا إنك عارفة إني كنت في المستشفى ومدام عرفتي معلومة زي دي أكيد عارفة كمان إني كنت طول اليوم سهران يبقى المفروض تسبيني ارتاح معتقدش في حاجة مهمة الساعة تسعة الصبح محتاجة تقوليها..
غمغمت أحلام ببساطة شديدة:
-تخيل فيه..
-في إيه؟!.
أردفت أحلام بتوضيح بسيط:
-أنا في نهاية الاسبوع مسافرة حبيت أعرفك إني هسيب الشغل وعلى الأقل لازم أعرفك واودعك...
طريقة حديثها كانت غريبة جدًا لا تعلم لما لم يشعر بالراحة الكبيرة فـ اكتفي برد غامض على كلماتها:
-كان كفايا أوي تقولي لدكتور أشرف علشان يظبط الحالات اللي معاكي مع باقي الدكاترة ومكنش في داعي أنك تكلميني..
ردت عليه بنبرة عاطفية بعض الشيء:
-جواد أنا متصلة علشان أنا اودعك بجد ملهوش لازمة الطريقة دي، أنا خلاص مسافرة وهريحك مني على الآخر أنا بس خايفة...
تمتم جواد بعدم فهم وهو يعتدل في الفراش:
- خايفة من إيه؟!.
عقبت أحلام على حديثه بنبرة متوترة وكاذبة لم تخبره بالسبب الحقيقي:
-يعني يمكن علشان هسافر وكده ودي خطوة صعبة عليا، إني اعيش لوحدي...
أردف جواد بنبرة هادئة تخلى فيها عن قسوته لأنه لم يعد لها أهمية الآن:
-الحياة اختيارات وفرص، ودي فرصتك وأنتِ كان نفسك فيها من بدري، وربنا يوفقك متقلقيش كل خطوة في أولها صعبة بس هتتعودي بعدين...
-ربنا يسترها...
هي تقلقه إلى حدٍ كبير...
كان هناك سؤال يرغب في أن يسألها أياه..
من أين أتت بتلك النقود؟!.
فـهي ليست منحة مجانية مثلا....
هناك حلقة مفقودة ولكنه أقنع نفسه بأنه لا يهمه لـتفعل ما تشاء...
أسترسلت أحلام حديثها بتردد:
-عموما أنا كلمتك علشان اودعك مش عايزة أكون زعلانة ولا أنتَ شايل مني، وأسفة لو ازعجتك، مع السلامة..
رد جواد عليها رد مختصرًا انتهت المكالمة بعده:
-مع السلامة..
يشعر جواد بالقلق منها ليس عليها...
وهذا شيء عجيب...
مكالمتها ليست طبيعية وكذلك طريقة حديثها ونبرة صوتها؛ أحلام التي يعرفها جيدًا ويعرفها خير المعرفة لكانت أقامت الأفراح من أجل تلك السفرية...
لكن هي تحدثه بتوجس استطاع أن يلمسه...
لذلك هو يشعر بالقلق لكنه أقنع نفسه بأن الأيام تكفي لتظهر كل شيء...
____________
كالعادة...
اليوم كله بالنسبة إلى إيناس يتلخص في ثلاث مهام رئيسية، الاهتمام بالمنزل وأدوية والدتها وصنع الطعام وتلك هي الأولى...
الثانية هي البحث عن عمل لكن الجميع يحتاج إلى خبرة وهي لا تمتلك خبرة في أي شيء وتشعر باحباط شديد، هي ليس لديها حلول أخرى حتى أطفالها يحتاجون الذهاب إلى روضة لكنه لا يرسل أي مصاريف، ولا تعلم ماذا تفعل....
الشعور بأنها عبء على شقيقها وعائلتها تحديدًا في تلك السنة الدراسية الهامة بالنسبة إلى شقيقتها مزعج ومؤلم جدًا؛ رغم أن الجميع يتصرف بطريقة طبيعية ولا يشعرها بأي شيء لكن الشعور لن يذهب بسهولة...
ولن يرحل غالبًا....
المهمة الرئيسية الثالثة هي جلد ذاتها على كل ما وصلت إليه، الندم على كل شيء تقريبًا بجانب أطفالها وشجاراتهما المستمرة طوال الوقت.....
صدع صوت هاتفها يعلن عن وصول رسائل وهي ليست المرة الأولى بل تكرر الأمر أكثر من مرة ولا تعلم من هذا الذي يراسلها بهذا الإصرار كانت مشغولة بأمر تنظيف وتلميع الشقة والغسيل التي قامت بوضعه على الأحبال...
ألتقطت الهاتف بعدما جلست بجانب ابنتها وابنها على الأريكة هاتفة بجدية:
-هو في إيه مين اللي عمال يبعت بالشكل ده معقول أحلام؟!.
فتحت إيناس الهاتف لتجد عدة رسائل من عمرو...
"وحشتيني يا حبيبتي"
"إيناس أنا من غيرك بموت"
"ايناس فاكرة أيام سعادتنا وفرحتنا مع ولادنا"
بين كل رسالة وأخرى عدة صور فوتوغرافية لها معه أو مع الأطفال حينما كان الاثنان حديث الولادة، قبل أن تنقلب المعاملة تمامًا..
"إيناس حني عليا وبلاش تسبيني أنا من غيرك ومن غير العيال مليش لازمة، البيت فاضي والله، كنت حالف إني مش هكلمك تاني لكن مقدرتش، مش هاين عليا العشرة ليه أنا بقى هاين عليكي؟!"
"إيناس أنا لسه بحبك وشاريكي والله"
هي تشعر منه بضغط غريب من نوعه...
لم يكن يهتم بها وهي زوجته وفي منزله، حتى حينما كانت تمرض أو تمر بوعكة صحية لا يسأل عنها..
الآن هو يرسل لها مئات في يومٍ واحد..
لوهلة شعرت بتأثر، تأثرت بعاطفتها تجاه إلحاحه وما يفعله، لكن لم يدوم هذا التأثير العاطفي طويلًا بل مرة واحدة تخشبت ملامحها وعاد عقلها يعمل وقامت بكتابة رسالة واضحة...
"لو فعلا بتحب عيالك أوي كده وفارقين معاك، كنت صرفت عليهم وبعتلهم مصروفهم، أهلي ملزومين بيا من ساعة ما أطلقنا لكنهم بيصرفوا على عيالك علشان أنتَ مطنش، الرجولة والمعروف اللي أنا عايزاه منك تصرف على عيالك بدل ما ندخل في محاكم وغيره"..
أرسلت الرسالة له وتأكدت من وصولها ثم قامت بحظره من هذا التطبيق ومن المكالمات وكل شيء قابلته تقريبًا حتى تضمن أنه لن يستطيع الوصول لها...
يجب عليها أن تتعافى منه...
وتصب تركيزها كله في أن تجد عمل في أقرب فرصة...
كل الوظائف تحتاج خبرة..
ومن لا يحتاجها سوف يعطيها مبلغ لا يكفي لأي شيء يجعل جلوسها في المنزل أفضل من هبوطها....
هذا ما جعلها تهتف بنبرة ساخرة:
-كله محتاج خبرة وزفت...
جلس دياب بجانبها هاتفًا بنبرة جادة بعدما نهض أحد أطفالها:
-هو ده سوق العمل يا لوزة حتى لو عندك خبرة هتقعدي تشرفي شوية زيي كده..
تحدثت إيناس وهي تغلق الهاتف متحدثة باستغراب:
-هو أنتَ لسه منزلتش؟!.
-اه خلاص نازل اهو، بطلي تقرفي نفسك يا إيناس وتكئبي في نفسك أنك مش لاقية شغل..
غمغمت إيناس بنبرة جادة:
-أنا لازم اشتغل يا دياب مينفعش أفضل قاعدة كده..
تحدث دياب بطريقة منطقية:
-إيناس أنتِ في فترة صعبة لسه مش مدياها أنتِ وقتها أنها تخلص، غير تعب ماما، ادي نفسك فرصة وبراح أنك تهدي شوية قبل ما تفكري تشتغلي، وأي شغل هتلاقيه وهتقبلي بيه لو استعجلتي هتكون حاجة بألف ولا ألفين هتصرفي أنتِ على الشغل مش هو اللي هيصرف عليكي علشان كده اهدي شوية..
ابتلع ريقه ثم حاول بث الطمأنينة بها:
-استني شوية، خصوصًا أن الدنيا مش وحشة أوي، وسمعت انك هتأخدي المعاش امك كانت بتتكلم عليه..
شعرت بأنها قد اقتنعت بحديثه لأنه منطقي، يجب عليها أن تتريث وتنتظر قليلًا.....
لذلك ردت عليه إيناس بعد تنهيدة قوية خرجت منها:
-معاك حق..
______________
-أحلى رز بلبن بالمكسرات بأكله من إيدك والله يا انتصار....
قال سلامة تلك الكلمات وهو يقف على الباب بعدما اتصلت به انتصار ليتناول الأرز باللبن التي قامت بصُنعه اليوم لأنها تعلم جيدًا بأنه يحبه...
فأتى من عمله وقام بقرع الجرس..
تحدثت انتصار بنبرة هادئة وهي تنظر له بعطفٍ:
-بالهنا والشفاء يا بني، وبعدين أدخل هتفضل تأكل وأنتَ واقف كده على السلم..
غمغم سلامة ببساطة:
-لا خلاص هطلع أكمله فوق بس حطيلي علبة كمان غير بتاعت أبويا ونضال...
أردفت انتصار ضاحكة وهي تعطيه حقيبة بلاستيكية:
-حطالك خمسة يا سلامة..
-الله يخليكي يارب، ان شاء الله تحضري لينا الشربات قريب..
غمغمت انتصار ببسمة هادئة:
-يوم فرحك يا حبيبي ان شاء الله...
ثم أسترسلت حديثها بنبرة مرحة:
-أو في جوازة أبوك الثامنة..
هتف سلامة بعفوية شديدة:
-لا المناسبة المرة دي شكلها مش هتكون متوقعة؛ هتكون فرحة نضال وسلمى ان شاء الله.
ضيقت انتصار عيناها متحدثة باستنكار رهيب وهي تكرر كلماته:
-نضال وسلمى إيه؟!.
هنا أدرك سلامة بأنه عليه أن يتعلم الصمت!!
عليه أن يصمت....
لكن مادام لم يستطع يجب عليه أن يستكمل الحديث...
-أصل نضال طلب إيد سلمى أخت جهاد؛ ويعني هي كانت ترشيح بابا له..
ابتلعت انتصار ريقها بصدمة وهي تستمع كلماته وشعرت بالحزن الحقيقي في تلك الجملة، طالما تمنت نضال زوجًا لابنتها، كانت ترى فيه رجلًا يعتمد عليه، ويستطيع أن يكون سند لها، وزوجًا صالح...
لكنها أستدركت نفسها وابتسمت متحدثة بهدوء:
-طب يا ألف مبروك، ربنا يتمم بخير..
تمتم سلامة بنبرة مترددة:
-يعني هما لسه مردوش علينا، الكلام ده كل لسه امبارح وحصل كل شيء مفاجأة حتى أنه مكناش رايحين علشان كده أحنا كنا رايحين علشان نحدد ميعاد فرحي......
تحدثت انتصار بنبرة أمومية بعدما حاولت إبعاد الحزن من نبرتها وصوتها بينما قلبها لن يتخلص بسهولة منه:
-ربنا يعمل لنضال الي فيه الخير، نضال ابن حلال ويستاهل حد كويس زيه، وسلمى بنت حلال برضو ومحترمة بصراحة وخفيفة على القلب...
..بعد دقائق..
بعد رحيل سلامة، جلست انتصار على الأريكة عاقدة ساعديها بانزعاج شديد وواضح، جاءت سامية من الداخل وكانت تستعد فهي على وشك الخروج لمقابلة حمزة..
-أنتِ رايحة فين؟!..
ردت سامية على سؤال والدتها بتردد واضح:
-رايحة أقابل واحدة صاحبتي...
تحدثت انتصار باستغراب واستنكار طبيعي:
-غريبة يعني صحابك اللي ظهروا مرة واحدة كده وملهمش اسم ولا حاجة؟!!.
ابتلعت سامية ريقها بارتباك ثم حاولت أن تدافع عن ذاتها وتتخذ وضعية الهجوم:
-هو يعني يوم ما حبيت أغير جو وأخرج بعيد عن الشغل مش عاجب يعني وبعدين اه ليها اسم هقولك عليه وهقولك هنخرج فين كمان لو حابة مع إني مش عيلة صغيرة لكل ده...
قاطعتها انتصار بسخرية من كل تلك الكلمات والهجوم الغير مُبرر:
-أنا سألت سؤالين رديتي عليا الكلمة بـ عشرين كلمة، مضربتكيش بالنار يعني.
صمتت سامية ثم حاولت تغيير الموضوع بفضول رهيب:
-كنتي بتتكلمي كل ده مع مين على الباب؟!..
تنهدت انتصار ثم أردفت وهي تنظر لها:
-كنت بتكلم مع الواد سلامة وبديه الرز باللبن..
هتفت سامية بدهشة:
-كل ده بتديله الرز باللبن؟!.
أردفت انتصار بنفاذ صبر وهي تنظر لها:
-لا كان بيحكيلي على اللي حصل امبارح...
ضيقت سامية عيناها بعدما جاءت وجلست المقعد هاتفة باستغراب:
-وهو إيه اللي حصل امبارح؟!.
-نضال طلب إيد سلمى للجواز...
نهضت سامية من مقعدها هاتفة بذهول:
-سلمى مين؟!..
ردت والدتها عليها باختصار:
-أخت جهاد..
تحدثت سامية بنبرة شبة صارخة:
-والله يعني هو بين كل البنات ملقاش غير سلمى اللي أنا بكرهها؟! وبعدين إيه لحق يعني ينساني مع أنه كان عمال يعيد ويزيد هو قد إيه بيحبني، إيه رايح ينساني بيها...
ردت عليها انتصار ساخرة:
-وطي صوتك، مالها سلمى ولا غيرها، ما هي بنت ناس ومحترمة ومتربية هي واختها، وبعدين نضال عقله مش صغير أنه يدخل بيوت ناس علشان يضايقك...
ثم أسترسلت حديثها بنبرة متهكمة:
- وهو أنتِ إيه مشكلتك أصلا؟! فاكرة نفسك سامية جمال علشان يقعد على ذكراكي أو يشوف واحدة ينساكي بيها؟! مش ده اللي كنتي بتصوتي وتعملي خناقات أنه يسيبك في حالك ومن ساعة ما سابك وأنتِ مش على بعضك..
أردفت سامية بنبرة جادة:
-مش هكون على بعضي ليه؟! مع السلامة والقلب داعيله كمان أنا بس فرحانة والله أن هو بنفسه أثبت أن كل كلامه وحركاته كانت كدب هو ولا بيحبني ولا نيلة.......
ثم تحدثت بنبرة مختنقة ليس من فكرة زواج نضال في الطبيعي أكثر من زواجه من سلمى التي تبغضها حقًا هي وشقيقتها دون سبب واضح :
-حضري الغداء..
-مش كنتي رايحة تتغدي مع صاحبتك..
أردفت سامية بنبرة متشجنة:
-مش رايحة في حتة خلاص غيرت رأيي....
أنهت حديثها ثم نهضت وتوجهت صوب غرفتها وأغلقت الباب خلفها وألتقطت هاتفها، وها هي تقوم بالاتصال به ليجيب عليها بعد ثواني معدودة...
-ألو..
-أيوة يا حمزة...
جاءها صوته الهادئ دومًا وهذا أكثر ما أعجبها فيه لم تجده يومًا غاضبًا أو يتحدث بنبرة مرتفعة مزعجة:
-إيه فينك؟! نزلتي ولا لسه؟!..
تحدثت سامية بجدية:
-لا منزلتش، قولت لماما وموافقتش..
سألها حمزة باستغراب:
-موافقتش ليه مش فاهم؟!..
عقبت سامية بنبرة مكتومة:
-كده هي شايفة إني بقيت أخرج مع صحابي كتير وكمان ناس هي متعرفهمش والوضع مش عادي وأنا مش حابة أكدب عليها أكتر من كده..
-اه، طب وبعدين ما تقوليلها عادي أنك نازلة تقابليني إيه المشكلة؟!.
ردت سامية عليه بقوة:
-المواضيع دي عندنا مش عادي زي ما المفروض تكون عارف ولا ده الطبيعي، وكمان أنا مش فاهمة إيه سر أننا نتقابل كتير بالشكل ده، مدام مفيش سبب، لو عايزني وعايز يكون في بينا حاجة تعالى اتقدملي غير كده أنا مش شايفة أنه له لزوم المقابلات والكلام الكتير ده...
لم تعطه فرصة حتى أن يتحدث وختمت الحديث قبل أم تغلق المكالمة:
-ومتتصلش بيا تاني إلا في شغل مثلا زي موضوع أختك يا تكون جاي تدخل بيتنا من بابه غير كده متتصلش، سلام...
أغلقت سامية المكالمة والصدمة تتملكها والخوف لا تدري ما مدى صحة ما فعلته؟!..
هل كان من الصحيح أن تتخذ قرار هكذا في لحظة غضب؟!....
________
عرفت خلال الأيام الماضية موعد هبوطه لذلك أخبرت بهية بأنها سوف تهبط لشراء بعض الأشياء التي تحتاجها من "السوبر ماركت"
ظلت ريناد واقفة في فناء المنزل تنتظره ولا تعلم لما تفعل ذلك؟!...
بعد ثواني سمعت صوت أقدام تهبط على الدرج وبعدها لم تمر دقيقة وكان أمامها لكنه رغم رؤيته لها لم يتوقف ولم يلقِ التحية بل كان ذاهب في طريقه لأن هذا ما يطبقه لأنه لا يعرف غيره...
ولأن في الوقت نفسه هو لا يظن بأنها في انتظاره.....
انزعجت من طريقته ومما يفعله حتى أنها كانت على وشك الصعود مرة أخرى إلى شقة بهية وهي تلعنه لكنها قررت أن تفعل شيئًا أخر...
-استنى...
توقف دياب وهو كان على وشك الخروج من البوابة الخاصة بالمنزل، ليستدير هاتفًا باستغراب وهو يضيق عينه:
-أنتِ بتكلميني أنا؟!...
قالت ريناد بخوف لا تعلم سببه بمجرد أن واجهها بنظراته:
-أيوة بكلمك معاك أنتَ...
أردف دياب بنبرة مكتومة:
-خير بهية عايزة حاجة ولا إيه؟!...
-لا أنا اللي عايزة أتكلم معاك...
غمغم دياب بعدم فهم وهو يشير إلى ذاته:
-تتكلمي معايا أنا في إيه؟!..
الأمر ثقيلًا جدًا أن تنطقه لذلك وبكل حماقة غمغمت:
-على فكرة الاسكرين اللى ركبتها عملت سبعين مش ثلاثين.
تحدث دياب وكاد أن يقتلها حقًا من شدة الاستفزاز التي يشعر به بسببها:
-هفك وابقى أديكي الاربعين جنية ايكش تحلي عن نافوخي وتسبيني في حالي...
هي جاءت من أجل الإعتذار ولكن بسبب لسانها الأحمق هي على وشك أن تتسبب في مشكلة أو شجار، وتجعله يغضب منها من جديد..
لذلك كان عليها أن تسرع بالقول متمتمة:
-لا أنا مش جاية علشان كده أنا بس مكنتش عارفة أقول إيه..
حقًا هو لا يفهمها أبدًا...
لذلك نظر لها بعدم استيعاب لكن ضيقه يتزايد في الوقت ذاته...
أسترسلت ريناد حديثها بنبرة متوترة وهي تمرر أصابعها النحيلة على عنقها وكأنها تستمد الجراءة من نفسها..
فقد تفعل أفعال خاطئة كثيرة حتى ولو لم تكن جريئًا، لكن عند الإعتذار الأمر يتطلب جسارة كبيرة:
-أنا أسفة.
غمغم دياب باستنكار:
-موضوع الاسكرينة مش مستاهل تعتذري علشانه حتى لو مكنتيش مركزة الموبايل وقع وكان لازم اعوضك...
قاطعته ريناد بتوضيح أكبر جعلته لا يسترسل حديثه:
-لا علشان أنا السبب في أنك تسيب شغلك، أنا معرفش ساعتها عملت كده ليه...
كبرياؤها هو ما جعلها تغمغم وكأنها تضع حفنة من التراب على الكعك:
-وأنتَ برضو بالغت في ردك عليا يعني...
سألها دياب بنبرة ساخرة:
-هو أنتِ بتعتذري ولا عايزة تنرفزيني أكتر؟!...
غمغمت ريناد بجدية لا تليق بها:
-لا بعتذر بس..
رد دياب عليها مختصرًا لأنه متأخرًا عن استلام "التوكتوك":
-ماشي حصل خير عموما هو كان نصيب في الأول والآخر...
أنهى حديثه ورحل لم يعطها فرصة للرد عليه، لكن بقى الأمر عالق في ذهنه..
هل هو حقًا اقتنع بأنه كان نصيب؟!
.أم أنه لم يجد كلمات يقولها في وجهها؟!
لا يريد الغضب عليها إكرامًا لبهية وفي الوقت ذاته هو يعرف بأن هناك العديد من الأشياء لا تنساها بمجرد إعتذار، الإعتذار لا يكفي أحيانًا..
لكن في الوقت ذاته لا يمكنه أن يعاملها بسوء مرة أخرى حتى ولو كان لا يقبل إعتذارها بشكل كُلي لكن يكفي ندمها هو ما جعله لا يضخم الأمر أكثر..
لكنه يدعي بأن ترحل في أقرب فرصة...
____________
بعد مرور ثلاثة أيام..
تجلس هدير شقيقة طارق الصغرى بجانب نضال في السيارة وهو يتوجه صوب المستشفى التي تعمل بها أحلام...
الهاتف على أذنيه وكان نضال يحاول بث الطمأنينة في طارق:
-ان شاء الله خير يا طارق متقلقش خلاص دقائق وهنكون هناك..
رد طارق عليه بنبرة منفعلة وقلقة إلى حد كبير:
-يعني إيه تقولي مقلقش وهي مختفية من امبارح ومرجعتش من الشغل ومعرفش عنها أي حاجة وموبايلها مقفول ومعرفش ازاي هدير مقالتش حاجة زي دي...
ردت هدير التي كانت تسمع صوته وهي تبكي:
-هي في أغلب الأوقات بتيجي وأنا نايمة وتمشي قبل ما اصحى وأروح الدرس وساعات مش بشوفها مكنتش أعرف أنها حاجة مش طبيعية..
غمغم نضال بقلقٍ هو الاخر:
-خلاص يا جماعة اهدوا خير ان شاء الله، أنا خلاص اهو داخل على الشارع بتاع المستشفى هركن العربية وهندخل نسأل عليها..
تمتم طارق بنبرة خائفة:
-خلي التليفون مفتوح متقفلوش معايا...
رد نضال عليه بهدوء مقدرًا ما يمر به:
-ماشي هديه لهدير اهو ومش هنقفل..
أخذت هدير من نضال الهاتف ثم هبطت من السيارة وهبط نضال هو الأخر بعدما تأكد من أن السيارة مغلقة ثم عبر الاثنان الطريق ثم ولجا إلى المستشفى وتوجهوا صوب الاستقبال ليسأل نضال الفتاة الجالسة:
-دكتورة أحلام في قسم الباطنة.....
قاطعته الفتاة بنبرة عملية ولم تتركه أن يسترسل حديثه:
-الحالات اتنقلت لدكتور أشرف ودكتورة نسرين واعتقد أننا بلغنا حضرتك في التليفون..
تمتم نضال باستغراب ونبرة عالية بعض الشيء وهدير تقف بجانبه:
-أنا بسأل عليها هي، هي مرجعتش البيت من امبارح...
كان في الوقت نفسه أو خلفهما مباشرة يدخل جواد بعدما ألقى التحية على العاملين فأغلب جراحاته تكون في وقت متأخر من الليل....
نما إلى سمعه صوت هذا الرجل المرتفع ليقترب منهما هاتفًا:
-في إيه يا نورا؟!.
تمتمت نورا وهي توجه حديثها صوب جواد وانظر له ففعل نضال المثل وأخذ ينظر إلى هذا الرجل الذي يتحدث:
-بيسألوا عن دكتورة أحلام في قسم الباطنة..
رد نضال عليها بانفعال:
-أنا مش مريض ولا حالة أنا قريبها وهي مرجعتش البيت من امبارح وأنا جاي أسال هي مشيت امته امبارح؟!..
تحدث جواد وهو يرد عليه باستغراب:
-أهلا بحضرتك، بس دكتورة أحلام بقالها يومين مبتجيش المستشفى..
خرجت شهقة من هدير متمتمة بعدم فهم
:
-يعني إيه بقالها يومين مبتجيش؟!..
عقب جواد عليهما بطريقة عملية لكنه يدرك بأن هناك شيئًا:
-هي سابت الشغل، واللي أعرفه أنها كانت طيارتها النهاردة الصبح...
رددت هدير باستنكار شديد:
-يعني إيه طيارتها كانت النهاردة الصبح؟!، دي احتي يعني إيه هتسافر من غير ما نعرف أنتم أكيد متلغبطين بينها وبين حد تاني...
تحدث جواد تحت صمت نضال التام الذي يحاول أن يستوعب ما يسمع:
-زي ما حضرتك سمعتي والله دي المعلومات اللي نعرفها هي سابت الشغل لأنها مسافرة....
لم يخطأ جواد هو يعرف هدير رأى صورتها أكثر من مرة ويعرف بأنها شقيقتها لكن كيف أن عائلتها لا تعرف بأمر سفرها؟!!
كان خلفها شيئًا شعر هو به ولم يمر الكثير وبدأ في الظهور....
أخذ نضال الهاتف من يد هدير حتى يتحدث مع طارق لكنه وجد أن المكالمة انتهت حاول الاتصال مرة أخرى، لكن لا يجيب عليه...
___________
..إيطاليا...
الهاتف يهتز بين يديه يعلن عن إتصال من صديقه لكنه لا يجيب، يقرأ رسالتها...
"لو الرسالة دي وصلت ليك يا طارق هكون برا مصر وموجودة في ألمانيا، أنا سافرت يا طارق علشان أحقق حلمي عارفة أن طريقتي مكنتش أحسن حاجة بس عارفة أنك هتسامحني لما تفكر كويس، أنا هعمل ماستر هنا، وهشتغل في الوقت نفسه، أنا دبرت فلوس السفر بشوية حاجات كانت عندي بعتها وأخدت من المبلغ اللي أنتَ كنت سايبه معايا علشان البيت جزء كبير واللي اتبقى منه جبت بيه ذهب علشان خاطر هدير وسيبته في الدولاب، عارفة أنك هتزعل مني بس أكيد هتفهمني"...
يقرأ طارق الرسالة بأعين متحجرة...
لا يستطيع النطق بحرف...
كيف ينطق وشقيقته قامت بـ ســـرقــتـــه...
________يتبع________
لو وصلتم لهنا دمتم بألف خير ونتقابل في فصل جديد ومتنسوش الفوت والكومنت...
بوتو يحبكم💜
الفصل الثاني عشر من #عذرًا_لقد_نفذ_رصيدكم
#شارع_خطاب
بقلم #fatma_taha_sultan
____________
اذكروا الله.
دعواتكم لأهلكم في فلسطين والسودان وسوريا ولبنان وجميع البلاد العربية.
_____________________
"الروح إذا آوت داوَت، وإذا أَحبّت أحيت."
#مقتبسة
حين تكون لطيفاً من البداية يظن الناس أن لطفك ضعف لأن الذي لا يُظهر فتكه، يعتبرونه عاجزاً أو ساذجاً، لكن عندما تظهر لهم جانبك القاسي أولاً، وتثبت أنك قادر على سحق كل شىء يقف في طريقك، ثم تختار أن تكون لطيفا، يبدأ الجميع في رؤية الأمور بشكل مختلف، فاللطف هنا لا يُفهم كضعف، بل كقوة مختارة، هم يعلمون الآن أنك قادر على تحطيمهم، لكنك تختار ألا تفعل ."
-نيكولو مكيافيلي
لن تجد أبدًا غير الحُبِّ تفسيرًا أنَّ المكان
نفسهُ الذي يضيق بواحدٍ يتسع لاثنين.
- يوسف الدموكي.
____________
تبكي هدير في أحضان إيناس وهي تجلس على الاريكة في منزل عائلة دياب...
بينما حور كانت في غرفتها تجلس مع أطفال شقيقتها تمنعهم من الخروج إلى الخارج بسبب انهيار هدير لا ينقصهما بالطبع أي شقاوة أو تصرف عفوي قد يخرج منهما..
حُسنية كانت تناظر الصغيرة المسكينة "هدير" بأسى كبير مقدرة حجم الصدمة التي تمر بها الفتاة.......
تحدثت هدير من وسط بكائها وشهقاتها:
-ازاي اكون معاها في بيت واحد ومحسش هي بتعمل إيه؟!؛ ازاي تحضر كل ده وهي قاعدة معايا في البيت عادي وأنا مش حاسة بأي حاجة، ازاي تسبيني وتمشي؟! دي كانت بتقولي أنها مش عايزة تتجوز علشان متسبنيش لوحدي وكنت دايما حاسة بالذنب لما بترفض أي عريس...
كانت إيناس تسمعها بـضيقٍ شديد وهي التي كانت تظن بأنها صديقتها المُقربة اتضح أنها لا تعرف عنها أي شيء، وأنها شخص أخر لا تعرفه.....
تمتمت حُسنية محاولة تلطيف الأجواء قدر المُستطاع رغم عدم اقتناعها هي شخصيًا بكلماتها:
-يمكن عندها مُبرر يا بنتي ونتكلم معاها ونسمعها يمكن يكون عندها كلام تقوله...
ابتعدت هدير من أحضان إيناس هاتفة بنبرة عصبية إلى حدٍ كبير:
-محدش يقولي عندها مُبرر، محدش يقولي عندها مُبرر أنها تسيبني وتسافر؛ أنها تعمل كل ده من ورانا وحتى لو عندها حق في كل اللي فات أو مُبرر تقوله؛ محدش يقولي أن عندها مُبرر تسرق أخوها اللي بيحوش معاها وتسافر بفلوسه.......
صُعقت إيناس هي وحسنية مما يسمعوه، تلك معلومة جديدة تمامًا، كانت إيناس تظن بأن الأمر منحة أو رُبما هذا الرجل التي تعرفه هو من دفع لها ولكنها لم ترغب في إخبارها....
لكن تسرق طارق!!!
شقيقها!!!!
السبب فيما هي فيه من الأساس لولاه لم تكن وصلت لأي شيء....
كيف كانت صديقتها تلك الفتاة؟!.
كيف؟!...
أردفت حُسنية بنبرة جادة وهادئة:
-مهما اللي حصل ما بينكم يا هدير يا بنتي أنتم أخوات، ومصيركم هتشوفوها وهتتعاتبوا وهتتصالحوا من تاني...
تحدثت هدير بنبرة جنونية:
-لو أخر يوم في عمري مش هسامحها على أنها اسيبني وتستغفلني وأنا معاها في بيت واحد، لو أخر يوم في عمري مش هسامحها أنها سرقت أخونا اللي معملش حاجة في حياته غير أنه بيدينا وبس عمره ما خد حاجة مننا...
كادت حُسنية أن تتحدث مرة أخرى لكن سبقتها إيناس هاتفة برجاء حقيقي هذا ليس وقت الحكم أو المواعظ حتى ولو كانت حقيقية، فـ بتلك الطريقة تضع والدتها الملح على جرح هدير..
-خلاص يا ماما مش وقته أنا هقوم أحضر العشاء واجيب ليكي يا هدير حاجة تلبسيها وتغيري هدومك كده كده دياب مش جاي هيبات عند نضال..
قالت هدير بحرج كبير والدموع مازالت تهبط من عيناها:
-أنا بجد مش عارفة أقولكم إيه؟!، أنا جيت شقلبت ليكم الدنيا خالص...
قاطعتها حُسنية بنبرة حنونة:
-متقوليش كده يا هدير يا بنتي احنا أهل وده بيتك، وأنتِ زي حور وايناس بالظبط..
ابتسمت لها هدير فأقتربت منها إيناس ووضعت قبلة على رأسها وجبهتها بحنان وكأنها طفلتها هاتفة وهي تربت على ظهرها:
-قومي اغسلي ووشك وبطلي عياط يا حبيبتي...
___________
يجلس سلامة ويضع سماعات الأذن في أذنيه ويشاهد المقاطع التي تمر أمامه ثم تركهم وذهب إلى غرفته إلى حين أن ينتهي نضال من تحضير العشاء أما زهران ودياب يجلسا على أريكة واحدة...........
وقع على دياب المجئ إلى هنا، والمكوث معهم تلك الليلة بسبب الظروف الطارئة التي حدثت في منزله، مكثت هدير شقيقة طارق مع والدته وشقيقاته...
طارق لا يعرف حتى الآن ما الذي عليه أن يفعله من أجل أن شقيقته تبقى وحيدة في الشقة....
واقترح هذا الحل مؤقتًا على دياب بحرج كبير وعاتبه دياب قائلا بأن هذا منزله أيضًا..
تمتم زهران بجدية وهو يسحب نفس من الأرجيلة:
-والله أنا البت أحلام دي من وهي صغيرة وأنا شايفها سوسة كده وسُهنة ومش برتاح ليها سبحان الله طول عمري ليا نظرة متخيبش في البني أدمين..
جاءه صوت نضال بنبرة مرتفعة وهو يقف في المطبخ ويحدثهم:
-يا بابا أرجوك والله الوضع ما ناقص كلامك هي خربانة لوحدها..
تحدث زهران وهو يتحدث بنبرة مرتفعة هو الأخر حتى تصل له:
-ومدام هي خربانة خربانة جت عليا يعني وكلامي هو اللي وقف في زورك؟!..
غمغم دياب بنبرة كئيبة وحزينة حقًا على صديقه:
-والله يا عم زهران حتى الكلام ملهوش لازمة، طارق مش هيفوق منها تاني، الخذلان والكدب وعدم الأمانة من أقرب الناس ليك دي أكتر حاجة بتوجع الواحد، أنا مش عارف هي ليه عملت كده بجد؟! طارق عمره ما كان وحش معاهم ده هو السبب أنها تكون دكتورة أصلا لولاه مكنتش بقت أي حاجة..
تمتم زهران بنبرة جادة بعدما سحب نفس من أرجيلته مرت أخرى:
-في أرض بتكون بور مهما زرعت فيها زرعتك مش بتطرح وده اللي حصل مع طارق، والله أنا هي مش فارقة معايا ببصلة كل اللي فارق معايا البت الصغيرة هدير هتعمل إيه وأخوها الكبير ملهوش لازمة من زمان...
تحدث نضال وهو يقوم بتقطيع الخضروات:
-المشكلة أن طارق عاجز أوي بجد، كون أنه في دنيا تانية وحتى مش هيعرف ينزل لو نزل هيتحبس علشان سفره قبل الجيش، بجد الوضع صعب بشكل ينرفز ويخليك عاجز عن حله...
تلك الأجواء الكئيبة لا تعجب زهران أبدًا...
لذلك حاول أن يتحدث بنبرة مرحة أو بمعنى أدق حاول تغيير الموضوع:
-والله إحساس العجز وحش حسيت بيه زمان برضو..
تمتم دياب بفضول:
-امته حسيت بيه يا عم زهران قولي؟!.
تحدث زهران وهو يخبره بالأمر بعدما سحب نفس من الأرجيلة:
-ميرفت الله يمسيها بالخير مراتي الثانية، لما كنت بتخانق معاها وتسيب ليا البيت وتروح لأهلها كنت بحس بالعجز...
ضيق دياب عينه وهو يسأله باهتمام لا يناسب قصص زهران:
-ليه بس ياعم زهران إيه اللي بيحسسك بالعجز للدرجة دي كنت بتحبها وبتزعل على فراقها؟!.
تمتم زهران بجدية:
-كل الحكاية أنها كانت نفسها طويل تقعد تسافر وتروح لأهلها في مرسى مطروح وأنا كنت بكسل أسافر الساعات دي كلها وبنقعد كتير متخانقين عقبال ما كنت أخد اخويا الله يرحمه ونروحلها....
ضحك دياب ثم سأله بجدية زائفة:
-مكنتش بتحبها؟!...
قاطعه زهران مستنكرًا وهو ينفي تلك الفكرة:
-لا طبعا دي كانت حب عمري؛ انا عمري ما اتجوزت واحدة الا لما كنت بحبها وعجباني اومال هتجوزها ليه اتشمس بيها؟!.
ابتسم زهران ثم تحدث بجدية:
-بس دي أكتر واحدة حبيتها في اللي اتجوزتهم بعد ام العيال حب عمري رقم واحد، أصل أنا قابلتها في أكتر وقت كنت محتاج فيه حد بعد موت أم العيال.
تمتم دياب بعدم فهم:
-اومال مدام الدنيا كانت حلوة اوي كده إيه اللي حصل؟! وطلقتها ليه؟! ما كنت جيبت ليها شقة هنا تغضب فيها بدل ما تسافر مرسى مطروح وساعات السفر تبوظ العلاقة...
تحدث زهران ضاحكًا وهو يسرد ذكرياته:
-طبعا مش دي المشكلة الوحيدة كانت عندية وودانية كان ليها بنت خالة حرباية وعقربة وكانت بتعتبرها زي اختها وبتسمعلها في كل حاجة، تتحرق مطرح ما هي موجودة، هي السبب تخيل دي الجوازة الوحيدة اللي خلصت معايا بمشاكل كبيرة وكانت منشفة دماغها أوي ومش عايزة ترجع كانت علطول تقولها إني بخونها..
ضيق دياب عيناه وسأله بشك:
-يعني أنتَ مكنتش بتخونها؟!.
رد زهران عليه مدافعًا عن ذاته:
-لا والله الخيانة مش في طبعي، حتى فضلت اقولها خليها تجيب دليل بس الموضوع مكنتش نافع، الله يجحمها مطرح مهي موجودة اللي اسمها وفاء دي..
صمت زهران لثواني ثم تغيرت ملامحه إلى أخرى هاتفًا:
-خلاص قفل على السيرة دي..
غمغم دياب مدافعًا عن نفسه:
-انا ولا فتحت ولا قفلت، أنتَ اللي كنت بتتكلم..
تحدث زهران بنبرة دبلوماسية:
-أنا اللي فتحت وأنا اللي اقفل المهم ده مش موضوعنا في حاجة كنت عايز أكلمك فيها أساسًا...
غمغم دياب بنبرة متهكمة وهو يعقد ساعديه:
-امي مش بتفكر في الجواز واخواتي صغيرين عليك فأعتقد مفيش مواضيع نتكلم فيها...
تمتم زهران بنبرة غاضبة:
-احترم نفسك بقا وخلي علاقتنا حلوة النهاردة بدل ما تأخد صاحبك وتشوفوا ليكم حتة تباتوا فيها وخد سلامة بالمرة.
ضحك دياب ثم أردف ببراءة:
-وهما مالهم يا عم زهران هو أي مشكلة وخلاص العيال متكلموش أنا اللي بتكلم...
هتف زهران بنبرة جادة:
-أنا عايزك تشتغل تحت بدل الواد مصطفى على الكاشير وتأخد اوردرات وكده يعني مؤقتًا...
قاطعه دياب بنبرة واضحة وجادة:
-لا..
تمتم زهران بإصرار واضح وهو يوضح له طبيعة العمل:
-لا في عينك يا دياب أنا مش بأخد رأيك أنا بعرفك أنتَ هتمسك من الساعة ثلاثة لغايت الساعة تسعة والشيفت التاني هيمسكه الواد مصطفى، ولو عايز تكمل على التوكتوك اشتغلك ساعتين عليه بليل بعد ما تخلص وخلاص، لغايت ما ربنا يتوب عليك من الاتنين...
صمت دياب لثواني وكان يفكر في الأمر..
يبدو أنه كان متشبثًا برأيه الخاطئ..
ما المشكلة بالعمل في مكان صديقه ووالده؟!
هو عمل كأي عمل..
سيكون الأمر جيدًا بأن يصبح له بدل العمل اثنان كبديل....
هتف زهران بنبرة هادئة:
-يلا نقول مبروك..
لم يعطِ دياب فرصة للرد وأردف بنبرة عالية:
-مبروك عليك يا نضال، صاحبك هيشتغل معاك اهو هيتلم المتعوس على خايب الرجاء..
أردف دياب مستنكرًا:
-أنا لسه مقولتش حاجة..
تمتم زهران بنبرة هادئة:
-أنا مش مستني رأيك يا حبيبي أنا قولت لمصطفى وعرفتهم في المكان خلاص من قبل ما أقولك أصلا، انا بعرفك علشان تعمل حسابك بس أن وراك شغل من بكرا، وبعدين أنا أهم حاجتين عندي الانضباط وكريمة.
رد دياب عليه ساخرًا:
-وعيالك اختياري..
___________
بعد أن تناول العشاء...
تركهم نضال في الخارج وولج إلى الغرفة حتى يتحدث مع طارق في هدوء، عرف ما فعلته أحلام حينما اتصل به طارق وأخبره بأن يجعل هدير تجلس في منزل دياب مع والدته وشقيقتيه إلى أن يفكر في حل وانتهت المكالمة بهذا الشكل...
أجاب طارق بنبرة مكتومة ومكسورة:
"الو"
سأله نضال بتردد ونبرة حزينة من أجله:
-عامل إيه دلوقتي..
أجاب عليه طارق بنبرة تؤلم من يشعر حقًا، تؤلم من لديه قلب يقظ:
"هكون عامل إيه؟! أنا مكسور وعاجز، اختي كسرتني لما خانت الإمانة اللي شايلها معاها وأنا فاكرها كل ده بتماطل علشان ليها وجهه نظر مختلفة، كنت حتى كمان كام يوم هبعت ليها بقية الفلوس، كنت بحوش معاها الفلوس دي بعيد عن مصاريفهم"..
ابتلع ريقه وصمت لعدة ثواني ثم عاد يُكرر:
"أختى كسرتني، وخليتني عاجز مش عارف أعمل حاجة لاختها التانية، ولا أعرف عنها هي حاجة".
حاول نضال قول أي شيء غير أن يقوم بتزويد الأمر في عينه:
-يمكن هي...
قاطعه طارق بنبرة واضحة:
"متحاولش تلاقي مُبرر يا نضال علشان مفيش لأني بحاول من ساعة ما قرأت الرسالة بتاعتها ومش لاقي، تعرف أكتر حاجة وجعاني هي إيه؟!".
تنهد نضال ثم سأله بنبرة خافتة:
-إيه؟!...
تحدث طارق بقهر واضح جعل نضال يتمنى بأنه كان أمامه ليحضتنه أو يخفف عنه، تبًا لتلك المكالمات الهاتفية المؤلمة والمزعجة والتي تجعلك تشعر بأنك بعيدًا:
"أنها مفكرتش تقولي، مفكرتش تقولي أنا عايزة أسافر، عمري ما كنت هبخل عليها، بل بالعكس كنت هفكر معاها، كنت هدفع وهديها، طول عمري عايز أشوفها أحسن الناس وأحسن مني، كل اللي واجعني وقاهرني أنها عملت كده من ورايا سرقتني بدل ما تقولي ساعدني ياخويا أنا عايزة أسافر".
أسترسل حديثه بنبرة غاضبة:
"عمري ما بخلت عليهم بحاجة، جت عليا أيام كنت هنا مش لاقي أكل وبمشي يومي بالعافية عشلان ابعت ليهم الفلوس اللي تكفيهم وزيادة ومقصرش لا في مصاريف جامعتها ولا في مصاريف البيت ولا في فلوس مدرسة هدير الخاصة ودروسها"...
لم يكن طارق الوحيد الذي يشعر بالعجز كان نضال أيضًا، لأنه لا يمتلك كلمات قد تواسي هذا القلب الجريح من أقرب الأشخاص له....
-أنا مش عارف أقول إيه يا طارق...
قاطعه طارق بنبرة ساخرة:
"أنا نفسي مش لاقي حاجة أقولها، خلينا في المهم، خلي بس هدير اليومين دول عند إيناس وطنط حُسنية"..
سأله نضال باهتمام واضح:
-طب وبعد كده هتعمل إيه؟!..
تحدث طارق بـألمٍ:
"هدير لسه عيلة أنها تقعد لوحدها في البيت ياريتها كبيرة شوية، بكرا هتكلم مع أشرف لازم يشوف حل أو تروح تقعد معاه، لازم يشيل المسؤولية شوية أنا مش عارف أعمل حاجة وأنا هنا"
رد نضال عليه بجدية:
-بس مراته يعني من زمان المعاملة بينها وبينكم مش أحسن حاجة من أيام أمك الله يرحمها، وأخوك ساكن بعيد ودروسها هتكون بعيدة أوي عليها...
غمغم طارق بانزعاج:
"للأسف مفيش حل تاني هو أخوها مهما كان الوضع هيكون أحسن من أنها تفضل لوحدها لحد ما أتصرف، حتى مش عارف هتصرف ازاي وأنا هنا بعيد عنها، أنا هقفل لأني مخنوق جدًا وهكلمك بكرا"..
وعلى هذا المنوال انتهت المكالمة بين نضال وطارق، وبعدها بدقائق جاء دياب من الخارج هاتفًا:
-أبوك نزل شقته وسلامة دخل نام..
تمتم نضال بسخرية:
-يلا ننام أحنا كمان الليلة دي باينها مش هتخلص...
رد دياب عليه وهو يأتي ويستلقي على الفراش:
-منك لله يا أحلام كسرتي بنفس أخوك وضايقتيه.
-متجبش سيرتها علشان أنا بجد موجوع على طارق أوي، والمشكلة أنها اخته ياريت الحركة دي كانت حصلت من الغريب ولا تحصل من أخته لحمه ودمه..
صمت دياب لعدة دقائق يحاول التفكير في هذا الوضع المعقد لكن الأمر صعبًا؛ حاول نضال تغيير الموضوع هاتفًا:
-صحيح أمك هتبدأ الجلسات امته؟!.
رد دياب عليه ببساطة:
-بكرا أول جلسة ان شاء الله.
-ان شاء الله بالشفاء بإذن الله.
غمغم دياب بتمني:
-يارب..
ثم أسترسل حديثه باهتمام وهو ينظر له:
-صحيح مقولتليش..
ضيق نضال عينه هاتفًا باستنكار وهو يستلقي بجانبه على الفراش هو الآخر:
-مقولتش إيه؟!
-عملتوا إيه في حوار سلمى؟!.
رد نضال عليه موضحًا ما حدث:
-معملناش حاجة أنا قولت لبابا ميفتحش الموضوع تاني ومن ساعتها الوضع متعلق المفروض على المسرحية اللي عملها أبويا أنهم هيردوا علينا؛ وأنا قولتله يطنش واعتقد كلام سلمى كان واضح قدامنا يعني هي مش عايزة تتجوز أصلا..
غمغم دياب بنبرة شبة ناعسة:
-والله أنتَ هتندم لو ضيعت واحدة زي سلمى من إيدك، هي اينعم معقدة شوية من حوار ابوها وباين من كلامها بس فعلا هي دي اللي تنفع ليك وحتى شبهك في حاجات كتير ومتتسابش بصراحة..
تمتم نضال ساخرًا:
-اه وإيه كمان؟!...
ضحك دياب ثم تحدث مشاكسًا أياه:
-دي غيرة بقا؟! متقلقش دي مرات اخويا ومتحرمة عليا....
قذفه نضال بالوسادة ووضعها فوق وجهه وهو يضغط عليها:
-نام بقا في ليلتك اللي مش معدية دي أحسن، أنا مش ناقصني زهران نمرة ثلاثة..
ضحك دياب من وسط همه وأبعد الوسادة عن وجهه بصعوبة ثم حاول أن يتنفس جيدًا كما أبعد يد صديقه:
-ده في اعتبار أن سلامة نمرة اتنين صح؟!.
غمغم نضال وهو يسحب الغطاء:
-اسكت بقا أنا دماغي هتنفجر وعايز أنام..
قال دياب هو الاخر بصدقٍ:
-وأنا كمان عايز أنام...
_______________
أتى والدها في الصباح الباكر وهو يحمل العديد من الأغراض المنزلية كاللحوم، الخضروات، المنظفات، البهارات، الأرز، السكر، واحتياجات المنزل الضرورية أو التي يعرفها....
وقام بشراء الفطور حتى يتناوله معها ومع بهية، وبالفعل تناول الثلاثة الطعام ثم جلس على الأريكة يتحدث مع ريناد بنبرة جادة:
-عرفت أنك بتحضري المحاضرات كلها...
تحدثت ريناد بحماس وهي تجلس بجواره مغمغمة:
-ايوة بحضر، وعايزة أطلب من طلب..
سألها محمد بفضول بعدما أخذ رشفة من القهوة التي تتواجد بين يديه:
-عايزة إيه؟!.
غمغمت ريناد برجاء حقيقي:
-عايزة الفون بتاعي..
رد عليها محمد رد قاطع:
-لا..
تحدثت ريناد بعصبية حاولت كبتها قدر المُستطاع هي تحاول أن تمر أيامها لكنها لم تعتاد بعد على ما يحدث:
-هيحصل إيه لو اديتهوني يعني؟!...
كانت تحتاج إلى الهاتف بدأ يتابعها عدد لا بأس به وهي ترغب في أن تقوم بتصوير مقاطع ذات جودة جيدة، ترغب في هاتفها الذي يتواجد به كاميرا رائعة فهي كانت دومًا مهووسة بالتصوير والهاتف الذي يتواجد معها لا يسعفها أبدًا في هذا الأمر..
هتف محمد بجدية ونبرة هادئة:
-خلاص هديهولك...
جاءت بهية من الداخل وهي تسير على عكازها حتى جلست على أحد المقاعد...
نهضت ريناد هاتفه بحماس حقيقي ونبرة شبة صارخة:
-بجد؟!..
عقب محمد على حديثها مؤكدًا للمرة الثانية:
-وهديكي اللاب كمان..
قاطعت ريناد حديثه بامتنان حقيقي:
-ربنا يخليك ليا يا بابا، Thank you...
تمتم محمد بجدية وهو يوضح لها الأمر يناظرها بهدوء وملامح مرتخية:
-مش تسمعي كلامي للآخر؟!! هديهوملك بشرط..
ذهب الحماس والبسمة من وجه ريناد وهي تسأله باستغراب:
-شرط إيه ده؟!.
هتف محمد بثبات:
-لما نتيجة الترم الأول تظهر، واتأكد أنك مش بتروحي علشان تريحي دماغك مني وخلاص أتأكد أنك بتذاكري، أشوف النتيجة بعيني وتكوني جايبة تقدير كويس ساعتها هديكي الفون واللابتوب كمان...
تمتمت ريناد بنبرة منفعلة:
-وإيه علاقة ده بالنتيجة يعني ما في ناس كتير معاها مواد في الجامعة أفرض منجحتش يعني؟! وده أول semester ليا في الجامعة...
هنا خرج صوت بهية هاتفًا بنبرة جادة:
-وأنتِ ليه سايبة الناس اللي بتنجح وماسكة في اللي بيسقطوا؟!..
كان ينقصها حقًا حديث تلك المرأة حتى تقوم بتزويد الأمر في أعين والدها...
تحدث محمد بنبرة جادة:
-مش شرط أنك بتروحي الجامعة وقاعدة في البيت وبطلتي تقابلي صحابك الصيع معناه أنك واخدة الموضوع بجد، لازم أشوف النتيجة بعيني، أنا عمومًا اتأخرت عندي ميعاد ولازم امشي..
هتفت ريناد بغضب واضح:
-أنا مصروفي خلص خلاص، ومحتاجة فلوس..
تحدثت هنا بهية مرة أخرى وكادت ريناد تقتل نفسها بسببها:
-مش أنا لسه مدياكي مئتين جنية من كام يوم تمشي أمورك بيهم؟!..
غمغم محمد وهو يعقد حاجبيه:
-متديهاش فلوس لما مصروفها يخلص هي لازم تمشي قد الفلوس اللي معاها..
أردفت بهية بنبرة بريئة:
-مهوا قولت برضو هي لسه مش واخدة على الوضع الجديد، وقولت مش مشكلة اساعدها شوية تمشي الشهر بس قولتلها بلاش تصرفهم بسرعة زي ما بتعمل بس مفيش فايدة..
تحدث محمد بجمود وهو يضع يده في المعطف الذي يرتديه وأخرج منه عدة ورقات ووضعهم على الطاولة:
-دول خمسمائة جنية، نصهم هيتخصموا من مصروف الشهر الجديد، أنا بس متساهل معاكي لغايت ما تعرفي ترتبي أمورك حسب المصروف اللي معاكي...
أردفت ريناد بغضب كبير وهي تتوجه صوب غرفتها:
-أنا رايحة ألبس احسن واروح الجامعة أرحم علشان كده كتير..
تحدث محمد بنبرة عالية لتسمعها وهي في الرواق:
-يلا لو تحبي اوصلك للجامعة في طريقي لو اتأخرتي عن ربع ساعة همشي وابقي اركبي المترو زي كل يوم...
جاءه صوتها سريعًا:
-لا أقل من خمس دقائق وهكون خلصت والله..
___________
يجلس في غرفته في المستشفى...
يفكر فيما حدث ليلة أمس حينما رأى شقيقة أحلام وذلك الرجل، كانت صدمة فاجعة بالنسبة له بأنها سافرت من دون أن تخبر عائلتها، توقع الكثير من الأمور الغير جيدة التي قد تكون فعلتها بسبب مكالمتها العجيبة تلك وهي تخبره بأنها خائفة لكنه لم يتوقع شيئًا هكذا...
كأنه كان يتعامل مع أمرأة أخرى خلال السنوات الماضية وفقط في الفترة القصيرة جدًا الماضية رأى أمرأة مختلفة تمامًا...
كيف تفعل هذا؟!..
يحاول إيجاد مُبرر واحد يجعلها تصيب عائلتها بالذعر بهذا الشكل والسفر من خلفهم ولكنه لا يجد أي مُبرر..
طرقات خافتة على الباب جعلته يأذن لصاحبها بالدخول فـ ولجت السكرتيرة الخاصة به حينما يكون متواجدًا في المكتب الخاص بالإدارة:
-دكتور جواد مدام رانيا برا...
تحدث جواد باستنكار وهو يكرر اسمها:
-رانيا برا؟!.
وقبل أن يتفوه بكلمة أخرى كانت رانيا تتخطى الفتاة وهي تدخل إليه هاتفه:
-صباح الخير يا جواد...
غمغم جواد بنفاذ صبر وهو يوجه حديثه إلى الفتاة:
-اتفضلي أنتِ يا نسرين..
هزت الفتاة رأسها بإيجاب ثم رحلت وأغلقت الباب خلفها وهنا دخلت رانيا ونهض جواد هاتفًا وهو يكز على أسنانه:
-إيه اللي جابك هنا يا رانيا؟!...
تحدثت رانيا بنبرة جادة وهي تجلس على المقعد الذي يتواجد أمام مكتبه متحدثة ببساطة:
-مفيش حبيت أجي واشوفك، النهاردة عيد ميلادك..
جواد لم يكن رجلًا شغوف بيوم مولده...
ولا يحتفل به..
حتى أنه يتنساه في بعض الأوقات ولولا التهنئات التي تأتي من أصدقائه على مواقع التواصل الاجتماعي لكان تنساه للأبد..
أكثر ما يفتقده اليوم هو تحية والده الصباحية في يوم مولده وأحيانًا كان يأتي له بهدية...
حتى رانيا وهي زوجته لم تهتم يومًا بهذا اليوم وسارت على نهجه بأنه لا يحتفل به، حتى أنها كانت تنسى معايده بطريقة شفاهية حتى...
تحدث جواد بسخرية شديدة:
-غريبة يعني مكنتيش بتفتكري عيد ميلادي وأحنا متجوزين جيتي تفتكريه واحنا مطلقين؟!.
ضحكت رانيا ثم أردفت بنبرة مشاغبة:
-شوفت بقا، كل سنة وأنتَ طيب يا جواد أنا كمان جيبت ليك هدية..
أخرجت من حقيبة يدها صندوق كرتوني متوسط الحجم يعود إلى أحدى علامات ساعة اليد العالمية والمفضلة لدى جواد...
بشكل عام هو دقيق جدًا فيما يخص ساعات اليد ورابطة العنق، ويحب شرائهم بشكل كبير أكثر من أي شيء أخر لديه هوس نوعًا ما بهما..
وضعتها أمامه مما جعل جواد ينظر لها بعدم فهم، هي لم تفعلها وهي زوجته ستفعلها الآن؟!.
تلك الزيارة خلفها شيئًا حتما...
تحدث جواد بنبرة واضحة وحادة بعض الشيء:
-خير يا رانيا، الزيارة دي وراها إيه بقا؟!.
ردت رانيا عليه بانزعاج حقيقي استطاعت رسمه:
-عيب يا جواد تتكلم معايا بالطريقة دي، يعني أحنا ولاد عم في الأول والآخر أكيد مش هنقطع مع بعض حتى لو أطلقنا، أحنا قرايب...
عقد جواد ساعديه وأخذ يتأملها كما يتأمل كلماتها الزائفة:
-فعلا؟!.
تحدثت رانيا بجدية:
-أيوة طبعا..
صمت جواد لعدة ثواني ثم سألها بنبرة غامضة وهو ينظر لها من أسفل نظارته الطبية:
-أنتِ إيه أخبارك وأخبار شغلك صحيح ودنيتك...
غمغمت رانيا بتلقائية وهي تنظر له:
-الحمدلله الأمور كلها تمام أنا كنت هفتح فرع جديد في مول **** بس إيجاره غالي جدًا...
هنا بدأت تضح الرؤية قليلًا مما جعل جواد يتحدث بنبرة ساخرة:
-طب لو مش قد الخطوة ومش مستعدة ليها، هتاخديها ليه انتظري شوية..
أردفت رانيا بضيقٍ:
-يعني هو انتشار ليا وحساها فرصة مش هتتعوض بصراحة..
رد جواد عليها من دون تفكير:
-وطبعا جاية ليا مع الساعة علشان اساعدك..
كان يرغب في صنع تمثال لها تقديرًا لوقاحتها وهي تخبره:
-وليه لا؟! إيه المشكلة لما تساعدني؟! أنا بنت عمك، سيبك من إني طليقتك، اعتبرني بنت عمك وبس وواقعة في مشكلة ومحتاجة مساعدة منك، عمو لو كان لسه عايش مكنش أتردد لحظة أنه يساعدني..
تحدث جواد بنبرة جادة وهو ينظر لها نظرات قاتلة:
-بلاش تدخلي من ناحية بابا لأن دي أخر حاجة ممكن أصدقها منك ده أولا، وثانيا دي مش مشكلة أساعد بنت عمي فيها، بنت عمي بتدلع وجاية فاكرة أنها هتديني على قفايا ولا إني مغفل، متفتكريش أنك هطولي مني جنية إلا لو حصلت ليكي مصيبة فعلا أو مشكلة ساعتها ممكن وده هعمله لأجل صلة القرابة مش علشانك...
هتفت رانيا بانزعاج واضح وأنقلبت ملامحها المرتخية تمامًا وهي تتحدث:
-بقا كده؟!.
غمغم جواد بقوة وغضب حقيقي:
-الغريب أنك فاكرة إني هطلع الموبايل وأحولك على حسابك اللي أنتِ عايزاه، أنا مش ساذج يا رانيا ولا مغفل، أنا بس كنت بحب أريحك كونك مراتي وكل جنية أخدتيه مني كان بمزاجي علشان أريح دماغي منك من جهة ومن جهة تانية أنه يخليكي على الأقل تقدري وقفتي جنبك ولما اعوزك ألاقيكي لكن ده محصلش...
تحدثت رانيا بنبرة ساخرة:
-مكنتش اتوقع منك كده..
قاطعها جواد بنبرة جادة وهو يشير ناحية الباب:
-توقعي كده وتوقعي الاسوء من كده لو حابة، وياريت تقومي تمشي ومتخلنيش اشوفك تاني، التكية اللي كنتي عايشة فيها راحت..
نهضت رانيا هاتفة بتهكم واضح بعدما عرفت برحيل أحلام بواسطة طبيبة تعمل هنا قابلتها قبل أن تدخل إليه:
-معرفش إيه المعاملة دي يعني ما حبيبة القلب مشيت يعني مبقاش في حد.
لم يندهش من معرفتها بل تحدث ببرود:
-أصلي محبتش أكرر غلطي تاني واتجوز رانيا نمرة اتنين لأنها مفرقتش عنك كتير، امشي يا رانيا عندي عملية كمان ساعة وعايز أصفي دماغي...
-ماشي يا جواد بكرا تندم.....
رد عليها جواد بنبرة واضحة:
-مش اكتر من الندم اللي أنا فيه إني اتجوزتك في يوم من الأيام..
استشاطت غضبًا فأقتربت من المكتب وانحنت وأخذت الساعة التي أتت بها ثم رحلت...
______________
منذ المكالمة التي دارت بينهما وحديثها بأنه إذا يرغب بها، يتقدم لخطبتها وهو اختفى تمامًا..
للمرة التي لا تعرف عددها...
لم يرسل لها شيء كما لم يجرب الاتصال بها...
حتى أنه توقف عن مشاركة المنشورات على صفحته الشخصية أو ظهور أي نشاط له بأي طريقة...
عاد حمزة يختفي من جديد...
كان لديها موعد اليوم واعتذرت عنه وأخبرت صاحبته وأخبرتها بأنها سوف ترسل لها صديقة أخرى تعمل في ذات المجال وفي الحقيقة من الجيد أن الفتاة تفهمت الموقف ولم تحدث مشكلة..
هب لا ترغب في مغادرة المنزل...
تشعر بالضيق الشديد من نفسها...
لم يكن عليها قول الأمر بمنتهى الصراحة أمامه..
تسرعت في أن تصرح برغبتها...
كان ينقصها فعليًا هو التصريح بحبه أو بإعجابها به لتكون قد أكملت أفعالها الحمقاء...
جاءت والدتها من الخارج فـ كان باب الغرفة مفتوحًا، جلست انتصار على طرف الفراش هاتفة:
-مالك قاعدة لوحدك كده ليه؟!..
تحدثت سامية بنبرة مكتومة:
-عادي مفيش حاجة..
أردفت انتصار باهتمام وهي تعقد ساعديها:
-مش كنتي بتقولي عندك عروسة النهاردة، منزلتيش يعني؟!..
تمتمت سامية بنبرة متوترة:
-أبدًا حسيت إني محتاجة ارتاح فروحت بعتها لواحدة تانية يعني والموضوع مشي..
تحدثت انتصار بتلقائية:
-في حاجة يا سامية؟!.
ارتبكت سامية قليلا وهي تسألها:
-حاجة زي إيه؟!.
هزت والدتها كتفها بلا مبالاة هاتفة:
-حاجة زي أي حاجة أنا المفروض اعرفها، بقالك فترة أحوالك مش عجباني وكل ما أسالك تقولي مفيش، قوليلي يا بنتي متخبيش عليا، أنا امك يعني احنا ملناش غير بعض...
لوهلة كانت ترغب في قص كل شيء لوالدتها لكن امتنعت ورأت بأنها فكرة غير صائبة ابدًا تحديدًا لأنه اختفى ويبدو أنه يبتعد تلك المرأة ولن يعود..
-لا مفيش حاجة يا ماما.
تحدثت انتصار مستنكرة وهي تشير إليها:
-يعني قلبة الوش دي رباني يعني ولا إيه؟!.
أخذت سامية أنفاسها ثم غمغمت بنبرة مختنقة:
-هو مفيش أي حاجة بعملها بتعجبكم؟! قاعدة في البيت مش عاجب أبقى قالبة وشي، اخرج يبقى بخرج كتير، كل حاجة اعملها مش عجباكم..
تحدثت انتصار بعد فهم ثورتها:
-وطي صوتك بس يا حبيبتي أحنا بنتكلم، ومتعليش صوتك وأنتِ بتكلميني، أنا جاية أشوفك مالك مش علشان تهبي في وشي زي البابور...
ثم أسترسلت انتصار حديثها:
-عمك بعتلك الشهرية بتاعتك برا، وسأل عليكي قولتله نايمة...
أردفت سامية بنبرة عفوية:
-اه مهوا اتصل بيا بس مردتش..
ضيقت انتصار عيناها وسألتها بعدم فهم:
-مردتيش عليه ليه بقا؟!.
غمغمت سامية بلا مبالاة أثارت شكوك انتصار هي متأكدة من أن هناك شيء تخفيه ابنتها عنها لكنها لا تعرف ما هو وهي لا ترغب في إخبارها بما يحدث معها:
-أبدًا مليش مزاج أتكلم مخنوقة ومش عايزة أتكلم مع حد وياريت تسبيني لوحدي شوية لأني عايزة أنام شوية...
نهضت انتصار مُردفة بوعيد بسيط:
-ماشي يا سامية لما نشوف أخرتها معاكي إيه يا بنتي واعملي حسابك أنا شوية كده ونازلة رايحة لخالك....
غمغمت سامية بنبرة جادة:
-هاجي معاكي علشان أوصلك بس أنام ليا ساعة كده..
_______________
-هو أنتِ هتروحي الشغل بكرا؟!.
سألت يسرا ابنتها التي تجلس بجوارها على الأريكة هذا السؤال، فأردفت سلمى بنبرة هادئة وهي تأخذ رشفة من مشروبها الساخن..
-يا ماما ما أنا قولتلك الجيم مقفول بسبب التصليحات والحاجات اللي بتحصل غير أنهم كانوا مأجرين واحتمال ينقلوا مكانه...
تحدثت يسرا وهي تدرك الأمر:
-اه صح، أنتِ قولتيلي فعلا بس نسيت.
تمتمت سلمى بنبرة هادئة بعدما تركت الكوب على الطاولة المتواجدة أمامهما وأعادت خصلة شعرها السوداء الفارة خلف أذنيها..
-أنا كلمت أحمد على فكرة امبارح..
" أحمد "
هذا الرجل الذي يكون شقيق صديقة لها وهو من تقدم لها والسبب في عودة والدها أو لم يكن السبب الحقيقي لكنه عامل محفز...
سألتها يسرا باهتمام كبير وهي تنظر لها:
-وقالك إيه؟!.
أردفت سلمى وهي تحاول إخبارها باختصار كبير المكالمة الطويلة التي دارت بينهما:
-مفيش هو أنا فهمته وضعي مع بابا لأنه ولا كان يعرف حاجة ولا اخته تعرف؛ وبصراحة هو اتفهم الموضوع يعني وقالي خلاص أنه مش هيتصل بيه تاني ولا هيسبب ليا أي ازعاج..
تحدثت يسرا بتخمين:
-تفتكري علشان كده ابوكي اختفى ومجاش من ساعتها؟! ولما يلاقي الواد طنشه مش هيلاقي حاجة يقولها..
تمتمت سلمى بعد صمت طال لثلاثة دقائق تفكر في حديث والدتها:
-بصراحة معتقدش، أكيد بيدور على موضوع جديد لو حاجة يجي يتكلم فيها ده مش معناه أنه هيختفي بالسرعة دي مدام ظهر بعد السنين دي كلها يبقى ملهوش مكان يروحه...
هتفت يسرا بنبرة هادئة محاولة تغيير الموضوع لكن ليس كليًا:
-كنت الصبح بتكلم أنا وخالك...
سألتها سلمى بفضول:
-وقالك إيه؟!.
أردفت يسرا وهي تسرد لها تفاصيل المكالمة:
-قالي أنه مضغوط جدًا في الشغل ومش هينفع ينزل، وقالي أنه لما ينزل، هينزل مرة واحدة يعني نحدد كتب الكتاب والفرح بتاع جهاد علشان يحدد الاجازة يكون فيها، لأنه مش هينفع يجي علشان موضوع مدحت ويسافر وبعدين ينزل تاني علشان كتب الكتاب والفرح...
غمغمت سلمى بتفهم ونبرة عقلانية:
-خلاص تمام اتكلمي مع سلامة ومع بنتك وحددوا الميعاد وعرفوه علشان يظبط أموره...
تحدثت يسرا وهي تنظر لها نظرة ذات معنى:
-طب مش المفروض نتكلم معاهم كمان في موضوعك أنتِ ونضال...
ردت عليها سلمى بضيقٍ ورفض قاطع:
-مفيش كلام ومفيش موضوع متحاولوش تعملوا موضوع من الهواء، ردي عليهم إني مش بفكر في الجواز وبعدين يعني من أمته أستاذ نضال بيفكر فيا يعني ده اللي اعرفه أنه كان هو وبنت عمه شبه مخطوبين يعني وبيحبها..
عقبت يسرا على حديث ابنتها بنبرة جادة:
-يمكن ده كام كلام وبس عمر ما حد منهم قال حاجة زي كده، ولو كان في حاجة اكيد مكنوش هيجوا يطلبوا إيدك وبعدين أنا عمري ما شوفت بين سامية ونضال عمار..
صمتت سلمى لثواني ثم عقدت ساعديها هاتفة بانزعاج واضح:
-ميخصنيش عموما في عمار مفيش عمار أنا مش هتجوزه لا هو ولا غيره...
ردت عليها يسرا بنبرة واضحة:
-مش كل الرجالة أبوكي يا سلمى زي ما في رجالة وحشة في رجالة كويسة وأنا شايفة نضال شاب كويس يعني ومحترم وعقلاني كده زيك مش خفيف زي سلامة حتى...
أردفت سلمى عليها بإصرار واختناق شديد:
-ماشي أنا مش عايزة اتجوز ومش بفكر في الجواز وياريت نقفل على السيرة دي أنا هقوم ألف الخمار وانزل علشان ادي الحقنة لطنط بهية...
بينما في الداخل كانت جهاد غاضبة ترتدي إسدال الصلاة الخاص بها، وهي تحمل الهاتف بعدما قرأت رسالته النصية...
"أنا أمنية حياتي تقلعي يا جهاد".
-السافل، قليل الأدب والله ليأخذ شبكته، لا وبعتها واختفى وقفل تليفونه فاكرني مش هرد عليه، فاكرني مش محترمة ولا إيه؟! والله لاوريه.....
لفت الحجاب الخاص بالاسدال الأسود وخرجت من الغرفة..
استوقفها نداء والدتها التي لم تكن تظن بأنها راحلة ظنت بأنها سوف تؤدي فرضها:
-عايزين نكلم سلامة علشان نحدد ميعاد كتب الكتاب...
قاطعتها جهاد بقوة وغضب كبير:
-ولا نكلم ولا نحدد، ده ليلته معايا مش معدية، وهديله شبكته حالا...
-في إيه يا بنتي بس؟!...
لم تلبِ نداء والدتها وخرجت من المنزل مما جعل يسرا تتحدث بعدم فهم:
-قومي البسي الخمار يا سلمى وانزلي وراها شوفي بنت المجنونة دي رايحة فين، أنا رجلي مش شايلاني البت دي والله لاوريها على اللي هي فيه ده..
______________
-ها إيه رأيك عرفت هتعمل إيه؟!.
رد دياب عليه ببساطة:
-لا معرفتش..
تحدث نضال ساخرًا وهو يقف أمام المطعم الخاص بالمشويات الذي يمتلكوه...
-يعني إيه؟! هو أنا بقالي ساعتين بشرح وبكلم نفسي؟! وبعدين هو أنا قولت إيه غير أنك هتقعد على الكاشير وهتستلم الاوردرات بالتليفون ده أنا بعملها لما مصطفى بيتعب وقبل ما مصطفى يجي علشان كان اللي قبله بيغيب كتير...
غمغم دياب بنبرة متعالية:
-لا يا بابا أنا مش هرد على تليفونات أنا ودني بتوجعني مقدرش طول اليوم أكون حاطط تليفون على ودني بزهق ده وأنا خاطب كانت خطيبتي بتضايق...
قاطعه نضال بسخرية:
-أنتَ هتحكيلي قصة حياتك يا دياب في إيه..
تحدث دياب بنبرة هادئة:
-اه وشوف حد يرد على التليفونات أنا مبعملش حاجتين في وقت واحد، معنديش تركيز، همسك الكاشير بس ولو مش عجبك همشي ومش هشتغل..
غمغم نضال بجدية وهو يضع يده على كتف صديقه:
-عارف يا دياب أنا شوفت كتير وقليل مشوفتش حد ناقص أبوس إيده علشان يشتغل...
هتف دياب بهدوء:
-معلش اصلي بتكبر عليك عايز اشوف إحساس الواسطة علشان مجربتهوش قبل كده وبعدين أنا وسطتي مش أي واسطة أنا وسطتي أبو كريمة، المعلم زهران يعني أي حاجة مش هتعجبني هروح أقوله أو اتصل بيه، ده اللي يرص حجر لأبوك يكسب قلبه..
تمتم نضال بسخرية وهو ينظر له ويضيق عينه:
-وده من امته العمار والحب اللي ما بينكم ده؟!، أنتم كنتم عاملين زي الضراير..
عقب دياب على حديث صديقه بمرحٍ:
-زمان بقا كُنا فعل ماضي وبعدين أنا وهو بقينا سمنة على عسل من ساعة ما فكرنا نجوزك، وهنجوزك وتبقى أبو زهران الصغير أو دياب مش هنختلف...
وقبل أن يتحدث نضال، على ما يبدو صديقه يرغب في أصابته بجلطة كما يفعل شقيقه ووالده..
-أخت العروسة جت..
رفع نضال رأسه لينظر ناحية ما ينظر له دياب، فوجد جهاد تقترب منهم وهي تحمل كيس بلاستيكي أبيض ويظهر ما يتواجد بداخله مثل وضوح الشمس بأنها عُلبة مجوهرات..
تحدث دياب بنبرة خافتة لم يسمعها سوى صديقه:
-هو السَبت عند العروسة اتقطع ولا إيه؟! ولا هما غيروا الروتين..
رد نضال عليه بنبرة خافتة هو الاخر:
-التغيير مطلوب في العلاقة علشان ميزهقوش..
أقتربت منهما جهاد هاتفة بانفعال:
-أنا روحت البيت ملقتش حد يفتحلي البوابة واضح أن مفيش حد هناك ولا مرات عمك حتى هناك وروحت الجزارة عمو زهران مش موجود ولا أنتَ، وقالولي أنك هنا
تحدث نضال بابتسامة حاول رسمها تحديدًا وهو يراها تسير بالاسدال تلك المسافة التي لا تعد صغيرة يبتعد هذا المطعم عن شارع خطاب قليلًا:
-ازيك يا جهاد، هو في حاجة ولا إيه؟!.
غمغمت جهاد بنبرة مُنفعلة:
-أيوة فيه، دي الشبكة اديها لاخوك قليل الأدب اللي مش محترمني قوله إني بنت ناس ومحترمة وعيب أوي اللي بيعمله ده، اديله شبكته ومش عايزة اشوفه ولا ألمحه تاني حتى..
أردف نضال بعدم فهم ودياب كان صامتًا ويكتم ضحكة بصعوبة لا يدري لما:
-اهدي بس وتعالي اقعدي..
ردت جهاد عليه بعصبية:
-محدش يقولي أهدي...
رفع نضال بصره ليجد سلمى واقفة على الرصيف الآخر وعلى ما يبدو أنها كانت تحاول العودة حينما رأته، هي لا ترغب في أن تقابله تلك الفترة...
أشار لها نضال بأن تأتي بعفوية وتحدث:
-أختك واقفة هناك...
استدارت جهاد هي الأخرى وأشارت لها هاتفة باستنكار:
-تعالي..
جاءت سلمى مُجبرة وهي تعبر الطريق ثم أقتربت منهم هاتفة بنبرة مكتومة:
-السلام عليكم..
رد نضال ودياب في الوقت نفسه وخرج صوتهما وكأنه صوت رجلًا واحد:
-وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..
وجهت سلمى حديثها إلى شقيقتها بعصبية هي الأخرى:
-ممكن افهم في إيه؟! ونزلتي كده ليه؟!!! أمك قلقت عليكي نزلتي ومفهمتيش حد في إيه؟!.
قالت جهاد بنبرة قوية:
-نزلت علشان أديهم شبكة الباشا اللي مختفي ومبيردش عليا بعد عملته السوداء.
تحدث نضال وسلمى في وقتٍ واحد:
-عمل إيه؟!..
شعرت جهاد بالخجل من إخبارهم ثم قالت بنبرة كانت على وشك أن تبكي فيها:
-أبقوا اسألوه هو عمل إيه...
هتف نضال سائلا سلمى بجدية:
-طيب في إيه يا سلمى؟!.
نظرت له سلمى وهي تتجنب التواصل البصري الصريح معه بعد كل ما حدث الأيام الماضية:
-والله معرفش، هي كانت قاعدة في أوضتها فجأة خرجت ونزلت ومفهمناش حاجة..
"جهاد!!"
كان هذا صوت سلامة الذي يأتي بعدما أصطف بسيارته أمام المطعم ثم اقترب منهم بملامح غاضبة وجامدة فهو أتى ليخبر شقيقه ما حدث معه لكنه لا يعلم ما الذي تفعله جهاد هنا:
-أنتِ بتعملي إيه هنا؟!.
قال سلامة تلك الكلمات وهو يتفحصها بحذائها المنزلي والاسدال، وهيئتها الغريبة عليها...
فـ جهاد التي تتعمد دومًا أن تكون في أشد حالاتها أناقة حتى ولو كانت ذاهبة إلى شراء الخضروات...
غمغمت جهاد وهي تعطيه الكيس البلاستيكي ليأخذه منها بصدمة:
-بعمل اللي كان المفروض يتعمل من زمان...
قاطعها سلامة ساخرًا:
-بدل ما تكوني خايفة وقلقانة عليا علشان موبايلي اتقفل وأنا بكلمك جاية تديني الشبكة علشان اتأخرت في الرد..
ردت عليه جهاد بقوة ولم تستوعب كلماته جيدًا:
-لا وأقلق ليه بعد اللي قولته؟!..
كان الثلاثة يراقبون الحوار بفضول كبير وهذا ما جعل سلامة يرد عليها:
-قولت إيه يا بنتي؟!..
ضحكت جهاد مستهزئة:
-اه؛ كلهم بيقولوا كده برضو لما حد يواجهم...
غمغم سلامة بنبرة مُنفعلة:
-بقولك إيه أنا مش طايق نفسي الموبايل أتسرق وأنا ماشي في الشارع وخارج من الشغل وبكلمك، جه موتوسيكل خده من ايدي وروحت عملت محضر..
قاطعته جهاد بنبرة جادة:
-من أخلاقك وتصرفاتك ونيتك..
تحدث سلامة بنبرة غاضبة:
-يا بنتي متنرفزنيش...
هنا أردف نضال باهتمام:
-معلش بس لو هنزعجكم ونقطع المشكلة رقم ثلاث ألاف بتاعتكم تقول أيه اللي حصل براحة علشان أفهم؟!.
رد سلامة على حديث شقيقه بانزعاج واضح:
-يا عم كنت راكن العربية بعيد في بارك كده، وماشي في الشارع ماسك التليفون في ايدي بس كنت مش ماسكة برضو بإحكام وبكتب وبسجل ريكوردات ليها وبكلمها جه موتوسيكل في ثواني لطش الموبايل مني، ولقطت نمرة الموتوسكيل وروحت عملت محضر بس...
نظر له دياب ونضال بأسى.
عقبت جهاد على حديثه بجدية:
-الشبكة معاك ابقى هاتلك تليفون جديد يا أستاذ سلامة بقا وريح دماغك..
قاطعها سلامة بغضب كبير:
-بت أنتِ أنا ساكتلك من الصبح وعامل حساب أننا في الشارع، بقولك مسروق ومش طايق نفسي، وبعدين أنا كنت بكلمك، وبنتكلم في حوار القاعات، وبسمع الريكوردات بتاعتك وبقولك أقلعي السماعة علشان بتقعد توش ده اللي فاكره يعني ولا جيت جنبك ولا اتخانقنا إيه بقا اللي أنتِ عاملاه ده؟!!.
"طيب أنا همشي أنا"
قال دياب تلك الجملة ورحل حينما شعر بأن وجوده هنا غريبًا..
شعرت جهاد بأن هناك دلو من الماء المثلج ثم إسكابه فوق رأسها..
كان عادة سلامة أن يرسل لها رسائل متقطعة...
"أنا أمنية حياتي تقلعي يا جهاد....
كان هناك رسالة أخرى يقوم بكتابتها بعدها..
"أم السماعة دي علشان بتقعد تزن في ودني مع صوتك ومش سامعك كويس من يوم ما جبتيها وانا مش عجباني"..
ويظن سلامة بأنه قد أرسل الأخرى..
أما جهاد عادت خطوتين إلى الوراء تحت نظرات الجميع هاتفة وهي تحاول أن تدافع عن نفسها رغم إدراكها بأنها حمقاء تحديدًا بسبب شكوته المكررة من السماعة، كيف ظنت به بأنه يقصد شيئًا أخر؟!
-أيوة ميصحش تكسر بخاطري كل شوية والسماعة اللي بحبها تقعد تقولي شيليها...
كان من نصيب سلمى الحديث تلك المرة ساخرة:
-يعني أنتِ عاملة كل ده علشان السماعة؟! والله أنا غلطانة إني نزلت وراكي من أساسه...
أردف نضال متعجبًا:
-مش ملاحظة أنك بالغتي شوية يا جهاد ده أنا قولت الواد عامل مصيبة وكنا هنتبرى منه...
تمتم سلامة بسخرية وهو ينظر إليها نظرات غاضبة:
-اهو الحمدلله شهادة الناس الغريبة أنا مجيبتش حاجة من عندي...
قالت جهاد بابتسامة مرتبكة:
-ممكن أخد الشبكة؟!.
أردفت سلمى ساخرة:
-لا متديهاش الشبكة وخلصونا والحوار ده بدل ما أحنا هنفرج المنطقة علينا كل شوية...
تمتم نضال بنبرة هادئة:
-كوني محضر خير..
صاحت سلمى مستنكرة وبعفوية شديدة وكأنها تتحدث مع شخصًا أخر غير نضال:
-هما دول نافع معاهم خير ولا شر..
غمغم سلامة وهو يمد يده بالكيس البلاستيكي إلى جهاد مرة أخرى:
-خدي الشبكة، وربنا يهديكي.
قالت جهاد برقة وهي تأخذ الكيس منه:
-حقك عليا المهم طمني حصل إيه؟!.....
قبل أن يتفوه سلامة بأي شيء تحدث نضال:
-طب ادخلوا اقعدوا بدل ما احنا واقفين كده والناس داخلة وخارجة..
غمغمت سلمى بنبرة جادة:
-هي تروح أحسن بدل ما هي نازلة بشبشب البيت بس لو عايزة تقعد براحتها أنا ماشية عندي ميعاد..
سأل نضال بعفوية شديدة وهو ينظر لها:
-رايحة فين؟!...
كررت جهاد السؤال مرة أخرى:
-استني نروح مع بعض وبعدين أنتِ رايحة فين يعني؟!..
تحدثت سلمى بحرج كبير وهي لا تعلم لما يسألها هذا السؤال ما شأنه إلى أين سوف تذهب؟!..
لكنها أجابت كونها تتحدث مع شقيقتها..
-رايحة لطنط بهية علشان ميعاد الحقنة بتاعتها مش مروحة، نص ساعة كده وجاية...
نظر لها نضال بتفكير وهنا قالت جهاد:
-خلاص هستناكي أروح معاكي هقعد افهم حصل إيه، وقولي لماما أن مفيش حاجة وابقي عدي عليا...
____________
في صباح يوم جديد..
استيقظت سامية من النوم وأخذت تقلب في هاتفها بأعين بها بقية نوم...
لكن شيء واحد جعلها تفتح عيناها على أخرها...
رسالة من حمزة...
"ابعتيلي رقم عمك علشان أخد ميعاد وأطلب إيدك منه"
___________يتبع____________
لو وصلتم لهنا دمتم بألف خير ونتقابل في فصل جديد
ومتنسوش الفوت والكومنت...
بوتو يحبكم💜💜
تعليقات
إرسال تعليق