رواية كبير العيلة الحلقة السادسة و الثلاثون والسابعه والثلاثون والثامنه والثلاثون والتاسعه والثلاثون والاربعون والاخيره بقلم الكاتبه مني لطفي حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج
جلس الليث الى والده بعد أن قرر أنه لا بد من التعجيل بما يريده، فسلسبيل ستخرج من المشفى في غضون أيام، نظر عدنان المهموم بما آلت اليه الأحوال في عائلة الخولي على يديّ شقيقته هو!!.. لا يُنكر أنه ما أن سمع بالتفصيل من عمّه عبد الحميد بما فعلته أخته أنه كاد يفتك بها ولكن رحمها من بين يديه ما رآها عليه من حالة الهذيان الغريبة، ليأمر بإحضار الطبيب الذي وصف حالتها بانهيار عصبي حاد أدّى الى فقدانها... عقلها!!! ، ليس هذا وحسب بل أن الطبيب قد نصحهم بوجوب إيداعها مصحة للأمراض النفسية والعصبية وعندما وجه إليه عدنان نظرات الذهول والغضب أٍرع بطمأنته أن ما حدث لها قد يكون صدمة عصبية حادة وبالالتزام بالعلاج المناسب والسريع قد تشفى وتعود كما كانت، ولكن السيء في الأمر أنه خو عدنان شقيقها لا يريدها أبدا أن تعود كما كانت!!.. وإن خُيّر بين عودتها الى ما كانت عليه وبين أن تظل كما هي الآن لاختار... أن تفقد عقلها الشيطاني ذاك أفضل!!...
الليث باعتداد بالنفس وجدية مطلقة:
- بعد إذنك يا بويْ.. فيه موضوع كنت حابب نتكلّم فيه..
عدنان وهو يتنهد عميقا:
- جول يا ليث يا ولديّ..
الليث بهدوء جاد:
- ات خابر يا بويْ انه ماراتي هتخرج من المشتشفى بعد يامين تلاته بالكاتير، و.... – سكت عاضًّا على نواجذه قبل أن يزفر بضيق مكتوم متابعا – عمتي جاعده احدانا اهنه.. أني ما عاوزشي ماراتي تُعرف حاجه عن اللي حوصل، سلسبيل لو داريت انه أمها هيّ السبب في اللي جرالها يمكن يجرالها حاجه وأنا مش هسمح لحاجة شينة توحصل لها، كفاياها اللي جرالها من تحت راس أمها...
عدنان بتساؤل:
- انت ناوي على إيه بالظبّط يا ليث؟...
ليث بنظرات تشع قوة وبلهجة من استقر رأيه على أمر لا رجعة فيه:
- أني هاخد ماراتي وعيالي ونطلع برّات الدار!!!!!!!...
ليسمعا شهقة قوية فصيحة عالية يعقبها صوت يولول قائلا بنواح:
- واااه... رايد تفوتني يا الليث؟... عتفوت بيتك وتاخد امعاك كومان سلسبيل والعْيال؟..
ليه يا وَلَدِيْ؟.. أني ما أجدرش أستحمل الدار من غيرك انت وماراتك ولعْيال...
نظر عدنان الى زوجته كريمة التي كانت تدلف لحظة ألقى الليث بقنبلته، نهض عدنان واتجه اليها يُمسك بيدها فسارت معه حتى وصلا الى الاريكة التي كان يجلس فوقها فدعاها للجولس وهي تطالعه برجاء بينما ليث كان قد زفر بيأس فما يخشاه قد حدث، ستحزن أمه وتغضب ولكنه لن يتنازل.. فزوجته لن تعيش تحت سقف واحد مع تلك الأفعى الرقطاء.. ووالده لن يستطيع طرد شقيقته الوحيدة الى قارعة الطريق، إذن.. فهو من سينتقل من المنزل، هتفت كريمة بتوسل الى عدنان:
- ما توافجوشي يا أبو الليث، الدار ما عيكونلهاشي طعم من غيرهم اخصوصي عدنان الصغيّر إو شبل...
عدنان بهدوء:
- وحّدي الله يا أم الليث أومال مش إكده... احنا لسّاتنا بنتحدتوا في الموضوع ديه..
الليث بجدية وان شابها الاعتذار الطفيف فالاحترام واجب لوالديه مهما علا شأنه هو:
- ما تواخزنيشي يا بويْ.. لكن أني جررت وما عرجعشي في كلامي واصل.. ماراتي وولادي ما عيجعدوشي إهنه.. وانت خابر زين يا بويْ انه لومن خاطرك انت أني ما كت فايتها الا لمن آخد بتاري وتار وِلدي اللي جتلته، وأني جدّها وانت خابر..
عدنان بزفرة يأس وهو يمسح براحته على لحيته البيضاء الكثيفة:
- خابر يا ولدي.. وما جادرش أجولك حاجه.. ماراتك وانت خايف عليها..
لتقاطعه كريمة بهلع:
- انت هتعوم على عوماه يا حاج؟..
ليقطب عدنان وينهرها بقوة:
- كريمه!!... ايه اللى عتجوليه ديه؟.. عيّا اصغيّر أني إيّاك ولديّ عيضحك عليّ؟...
ليسارع الليث بالتدخل قائلا:
- لاه يا بويْ.. أم الليث ما جصدهاشي.. ، ثم التفت الى والدته التي أغرقت دموعها وجهها:
- مش إكده يا أمّاه ؟!!!!
وكأنه لم يسألها إذ قالت بتوسّل:
- ما تفوتيش الدار يا ليث يا ولدي... انتوم اللي محلّيين لي دنيتيّ.. ما جادراشي يفوت يوم من غير ما أشوفكم اخصوصي العْيال... هجعد كيف من غيرهم؟...
الليث بيأس:
- يا أمّاه انت بتتحدتي كانّي امسافر ولا امهاجر.. أحنا هيبجى بيننا وبينكم فاركة كعب..
عدنان مقطبا بتساؤل:
- انت اخترت الدار خلاص يا الليث؟..
الليث بهدوء:
- إيوة يا بويْ... الدار اللي في الجيهة الشّرجيّه.. كابيره وزينه، ولسّاتها جديده..
عدنان وكأنه تذكر أمرا:
- مش هي ديْ الدار اللي انت بانيتها بعد جوازتك التالته ما اتفشكالات وجول توجتها انك بتفكّر تنجل فيها؟...
لترتسم ابتسامة شاردة على فم الليث القوي شاردا في كلام والده، فهو بالفعل قد أمر ببنائها بعد فشل زيجته الثالثة على التوالي، كان قد قرر أنه لن يستطيع البقاء مع سلسبيل تحت سقف واحد وهي محرّمة عليه، كان قد اكتفى من التلظي بنيران حبّه المكتوم تلك النيران اللتي كانت تصهره من داخله، وما إن تمّ بناء المنزل حتى سرعان ما... تراجع عن قراره بالانتقال!!.. وقررا أنه يفضّل نار قربها عن جنة الابتعاد عنها!.. وقد تذرّع وقتها برفض أمه لانتقاله خاصو وهو بمفرده فمن الذي سيهتم بمأكله ومشربه؟.. لا تعلم أن هذه الأمور هي آخر شيء يفكر فيه وما كان يشغله هو كيف سيعيش في مكان لا يحمل رائحة أنفاسها العبقة؟!!.. فيكفيه أن تشاطره ذات الهواء الذي يتنفسانه... ليلعب القدر لعبته... وتشاركه سلسبيله حياته ذاتها، لذا فهو سيحارب بيديه وأسنانه أي شيء يهدد استقرار حياته معها.. لن يكون الليث إن لم يحميها من أي أمر يهدد سعادتها حتى وإن كان هذا الأمر.. أمها بل وعائلة الخولي أجمع!...
أفاق من شروده على نداء والده المتكرر له، فقال:
- معاك يا حاج... ، ثم نهض متجها الى أمه ومال عليها ممسكا بيدها ليقبل ظهرها ثم يقبل رأسها وقال:
- ما تزعليشي يا أم الليث، لكن انتي خابره زين السبب اللي خلّاني أفوت الدار مع اعيالي وماراتيْ.. لولا اللي حوصل أني ما كوتش افوت الدار أبد... لكن عنجول إيه.. بويْ معينفعشي يطرد أخته وأني معينفعشي نعيشوا معها اف نفس الموكان، وبعدين ديه خطوتين وتبجي عندينا..
نظر عدنان الى الليث وقال بغموض:
- اعمل اللي يريّحاك يا وَلَديْ.. عامتن الموضوع ديه مش عيطوّل اكتير!!!...
قطب الليث في ريبة من عبارة والده، خاصة وقد لمح علامات العزم والاصرار وهي ترتسم وبوضوح على وجهه الأسمر!!...
****************************************************************************
وضعت صينية تحمل كوبا من الشاي بالحليب ومخبوزات التمر فوق طاولة صغيرة بجانبه، قالت بهدوء وهي تجلس بجواره:
- اتفضل يا حاج.. انت على لحم بطنك من صباحيِّة ربّنا.. كُلّك جرجوشتين مع كوباية الشاي ديْ..
زفر الجد بعمق ثم نظر اليها وهو يقول مهموما:
- كيف عاوزاني آكل ولا شرّب حتى وولادي فيهم اللي فيهم ديه؟...
فاطمة بحزن شديد وقد لمعت عينيها المغضنتين بالدموع:
- اني حاسة كيف ما أكون بحلم، لاه ديه مش حلم.. ديه كابوس وليعاذ بالله.. ليه كول اللي حوصل ديه؟..
الجد بمرارة:
- يعني ماعارفاشي ليه؟.. الكره والغيرة والحِجْد يعملوم أكتر من إكده..
فاطمة بأسف:
- اللي مجطّع جلبي تجطيع الوْلاد يا حاج... سلمى وسلافة وغيث وشهاب، جلبي واكلني عيهم، مالحجوش يّفرحوا يا نضري، حتى حبال سلمى مافرحتش بيه، واللي زاد وغطى عملة غيث اللي إعملها، لكن.. انت ليه يا حاج ما رضيت شانهم يلحجوهم على مَصِرْ؟..
الجد بجدية:
- لازمن كل واحد فيه يّعرِف غلطاه.. البُعد عيخلي النفوس تهدى، غيث غُلط لمن ما سامعشي كلامي جبل ما يرمي اليامين على سلافة، ما اتمهّلشي يتوكد لوّل ليه ماراته بركت فوج نفس أمه، اني مستغْرِب.. معجوول ديه غيث اللي كت بضرُب بيه المثل في رجاحة عجله؟.. أني كت خايف من اشهاب لكن غيث غلطه أكبر، شهاب متهوِّر وصدّج اللي جالتو أمه، لكن انتى جدرتي تهدي الحال وسلمى عاجله ورزينه لكن لمن توصل المسائل ان أم جوزها تكون رايده تجتل أمها اكيد الوضع عيختلف وجتيها...
تنهدت فاطمة بتعب وقالت:
- جدرت تلعبها صوح أمّهم منها لله، عارفة انه شهاب مطيور وما سرع ما عيصدجها، وانه غيث جلبه طيب ومتعلج فيها وما عيرضاشي انه ماراته تهينها، هو كومان معذور يا حاج.. مرة تجول هيّ اللي ضربتها وغيث شافهوم والتانياه شاف ماراته هاتك يا ضرب في أمه وبتجولها انها تستحج الموت.. وساعة شيطان..
الجد بغضب بارد:
- لكن أني كت موجود يا حاجه وسلافة بتطلب منه انه يطلجها وجولتله لاه.. تنيينهوم غلطوم أني مش بنكر، لكن غيث الراجل هو اللي كان المفروض انه يحكّم عجله...
ثم سكت الجد مطلقا تنهيدة عميقة قبل أن يتابع بأسف:
- تعرّفي يا فاطنة... الغلط في اللي حوصل ديه كلاته أني السبب فيه!!..
لتشهق الجدة هاتفة باستنكار:
- واه؟؟ كيف ديه يا حاج؟...
عبد الحميد بحسرة:
- أني اللي استعجلتهم، كت رايد أغمِض وا فتحِّ ألاجي اعيالي حواليّا وولادهم متجوزين ومتهنيين، استغليت انه ولاد عتمان عينهم من بنات عمهم رؤوف، كت خايف البنات يروحوا من يدينا وهما بنات زينيين ومتأدبين وألف من يتمناهم، جولت أضرب الحديد وهو حامي، المفروض كت تركتهم ياخدوا فرصتهم وما استعجلتهومش، لكن اني فرحت برجعة رؤوف واستغليت جلجه ولهفته على بناتاه وكونه رايد يطّمّنْ عاليهوم.. انما خلاص.. معجبرهومشي على حاجه واصل بعد اكده.. واللي رايدينه البنات هنفذه!!..
الجدة بريبة:
- جصدك ايه يا حاج؟.. يعني فرضا سلافة أصرّت تطلّج هتوجف في صفّها؟..
الجد بحزم:
- إيوة يا فاطنه، لو سلافة ما رايداشي ترجع لغيث عجف جنبيها، في الالو والاخير هي مش صغار وليها عندينا حج النصيحة لكن أني أجبرها معيصحلشي أبد.. ونفس لحْكايه مع سلمى..
فاطمة بحيرة:
- لكن انت متوكد با حاج انه طلاج غيث يبجى مرة واحدة مش تلات مرّات؟..
يشرح الجد مسهباً:
- إيوه يا فاطنه، ربنا جال في محكم آياته .. "الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان".. صدق الله العظيم، ومعنات الآية انه الطلاق مرتان كل مرة لحالها، طلجة بع\ طلجة.. لكن اللفظ سوى مرتين او تلات مرات في نفس الوجت ديه تُحتسب طلجة واحدة.. انتي خابرة أني وللحمد الحمد عارف أمور ديني ومش هستحل محارم ربّنا، ودا غير إني سعلت الشيخ التهامي وانتي عارفاه شيخ جليل وبيعلم الشباب أمور دينهم، أني طبعا ما جولتلوشي حاجه جولتله أن في حاجه حوصلت لحد نعرفه وسعلته فأكد لي كلامي، يعني سلافة دلوك متطلجة طلجة واحدة بس، وعدتها بدت من يوم طلاجها، ولو لسّاتها امصممة على انه يبعت لها ورجتها أني هجف معها...
فاطمة بحزن وأسى:
- ديه يا حبة عيني اتغيّر خالص، ما بجاش هو غيث اللي اني خابراه زين، ديه ما بجالهاشي يوم امسافرة مع بوها وحالته حالة اومال لمن نجوله انه لازمن يطلجها على يد مأذون هيحوصل فيه إيه؟..
الجد بأسى:
- الله كريم يا فاطنة ويصلح الأحوال يارب...
-------------------------------------------------------------------------------------
دلفت سلمى الى غرفتهما هي وسلافة وهي تحمل كوبا من عصير المانجو الذي تحبه شقيقتها، وضعته على الطاولة الصغيرة التي تجاور فراش سلافة، كانت سلافة ترقد مولي إياها ظهرها، جلست سلمى فوق الفراش بجانبها ومدت يدها تمسد كتفها وهي تقول بحنو:
- سلافة حبيبتي انتي ما اتغدتيش ولا فطرتي.. قومي اشربي كوباية المانجة دي.. انا عارفةانك بتحبيها..
اعتدلت سلافة في مكانها وجلست تضم ركبتيها اليها وقالت وهي تنظر الى سلمى بشبح ابتسامة تحمل حزن بين طياتها:
- تسلم ايدك يا سلمى، بس بجد ماليش نفس..
زفرت سلمى عميقا ثم قالت:
- وبعدين يا سلافة؟.. ما ينفعش كدا يا حبيبتي، يومين من ساعة ما جينا وانتي لا أكل ولا شرب، ماما وبابا حالتهم حالة من القلق عليكي.. لو الموضوع مضايقك أوي كدا ليه ما أدتهوش فرصة تانية وانتي عارفة انه كان متدمر زيك ويمكن أكتر منك لما عرف باللي مامته عملته؟..
نظرت سلافة بعتاب الى سلمى وقالت:
- أديلو فرصة تانية؟. وهو ما أدانيش ليه الفرصة دي وأمه بتتبلى عليا مرة اني عاوزة أضربها ومرة أني عاوزة أموّتها؟.. هو خلاص.. معقول ميعرفنيش لدرجة انه يصدق فيا اني أمسك أمه اطحنها من الضرب كدا من الباب للطاق؟..
سلمى بهدوء:
- سلافة.. غيث من اول يوم وعارف انك مش بتطيقي أمه، انتي ناسية يوم الحنة قولتيله كان نفسك تسمعي أغنية إيه؟.. دا انتي اللي حكيتي لي بنفسك..
هتفت سلافة بقهر:
- عشان عرفت يا سلمى.. سمعتهم وعرفت!!!
سلمى مقطبة بريبة:
- سمعتي؟!!.. سمعتي ايه يا سلافة؟!!!
نهضت سلافة ووقفت مولية ظهرها الى شقيقتها وقالت بصوت حاولت التحكم في تماسكه بصعوبة:
- عرفت ان أمه مش عاوزانا لولادها، وانها معارضة جوازنا، مش بس لما جدي حدد المعاد لا.. دي بتكرهنا من اول يوم شافتنا فيه، الحكاية مش غيرة حماوات، حما خايفه على ابنها ولا غيرة من مرات ابنها.. لا...
صمتت لثوان قبل أن تستدير مكملة بمرارة وسخرية ويه تتطلع الى سلمى التي نهضت بدورها:
- حماتك بتغير آه.. بس من ماما يا سلمى!..
سلمى مقطبة بريبة:
- يعني إيه بتغير من ماما؟.. وهي مالها ومال ماما؟..
ضحكت سلافة بسخرية وأجابت:
- حماتك المصون كانت حاطة عينها على بابا، ولما ساب البلد كلها واتسبب ان جدي يغضب عليه عشان صمم يتجوز ماما قادت فيها النار من اللي سرقته منها، وعشان تبرر لنفسها كرهها دا قالت عشان أختها اللي في الاساس ما كشّرتش في وشّنا ولو للحظة!!!
تقدمت سلمى منها وهي تقول في ذهول:
- وانتي عرفتي منين يا سلافة؟..
سلافة بزفرة أسى عميقة:
- للأسف.. سمعتها هي وماما ستّو وهما بيتكلموا، يومها كنت رايحه لستّو أودتها وبالصدفة اسم ماما جه في ودني، عارفة اني اللي عملته غلط بس أنا ما كانش قصدي أسمع، وكنت هبعد فعلا لولا اني اقيت ستّو بتقولها ان زعلها عشان هي كانت عاوزة رؤوف لنفسها من الاول!!!
شهقت سلمى في ذهول فأردفت سلافة بمرارة:
- وللأسف كان معاد الفرح اتحدد خلاص، قعدت يومين مش عارفة أقول لمين، وبعدين قلت أنا هقدر أوقفها عند حدها، وشوفت الفرحة في عينين غيث وعينيكي وعينين شهاب.. الفرحة اللي ماليت البيت كله، كل اللي في البيت كانت الفرحة مش سايعاهم، قلت أنا لو اتكلمت الفرحة دي كلها هتضيع، وهنوّلها اللي هي عاوزاه، ليه أحرم الناس دي كلها من الفرحة؟.. عشان ايه؟.. انا متأكده ان بابا كان لا يمكن هيوافق على غيث وشهاب الا لو فعلا كان مطمن اننا هنكون كويسين معهم، وبعد ما اتجوزت غيث ولاقيت قلبه قد ايه طيب وحنيّن.. وقدر يضمني ليه، حبيته أكتر، وحمدت ربنا انى ما ضيّعتش السعادة دي من بين ايديا، وعلى قد ما كنت بقدر كنت بحاول أبعد عن طريقها، عشان كدا لما عرفت باللي حصل بينك انتى وشهاب قلت لك ما تنوليهاش اللي هي عاوزاه.. ما كنتش أعرف اني جوزي أنا اللي هيبعني وبالرخيص كمان!..
ثم أجهشت بالبكاء لتسارع سلمى باحتضانها وهي تهمس لها كي تكف عن البكاء، قالت سلمى وهي تربت على كتفها:
- أيوة يا سلافة يا حبيبتي، بس انتي استفزيته، أنا مش فاهمه طالما فاهماها أوي كدا ليه عملتي ايه؟.. ليه طلبتي الطلاق؟.. انتي حتى لغاية دلوقتي مصرة عليه؟..
رفعت سلافة رأسها ونظرت اليها قائلة من وسط دموعها:
- لأنه ظلمني.. الظلم طعمه مر أوي يا سلمى، عارفة.. الواحد ممكن يستحمل الظلم من أي حد الا الانسان اللي بيحبه اللي المفروض يكون سنده وهو اللي يرفع عنه الظلم دا، أنا صحيح طلبتها، لكن صدقيني.. طعمها وحش أوي يا سلمى.. غث نطقها بالتلاتة يا سلمى.. وكأنه بيضربني بالرصاص!!... عرفتي أد ايه هي مؤلمة أوي.. وبتوجع أوي أوي.. هنا يا سلمى.. هنا!!.
وضمت قبضتها اليمنى تخبط بها صدرها الأيسر موضع قلبها بينما تعالت شهقات بكائها فأسرعت سلمى لاحتوائها بين أحضانها وهي تدعو الله أن يزيح تلك الغمة سريعا.....
---------------------------------------------------------------------------------------
- ليث أني جولت لك رايده أتحدت مع الدّكتوورة لوحدينا..
هتفت سلسبيل بتلك العبارة بحنق وهي ترى الليث وهو يجلس بمنتهى البرود رافضا الخروج من غرفتها بالمشفى بعد أن أفصحت له عن رغبة بالانفراد بالطبيبة النسائية رافضة ذكر السبب!..
سلسبيل بتأفف:
- واه يا ليث!.. رايده أجعد امعاها لحالنا فيها إيه ديْ؟!..
نهض الليث من مقعده المقابل لفراشها واقترب منها حتى اذا وصل اليها استند بيده على مسند الرأس خلفها ومال عليها قائلا بصوت واثق:
- وانتيْ ليه ما عاوزنيشي أعرف انتي رايداها في إيه؟..
أشاحت سلسبيل بعينيها بعيدا وهي تقول في حنق مفتعل:
- واه... رايداها في حاجات للحريم.. ماجادرش أجولها جودامك ارتحت؟...
ابتسم الليث وهز رأسه نفيا وأجاب بمكر:
- عتستحي منّي يا سلسبيلي؟.. دا أني جوزك.. عارفة يعني ايه جوزك؟.. يعني تستحي من الدنيا كلاتها إلا أني..
ليحمر وجه سلسبيل خجلا وتتمتم بنزق:
- هو ايه أصله ديه؟.. لاه فيه حاجات ما اجدرشي أتحدت فيها جودامك واني....
ليرفع يده أمامها ويقول بصوت منخفض لكنه جاد:
- سلسبيل... أي حاجة اتخصك يبجى تخصني.. وبعدين طالما حاجه مهتمِّه جوي اكده اني ماعارفهاشي يبجى حاجة انتي خابره زين اني لو اعرِفْتها مش هوافج عليها، صوح ولا لاه؟...
سلسبيل بحنق طفولي:
- ما هو انت أصلك كومان يا ولد عمي ما عتتفهمشي.. ابتحمج ابسرعه ومش بتاخد وتاديّ في الحديت...
همّ الليث بالكلام عندما قاطعه صوت طرقات على الباب فاعتدل واقفا لتدلف الطبيبة وهي تبتسم وبعد ان اطمأنت على حالة سلسبيل الصحية قالت بابتسامتها المعهودة:
- لا ما شاء الله احنا انهرده أحسن من امبارح...
أجابت سلسبيل في حين وقف الليث جانبا متيحا للطبيبة فحص زوجته:
- الحمد لله يا دَكتوورة.. أنا بعد إذنك كت رايده أعرِف منك حاجات إكده...
وسكتت تطالع الليث بعينيها ترجوه الانصراف ولكنه جابهها بنظرات عنيدة فكتمت زفرة حانقة وتابعت بتردد وخجل:
- يعني.. كت رايده أسعل.. بخصوص الـ.. الحبل واكده...
وسكتت وقد غدا وجهها بلون الشمندر السكري وهي ترمي الليث بنظرات حانقة خجلى كاد ان يضحك لها، فحبيبته رغم أنها زوجة وأم ولكنها لا تزال تشعر بالخجل منه وكأنها عذراء خجلى، وهذا ما يأسره تجاهها بالاضافة الى أشياء أخرى ان بدأ في سردها فلن ينتهي!..
انتبه الليث من شروده وشرع فى الانصات باهتمام لاجابة الطبيبة فهذا الشيء كان يقض مضجعه هو الآخر ليس لخوفه من عدم الانجاب ولكن لهلعه من أن الانجاب قد يعرّض حياة سلسبيله للخطر وهذا ما يرفضه وبشدة!.. قالت الطبيبة بابتسامة متسامحة:
- شوفي يا ستِّي.. انتي زي الفل وما فيش حاجة تمنع انك تحملي مرة واتنين وتلاتة..
ابتسمت سلسبيل وتنفست الصعداء وبادلت الليث ابتسامة راحة لتختفي سريعا ما أن سمعت تتمة عبارة الطبيبة ويحل بدلا منها القلق العظيم:
- إنما... مش قبل ست شهور على الاقل!!...
همست سلسبيل بشحوب فيما قطب الليث وهو يقترب بصورة لا ارادية من زوجته:
- واه... ست شهور!!.. ليه يا دَكتوورة.. مش حضْرِتِكْ بتجولي اني ما فيّاشي حاجِهْ؟..
الطبيبة بهدوء:
- ايوة يا سلسبيل انما رحمك اتعرض لنزيف شديد جدا لدرجة انه كان ممكن يتشال.. لازم له فترة راحه قبل ما يجهز نفسه لاستقبال جنين جديد... انا قلت لك على أقل تقدير... المدة من ست شهور لسنة، وعشان أكون واضحة وصريحة معاكي انتي لازم لك كورس مكثف جدا من الفيتامينات والحديد والمعادن للأسف انتي عندك أنيميا شديدة، واضح كدا انها عندك من زمان وانت ما كنتيش لا بتكشفي ولا حاجة ودا غلط انتي مش أم لطفلين زي ما هو مكتوب في ملفك هنا؟..
الليث هو من أجاب هذه المرة قائلا بجدية:
- إيوة يا دَكتوورة.. عندينا ولدين ربْنا ايخلهوم لنا، ولو الحبل شين عليها أني مش رايد اعيال تاني كفاية علينا عدنان وشبل.. لمْهِمْ صحتها هيّ.. شوفي حضرتك الدوا اللي المفروض تاخدَه واحنا هنلتزم باللي حضرتك اتجوليه!!..
لم تعلم سلسبيل أتضحك أم تبكي؟.. أتبكي حزنا على أملها في انجاب طفلا من الرجل الذي نجح في التربع على عرش قلبها ليصبح هو مليكه أم تضحك لما لمسته من قلق الليث عليها بل وحرصه الواضح على صحتها ورفضه لأي شيء قد يهدد حياتها حتى وإن كان طفلا يحمل اسمه!..
لاحقا بعد انصراف الطبيبة، نظرت سلسبيل الى عيني الليث وهو يجلس بجوارها فوق الفراش وهمست بحب:
- عتدنيك اتخليني أحبك إكده لغاية ميتى؟؟..
الليث وهو يمسك راحتها الصغيرة يتلمس ظاهر يدها بابهامه الخشن ونظرات عشق سرمدي تلمع بين فحم عينيه المتشعل برغبة تكاد تقتله في احتوائها بداخله فلا تفارقه ولو لساعة من نهار:
- لحدّت ما نكبروا ونكركبوا سوا وأجولك يا شلشبيلي تعالي جاري اهنه...
ضحكت سلسبيل بنعومة سرقت أنفاسه وهي تجيبه برقة بينما عيناها تلمعان بحب عميق لليثها:
- أني اتهيأليْ انّك ما عتكبرشي واصل.. بالعكس بجاه انت كل ما بتكبّر في السن كل ما حلاوتك بتزيد وتفيض كومان!!...
دهشة أسرت لسانه لينطلق هاتفا بعدها بحرارة قوية:
- يا بوووووويْ... انتي رايده تعمِلي فيّا ايه يا سلسبيل؟.. ما جادرشي يا بت عمي على اكده.. يعني يوم ما ربْنا يفتحها عليكي توبجي في المشتشفى؟.. انتي جاصداها صوح؟..
ضحكت سلسبيل بخجل وهمست:
- صوح!.. ، تطالعه بشقاوة ذكرته بصغيرته سلسبيل ذات الجدائل الطويلة التي كان يحب مشاغبتها مهددا لها بأنه سيربطها إلى جذع النخلة بجديلتيها هاتين لتركض هربا من امامه وما ان تقف على مسافة يخيل اليها انها آمنة تقف واضعة يديها في منتصف خصرها هاتفة بحنق طفلة تبلغ السابعة فوجه ابن عمها ذو السبعة عشر ربيعا:
- طب ابجى اعملها اكده وانت تنام وتجوم معتلاجيشي الشنب اللي في وشِّكْ ديه!!..
وتهرع الى الداخل تاركة له وهو يتحسس شاربه النامي حديثا وقد تركه ليكسبه هيبة لم يكن في حاجته لاكتسابها فهيبته قد اكتسبها منذ الولادة باسمه الذي هتف به الجد ما ان علم بأن ابن أخيه قد رزق صبيا اذ وقف عبد الحميد بجوار طه جده لأبيه يحمله بين يديه وقد رفعه عاليا الى السماء هاتفا بجذل:
- ديه ليثنا يا طـه... الليث.. ليث الخولي!!....
أيقظه صوت سلسبيل من شروده وهي تقول بحزن أمسك بخافقه بقوة ليشعر بنغز كالسكين لحزن عينيها اللوزتين:
- لكن.. ست شهور مدة طويلة جوي يا ليث، اني رايده نشوف دَكتوورة تانيه..
الليث بثقة وبساطة:
- لاه.. ومين اللي جال ست شهور؟..
فهتفت سلسبيل بحبور:
- مش إكده؟.. أني برضيكي جولت الدّكتوورة ديه مزوداها جوي جال من ستة شهور إلـ سنه!..
الليث ببساطة:
- وانتي الصادجة.. مش جبل سنتين ع الأجل!!!
طالعته سلسبيل بذهول وتمتمت بعدم تصديق:
- واه!!.. سنتين؟!!.
الليث بثقة مفرطة:
- ديه ع الأجل!.. يمكن يبجوا تلاتة أربعه.. لحدت ما اطمّن على صحِّتِكْ... واذا الدّكتوورة ما طمانتنيشي يبجى الحمد لله على عدنان وشبل وربنا يطرح لنا فيهم البركة!!...
لمعت عيناها بدموع جعلته يقطب قلقا وقبل أن يتكلم بادرته هي هامسة بحشرجة واضحة في صوتها فيما ترفع يديها تجاهه:
- ليث.. احضني يا ليث...
ليسارع باحتوائها بين ذراعيه وما ان لمست رأسها صدره العريض واشتمت رائحته المسكيّة حتى تنفست براحة عميقة بينما هو كاد القلق أن يفتك به، فهتف بحيرة مقطبا في وجل:
- مالك يا سلسبيل؟.. فيه إيه؟...
لتفاجئه بقبلة من شفتيها الدافئتين فوق قلبه تماما ثم رفعت عينيها اليه متمتمة بعشق خالص:
- ربنا يجدرني وأسعدك كيف ما بتفرّحني يا ولد عمي، جلبك ديه لو طولت أحضنه وما فارجوشي واصل، معجولة بيحبني إكده؟...
ليحتويها قريبا من قلبه يضمها بقوة وحنان وهو يهتف من أعماقه:
- بجه لسّاتك بتسعلي يا بت عمي؟.. الجلب ديه ماعرفشي الحب غير بيكي إنتيْ يا سلسبيلي..
ثم رفع ذقنها بابهامه ينظر الى عينيها غارقا في سحرهما قبل أن يميل عليها يقطف ثمار ثغرها الشهي في قبلة دافئة كادت تطيح بها!...
تركها مسندا جبهته الى جبينها وهمس بخشونة لتلفحها أنفاسه الساخنة:
- اتوحشتك جوي جوي يا بت عمي، اعملي احسابك لمن تُخرجي من اهنه هاخدك ونسافروا بعيد.. شهر.. شهرين.. كيف ما بدالنا.. عاوز أشبع منيكي ولو ان عمري كلاته معيكفيشي لأني عمري ما هشبع منك يا جلب ليث...
ابتعدت سلسبيل وشفتيها منتفختين تحملان علامة اكتساحه لها وهمست:
- في أيتها موكان أني جابله، لمهم ما فارجكشي أنت والعيال تاني أبد..
ثم قطبت هاتفة فجأة:
- صحيح يا ليث.. أمي فين؟.. ما زارتنيش ولا نوبه من وجت ما دخلت إهنه؟..
لتنغلق تعابير وجه ليث ويجيبها بغموض:
- أمك ابعافيه اشوي والدكتور امحرج عليها تاجي لك المشتشفى!..
هتفت سلسبيل بقلق:
- بعافيه؟.. ليه كفانا الله الشر؟.. من ايه يا ليث؟..
الليث مفتعلا ابتسامة:
- يا ستي ما تجلجيشي إكده.. كل لحكايه شوية برد والدكتووور حرّج عليها انها تخرج لازم لها راحه وأني بطمنها عليكي أول بأول...
ابتسمت سلسبيل وعادت الى أحضان حبيبها الذي لمعت عيناه في غفلة منها وهو يشكر الله في نفسه أنه قد ألهمه بالجواب، وحمد الله على ما فعله تحسّبا للظروف.. فقد وجّه انذارا شديد اللهجة لخدم منزل الخولي سواءا بمنزله أو بمنزل جده الكبير، عن عدم الهمس بحرف واحد مما حدث، واطمئن الى أن وردة لن تتلفظ بكلمه، يبقى أم علي.. تلك الخادمة التي يمهلها فقط حتى يضع يده على أم ستيت.. شيطانة الإنس تلك.. والتي ما إن يتمكن منها حتى سيجعل الموت بالنسبة لها حلما.. بعيد المنال!!..
--------------------------------------------------------------------------------------
جلس عثمان الى أبيه يزفر بيأس وقال:
- عاجبك حال غيث وشهاب يا بوي؟.. واحد من ساعة اللي حوصل واخد اف وشّه وماعارفشي عنه حاجه والتاني كل يوم والتاني نازل مصر لماراته الحامل...
الجد بصرامة:
- وهما فين دلوك؟...
عثمان بضيق:
- ماعارفشي، دولم كانوهم جاعدين في إفندُج.. يدخلوا ويخرجوا براحتهم.. حتى أشغالهم همّلوها..
الجد بحزم:
- اممم.. كلَّمهوم ع اللافلفون ديه وجولهوم اني عاوزهم ضروري.. ودلوك...
فعل عثمان كما أمر الجد وما هي الا نصف برهة زمنية قصيرة وحضر شهاب وغيث الذي ما إن أبصره الجد حتى امتعض وجهه وهتف بهما بحدة:
- أني رايد أفهم انتوم حريم ولا رجاله ابشنبات؟..
أجاب شهاب بحنق:
- حصل ايه يا جدي بس؟...
الجد بسخرية وهو يشير اليه وتوأمه الذي طالت لحيته فلم يشذبها منذ رحيل سلافة وعيناه الحمراوين ووجنتيه الغائرتين:
- لاه.. ما حوصلشي!.. خبار إيه؟.. ماحادش فاتهم حريمهم الا أنتوم ولا إيه؟.. ما عتروحش ليه أشغالكم انته وهو؟.. إنت- ويشير بأسفل عصاه الى شهاب قائلا- المزرعه.. بجالك جد إيه معتروحهاشي؟.. إيه ماعارفشي انه مافيش غيرك اهناك وان ديه مصالح عيلة ابحالها؟...، وانت – مشيرا الى غيث بأسفل عصاه أيضا مردفا بحنق- ما عتروحشي الديوان ولا بتتابع الشغل ونشوف مين دفع اللي عليه من التجار ومين اللي لسّاته.. ايه نجفلها عشان جنابكو مغضبين حريمكم.. انتو مانفعينش في حاجه أبد.. حتى جْوازكو ما فالحتوشي فيه!!..
هتف غيث بحنق ليلاحظ الجد الطبع النزق الذي جدّ على حفيده الهادئ دوما:
- جدي لو سمحت.. خلي حريمنا وجوازنا برّات الموضوع، احنا همّلنا في الشغل وديه حجّك.. لكن أرجوك يا جديْ بلاش نتكلَّموا في حريمنا اللي غضبناهوم لاننا يوم ما جينا عاوزين انسافر لهم حضرتك اللي اعترضت وما وافجتش..
الجد بسخرية:
- طب شهاب لو اتحدت غي لحكايه ديْ هجول حجّه مراته ومهما كان شايل ابنه ومش رايد تبعد عنيه، لكن تجدر تجولي حضرتك بأي وشّ بتحدتني؟.. انت خلاص يا غيث.. طلجتها.. افهم ديْ.. سلافة طليجتك مش مرتك!!!
ليهدر غيث بقوة هادرا:
- لاه... سلافة ماراتي.. وأتحدى أيتها حد يجولي غير إكده!!!..
ليقترب منه شهاب مقطبا فيما نهض أبوه صائحا:
- غيث.. اتحشّم يا ولد.. انت ناسيت روحك ولا إيه؟.. ديه جدّك..
أسكته الجد الذي كان يراقب غيث بغموض رافعا يده وهو يقول بهدوء وغضب بارد:
- استنى يا عتمان يا ولدي.. واضح إكده اني كت مغشوش فيك يا غيث، اني جولت انت اللي عتجدر تصون سلافة وتستحمل عصبيتها الزايده وشجاوتها، ولمن لاجيتك ميلت لها عرفت ان تفكيري صوح.. تومام كيف ما فكرت في سلمى لشهاب، بهدوئها ورزانة عجلها هتجدر تتفاهم مع عصبية شهاب وانفعالاه الزايد.. لكن واضح اني كت غلطان.. وبالخصوص بالنسبة ل كانت يا غيث!!!...
قطب غيث واقترب من جده متسائلا بحيرة:
- مافاهمشي يا جدي.. انت جصدك تجول إيه؟..
ليجيب الجد بصرامة:
- عمك رؤوف كلّمني... رايدين ورجة بتّهم.. وأني وعدتهم ان ورجتها عتكون عنديها في ظرف يامين بالكتير.. جهذز نفسك يا غيث.. عتروح تطلذجها عند الشيخ تهامي.. وتجيب ورجتها عشيّعها لها مع شهاب خوك... وبالمرة يرسي له على حل مع بت عمه... وبحذرك يا شهاب من دلوك.. اللي عتجول عليه بت عمك عمشيه.. سوى رايداك ولّا لاه!!!...
قطب شهاب وقال:
- صدقني يا جدي انا ندمان فعلا.. وان شاء الله مش هرجع الا بيها... سلمى مراتي وأم ابني..
في حين تحدث غيث بجمود:
- ولو رفضت يا جدّيْ؟!... حتى لو يميني وجع ديه طلجة واحده وهي في العده دلوك ومن حجي اني أرجعها حتى لو...
لينهض الجد وهو يهتف بحدة:
- حتى لو إيه يا غيث ما تكمّل؟.. حتى لو غصب عنّيها؟!.. الله في سماه ما يوحصل أبدا.. أني عطيت عمك رؤوف كلمة... ورجة سلافه عتوصلها بكتيره بعد بكره.. وابجى وجّع كلمتي يا غيث.. أني مش بشورك يا ابن عتمان... أني بأمرك... عبد الحميد الخولي كبير عيلة الخولي بيأمر يا وِلْدْ!!!!....
اعتصر غيث قبضتيه بقوة حتى ابيضت سلاميات أصابعه وقال من بين أسنانه:
- حاضر يا حاج.. لكن عنديهم.. هتدلّى مصر وأطلجها حدا الشيخ اهناك..
قطب الجد بريبة ثم زفر باختناق وهو يقول بضيق واضح مشيحا بعصاه:
- ماشي يا غيث، لمن أشوف آخرتها امعاك.. عكلّم عمك رؤوف عجوله ينتظرونا بكره الضهر ان شاء الله... وخلّي بالك.. يكون ترجع في كلامك يا غيث.. أني كلمتي ما عتنزلش الارض واصل...
أومأ غيث برأسه وعيناه تلمعان ببريق تصميم قوي..
----------------------------------------------------------------------------------
أقفل الشيخ الكتاب العريض أمامه بعد أن سجّل فيه اسمي غيث وسلافة ولكن كمطلقان!...
نهضت سلافة وهي تشعر بأنها تعيش أحداث حلم أسود، لم يبعد غيث عيناه عنها طوال الجلسة، فما إن وطئت بقدميها أرض الغرفة بناءا على طلب الشيخ وجلست بجوار جدها تقبض بيدها على يده حتى تسلطت عيناه عليها غير قادر على الاشاحة بهما بعيدا، تذكر نصيحة الشيخ لهما بالتروي وكيف أنه كاد يهتف عاليا بأنه لا يريد الابتعاد عنها قيد أنملة.. وهل هناك عاقل يقتل نفسه بيده؟!..
كانت عيناه تلتهمانها بلهفة، لاحظ نقصان وزنها الملحوظ ووجنتيها الغائرتين والهالات السوداء تحيط بحبيبتيه.. عينيها.. اللتان سلبتاه الراحة منذ أن وقع بصره عليهما... أراد وبشدة احتوائها بين ذراعيه ودفن رأسها في صدره، ولكن... لم تعد زوجته!.. كلمتين أصابتاه في مقتل.. لم يستطع رد كلمة الجد.. ولكنه أيضا لن يقب بتطليق سلافة طلاق بينونة صغرى.. أي أنها لا تحل له إلا بعقد جديد ومهر جديد... فقد طلقها طلاقا رجعيّا.. أي أن له الحق أن يعيدها إلى عصمته في أي وقت طوال مدة الثلاثة أشهر.. فترة عدتها.. لم يكن ليقطع جميع الخيوط بينهما.. ولم يلتفت جده الى ما فعله.. فبموافقته اعتمد الجد أن غيث سينصاع لما أمر به وغفل عن التأكد مما قام به غيث بالاتفاق مع شهاب.. وحده الذي كان يعلم بما أضمره توأمه ولهذا لم يمانع كثيرا مع الجد.....
هتف غيث وهو ينهض بدوره قائلا:
- بعد إذنك يا عمي.. عجول كلمتين اتنين لبت عمي...
زفر رؤوف بأسف وقال بجدية مشيرا اليه:
- طبعا يا غيث.. في الاول والآخر هي بنت عمك!...
سار غيث اليها ليشير لها بأن تتقدمه، ليبتعدا الى أقصى الغرفة بينما يقف شهاب متحيّنا الفرصة للقاء سلمى التي لم تقع عيناه عليها منذ قدومهم، بينما انشغل رؤوف بالحديث الى عثمان شقيقه والجد، وقفت سلافة تفرك في أصابعها بتوتر ملحوظ تعتمد البرودة في ملامحها بينما يضرب قلبها بعنف بين جنبات قلبها، تتحين الفرصة لتنفرد بنفسها لتذرف دموعها علّها تشعر بالراحة بعدها، قالت سلافة وهي تشيح بعينيها بعيدا عنه:
- أفندم يا ابن عمي...
غيث ببرود يخالف النيران التي تستعر في أحشائه رغبة في ضمها الى قلبه علّه ينفث الروح فيها وفيه:
- أني عملت لكْ اللي انتي رايداه.. لكن أنتي لسّأتك ماراتي يا سلافة!!...
فتحت سلافة عينيها واسعا وهمست بعدم تصديق:
- إيه؟.. لسّه مراتك ازاي يعني مش فاهمه؟.. والمأذون اللي كان هنا دا كان بيعمل إيه؟..
غيث بجمود:
- أني لمن طلجتك جبل إكده.. معيتحسبوشي تلات طلجات يتحسبوم طلجة واحده.. أني جولتلكم طلاج غضب معيوجعشي وانتوم ما صدجتونيشي.. ماشيْ.. لكن حتى أذا وجع فديه طلجة واحده.. يعني أجدر أردك في أيتها وجت طالما انك لسّه في شهور العدة..
عقدت سلافة ساعديها وطالعته بسخرية مجيبة:
- دا لو طلاق رجعي.. لكن أنا اتطلقت منك طلاق بائن بينونة صغرى على يد مأذون.. يعني ما ينفعشي أرجع لك إلا بعقد جديد ومهر جديد وقبل دا كله بموافقتي أنا.. وأنا مش ممكن أوافق!!..
ليقتر بمنها فتقطب ناظرة له بتوجس بينما حانت منها التفاتة الى أبيها لتجده منخرط في الحديث مع الباقيين، ابتسم غيث بسخرية وهمس بصوت ثابت النبرات وببساطة كادت تتسبب في وقوف قلبها عن العمل:
- مش ديه لو كت طلجتك فعلا طلاج بائن كيف ما بتجولي؟..
قطبت سلافة وقالت بريبة وهي تسدل ذراعيها بجانبها:
- يعني ايه يا غيث؟..
لميل على أذنها هامسا بمكر:
- يعني أني طلجت طلاج رجعي على يد مأذون.. يعني أجدر في أي وجت أرجعك يا بت عمي.. كلمة واحدة منِّي وترجعي ماراتي وترجعي بيتك من تاني.. لكن أني صابر عليكي.. وما رايدش أعمّلها غصبن عنيكي.. ديه غير بجاه انه طلاجنا ديه أني ما أمنشي بيه.. لأنه طلاج مجبور عليه.. جدك اللي جبرني.. يعني تجيبيها إكده اتوديها إكده... أنتي ماراتي يا سلافة.. ومعفوتكيش واصل.. ولآخر نفس عِندي... عتفضلي ماراتي.. وكل ما تخلي الحديت ديه يدخل راسك كل ما عترتاحي يا بت الناس، أنا عفوتك دلوك.. لكن عتلاجيني حواليكي وجودامك في كل موكان اتروحيه.. مش عتغيبي عن عيني لحظة واحده حتى..
سكت ليترك لها المجال كي تعي ما قاله ولاحظ معالم الصدمة زاهرة بوضوح على وجهها، فابتسم مردفا بسخرية:
- فوتّك ابعافيه يا.. حرمنا المصون!..
وانصرف تجاه الآخرين حيث سرعان ما ودعوا رؤوف واتجهوا الى الخارج بعد أن ألقى غيث بنظرة متهكمة الى سلافة تبعتها تحية ساخرة من رأسه قبل أن يختفي من أمامها في حين انسابت دمعة يتيمة تجرح بشرتها المرمرية بينما تهتف بداخلها بوعيد:
- فاكر انك بكدا هتقدر تخوّفني.. ماشي يا غيث لما نشوف أنا ولا إنت!!!!!!!!..
الحلقة السابعة و الثلاثون
كبير العيلة (منى لطفي)
وقفت تتناول بضعة لقيمات من طعام الإفطار على عجل فنهرتها أمها قائلة:
- يا بنتي اقعدي وافطري بالراحة مش كدا، حد بيجري وراكي؟..
سلافة وهي تبتلع لقمتها بصعوبة:
- يا ماما يا حبيبتي هتأخر على الشغل كدا.. انتي ناسية اننا في التجمع وشغلي في الدقي؟.. ياللا الحمد لله انا شبعت، أنا ماشية..
واتجهت الى أمها تقبلها ثم الى أبيها وانطلقت تتبعها دعوة والديها لها بأن يكفيها الله شر طريقها ويوفقها...
تنهدت ألفت بعمق وهي تراقب أثر ابنتها الغارب لتتمتم في حزن:
- صعبانة عليّا أوي...
وضع رؤوف قدح الشاي على المائدة وقال باعتراض:
- مالها يا ألفت؟.. ما هي الحمد لله زي الفل قودامك أهي، سلافة قوية يا ألفت.. وأحسن قرار أخدته انها رجعت الشغل تاني، هو دا اللي هيملا وقتها وهيخليها ما تفكرش في حاجات تضايقها، بنتك لازم تعيش حياتها من تاني، جوازها كان تجربة ومرّت بحلوها ومرّها.. مش هنقف عليه وندفنها بالحيا!!...
ألفت بيأس:
- بس انت عارف كلام الناس، متطلقة بعد جواز كم شهر ورجعت شغلها على طول، دلوقتي تشوف كلام زمايلها هيكون عامل أزاي، واللي هتكون متعاطفة بجد واللي شمتانه دا طبعا غير الكلام اللي هيطلع و...
قاطعها رؤوف باستنكار غاضب:
- ايه دا يا ألفت؟.. معقول اللي بتقوليه دا؟.. من امتى احنا بنربي عيالنا على كلام الناس؟.. احنا دايما بنقولهم طالما انتو صح وما بتعملوش شيء يغضب ربنا يبقى ما يهمكوش من حد.. يا ألفت رضا الناس غاية لا تدرك... وما لا يدرك كله يترك كله!!...
ألفت بزفرة عميقة:
- الحمد لله رب العالمين، أنا عارفة ومقتنعة بكل اللي بتقوله دا يا رؤوف، لكن مهما كان دي بنتي واتعرضت لتجربة قاسية جدا وأنا مشفقة عليها من اللي هتشوفه وتسمعه..
رؤوف بجدية:
- الضربة اللي ما تكسرش تقوي يا ألفت.. التجربة لما بنمر بيها بنتعلم منها درس وعلى أد قسوة التجربة بيكون عمق الدرس دا.. الشاطر اللي يستوعب التجربة كويس أوي ويفهم الدرس صح..
سكتا قليلا قبل أن يتحدث رؤوف مقطبا:
- صحيح أومال سلمى ما جاتش تفطر معانا ليه؟...
ألفت بابتسامة صغيرة:
- مالهاش نفس، هي شهور الحمل في الاول بتكون شهور وحم متعبة.. عموما أنا شوية كدا وهحاول معها تاكل حاجة حتى ولو بسيطة...
روؤف بزفرة عميقة:
- عارفة يا ألفت اللي قلقني بجد حالة سلمى!.. البنت حامل، يعني طفل جاي في السكة ان شاء الله، ولو سألتيني رأيي هقولك اني ضد أي فكرة انفصال طالما في أولاد هي اللي هتدفع التمن في الآخر!!..
ألفت بتنهيدة عميقة:
- عندك حق فعلا يا رؤوف، انا مش عارفة ايه اللي جرى، اللي كان يشوف لهفة غيث وشهاب عليهم كان يقول دول هيشيلوهم في عينيهم.. محدش كان يتوقع أبدا اللي هيحصل وخصوصا طلاق غيث لسلافة..
رؤوف بجدية تامة:
- ما تنسيش ان أمهم هي السبب الرئيسي ان لم يكن الوحيد في اللي حصل كله!... ما كانوش يتوقعوا أبدا ان كره أمهم لبناتنا ممكن يوصل بيها انها تهد حياة ولادها هي وتخرب بيتهم بإيديها.. أبويا الحاج يوم ما كانوا عندنا ساعة الطلاق قاللي انهم عرفوا وسمعوها بودانهم.. ما انا قلت لكم.. بيقوللي انهم كانوا مش مصدقين.. مذهولين...
ألفت بأسى:
- وبعد ما حكيت لبنات ولا كأن حاجة حصلت.. سلمى قالت لي بهدوئها ان الحقيقة كان مسيرها تبان بس دا ما يمنعش انها هتفضل أمهم وهي مش متصورة أن حماتها تكون بالكره والحقد دا كله حتى بعد ما عرفنا بالانهيار العصبي اللي جالها وان الدكتور طلب انها تدخل المصحة.. وسلافة هزّت اكتافها بمنتهى البرود وقالت لي بلا مبالاة رهيبة انه مش فارق معها في حاجة.. كان يفرق لو كان غيث سألها وصدقها من الأول لكن كون انه يصدق اللي سمعه من أمه بس فدا معناه انه لسّه زي ما هو.. وان محاولته انها ترجع له جات بعد ما عرف مش قبل!.. وانها دلوقتي اتأكدت انهم فعلا ماينفعش يكملوا مع بعض!..
قاطع حديثهما حضور سلمى التي ألقت عليهما بتحية الصباح، سألتها ألفت وهي تراها وقد استعدت للخروج:
- انتي خارجة يا سلمى؟..
سلمى بهدوء وهب تقف بجوارهما:
- أيوة يا ماما.. هروح أشوف الدكتور عشان الرسالة بتاعتي اللي انا سايباها بئالي مدة طويلة دي وبالمرة أجدد الأجازة.. مش هقدر على شغل المستشفى والرسالة قلت أركز دلوقتي في السرالة لغاية ما الفترة دي تعدي على خير ان شاء الله وبعدين أظبط الشغل مع دراستي..
رؤوف بابتسامة صغيرة:
- ان شاء الله تقومي بالسلامة وتجيب لنا ولي العهد.. الا قوليلي.. هتقدري تسوقي لغاية المستشفى؟..
سلمى بابتسامة:
- لا يا بابا ما انا هاخد تاكسي، مش هقدر أسوق في الزحمة دي حضرتك عارف انا هروح القصر العيني ودا مشوار جامد...
عرضت عليها أمها أن تتناول طعام الافطار ولكنها رفضت وودعتهما وانصرفت تصاحبها دعوات والديها لها بالتوفيق والسلامة..
**************************************************************************
دلفت الى الداخل وهي مغمضة عينيها تماما كما أمرها حينما اقتربا من القصر، دخلت بخطوات بطيئة يمسك بذراعها برفق، قالت وهي تبتسم:
- إنت رايح بيّا على فين يا وِلْد عمِّي؟...
أجابها وقد أقسمت انها تسمع ابتسامته في صوته الخشن القوي:
- عتخافي يا سلسبيلي وأني امعاكي؟!...
لتجيبه بثقة وتلقائية أخذت بلبّه:
- أني آمنك على حياتي كلّاتها يا ليثي.. وجودك جاري ماعيخليش الخوف يِّعْرِفْ طاريجاه لجلبي لا على نفسيّ ولا على ولاديّ...
همس لها وهو يوقفها مكانها:
- الكلمتين الحلوين داهومّن هكآفئك عليهم بعدين.. ودلوك فتْحي وجوليلي إيه رايك؟..
رمشت بعينيها عدة مرات قبل أن تفتحهما لتطالعها ردهة منزل واسعة وكأنها قد انتقلت الى قصر من قصور الخيال، ارتسمت ابتسامة اعجاب وعدم تصديق على شفتيها، وابتعدت عنه بخفة وهي تتجول في الردهة بعينيها بين لوحات تزيّن الحائط تجمع بين المناظر الطبيعية الخلّابة وآيات قرآنية تريح النفس، نظرت في الأركان ليطالعها قطع من الأثاث الغالي الثمن يخطف الأنفاس لجماله، قطبت ويه تشعر بقدمها تغوص الى الاسفل كلما سارت لتنظر أسفل منها فتفاجأ بسجاد أعجمي وثير، تكاد قدمها تختفي وسطها، رفعت عينيها الى الليث الذي يقف جانبا يراقب انبهارها بابتسامة سعيدة ونظرات تحملان حنان العالم كله، اقتربت منه ووقفت أمامه تسأله بانبهار طفولي وفضول:
- إيه ديه يا وِلْد عمي؟.. صارايط الباشا ديه؟...
ثم ضحكت برقة ذهبت بأنفاسه وهي تتابع بمرحها الخفيف:
- عارف.. حاسّه كاني في صارايط عابدين اللي كنت بتْفرِّج عاليها في التّلَفَزْيوون...
الليث بهدوء حان وهو يميل برأسها عليها ناظرا في عمق عينيها:
- لاه.. ديه مش صارايط الباشا!...
قطبت وتلفتت حولها قبل أن تسأله في حيرة:
- أومال صارايط مين ديْ؟.. حد من جرايبنا دعانا عنديه مثلا؟.. واذا كان اكده ما استجبلوناش ليه؟.. ايه احنا جينا بدري ولّا ايه؟.. حتى اذا كان من الزوج انهم يستجبلونا احنا........
لتصمت فجأة بعد أن أقفل الليث فمها براحته العريضة التي تكاد تبتلع وجهها بأكمله!! ، هتف الليث بحدة مفتعلة:
- واه.. سلسبيل.. اسكتي اشويْ!.. بالعه رادوي!!..
أسبلت عينيها في حزن زائف ليبعد يده وهو يكاد يسب نفسه فها هي قد انطفأ بريق السعادة في عينيها، ولكنه كان يمزح معها، أمسك بكتفيها وقال بإلحاح وترجي:
- سلسبيل انتي ازعلتيْ؟.. اني بمزح امعاكي يا بت عمّي....
لتقلب وجهها مدعية الغضب حتى إذا ما اقترب منها أشارت له باصبعها ليميل اليها كي تسر شيئا في أذنه، قطب ولكنه مال عليها منتظرا في لهفة ما تريد قوله له لتفااااجئه بـ.. "طوووووووط".... ، انتفض مبتعدا برأسه عنها وهو يحك أذنه بسبابته فيما انطلقت ضحكاتها المرحة حتى ادمعت عيناها، نظر اليها بنصف عين وقال:
- طووووط!!.. مش عيب حُرمه كبيرة كيفك وتجوول طوووط؟..
رفعت كتفيها بلا مبالاة وقالت:
- إعملك إيه.. انت اللي بتجيباه إلنافسك، بجه اني رادوي يا ليث؟...
الليث وهو يمسك بيدها:
- لمْهم.. تعالي عشان تتعرفي بصحاب الجصر..
سار معها حتى وصلا الى مرآة كبيرة تحتل جزءا كبيرا من الحائط، وقفا أمامها وهي تطالعها بغرابة، حدثت صورته المنعكسة أمامها في المرآة قائلة بعدم فهم:
- ايه ديه يا ليث؟.. لمْرايه ديْ صاحبة الجصر؟.. ، ثم شهقت عاليا متابعة بخوف:
- لا يكون الجصر ديه مسكوون يا ليث؟.. لاه يا خويْ ماليش صالح عاودني دارنا تاني..
سحب ليث نفسا عميقا وتحدث من بين أسنانه بحنق آمرا بينما يقبض على كتفيها يثبتها في مكانها حتى لا تبتعد:
- سلسبيل.. ممكن تجفلي خاشمك ديه؟... ماراية ايه اللي صاحبتها؟... ، ثم زفر عميقا ومال على أذنها بينما تزم شفتيها كالأطفال في حنق طفولي أسره، همس في أذنها:
- اللي جودامك في لمْرايه ديْ تبجى صاحبة الجصر يا سلسبيلي، نوّرت بيتك وموطرحك يا بت عمي!....
لتحدق في صورته المنعكسة أمامها بذهول متمتمة:
- بيـ... بيتي ومو.. موطرحي!!..
أدارها لتقابله وأجباها وهو يحني رأسه لتتقابل عيناهما وتضرب أنفاسه الساخنة بشرة وجهها الحليبية:
- انتي ست الدار ديْ يا سلسبيلي.. وان طولت أجيبلك جطعه من السما ما هتوخّرشي يا بت عمي...
لتفاجئه بإلقائها نفسها بين ذراعيه واحتضانه بقوة أذهلته وهو يلمس تلك القوة تنبع من هذا الجسد الضئيل الذي ما ان يحتويه بين ذراعيه حتى يكاد يختفي، ظلّا لبرهة من الوقت وهي متعلقة بعنقه، حتى أبعدها عنه وهو يهمس:
- انتي لسّاتك خارجه من المشتشفى، تعالي أفرجك دارنا هتعجبك جوي..
ليفاجأ بدموعها الصامتة فسارع بمسحها بإبهاميه فيما قالت وابتسامتها تتنافى مع دموعها:
- أني جول تلك اني بحبك انَّهاردِه ولّا لاه؟...
الليث بابتسامة حنون:
- انتي بتجوليهالي في كل دجيجة بتمر علينا وانتي جصاد عيني وفي حضني يا بت عمي...
ثم قبّل أعلى رأسها قبل أن يسير معها حتى غرفتهما في الطابق الأعلى والذي ما ان همّا بالصعود اليه حتى باغتها بحملها وحينما حاولت الاعتراض أجابها بحنان ولكن حاسم:
- انتي لساتك تعبانه..
وصلا حتى باب الغرفة لينزلها على قدميها ويفتح الباب فتدلف يتبعها ليث، دارت في المكان حولها تطلق آهات الاعجاب بالغرفة بدءا من لون الحائط السماوي وحتى الأثاث النفيس، ولفت نظرها السرير ذو الاربعة أعمدة وقد ذكرها بآخر كانت قد رأته في مسلسل يحكي حقبة الاربعينيات وكان في قصر من قصور الباشوات، لتقطب حائرة فهي قد علقت على ذلك السرير وهي تشاهد الحلقة مع حماتها، وكان وقتها لا يزال راضي حيّا، رفعت عينيها اليه وهو يبتسم وكأنه على علم بما يدور في خلدها، سألته بصوت مبحوح:
- السارير ديه كان نفسيه اللي أني شوفتو...
ليقترب منها مكملا عبارتها:
- اللي شوفتيه في الحلجة اللي كتِّ بتابعيها انتي وأمية جولتي لها وجتها انك نفسك لو تجعدي على واحد زييه إو بس!!....
همست وهي تحدق فيه بدهشة:
- وانت عرفت كيف؟..
ليرفع يديه قابضا على كتفيها برفق وهو يجيب بينما عيناه ترسلان آيات العشق الصادق اليها:
- كت وجتيها داخل المجعد ما كتّش خابر انك مع أمي غير لمّن اسمعت حِسِّكْ.. وجتها كلمتك رنّت اف ودْنيّ.. وجانتني فاكِرْها... عشان تعرفي انه أحلامك أوامر يا بت عمي...
احمر وجهها خجلا، وقالت له بحب:
- ربنا ما يحرمني منيك أبد ويجدرني أفرحك كيف ما بتفرحني يا ابن عمي...
ثم ما لبثت أن هتفت وكأنها تذكرت شيئا هاما قد غاب عن بالها:
- إلا بالحاج... العيال فين؟..
الليث بابتسامة وهو يقبض على أعلى ذراعيها يقربها إليه:
- عند أمي... هيجعدوا اهناك يامين على ما تجدري تجفي على رجليكي، انتي ناسيه ان الدّكتووور جال ما فيش مجهود واصل...
سلسبيل بتلقائية:
- بس أني اتوحشتهوم جوي جوي يا ليث، عشان خاطري يا ولد عمي خلينا ع الاجل احنا انروح عند أبويا الحاج وأوماي الحاجة... وحشني عدنان وشبل جوووي، وبعدين هو مش هيبجى فيه حد ايساعدني في الدار اهنه؟..
الليث بتأكيد:
- أكيد، هاجي بلك اللي يهتم بالدار ونضافته وكل حاجة فيه، عشان... ، ومال عليها هامسا بخبث:
- صاحبة الدار اتخلّي بالها من صاحب الدار!!...
لتضحك بنعومة خطفت دقة من دقاته، فابتعد عنها زافرا بقوة وهو يهتف ناظرا الى الأعلى:
- الصبر من عنديك يا رب...
لتتعالى ضحكاتها فرمقها بنظرة سوداء ونهرها بحنق زائف:
- بكفياكي عاد يا سلسبيل.. غاوية تنرفازيني أنتي...
قالت سلسبيل باعتذار ضاحك:
- لاه أبد.. وانا يهون عليّا زعلك برضيك يا ولد عمي، دجايج أدخل أتسبّح وأغير خلجاتي عشان انروح انشوف العيال وأزور أمي كومان اتوحشتها جوي!!...
وانصرفت من أمامه متجهة الى الحمام الملحق بالغرفة فلم ترى نظرة عينيه التي كساها الغموض لتلمع كبريق الالماس الاسود!!!!!!!...
*************************************************************************
دخلت غرفتها بالمشفى ووضعت الملف الذي يحوي أوراق رسالتها فوق سطح المكتب، لترتمي بدورها فوق المقعد خلفه، طرقات صغيرة دلف بعدها زميلها الطبيب "علاء".. كان زميلها في الجامعة وتخرجا سوية وتم تعيينهما في نفس المشفى ولكن تخصص هو جراحة المخ والاعصاب وقد أوشك على الانتهاء من رسالة الدكتوراه، اتقرب منها علاء يحمل قدحين من القهوة الساخنة، وضع أحدهما فوق سطح المكتب أمامها، ليجلس على المقعد المقابل لها وهو يقول:
- بس برافو عليكي يا سلمى، انتي أنجزتي فعلا جزء كويس من الرسالة...
سلمى بعدم رضا:
- جزء كويس ايه بس يا علاء، مش شايف الدكتور هزأني ازاي عشان بقالي تقريبا ست شهور لا جيت ولا تابعت معاه؟.. انا فعلا مقصرة أوي، المفروض اني كنت هناقش الرسالة دي معاك، أهو انا دلوقتي اتأخرت تيرم كامل تقريبا...
علاء وهو يشير اليها بقدحه:
- يا ستي ما تزعليش نفسك، انتي ناسية ظروفك اللي فاتت؟.. وبعدين جواز وبيت أكيد طبعا هتتأثري، المهم انك ما تكسيليش وتخلصيها خسارة تضيعي مجهود السنين اللي فاتت دي كلها..
سلمى بتأكيد وهي تتناول قدحها:
- أكيد طبعا.. ميرسي على القهوة يا علاء جات في وقتها...
قرّبت القدح من فمها كي ترتشفه وما ان شمّت رائحة القهوة حتى أغمضت عينيها منتشية برائحتها التي توغلت في خياشيمها، فتحت عينيها لتطالعها صورة علاء وهو ينظر اليها فاغرا فاه في دهشة، انتبهت الى نظراته الذاهلة فقالت بضحكة خفيفة:
- ايه أول مرة تشوف حد بيشرب قهوة؟...
ليجيبها بمرح وقد أفاق من ذهوله:
- لا وانتي الصادقة أول مرة أشوف حد بيحب في فنجان القهوة!!!
لتشرد الى البعيد وابتسامة ناعمة تعتلي ثغرها حيث كثيرا ما سمعت هذه العبارة من آخر كان في وقت من الأوقات أقرب اليها من نفسها، وكان كثيرا ما يهتف بها بحنق حتى تمادى الى تحذيرها بأنها لو استمرت على طريقتها هذه في احتساء القهوة فإنه... سيمنعها من الاقتراب منها ولو بالشمّ حتى!!!..
انتبهت على صوت علاء وهو يقول:
- على فكرة رشا عازماكي على الغدا انهرده، اول ما عرفت انك رجعتي وهي صممت انك تتغدي معنا، وبتحاول تكلمك على موبايلك مقفول..
لتنتبه الى أنها قد اغلقته قبل ان تدلف الى مكتب الأستاذ المشرف على رسالتها ونسيت أن تفتحه، فقالت وهي تُخرجه من جيب معطفها الأبيض:
- آه تصدق من ساعة ما كنت عند الدكتور في المكتب وانا نسيت أفتحه...
وما ان فتحته حتى صعقت من كمية الرسائل والمكالمات الفائتة، واسترعى انتباهها عشرون مكالمة من سلافة فسارعت بالضغط على اسمها وهي تعتذر من علاء برأسها فأشار لها بأنه سينصرف وسيكون بانتظارها حتى ينصرفا سوية...
كانت تخبط بسبابتها فوق المكتب وهي تستمع الى الرنين من الجهة الاخرى من الهاتف، وما ان أجابت سلافة حتى سارعت بالقول:
- معلهش يا سولي حبيبتي.. قفلت الموبايل وانا داخله عند الدكتور ونسيت أفتحه بعد ما خرجت، طمنيني فيه حاجة؟..
لتجيبها سلافة بصوت مكتوم:
- لا ابدا.. انتي خلصتي شغل؟..
قطبت سلمى وأجابتها في ريبة:
- آه.. تقريبا يعني، فيه ايه يا سلافة صوتك ماله مش عجبني؟...
سلافة بشهقة بكاء مكتومة انتبهت لها سلمى:
- أنا هاجيلك يا سلمى...
سلمى بكلمة واحدة:
- وأنا مستنياكي..
بعد أقل من نصف ساعة كانت سلافة تنتصب واقفة أمامها في غرفتها بالمشفى، قطبت سلمى في ريبة واقتربت منها وهي تلاحظ هيئتها الشاحبة وعينيها الذابلتين، وضعت يدها فوق كتفها وقالت باهتمام:
- سلافة.. ايه اللي جرى يا حبيبتي؟.. انتي... انتي معيّطه؟!!...
لتهتز كتفي سلافة وترمي بنفسها بغنة في أحضان شقيقتها التي احتوتها بدفء وهي تكاد تفقد عقلها من قلقها على حالة أختها الغريبة، لم يسبق لها وأن شاهدت شقيقتها الصغرى وهي في حالة انهيار كهذه، حتى حينما تطلقت من غيث لم يصل بها الأمر الى هذا الحد!!!..
انتظرت حتى هدأت نوبة البكاء الحادة التي داهمتها ثم ابتعدت عنها قليلا وقالت وهي ترفع رأسها اليها بابتسامة بسيطة:
- ممكن أعرف ايه سبب الدموع دي كلها؟..
رفعت سلافة عينان حمراوين اليها وهمست بصوت خاو:
- هقولك...
جلستا الى الاريكة وبعد أن شربت سلافة بعضا من الماء سردت على مسامع سلمى ما حدث ابتداءا من دخولها الى المؤسسة حيث تعمل صباحا والى ان خرجت، حكت عن الهمزات واللمزات التي كانت تلاحقها في كل مكان تذهب اليه، وعن تعاطف القلة وشماتة الكثيرين!!..، وعن بعض الهمسات الخانقة التي تشكك بصورة غير مباشرة عن السبب الحقيقي لوقوع الطلاق بعد أسابيع من الزواج!!!! ، سألتها سلمى:
- وهما عرفوا منين انك اتطلقتي؟..
سلافة بصوت متحشرج:
- أنا اللي قلت لهم، انا ما عملتش حاجة غلط عشان أحط راسي زي النعامة في الرمل، كل شيء نصيب وأنا نصيبي انا وغيث انتهى لغاية كدا، واللي جننهم أكتر اني رفضت حد يجيب سيرته بكلمة وحشة حتى لو مجاملة ليا لانه في الاول وفي الاخر ابن عمي، ومهما كان اللي حصل بيننا ما اسمحش لحد يجرّح فيه ولو بربع كلمة، وطبعا لانهم ناس فاقدين الاحترام وما يعرفوش شيء اسمه احترام ولا ورد عليهم قالوا يبقى اكيد انه هو اللي سابني واني انا اللي دايبه فيه، وطبعا الكلام ابتدا يتغير بعد ما كان اني استحق واحد احسن منه وانه ما يستاهلتيش بقه طيب ليه ما صبرتيش، ليه ما شوفتيش ايه اللي يريحه وعملتيه، لازم الست تطبع بطبع جوزها، وخدي من دا كتير، لما جيت على آخر اليوم خلاص دماغي كانت هتفجر ومش عاوزة أروّح البيت وانا بالمنظر دا عشان بابا وماما ما يقلقوش خصوصا ماما كانت معارضة نزولي الشغل ولو عرفت هتصمم اني أٌعد في البيت وما أرجعوش تاني، وأنا مستحيل أعمل كدا، لأني لو عملت كدا يبقى بديهم فرصة انهم يتكلموا اكتر ويطلعوا كلام تاني وتالت وعاشر، لكن لو روحت واتصرفت انه الامور طبيعية جدا واحده فواحده الكلام هيخفّ وهيلاقوا حاجه تانية تشغلهم عني...
ابتسمت سلمى وهتفت باعجاب:
- برافو عليكي يا سولي، أنا كنت فاكره انك مش هترضي ترجعي الشغل، لكن انتي تروحي وتخلي كل واحد يحط لسانه جوة بؤه!!...
هتفت سلافة بابتسامة:
- هربيهم!!!.. انا بس كنت مخنوقة ومعرفتش أتكلم مع حد.... ربنا يخليكي ليا يا سوسو..
لاحقا ولدى انصرافهم وجدت سلمى علاء في انتظارها كما أخبرها، كان علاء على معرفة بسلافة وبعد أن حيّاها قالت سلمى بأسف:
- معلهش يا علاء اعتذر لي من رشا، عموما يا سيدي الجايات كتير، وأكيد هشوفها، وانا هكلمها أعتذر لها بنفسي وأرتب معها وقت نتقابل فيه..
علاء بجدية:
- اعتذار ايه يا بنتي؟.. لا طبعا مافيناش من كدا، بيني وبينك كانت عاوزاكي تشوفي الزئردتين هناء وشيرين... مجننها....
ضحكت سلافة وقالت:
- هي بردو صممت وسميت هناء وشيرين؟..
علاء بتنهيدة عميقة:
- آه، اعمل ايه.. حكم القوي!!!
تبادل الثلاثة الضحك، وسار برفقتهم حتى وصلا الى سيارة سلافة التي صعدت بينما وقفت سلمى تتجاذب أطراف حديث مرح مع علاء انطلقت على أثرها ضحكاتها قبل أن تصعد الى مقعدها بجوار سلافة التي لوّحت مودعة لعلاء قبل أن تنطلق، ولكنهما لم ينتبها لعينين رماديتين تراقبهما... وتحديدا سلمى... فيما تلوح العواصف في أفق عيناه بينما يهمس بوعيد وهو يضرب قبضته على سطح سيارته بقوة:
- يا ترى يبقى مين دا يا مدام سلمى؟.. أنا لازم أقول لغيث، الوضع دا ما يتسكتش عليه أكتر من كدا!!!!!!!!!!....
دلفت الى الداخل ما ان فتحت لها الخادمة لتنطلق في خطوات مهرولة تتلهف لرؤية ولديّها و... أمها!!!..، اندهشت حالما صرّح لها ليث أن أمها لدى أبيه في المنزل، لجيبها على تساؤلها الذي لم يتعد عينيها بقوله أن أبوه من أصر على ذلك لمرض أمها الشديد، لتتقبل هذا التبرير غافلة عن السؤال الأهم.. أين أخويها وزجاتهما؟... بل كيف وافق والدها من البداية على أن تنتقل أمهم لدى شقيقها؟.. ولكن كان كل ما يهمها هو الاطمئنان على صحة والدتها والتي طمأنها ليث أنها تعاني من أعرض برد شديد!!!!...
كان ليث يلحق بها بخطواته السريعه وهو يشتم في سره فهو يكاد يجب قلقا مما سيحدث لها عندما تعرف... وحتما سوف تعرف!... ومع أنه قد اتخذ كافة الاحتياطات ليضمن ألا يتسرب أي خبر اليها عمّا جرى الى أن تصبح في حالة صحية أفضل يستطيع هو معها أن يخبرها بكل ما حدث، إلا أن حدسه الداخلي ينبئه بأنها ستعلم.. كيف لا يدري.. ولكنها طالما وطئت بقدميها نفس المكان الذي تمكث فيه والدتها فهي ستعلم، كن يريد ادخالها الى المصحة النفسية تماما كما أوصى الطبيب ولكن فاجأه والده بأن طلب من الطبيب إحضار ممرضة ملازمة لها فهو لن يرمي بشقيقته الى مستشفى الامراض العقلية طالما أن حالتها ليست من النوع الخطر بل نتاج صدمة عصبية شديدة، لذا فقد قرر علاجها بالمنزل تحت اشراف طبي على مدار الأربع وعشرين ساعة!!...
هتف بها وكانت قد وصلت الى غرفة الجلوس:
- سلسبيل.. ، ولكنها لم تنتظر واندفعت الى الداخل للسلام على عمها وعمتها واللذان قابلاها بحفاوة كبيرة، كانت لا تزال تحدث بسرور معهما حينما انطلقت كتلة بشرية صغيرة اليها لتنحني على ساقيها هاتفة بحب وهي تفتح ذراعيها:
- شبل!!! ، وتلقفته بين ذراعيها تضمه اليها وتقبله بكل حب وهي تستنشق رائحته الطفولية، ليلحق به شقيقه الأكبر وهو يخطو اليها بخطوات متلهفة فتنحني ترغب بحمله هو الآخر حينما يهتف بها ليث وهو يحمل عنها شبل بين ذراعيه تاركا الفرصة لعدنان للتنعم بأحضان والدته:
- واه... عتشيليهم التنييين؟!!!.. هاتي عنك الشبل...
واحتضن شبل مقبلا له، لترفع هي عدنان بين ذراعيها تشبعه قبلا وأحضانا...
لاحقا وبعد صعودها مع أطفالها الى غرفتهما حيث طلبت منها عمتها الخلود الى الراحة حتى يعين موعد الغداء رافضة رغبتها برؤية أمها التي تنام الآن بعد أن تناولت الدواء، فلا يجوز إقلاقها في نومها!!!!... وبينما رأى ليث ضرورة انصرافهم كي تنال قسطا من الراحة، أصرت هي على المكوث لرؤية أمها بعد أن تصحو، فما كان من ليث الا أن وافق وإن كان على مضض....
تركت طفليها يلهوان بألعابهما واتجهت الى خزانتهما وتحديدا الى صندوق موضوع أعلاها، لتجلب كرسيّا خشبيا وتقف عليه لتتناول الصندوق، جلست في زاوية بعيدة وهي تفتح الصندوق تتطلع الى محتواه بابتسامة شاردة، مدت يدها بتردد وقبل أن تلمس محتويات الصندوق قبضت عليها وسحبتها سريعا قبل أن تعيد غلق الصندوق ثانية وهي تهمس في نفسها:
- ماعنساكيش أبد يا ابن عمي... مكانك عيفضل جوّاتي وجوّات لعيال.. لكن اعذرني عمري ما فكِّرت واني ماراتك ولا عفكّر في غيره وأني امعاه... ليث عطاني كتيير جوي يا راضي.. ومش معنى كلامي ديه إني ممكن في يوم أنساك.. لاه... انت كان ليك يد في سلسبيل دلوك... سلسبيل اللي حبيتك وهي صبية بنت ستاشر سنة... وحبيت ليث وهي بنت تلات وعشرين سنة... بيننا عشره حلوه وعيال كيف الورد... الله يرحمك يا ولد عمي.. واطمّن علينا أنا ولعيال.. الليث عمريه ما عيفرّط في حدا منينا واصل....
ثم أعقبت كلماتها الخافتة بقراءة الفاتحة على روحه البريئة التي اغتيلت غدرا ليذهب صاحبها شهيدا على يد الخسة والحقارة، ليكسب هو آخرته ويخسر المجرم دنياه وآخرته....
أعادت الصندوق مكانه أعلى الخزانة، ثم التفتت تلاعب صغيريها حينما قال عدنان ببراءة طفولية:
- ماعاوزينش دوكة يا شبل، جدتي تعبانه...
داعبت سلسبيل شعر صغيرها وهي تقول بابتسامة:
- عفارم عليك يا عدنان، جدتك تعبانه وناميه ولمنّن تكون ناميه ما نجلجوهاش، دلوك لمّن تصحى عاخدكوم ونروحو نجعدوا امعاها اشويْ...
عدنان ببساطة:
- لاه.. احنا ما نجدروشي انروحو لجدتي، بوي عدنان وبوي ليث امنبّهين علينا ما نروحيش نواحيها واصل..
قطبت سلسبيل وسألته:
- ليه يا عدنان؟.. هي تعبانه جوي إكده؟...
حرك كتفيه علامة الجهل وأجاب بتلقائيته البريئة لا يعلم أنه يلقي بقنبلة من العيار الثقيل على والدته:
- ماعارفشي.. لكن اني سمعتهوم بيجولوا ان جدتي... اتجننت!!!!!...
لتتسمر سلسبيل في مكانها هتافة بذهول:
- إييييه؟...
ثم هبّت واقفة من مكانها وحينما لحق بها الولدان حاولت رسم ابتسامة صغيرة ولكنها فشلت بينما تقول:
- خليكو أهنه حبايبيْ.. اني رايحه أشوف حاجه وراجعالكو...
وانطلقت الى الليث.... فهناك أسئلة كثيرة تدور ببالها وحان الوقت لتعلم أجوبتها كاملا وأولها... هل فعلا جُنّت والدتها؟؟؟؟؟.....
زفر الليث بأسى وهو يقول بضيق:
- ما عارفشي لو سلسبيل عرفت عجولها إيه، كان لازمن اتدخلوها المصحة كيف ما جال الدّكتووور، اجعادها اهنه غلط... انتو داريين باللي عيجرى لو سلسبيل عُرفت؟... أني ما صدجت انها رجعت وجفت على رجليها من تاني...
عدنان بجدية لليث الذي يروح ويجيء في المكان تماما كالليث المحبوس:
- اهدى يا ليث يا ولدي مش إكده..
الليث بيأس:
- أهدى كيف يا أبويْ؟.. ، ليكمل بشراسة قوية:
- الله في سماه لومنّ انها عمتي وأم الغالية ما كان منعني عنها حاجه أو حد.. كنت بيدي – ليرفع قبضته أمامه هاتفا من بين أسنانه – جدرت أنجد الناس من شرّها...
قالت كريمة والدته وهي تشعر بحزن على حال ابنها وزوجته تلك الكنّة التي منذ أن دخلت منزلهم من أكثر من سبع سنوات وهي بمثابة الابنة لها:
- طب ما تجولها انت يا ليث بدل ما تِعرف من حدا اكده ولا اكده... عرّفها انت يا ولديْ..
ليهتف الليث بغضب قوي:
- أعرّفها ايه يا أماه؟.. أجولها إيه بالظبِّطْ؟.. أجولها ان أمك هي اللي سمَّتِكْ بعد ما كات رايده اتسمّ مرات اخوكي شهاب وجات فيكي بالغلط؟.. ولا ان امها كانت رايده تجتل مرات عمها لولا ان ربنا بعت لها سلافة بتّها في آخر لحظة؟!!!... ولا بلاش.. ايه رايكم أجولها ان امها السبب ان غيث ولد عمي ايطلج ماراته وشهاب ماراته اتفوته والعيلة كلاتها تتفركش من تحت راسها؟... أجولها انه آخرة المتمة أمها اتجننت وانها ممكن تدخل الصرايا الصفرا في أي وجت؟!... أجولها ايه ولا ايه.. حد يجولي؟!!!!!!...
لتأتيه الاجابة من خلفه.. بصوت ميّت لا روح فيه قالت صاحبته بخواء تام:
- ماعادلوش لزوم اتجولي حاجه بعد اكده يا ابن عمي.. كفايه اللي سمعته منيك دلوك!..
لفتح عينيه على وسعهما شاهقا بقوة قبل أن يلتفت اليها هاتفا اسمها بلوعة:
- سلسبيل!!!!....
طالعته بوجه شاحب كشحوب الموتى، اقترب منها بينما كانت تنقل نظراتها بينه وبين والديه اللذان أخفضا رأسهما حزنا وأسفا، وقف أمامها وم يديه ليقبض على كتفيها ليفاجأ بأنهما ترتعشان حتى أمسك بهما كتفيها جيدا ليقول محاولا تمالك أعصابه:
- سلسبيل اسمعيني زين.. أني ما...
لتقاطعه بعينين تذبحانه بنظرات الرجاء التي تطالعه بهم، همست بصوت مشروخ مذهول:
- اللي اني سمعته ديه حصل صوح؟.. أمي عِملت إكده فعلا؟.. هي السبب اني خسرت ولدي؟.. هي اللي خربت على خواتي وكل واحد فيهم ماراته فاتته؟.. هي... هي اتجننت صوح يا ليث؟...
حاول ضمّها بين ذراعيه لتدفعه وهي تصيح بهستيرية حيث انهارت مع آخر كلمة خرجت منها:
- جولي يا ابن عمي ديه صوح؟.. أمي أني عملت كل ديه؟.. ساكت ليه يا ليث اتكلّم وريّحْني...
ليهتف بها ليث بعد أن احتواها بقوة تفوق مقاومتها بمرّات وهو يحكم قبضته عليها كمن يخشى هروبها منه:
- اهدي يا سلسبيل.. اللي بتعمليه ديه عِفِشْ عشانك...
ضربته بقبضتيها الصغيرتين في صدره وهي تصيح بشهقات بكاء عالية بينما دموعها تغرق وجهها:
- مش امهم... لمهم أعرف الحجيجة... ريّحني يا ليث ربنا يّريّح جلبك... الحديت ديه صوح؟...
سكون ساد المكان بعد سؤالها الباكي الأخير، قطعه صوت ليث القوي، الباتر وهو يجيبها بكلمة واحدة... ولكنها صاااادمة:
- صوح!!!!!! ، لتنهار بين يديه وهي تصرخ عاليا بـ "لااااااااااا"، وهو يحاول احتوائها بين ذراعيه يكاد يبكي لبكائها الأقرب للنواح، انتبه بعد برهة أن والديه قد تركا لهما المكان، أبعدها عنه قليلا لتطالعه بعينين ذابلتين وهي تقول بهمس مسموع وأنف أحمر من شدة البكاء:
- عاوزه أشوفها يا ليث؟..، ليقطب في لحظتها وهو يهز برأسه بقوة رفضا في حين تابعت بشبه رجاء وتوسل:
- عشان خاطري يا ليث.. رايده أشوفها.. ديه مهما كان..... أمـ... أميّ!..
ونطقتها بتلعثم بطيء ولكنها لم تستطع سوى النطق بها وهي يرن في أذنها أن أمها أصبحت.. مجنونة!!! ، الليث بغلظة:
- لاه يا سلسبيل، أني ما أضمنشي عتملي إيه لمّن تشوفيها؟...
سلسبيل بهلفة:
- ماتخافيش يا ليث، بس.. أشوفها يا ليث.. بترجاك يا ولد عمي...
لينهرها الليث في حزم ولكن... حانٍ بقوله:
- اوعاكي... إياك تترجي أي حد حتى لو كنت أني... مارات الليث تؤمر.. ما تترجاشي!...
مسحت دموعها براحتيها فكانت أشبه بالاطفال، ليقبض على كفها بيده ويسحبه معه وقد استقر رأيه وهو يهتف بها:
- تعالي...
وسار معها حتى اتجها إلى غرفة في آخر الرواق من الجانب الشرقي، كانت تلك الناحية من المنزل متطرفة بعيدة عن سكانه، أوقفها أمام الغرفة قبل أن يطرق الباب فخرجت له ممرضة خمسينية العمر بعد أن حياها طلب منها أن تدع ابنة المريضة تراها، لتنظر اليه سلسبيل في رجاء قائلة:
- تعالى امعاي يا ليث..
وخطت بقدميها بتردد تقدم رجل وتؤخر أخرى، وحدها يد الليث المتشبثة بها ما تمنحها القوة، وقفت تطالع الجسد المستكين فوق الفراش في وسط الغرفة، تقدمت بوجل حتى اذا ما وقفت أمامها وطالعها وجهها شهقت واضعة يدها فوق فمها لتكتم شهقتها الحزينة، طالعتها بعينين مذهولاتان، فمن ترقد أمامها ليست بأي حال من الأحوال أمها!!.. ليست هي تلك السيدة القوية المتفاخرة دوما بنفسها وأولادها، ليست هي من لا يظهر عليها عمرها الحقيقي أبدا، فأمها كانت دائما تشع جمالا رغما عن مرور الزمن، أبعدت يدها عن فمها وانحنت تلمس وجنتها بقبلة رقيقة قبل أن تبتعد، لتفتح راوية عينيها بغتة فتصعق سلسبيل من تلك النظرة الزائغة التي طالعتها بها، ابتعدت سلسبيل الى الخلف لتصطدم بليث الذي كان خلفها.. دوما معها.. يحميها حتى من أقرب الناس إليها، جلست أمها في الفراش وطالعت سلسبيل والليث بنظرات مشوشة قبل أن تهتف ويه تشير اليهما باصبعها:
- انتوم مين ها؟.. جيتوا ليه؟.. ألفت باعتاكوم عشان تخلّصوا عليّ صوح؟.. لكن جولولها ديه بُعدها... أني اللي كسبت.. بناتها ورجعوا لها... وأني اخدت بتاري منيها... خدت حلمي زمان... جتلت حلم بناتها دلوك!!!!!!...
ثم أرجعت ظهرها الى مسند السرير خلفها وهي تتابع بابتسامة جذلى بينما تتراقص عينيها بنظرات مجنونة:
- أني اللي فزت... أني اللي فزت....
وتعالت ضحكاتها العالية الهستيرية، لتدلف الممرضة سريعا وتحضر الدواء لتكشف ذراعها وتحقنها به كل هذا تحت سمع وبصر سلسبيل الغير مصدقة مما يجري أمامها، لتهمس لليث بعدها وقد بدأت تشعر بدوار:
- الليث... خرِّجْني من إهنه!..
ليسارع بإخراجها وما أن أبصرت النور خارج غرفة أمها حتى وقعت أسيرة الظلام مرحبة به لتتلقفها ذراعي ليث وهو يهتف باسمها بلوعة قبل أن يبتلعها الظلام في بئره السحيق!!!!!!..
***************************************************************************
كانت تجلس الى حاسوبها تعمل على رسالتها حينما سمعت نغمة الرسائل في هاتفها المحمول، فرفعته حيث كان بجوار الحاسوب، فوجدت رسالة في صندوق الرسائل الواردة لتضغط على زر الفتح فتفاجأ بكلمات بسيطة ولكنها قوية في معناها، كان فحواها يقول:
- الوضع اللي احنا فيه دا غلط، لازم حل، هستناكي بكرة في..... عشان لازم نتكلم..
أعادت قراءتها مرارا وتكرارا، لقد ذكر اسم مطعم قريب من محل سكنها، قطبت في استغراب، لما لا يأتي اليها في منزل والدها ليتكلما؟.. لما اختار مكانا آخر؟.. وكأنه يقرأ أفكارها اذ سرعان ما سمعت نغمة تدل على وصول رسالة أخرى فسارعت لفتحها ليطالعها جواب سؤالها:
- عارف انتي اكيد مستغربة ليه ماجتش البيت عندكم.. لكن انا عاوز أتكلم معاكي لوحدينا.. دي حياتنا أنا وأنت وطفل جاي في السكة.. وأعتقد ان احنا الاتنين ناضجين كفاية اننا تقدر نحل مشاكلنا من غير تدخل من أي حد مع احترامي للجميع...
عضت على شفتها وشردت وهي تفكر" هل تذهب في الموعد أم تصر على أن يكون اللقاء ببيت والدها؟!!!"....
في اليوم التالي كانت تدخل الى المطعم حيث طلب منها شهاب موافاته، لم تخبر سوى سلافة فقط بمقابلتها له واكتفت بأن بررت نزولها لرغبتها في الترويح عن نفسها قليلا...
تنقلت بعينيها بين الموجودين بعد ان اعتادت عيناها على المكان حيث الاضاءة الخافتة تتنافى مع ضوء الشمس المبهر بالخارج، لتعثر عيناها في الآخر على ضالتها حيث كان يجلس الى مائدة منزوية، كانت هي أول من انتبه اليه، لتقودها قدماها بدون وعي اليه، بينما كان ينظر حوله ليسقط بصره عليها فيقف بدون ارادة منها وهو يتشرب ملامحها وكامل هيئتها التي كلما اقتربت منه زادت وضوحا، حتى اقتربت منه فوقفت مقابلة له فكان هو أول من تحدث بحشرجة خفيفة قائلا:
- أزيك يا سلمى....، ثم أشار لها بالجلوس فجلست يتبعها هو في الممقعد المواجه لها، حضر النادل لتسجيل طلباتهما، فنظر الى سلمى بتساؤل لتجيب الأخيرة بهدوء لا تشعر به حيث كامل جسدها ينتفض اضطرابا:
- أي عصير فريش....
قال شهاب وعيناه مسلطتان عليها:
- دا وقت غدا... أعتقد نتغدى الأول.... ، وبدون أن ينتظر سماع جوابها أملى على النادل طلباتهما لتفاجأ بأنه لم ينسى طعامها المفضل من السمك المشوي وحساء فواكه البحر، ليطلب لنفسه شرائح اللحم المشوية بدلا من السمك، ما ان انصرف النادل حتى مال تجاهها وقال بابتسامة صغيرة:
- خفت أطلب سمك ليّا وألوص بعد كدا فيه، انتي عارفاني مبعرفش أفصص السمك!!...
لتشرد في ذاك اليوم.. حيث دعاهما والد كريم الى الغذاء والذي كان عبارة عن السمك حيث اندهشت بادئ الامر من عدم تناول شهاب لطعامه لتعلم بعد ذلك انه لن يستطيع فصل اللحم عن العظام الرقيقة فتقوم هي بالمهمة ليجهز على سمكته تماما!!!!!!....
ابتسامة خائنة ارتسمت على فمها المكتنز أخبرت شهاب أنها تشاطره ذات الذكرى، قال شهاب بابتسامة حانية:
- عامله ايه يا سلمى؟... ، قالت بهدوء بابتسامة صغيرة:
- الحمد لله، الرسالة ماشية تمام بعد ما كنت اتأخرت فيها شوية، وجددت طلب الاجازة لغاية ما الفترة الاولانية دي تعدي، ويعني... – وهزت كتفيها متابعة – كله ماشي الحمد لله...
لينظر اليها عميقا وهو يقول بصوت أجش:
- أنا بقه ما فيش حاجة ماشية عندي!... الشغل ما بقيتش عارف أروحه ولا عاوز أساسا، البيت معظم اليوم تقريبا وانا بره.. يا مع عزت صاحبي يا غيث في الكوخ بتاعه للي على أول البلد اللي قاعد فيه من يوم ما رجع مصر بعد ما طلّق سلافة، تقدري تقولي انه كل حاجة عندي واقفة.. حالي ومالي وكله.. دا حتى جدي اللي عمره ما عاتبني ولا لامني على حاجة وقفني قودامه زي العيّل الصغير يلومني ويعاتبني وهو لأول مرة أشوفه بالغضب دا كله مني أنا وغيث...
سلمى بتنهيدة عميقة:
- شهاب.. اللي حصل قاسي على الكل، أنا طبعا في الأول كنت متضايقة جدا من اللي حصل وانه كله كان من تخطيط وتنفيذ والدتك، لكن لما هديت لاقيت انه سلافة معاها حق!..
ليزدرد ريقه بصعوبة وهو يقول بريبة وشك:
- معها حق!!.. معها حق في ايه بالظبط؟...
سلمى بابتسامة حزن صغيرة:
- أنه والدتكم مهما عملت هتفضل والدتكم... اللي مش هتقبلوا عليها أي كلمة... ومهما حصل هتفضل الست اللي حاولت تخرب بيتي ونجحت انه اخوك يطلق أختي ومش بس كدا... لا... دي كرهت أمي لدرجة انها حاولت فعلا تقتلها!!.. تفتكر بعد كدا في احتمال ولو بسيط ان علاقتنا مع بعض تستمر؟!.
هتف بغضب:
- اللي بيننا ما اسمهاش علاقة.. اسمه جواااااز... ، ليقاطعه حضور النادل حاملا طعام الغذاء والذي انتظر شهاب بشق الأنفس حتى وضع الصحون على المائدة قبل أن ينصرف أو بمعنى أصح يصرفه شهاب بنزق بينما يسألهما بابتسامة هادئة عما إذا كان يطلبان شيئا آخر!!!..
نظرت سلمى اليه بعتب بعد انصراف النادل وقالت:
- ما كانش يصح اللي انت عملته دا، ذنبه ايه الجرسون تتكلم معاه بقرف كدا؟.. الراجل بيشوف شغله وبيسأل عاوزين حاجة تانية قول له لا وخلاص انما...
لينهرها مزمجرا:
- بقولك ايه يا سلمى هو ما جابكيش محامي له، سيبك منه دلوقتي وخلينا فينا احنا..
سلمى بزفرة عميقة:
- مافيش احنا يا شهاب.. خلاص مابقاش ينفع!!!..
ليكشر شهاب عن أنيابه قائلا:
- وايه اللي خلّاه ما ينفعش ان شاء الله؟... يا ترى فعلا عشان اللي انتي قلتيه دا ولا عشان البيه اللي شوفته معاكي امبارح انتي وسلافة؟!!!..
قطبت سلمى وتساءلت باستهجان:
- بيه مين؟....
شهاب بحدة وحنق:
- البيه اللي كان خرج معكم من المستشفى ووقف معاكي رغي وضحك، مين الراجل دا يا سلمى؟...
هتفت سلمى وقد فتحت عينيها على وسعهما:
- مين.. علاء؟!!!.. انت بتقول إيه؟!!...
أجاب ساخرا:
- هو المحروس اسمه علاء؟...
سلمى بحنق شديد:
- مش هتبطل اندفاع وتهور أبدا يا شهاب، دايما الفعل عندك سابق العقل، يعني بعد اللي حصل معنا دا كله وبردو انت زي ما انت!!!!!!!!..
وتناولت حقيبتها اليدوية الموضوعه على المائدة بجوارها وهمت بالوقوف حينما قبضت على يدها يده بقوة وهتف من بين أسنانه:
- أقسم بالله لو اتحركت خطوة واحده لا تشوفي العصبية والانفعال بجد يا سلمى...
انتبهت سلمى الى أنهما قد بدآ يلفتان الانظار فآثرت العودة الى مكانها وهي تتأفف بنزق وهتفت بغضب مكتوم:
- ممكن أعرف انت عاوز مني ايه بالظبط؟.. عاوز نتكلم فعلا ونصفي اللي بيننا ولا عاوز تعرف مين اللي كان واقف معانا؟...
هتف شهاب بصوت منخفض:
- افهمي.. انا لو كنت مندفع زي ما بتقولي كنت طبقت في رقبته على أضعف الايمان.. أو كنت قلت لغيث ييجي يشوف اللي بيحصل من وراه وهو على شعره من أختك.. ومش هكدب عليكي .. فير لحظة فكرت أقوله لكن في التانية غيرت رأيي.. سؤالي مالوش غير معنى واحد مين دا ؟.. خصوصا وانه كلامك دلوقتي عن اننا مينفعش نكمل مع بعض خصوصا وفيه طفل جاي في السكة يخليني أسأل نفسي.. ليه؟...
سلمى بأسف:
- بردو طبعك ما اتغيّرش... من أول أحمد الله يرحمه.. لغاية علاء... وفي النص بقه مرة كريم دا غير مامتك اللي كانت حافظاك وعارفة انه الشك فيك طبع فلعبت على كدا ونجحت للأسف لولا جدتي هي اللي هدّت الموضوع بيننا يومها، انت الشك دا في دمك يا شهاب، وانا آسفة.. أنا ممن أستحمل عصبية... انفعال.. أي حاجة.. إلّا الشكّ... دا الشي اللي مالوش علاج أبدا!!!!! .. عن إذنك!!...
وتناولت حقيبتها وانسحبت في هدوء وتركته يلاحق ظلها المبتعد وسكينة الأسى والغضب تحفر في نفسه عميقا!!!!!!!...
كانت تقف في انتظار سيارة أجرة عندما وقفت أمامها سيارة تعرفها جيدا وسمعت صوتا بداخلها يأمرها قائلا:
- اركبي!.... ، تجاهلته وأولته ظهرها لتسمع صوت صفق باب السايرة ثم فوجئت به أمامها يطالعها بنظرات غامضة وهو يهتف بها من بين أسنانه مشيرا الى سيارته:
- اركبي بدل ما أشيلك قودام الناس وأركّبك غصب عنك...
علمت بل وتأكدت الى وصوله الى أقصى درجات ضبط النفس، لتزفر في حنق وتصعد الى السيارة فأغلق الباب وراءها ثم صعد الى مقعد السائق قبل أن يدير المحرك منطلقا بأقصى سرعة!!..
وقف بمحاذاة كورنيش النيل، قال بصوت هادئ نسبيا:
- تعالي نتمشى شوية على الكورنيش، من الحاجات اللي كنت بحبها في مصر أيام ما كنت في الجامعه التمشية على الكورنيش، لما بكون غضبان أو متضايق كنت بقف هنا وأرمي همومي كلها في النيل، ياللا.. تعالي...
وترجل لتلحق به وهي تحاول تهدئة نفسها لترى ما نهاية هذا اليوم الطويل؟...
سارا سوية قليلا قبل أن يتوقفا لدى بائع كيزان الذرة المشوي، ليبتاع شهاب لهما اثنين، أعطاها أحدهما وانشغل بتناول الآخر، لم يكونا قد تناولا طعام الغذاء الذي اضطر شهاب لدفع ثمنه دون أن يهتم بتوضيح أي شيء للنادل المذهول، فقد كان مسرعا في اللحاق بسبب أرقه وانعدام راحته!!...
جلست جنبا الى جنب على المقاعد الحجرية المنتشرة بطول الكورنيش، كان شهاب هو من خرق الصمت بقوله :
- أنا... آسف...
لتلتفت برأسها اليه تطالعه بدهشة، فنظر اليها بدوره يتابع بصدق لمسته في نبرات صوته ورأته في عينيه:
- آسف... والله العظيم آسف، وعمري ما أشك فيكي، الموضوع مش شك أبدا الموضوع...
وسكت لتسأله بمرارة خفيفة:
- الموضوع إيه يا شهاب؟... ، ليقترب منها جالسا أقرب اليها ويجيبها وعينيه قد أسرتا عينيها ليضيع في غابات الزيتون خاصتها:
- جنان!!!... تقدري تقولي عليه.. جنان... غيرة جنونية زايدة... ما فيش عقل، أي حاجة.. انما شك... لا وألف لأ كمان.. ولو عاوزاني أحلف لك على مصحف أنا مستعد!!...
لم تستطع التصديق، هل من يجلس أمامها الآن يكاد يبكي بين يديها هو نفسه شهاب النزق الانفعالي الذي لا يقبل بأي كلمة ولو من بعيد تمس كرامته والذي كان يرى ان الرجل لا يذل نفسه لمرأته مهما بلغت درجة حبه لها؟!... انه يكاد يبكي لنيل مسمحتها!!، قالت بصوت متحشرج:
- شهاب اسمعني... احنا حصل بيننا حاجات كتير اووي، صدقني مهما حصل عمري ما حسيت بالندم لأي لحظة عشناها سوا، لكن للأسف الظروف اللي بتحطنا في مواجهات قاسية وعنيفة، لو فكرت معايا ورجعت فلاش باك لكل اللي مر بينا هتلاقي انه كلامي صح، وانه لو حد تاني في مكاني كان قال عليك شكّاك ومن الدرجة الاولى كمان، أنا مش بكدبك... انا بوضح لك وجهة نظري.. شهاب أفعالك هي اللي بتدي الانطباع عن شخصيتك للي حواليك، وللأسف كل ما اتكررت الأفعال دي كل ما الانطباع اترسخ عند اللي قودامك أكتر، ودا اللي حصل معايا يا شهاب، افتكر كدا من أول مرة خالص... – ثم ضحكت ضحكة خفيفة ساخرة وتابعت – دا حتى سبب ارتباطنا من الأساس خالص عشان كلام الناس!!!!!... يبقى بعد دا كله طبيعي جدا انه الشك يبقى شريك تالت لينا في شيء يربط بيننا...
قاطعها شهاب هاتفا بيأس:
- اللي بيننا مش شيء.. اللي بيننا حاجة مالهاش اسم، ما تتوصفش، حاجة أكبر من أي صفة... اسم واحد ممكن نقوله عليها وبردو مش هيوفيها حقها... اللي بيننا... عشق!!... عشق خام صافي، حب عمري ما عشته ولا في أحلامي حتى، يبقى لما ألاقيه لازم أمسك بيه بإيديا وأسناني، وأحارب أي حاجة أو أي حد ممكن يتسبب في أني أفقده، ودا اللي حصل لي، خوف يا سلمى... خوف من جوايا رهيب اني أخسرك... خوف كنت بداريه في غيرة مجنونة وعصبية زايدة، أيام الحادثة إياها كان خوفي عليكي وقلقي بينهشوني، وغيرة فوق الوصف، أنه قدر يخليكي تحسي من ناحيته ولو بالعطف، يفضل اسمه احساس منك لواحد تاني!!.... شيء كان بيموتني، تصدقي لو أقولك أني للحظة اتمنيت أني أكون أنا اللي فديتك بعمري كله!!!... أيوة يا سلمى ما تسغربيش كدا... يمكن أنا مش بعرف أتكلم الكلام بتاع الشباب اللي بيخلي الواحده تقوم تنام تحلم بيه، يمكن طبعي عصبي وانفعالي بزيادة، غيور ولساني سابق تفكيري، يمكن أنا كدا وأكتر كمان.. لكن اللي بيوصلني لمرحلة الجنوووون اني أحس ولو مجرد إحساس أني ممكن.. أخسرك!... بيخليني أتصرف خارج حدود العقل.... عشان كدا يوم كريم ما جه البلد وأمي قالت لي اتجننت.. رجل قريب منك ولو بكيلو متر واحد بيجنني، عارفك كويس أوي وعارف انتي مين ومش ممكن تعملي أي حاجة غلط، لكن غيرتي عليكي مالهاش عقل.. غيرة عامية مش بتشوف قودامها..
سلمى وقد ارتعشت شفتيها وغامت عينيها بغلالة من الدموع:
- كلن غيرتك دي قاسية أوي يا شهاب، بتخليني أفقد احترامي لنفسي، لما بجس بنظراتك ليا بالشك او حتى الريبة بتخليني أحس بمرارة فظيعة، أنه معقولة حبي ليك يوصلني أني أقبل الاهانة للدرجة دي؟.. أقبل شكك وغيرتك الفظيعه دي؟.. أقبل انك تصدق فيّا الخيانة لدرجة أنك تمد ايدك عليّا؟.... مش ممكن يا شهاب مش ممـ....
وانهارت مقاومتها وانسابت دموعها تغسل وجهها، ليسارع شهاب باحتواء وجهها بين راحتيه هاتفا بلوعة:
- سلمى حبيبتي عشان خاطري هدِّي نفسك، سلمى أنا ما استاهلش دموعك دي، صدقني يا سلمى، اتخانقي معايا، خاصميني ، اعملي اللي انتي عاوزاه.. لكن.. إلا دموعك يا سلمى!.. إلا دموعك يا حبيبتي!!...
رفعت عينيها إليه وقد هدأت نوبة بكائها بينما ابهاميه تمسحان وجنتيها لتفاجأ بدمعة وحيدة تناسب فوق...... وجنته هو!!!!!!! ، شهقت هاتفة بغير تصديق وهي تمد يدها تلمس وجهه الخشن:
- شـ.. شهاب... أنت... لا يا شهاب... لا.... اوعى أشوف دموعك دي تاني مرة... اوعى...
ولكنه لم ينصت اليها بل قال برجاء:
- مصدقاني يا سلمى؟.. مصدقة أنه مش شك، وانه أي حاجة غير أنه يكون شك؟.. وأني عشان انتي أكبر من اللي كنت بحلم بيها فحاسس اني في يوم هنام وأقوم ما ألاقيكيش جنبي، مصدقاني؟!..
لتبتسم من وسط دموعها قائلة:
- مصدقاكي انه مش شك... وانه.... جنوووون!!!..
لهمس لها وقد انتقلت عدوى الابتسام اليه:
- أعملك إيه..... مجنووووون سلمى!!!...
ضحكت بخفة، بينما طفق شهاب يمهل من عذب ملامحها ثم تلفت يمينا ويسارا وقال:
- عارفة المكان اللي احنا قاعدين فيه دا اسمه ايه؟..
أجابته باسمة:
- لا.. ايه؟.... ، أجابها بابتسامة :
- كوبري العشّاق!!!!...
نظرت اليه في ريبة وقالت:
- وانت عرفت منين انه اسمه كدا؟... شكلك كدا كنت من العشاق يا باش مهندس وانا معرفش!!!...
ابتسم شهاب ومال عليها هامسا أمام وجهها:
- بتغيري عليّا يا دكتورة قلبي؟...
حركت سلمى كتفيها بغرور وقالت:
- هاه... أغير ليه ان شاء الله؟... دي مش غيرة يا أستاذ...
ليتساءل مقطبا:
- مش غيرة؟... أومال تبقى ايه يا مدام؟...
سلمى بسخرية وهي تهز برأسها:
- تبقى شك يا جوز المدام!!!..
ونهضت واقفة فيما تسمر في مكانه لثوان قبل أن يقفز لاحقا بها وهو يناديها قائلا:
- شك.. خدي هنا!!!!!!!!..
وصلت الى السيارة قبله، لتستند الى حافتها وهي تلهث، لحق بها ووقف بجوارها يلهث بدوره قبل أن يهتف بها معنّفا بجدية زائفة:
- انتي مش المفروض حامل؟... تجري بالشكل دا وتجريني وراكي!!!...
سلمى بابتسامة واثقة:
- وانت زعلان عشان أنا جريت ولا عشان انت جريت ورايا؟...
مال عليها شهاب وقال:
- انا لو جريت وراكي عمري كله عمري ما أتعب ولا أزعل، اتفضلي بقه أدخلي العربية عشان شكلنا بقه مريب...
صعدت الى السيارة ولحق بها، لينطلقا في طريق العودة، وقبيل وصولهما الى وجهتهما قالت سلمى:
- شهاب انا عندي معاد مع الدكتورة انهرده.. تحب...
هتف بها بسعادة:
- أحب.. أحب أوي.. أحب جداااا.. أحب خالص!!..
جلسا في الاستراحة الملحقة بعيادة طبيبة النساء والولادة التي تتابع معها سلمى، وحين نادت المساعدة اسمها نهضت ثم نظرت الى شهاب قائلة بابتسامة:
- تيجي معايا؟... ، وهي تمد يدها اليه، فقبض على كفها الصغير الممدود اليه وقال بابتسامة وهو ينهض بدوره:
- معاكي يا حبيبتي، ودايما معاكي....
كانت سلمى ترقد فوق سرير الفحص، وكانت الطبيبة تضع الذراع المعدني لفحص حالة الجنين، قالت الطبيبة بابتسامة:
- ما شاء الله، الجنين بتاعنا حالته كويسة أوي، انتي كدا دخلت نص التالت تقريبا، نبضه ما شاء الله كويس..
ثم أدارت شاشة جهاز الأشعة اليها وهي تتابع:
- شوفي.. أهو ...
لتدمع عينا سلمى وهي تنظر الى شاشة الجهاز، بينما سأل شهاب وقد افترشت ابتسامة واسعة وجهه الغير حليق:
- أنا مش شايف كويس يا دكتورة...
أشارت الطبيبة لنقطة صغيرة تنبض وقالت:
- أهو... دا الجنين... شهر ولا اتنين كدا بمشيئة الله ونقدر نعرف نوعه إيه.... ربنا يقومها بالسلامة....
خرجا من العيادة النسائية، لم ينطق شهاب بحرف واحد، مما أدهشها، سارع بادخالها الى السيارة ولحق بها لينطلق من فوره الى منزل عمه رؤوف، بعد وصولهما ركن السيارة في مكان مظلم، فقالت سلمى والتي تكلمت لأول مرة منذ خروجهما من العيادة فكلما حانت منها نظرة اليه كانت تراه زاما شفتيه كمن يحل مسألة مستعصية عليه:
- كنت ركنت في الجراج تحت يا شهاب انت عا... آآآآآآآآآه....
فقد باغتها باعتصارها بين أحضانه وسلبها أنفاسها بقبلة ضارية بينما تعتصر يديه جسدها حتى كاد يزهق روحها!!!!!!!!....
ابتعدت عنه بعد برهة وشفتيها منتفختين تحملان أثر هجومه الضاري عليهما، نظرت اليه في دهشة وقالت:
- شهاب...
ليقاطعها هاتفا بحرقة:
- ما عدتش قادر يا سلمى، والله ما عدت قادر أعيش بعيد عنك دقيقة واحده حتى، ارحميني، كل دقيقة بتعدي وانتي مش معايا بتكون سنة في بعدك، أنا مستعد لأي حاجة بس ترجعيلي..
سلمى بأسف:
- شهاب انت عارف انه صعب أرجع أعيش..
قاطعها بلهفة:
- عارف والله، اللي انتي عاوزاه أنا هعمله، مع ان ماما مش في البيت دلوقتي عندي خالي عدنان، لكن اللي تقولي عليه هعمله، حتى لو عاوزة اننا نعيش هنا في مصر أنا معنديش مانع..
سلمى بابتسامة متسائلة:
- بس انت شغلك في البلد؟..
شهاب بصدق:
- انتي عندي أهم من شغلي ومن أي حاجة تانية، انتي وابننا اللي جاي في السكة ان شاء الله...
ابتسمت سلمى وقالت:
- طيب تعالى نطلع دلوقتي وبعدين نتفق مع بابا، انت ناسي انك لازم تصفي معاه هو كمان كل حاجة؟...
فوافقها بحماس وترجلا من السيارة متجهان الى الأعلى.. الى عمه روؤف...
فرحت ألفت كثيرا بعودة المياه الى مجاريها بين ابنتها الكبرى وبني زوجها، وكانت فرحة سلافة بانتهاء أزمة شقيقتها الوحيدة كبيرة، وحينما قالت سلمى لها بهمس:
- عقبالك يا سولي، على فكرة بقه.. شهاب قاللي انه غيث من يوم ما كان عندنا هنا وهو قاعد في الكوخ بتاعه مش عاوز يرجع البيت، بيقول انه حالف ما يرجعش من غير مراته!!
وغمزتها بمكر لتقول سلافة ببرود مغيظ:
- والله!!.. طيب مبرووك مقدما، ربنا يوفقه في بنت الحلال اللي تستحمل... أمه!!!!!!!!
سلمى بعتاب:
- سلافة انتي عارفة انه أمهم دلوقتي ربنا يعافينا فقدت عقلها، دا غير انها اتكشفت قودام الكل، شهاب يقول لي انه سلسبيل رقدت فيها يومين لما عرفت وليث كان هيتجنن، اديلو فرصة تانية يا سلافة.. انتي أكتر واحده عارفة غيث بيحبك ازاي!!
هتفت سلافة راغبة في انهاء النقاش:
- بقولك ايه.. هو عشان انتي وجوزك رجعتوا لبعض يبقى خلاص؟.. طيب انتو فيه بينكم اللي يستاهل انكم تدوا بعض فرصة واتنين وتلاتة، ابنكم اللي جاي دا.. بصي.. انا ما اتعودتش أقلب في دفاتر قديمة.....
سلمى بتنهيدة عميقة:
- ربنا يهديلك الحال يا سلافة..
سلافة رغبة منها في تغيير دفة الحديث:
- بس انتى عجبتيني لما شهاب عرض انكم تعيشوا في مصر وانتى رفضت..
سلمى بجدية:
- طبعا كان لازم أرفض، شغله وحاله وكله هناك، دا غير ان جدي كان هيزعل جدا لو كنا عشنا هنا، فكرة الاستراحة اللي جنب المستوصف اللي هناك بصراحة نطيت في بالي، الاستراحة كبيرة اودتين نوم غير صالة كبيرة وحمامين ومطبخ، هعوز إيه اكتر من كدا؟..
سلافة بابتسامة:
- ربنا يروق بالكم..
قاطع حديثهما الهامس صوت شهاب الضاحك:
- عمي.. طيب أنا هاخد سلمى وأرجع امتى؟..
رؤوف بابتسامة:
- لما الاستراحة تجهز.. ولغاية ما دا يحصل..
هتف شهاب يقاطعه:
- الموضوع كله مش هياخد أسبوع، أنا هكلمهم في البلد، وبعد إذنم لغاية دا ما يحصل أنا هاخد سلمى وننزل في فندق..
قاطعته ألفت هاتفة في لوم:
- تنزل في فندق وبيت أبوها موجود؟..
شهاب باعتذار:
- لا والله يا مرات عمي ما أقصد.. انا قصدي فرصة نعمل شهر عسل تاني قبل البيه ما يشرّف!!..
وأشار الى بطنها، ليكون نصيبه لكمة خفيفة في كتفه ثم دفنت وجهها في ظهره وقد احمرت وجنتيها خجلا في حين تعالت الضحكات......
دلفا الى غرفتهما التي حجزها شهاب في الفندق ذو الخمس نجوم، وكان قد أصر أن ترافقه سلمى فهو لن يتركها للحظة واحدة بعد، أوصد شهاب الباب خلفهما واضعا حقيبتها الصغيرة جانبا والتي تحتوي على بعض الملابس اللازمة لها للفترة التي سيقضيانها بالفندق...
وقفت في منتصف الغرفة تدور بعينيها في أرجائها، ليأتي من خلفها ويحيط خصرها بذراعيه وهو يهمس في أذنها:
- وحشتيني...
ابتسمت واستندت برأسها الى صدره العريض وهمست:
- وانت كمان...
همس يسألها:
- جعانه أطلب عشا؟..
لتهز رأسها نفيا وتقول وهي مغمضة عينيها تستشعر دفء أنفاسه فوقها:
- لا... مش جعانه...
ليهنس في أذنها بعد أن قرص شحمتها بأسنانه:
- ولا أنا.... دا في مواضيع كتير جدا عاوز أحكيهالك... كلمة كلمة وحرف حرف.....
وهو يغمزها بمكر، فاحمر وجهها خجلا وضربته بخفة على يده، فأدارها أمامه ليحتويها بين ذراعيه مغيبا لها في عناق رقيق ليتحول تدريجيا الى آخر متطلب، ليتوها بعدها منفصلين عن واقعهما وقد ارتميا بين أحضان عالمهما الوردي!!..
*********************************************************************
- انتي بتقولي ايه يا سلافة؟.. ازاي يعني فهميني؟...
هتفت سلمى بعبارتها بنزق وهي تحدث أختها بالهاتف، ليدخل اليها في نفس اللحظة شهاب، فأشارت له بيدها ملوحة، ثم قطبت وأعادت انتباهها الى سلافة هاتفة بحدة:
- سلافة بقولك ايه.. مش ناقصة جنان... بابا وماما موافقينك على كدا؟.. ايه؟.. يعني ايه حياتك انتي دي؟... انتي عارفة انه دا غلط؟.. سلافة لآخر مرة بقولك ما تصلحيش غلط بغلط أكبر منه.. ألو.. ألو....
ثم أبعدت الهاتف عن أذنها وهمست بيأس:
- قفلت السكة!!!!!!!!..
اقترب منها شهاب مقطبا وهي يقول بقلق:
- فيه ايه يا سلمى، صوتك جايب أخر العيادة بره.. حتى الواد مغاوري وانا داخل قال لي الدكتورة شكلها زعلان.. سلافة قالت لك ايه ضايقك بالشكل دا؟..
رفعت عينيها اليه وهتفت بقنوط وغيظ:
- سلافة زميل ليها عاوز يتقدم لها..
شهاب وهو يحرك كتفيه بعدم فهم قائلا:
- طيب إيه المشكـ.....؟!!!!!!
ليبتر عبارته ويفتح عيناه على وسعهما هاتفا بغير تصديق:
- اوعي تقولي انها.......
لتكمل عبارته وهي على وشك البكاء:
- وافقت... الغبية وافقت يا شهاب....
شهاب بحيرة عميقة:
- وافقت إزاي وهي لسه في العدة؟..
سلمى بيأس:
- قالت لي مش فاضل في العدة إلا إسبوعين... وهي مش هتتجوز دلوقتي يعني!!!!
شهاب وهو يتخيل ردة فعل غيث النارية والذي انقلب حاله من النقيض الى النقيض منذ طلاقه وسلافة:
- المصيبة مش في كدا، الكارثة لو غيث عرف!!!!!!!!
ليتبادلا النظرات وقد وصلت رسالة شهاب الى سلمى بوضوح... فإن كان شهاب فيه صفة الجنون بالنسبة لها.. فغيث هو الجنون ذاته بالنسبة لسلافة!!!!!!!!!!!..
الحلقة الثامنة و الثلاثون
(كبير العيلة (منى لطفي
كان شهاب يقود في طريقهما ذهابا الى القاهرة، كان يسترق النظر الى سلمى بين كل فينة وأخرى، بينما الأخيرة كانت شاردة تفكر في تلك الكارثة التي ستحل على رأس شقيقتها، هي لم تُعلم غيث بعد وأكدت على شهاب ألا يزلّ لسانه أمامه بحرف، كما أن لا أحد علم سبب سفرهما الحقيقي الى القاهرة فقد تذرعت برغبتها لرؤية أستاذها المشرف على رسالتها..
- ازاي يا ماما توافقوها على حاجة زي كدا؟...
كان هذا السؤال الذي هتفت به سلمى بعد ان انفردت بأمها تاركة شهاب مع أبيها في غرفة الجلوس، تنهدت ألفت وقالت بينما كانت تهتم بسكب الطعام في الصحون تمهيدا لتحضير مائدة السفرة لتناول الغذاء:
- يعني نعمل إيه يا سلمى؟.. يا بنتي أختك لا هي أول واحدة اتطلقت ولا آخر واحدة، لازم تشوف حياتها ومستقبلها، احنا مش هنعيش لها العمر كله حبيبتي...
قالت سلمى بغير رضا وهي تساعد أمها في سكب الطعام:
- أيوة يا ماما بس انتو عارفين كويس أوي انه غيث ما كانش عاوز يطلقها، ولو عليه يردّها انهرده قبل بكرة...
ألفت بجدية:
- وهو فين غيث؟.. من يوم ما جالنا هنا مع جدكم والمأذون وطلقها ما نعرفش عنه حاجة، يا بنتي مش بالكلام بالفعل، شوفي شهاب عمل ايه عشان ترجعي له تاني، حاول مرة واتنين وتلاتة وكان كل يوم والتاني عندك هنا، لكن غيث وكأنه ما صدق، وبعدين سلافة أختك شعنونة وعاوزة اللي يصبر عليها وأنا كنت فاكرة غيث من النوع الهادي الصبور، لكن للأسف استعجل وسمع كلام سلافة وطلّقها، وما شوفنهوش تاني، تقدري تقوليلي هفضل راهناها جنبي على أمل أنه غيث يراجع نفسه؟.. لا يا سلمي.. سلافة أكبر وأغلى من اني أركنها عشان واحد يعرف قيمتها حتى لو كان الواحد دا ابن عمها وجوزها؟...
زفرت سلمى عميقا وهي تقول بهدوء وترو وهي تعلم أنها ستفجر قنبلة ولكن ما باليد حيلة:
- ما تظلميش غيث يا ماما... اللي انتي وبابا ما تعرفهوش انه غيث لما كان هنا يوم الطلاق... قال لسلافة انه... – وترددت قبل أن تلقيها دفعة واحدة في حين تراقبها أمها مقطبة – أنه طلقها طلاق رجعي مش بائن زي ما كانت عاوزة، يعني هي دلوقتي في شهور العدة وممكن يرجعها في أي وقت ولو بكلمة حتى، لكن الطلاق اللي سلمى كانت عاوزاه ما ينفعش غير بعلمها وبموافقتها وبعقد وبمهر جديد، غيث قال لسلمى انه ممكن يرجعها في أي وقت لكنه مش هيعمل كدا الا بموافقتها هي، وأنه....
وسكتت تلعق شفتيها الجافتين في حين استحثتها أمها للمتابعة:
- انه معتبرها لسه مراته لأنه لما عليها اليمين في البلد كان غضبان، ولما جاب المأذون وجه هنا كان مضغوط عليه من جدي، يعني طلاقه ليها في حكم المضطر... يعني..ما يقعش، يعني سلافة لسه.. مراته!!!!!!!!!!
كاد الصحن الذي تمسك به ألفت أن يفلت من يدها حينما انتبهت اليه فوضعته من يديها اللتان ترتعشان وهتفت بغير تصديق:
- انتي بتقولي ايه يا سلمى؟.. مراته ازاي يعني؟...
لتأتيها الاجابة من خلفها:
- أنا أقولكم ازاي.. يعني غيث بيه وقت ما يحب يطلقني يطلقني وما يحب يقول لي لا الطلاق دا ماي قع شانا المطلوب مني اني أصدق، أصلي لعبة في ايده... متجوزين على مذهب المراجيح.. روحي وانتي طالق .. تعالي وانتي مش طالق!!!!!!
التفتت اليها والدتها تعنفها بقوة هاتفة:
- سلافة!!!!!!!!!!..
لتدلف الأخيرة الى المطبخ وهي تجيب بابتسامة وتلقائية:
- نعم يا ماما، ايه بتكمل غلط؟.. البيه فاكرني لعبة في ايده، بيهدنني ويقول لي اني لسه مراته، وانه ما عملش كدا الا عشان خاطر جدي، لكن انا لسه مراته، وانه مطلقنيش طلاق بائن زي ما انا كنت عاوزة، فاكر نفسه ذكري وهيضحك عليا بالكلام دا...
سلمى بهدوء وابتسامة صغيرة:
- يا سلافة يا حبيبتي العناد مش كويّس صدقيني، لازم تقعدوا مع بعض وتوصلوا لحل، تقدري تقوليلي لما يعرف بموضوع سامي هيكون رد فعله إيه؟..
هزت سلافة كتفيها باستهانة وأجابت ببرود تام:
- ولا يهمني، مكان ما يحط راسه يحط رجليه، انا مش هقعد عمري كله أبكي على الأطلال يا سلمى، غيث كان مرحلة وعدِّيت خلاص، ولازم أفكر في حياتي ومستقبلي..
سلمى بجدية شديدة:
- يعني أنتي مش موافقة على سامي كيد وعناد في غيث؟.. تقدري تقنعيني أنك مرة واحدة بعد ما رفضتيه كذا مرة قبل جوازك بغيث خالص اكتشفتي مرة واحدة كدا انك غلطانه؟.. تقدري تنكري انه اتقدم لك تلات مرات من ساعة ما اشتغلتي في الشركة وكل مرة ترفضيه؟.. ليه دلوقتي مرة واحدة كدا اقتعنتي بيه؟.. ايه السبب؟..
سلافة بجمود وعينان كالزجاج تلمعان بدموع مكبوتة:
- لأني اكتشفت اني كنت غبية ومغفلة، كنت عاوزة واحد أحبه ويحبني، وخدت ايه من الحب دا غير على دماغي؟!!!.. واحدة زميلتي لما سامي كلمني المرة دي قالتها لي.. قالت لي يا سلافة خدي اللي بيحبك مش اللي انتي بتحبيه.. اللي بيحبك هيعمل المستحيل عشان يقدر يوصل لقلبك، لكن اللي انتي بتحبيه مهما عملتي عمره ما هيحس بيكي!!.. وبعدين كفاية انه سامي حضر فرحي وهو من جوّاه كان بيتعذب اني عروسة لغيره، ولما سألته لما فاتحني في الارتباط بيا قاللي أنه اللي بيحب بجد بيتمنى السعادة لحبيبه حتى لو مش معاه، وانه كفاية عليه يشوف الفرحة في عينيا، لكن لما أنا وغيث سيبنا بعض قاللي انه غيث فرّط في فرصته اللي هوّ أداهلو... وأنه مش مستعد انه يسيب الفرصة تضيع من ايديه تاني، حاسيت انه عاوزني بجد، وانا متأكده انه هيقدر يخليني أحس بيه....
تقدمت ألفت واحتوتها بين ذراعيها قائلة بقلب أم مشفق على حال ابنتها:
- لكن اللي بتحبيه يا سلافة لو انتي مش حاسة بيه عمرك ما هتحسي بحبه ليكي، بالعكس حبه ليكي هيكون طوق يتلف حوالين رقبتك، لازم الحب يكون متبادل يا سلافة، الحب هو الضمان الوحيد والأمان ليكم انتم الاتنين، هي مش سباق بنشوف مني فينا اللي بيحب التاني أكتر، دي شركة بين اتنين حبيبتي وكل واحد لازم يدخل بنسبة 100% مش 50% عشان الشركة تنجح...
انسابت دمعة صامتة تجري على صفحة وجهها الحليبية وقالت بحزن يقطع نياط القلوب:
- ما تخافيش عليا يا ماما، بنتك قوية، أقوى بكتير من الظاهر كمان، انتي بس ادعي لي يا ست الكل، ادعي لي انه ربنا ينور لي طريقي....
ربتت ألفت على خصلات ابنتها السوداء وقالت بدموع مترقرقة:
- ربنا يهديلك حالك وينور لك بصيرتك ويعملك الخير كله يا رب...
بينما طالعت سلمى أختها وهي بين أحضان أمها لتبرق عينيها عزما، فلم يعد يفيد تجاهل الأمر أكثر من ذلك، وان كان لزاما من اطلاق رصاص عشوائي لجعل من يهمه الأمر أن يفيق من سباته فستفعله وبكل سرور فقد آن الأوان لوضع حد لهذه المهزلة التي طالت!!!!!!...
*************************************************************************
جلست تراقبه وهو يلاعب صغارها منبطحا على ظهره بينما شبل الصغير يجلس فوق بطنه فيما يرقد عدنان بمحاذاته فوق السجادة الفارسية الوثيرة، ارتسمت ابتسامة ناعمة فوق ثغرها الوردي لاحظها ليث الذي همس في أذن شبل ببضع كلمات ليقترب عدنان منهما حتى يتمكن من الاستماع هو الآخر، وما لبثا أن أومئا برأسيهما إيجابا قبل أن يقفز شبل من فوق ليث ليركض محاولا اللحاق بعدنان بينما نهضت سلسبيل من جلستها فوق الآريكة وهي تناديهما دون جدوى لينفجر الليث ضاحكا، خطت سلسبيل خطوتين للحاق بهما قبل أن يعتقل خصرها ذراع قوي مما جعلها تطلق شهقة صغيرة في حين سمعت صوتا خشن يهمس في أذنها:
- يعني لما ربنا يفرجها ولعيال يفوتونا لوحدينا تبجي عاوزة تلحجيهم؟...
تخضب وجهها بدماء الخجل وهمست وقد تلونت وجنتيها بحمرة الفراولة الطازجة:
- جرى أيه يا ليث، رايحه أشوفهم راحوم يمرحوا على فين إكده وما عاوزينش يردوّا عليّ؟!!...
أجابها وهو يمسك بكتفيها يديرها ناحيته:
- راحوم يشوفوم حلجة الجط والفار الكارتوون عشان ياجوا يحكوهالي بالمظبوط!!!!!..
فتحت عينيها واسعا وهتفت:
- حلجة إيه؟... وانت من ميتة بتتفرج على حلجات لعيال ديْ؟...
ليباغتها بحملها بين ذراعيه وهو يقول ضاحكا:
- عشان تِعرفي غلاوتك عِندي جد إيه؟....
قالت وقد رفعت ذراعيها تحيط بهما عنقه القوي كي توازن نفسها فيما لمعت عينيها بحب لم تخفيه:
- برضيكي ما جولتش ايه اللي خلّاك تطلب منيهم الطلب ديه؟...
أجابها وهو يضعها في منتصف فراشهما الوثير:
- ما أني عجولك، دا أني عجولك جواله لا اتجالت جبل إكده ولا عتنجال بعد إكده!!!..
لتطلق سلسبيل ضحكة صاخبة كانت في أذنها كصوت خرير جدول رقراق، وضع يده على فمها وهو ينهرها بجدية زائفة فيما خانته ابتسامة صغيرة ارتسمت على فمه المغطى بشاربه الأسود الكثّ:
- هشششش ، خابار إيه يا أم عدنان، الضحك هديْ ما تنضيحكش اكده، فرضا حد منّيهوم سمعك ولا حاجه... وأني ما رايدش حد يسمعها غيري أبد، ولا اعيالنا ذات نفسيهم!....
همست وهي تطالع عيناه المطلان عليها من أسفل حاجبين كثيفين بينما بقايا ضحكة لا تزال في صوتها:
- ليث... ، ليجبها بهمس خشن:
- يا جلب ليث... ، لتهمس له بما أفقده البقية المتبقية من تماسكه:
- بحبك يا ولد عمي... ، ليطلق تأوها عال ويقول وهو يميل عليها:
- وأني مِتوكّد انك دعوة الحاجة ليّا... يا ما جالت لي روح يا بني ربنا يعطيك الزوجة اللي تفرح خاطرك او بالك، ربنا ما يحرمني منيك أبد يا بت عمي...
أجباته بعشق صاف:
- ولا منّيك يا ولد عمي...
ثم.. لتفاجأ نفسها وتفاجئه بجذب رأسه اليها وإلصاق شفتيها النديتين بشفاهه الحازمة في قبلة رقيقة محبة كرفرفة جناح فراشة، تركته بعدها ليطالعها في ذهول لمدة ثوان وما لبث أن هتف بعدها عاليا:
- يا بركة دُعاكي يا أمّاااااااا....
ليغيبها معه في عناق مليء بالشحنات الكهربائية والمفرقعات النارية لم يفيقا منه إلا على صوت طرقات على الباب، فحاولت سلسبيل إبعاد شفتيها عنه وهي تقول بهمس:
- ليث.. الباب يا ليث...
حاول اعادتها ثانية الى أحضانه ولكنها أشارت بعينيها الى الباب فنفخ بضيق ونهض وهو يزمجر بخشونة قائلا فيما كان يرتدي جلبابه:
- أنا شكلي بعد إكده عخليهوم يّتفرّجو ع الجطط والكلاب والفيران وجميع الحِيوانات اللي خلجها ربّنا!!!!!.....
وما أن فتح الباب حتى تبدلت تعابير وجهه لتكتسي بالجدية المطلقة وتعلو جبينه تقطيبة عميقة وهو يسمع الخادمة تبلغه بوجود الغفير دياب بالاسفل يطلب مقابلته للأهمية القصوى!!!!!!!...
رفعت سلسبيل رأسها وهي تحاول ستر نفسها بغطاء الفراش، شاهدته وهو يتجه الى الحمام الملحق بغرفتهما فقالت مقطبة بحيرة وتساؤل:
- فيه حاجه يا ليث؟...
قال الليث قبل أن يدلف الى الحمام:
- لاه ولا حاجة يا سلسبيل...
ليغيب لدقائق يخرج بعدها وقد ارتدى جلبابا نظيفا واتجه الى منضدة الزينة ليعقد عمامته البيضاء فوق خصلات شعره السوداء التي قد شابها بضعة خيوط رفيعة من أخرى بيضاء، وما هي إلا ثوان إلا وكان قد اندفع خارجا ليجيبها وهي تناديه بلهفة:
- ما تجلجيش يا سلسبيل، حاجة بسيطة بخصوص الديوان، عخلصها وأجيلك طوّالي...
وغاب خلف الباب لتعقد سلسبيل جبينها في حيرة ثم ما لبثت أن نهضت بدورها لتغتسل وتخرج لتفقد صغيريها...
**********************************************************************
وقف الليث يمسك بعصاه العاجية وهو يطالع الزرع الأخضر المنتشر من حوله، بينما وقف خلفه الغفير دياب بعد أن رافقه خارج المنزل ليستطلع منه كافة الأخبار اللازمة عن... أم ستيت!!!...
الليث بجدية وبرود:
- يعني اتوكدت انه خاليص... ما عادليهاشي أثر واصل؟...
تقدم دياب الى سيده ووقف يجيبه بثقة مطلقة:
- اطّمن جنابك... كوخها اللي كان في آخر البلد ما عادلوشي أثر واصل...
الليث ببرود:
- عِرفت مين اللي اعمِلها؟...
دياب ببساطة:
- لاه... لكنه وكيد واحد من اللي أذتهوم بنت اللذينا ديْ.. الله يجحمها موطرح ما راحت، لانه لو كان حرامي كان سرج ع الاجل افلوسها، لكن أني لاجيت حاجِتها كلاتها سوا دهب ولافلوس موجودة.. دا غير انه الموكان ما كانيش متنفعش ولا حاجة يعني اللي داخل جاصد حاجة واحده متي ما اعملها راجع من موطرح ما كان....
الليث وقد استدار يجابه دياب:
- يعني فيه اللي سبجك واعملها؟... لكن غريبه.. كيف ما صوتت؟..
دياب:
- غير انها عايشة لوحديها فهي يظهر والله أعلم إكده انها كانت نايمه، لأني لمن دخلت عنديها لاجيتها نايمة ع سريرها ومتلفحه بالغطا غير انها كانت واخده راحتها ولا مواخذه يعني في خلجاتها اللي كانت لابستهم، ولاقيت الدم امغرّج الغطا والارض من تحتيه، ودراعاتها مليانه دهب، لو كان حرامي أجلّه كان سرج الدهبات...
الليث بهدوء:
- واعملت ايه يا دياب؟..
دياب بفخر:
- عود كبريت وكوخها من البوص والجش... دجايج والنار ولعت في الموطرح كلّاته... وما ممشيتش غير لمن لاجيت كلّه بجه كيف الفحم الأسود....
الليث ببريق يلمع في عينيه:
- في خُرّارة اتشيلها... ماعاوزشي سيرتها تاجي على لسان حد في البلد، واللي انت جولته دلوك ما حدش يعلم به واصل... أني عارف انك راجل يا دياب.. المَرَهْ ديْ عِملت كاتير جووي، كانت ماشيه بينات الناس بالسحر الاسود وليعاذ بالله.. أديها داجت نار الدنيا، وديه معتجيشي واحد ع الالف من نار اآخره ربنا يجيرنا منها!!... دياب.. عاوزك من الصّبُح اتجيب بالدوزر واتساوي الأرض ديْ.. وازرعها خلي الغنم والبهايم تاجي ترعى أهنه..
دياب بطاعة وهو يهز رأسه الى الآسفل:
- أمر جنابك يا كابير....
ليتاعب الليث بينه وبين نفسه وهو ينظر الى البعيد:
- واكده يكون أخر حاجه في حدوتك يا عمتي خولصت.. وأضمن انه سلسبيلي ما تِعرفشي حاجه تانيه من بلاويكي اللي اعملتيها، واحسن حاجه بةيْ اعملها انه اجتنع انك تدخلي المُصحّه.. لانه ما عادش ينفع انك تعيشي بيناتنا بسلام بعد إكده... الكره والغل ملّوا جلبك لحدت ما أكلوم عجلك هو كومان.. ربنا يحفظنا.. ربنا يعافينا مما ابتلاكي به ويحفظ علينا نعمة العجل..
ثم سار بضعة خطوات قبل أن يسمع سؤال دياب عما إذا كان يأمره بشيء آخر ليقول:
- لا يا دياب.. روح انت وما تنساشي اللي جولتلك عليه...
وتابع بينه وبين نفسه وهو يهمّ خطاه ليركب عربته الخشبية الكبيرة التي يقودها جوادان عربيان أصيلان وسائس هو المتحكم فيهما " انتظريني سلسبيل.. فقد تمكن مني شوق عظيم لا يطفئه إلا حب أعظم... حبك أنتِ سلسبيلي"...
**************************************************************************
وقف غيث أمام سلمى مقطبا محاولا استعياب عبارتها التي سمعها، ليعيد سؤاله:
- جولي تاني إكده اللي انت جوليته جبل إكده؟...
نظرت سلمى اليه بتردد وهي ترمق شهاب برجاء قبل أن يهتف بها غيث بقوة وحنق:
- جولي يا سلمى اللي جولتيه تاني...
سلمى بتلكؤ وقد بدأ التردد يصيبها في أن تكون قد تسرعت في الافصاح عن أمر أختها لغيث:
- سلافة... سلافة اتقدم لها سامي زميلها وهي... وافقت عليه!!!!!!..
صمت تام ساد المكان قبل أن يخرقه غيث بهدوء ينذر بهبوب إعصار مدمّر:
- وافجت عليه كيف يعني؟.. وافجت على إيه بالظبّط؟...
نفخت سلمى بيأس وهتفت وقد ضاقت ذرعا بالأمر كله:
- يعني ايه وافقت على إيه يا غيث؟.. وافقت على الجواز من سامي!!!!!
أخطأت.. نعم... بل وخطأ فاااااااااادحا... تأكدت منه ما ان لفظت آخر أحرف عبارتها حتى تمنت لو انها تستطيع ابتلاع كلماتها ثانية، ليهتف غيث فيهب إعصار غضبه قويّا مدمرا:
- أختك اتجننت ولا أيه يا سلمى؟...
ليسارع شهاب ليقف بجوار توأمه محاولا تهدئته بينما تطالعه سلمى برجاء كي يحاول امتصاص غضبه، قال شهاب:
- بالراحه يا غيث، الكلام مش كدا.. سلمى بتقولك على اللي حصل عشان تلحق تتصرف!!
غيث باستهجان وصراخ غاضب وهو يشيح بذراعيه:
- وكيف عمي يجبل بالمهزله ديْ؟.. انتوم ناسيين انها لساتها في العده يعني بكلمة منّي أرجّعها؟... ديه غلطتي اني ما رضيتش أعاودها اف ذمتي تاني من غير ما تكون راضية؟..
هتف شهاب وقد أعيته الحيل لتهدئته:
- يووووه يا غيث، يعني انت شوفتها اتجوزت؟.. بنقولك مرااتك هتتجوز.. لسه ها.....
ليهدر فيه غيث بعنف وحشي:
- جفّل يا شهاب وما تجولهشي تاني... سلافة ماراتيّ.. ولو هيّ ناسيه لحكاياه دايْ أني ما عانديش مانع إنّي أفكّرها...ومش بس إكده.. عخليها تتوكد انها ماراتي وما تحلمشي بغير إكده!..
وأسرع بالخروج صافقا خلفه الباب بعنف ارتجت له جدران المنزل....
خبطت سلمى بيدها على رأسها وهمست من بين أسنانها وهي ترمق شهاب شذرا:
- حسبي الله... بقولك هادِّيه يا شهاب تشعلله!!.. يعني منتظر منه ايه وانت بتقوله مراتك لسه ما اتجوزتش بس هي موافقة تتجوز غيرك؟!!!!..
شهاب باستنكار:
- يعني أنا دلوقتي السبب في غضب غيث؟... واختك ما عملتش حاجة؟.. عارفة أنا لو من أخويا أعمل ايه؟...
اعتدلت وتقدمت منه ترمقه بريبة وقالت:
- كنت عملت إيه ان شاء الله؟..
شهاب بجدية شديدة:
- كنت ردّيتها وتخبط راسها في الحيطة، مش هستنى أنا لما مراتي توافق ترجع لي والخطّاب رايحين جايين على بابها!.
أنّـت سلمى وهي تسند بطنها من الأسفل وقد قاربت على مشارف الشهر الخامس ليسارع شهاب للأمساك بيدها وهو يهتف بقلق:
- سلمى حبيبتي مالك؟...
رمقته بغيظ وهي تعض على أسنانها:
- ولادتي شكلها كدا هتبقى بدري بدري ان شاء الله وعلى ايدين حد من التلاتة....
شهاب بريبة:
- مين التلاتة دول؟...
سلمى بثقة مطلقة:
- مش هقولك يا انت يا غيث يا سلافة.. لأ!!.. هقولك.. يا إنت، يا أنت، يا أنت!!!!!!!!!..
************************************************************************
أطلقت تنهيدة عميقة جعلت الحاج عبد الحميد يلتفت اليها ليقول بتقطيبة:
- مالك يا أم عتمان كفانا الله الشر؟..
فاطمة بأسى وحزن على حال ولدها عثمان:
- يعني ما انتش داريان يا حاج؟.. عتمان ولدي صوعبان عليّ جوي جوي..
عبد الحميد بهدوء:
- كل شأن المؤمن خير يا أم عتمان.. وحّدي ربّك إكده.. مالّهْ عتمان؟... زي الفل، والحمد لله ربنا نجّاه من اللي كان ممكن يجراله لو ما كانت راوية انكشفت؟.. ومش هو وبس لاه.. كان عيجرى لعيالي كلاتهم...
فاطمة وقد برقت عيناها بإصرار:
- أني لازمن أطمّن عليه يا حاج.. لازمن جلبي يهدى من ناحيتاه..
عبد الحميد بتقطيبة حيرة:
- جصدك إيه يا حاجه؟..
فاطمة بعزم وقوة:
- عتمان لازمن يتجوّز!!!!!!!...
لضرب الحاج الأرض بأسفل عصاه العاجية وهو يهتف بها بدهشة:
- واه!!!!.. عتجولي إيه يا فاطنه؟... بدّك عتمان يتجوّز!!!!!
فاطمة بجدية تامة:
- وما عيتجوزّشي ليه؟.. ما شاء الله عليه عيني عليه باردة.. لسّاتَه ابصحّتاه وعافيتاه.. ديه يتجوز بنت ابنوت كومان... ديه عتمان الخولي أكبر واحد في الجيهة، رجالة البلد والصّعيد كلاته تمنى اتناسباه..
عبد الحميد بشك:
-إيوه يا حاجه أنا امعاك لكن...
فاطمة بلهفة وهي تقترب بجوار الحاج:
- ما لاكانشي يا حاج... عشان خاطري يا حاج.. اني جلبي موجوع عالييه... اعيالاه كلاتهم اتجوزوم وكل واحد منيهم شاف حياتَه وبكره ان شاء الله سلافة اتعاود لغيث وهو يا نضري عيبجى له مين ياخد باله منّيه او يرعاه؟...
عبد الحميد بتقطيبة حيرة وتساؤل:
- لكن ما يتهيأليش أنه عيوافج يا أم عتمان؟..
هتفت فاطمة بلهفة وقد شعرت أنها قد قاربت على نيل موافقة زوجها:
- سيب لحكاياه ديْ عليا أني...
عبد الحميد بشك:
- شكلك إكده فيه واحده ابعينها اف بالك.. صوح؟..
ابتسمت فاطمة وهزت برأسها بالايجاب وهي تغمض وتفتح عينيها عدة مرات ضاغطة بأهدابها بتأكيد وابتسامة تلون محياها المتغضن قائلة:
- ان جيت للحاج... بنت الحلال موجوده وعشان اكده خايفه لو نتأخرّوا اتروح من يدينا!!!..
عبد الحميد بحيرة:
- ومين ديْ يا فاطنه؟..
فاطمة بحماس:
- خديجة بنت عم الحاجة زينب مارات الحاج عبد الهادي كابير السوالمة!..
قطب عبد الحميد فأردفت فاطمة:
- جرى إيه يا حاج لحجت تنساه؟.. مش ديه اللي كان رايد سلافة لولده سيف لمهندس جبل غيث ما يتجدم لها؟.. ويعدين اعرُفنا انه اتجوز شجيجة صاحبه وشريكاه اف مصر؟..
هتف الجد:
- ايوة ايوة فاكراه طبعا.. لكن أني بحاول أفتكر اللي انتي بتجولي عليها ديْ تبجى مين بالظبط؟.. وانتي شوفتيها واتعرفت عليها ميته؟..
أجابت فاطمة وهي تبتسم بجذل:
- شوفتها أيام فرح لولاد.. كانت حداهم ازيارة وجات حضرت الفرح امعاهم.. هي عنديها حوالي ارباعين .. خمسة وارباعين سنه، اتجوزت ابن خالها وما جابتشي منيه اعيال فطلجها بعديها بتلات اسنين، وكانت بت 22 سنة، ودانها ما اتجوّزتشي من يومها، شكلها طيّب جوي يا حاج، يومها جلبي انشرح لها، واتمنيت لو عِندي ليها عريس كت جوزتوهولها...
عبد الحميد بهدوء:
- ربنا يجدم اللي فيه الخير، لكن لوّل نطمّن ع لعيال وبعدين نشوفو لكبار...
ليقاطعه دخول غيث كالصاروخ عابرا من باب المنزل الداخلي رأسا الى الطابق الأعلى يلحقه شهاب مناديا له، ليهتف الجد مناديا شهاب بقوة:
- شهاب...
وقف شهاب على أولى درجات السلّم الداخلي المؤدي للطابق الأعلى والتفت ليرى جده وقد وقف شامخا على عتبة غرفة الجلوس واكتفى بأن أشار له بأن يتابعه، لينظر شهاب الى الأعلى بيأس قبل أن يطيع أمر جده!!!..
وقف شهاب أمام الجد الذي جلس يتفحصه في صمت، في حين هتفت الجدة وهي تضرب على صدرها شاهقة بصدمة:
- يا حِزنيْ!!.. عريس لسلافة!!!!.. وهيّ وافجت؟!!!... وغيث عامل إيه دلوك؟..
شهاب بزفرة يأس:
- على آخره طبعا، ومصمم يسافر مصر حالا ومش هيرجع إلا بيها يا إما.....
وسكت، ليتحدث الجد معلقا للمرة الأولى على ما سمعه منه:
- إما إيه يا والاديْ...
شهاب وهو يزدرد ريقه في صعوبة:
- يا أما يشرب من دم عريس الغفلة !!!!
لتشهق الجدة وتولول هاتفة:
- إلجني يا حاج... والاديْ عيضيّع نفسيه....
نهض الجد وقال لشهاب بحزم شديد:
- نادم خوك وخلّيه ييجيني داري...
ثم التفت الى فاطمة مردفا:
- ما عاوزشي حد يجاطعنا واصل...
انصرف شهاب من فوره لتنفيذ أمر الجد فيما أومأت الجدة بالايجاب وهي تدعو الله أن يلهم الحاج الحل الصحيح....
طرقات على الباب أتبعها أمر بالدخول، دلف غيث مدفوعا بيد شهاب، نظر الجد اليهما ليقول لشهاب آمرا بينما عيناه مسلطتان على غيث:
- اخرج انت يا شهاب، بس خليك أجريّب منينا...
أغلق شهاب الباب خلفه، نهض الجد ووقف أمام غيث الذي كان يتحكم في نفسه بصعوبة، وقف الجد أمامه وقال بهدوء حازم:
- عاجبك اللي واصّلاكْ ليه اجنانك يا غيث؟..
هتف غيث:
- يا جديْ...
ليقاطعه الجد بقوة:
- عتجول إيه؟.. جولتلك واترجيتك ما تسماعشي حديتها، هي في الاول والاخر معذوره لمن شافت أمها وأمك طابجه في رجبيها مش رايده تفوتها واصل، لكن انت عذرك إيه؟...
هم غيث بالكلام ليقاطعه الجد ثانية وصوته قد بدأ في الارتفاع:
- إيه.. عتجولي عشانك شوفتها او هي ابتضروب أمك؟... عجولك برضيك اغلطت.. أول هام أني جولتلك الموضوع مش كيف ما انت فاهم وما صدجتنيش... تاني هام بت عمك ماهيش مجنونة عشان تطبج في زمارة رجبة امك إكده من الباب للطاج.. ما استنيتش تتوكد ليه؟..
غيث بزمجرة خفيفة:
- يا جدي حط نفسك موطرحي، أمي وبتنضرب وبيدعي عليها بالموت، وجبليها كانت ابتضربها وأني دخلت أحوش عنيها، واحد غيري في موطرحي يومها كان مسك ماراته وفين يوجعك.. لكن أني ماعْمِلتِشْ إكده... ليه كلاتكم بتجيبوا الحاج عليّا أني... ولمّن عرفت الحجيجة ما كونتش رايد أطلجها هي اللي أصرّت وانت اللي صممت يا جدّي، ولسّاتني برضك اني بس الغلطان؟..
الجد بقوة وحزم:
- إيوه يا غيث.. عشان انت الراجل!.. ربنا عطاك حج الجوامة.. وخلّا الطلاج في يَد الراجل عشان هو اللي بيحكّم عجله أكتر من الحرمة ماليوون مرة... لو ع الحريم عتلاجيها عتطلّج نفسيها في اليوم ولا سابعين مرّه.. انت ما عطيتش النفسك فرصة تهدى يا غيث، وبعدين ديه ذنبهم وأني كنت بكفّر عنّيه!!..
قطب غيث وتساءل:
- ذنب؟.. ذنب إيه يا جدي؟..
الجد بجدية:
- أني اللي جبرتهم على الجواز بسرعه.. لو عنيهم ما كانوشي رايدين ايكون بالسرعه ديْ... حبيت أخلي لهم فرصة انهم ايفكروا تاني من غير ما يحسوا بأي ضغط منينا عليهم، والحمد لله شهاب خوك جدر ايصالح سلمى ويرجعها، شهاب اللي اني كنت خايف منِّيه طلع أنصح وأوعى منك انت يا غيث!!...
قال غيث متبرما:
- خابار أيه يا جدي؟.. انت ليه امحسسني أني كل حاجه بعملها بتبجى غلط؟..
الجد بحزم:
- لان كل حاجه فعلا ابتعملها يا غيث غلط!!.. تجدر تجولي ما سافارتش ليه لبت عمك ولا مرة من يوم ما اتطلجتوا؟...
غيث بجدية:
- أني سايب لها الوجت اللي هيا رايداه لحدت ما تهدى او ترتاح يا جدي، لكن واضح اكده انه الوجت ديه طوّل.. ولازمن أرجع لها عجلها... بالغصب بالزوج عيرجع لها يعني عيرجع لها...
الجد بأمر:
- بلمهاوده يا ولديْ.. لبنيّه لسّاتها اصغار وعاوزة لمهاوده.. عاملها بحنيتك اللي خاليتها توافج عليك في لوّل.. نسيها ابحنانك جسوتك عاليها!!..
سكت غيث قليلا ثم افترشت ابتسامة واسعة وجهه وقال وهو يتجه ناحية جده يقبل كتفه ويده:
- عيوحصول يا جدي، بأمر الله عيوحصول.. وما راجعشي غير وماراتي اف يديْ..
وخرج من فوره فيما ارتسمت ابتسامة كبيرة وجه الجد!!..
*******************************************************************
كانت ترتب أوراقها وأغلقت حاسوبها الشخصي حينما دلفت اليها زميلتها تقى التي قالت لها:
- سلافة انتي خلصتي؟....
رفعت سلافة رأسها وأجابتها بابتسامة:
- أيوه يا ستي الحمد لله، خلصت شغل، ماشيه، ليه عاوزة حاجه؟...
تقى بقنوط:
- أصلي كنت عاوزة أروح مشوار بس بسلامته مشي، ما رضيش يستناني، وقالي اتصرفي انتي لما اتأخرت!!..
ضحكت سلافة وقالت:
- الندالة ليها ناسها بردو.. معلهش يا توتو بس هو اللي جاب الكلام لنفسه!!..
تقى وهي تشيح بيدها:
- عارفى يا ستي.. طيب أعمل إيه دلوقتي؟..
سلافة بهدوء وابتسامة:
- أنا هسبقك وانتي لمّي حاجتك وحصليني، هاخدك في طريقي وأمري لله..
هتفت تقى بحبور:
- تسلميلي يا سولي، دقايق وأكون عندك..
هتفت سلافة من خلفها:
- هتلاقيني قودام باب الشركة، على ما تحصليني أكون طلعت العربية من الجراج..
ركنت سلافة السيارة أمام باب الشركة الرئيسي، كانت تنظر في ساعة معصمها حينما استرعى انتباهها صوت طرقات على النافذة المجاورة لها فرفعت رأسها لتبسم في وجه الطارق فتسارع بفتح النافذة وهي تهتف بحبور:
- أهلا سامي.. ايه اللي مأخرك كل دا؟.. انت كمان كان عندك شغل متأخر؟!!!...
سامي بحزن مفتعل:
- لا.. بس حبيبتي كان عندها شغل وانا مقدرش أمشي من غير ما أسلم عليها...
ضحكت سلافة وقالت:
- كلك زوق والله يا سامي..
ثم تفتح الباب وتترجل من السيارة وهي تحاول التطلع الى الداخل هاتفة بنزق:
- راحت فين دي؟.. قالت لي دقايق مش ساعات!!!..
سامي بتقطيبة خفيفة:
- هي مين دي يا سولي؟..
سلافة بزفرة ضيق:
- الست تقى هانم... وراها مشوار وقلت آخدها في طريقي انما شكلها هتعطلني...
مال عليها سامي وهمس بتوسل مصطنع:
- طيب ما تاخديني انا كمان... العربية حضرتك عملتها معايا وانا طالع بيها من الجراج وتقريبا البطارية نامت وبتشخّر كمان!!!...
أطلقت سلافة ضحكة رقراقة وقالت:
- ارمي عليها شوية مايه وهي هتفوق!!!...
ليهتف صوتا عال بجوارهما:
- دا أني اللي عرميك اف نار جهنم الحمرا لو ما مشيتش من اهنه الساعاه ديْ!!!!!
لتفتح سلافة عينيها واسعا وتهتف بذهول وهي تحدق في وجه صاحب الصوت الغاضب:
- غيث!!!!!!!..
تقدم اليها غيث وقبض على رسغها بقوة هاتفا:
- إيوه غيث!!!...
قاطعه سامي فيما كانت تحاول التملّص من قبضته:
- لو سمحت يا أستاذ غيث، التفاهم مش بالشكل دا!!!...
هدر فيه غيث وهو يشدد من قبضته على معصم سلافة فتأكدت أنه سيحمل ألوان الطيف السبعة في الغد:
- ماليكش صالح بينا، واحد وماراته ايه اللي دخّلك؟.. ثم... مش انت سامي الي حوضر فرحنا ولا أني غلطان؟....
سامي بحدة:
- لا مش غلطان... ولو سمحت بقه سيب سلافة ما ينفعش كدا في الشارع.. وبعدين ايه حكاية جوزها دي انت مش طلقتها خلاص؟!!!!..
لليطالعه غيث ببرود قائلا بعد هنيهة صمت:
- آه صحيح... اتصدّج انسيت....
لتنطلق قبضة يده الأخرى تلكم أنف سامي ليصرخ الأخير وقد سمع صوت قرقعة عظمة أنفه ثم اندفاع نافورة من الدماء من أنفه لتصرخ سلافة التي حاولت جذب يدها من قبضته:
- انت عملت ايه؟...
ولكنه سارع بسحبها وراؤه متجاوزا سيارتها الى أخرى ذات دفع رباعي سوداء كبيرة حيث ألقى بها الى الداخل موصدا الباب بعدها ثم التفت الى مقعد السائق قبل أن ينطلق في سرعة جنونية!!!!!!!!!!!!!!!
أوقف السيارة في منطقة مظلمة ونظر اليها آمرا:
- انزليْ!!!!...
لم تجبه وزمّت فمها غضبا وهي مصممة على عدم النظر اليه، فكرر أمره مشددا على حروفه:
- عجولي أنزلي بالزووج!!!..
لترميه بنظرة نارية من ليل عينيها البهيم اللتان اشتاق اليهما بقوة، ولكن قبلا لا بد أن يعلمها درسا قاسيا.. فعلاقتهما خط أحمر غير مسموح لها بالاقتراب أو العبث بها!!!...
هدر بعنف أثار فزعها وجعلها تقفز في مكانها:
- جولت إنزلي.....
لتسارع بفتح الباب والترجل من السيارة وتفاجأ بوقوفه أمامها، فقطبت ناظرة اليه بحدة وغضب، أمسك بمرفقها وهو يدفعها أمامه لتسير باتجاه معين، وقف بعد خطوتين وحاولت استيضاح المنطقة حولها، فلم ترى أي معالم لأي حياة بالجوار، شهقت وهي تراه يسحبها بشدة ويدفعها الى الداخل بقوة صافعا الباب بعنف خلفهما، وقفت تلهث بقوة بينما قلبها يطرق بين جنباتها في خوف وفزع، ما أن أغلق غيث الباب خلفهما حتى ساد الظلام ثانية فالشمس قد غابت تماما، ولم تكن قد انتبهت بعد الى المكان الذي يتواجدان به، وان كانت قد خمنت أنه منزل بمنطقة نائية، صوت مفتاح الكهرباء نبهها لينتشر الضوء بالمكان فتغلق عينيها لثوان ثم تفتحهما ثانية، ناظرة حولها، لتفاجأ بردهة منزل واسعة مؤثثة بالكامل، ثم وقعت عيناها عليه، راقبته وهو يتقدم ناحيتها بخطى بطيئة فتراجعت الى الخلف وهي ترفع سبابتها اليه محذرة:
- إنت جايبني هنا ليه يا غيث؟.. جايبني هنا ليه؟...
ليسارع باعتقال خصرها بذراعيه فجأة فتشهق بقوة وعمق في حين رفعها أمامه ليكون وجهها على مستوى وجهه وهو يقول بابتسامة ثعلب ماكر:
- ديه بيتك يا..... عرووووسه!!!!!..
قطبت سلافة وهي تردد بحيرة وخوف بينما يكاد قلبها أن تتوقف دقاته من معنى نظرات غيث الماكرة:
- يعني... يعني إيه؟....
غيث بابتسامة صيّاد نجح في أسر فريسته وهو يحكم قبضته على خصرها بقوة آلمتها ولكنها أطبقت شفتيها حتى لا تصدر تأوها:
- يعني الليلة.. الدخلة... اني همّلتك الوجت اللي انت رايداه.. واعمل تلك اللي انتي عاوزاه.. ودلوك جه الوجت اللي أعمل أني اللأي أني عاوزُهْ!....
وارتفعت ذراعاه ليضمانها بقوة كالكلّاب فيما توسعت حدقتاها ذعرا وهتفت برعب شديد:
- وايه... اللي انت عاوزه؟!!!!!!!!
ليميل عليها ممكشر أنيابه في ابتسامة ظفر كبيرة:
- رايدك أنتي يا بت عمي!!!!!!!!
ما أن وصلها معنى عبارته حتى فتحت فمها لتصرخ عاليا عندما بلع صرختها لتردد بداخل جوفه فيما أخذت تنتفض بذعر كحمامة تم وقعها بين براثن نسر جامح، ولكن لم يكن ليتركها غيث قبل أن يوسمها باسمه.... فتلك الجنية الصغيرة قد أسرت قلبه بقيد حديدي... وحان الوقت ليوشمها هو... بوشمه الناري!!!!!!!!!!!
الحلقة التاسعة و الثلاثون
كبير العيلة (منى لطفي)
أخذت ألفت تسير جيئة وذهابا والقلق ينهشها على صغيرتها بينما كان رؤوف يحاول الاتصال بها على هاتفها الشخصي للمرة العشرين، أغلق الهاتف وهو يتأفف حنقا:
- أووف... بردو مغلق!!!... ، نظرت اليه ألفت وقالت بصوت مرتجف خائف:
- وبعدين يا روؤف؟.. سلافة المفروض كانت هنا من تلات ساعات، الساعة داخله على 9 بالليل، هنعمل إيه؟...
رؤوف بنزق:
- أنا مش فاهم لازمته إيه الموبايل بتاعها طالما مقفول؟.. هي سلافة كدا على طول بتنسى تشحنه، أعمل إيه بس يا ربي؟!!!!..
ليقاطعه صوت رنين هاتف المنزل ليسارع بالاجابة تلحقه ألفت التي أسندت رأسها الى كتفه لعلها تسمع ما يطمئن قلبها على صغيرتها، ولكنها لم تستطع سماع شيء وبدلا من ذلك فوجئن برؤوف وهو يهتف بعد أن رحب بالمتصل:
- انت بتقول إيه يا سامي يا بني؟... وما كلمتناش من بدري ليه؟.. على ما عرفت تجيب نمرة البيت عندنا، آه.. لا لا لا اطمن، أكيد هنطمنك، لا لا لا ما تقولش لحد حاجة....
نظرت اليه ألفت بتساؤل وقلق ليردف وهو يطالعها بأسى لتقابل نظراته بأخرى مصدومة:
- مهما كان دا ابن عمها.. غيث عمره ما هيأذيها!!!!1
لتشهق ألفت في هلع وتهمس بصوت مخنوق فيما أغلق رؤوف الهاتف:
- غيث!!!... غيث عمل إيه يا رؤوف؟..
رؤوف بصوت منهك:
- غيث تقريبا.. خطف سلافة!!!!!!!!
لتصيح ألفت عاليا وهي تخبط على رأسها:
- بنتي!!!!!!!!.... ، ثم أسرعت أليه تمسك بمقدمة قميصه وهي تتوسله بقلب أم يكاد الخوف والقلق يقتلانه على صغيرتها:
- غيث هيعمل إيه في بنتي يا روؤف؟.. عاوز منها إيه تاني؟.. مش كفاية اللي جرالها؟.. هو مش طلقها وخلاص؟!!!!!!
قبض رؤوف على يديها المتشبثتين بمقدمة ثيابه وهو يهتف بقوة:
- اهدي يا ألفت اهدي، غيث مهما كان ابن عمها وراجل، عمره ما هيعمل فيها حاجة وحشة، عموما ما تقلقيش أنا هعرف أوصل له ازاي...
بعد ما يقرب المحاولة العشر للوصول الى غيث ليمنّى رؤوف بالفشل كسابق محاولاته نظر الى ألفت وهو يقول بتصميم:
- ما بدهاش بقه...
ليضرب بضعة أرقام في هاتفه وينتظر قليلا قبل أن يتحدث بجدية بالغة قائلا:
- أيوة يا شهاب يا بني... ، رفعت ألفت عينيها أليه ترمقه بنظرات متلهفة فيما أردف:
- الحمد لله يا بني، انت ازيك وازي سلمى والحاج والحاجة وأبوك عامل إيه؟.. بص يا شهاب.. انا يا بني ما كنتش عاوز أقلقكم لكن للأسف أخوك قفلها خالص!!!
على الطرف الآخر من الهاتف كان شهاب يجيب مقطبا بينما حوله سلمى والجدة و.. الجد:
- غيث!!!!.. غيث عمل ايه يا عمي؟...
ما ان طرق اسم غيث سمع سلمى حتى نظرت الى شهاب في قلق وريبة، بينما قطب الجد فيما أكمل شهاب في ذهول وصدمة:
- ايه يا عمي؟.. معقول؟!!!.. خطـ... خطف سلافة!!!!!!!!!!!!!
لتشهق سلمى عاليا وتسارع بكتم شهقتها بينما نظرت الجدة الى شهاب في ذهول فيما أطلق الجد لعنة مكتومة من بين شفتيه بينما تابع شهاب بتأكيد:
- لا لا لا يا عمي، ما تقلقش حضرتك، انا هجيبوه من تحت الأرض.... اطمن حضرتك وطمن مرات عمي، في أمان الله يا عمي، يوصل ان شاء الله كلهم بخير وبيسلموا على حضرتك...
ما أن أنهى شهاب المحادثة الهاتفية حتى أسرعت سلمى اليه هاتفة وعينيها مليئتان بالدموع:
- شهاب.. غيث خطف سلافة يا شهاب؟... معقول!!.. احنا فين هنا؟!!.. بقه أنا اللي كنت عاوزاهم يتصالحوا يعمل كدا؟!!.. أيه فاكرها معزة يجرها وراه مطرح ما هو عاوز؟!!!!!!!!
قال شهاب في محاولة منه لتهدئة روع سلمى:
- اهدي يا حبيبتي، انتي عارفة غيث لا يمكن يأذيها!!..
سلمى بذعر وهي تطالع شهاب:
- دا لو في حالته الطبيعية، انما مش واحد عرف ان مراته وافقت على غيره، لو انت مكانه كنت عملت إيه؟..
شهاب باندفاع:
- كنت هدّيه درس أحرّمه يبص لها بطرف عين حتى!!!... ، سلمى بجمود وهي تطالعه بنظرات مرعوبة مما حدث لشقيقتها الوحيدة:
- وهي؟.. ، شهاب بتلقائية مندفعة:
- كنت ربيتها من أول وجديد وورِّيتها وش تاني خالص عمرها ما شافته قبل كداولا ييجي في بالها انها تشوفه!!!!!!!!!!....
ليصمت فجأة وهو يراها تنظر اليه بخوف ممتزج برعب قبل أن تقول بأسى:
- عرفت بقه أنا مرعوبة ليه؟!!!!!!!!..
صوت عال صدح آمرا:
- ممكن أعرِف ايه اللي بيجرا من ورايْ؟...
نظر شهاب الى جده وهو يزفر بانعدام حيلة قائلا:
- هقول لحضرتك كل حاجة يا حاج.....
صاح الجد بذهول بعد انتهاء شهاب وسلمى من سرد ما استجد من أحداث بين سلافة وغيث:
- بجاه ديه كلّأته يوحصل وما حدش فيكوم يّفكِّر انه يجول؟...
شهاب بضيق:
- يا جدي احنا نعرف منين انه الامور هتوصل لكدا؟.. بصراحه انا قلت انه آخرها هيقولها كلمتين ويمكن جدا يتصالحوا ما جاش في دماغي خالص انه ممكن يخطفها!!!!!!!!!
الجد بحزم لا يقبل النقاش وهو يشير بقاعدة عصاه الى شهاب فيما الجدة تدعو في سرّها ألا يطيل غيث غضب الجد فهو ان غضب كان كالاعصار الذي يقتلع الاخضر واليابس في طريقه:
- كلّم بوك خاليّه ياجي دلوك، وكالّم المعدول خوك وهاتَهْ..
هاتف شهاب والده والذي كان بالديوان منكب على العمل لعله ينسى ما كان من أمره زوجه، وأبلغه برغبة الحاج في رؤيته فأخبره انه في الطريق اليه، بينما حاول مكالمة غيث أكثر من مرة على هاتفه المحمول ولكنه ما يزال مغلقا، فزفر بحنق بينما هتف فيه الجد بقوة:
- انت وكيد عارف هو ممكن يكون راح فين، كلّمه دلوك... ياللا يا شهاب وجوله اللي هجولك عليه وبالحرف الواحد...
نفخ شهاب بضيق، هو مكان واحد شبه متأكد ان غيث قد قصده، ذلك المنزل الذي ابتاعه غيث مؤخرا في منطقة سكنية هادئة في أطراف القاهرة، ووقتها ظن أنه ينوي الانتقال للعيش هناك رغبة منه في مصالحة سلافة، حمد الله انه كان موجودا وقت توقيع عقد شراء المنزل حيث دوّن رقم هاتفه الأرضي، سارع بالاتصال لينطلق رنينا طويلا من الطرف الآخر ولم يجبه سوى السكوت!! ، حاول مرة بعد أخرى حتى فُتح الخط بعد المحاولة الخامسة، قطب شهاب وهو يقول:
- آلو.. غيث!!! ، صوت لهاث حاد وزفير كان الجواب من الطرف الآخر، ألح شهاب قائلا:
- غيث... انت معايا؟!!!!..
ليجيبه صوت مشروخ أجش لم يتعرف عليه في البداية:
- إيوه يا شهاب...
قطب شهاب وتساءل:
- غيث؟.. صوتك ماله؟....
غيث بجمود:
- مالوشي، انت عورفت النمرة اهنه منين؟..
شهاب متجاهلا سؤاله:
- مش دا المهم دلوقتي؟.. غيث عاوزك تسمعني كويس أوي.. انت وسلافة لازم ترجعوا وبسرعة!!!
وكأنه قد ألقى عودا من الثقاب المشتعل وسط كومة من القش، فقد زأر غيث عاليا لتتهاوى قشرة بروده الواهية وهو يهتف بشراسة:
- على جثّتي يا شهاب!!... سلافة ماراتيْ.. سامع؟.. جول لهم كلاتهم.. سلافة مارات غيث وما عفوتهاشي واصل.... أني.. راديتها يا شهاب...
ليحدق شهاب واسعا وهو يكرر بصوت مسموع كالببغاء:
- إيه؟.. راديتها!!!!!!!!!!...
لينتبه الى صوته الذي سمعه الجميع فقد شهقت سلمى في صدمة وذهول فيما هتفت الجدة" يا رب ساترك"...، بينما أمره الجد بعينين صارمتين وهو يشير اليه بأسفل عصاه:
- جولُّوه.... ، تنحنح شهاب وقال وصوته المصدوم مما أخبره غيث في التوّ كفيل باقناع الأخير بما سيلقيه اليه من أخبار:
- غيث.. انتو لازم ترجعوا، جدك لما عمك رؤوف كلمه وقاله انه سلافة لسه ما رجعتش وزمايلها بيقولوا انها اتخطفت وقع من طوله خصوصا انه مش مصدق انك تعمل كدا، بصراحه سلمى معاهد لوقتي وضغطه عالي جدا لدرجة انها مصرة تنقله المستشفى المركزي في قنا وهو اللي رافض!!!!!!...
ليهتف غيث في صدمة:
- جدِّيْ!!!!!! ... ، ولم يلبث غيث أن قرر خطوته القادمة اذ هتف بدون لحظة تفكير اضافية:
- احنا جايين يا شهاب مسافة السكة، طمّن جدي وخلي بالك منه لغاية ما نيجي...
أنهى شهاب المكالمة ونظر الى الجد الجالس أمامه في قوة وشموخ قائلا بخفوت:
- هاييجي يا جدي...
الجد في حزم:
- كالّم عمك رؤوف وعرّفه انهم هاييجوا اهنه.. خالّه ايجيب ماراتَه وياجي هوّ كومان...
هتف عثمان في حنق شديد والذي كان قد حضر بناءا على رغبة والده الذي شرح له في بضع كلمات بسيطة ما فعله ولده:
- بس لمّن عيني تجع عليك يا غيث، بجاه انت تِعمل إكده في بت عمّك؟...
نهرته الجدة والتي لم تستسغ هجوم الجميع على حفيدها المفضل خاصة بعدما عرفته من رغبة آخر في الارتباط بسلافة وموافقة الأخيرة:
- واه.. خابار إيه يا عتمان يا وَلَدِيْ... انت ناسيت انها ماراته كومان؟.. كيف اتوافج على غيراه ما فهمهاشي ديْ؟.. اتجننت سلافة؟.. غيث وجلبه موجوع يا نضري كان يّتصرِّف كيف وهو شايف ماراته عتكون حلال واحد تانيْ؟.. انما عجول ايه كلَّه من بوز الاخص اللي اسمها راوية داهية لا تعودها!!!!!..
هتف الجد بغلظة:
- فاطنه!!!!!! ، لتنتبه فاطمة الى نظرات شهاب الواجمة وجمود نظرات عثمان فقالت وهي تتأفف:
- ما تواخزنيشي يا شهاب يا وَلَديْ.. لكن أمك عِملت كاتييير جووي، وأذيت ناس ياما... ربنا يسامحها بجاه عجول إيه؟...
ليصدح صوتا ناعما يقول بحزن بالغ:
- ولا حاجة يا جدتي، ادعي لها بالرحمة والشفا...
التفت الجميع صوب الصوت وكانت سلمى أول من تحرك ناحيته هاتفة وهي ترحب بالقادمين:
- سلسبيل... ، عانقتها سلمى، فيما مال الليث مقبلا يد الجد والجدة، قالت سلسبيل بصوت يقطر حزنا بعد ان ابتعدت عن ذراعي سلمى:
- أني عارفا عان أمي غّلطت في حجّكوم كتير وخصوصي في حج سلافة.. اني مش عارفة أجولكم إيه لكن....
لتسارع سلمى بمقاطعتها بابتسامة:
- ما فيش لكن يا سلسبيل، احنا أهل، وربنا بيجازي كل واحد على أد عمله، تعالي اقعدي انت شكلك تعبان...
قال الليث والذي شعر بنغزة عميقة في اعماق فؤاده لدموع سلسبيل المترقرقة:
- غُلبت فيها يا دكتووورة انها تاخد بالها من صحّتها لكن راسها يابس، معتسمعشي الحديت واصل...
سلمى بفكاهة لاضفاء روح المرح الى المكان:
- دماغ صعيدي بقه تقول أيه؟...
لتبتسم الوجوه فيما تظل القلوب تخفق قلقا على الغائبين!!!!!!!!!!...
*********************************************************************
كانت تجلس على الصوفا في تلك الغرفة التي حبسها فيها غيث، عيناها شاردة في الفراغ أمامها، بينما دموع صامتة تنساب على حرير بشرتها وهي لا تكلف عناء نفسها ان ترفع يدها لتمسحها، بل تركتها قاصدة علّها تطهر قلبها من تلك الأوجاع التي تكالبت عليه، ربّاه أنها لا تصدق أن هذا هو.. غيثها!!!... نعم، مهما حدث بينهما ومهما ابتعدا كان وسيظل غيثها، هل تراها دفعته أكثر من اللازم؟.. هل هي فعلا المخطئة؟.. ألم يكن هو من تركها ورماها بأبخس ثمن؟.. ألم يكن هو من ظلمها ولم يهتم بالتأكد من افتراءات الحيزبون والدته قبل أن يرميها برصاصته النافذة التي ما ان انطلقت من فمه حتى نفذت الى عمق قلبها فيما دويّها كاد يصم آذانها وصوته يتردد في أذنها " طالق.. طالق.. طالق!!!!"....، ربّاه!!!... أي امتهان لأنوثتها وكرامتها أقسى من ذلك؟... وبعد هذا كله يجرؤ على أن يصرخ في وجهها ناعتا إياها بـ... الخاائنة!!!.. هي خانته؟.. ولما؟... ألأنها رفضت أن تدور في فلكه وآثرت النجاة بكرامتها وحبّها عوضا عن التمرّغ بإذلال أسفل قدميه؟... هل هذا هو ما يريده منها؟.. أن تنصاع صاغرة إليه تستجدي حبه لها؟... لا.... اللعنة!!... ليست سلافة من تنحني لغير بارئها، وإن كان يملك قلبها فهنيئا له به فخير لها أن تعيش بلا قلب على أن تحيا بلا كرامة!!!!!....
رفعت أناملا مرتعشة تتحسس شفتيها المتورمتين، تكتم شهقة ألم عميقة، هل يعتقد أنه هكذا قد وسمها باسمه؟... هل هكذا وضع صك ملكيته لها كما همس لها بقسوة بعد أن اعتصرهما بوحشية أدمتهما وكأنه يعاقبهما على نطقهما بكلمة نعم للارتباط بسواه!!!!...، إن كان يعتقد أنه بهذا الشكل قد نجح في دحض مقاومتها والحصول عليها إذن فستكون أكثر من سعيدة لتبيّن له أنه ليس هناك من يستطيع أن ينال سوى ما تريد هي منحه إيّاه!!!!..
أنهى المحادثة الهاتفية مع توأمه، وهو يعتصر الهاتف في يده يكتم لعنة كادت تخرج من فمه، لم يكن يريد العودة معها الآن، هو لم يقم بأي خطأ حينما قرر استعادة ما هو له، وسلافة حقه... ورغما عن أنف الجميع بل أنفها هي نفسها!!!... أتعتقد أنه ستنازل عنها بهذه السهولة؟... وهل يُعقل أن ينتزع روحه من بين حناياه بيديه ويلقي به بعيدا؟!!!... نعم... سلافة هي قلب هذا الجسد النابض، هي من تملكه ليس هو!!!... ونعم أيضا... كاد أن يفتك بها، بل إنه قد فتك فعليّا بذلك الثغر الذي لا يزال يحمل مذاقه بين شفتيه، تلك الشفاه التي تجرأت على القبول بآخر!!!!!!... ، لكم اليد الخشبية للمقعد حيث يجلس متغاض عن الألم الذي شعر به بينما يتصاعد ألم من نوع آخر بداخله، لا... انه ليس بألم... بل مرارة وحنق ورغبة واضحة وشديدة في القتل!!!!... نعم القتل!!... سيعيد شريعة الغاب ثانية إن تطاول أيّا كان على سلافته ثانية ولو بالنظر فقط، وحق السماء.. كلما تذكر أن آخر قد نظر اليها واشتهاها كزوجة له حتى تندلع النيران بداخله حتى تكاد تخرج من أنفه وأذنيه على حد سواء!!!....
لم يستطع الجلوس فنهض ينهب الأرض من تحته ذهابا وإيابا، بينما يضرب بقبضته اليمنى راحته اليسرى وصوت بكاءها يتردد في آذانه وطعم دمائها لا يزال مذاقه في فمه!!..، نعم.. وحدها دموعها ودماء شفتيها اللتان أدماهما في عناقه المتملك الوحشي ما جعلاه يفيق مما أوشك على القيام به، لا تزال صورتها وهو يدفعها بعيدا عنه بينما تطالعه بعينيها النجلاوين في ذهول وصدمة ترتسم أمام عينيه...
مرر أصابعه بين خصلات شعره السوداء كالليل البهيم وهو يتذكر كلماته التي ألقاها في وجهها المصدوم، إذ وقف أمامها يلهث محاولا التقاط أنفاسه الهاربة هامسا ببرود شرس يناقض ذلك البركان الذي تفجر بداخله ما ان شعر بطراوة شفتيها بين شفتيه:
- اوعاكي تفتكري اني هجبرك على حاجه، لاه... مش أني اللي أفرض نفسي على حرمة حتى لو كات الحرمة ديْ... حلالي... ماراتي...
توسعت عيناها وهي تسمعه ينطق بكلماته تلك التي تعني..... ، وكأنه سمعها ليردف بشماتة بينما عيناه تلمعان بظفر وحشي:
- إيوه يا سلافه... أني راديتك لعصمتيْ... انتي دلوك ماراتيْ... طلاجنا كان رجعي يعني ليا الحاج اني أرجعك في أي وجت من العدة... ولو بالقول، وأني رجعتك يا سلافة.. وابجي ورِّيني بجاه عتجدري تهربي منّي كيف؟...
ليزيحها جانبا بقسوة ويندفع خارجا صافقا الباب خلفه بقوة ليوصده بعدها بالمفتاح حتى يتأكد أنها لن تهرب منه، فسلافة لن تخطو خطوة واحدة بعيدا عنه!!!!!!!!!!....
كان شاردا في البعيد حينما لاحظ خيال يقف بعيدا عنه، قطب ونظر جيدا في اتجاهه، لتتوسع حدقتاه فيما ذلك الخيال يتقدم أقرب اليه ليتضح صاحبه بعد ذلك والذي لم يكن سوى.... سلافة!!!!!!!..
طالعها بذهول هامسا وهو يخطو ناحيتها:
- انتيْ... انتي جيتي كيف؟... أني غالج عليكي الباب بالمفتاح، والمفتاح في جيبتيْ اهنه..
وأخرج المفتاح من جيب قميصه أمامها، نظرت اليه سلافة وهي تحاول تمالك أعصابها ثم أِاحت عينيها بعيدا عنه قائلة ببرود ساخر:
- حتى لو قفلت عليّا 100 باب وشبّاك.. مش هتقدر تحبسني يا غيث!!!...
هدر فيها بعنف:
- جصدك ايه يا سلافة؟...
طالعته بينما غضبها منه يتصاعد بداخلها، لم تستطع الحفاظ على برودتها الزائفة، لتهمس بغضب مكتوم من بين أسنانها:
- انت عاوز ايه منّي بالظبط يا غيث؟....
سكت يطالعها بغموض فتابعت بينما قشرتها الخارجية التي اعتمدت البرودة تتصدع رويدا رويدا:
- طلقتني من أكتر من شهرين ومن وقتها ما شوفتك ولا أعرف عنك حاجة، فجأة كدا افتكرت انه لك زوجة مطلقها وعاوز ترجعها؟.. ايش معنى دلوقتي؟... ايه عشان عرفت انه اللعبة اللي كنت في ايدك غيرك عاوزها فاحلوّت في عينيك؟....
في خطوتين اثنين كان قد قطع المسافة التي تفصلهما ليجذبها اليه بذراعين كالكلّاب يعتصر خصرها بقوة آلمتها حتى كادت تطلق آهة قوية بينما تحدث بصوت كالفحيح من بين أسنانه:
- انطجيها تاني يا سلافة عشان يبجى أخر يوم في عمرك!!!!..
حاولت دفعه بعيدا عنها بقوة وهي تصيح غاضبة:
- انت عاوز مني إيه؟.....
ليصرخ بغضب أشد:
- عاوزك انتيْ!!.. عاوز ماراتيْ... حلالي.... ما عاوزشي حد يلمح طرفك واصل....
طالعته بنظرات تحمل مرارة وأسى وقالت بابتسامة حزينة ساخرة:
- من امتى يا غيث؟... من امتى وأنا مراتك وعاوزني؟... لو أنا فعلا مراتك وأفرق معاك ما كنتش فرّطت فيا من الأول يا غيث!!!!!
أرخى قبضته عن خصرها لتتنفس الصعداء فيما همس بمرارة مماثلة:
- انتي اللي طلبتيها يا سلافة... ما كوتش يتهيألي انك عتفكري فيها واصل!!!
سلافة بجمود:
- انت اللي صدقتها يا غيث، خليتني أحس اني ما اعرفكش، معقول غيث.. جوزي يصدق فيا كدا؟... أنا؟!!... انا ممكن أضحك أهرّج كبيري أتّريق.. لكن أمد ايدي وأضرب؟!!!..
سكتت لثوان ثم أردفت بضحكة صغيرة ساخرة فيما وقف أمامها يطالعها بغموض:
- لا وإيه... عاوزه أموّتها كدا من الباب للطاق!!!... بذمتك دا كلام يتضحك بيه على عقل عيال صغيرين؟....
أجاب ببرودة شديدة:
- أنتي من لوّل وانتي مش حبّاها يا سلافة، تنكري؟...
هزت كتفيها بلا مبالاة مجيبة ببرود:
- لا طبعا.... ، ما ان همّ بالكلام حتى قاطعته شاهرة سبابتها لأعلى مردفة بقوة:
- لكن هي كمان ما كانتش بتدوب فيا دوب!!!.. هي ما كانتش لا بتطيقني ولا بتطيق أختي ولا أمي يا غيث، ولا عندك اعتراض؟.. مين اللي كان رافض جوازنا من أساسه وقالت كدا قودام جدي نفسه.. مش هيّا؟... وتلقيح الكلام والبوز الشبرين سوا في الحنة ولا الفرح ولا في أي يوم عشته معاها في نفس البيت، أعتقد انك كنت المفروض توزن الأمور صح لكن للأسف... طلعت ماشي وراها!!!!!!!!!
هدر فيها غيث بعنف:
- سلافة حاسبي على كلامك!!!!...
هتفت سلافة بحنق:
- أنا خلاص جبت آخري بقه، انت إيه يا أخي... مش شايف انك غلطان خالص؟... أنا اللي عملت كل حاجه وانت الملاك بجناحين؟...
سكتت لتلتقط أنفاسها ثم أردفت بضيق:
- عارف يا غيث... أنا هريّحك.. أنا فعلا اللي ضربتها، وشتمتها، وكنت عاوزة أموّتها وأرتاح منها ومن شرّها.. ها ايه رأيك؟... ارتحت كدا؟... طمّن نفسك بقه وابعد عني، أنا فعلا واحدة شريرة وهي طيبة، ممكن بقه تنساني وتطلعني من نافوخك....
بكلمة وحيدة رد عليها:
- مجدرش!!!!...
قطبت وهي تكرر بتساؤل:
- مجادرش؟!!!!!... مجادرش على ايه بالظبط يا ابن عمي؟...
غيث وهو يتقرب اليها حتى وقف أمامها ينقل نظراته بين عينيها الاثنين بجدية تامة:
- مجدرش أخرجك من نافوخي، وماجدرش أسيبك..
بابتسامة كلها مرارة وأسى أجابت:
- بس انت قدرت يا غيث!!... انت سيبتني فعلا، طلقتني، ومن شهرين ونص معرفش عنك حاجة زي ما تكون ما صدقت!!!!
غيث بلهجة عتاب ولوم:
- وانتي طلبتيها يا سلافة؟...
سلافة وكادت دمعة تطفر من عينيها:
- وانت نفذتها يا غيث!!!!!..
غيث وهو يرفع يديه ليقبض على كتفيها برفق:
- انتي لمّن شوفتيها وهي... – وسكت وهو يجد صعوبة في التفوه بما هو قادم ولكنه أكمل بصعوبة بالغة – طابجه في رجبة مارات عمي حاسيتي بإيه وجتيها؟.. مش انك راديه اتموتيها ولا أنها تجرّب من أمك؟... ليه ما حاطتيشي نفسك موطرحي؟.. مرة أدخل عليكم وألاجيكي بتتعاركي امعاها وهي توصرخ وتجولي اراتك ابتضربني.. عاوزاني أتصرّف كييف؟... ولا لمن أسمعك بدِناتي التنيين وانتي بتصرخي فيها انك رايداه اتموت.... رايداني أجف وأسجف لك؟... لو كتِّي موطرحي يا سلافة.. كنت عتتصرفي كيف؟...
سلافة بانفعال ودموعها تنساب رغما عنها:
- ما كنتش هظلمك، كنت هستغرب مش هصدق!!!.. هسألك وأسمعك، يمكن ساعتها المنظر كان وأكيد هيضايقني لكن كنت لازم هسألك، انت ما سألتنيش يا غيث، انت صدقت وحاكمت وأدنت، نصّبت من نفسك القاضي والجلاد وأمك الضحية وأنا الجاني مع أني أنا المجني عليه!!!....
صاح غيث بيأس وهو يهزها:
- ما عاوزاشي تفهمي ليه؟... أني من سابع المستحيلات بالنسبة ليا ان امي اتكون جاصده انها تفرّج بيني وبين ماراتي، عمري ما اتوجعتها أبدا، أيون كت عارف انها مش رايداه الجواز هديْ سوا جوازتي ولا جوازة شهاب، لكن عمري ما اتخيّلت انها ممكن توصل لكْدِهْ!!!!
قالت سلافة بتعب:
- وأهي وصلت يا غيث، وخلاص... كل واحد فينا راح لحاله، والعدة قربت تخلص وترتاح مني خالص، تقدر تقولي عاوز مني ايه؟..
غيث بقوة:
- عجولها تاني وتالت ورابع... عاوز ماراتي!!!!
صاحت سلافة وهي تطالعه بتحد:
- بأمارة إيه يا غيث؟.. بقالنا أكتر من شهرين متطلقين حاولت مرة واحده فيهم انك تشوفني؟... انك تصالحني؟... حاولت تكلم بابا وتستسمحه؟... للأسف يا غيث، أسمع كلامك أصدقه أشوف أمورك أستعجب!!!!!!!
نظر اليها غيث بغموض ثم أنزل يديه وابتعد خطوتين الى الخلف وهو يقول:
- انتي فاكراه اني ابعادي دا كان بالساهل؟... اني لمّن بعدت كان غرضي أنك تهدي.. عشان تِعرفي تفكّري صوح، عمري ما اتوجعت انك مع اول واحد ياجيكي توافجي لاه وإيه... لساتك ما وافيتيّ عدّتِكْ!!!!!...
نظر اليها طويلا حتى اضطرت للاشاحة بعيدا عن عينيه، لا تعلم لما هذا الالم الذي ينخر قلبها، هو من تركها وتنازل عنها، هو من كذبها وصدق افتراءات تلك الحيزبون والدته، ولكن مهلاً.. لما هذه النظرات الحزينة التي يرمقها بها مختلطة بأسف واضح وخيبة أمل ظاهرة؟... وأردف يجيبها عن كل اتهاماتها التي رمتها بها في وجهه بعبارة واحدة.. نطقها بكل أسى، بكل مرارة، بكل حزن العالم المنبعث من عينيه ونبرات صوته، قال:
- انتي نزلت الشغل بعد طلاجنا بسبوعين ويوم بالتمام، نجلتي من الجسم اللي كتي ابتشتغلي فيه لجسم تاني عشان الكلام والحديت الماسخ اللي كتي بتسمعيه منيهوم يوماتي، ساعات شغلك من 9 ل 5 كل يوم الا الجمعه والجمعه اللي راحت كان عندك شغل تجفيل الشهر!!!!!!!!!
بُهتت، وقفت تطالعه بدهشة بالغة وقد نسيت القدرة عن الكلام حتى اذا ما تحدثت همست بصوت مشروخ مذهول:
- انت... انت عرفت كل دا منين؟.. ، أدار لها ظهره وأجابها بسخرية ومرارة:
- أني اعرف كل حاجه عِملتيها في المدة اللي فاتت ديه كلاتها، وحكاية سامي بيه عارفها لكن اللي ما كوتّش أعرفه انك هتوافجي عليه وانت لسّاتك على ذمتي يا .. بت عمي!!!...
وتركها وانصرف مغلقا الباب خلفه بهدوء بينما وقعت جالسة على المقعد وراءها وهي تهمس في صدمة:
- معقوله!!.. طب ازاي؟.. ازاي يا غيث وليه؟....
وانسابت دمعة صامتة خدشت بشرتها الحليبية وهي تطالع أثره الغارب!!!.....
كانت لا تزال في مكانها حينما اندفع للداخل بعد دقائق وما ان وقعت عيناها على وجهه حتى شعرت بانقباضة غريبة في قلبها، فنهضت واقفة وهي تتساءل بصوت خافت:
- فيه إيه يا غيث؟... وشّك ما يطمّنشي؟...
غيث وهو يهرب بعينيه بعيدا بينما وجهه لا ينبأ بشيء:
- جهزي نفسك.. عنسافروا البلد دلوك!!!..
قطبت وتقدمت منه وهي تتساءل بقلق وريبة:
- إيه؟.. هنسافر البلد دلوقتي؟...
كرر كلامه ثانية بزفرة ضيق فألحت في السؤال:
- طيب ليه؟...
نظر اليها بتطالعه عينان بلون الليل البهيم، زفر بيأس ثم قبض بيديه على كتفيها وهو يقول محاولا بث الطمأنينه الى قلبها:
- جدي بعافية اشوي وشهاب كلّمني!!!
شهقت برعب:
- لا جدي!!!!...
قال غيث بقوة:
- اهدي يا سلافة واطّمني، جدي عيبجى بخير ان شاء الله....
طالعته بنظرات طفلة خائفة وهتفت من بين دموعها المنسكبة:
- مش هقدر أستحمل يا غيث لو جدي جراله حاجة... مش هقدر، هموت يا غيث.. ها.......
ليسارع بكتم فمها ثم احتوائها بقوة بين ذراعيه وهو ينهرها زاجرا:
- اوعاكي تتحدتي إكده، ماعاوزشي أسمع منيكي الحديت العِفش ديه مرة تانيه!!!!... جدي عيكون بخير ان شاء الله....
طوقته تلقائيا بذراعيها دافنة نفسها أكثر اليه بدون أن تعي وهي تهتف بصدق جليّ:
- يا رب يا غيث يارب....
ولم تنتبه الى حالة من تضمه اليها وكأنها تستمد منه الحياة، ليدفن غيث رأسه في شعرها يتشمم رائحته بينما يهتف داخله بقوة مطالبا باشباع جوعه الشديد اليها، أغمض عينيه وهو يهتف بيأس بداخله:
- يعني ما لاجيتيشي غير دلوك يا سلافة؟!... عستحمل كييف أني دلوك؟... يخرب مطنّك...
أغمض عينيه بشدة يعتصرها أقرب اليه وهو يستاءل في داخله عن سبب جمالها المشع الذي يلاحظه، ليتآكله الغيظ من داخله، فبينما لم يكن يقرب الطعام الا لقيمات تقمن صلبه، وبينما خاصم النوم جفنيه، يجد أنها قد ازداد وزنها في المناطق المثيرة ليكتسب جسدها فتنة طاغية، بينما وجنتيها قد تلونتا بلون أحمر طبيعي وكأنها حمرة الصبايا!!!!!!!!!!!!...
**********************************************************************
دلفت سلافة ركضا الى الداخل ما ان أوقف غيث السايرة، وكانا قد قضيا الرحلة في صمت تام بعد عدة محاولات فاشلة من غيث لجعلها تبادله الحديث ولكن القلق كان قد مبلغ منتهاه لديها خاصة حينما هاتفت سلمى التي أكدت لها أن حالة الجد... حرجة!!!!!!!!!!
وقفت سلافة على عتبة باب غرفة الجلوس وما ان وقعت عيناها على والدها حتى هرب الدم من عروقها وأوشكت على السقوط مغشيّا عليها، اندفعت الى أحضان والدها الذي تلقفها بين ذراعيه وهي تهتف ببكاء حار:
- جدو يا بابا جدو....
لتسمع صوت حبيب اليها يقول بوضوح:
- أني إهنه يا حبة عين جدك....
حدقت في والدها بدهشة وتساؤل ليومأ برأسه مؤكدا لها ما سمعته، فيما صاح صوت آخر يهتف بذهول:
- جديّ!!!!!!!!!!
استدار الجد الى غيث المذهول، تقدم غيث الى الداخل ليقف أمام الجد يهتف بتساؤل ودهشة:
- انت.. انت بخير يا جدي؟.. اومال شهاب وسلمى....
سارعت سلافة بالارتماء بين أحضان جدها والذي احتواها بين ذراعيه بحنو قبل أن يرفع رأسه مجيبا غيث بقوة بينما ابتعدت عنه سلافة قليلا لتقف بجوار والدها:
- شهاب وسلمى وصابر الغفير اللي انت حدّته عشان يوكّد لك اني عيّان صوح ما جالوش غير اللي أمرتهوم بيه!!!!!!
قطب غيث بتساؤل:
- اللي أمرتهم بيه؟.. انت اللي خاليتهوم يجولوا إكده؟.. وليه؟...
تقدم شهاب منه وقال:
- اسمعني يا غيث...
ليقاطعهما صوت رؤوف قائلا بقوة:
- قبل أي حاجة... أنا للأسف اتغشيت فيك يا غيث، كنت فاكرك هتصون بنتي وتحافظ عليها، لكن طلعت أول واحد ظلمها وجار عليها... ليّا دين عندك ولازم توفّيه يا غيث؟...
قطب غيث وتقدم منه حتى وقف أمامه بينما تقف سلافة بينهما تنقل نظراتها بينهما بحيرة وترقب، تساءل غيث:
- دين؟.. دين إهي دي يا عمي؟!!!!!!!!!
ليرفع والدها يده عاليا ويهوى بها وسط صيحة سلافة، ولكن.... لتسقط الصفعة على يد سلافة التي رفعت يدها لتمسك بيد والدها فيما تقف حائلا بينه وبين غيث وهي تهتف باسم والدها عاليا:
- بابا!!!!!!!...
هدر فيها والدها بغضب:
- بعد دا كله وانتي بتدافعي عنه؟...
حاول غيث ازاحتها من أمامه هاتفا بغضب:
- بعّدي يا سلافة من اهنه... مالكيش صالح باللي بيوحصل، إذا كان عمي يرضيه يوضربني عشان أسد ديني اللي أني معرفوشي لحدت لوك فأنا رجبتي ليك يا عمي...
هتفت سلافة بلهفة:
- لا يا بابا... ما فتهمش غلط أرجوك... غيث ما عملش حاجة... أنا... أنا اللي روحت معاه برغبتي!!!!!!!!!!
لتسقط يد والدها فيما يطالعها بدهشة لا تقل عن ذهول غيث نفسه فيما الجميع يتساءلون"كيف؟"....
أجابت السؤال الصامت في أعين الجميع وهي تدعو الله أن يغفر لها كذبتها وأن تنطلي عليهم:
- احنا بعد ما بعدنا عن الشركة سألني اذا كنت أروح معاه ولا يرجعني البيت، وأنا اخترت أني أروح معاه!!!!.....
رؤوف بريبة:
- وما كلمتنيش ليه على الموبايل تقوليلي؟...
سلافة بلهفة لإقناعه:
- عشان كنت خايفه حضرتك ترفض، وكان لازم أحط حد للحكاية دي، لازم أعرف راسي من رجلي، أرجوك يا بابا تسامحني، أنا غلطت أنا عارفه لكن انا تعبت من الحالة اللي انا فيها، لا انا عارفة أنا متجوزة ولا متطلقة ولا آخرتها ايه أساسا...
رؤوف بخيبة أمل:
- تقومي تخبي عليا يا سلافة؟... ما عملتيش حساب قلقي عليكي أنا ومامتك؟..
انحنت على يده تقبلها وهي تبكي قائلة:
- أرجوك يا بابا سامحني، أنا كنت في حالة يأس عاوزة أرسالي على بر.. أنا تعبت تعبت...
ليرفعها أبوها ويحتويها بين أحضانه يهدهدها حتى خفت بكائها فقال لها بهدوء:
- ويا ترى قدرتي توصلي لحل يا سلافة؟....
ابتعدت عنه قليلا وأجابت بينما تطالعها الوجوه حولها بترقب وتعاطف:
- بصراحه يا بابا أنا تعبت... أنا....
كاد غيث أن ينتزعها من بين أحضان والدها ليزرعها بين أحضانه هو فهو وحده الأحق بتسكين آلامها، ليخرق شروده صوت والده قائلا:
- خلاص يا رؤوف يا خويْ... همّل لبنيّه دلوك.. خليها تطلعوا دارها اتريّح اشوي، روحي معاها يا سلمى انتى وسلسبيل...
لترافقها سلمى وسلسبيل فيما الليث وشهاب يتبادلان النظرات فيما بينهما حينا ويسترقان النظر الى الجد الصامت بغموض أحيانا!!!!!!!!...
قال الجد بحزم:
- غيث... تعالى رايدك.....
وسار الجد يتبعه غيث بينما قال شهاب بخفوت لليث الواقف بجانبه:
- تفتكر الحاج عبد الحميد هيعمل إيه في ابن عمك؟...
الليث بجدية تامة:
- عيعملوا امعاه الواجب وأكتر شويْ أكيييد!!!!!!!!!
--------------------------------------------------------------------------------------------
دلف الجد الى غرفته وأمر غيث أن يوصد الباب خلفه، وقف الجد يطالع غيث بنظرات غامضة قبل أن يشير اليه بالاقتراب ليقول بعد ذلك بسخرية شديدة:
- أني رايد أعرِف.. انت بتفهم من فين؟....
فتح غيث عيناه على وسعهما هاتفا:
- باه... عتجول إيه يا جدي؟...
الجد بحنق تام:
- بلا جدي بلا جدتي.. أني ياب ني انتِه مش جولتلك بالحنيّه؟... حنيّه... مش تور بينطح ولا جحش بيرفُس!!!!!!!!!
هتف غيث باعتراض:
- باه... خَبَار إيه يا جديْ!!!!!
الجد باستهجان تام وهو يدفعه في صدره بمقدمة عصاه العاجية:
- خَبارك متل وجهك!!!... تِعرف يا غيث.. أني خلاص حطيت يديني التنيين في الشّج منِّيك...
وقف مقطبا جبينه وهمس بحشرجة مختنقة:
- يعني ايه يا جدي؟...، هدر فيه الجد بعنف:
- يعني اني جولت لك بالحنان والمسايسة مش بالغصب يا ابن عتمان، انا هخرج لها دلوك وأسعلها.. لو مش رايداك صوح هترمي عليها اليمين يا غيث، وبائن كيف ما كانت رايده، لأنه خلاص لِعبتك انكشفت لمن جولت انك ردِّيتها لعصمتك من تاني، انت كت مكلجها طلاج راجعي مش كيف ما كانت عاوزه، أنما المرّ هديْ عتطلجها كيف ما تجول هي ولمن توفي عدتها لو العريس دوكها لساته رايده.. اني بنفسي اللي عحط يدي في يده ونجرا الفاتحه.. وابجى وريني هتمنعني كييييف يا ولد الخولي!!!!!!!!!!
وانصرف الجد من أمامه فيما يتابعه غيث بنظرات مذهولة قبل أن يركض خلفه هاتفا بقوة يترجاه أن يمنحه فرصة أخيرة، ليتمتم الجد من بين أسنانه في غيظ واضح:
- فرصة تانيّه!!!.. لاه وانت الصادج... فرصة تانيه أنت بجاه.... جال فرصه تانيه جال... رجالة آخر زمن!!!!!!!!!
وقف الجد بالأسفل ينتظر نزول سلافة حيث أرسل اليها الخادمة تبلغها بأنه يريدها في أمر هام، راقبها وهي تهبط درجات السّلم بينما عيناها تطالعانه بترقب وقلق، وما أن وصلت إليه حتى وقفت أمامه تنظر اليه بتساؤل وخشية، ابتسم لها ابتسامة صغيرة، وغمزها في خفية عن الأعين المراقبة لهما، قال بابتسامة صغيرة:
- تعالي يا بتّي رايد أتحدت امعاك لوحدينا....
هتف غيث وهو يلهث:
- جدي.. أني...
ليسكته جده بنظرة قوية قائلا:
- بعدين يا غيث، دلوك أنا رايد اتحدت مع بت عمك.. وبعدين عيكون لينا كلام تاني!!!
وانصرف الى غرفته بالاسفل يراقبه غيث بدهشة وريبة بينما أحاط به من الجهتين كلا من شهاب والليث، قال غيث بذهول:
- بت عمي؟... هيّا بجيت بنت عمي إوْ بس؟!!!!
شهاب بتعاطف وهو يهز برأسه في تضامن:
- لا وأكد لك عليها.. بنت عمّك!!.. ( وهو يضغط على أحرف الكلمة)...
التفت اليه غيث يسأله مقطبا بريبة:
- معناته إيه ديه؟..
ليجيبه الليث بشفقة ظاهرة وهو يربت على كتفه:
- معناته انه الكبير لمّن يجول بنت عمّك يبجى هيّ.. بنت عمّك... لحدّت ما هو ايجول غير إكده!!!!
هرب الدم من وجه غيث في حين مالت سلمى على أذن سلسبيل هامسة بحنق وهي ترمق زوجها والليث بحنق مشفقة على حال غيث:
- انا عاوزه أفهم هو جوزك وأخوه اللي هو جوزي شامتانين في غيث؟..
قطبت سلسبيل ونظرت حيث أشارت لها سلمى بطرف عينها وقالت:
- ليه بتجولي إكده يا سلمى؟..
سلمى بجدية تامة:
- من ساعة ما جدك خد سلافة ودخلوا أودته وهما ماسكين ودانه كل واحد ودن لما حاسه انه خلاص هيغمى عليه منهم في الآخر...
قطع همسهما صوت فتح الباب لتتقدم سلافة يتبعها الجد، وقفت سلافة وهي تطالع الجميع بثقة جديدة بينما تحدث الجد بحزم:
- غيث.... أنا سبج وجولتلك اللي عتجول عاليه بت عمك أني موافج عليه... وأنت لازمن توافج عليه.. صوح؟..
ازدرد غيث ريقه بصعوبة وقال:
- صوح يا جدي...
أشار الجد لسلافة بالحديث فتقدمت تقف وسط الجميع الجالس على المقاعد الارابيسك المنتشرة في الردهة فيما يقف غيث محاطا بأخيه وابن عمه أمامها وتحدثت قائلة:
- جدي خيّرني بين الطلاق أو أني أستمر معاك زوجة يا ابن عمي، وبصراحه... أنا جربت أني أكون زوجة... وللأسف أنت شايف النتيجة اللي وصلنا لها!!!!!!
تأهب غيث للصراخ رافضا ما تلمح اليه وهتف بغلظة:
- يعني إيه؟...
سلافة ببرود وابتسامة مغيظة:
- يعني أنا للأسف اتضح لي أنى معرفكش كويس يا ابن عمي عشان أوافق اننا نكمل كزوجين...
رفعت يدها تسكته حين أراد مقاطعتها وأردفت بهدوء:
- وانت كمان... متعرفنيش كويس!!!
قطب غيث هاتفا بصوت خشن متسائل:
- جصدك إيه يا سلافه؟...
لترتسم ابتسامة مكر على ثغرها الوردي وهي تجيب ببراءة شديدة:
- قصدي فترة خطوبة يا ابن عمي!!!!!!!
صاح غيث بغير تصديق:
- إيييييه؟... خطووبة!!.. يعني أيه؟....
تقدمت اليه حتى وقفت أمامه ورفعت وجهها اليه تجيبه ببساطة:
- يعني احنا هنقضي مع بعض فترة خطوبة... بالظبط زي أي اتنين مخطوبين.. وحط تحت مخطوبين دي ألف خط بالاحمر... لغاية ما ندرس بعض كويس ونعرف أخلاق بعض، والله بعد كدا اكتشفنا اننا ارتحنا لبعض يبقى خير وبركة... اكتشفنا اننا مش فاهمني بعض يبقى يا دار ما دخلك شر!!!!!
صاح غيث:
- انتي بتجولي إيه؟...
ليهدر فيه الجد بصرامة:
- كيف ما سَمِعت يا غيث، ومن دلوك بت عمك هتكون إنه في الدار... وانت عتروح الموطرح اللي كت فيه جبل سابج... ودخولك الدار إهنه عيبجى بمواعيد... أومال مهما كان الدار له حرمته!!!
كاد غيث أن يعض على أنامله غيظا فيما نظرت اليه سلافة بخبث هامسة في نفسها:
- ولسّه يا غيث.. انت لسّه شوفت حاجة؟.. أنا هخلص منك القديم والجديد وهخليك تقول حقي برقبتي.. وابقى قول سلافة قالت!!!!!!!!!!!!!!
الحلقة الأربعون والأخيرة
(كبير العيلة (منى لطفي
**************************
كانت تخلع السماعة الطبية حينما سمعت طرقات هادئة فقطبت وهي تدعو الطارق للدخول والذي ما إن شاهدته حتى انفرجت أسارير وجهها وقالت ببشاشة:
- أنا كمان قلت مغاوري مش ممكن يخبط بالرقة دي كلها، دا بيهد عليّا العيادة...
ابتسمت سلافة التي اقتربت من شقيقتها وقالت وهي تقف أمامها:
- لاقيت نفسي زهقانه طلعت اتمشيت وقلت آجي لك هنا ونروّح سوا..
سلمى وهي تخلع معطفها الطبي وتعلّقه على العلّاقة المخصصة لذلك الموضوعة بالزاوية:
- امممم، كويّس انك خرجت عموما يعني، من يوم ما حصل اللي حصل وجدي أصدر فرمانه وأنتي حابسة نفسك في البيت زي ما تكوني خايفة تخرجي من هنا وغيث يدخله من هنا خصوصا ان جدي حدد إقامته طول ما إنتي في البيت ما يهوّبش غير بمعاد سابق!!!
عقدت سلافة ساعديها وقالت بابتسامة صغيرة:
- بابا جد ودا ربنا يخليهولي، فيه زيّه... هو اللي عرف ييجيب لي حق صح، يعني كان منتظر إيه وهو عامل لي فيها هركليز ويخطفني وشغل جيمس بوند وقال إيه أنا لسه مراته، أهو احنا رجعنا لمرحلة الخطوبة تاني، ويبقى يقابلني لو اتجوزنا في سنتنا!!!!!
تقدمت منها سلمى وبطنها البارز واضح في فستان الحمل الذي ترتديه:
- بذمتك مش صعبان عليكِ؟... شهاب كان عنده امبارح وبيقول لي غيث اتغير خالص، يا سلافة مينفعش أحلى أيامكم تضيع في العِند والمكابرة، هتندمي على الوقت دا صدقيني، خصوصا دلوقتي!!!!!
قطبت سلافة وأجابت في يربة:
- وايش معنى دلوقتي يعني؟...
لتطالعها سلمى برفعة حاجب فتبرّمت سلافة وأجابت بحنق:
- وبعدين تعالي هنا فكرتيني... بقه غيث صعبان عليكي صح؟... وعشان كدا كنتي بتنقليله أخباري أول بأول!!!!!!!!!
أُسقط في يد سلمى ولكنها لم تشأ الهروب من مواجهتها لم تفعلها سابقا في أي من مواقف حياتها وحتما لن تبدأ الآن مع تلك المتهورة وعاشقها المجنون!!!...، تنفست بعمق وجابهتها قائلة بهدوئها المعهود:
- أولا أنا برفض تلميحك أني بنقل له – وشددت على الكلمة – انا مش جاسوس عليكي له، دا جوزك، اللي حصل وبمنتهى البساطة أني أشفقت عليه لما لاقيته كل يوم بيقف تحت العمارة عندنا مستني سيادتك عشان تخرجي أو بس يلمحك!!!!!
ذُهلت سلافة وأسدلت يديها بجانبيها وهي تهتف بدهشة:
- إيه؟... غيث كل يوم كان بيستنى تحت البيت؟...
تنهدت سلمى بأسى وهي تحرك رأسها يسارا ويمينا وأجابت بابتسامة ساخرة:
- أيوة ، ولو إني إديتو كلمتي أني ما أقولكيش حاجة، لكن لازم تعرفي غيث اتعذّب وبيتعذب أد إيه!!....
سحبت نفسا عميقا ثم اقتربت من شقيقتها الصغيرة وأحاطت كتفيها بذراعها وهي تردف بحنو:
- أنا الأول شكِّيت قلت يمكن صدفة خصوصا أنه أول أيام بعد الطلاق ما كونتيش بتخرجي، لغاية ما لاقيتني بشوفه تقريبا كل ما بخرج، ولما شهاب صالحني ورجعت معاه، شوفته هنا، وفاتحته في وجوج شهاب اللي طلع عارف لأنه حضرته كان بيكون موجود معاه لدرجة أنه اتغاظ مني إني أخدت بالي من غيث وهو لأ!!!!!!
وشردت بابتسامة حانية وهي تتذكر صيحة شهاب الحانقة وهو يهتف بها:
- يعني بدل ما كنتي مركزة مع غيث بس كنت اضربي بعينك شمال شوية أو يمين شوية كنت هتلاقيني معاه!!!!!!! ...
وقتها ضحك كل من غيث وسلمى على هتافه الحانق كما الأطفال تماما!!!..... انتبهت من شرودها بعدها وتابعت:
- ساعتها أنا اللي قلت له على كل اللي مرّ بيكي من ساعة ما رجعنا مصر، سواء في الشغل أو في أي مكان تاني، وطلبت منه أنه ما عادش يسافر تاني وأني هطمنه عليكي على طول، وفعلا أخبارك كانت عنده أول بأول مش عشان تكوني تحت عينه ويعرف الصغيرة قبل الكبيرة لأ... عشان أنا حاسيت أنه غيث بجد تعبان وقوي كمان، وأنه فعلا بيكفّر في كل دقيقة عن كلمة طايشة اتقالت في ساعة غضب، واللي حرّكها كانت شيطان في توب انسان، وللأسف كمان الانسان دا كان أمه!!.. انتي مقدرة حجم الكارثة يا سلافة؟.. لو أنتي زعلانه عشان حبيب سابك في لحظة غضب أومال هو بقه يعمل إيه؟... هو مش بس بعد عن حبيبته لأ... وعن أمه كمان!!.. ويمكن دا السبب اللي خلّاني أسامح شهاب وأحاول أنسى وأدّيه وأدي نفسي فرصة تانية، مش عشان الطفل اللي جاي في السكة وبس لأ.. عشان اللي بيننا يستاهل أننا نسامح ونغفر ونحاول مرة واتنين وتلاتة!!!!
ارتعشت شفتي سلافة وهمست بصوت مشروخ وعينين غائمتين بدموع أبت الهطول:
- وانتي فاكراني ما اتعذبتش وبتعذب في كل لحظة بتمر عليّا واحنا كدا؟.. عارفة يا سلمى... التجربة اللي أنا مرِّيت بيها أنا وغيث دي خلِّيتني أعرف وأتأكد أنا أد إيه بحبه... وأوي كمان، لأني ببساطة شديدة جدا لو ما كانش حبه العمق دا في قلبي ما كونتش الى الآن حاسة بالوجع دا كله في قلبي... أنا قلبي موجوع أوي أوي يا سلمى، كان بالنسبة لي من رابع المستحيلات أنه غيث يسيبني ويرميني بكلمة مهما أنا طلبتها منه، غيث ما كانش بس جوزي لأ... كان جوزي وأخويا وصاحبي وحبيبي، كنت بدلّع عليه وأتنرفز وأطلع جناني عليه وهو بيستحملني، تمام زي الأب لما بيستحمل بنته، ولما... أمه اتهمتني إني كنت بحاول أضربها وأنا كنت بمنعها هي أنها تضربني قلت لا يمكن يصدقها، ساعتها بصّ لي بصّة عمره ما هنساها أبدا، نظرة غضب على حزن على خيبة أمل، ولما حاولت تخنق ماما وأنا فعلا لو كان جدي إتأخر شوية كنت مموتاها مموتها لأني وقتها كنت حاسة أني بموّت شيطان مش إنسان أبدا، ساعتها فعلا كانت الشعرة التي قصمت ظهر البعير زي ما بيقولوا وهو بيتهمني اني عاوزة أموتها وقتها ما دريتش بنفسي وأنا بطل منه الطلاق وسمعت جدي وهو بيتحايل عليه أنه ما يقولهاش..
سكتت تلتقط أنفاسها قبل أن تكمل بابتسامة مرارة وأسى:
- دا حتى ما كلّفش نفسه انه يبص على الكرسي اللي ماما كانت عليه تقريبا شبه مغمي عليها، ونطقها، ياااااه يا سلمى – وكشرت بوجهها وهي تبتلع دموعها التي تهدد بالانهمار- مهما وصفت لكب تبقى صعبة إزاي مش هقدر أوصل لك احساسي وقتها كان عامل إزاي، منتهى الاهانة انك تحسي من الشخص اللي كان أقرب لك من نفسك انك برخص التراب عنده!!...
سلمى وهي تمسد خصلاتها السوداء:
- وانتي لما قلتي له طلقني وأكتر من مرة ما حاسش هو الاحساس دا؟... ما حاسش انه مراته وبنته وحبيبته بيعاه ومش عاوزاه؟.. سلافة.. غيث وشهاب صعايدة عارفة يعني ايه صعايدة؟.. يعني مهما اتعلموا أو حتى سافروا أو وصلوا لأي درجة من التحضر والمدنية انتي تتخيليها جوّاهم لسه الصعيدي اللي بالجلابية والعمّة والشنب اللي يقف عليه الصقر!!
ابتسمت سلافة من وسط حزنها المرسوم على وجهها فيما أردفت سلمى:
- عارفة المشكلة فين؟.. المشكلة أنه كل واحد منكم شايف المسألة من وجهة نظره هو بس، واللي طبعا بتطلعه انه هو المظلوم، لكن لو كل واحد فيكم حط نفسه مكان التاني أنا متأكده أنه الأمور لا يمكن كانت وصلت لكدا، وبعدين ما تنسيش أنك رديتها له وفي مقتل... بقه يا ظالمه يا مفتريه توافقي على سامي وإنتي لسه في العدة؟... ثم مش سامي دا اتقدم لك بدل من المرة تلاته ايش معنى دلوقتي اللي توافقي عليه؟...
نظرت سلافة الى سلمى باضطراب قبل أن تلعق شفتيها بتوتر ملحوظ وهي تجيبها بخفوت:
- أقولك على حاجة وما تقوليش لحد؟... وخصوصا شهاب!!!!
ابتسمت سلمى وأحنت رأسها إلى شقيقتها قائلة:
- سرّك في بير يا سولي!!...
ما أن انتهت سلافة من كلامها حتى شهقت سلمى بذهول صاعق ونظرت اليها بغير تصديق وهي تهتف:
- انتي بتقولي إيه يا سلافة؟.. انتي أكيد اتجننتي؟...
في حين احمر وجه سلافة من تقريع أختها ولكنها أبت الاعتراف بخطئها وبدلا من ذلك تكتفت وهمست بإصرار عنيد:
- هو اللي بدأ.. وأنا مش بسيب حقي أبدا... ولسّه... يا ما هتشوف مني يا غيث اكتشافات ومواهب!!!!!!!
****************************************************************************
جلس الجميع حول مائدة الطعام فيما عدا... غيث!!!! .. تذمر الجد من خلو مقعد الأخير ومال على عثمان الذي يجلس الى يمينه وهمس:
- أني بدي أفهم.. هو مش اللي خاطب ديه يعني ياجي لخطيبته ايزورها ويشوفها؟.. رادي أعرِف ولدك عاوز إيه بالظبِّط؟.. لا بياجي ولا بنشوفَه.. أني لمن جولت ياجي في معاد سابج عشان يتجّل رجليه اهنه مش يجطعها علاولاه!!!..
عثمان بهدوء:
- أني عكلمه يا حاج...
قطع حديهما الجانبي الهامس الجدة وهي تقول بفرح:
- امني حانكم كلاتكم متجمعين عشان أجولكم على آخر الاخبار...
نظر اليها الجميع بانتباه في حين رمقها الجد بنظرة عابرة وهو يعلم تماما أي قنبلة ستلقي بها زوجته التي رفضت أن تدعه يتحدث مع عثمان أولا في هذا الأمر، فقد أخبرته أنها تفضل أن تطرق الحديد وهو ساخن خاصة وأنها قد ألمحت الى عثمان بهذا الأمر فأخبرها أن هذا الحديث سابق لأوانه كما أنها متأكدة أن الحديث اليه وسط عائلته سيكون أنسب إذ سيلقى قبولا للأمر من الجميع، وجّهت نظراتها الى عثمان وأردفت بابتسامة:
- شوف عتبجى فاضي ميتى يا عتمان يا ولدي عشان نخلّصوا موضوعك اللي سبج وجولت لك عليه...
تغير وجه عثمان في حين تبادل الباقيين نظرات التساؤل فتابعت الجدة بثقة:
- بوكوم محتاج مَرَه اتكون جاره وإمعاه... وهوّ لسّاته اف عزّه، وأني شوفت له بنت الحلال اللي عتصونه وتريّح باله...
تبادل شهاب وسلمى نظرات الدهشة في حين قال رؤوف الجالس بجوار شقيقه وهو يربت على ساعده:
- ألف مبروك يا عثمان يا خويا، ان شاء الله ربنا هيعوضك خير...
في حين هتف عثمان باعتراض:
- يا أمّاه!!!!
الجدة بهدوء وابتسامة صغيرة على وجهها:
- خابار إيه يا عتمان يا ولدي... اعيالك ما هومّاشي أصغار... كافاياك اللي شوفتوه طول عمرك مع اللي فاتت.. معتضيعشي أيامك الجايه من بين يديكي... احنا ولاد إنَّهارْدِهْ...
رؤوف بهدوء:
- الحاجة معها حق يا عثمان...
ليسارع شهاب بالقول وقد استقر رأيه:
- على بركة الله يا حاج..... اللي يريحك احنا كلنا موافقين عليه...
سلمى بتساؤل قلِق:
- حتى سلسبيل؟...
لتهتف الجدة بجدية:
- سلسبيل متزوجة وعنديها بيتها وراجلها وعيالها، وأني عارفاها.. عاجله.. وبعدين الليث امعاها عيجف جنبيها، لمهم دلوك... أني عكلم الحاجة زينب يا حاج عبد الحميد وأشوف معاد مناسب عشان تروحوا لهم فيه...
وأنتهى الحديث في هذا الأمر بناءا على عبارة الجدة الأخيرة والتي أنهت النقاش تماما في هذا الشأن!!....
كان يجلس على الزرع الأخضر يطالع في البعيد حيث المروج الخضراء المنتشرة من حوله على الضفة الثانية من فرع النيل الصغير الذي يجلس بمحاذاته، يقبض على عصا رفيعة بيده وهو يخط بضعة حروف على الرمل أمامه حين سمع صوتا يناديه، فالتفت الى الخلف وما إن أبصر صاحب الصوت حتى عاد ينظر الى الأمام ثانية ببروده الذي يلزمه منذ أن أُجبر على خطبة... زوجته!!!.
رمى شهاب نفسه بجواره وقال وهو يلهث:
- ايه يا بني.. كل دا ومش سامعني؟...
أجاب غيث ببرودة وهو ينظر الى البعيد:
- سامعك يا شهاب...
شهاب وهو ينظر اليه بتساؤل:
- انت مقاطعنا ولا إيه يا غيث؟..
ابتسم غيث بتهكّم وأجاب:
- ليه يعني؟... إكمني ما باجيشي الدار؟... مش جدي أمر أنه ما خطيش إهناك إلا بمعاد؟...
قبل أن يتثنى لشهاب الاجابة استدار إليه يتابع بغيظ واضح:
- أني يا شهاب؟... أني أخطب ماراتي؟... انت متصوّر انها سهلى عليّ اني أجعد امعاها وكأننا تنيين أغراب عن بعض؟... ديه ماراتيّ – مشددا على مخارج حروف الكلمة – عارف يعني إيه ماراتي؟...
شهاب وهو متخوف من ردة فعله من الأنباء التي يحملها له ولكنه آثر أن يعرفها منه قبل أن يفاجأ بها أمامه:
- احم ... أومال هتعمل إيه لما تعرف باللي جدي أمر بيه؟.. أو بمعنى أصح باللي هيا طلبته منه وجدي وافق عليه!!...
قطب غيث في ريبة وتساؤل بخشونة:
- وأيه هوّ اللي جدِّيْ أمر بيه؟...
تنحنح شهاب ورمقه بطرف عينه وأجاب:
- سلافة هترجع شغلها في الديوان من بكرة!!!.....
ليهب غيث واقفا وهو يصرخ بغضب:
- كيييف!!!!... انت بتجول إيه يا شهاب؟...
نهض شهاب بدوره ووقف أمامه وقال وهو يزفر بعمق:
- اللي أنت سمعته، تقريبا سلافة حاسّة بفراغ وعاوزة ترجع الشغل طلبت منه وهو وافق، وحضرتك من بكرة هتستلم الشغل، وبيتهألي انه مينفعش انه عبد الرازق يبقى موجود وهي موجودة، انت مش ممسكه شغل الديوان كله تقريبا دلوقتي ويدوب بتروح تشرف عليه وخلاص؟!!!
قبض غيث على أصبع يده اليمنى بقوة وهتف من بين أسنانه المطبقة:
- بجاه إكده؟... ماشي يا سلافة... لمّن أشوف آخرتها امعاكي إيه؟!!!!!...
ثم التفت الى شهاب وأردف:
- عاوز أشوفها يا شهاب لوحديها... خلي سلمى تتصرّف... ما عاوزشي حد يّعرف!!!
أومأ شهاب بالايجاب وهو يزفر بضيق لا يعلم ما نهاية لعبة القط والفأر تلك!!!!!!!!!!
***********************************************************************
تأفف غيث للمرة المائة وهي يطالع ساعة معصمه، لقد أخبره شهاب أنها ستأتي الآن لما تأخرت، لمح توأمه يقبل عليه فوق حصانه الأسود العربي، وما إن وصل اليه حتى ترجّل ووقف أمامه وبعد أن ألقى التحية سأله غيث بلهفة:
- ماجاتش يعني؟..
زفر شهاب بضيق وقال بغيظ:
- مراتك دي مش ممكن يا غيث، سلمى قالت لها انك عاوز تشوفها، ودلوقتي قبل ما تروح الديوان دي الفرصة الوحيدة اللي تقدر تشوفها فيها من غير ما جدي يعرف، هي كدا كدا رايحه هناك، للأسف رفضت!!.. وقالت انها عندها شغل ولو عاوز تشوفها فعلا أي خاطب بيزور خطيبته في بيتها بعد إذن أهلها، مش سرقة بين الزراعات زي صميدة وبهانة!!!!!!!!!
قطب غيث وهتف بحنق:
- باه... مين صميده وبهانه دولوم ان شاء الله؟...
شهاب وهو يحرك كتفيه علامة الجهل:
- والله مش عارف يا غيث بس تقريبا شكل مراتك بتتفرج على أفلام أبيض وأسود كتير وفاكره انكم هتطلعوا تجروا ورا بعض وسط القصب!!!!!!!!!!
زمجر غيث وهتف:
- انت بتتريّج انت التاني؟!!.. ماشي يا حرمي المصون... أما نشوف آخرتها امعاكي إيه؟...
وما لبث أن قفز فوق الفرس الأسود وهو يردف عاليا بينما وكز خاصرة الفرس فانطلقت تعدو:
- ابجه عاود انت بجاه... اني هتصرّف!!!!..
تابع شهاب توأمه وهو يسابق الريح منطلقا الى هدفه المنشود.... سلافته!!!!!
------------------------------------------------------------------------------
كانت تقف بجوار المكتب تمسك ببعض الأوراق فيما يقف أمامها عبد الرازق الموظف الاربعيني الذي جعله غيث بمثابة نائبا له للاهتمام بأمر الديوان، وكان يخبرها بكل ما يتعلق بالعمل حينما اندفع غيث الى الداخل حيث الباب مشرّعا وهتف بكلمة واحدة قوية فيما التفتت اليه سلافة متفاجئة من دخوله العاصف:
- اخرج...
لم ينتظر عبد الرازق أن يعيد غيث أمره فأسرع بالخروج ليغلق غيث الباب خلفه، وقفت وهي تتمسك الأوراق بقوة تقرّبها إليها وتراقب تقدمه إليها بينما شعره قد شعثته الريح وقد لاح على وجهه أمارات الغضب العنيف، كان يرتدي بنطالا أسودا من الجينز وقميصا أسود مفتوحا الى منتصف الصدر، ولاحظت أنه قد خسر الكثير من وزنه ولكنه بالمقابل قد زادت جاذبيته المهلكة!!!... وقف أمامها تماما مسلطا نيران عينيه عليها وهو يهمس بغضب وحشي مكتوم:
- ما جاتيشي ليه كيف ما طلبت؟...
تمالكت سلافة نفسها وأجابت وهي تشيح بعينيها بعيدا وقد صبغ صوتها برود ثلجي:
- أظن أني قلت أسبابي لشهاب، أنت سمعت جدي كويس أوي بيقول اننا مخطوبين، وأعتقد اني بحترمهم كويس أوي اني أقابل خطيبي من وراهم؟!!!!
هتف غيث بغيظ وهو يرفع يديه الى أعلى رأسه:
- انت عتجننيني؟!!... خطيب إيه وبتاع إيه، أني جووووزك يا سلافة، ها... جووووزك!!!
هزت كتفيها بلا مبالاة وأجابت:
- والله الموضوع دا اتكلمنا فيه كتير أوي، واتفقنا اننا ما عرفناش بعض كويس، وانه فترة الخطوبة دي عشان نشوف هنقدر نكمل مع بعض ولا لأ!!!!!!!!
ليباغتها بالقبض على خصرها بيديه لتشهق عاليا وتحاول الافلات من قبضته المحكمة بينما يهتف بشراسة:
- واني جول تلك جبل إكده وهعيدها تانيّ.. انتي ماراتي... وما عتبجيشي غير ماراتي، ايجولوا خطيبتي ما خطيبتي.. انتي ماراتي، وما عتكونيش غير إكده.. ما هفوتكيش واصل يا سلافة!!!
ثم مال عليها لتلفحها أنفاسه الساخنة وهمس بخبث أمام وجهها الذي فرت الدماء منه:
- أما بجاه من جيهة اننا ما نعرفشي بعض ديْ.. فأحنا نِعرف بعض كويّس جوي.. ولا أنتي ناسياه؟...
وامتدت يده تسحب منها الأوراق التي تتشبث بها وكأنها طوق النجاة، وترميها قبل أن تزحف يده الى أسفل عنقها يثبت رأسها من الخلف بينما تراقبه بذهول أفقدها القجرة على الكلام أو الحركة ثم مال بوجهه ليخطف أنفاسها بقبلة لا يمكن وصفها سوى بأنها زلزال قد ضربها ليرتج قلبها بين جوانحها بشدة فيما قدميها تهددان بسقوطها في أي لحظة!!!!!
وكما الزلزال.. ينتهي في غضون دقائق مخلّفا آثارا مدمرة، كان عناقه... الذي انتهى بعد فترة قصيرة تاركا إياها وهى تحاول لملمة شتات نفسها المتناثرة!!!!..
ابتعد عنها ووقف يطالع وجهها الذي غزته الدماء فيما قالت محاولة التسلح بالهدوء الذي لا شتعر بأدنى شيء منه وذلك حينما استطاعت الحديث:
- إوعى تفكر انك تكررها تاني يا غيث، صدقني المرة دي انت خدتني على خوانه انما المرة الجاية.....
ليقاطعها بابتسامة ماكرة فيما عيناه تغازلانها:
- عتكون برضاكي يا حرمنا المصون!!!!....
هتفت سلافة:
- ممكن أعرف انت عاوز مني إيه بالظبط يا غيث؟...
رفع يده يساوي خصلاتها التي شعثتها أصابعه:
- لسّاكي ما عارفاشي يا بت عمي؟... رايدك أنتي.. ماراتي.. وبتي.. وحبيبتي... ودنيتي كلاتها!!!
شعرت بالضعف يغزوها فحاولت التمسك ببقايا مقاومة واهنة وقالت بعناد البغال:
- من امتى وأنا كل دول؟...
غيث بابتسامة:
- من أول يوم نضرتك فيه لمن فتحتي لي الباب وكانّك فتحتي لي باب الجنّة!!!...
لتفغر فمها في دهشة فانتهز غيث الفرصة وسارع بتقبيلها قبلة سريعة ليبتعد بسرعة أكبر في حين دفعته بيدها وهي تهتف بغيظ:
- انت قليل الأدب على فكرة!!!!!..
غيث وهو يراقص حاجبيه الكثيفين:
- جليل الأدب ديْ هعديهالك النوبة ديْ... لكن مرة تانيه عوريكي جلّة الأدب صوح!!!
سلافة بسخرية:
- لا حول ولا قوة الا بالله.. اللي يشوفك وانت داخل تقول يا شر اشتر.. ما يشوفكش دلوقتي والضحكة من الودن للودن!!!!!!!!
تجهم وجه غيث وهتف بحنق:
- ما تفكّرنيشي، اني كنت جاي وناوي أطبج في زمارة رجبتك...
سلافة بتهكم:
- وايه اللي خلّاك تسيب الزمارة بقه؟...
مال عليها وهمس بمكر:
- شفايفك هي اللي سكّرتني، رشفة واحده منيهوم وناسيت اني كنت جاي ليه؟...
طالعته سلافة بغموض ثم أشارت الى الباب خلفه وهي تقول:
- غيث.. ايه رأيك في الباب دا؟...
حانت منه التفاتة الى الباب خلفه وأجاب بلا مبالاة:
- مالاه؟...
سلافة ببساطة:
- يا ريت تاخده في ايدك بس من برّه!!! يعني وانت خارج!!!!
ليعتدل غيث في وقفته ويهدر بها غاضبا:
- انتي وبعدهالك بجاه في شورتك الغبره ديْ... تبجي ماراتي وخطيبتي كيف بدي أفهم أني؟.. وبعدين أني مش ماشي يا سلافة غير لمّن نشوفوا حل في لحكاية المجندله ديْ، ايه رايك بجاه؟...
هزت سلافة كتفيها بلا مبالاة:
- والله براحتك... بس انت عارف جدي هيزعل إزاي، كلمته قانون لازم الكل ينفذه، لو عاوز تخالف القانون يبقى روح اتظلم عنده!!!!!!!!
نفخ غيث بضيق وهتف فيها وهو يتجه الى الخارج:
- ماشي يا سلافه، اني رايح عنديه دلوك... وعخليه ايجولك انه فرحنا الليلة يا بت عمي.. يا خطيبتي...
وانصرف من أمامها لتطالع في طيفه المبتعد هامسة بابتسامة:
- الليلة؟!!!... الليلة يا عمدة!!!!!!!!!!...
**************************************************************
- يا سلسبيل انتي بتبكي ليه دلوك؟...
هتف ليث بهذه العبارة وهو يمسد خصلات سلسبيل فيما الأخيرة تفترش صدره تبكي بدموع غزيرة، أجابت من بين غصات بكائها الحار:
- يعني... عاوزني أعرف أني أبوي الحاج عيتجوز وما أزعلشيْ؟...
نفخ اللي ثبضيق ثم قال بمهادنة:
- يا جلب ليث أنتي، انتي خابره زين انه عمي عتمان معيعملشي حاجه غلط، بوكي لساته بصحِّتَه يا سلسبيل، وأمك ربنا يشفيها ما عادلهاشي عيش امعاه بعد اللي صار منيها ديه كلاته، ديه غير انه ديه رغبة جدتك، يبجى ليه الحِزن ولدموع الغالية ديْ؟...
رفعت سلسبيل وجهها ونظرت اليه بعينين منتفختين من أثر الدموع وأجابت:
- صعبانه عيلّ أمي جوي جوي يا ليث، مهما كان ديه أمي برضيكي....
الليث وهو يمسح دموعها بابهاميه:
- يا روح ليث انتيْ... أمك ما تزعليش منّي سلّمت نفسها للشيطان، شيطان الكره والحجد اللي ملا جلبها، وهي ماعمْلتْشي شويّهْ، وكيف ما أماتك صعبانه عليكي بووكي كومان ليه حج عليكي ولا إيه؟...
اكتفت بهز رأسها بالايجاب فتابع:
- ياللا جومي اغسلي وشّك ديه وغيّري خلاجاتك خلينا نروح انزور جدي ونشوفه وتباركيلاه، المفروض اننا عنروحوا بكره عشيّه ان شاء الله عشان نجرى الفاتحه، السوالمة عيله مأصله صوح والشيخ عبد الهادي راجل ما عيتخيرش عن جدي....
هزت رأسها بالايجاب ونهضت تستعد للذهاب الى المنزل الكبير تاركة ولديها لدى عمتها والدة ليث..
لم يستطع غيث إقناع الجد بتعجيل زفافه هو وسلافة كما هدد الأخيره، وقد أخبره جده ببساطة أن العروس لم تقل رأيها الأخير بعد في أمر الارتباط به حتى كاد غيث أن يعض نواجذه غيظا وكمدا، وكان أن حاول تحاشي التواجد مع سلافة بنفردهما فهو يخشى أن ينفلت منه زمام الأمور فالمرة السابقة كان أمر ابتعاده عنها أمرا في غاية الصعوبة والهلاك بالنسبة له وهو لن يعيد الكرة ثانية!!!!..
كان في غرفة الجلوس ينتظر شقيقه حينما دلفت مهجة الخادمة مفتشة عن سيدتها سلافة بأمر من الجد والتي ما أن أخبرته بالسبب حتى هدر فيها بعنف قائلا:
- انتي يا بت انتي عم بتلهفطي بتجولي أيه؟...
وقفت الخادمة ترتعد فرائصها وهي تجيب بتعثر وخوف كاد يطبق على انفاسها:
- أني ما جولـ... جولتش يا سي غيث، ابويا الحاج عبد الحميد جالي نادمي على ستك سلافة عشان فيه اضيوف جايينها من موصر!!....
لمحت سلافة وهي تتجه اليهما فتنفست الصعداء ليقطب غيث حنقا وغيظا، قطبت سلافة التي دلفت الى الغرفة وهي ترى حال الخادمة التي تنتفض رعبا وتتفصد عرقا وقالت:
- فيه ايه يا مهجة؟.. ايه الحكاية يا غيث؟...
هتف غيث من بين اسنانه:
: - ما فيشي، انتي ايه اللي جابك دلوك؟..، تخصرت ووقفت امامه تجيبه بكل تحد
- يعني ايه ايه اللي جابني دلوك ديه؟... عادي خلصت شغلي في الديوان اللي حضرتك مش بتروحه الا ضيف كل يوم ربع ساعه وجيت، وانتي يا مهجة انطقي!!!....
أحجم لسانه بصعوبة عن الرد عليها بكلمات هوجاء فهو لا يريد أن يتراشقا بالكلمات والاتهامات أمام الخدم، أتتهمه الآن بالتقاعس عن عمله وأنها هي من تنهيه بدلا عنه؟.. ما المفترض منه قوْله إذن؟.. أتراها إذا ما أخبرها أنه لا يستطيع أن يجلس في مكان واحد معها يحمل عبق أنفاسها دون أن تتلصص عيناه عليها وأن تحكه يداه شوقا لملمسها ماذا سيكون ردة فعلها؟.. شرد قليلا وابتسامة خفيفة تظلل فمه المظلل بلحية خفيفة وهو يهمس في نفسه أن سلافته ستصرخ وقتها متهمة إيّاه بالتحرش بها لا محالة على الرغم من أنه يحمل صفة زوجها وإن مع ايقاف التنفيذ!!!...
انتبه من شروده على صوت سلافة النزق وهي تهتف في مهجة التي تقف تكاد تموت رعبا منه قائلة:
- ما تتكلمي يا بنتي!
كادت مهجة تضرب نفسها وهي تهتف بداخلها:
يا مورك يا موهجة يا مورك، اني عارفة وربنا .. عورفت اول ما شوفت سحنته انه جاي والشر جاي اف رجليه...
هدر فيها غيث لحظتها بغضب وحشي:
- ما عاوزشي أسمع صوتك واصل، اجفلي خاشمك ديه....، ولكن أصرت سلافة قائلة:
- انطقي يا مهجة... ، لتقرر مهجة أن تلقي بقنبلتها الموقوته وتفر هاربة.. فاستعدت للركض وهي تلقي بجوابها الناسف:
- فيه ضيف جالك من موصر والحاج جالي أنادم عليكي!..
سلافة بتقطيبة:
- ضيف مين؟!
مهجة وهي تضع رجلها استعدادا للاقلاع هربا:
- بيجول.. بيجول أنه اسميه... سامي!...
ولم يُرى من مهجة بعدها الا غابرها، في حين أن سلافة قطبت وهي تردد بحيرة:
- سامي!!!.... لتسمع صوت هسيس غضب وزمجرة وحش كاسر بالقرب منها فرفعت عينيها لتصطدم بنظرة نمر مفترسة فابتلعت ريقها بصعوبة، وعلمت... رأتها في عينيه، لقد أفلت الوحش من مربضه وهيهات أن يعود ثانية خال الوفاض!!!!!!!!
كانت يصرخ وتركل الهواء بقديمها فيما هو يحملها فوق كتفه كجوال البطاطا، لم يلق بالا الى شتائمها وهو يحكم قبضته عليها كي لا تفلت من بين يديه، أسرع خطاه الى الداخل متجها صوب غرفته، ليقابل سلمى وسلسبيل اللتان وقفتا أمامه تهتفان بصوت واحد:
- انت بتعمل ايه يا غيث؟...
دلف من فوره الى غرفته صافقا الباب خلفه، لتقف سلمى وسلسبيل تطرقان الباب بعنف ولكن ما من مجيب، نظرت سلمى الى سلسبيل هاتفة:
- أخوكي هيعمل ايه في أختي يا سلسبيل؟..
سلسبيل بقلق:
- ما عارفاشي يا سلمى، وشهاب وليث مع جدي وبوي وعمي في المُندره عشان الضيف اللي جه من موصر ديه..
سلمى بحنق:
- معرفش ليه حاسة أنه المصيبة دي من تحت راس ضيف مصر دا!!!
ليقاطعها أصواتا عالية قادمة من داخل الغرفة لتلصق كلا من سلمى وسلسبيل آذنها على الباب رغبة في الاطمئنان على تلك الحمقاء ومجنونها الذي من الواضح انه قد فقد عقله نهائيا!!
--------------------------------------------------------------------------------------
وقفت سلافة في وسط الغرفة حيث أنزلها غيث وهتفت به وهي تشير الى الباب الموصد:
- افتح الباب أحسن لك وسيبني أخرج..
تقدم منها بينما تراجعت هي الى الخلف فهي لم تعد تأمن جانبه:
- والله؟.. ابتتكلمي بجد؟.. عسيبك بسهوله اكده تجابلي غراب البين اللي رايد يخطبك؟..
هتفت سلافة بحنق:
- وانت مالك؟.. دا ضيف وجاي وجدي لو كان شايف فيها حاجه غلط ما كانش هو بنفسه اللي بعت لي عشان أقابله!!!!!!!
ليهجم عليها ويقبض على ذراعيها غارزا أصابعه في لحمها الطري وهو يصرخ بشراسة:
- وأني معيهمنيشي حد، أني ماعرفشي غير أنك ماراتي وانه ديه اللي كان رايدك زوجة ليه، فاهماه يعني إيه؟.. يعني شافك بعين راجل رايد حرمه؟.. انتي ليه امصممة تعذبيني ليه؟..
وصمت لثوان أردف بعدها بحزم:
- لكن لاه.. أني لو كنت وافجت على لعبة لخطوبة دي فعشان أفهّمك أني رايدك ومتمسّك بيكي، لكن لو عتفهميها غلط وانه لسّات شورك ابيدك يبجى لاه يا بت عمي، وحالا عروح أشرب من دمه اللي جاي بعين جويه يخطف من ماراتي مني...
ودفعها بقوة واتجه الى الباب لتوقفه صرختها وهي تهتف بكلمات صدمته، فتسمر في مكانه، قبل أن يلتفت اليها ويتجه ناحيتها وهو يتساءل بريبة:
- انتي جولتي إيه؟..
هتفت سلافة وهي تبكي:
- بقول أنه محصلشي حاجة... هو مالوش ذنب، الحكاية دي من قبل ما أشوفك خالص ونيجي البلد كمان بأكتر من تلات شهور!!!!!!!!!!!
وقف أمامها وسحبها أليه وقال وهو يطالعها بحيرة وترقب:
- وإيه اللي خلّا سلمى تجولي انه فيه عريس متجدم لك؟...
سلافة من بين شهقات بكائها:
- أنا اللي قلت قودامهم انه سامي زميلي رجع يلمح لي انه عاوز يخطبني، وانا عارفة ومتأكده انه سلمى هيقول لشهاب وشهاب هيقول لك؟...
بصيص أمل بدأ بالنمو بداخله، ولم يرد استباق الأحداث وبينما كانت يداه تجذبانها بخفة أقرب إليه كان يردف متسائلا بينما قلبه يوشك على الهتاف عاليا بأنه قد ربح أخيرا:
- وليه كل اللفة الطويلة ديْ؟...
رفعت عينان مبللتان بالدموع اليه وهمست بينما ارتاحت راحتيها على صدره:
- عشان تعبت!... وما عدتش قادره على برودك وبعادك عني، فكرت أني أعمل حاجة تبيّن لي انت لسّه شاري وأفرق معاك ولا خلاص... انك لما طلقتني طلاق رجعي كان عشان تدينا فرصة تانية، وانك رافض تقطع اللي بيننا ولا عشان تمشي كلمتك عليّا وتحاول تكسرني!!!
همس غيث بأسى وهو يمسك بيديها المفترشتان صدره:
- أكسرك؟.. معجولة يا سلافة؟.. أني أكسرك برضيكي؟.. أني اللي كت حاسس زي ما يكون حاجه كابيره جوي وعياخدوها مني غصبن عنّي... طلجتك وجتها وأنا في نيتي إنك لساتك ماراتي، عشان إكده ما جدرتش أطلجط بائن كيف ما جدرتي انك تطلبيها!!!!
وقد نطق عبارته الأخيرة بلوم فأجابته وهي تسدل عينيها الى الاسفل:
- طنت عاوزة أقطع عليا خط الرجعه في التفكير فيك، كنت فاكره انى لما هعمل كدا هطوي الصفحة دي من حياتي، لكن اللي حصل...
ورفعت عينيها اليه مردفة وهي ترسل إليه نظرات حب خالص:
- انى مقدرتش، أنا مقلعتش دبلتك يا غيث، دبلتك أهي...
وفاجأته بأن سحبت سلسال رفيع من حول عنقها تخفيه أسفل ثيابها ورفعته ليرى خاتمه وهو يتدلى من السلسال، همس لها بصوت منفعل:
- وأنى دبلتك لساته في يديّ... مهما حوصل بيننا انتى جوايا ماراتي وبتي وحبيبتي.. انى كت هنجن الفترة اللي فاتت ديْ يا سلافة وانى جريبة وبعيده في نفس الوجت...
ابتسمت سلافة وهمست:
- لكن جابت نتيجة أهي، وأبو الهول نطق أخيرا، هو أنت ظهرت ولا بينت كرامه الا بعد ما عرفت أنه فيه عريس متقدم لي؟!!!!!
همس غيث بغيظ:
- معتفكرنيش، أني كل ما أفكر انه كان فيه واحد تاني رايدك عجلي ايشط منّي!!!
ابتسمت سلافة وقالت بشقاوتها التي طال اشتياقه لها:
- لاه.. ما عيشطش منيك ولا حاجه، أني اللي كت هنجن لو ما كوتش ظهرت يا عمده...
ضحك غيث عاليا ثم مال عليها وهمس:
- اتوحشتك جوي جوي يا سلافة...
همست سلافة:
- وأنت كومان يا جلب سلافة...
قطب غيث وقال:
- إلا بالحج ما جولتليش.. يوم ما غلجت عليكي الدار خرجت كيف؟.. ايه.. من تحت عتبة الباب؟..
ابتسمت سلافة بشقاوة ثم مدت يدها الى شعرها المكوم أعلى رأسها وأنزلتها ثانية وهي تحمل... دبوس للشعر، أمسكته بأناملها الرقيقة أمامها وهي تبتسم قائلة:
- بنس الشعر دي بيبقى لها فوايد تانية كتير غير انها تلم الشعر!!!!!!!!!
حدق فيها بذهول وهتف بغير تصديق:
- أنتي...
لتكمل هي بشقاوة تتراقص بين ليل عينيها:
- أيوة يا عُمده... أني طفّشت الباب!!!.. محسوبتك سلافة مهندسة كمبيوتر الصبح وطفّاشة بعد الضهر!!!!!!!!!
صمت يطالعها بدهشة قبل أن ينفجر بضحك متواصل وهو لا يكاد يصدق ما تقوله، نظر اليها بعدها وهو يقول من بين شهقات ضحكاته المتلاحقة:
- انتي كتّي بتتعلمي فين بالظبط يا بت عمي؟..
سلافة بجدية تامة وأسف مصطنع:
- المدرسة الكبيرة يا ولد عمي... الدنيا!!!!!
رفع يديها يقبل راحتيها وقال وهو ينظر اليها بحب:
- وأني اتعلمت في مدرستك انتي يا سلافة...
همست بابتسامة ناعمة:
- واتعلمت ايه بجاه؟...
أجابها بابتسامة مماثلة:
- اتعلّمت أنك أغلى حاجة عِندي، وانه مش مهم أي حاجه طول ما احنا مع بعضينا، هنتخاصم تاني وتالت وعاشر كومان، لكن في كل نوبة خصام حبنا عيكون أجوى من لوّل....
وفي الخارج كانت كلا من سلمى وسلسبيل خارج الغرفة تقفان تحاولان معرفة ما يجري بالداخل، يقتلهما القلق على سلافة فوجه غيث كان لا يبشّر بأي خير وكيف لا و.. سامي قد حضر خصيصا رغبة بالاطمئنان على حال سلافة وما لم يعلمه غيث ولم يعط لأيّ كان الفرصة لايضاحه أن سامي قد حضر يدعو سلافة وعائلتها لحضور حفل زفافه على رفيقة سلافة... تقى، والتي كانت السبب في تأخير سلافة تلك الليلة والتي خطفها غيث فيها!!!..
سلسبيل بتقطيبة:
- سامعه حاجه يا سلمى يا ختي؟..
سلمى بتقطيبة أشد وهي تلصق أذنها بالباب:
- من بعد الصراخ اللي في الأول وهس اسكت بعد كدا، ولا حاجة يا سلسبيل، ايه بيتكلموا بالحبر السري؟..
لتفاجآ بصوت يقول بغلظة:
- بتعملوا إيه؟..
شهقتا برعب وفي حين رمت سلسبيل أخيها بنظرات استنكار هتفت فيه سلمى بحقد:
- دي عامله تعملها؟.. يا بني انا اعرف ستات بتولد في السابع انما في اخر الخامس ما حصلتش!!.. ارحمني بقه من مفاجآتك دي....، مال عليها يهمس أمام شفتيها:
- تدفعي كم؟..
انتبهت لخجل سلسبيل فوكزته في خاصرته بقوة جعلته يتأوه ونهرته قائلة:
- إتلم!!!!!!!!
قاطعهما صوت ليث يتساءل:
- فيه إيه يا جماعه واجفين إكده ليه؟..
شهاب ببساطة:
- نفس السؤال كنت لسه بسأله ومحدش فيهم رد عليا...
همّت سلمى بالحديث حين تناهى الى سمعها صوتا مكتوما يأتي من داخل الغرفة فأسكتت الجميع قائلة:
- هششش.. استنوا...
اقترب الجميع من الباب، ليظهر صوت سلافة بوضوح يقول:
- استنى بس يا غيث..
ثم صوت غيث الغليظ وهو يتمتم ببضع كلمات لم يستطيعوا تفسيرها، همس شهاب بحنق:
- ايه يا غيث دا بتتكلم بسرعة 120 كلمة في الثانية!!!... بالراحه...
أنصتوا ثانية ليسمعوا صوت سلافة يقول بخفوت:
-لا.... ـ قطبوا في حين واصلت:
- استنى...، قطبوا أعمق فواصلت بخفوت أكبر:
- تؤ تؤ تؤ.. اخص عليك يا غيث!!!!!!!
لتنفك تقطيبة ليث وشهاب ويرتفع حاجبيهما لأعلى بشكل متنافر، في حين زادت تقطيبة الشك لسلمى وتبادلت نظرات الحيرة والقلق مع سلسبيل، وفيما احمر وجه شهاب لكتمانه ضحكه الذي يهدد بالانفجار همس ليث بغلظة:
- جبْر يلم العفش!!!... ، ثم همس في أذن شهاب:
- خوك جلع برجع الحيا خليص!!!..
همست سلمى بقلق:
- هما سكتوا ليه؟..، أيدتها سلسبيل بحيرة:
- بعد ما جالت له أخص عليك ما حطتش منطج يا نضري!!!
لتكتم سلمى شهقة ذعر وتهمس برجاء لشهاب:
- الحقه يا شهاب لا يكون عمل فيها حاجة!!!
شهاب وهو يحاول طمأنتها بينما يرسل اليه الليث بنظرات مستفزة:
- ما تخافيش يا حبيبتي ما حصلش حاجة..
الليث بمكر وهو يرفع حاجبه الأيمن:
- متوكّد انه ما حوصلشي حاجة!!!!
لينهره شهاب:
- واه... ما تسكت سا كت يا الليث ناجصاك هيا إياك!!!!!!!!!
قطبت سلمى وقالت برعب:
- طالما اتكلمت بالصعيدي يبقى انت قلقان يا شهاب!! ما انت ما بتقلبش غير لما تكون قلقان او فيه حاجة غلط!!!!!!
شهاب بزفرة ضيق وهو يرمق الليث بحنق فيما الاخير يكبت ضحكاته بصعوبة:
- يا بنتي ما فيش..
سلسبيل بحنق:
- اومال ليه جالت له اخص عليك يا غيث؟.. واكيد اعملها حاجه؟..
الليث بجدية زائفة:
- يمكنّهم ابيلعبوا إخص عليك يا غيث؟!!!!!
سلمى باستهجان:
- نعم؟.. ، هتف شهاب:
- أيوة يا حبيبتي دي لعبة جميلة جدا!!!!!
سلسبيل وهي تنظر الى الليث بلهفة واضحة:
- ولد عمي.... ، الليث بحب يتقافز بين مقلتيه:
- اعيونه!!... سلسبيل بنعومة:
- أني كومان رايده ألعب!!!! ، ليقطب في لحظتها هامسا بريبة:
- تِلعبي إيه؟..، سلمى بفرح:
- اخص عليك يا غيث!!!، ثم التفتت الى شهاب مردفة برجاء:
- وأنا كمان يا شهاب عاوزة ألعب!!!
هتف شهاب بحنق:
- تلعبي ايه انتي التانية ان شاء الله؟...، لتجيبه بدلال:
- اخص عليك يا غيث!!!!
صاح معترضا ليخفض صوته بعدها هامسا بغضب:
- نعم يا ختي؟.. انتي بتستعبطي؟... تلعبي اخص عليك يا غيث!!.. وانتي مالك ومال غيث!!!
سلمى التي فهمت طبيعة الحوار ورغبة منها في استفزازه قالت ببراءة مزيفة:
- اللاه يا حبيبي.. مش انت اللي قلت انه دا اسم اللعبة؟..
لتهتف سلسبيل:
- وانا كومان..، الليث بتقطيبة:
- وانتي كومان ايه ان شاء الله؟.
سلسبيل:
- ألعب اخص عليك يا غيث!!!
الليث باستهجان تام:
- تلعبي إيه يا أم عدنان؟.. ايه اللي جاب غيث إهنه؟..
قطب شهاب يطالع سلمى بنصف عين قبل أن يقول وقد فهم أنها تلاعبهم بالكلمات:
- لا لو على اللعب.. انا عندي لعبة أحسن منها!!..، ثم أحاط كتفيها بذراعه ومال عليها هامسا:
- ستين اخص عليك يا شهاب!!.. ايه رأيك بقه؟..
رفعت عينيها اليه وهمست بابتسامة أخذت بلبه وجعلته يشعر بالدماء تجري حارة في أوردته:
- موافقة طبعا!!!!!!!!
ليقتادها سريعا وهو يرمي بكلمات استئذان من فوق كتفه فراقبتهما سلسبيل التي ضربت بق
***************************************************
ليقتادها سريعا وهو يرمي بكلمات استئذان من فوق كتفه فراقبتهما سلسبيل التي ضربت بقدمها في الارض كالاطفال والتفتت الى الليث هاتفة بحنق:
- يعني دلوك سلمى تلعب اخص عليك وسلافة تلعب اخص عليك وأني لاه ليه؟؟؟.
ليباغتها الليث بحملها بين ذراعيه متجها بها الى الغرفة التي كانت الجدة قد أمرت بتجهيزها لهما لتكون مكانا دائما لهما في المنزل الكبير، شهقت سلسبيل بدهشة وهمست بخجل فيما يسير بها متجها الى غرفتهما:
- واه.. نزلني يا ليث حد ايشوفنا تبجى عيبه في حجنا، خليص بطلت.. ماعاوزاشي ألعب!!!
الليث بحزم زائف وقد اقترب من غرفتهما:
- على كيفك إياك هو، ألعب لاه ما ألعبش!!!!
دلف الى الداخل وأنزلها في منتصف الغرفة ثم اتجه ليوصد الباب خلفهما بالمفتاح، طالعته بريبة، وقالت وهي تخطو الى الخلف:
- انت غلجت الباب ليه؟..
رمى عصاه بعيدا ثم خلع عمامته ورماها جانبا ليلحقها بثوبه الكتاني الأبيض، واقترب منها ليعاود حملها ثانية ويلقي بها في منتصف أغطية الفراش الحريرية وهو يقول بصوت أجش:
- عنلعب عريس وعروسة.. أيه رايك بجاه؟...
همت بالاعتراض حينما أوقف اعتراضاتها بفمه المتطلب الحازم، ولم يزل يعانقها حتى تداعت حصون مقاومتها كليّة واحدا وراء الآخر واستسلمت اليه بكل رضا وحب، لينقلها معه الى عالمهما وحده... عالم الليث وسلسبيل فقط لا غير!!!!!!!!!!!
نظر غيث اليها وهي ترقد بجواره تبتسم بنعومة، همس لها وهو يحيطها بذراعيه:
- اوعديني يا بت عمي...
همست بالمقابل:
- أوعدك يا ابن عمي...
غيث وهو يميل عليها يزرع عيناه في ليل عينيها:
- اننا مهما حوصل بيناتنا ما عنتفارجشي واصل، انتي ما تتصوريشي أني متضايج كيف لأني رميت عليك أبغض الحلال، كنت عتجن لو كانوا السبوعين دول فاتوم وما رادتكيشي!!
تنحنحت سلافة قليلا وقالت وهي تطالعه بقلق أثار ريبته:
- احم احم.. ما هو العدة ما كانش فاضل فيها اسبوعين بس يا غيث!!!
غيث بتقطيبة حائرة وابتسامة:
- اومال كم؟... أني عددهم باليوم والساعه، إيه... معجول غولطت في الايام؟!!!!
سلافة وهي تعتدل في رقدتها ليفسح لها غيث المجال لتجلس وهي تقول بينما ترمقه بطرف عينها:
- لا ما هو... العدة.. تخلص بعد أربع شهور مش اسبوعين!!!!
قطب غيث واعتدل يجلس بجوارها فوق الفراش ويميل عليها متسائلا:
- اربع شهور؟.. كيف يعني ما فاهمشي؟...
لتطالعه بابتسامة مترددة ثم تمسك بيده وتضعها أسفل الغطاء لتلامس بطنها العارية وهي تهمس:
- معقولة ما حاسيتش بيه؟....
صمت غيث مذهولا لوهلة وهو يفتح عينيه واسعا بينما يده تتلمس بطنها المنتفخة ببروز صغير والذي أرجعه لاكتسابها وزنا زائدا وهمس بصوت متأثر مبحوح:
- انتي.. انتي...
قاطعته تكمل عبارته:
- حامل يا غيث، بيني وبين سلمى تلات أسابيع بالظبط!!!!!!!!
ليطرحها على ظهرها فجأة جعلتها تشهق ويشرف عليها وهو يقول بغيظ:
- وخبيتي عليّا يا سلافة؟... جالك جلب ما تجوليش؟...
سلافة وهي تكاد تبكي لرؤيتها للهفته وحزنه الواضحين:
- ما كنتش عاوزة رجوعنا لبعض يكون سببه الواجب أو عشان فيه طفل جاي في السكة، وبعدين محدش يعرف خالص، انت أول واحد تعرف، عهد وخدته على نفسي أنه محدش يعرف قبلك يا غيث، حتى سلمى نفسها كانت شاكّة لكن أنا بردو ما رضيتش أقولها، أرجوك يا غيث ما تزعلشي مني أنا خلاص ما عدتش قادرة على زعل وخصام تاني...
أسند جبينه الى جبينها وتمتم بزفرة عميقة:
- وأني كومان ما عادش فيا جدرة اني أبعد عنيكي تاني أبد، امسامحك بس على وعد منيكي انك السبعه اللي عايجوا بعد إكده ان شاء الله عتجوليلي من أول دجيجة!!!!!!
دفعته في صدره تبعده عنها وهي تهتف بذهول:
- نعم؟.. سبعة!!!!.. ليه يا عمدة.. فاكر نفسك متجوز أرنبه!!!!
غيث بابتسامة:
- لاه.... جطة شيرازي يا مارات العمدة!!!!!
ضيقت عينيها تطالعه قبل أن تقول ببساطة:
- وليه سبعة؟... حط عليهم كمان أربعه وتبقى قفلت فريق كورة من بابه!!... ناس طيبين أوي يا خال!!!!!!
ليهتف غيث أمام وجهها بضحك:
- جوي جوي يا خال....
ويقطف ثغرها في قبلة تحولت لعناق عاصف رمى بهما في أتون عواطف مشتعلة وتركهما يدوران في ثناياها لتبتلعهما رمال حبهما المتحركة قاذفة بهما الى عالم من الألوان المشرقة!!!!!!!!
**********************************************************************
الخاتمة:
رحبت الجدة فاطمة بالضيوف الذي جاءوا لحضور حفل عقد قرآن عثمان الخولي الى خديجة السوالمي، كانت سلافة وسلمى وسلسبيل قد انتشرن بين الحاضرات للترحيب بهن حينما نادت عليهن الجدة وهي تقدم إليهما شابة تقاربهما في العمر قائلة ببشاشة:
- السكرة دي تبجى منة... مارات الباشي مهندز سيف ابن الشيخ عبد الهادي، والجومرات دول... – مشيرة الى بنتين صغيرتين يقاربن والدتهن في الشكل وبشدة – يبجوا هنا وفرح.. بناتها!!!!!!!
رحبن بها واندمجت منة معهن وخاصة سلافة والتي شعرت أنها تقاربها في الشخصية، كانت تتجاذب معها أطراف الحديث حين انتبهت لسلمى وهي تهمس لها أن زوجها قد أرسل من يخبرها أنه يقف في انتظارها بالحديقة بالخارج( كان الاحتفال للرجال في خيمة كبيرة بحديقة المنزل فيما الحريم بالداخل)... استأذنت منة من سلافة والتي تعلق بها البنتين وذهبت لترى ماذا يريد سيف؟!!!!!!!
وقفت تتلتف يسارا ويمينا تفتش بعينيها عنه لتفاجأ بذراع تسحبها من الخلف حيث ابتلعتها ظلمة الحديقة!!!!!!!...
التفتت لترى سيف وهو يطالعها بابتسامة مشاكسة فنهرته قائلة:
- انت مش هتبطل عمايلك دي؟.. يعني هترتاح دلوقتي لما قلب يقف من الخضة؟!!!!
ليحيط خصرها بذراعيه ويهمس أمام وجهها:
- بعد الشر عليكي يا قلبي...
حاولت دفعه جانبا وهي تهتف بصوت منخفض:
- سيف انت اتجننت؟.. احنا مش في بيتنا هنا!!!!!!!!
سيف وهو يميل عليها محاولا اقتناص شفتيها في قبلة يتحرق إليها:
- أعمل ايه... الفرح والزيطة فكرني بفرحنا... بقولك إيه.. ما تيجي نسيب العيال مع الحاجة زينب ونهر بأنا وانتي؟.. تعالي نروح شارم وننزل في نفس الفندق اللي نزلنا فيه في شهر العسل فاكره؟!!!!
نظرت اليه مضيقة حدقتيها وأجابت باستنكار:
- يعني انت دلوقتي منادي عليا عشان تقولي نسافر شارم؟... سيف بجد انت كنت عاوز أيه؟..
قطب قليلا محاولا التذكر ليهتف بعدها وهو يخبط جبهته براحته اليمنى:
- شوفتي نستيني إزاي؟.. زياد ابنك يا ستي... قعد يزن عاوزك ومعرفتش أسكته!!
قطبت وقالت وهي تتلفت حوله:
- وهو فين زياد؟...
أجابها:
- بعد ما ناديت عليكي شهاب قعد يتكلم معاه وخده وأنا لاقيتها فرصة أني أستفرد بكي بصراحه، بقالنا تلات أيام في البلد معرفتش أقعد معاكي براحتنا خالص!!!
ابتسمت منة وقالت وهي تهم بالانصراف:
- وانت كمان وحشتني يا حبيبي، عموما نبقى نشوف موضوع السفر دا، بيني وبينك فكرة هايلة، بس يا ريت بلاش فندق، خليه شاليه ع البحر أحسن.. عاوزة أستفرد بيكي يا بيضة!!!
ابتسم سيف، كم يحبها، يعلم أنه لا يزال هناك أثر من الجرح بداخلها، صحيح أنه قد اندمل ولكن أثره لا يزال باقي، وهو لن يكل ولن يمل من أن يثبت لها يوميا أنه لا يوجد غيرها في حياته بل وقلبه، همس أمام شفتيها:
- تصدق يفكرة، أنا هاخدك في رحلة سفاري في الصحرا... يبقى أنا وانت وبس!!!
ابتسمت منة وما أن همت بالكلام حتى أسكتها بقبلة خطفت أنفاسها وابتعد وهو في شوق الى المزيد، وهمس وهو يتلمس شفتيها المنتفختين:
- هنسافر الليلة... مش عاوز أضيع ثانية واحدة من الاجازة بعد كدا...
أومأت بالموافقة وأسرعت في العودة بينما مسح على وجهه ورسم عليه ابتسامة صغيرة واتجه الى مكان الحفل يفتش عن ولده والذي ما ان وقعت عيناه عليه حتى ركض اليه يرتمي بين ذراعيه ليرفعه سيف عاليا وهو يجلسه فوق كتفيه في حين تتدلى كل ساق على كتف من كتفيه!!
-----------------------------------------------------------------------------------------
انتهى عقد القرآن ورحل الجميع، كانت سلسبيل تبدل ثيابها حينما فاجئها ألم قوي بأٍفل بطنها لتنادي ليث بخفوت والذي كان بالصالة الصغيرة الملحقة بجناحهما، ونادته ثانية بصوت أعلى ليهرع اليها ويتلقاها بين ذراعيه قبل أن تهوى مغشيا عليها!!!!!
- حامل كيف يعني يا دكتورة؟.. احنا واخدين احتياطتنا؟؟؟؟
احمر وجه سلسبيل التي شعرت بالحرج في حين نهرته والدته:
- واه يا ليث!!!!...
استأذنت الطبيبة وانصرفت ترافقها والدته، ليتجه الى سلسبيل ويجلس بجوراها وهو يرفع يدها مقبلا راحتها ويقول:
- اني ماعارفشي كيف ديه حوصل؟... انتي كتي بتاخدي الحباية يوماتي.. أني كت بديهالك بيدي...
سلسبيل وهي تبعد عينيها عنه كمن يشعر بالذنب وتقضم شفتها السفلى:
- ابصراحه إكده يا ليث.. أني بجالي شهر ما اخدتهاشي!!!
ليطالعها بذهول هاتفا:
- كيف ديه؟....
أسرعت تفسر بلهفة:
- كنت باخدها جودامك لكن ما أبلعهاشي، وأعاودها من تاني، ليث أني مشتاجه لعيل منيك، وبعدين خليها على ربنا، أنا حاسة انه ربنا عيكسفناشي النوبة دي...
الليث ينهرها:
- الدكتوورة جالت من ست اشهور السنة، وانت لساتك ما كملتيش الخمس اشهور حتى!!!
سلسبيل محاولة تهدئته:
- يا ليث فين ايمانك بربنا؟... خلاص.. اللي حوصل حوصل.. ادعي انه ربنا يعوضنا خير ويرزجنا الذرية الصالحة...
احتواها بين ذراعيه وهو يدعو من قلب يخفق بسرعة عالية خوفا وهلعا على سلسبيله:
- يا رب يا سلسبيل، ربنا يجومك ليا بالسلامة، أنا لو عاوز اعيال يبجى عشان منك أنتي، بطنك انتي اللي تشيلهوم، لكن أني عدنان وشبل عندي بالدنيا، وأهم حاجه صحتك انتي يا سلسبيلي...
ابتسمت سلسبيل:
- ربنا ايخليك ليا يا ليثي...
*******************************************************
ولدت سلمى "رؤوف شهاب الخولي" في ساعات الفجر الأولى بعد مخاض عنيف، كاد فيه شهاب أن يتسبب في صرع طاقم الاطباء جميعهم ليضطر غيث في النهاية لتهدئته بسحبه بالقوة من أمام غرفة التوليد وحبسه في استراحة المرضى لحين ولادة سلمى!!!، وتوعده شهاب أن يرد له المثل أثناء ولادة سلافة وقد كان..... حيث ولدت سلافة "رهف غيث الخولي" بعد ولادة شقيقتها بأسبوعين، ونفذ شهاب وعيده لغيث بحبسه في نفس غرفة الاستراحة لحين ولادة سلافة...
احتفل الجد عبد الحميد بعقيقة أصغر أحفاده.. رهف ورؤوف... وسط فرحة العائلة واليت اكتملت بنبأ حمل سلسبيل... ، وكانت خديجة بمثابة أم ثانية لأولاد عثمان حيث أغدقت عليهما من حنانها الأمومي خاصة وقد أحبها الجميع لجميل أخلاقها وحسن سلوكها كما أنها تحمل بين أحشائها... حفيدا جديدا لعائلة الخولي والذي كان بمثابة معجزة ربانية لها أن تحمل وتلد وهي في أوسط الأربعينيات...
*******************************************************************
صممت سلافة على الاحتفال بعيد ميلاد الجد السابع والسبعين وبينما كان الجميع يتبادلون الأحاديث المرحة فاجأ سلسبيل المخاض التي صرخت هاتفة باسم ليثها والذي هرع اليها يحملها الى المشفى يرافقه أخويها وزوجاتهما في حين تركا الأطفال في عهدة خديجة والجدة وأم ليث....
كان ليث يحفر الارض من قوة خطواته قلقا على سلسبيله، كانت الطبيبة قد قررت اجراء ولادة قيصرية فحالتها لا تسمح بالولادة الطبيعية نظرا لوضع الجنين والذي لم يعلموا جنسه بعد بناءا على رغبة سلسبيل التي رفضت وبشدة معرفته معللة بأنه هدية من الله وأنها ترضى بعطيته وتشكره عليها.....
خرجت اليهم الطبيبة تبشرهم بولادة سلسبيل بنجاح وأنه سيتم نقلها الى غرفة خاصة بها، لم يهتم ليث بالسؤال عن طفله بل اندفع حين رآها وهي ترقد على السرير المتحرك متجهات بها العاملات الى غرفتها، فأسرع اليها يمسك بيدها حتى دخلن بها ليسارع بحملها ووضعها برفق فوق الفراش، انصرفن العاملات بعد أن منحهن كلام من غيث وشهاب بقشيشا سخيا، جلس الليث بجوارها يربت على شعرها المبلل بعرقها، تكلمت سلافة وهي تطالع سلمى:
- انما الباشا فين، ولا هي هانم؟..
غيث بتساؤل:
- مين دول؟..
سلافة ببساطة:
- ما هي أكيد جابت يا باشا يا هانم؟.. يا ولد يا بنت!!
ليقاطعها صوت الطبيبة وهي تدلف تقول بابتسامة:
- طيب ايه رأيكم في.. حسن وحسين وفاطمة!!!!!!!!!!
لتتعالى الشهقات، وينظر ليث مبهورا الى الطبيبة في حين ارتسمت ابتسامة شاحبة على وجه سلسبيل، هتف ليث بصعوبة:
- انتي عتجولي ايه يا دكتوورة؟!!!
الطبيبة بابتسامة:
- ولادك يا ليث بيه... ربنا يخليهوماك... سلسبيل جابت لك حسن وحسين وفاطمة.. ولا الاسامي مش عاجباكم؟!!!
ليهتف ليث وعيناه مسلطتان على سلسبيل:
- لاه... هما حسن وحسين وفاطمة...
خلت الغرفة من الجميع بعد أن قدموا اليهما التهاني والامنيات، ليطالع الليث في وجه سلسبيل ويهمس بينما خانته دمعة وحيدة جرت على وجنته الخشنة وهو يقبل راحتها:
- أني لو جعدت أصلي كل يوم ركعتين شكر لربنا ما عاوفيهوشي نعمه عليّا... ربنا ايجدرني وأسعدك كيف ما بتسعديني يا أم العيال!..
وابتسمت سلسبيل مغمضمة عينيها، وارتكز الليث بجبينه الى جبينها..
*****************************************************************
وقف الجميع بجانب بعضهم البعض في عقيقة توائم الليث وسلسبيل الثلاث، يجلس الجد والجدة على مقعدين من الخيزران في حديقة المنزل الكبيرة يحيط بهما الأبناء والأحفاد... عثمان وزوجته خديجة والتي أوشكت على الوضع، ورؤوف وألفت وغيث وزوجته سلافة وصغيرتهما رهف، شهاب وسلمى وصغيرهما رؤوف، عدنان وكريمة، والليث وسلسبيل وصغارهما الخمسة.... عدنان وشبل وحسن وحسين يحملهما الليث وفاطمة تحملها سلسبيل، بينما أمسكت وردة بالكاميرا الرقمية والتي جهزتها سلافة لالتقاط الصورة... ليبتسم الجميع وتضغط وردة زر التقاط الصورة وابتسامة الكل مشرقة كالشمس في وضح النهار ويظهر جليّا فخر الجد والجدة بأبنائهما وأحفادهما بينما يراقب الجد عبد الحميد أحفاده الصغار داعيا لهم الله أن يمنحهم التوفيق والسداد ليصبحوا ذخرا لعائلة الخولي من بعده هو "كبير العيلة"....
- تمت بحمد الله -
🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹🌺🌹
ادخلوا بسرعه حملوه وخلوه علي موبيلاتكم من هنا 👇👇👇
وكمان اروع الروايات هنا 👇
انضموا معنا على تليجرام ليصلكم اشعار بالروايات فور نزولها من هنااااااااا
🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺🌺
تعليقات
إرسال تعليق