أخر الاخبار

نعيمي وجحيمها امل_نصر بنت_الجنوب الفصل الرابع والخامس كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات

نعيمي وجحيمها 

امل_نصر بنت_الجنوب

الفصل الرابع والخامس

كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات 

 

الفصل الرابع 

ممسكة بطبق الحلوى الذي أعطته لها كاميليا؛ تتناول منه نادرًا، مع اندماجها في الحديث المرح مع ابنة حارتها والتي كانت جارتها سابقًا، قبل ان تنتقل مع عائلتها الي شقة أجمل وبمنطقة أهدى عن منطقتهم الشعبية العتيقة، بحديث مسلي انساها ماأخافها سابقًا وتسبب في توترها، انتفضت فجأة تكتم شهقة كادت أن تخرج منها حينما أجفلتها غادة بوضع يدها على خصرها من الخلف، هامسة بميوعة اثارت الحنق لدى زهرة:

- اَخيرًا جيتي يازوزو؟

طافت زهرة بعيناها على باقي الموظفين حولها بقلق قبل أن تعود إلى غادة قائلة من تحت أسنانها:

- دي عملة تعمليها؟ عايزاني اصرخ من الخضة واتفضح وسط الناس اللي ماليها اول ولا اَخر دي؟

ردت غادة بسماجة أذهلتها:

- وماله ياقلبي، على الأقل بكدة هانبقى نجوم الحفلة بدال ما احنا تايهين كدة في الزحمة وماحدش شايفنا، ولا إيه ياكاميليا؟

كاميليا وهي تنظر اليها بدهشة وابتسامة اعتلت وجهها:

- يخرب عقلك، دا انتِ مجنونة بجد، بقى هي دي فكرتك عن لفت الإنتباه ؟

- اعمل إيه بس يابنات ماانا غُلبت.

هتفت بها قبل ان تتدراك نفسها وتخفض صوتها وكأنها تخبرهم سرًا:

- بقى مش صعبان عليكم بالذمة؟ الصالة اللي بتشغي بالبهوات والناس النضيفة دي، نطلع منها كدة من غير مانستلقط واحد منهم .

كتمت زهرة بكف يدها شهقة أخرى كادت ان تخرج منها، مصعوقة من جرأة ابنة عمتها، أما كاميليا فالتي ارتفع حاجبيها واهتزت رأسها رددت بعدم استيعاب:

- انا قولت مجنونة وربنا، انتِ فعلًا مجنونة يابنتي.

لوت فمها مرددة هي الأخرى:

- مجنونة مجنونة، بس انول اللي في بالي .

استسلمن الفتاتين لعدم الجدال معها وفضلن الرد عليها بالصمت؛ يبتسمن لها بيأس، حتى أنتبهن على من أتى بالقرب يلقي التحية عليهن .

- مساء الخير يابنات .

ردت زهرة و رددت كاميليا خلفها التحية لعماد، الذي رمقته غادة من منبت شعره حتى أخمص أقدامه وهو يتحدث الى زهرة بلطف كعادته مع بعض التلجلج :

- ااا أنا قولت اشوفكم يعني، لو محتاجين أي حاجة في الدنيا الزحمة دي؟

قالت زهرة بخجل.

- لا متشكرين ياأستاذ عماد، ربنا يخليك.

- يعني بجد مش محتاجين أي حاجة؟ أنا تحت الخدمة؟

كرر عماد متمعنًا النظر الى خجلها باستمتاع، فقطعت غادة عليه اللحظة قائلة بحدة .

- ماقالتلك مش محتاجين حاجة ياأستاذ، متشكرين ياسيدي، ولما نحتاجك هانبقى نقولك .

انسحب مرددًا بإحراج:

- طيب تمام، اَسف ياجماعة لو ازعجتكم .

نظرت الفتاتين في أثره وهو يبتعد عنهم بأسف، فخاطبتها كاميليا بلوم:

- حرام عليكِ ياغادة، ليه أحرجتي الراجل، كان يكفي أنك تردي عليه ببعض الزوق .

- هي كدة غادة، اي حد طيب او غلبان بتعتبره مايستهلش التعبير حتى.

قالتها زهرة بحزن، لم يؤثر في غادة التي مصمصت بشفتيها مستنكرة.

- قال غلبان وطيب! هي ناقصة تلزيق وتناحة يااختي انتِ وهي، اقولكم؛ أنا ماشية وسايبهالكم، اروح لزميلات الفرفشة احسن، البنات الحلوة اللي بتقدم الحلويات والساقع هناك دي، بلا وكسة.

راقبنها وهي تبتعد عنهم وتذهب لتنضم لفريق البنات المضيفات، كي تقترب وتحتك بالموظفين الكبار ، فقالت كاميليا :

- ماتزعليش منها يازهرة، بنت عمتك طاقه وانتِ عارفاها.

- عارفة والله انها طاقة، بس انا بيصعب عليا الناس اللي بتحرجهم؛ خصوصًا لما يكون راجل محترم زي استاذ عماد و.......

قطعت جملتها وهي ترتد بعيناها نحو كاميليا مرددة:

- ياساتر يارب الراجل ده بيبصلي كدة ليه؟

- راجل مين؟

سألت كاميليا وهي تشرئب بأنظارها نحو الجهة التي اشارت اليها زهرة، فوجدت رئيسها الجديد ينظر نحوهم بتجهم ووجه عابس، قطبت مندهشة فقالت:

- تلاقيه بس عايز مني انا حاجة، مش لازم تكوني انتِ المقصودة يعني؛ انا هاروح اشوفه.

اوقفتها متشبثة بذراعها تردف بخوف؛

- لا والنبي ياكاميليا ماتسيبنيش لوحدي، ثم ان هو لو عايزك هايبعتلك، عشان خاطري ماتمشيش، دا انا حاسة بنظراته بتخترق ضهري من ورا، انا مش فاهمة هو بيعمل معايا كدة ليه؟ 

ربتت كاميليا على كف يدها المطبقة على ذراعها بغرض تهدئتها:

- طب خلاص اهدي كدة وماتكبريش الموضوع، جاسر بيه هو دا طبعه من الأساس على فكرة؛ دايمًا مكشر وحواجبه كدة مقلوبة تمانية، على العموم هو بِعد بنظره وجاتله مكالمة تلهيه عننا.

- والنبي بجد؟

قالت زهرة وهي تلتفت مرة أخرى نحوه، تنفست الصعداء فور أن رأته أعطى ظهره لها، أردفت مخاطبة كاميليا :

- طب خلينا نمشي بقى! 

....................................

وفي الجهة الأخرى 

ابتعد عن باقي الموظفين ودلف لمكتبه حتى يستطيع أن يتابع المكالمة التي أتته بغتةً من والدته، صفق باب الغرفة بقوة وخرج صوته بحرية:

- كنتِ بتقولي إيه بقى ياماما؟ سمعيني تاني كدة.

- بقولك ياحبيبي ميرا رجعت النهاردة الصبح من رحلتها.

اومأ برأسه وكأنها أمامه قائلًا بسخرية؛

- ااه ، طب وانا مالي بقى ان كانت رجعت ولا مرجعتش حتى، بتتصلي بيا ليه؟

وصله صوت والدته المصدومة:

- ازاي بس انت مالك يابني؟ دي مش مراتك دي؟ طب حتى عشان تتفاهموا.....

قاطعها بحدة سائلًا :

- ممكن اعرف انتِ بتتصلي تبلغيني ليه ياماما؟

- ياحبيبي انا باتصل عشان بس تعمل حسابك وماترجعش متأخر زي كل يوم.

ضغط على شفتيه يهز برأسه يائسًا قبل أن يرد منهيًا الجدال:

- تمام انا فهمت ياماما، اقفلي بقى دلوقتي انتِ عشان انا معايا شغل.

- يعني هاتتصالحوا ياجاسر ؟

ضغط على أسنانه كابحًا غضبه:

- طب معلش ياماما قفلي بقى وانا هابقى أكلمك من تاني ماشي، سلام بقا.

نهى المكالمة وخرج سريعًا من غرفة مكتبه لينضم الى والده ومن يعملون معه بالشركة في تجمعهم للإحتفاء به، بمناسبة تقلده لمنصب ادارتها، ذهبت انظاره تلاقئيًا لمكانها على الفور فلم يجدها ثم طاف بعيناه على جميع الوجوه فلم يجدها أيضًا، اقترب من والده يهمس سائلًا:

- هي كاميليا راحت فين ياوالدي؟ أنا مش شايفها يعني.

اجابه عامر:

- كاميليا استأذنت ومشيت، هو انت كنت عايز منها حاجة؟

لوح بكفه نافيًا بصمت وهو يتراجع للخلف، وقد أصابه الإحباط بعد أن فقد اللون الوردي بزهرته التي بعثت على يومه بعض البهجة التي افتقد الشعور بها منذ سنوات.

.................................


وفي مكانٍ اَخر 

تحت اليافطة المدون بها بخطوطٍ باهتة قديمة( المعلم محروس الشربتلي للتنجيد) والتي اعتلت الدكان المتواضع في الحارة الضيقة، كان جالسًا على كنبته الصغيرة يرتشف من كوب الشاي الذي بيده والسيجارة في فمه، قطع القطن واكياس الوسادات القديمة البالية تحت اقدامه، وعدته التي يعمل بها مرمية على الارض بإهمال، انتبه على صوت الصبي الذي يعمل بركن وحده في الداخل وهو يهتف عليه:

- انا خلصت الحتة اللي في آيدي ياعم محروس هاتيجي تشوفها بقى وتقولي رايك.

- اترزع ياد مكانك وشوفلك حاجة تانية اشتغل فيها عبال ما اجيلك اطل عليك.

ردد الفتى بتردد:

- اشتغل ازاي بس يامعلمي ؟ وشوية القطن اللي في الشوال الجديد مايكفوش مخدة حتى.

- طب نجدلك في حتة قديمة ياخويا وماسمعش نفسك تاني، فاهم .

غمغم الفتى من الداخل بحنق على اهمال معلمه وعدم مراعاته لصنعة قد ياكل منها الشهد كما يتصور الفتى، لو انتبه لها محروس وحرص على الأنتهاء من الأعمال المتراكمة بداخل الدكان من وسادات ومراتب جديدة أو بالية وبحاجة لتجديد، ولكن كيف؟ وقد سيطرت المكفيات على عقله، وألهته عن صنعته وعن العالم اجمع، دوى الصوت القبيح في الخارج:

- محروس باشا، قاعد عالكنبة ومسلطن ياعم؛ طب مش تندهلي عشان اَخد مكاني جمبك.

تمتم الفتى بغيظ:

- وادي كمان صاحب السوء وأوس البلاوي كلها وصل، كملت!

وعند محروس الذي رد بتأفف:

- عايز ايه يافهمي؟ ومالك بقى ان كنت اقعد متسلطن ولا اقعد على دماغي حتى، مش خلاص فاضيناها احنا وخلصنا.

اقترب فهمي يجلس بجواره على الكنبة قائلًا بسماجة:

- ومين بس اللي قال ان احنا خلصنا ياعم محروس؟ دا انت حبيبي والنعمة.

نفض محروس كف فهمي التي استندت على ركبته يبعده عنه بتأفف:

- انت اللي قولت يافهمي، لما مشتني امبارح من عندك وقفايا يقمر عيش، من غير ماتبل ريقي بحتة صغيرة حتى ولا انت نسيت .

بضحكة متوسعة اظهرت أسنانه الصفراء، اخرج فهمي من جيبه قطعة ملفوفة صغيرة يضعها بكف محروس الذي تلاقاها بلهفة:

- طب كدة بقى احنا بقينا متصالحين ياعم.

قبض على القطعة محروس داخل كفه يردف بعدم تصديق:

- بس انت مرديتش تديني أمبارح عشان الفلوس اللي معايا مكنتش مقضية، وخلتني ابات ليلتي اخبط في الحيطان من الصداع اللي مسك راسي يافهمي، هونت عليك وانت عارفني، دا انا مش بقصر معاك غير في الشديد القوي.

اتعوج فهمي بجلستة يضع قدمًا فوق قدم بميل وهو يردف بسيطرة:

- عارف ياعم محروس عارف، بس انا عايزك تنسي الليلة دي خالص، عشان من هنا ورايح، انا مش هاخليك تحتاج لأي حاجة ولا تتعب، كل طلباتك من الصنف هاتوصلك من قبل ماتشاور .

- بتتكلم جد يافهمي ولا انت جاي تتضحك عليا؟

سأل محروس بتشكك وارتياب، اخرج فهمي من جيبه علبة السجائر وقداحته ، يتحدث بتمهل:

- لا صدق ياعم محروس، انا مش بضحك عليك ولا بثبتك، مانت عارفني بعزك قد ايه، هي بس حاجة صغيرة اوي اللي طالبها منك .

حرك رأسه محروس يسأله بتفسير:

- هي إيه الحاجة دي؟ قول.

وضع فهمي السيجارة بفمه وهم لإشعالها ولكنها سقطت من فمه بعد أن تدلى فكه فور رؤيتها وهي تقطع الشارع امامهم، دون ان توجه نظرة نحوه او حتى تلقي السلام لوالدها، تنهد قائلًا لمحروس:

- هاقولك على طلبي وعلى الله بقى ماتنفذهوش

..................................


فتحت زهرة باب الشقة بالمفتاح ثم دلفت تهرول بسعادة للداخل نحو جدتها الجالسة بمحلها على ارض الشرفة من وقت أن تركتها زهرة وذهبت للعمل

- ستي ياستي، قومي ياستي ، شوفي انا جيبالك ايه؟

اعتلت السعادة ملامح وجه المرأة المجعدة بدلوف زهرة اليها بهذا الحماس، فسألتها بلهفة:

- جايبة إيه بقى ياعين ستك انتِ؟

افترشت بجوارها على الارض غير مبالية بفستانها الجديد، تخرج من حقيبتها لفة أصناف الحلويات الجميلة والغريبة عنهم، تقطع بيدها قطعة صغيرة تضعها في فمها:

- شوفي كدة ياستي ودوقي الحاجات اللي تهبل دي

لوكت رقية داخل فمها تستطعم الطعم الجديد عنها:

- اممم دي حلوة اوي يابت، جبتيها من فين دي؟ ولا اشترتيها بكام يامقصوفة الرقبة؟

ضحكت زهرة وهي تناولها قطعة اخرى بفمها:

- هههههه اطمني يارقية مقربتش على حق الدوا والعلاج بتوعك، انا مشترتهمش اساسًا .

لوكت رقية بفمها مضيقة عيناها بمكرها المحبب على قلب زهرة:

- امال انتِ جيباهم منين يابت؟ قولي على طول وقري بدل ما لف شعرك بإيدي، قولي يابت .


قهقهت زهرة وهي تجد كف جدتها التي حطت على رأسها تحاول الأمساك بها فقالت من بين ضحكاتها:

- خلاص ياستي هاقول، هاقول يارقية خلاص والنبي .

- طب ياللا قولي وسمعيني 

قالت رقية متصنعة الحزم ، ردت زهرة بعد ان هدأت ضحكاتها:

- ياستي النهاردة كانوا في الشركة عاملين احتفال بتولي المدير الجديد اللي هو يبقى ابن رئيس الشركة، إدو الموظفين اجازة نص يوم، وفرقوا علينا بقى ساقع والحلويات الغريبة اللي انتِ شايفاها دي، دا غير كمان المكافأت .

اومأت رقية بتفهم، وتابعت زهرة:

- وعارفة مين اللي مسك ياستي، الراجل الكشر اللي نشف ريقي امبارح في مكتب زهرة اعوذ بالله .

- هو شكله وحش اوي لدرجادي يابت ؟

سألتها رقية بتوجس، اجابتها زهرة بابتسامتها المعهودة:

- شكل ايه بس ياستي اللي بتتكلمي عنه؟ الناس النضيفة دي برضوا فيها حد وحش، دا بالعكس كمان، الراجل دا لما تشوفيه من بعيد تفتكريه كدة زي نجوم السيما. لكن في الحقيقة بقى هو يخوف بجد

- مايخوف اللي يخوفه يابت واحنا مالنا، مش هو ماسك قي حتة وانتِ بتشغلي في حتة تانية.

رفعت زهرة حاجبيها تردف بابتسامة واندهاش:

- اه والله صح يارقية، اينعم هو رئيس الشركة، بس انا والحمد لله شغلي بعيد عنه، حبيبتي انتِ ياروكا.

....................... ........


بعد انتهاء اليوم وانصراف الجميع من عملهم، سارت غادة تطرقع بكعبها العالي على ارض الرواق المؤدي الى الباب الرئيسي، في طريقها للمغادرة وحدها، بعد ان تركتها الفتيات كاميليا وزهرة وغادروا مبكرًا دونها، كانت تغمغم بداخلها حانقة ومحبطة، بعد أن فشلت كل محاولاتها في جذب انتباه جاسر الريان؛ الذي تصدرت أمامه بجوار فتيات التقديم، ولم يرمقها حتى بنظرة عادية، حتى الرجال الأفاضل رؤساء الأقسام او موظفين الشركة الكبار، لم ترى من أحدهم فعل واحد يريح قلبها ويبعث في نفسها ماتستحقه من تدليل، كل مانالته هو نظرات الاعجاب التي تبعث في نفسها بعض الثقة الوقتية، ثم تعود لإحباطها فور انتهاء اللحظة، خرجت متأففة تنزل الدرج الرخامي بخطواتٍ مسرعة خففتها فور ان رأت سيارة جاسر الريان المصطفة امام الشركة بسائقها الذي تشاجر مع زهرة، يبدوا انها في انتظار خروجه، تباطئت خطواتها أكثر وهي تلتفت خلفها كل دقيقة، علٌه يخرج وتراه حتى وقفت بزواية قريبة تراقب؛ عقلها يدور بدون هوادة تريد التقاط ولو فكرة صغيرة، تجعله يلتفت اليها أو يراها.

- أخ بس عايزاه يشوفني، يمكن يحصل.

هو ايه اللي هايحصل؟

شهقت مرتدة للخلف واضعة يدها على قلبها حينما دوت هذه الجملة المفاجئة بجوار أذنها بخفوت وحينما التفت نحو صاحب الصوت ارتعبت بحق، من هيئة الرجل الأسمر، ضخم الجسد بلحية حول فكيه ورأسه الكبيرة صلعاء تمامًا من الشعر، غمز لها بعيناه قائلًا :

- ايه ياحلوة اتخضيتي؟ سلامة قلبك.

رفعت شفتها قائلًا بازدراء:

- وماتخضش ليه بقى وانا شايفة عفريت قدامي .

فتح فمه بضحكة مجلجلة فقال:

- عفريت عفريت بس اعيش، بس لعلمك بقى، انا عفريت في كله.

ختم جملته المبهمة بغمزة بعيناه قبل ان يتركها راكضًا نحو سيارة جاسر الريان بمجرد رؤيته وهو يقترب منها، راقبته وهو ينضم اليه بداخلها ثم تحركت السيارة وغادرت، تمتمت بسبة بذيئة نحوه قائلة:

- ابو شكلك يا بعيد، وقفت قلبي وقطعتلي الخلف، بشكلك اللي يخوف ده، ياساتر.

................................


حينما عاد جاسر الى منزله مع والديه، بمجرد دلوفه لداخل المنزل الكبير، هتفت عليه والدته غاضبة توقفه قبل ان يصعد الدرج :

- استنى عندك ياجاسر.

استدار اليها مرددًا بهدوء:

- نعم يا أمي، في حاجة؟

اقتربت منه بوجه مكفهر تتحدث جازة على أسنانها:

- ممكن اعرف انت أتأخرت ليه في الشركة، وانا حسب ما سمعت من والدك ان الموظفين انصرفوا من نص اليوم.

مط شفتيه قائلًا ببساطة:

- عادي يعني، الموظفين انصرفوا بس انا كملت شغل مع نفسي في مراجعة ملفات الشركة وعقود الصفقات اللي مضاها والدي .

ردت بأنفاسٍ لاهثة تكتم غيظها :

- النهاردة ياجاسر، وبعد مانبهت عليك برجوع ميرا، في ايه يابني؟ 

- وماترجع ميرا ولا تزفت حتى، اسيب الشغل وارجعلها بدري ليه انا؟ هاعملها استقبال مثلًا؟

قال بعدم اكتراث اثار استياء والدته التي هتفت بصوتٍ خفيض :

- انت هاتجنني ياولد انت؟ هو احنا مش اتفقنا انك تتكلم معاها وتحاول عشان تقدر تصفي اللي ما بينك معاها .

لوح بكفيه أمامها نافيًا:

- انتِ اللي قولتي، انا ماقولتش حاجة، عن اذنك بقى ياست الكل عشان عايز اطلع اغير هدومي واَخد شاور.

نهى جملته والتف ليصعد الدرج أمامها غير مبالي بصدمة المرأة التي ظلت متسمرة دقائق تستوعب مواقف ابنها الغير مفهومة.

................................


وفي الأعلى وبعد أن دلف لغرفته، وجدها مستلقية على فراشه بملابس شبه عارية، تفحصها قليلًا والتوت شفته بابتسامة ساخرة وهو يتناول المقعد يقربه من رأسها حتى جلس واضعًا قدمًا فوق الأخرى، فرك بيده على فكه الأسفل قائلًا :

- ممكن تفهميني ايه اللي منيمك على سريري وانا مش موجود؟ وجاوبي على طول عشان انا معنديش خلق للأستهبال والتمثيل.

فتحت عيناها على الفور تعتدل بفراشها زافرة بقوة تنظر اليه حانقة:

- اعوذ بالله منك ياأخي، هو انت على طول كدة قطر، مافيش وقت للتفاهم .

اعتدل بظهره لخلف المقعد قائلًا :

- وليه ماتقوليش اني مليت من تمثلياتك الخايبة، وانت مفكرة ان ممكن انطس في عقلي واتأثر بكتف ولا رجل عريانة منك، ايه ياميرا هو انت لسه عايشة في الوهم.؟

شحب وجهها للحظات من مفعول كلماته القاسية لها، لكن سرعان مااستعادت توزانها فتبسمت وهي تعبث بشعرها تعيده للخلف:

- جلف وبترمي دبش من بوقك على أساس اني هاتأثر يعني ولا هاتهز ثقتي في نفسي، لكن لا ياحبيبي، انا عارفة كويس اني مرغوبة، مش محتاجة شهادتك

سأل رافعًا حاجبه:

- اااه ومين بقى اللي عرفك انك مرغوبة؟ يكونش الرجالة الأغراب اللي كنتِ بتسهري معاهم يوميًا في رحلة المسخرة اللي عمليتها انتِ وصحباتك الفاشلين، ولا في حاجات تانية أنا معرفهاش؟

مالت اليه برأسها مرددة :

- إيه ياجاسر؟ أسميها غيرة دي بقى ولا إيه بالظبط؟

برقت عيناه هاتفًا بغضب:

- فوقي لنفسك يامريهان، غيرة ايه دي اللي اغيرها انا على واحدة زيك؟ أنا كل اللي هاممني هو اسمي واسم العيلة، اسم حضرة الوزير والدك، اللي ممرطاه مع اللي يسوي واللي مايسواش بعمد؛ عشان تستفزيني وتخرجي مني رد فعل يرضي جنونك، لكن لا يا مريهان ، انا برضوا هاسيبك كدة مع نفسك، لعل بغباءك ده تشيلي والدك من كرسي الوزارة يمكن ساعتها يحس على دمه ويشوف عمايلك.

بصق كلماته ثم خرج مغادرًا دون حتى الإلتفاف نحوها، ورؤية أثرهم عليها وعلى جسدها الذي كان ينتفض من الغيظ والغضب.

..........................

في اليوم التالي

وفور أن دلف لداخل الشركة بهيبته المعتادة والخاطفة للإنفاس، حزمه وصرامته رغم مظهره البراق، لمحها واقفة أمام المصعد الخاص بالموظفين ، ممسكة ببعض الملفات دون أن انتباه لم تترد اقدامه في السير نحوها مفاجًأ كارم ذراعه الأيمن في جميع اعماله والذي تسمر محله مزبهلاً وهو يرى رئيسه يتجاهل مصعده الخاص كرئيس الشركة ليلحق بمصعد الموظفين على اخر لحظة قبل تحركه.

وفي الناحية الأخرى كانت زهرة منكفئة، تراجع الأوراق التي بيدها حينمأ أجفلت على دخول أحد الأشخاص، شهقت مرتدة للخلف حينما تبينت هويته، يقف أمامها واضعًا كفيه على داخل جيبي بنطاله، ونظرة عيناه التي وجهها على الفور نحوها، تثير بقلبها الشك والإرتياب.

الفصل الخامس


برقت عيناها التي اشاحتها عنه بارتباك فور أن دلف لداخل المصعد معها، تكاد أن تلتصق بمراَة المصعد، كي تبتعد بقدر الإمكان عنه في هذه المساحة الضيقة التى جمعتها به، تشعر بانسحاب الهواء من حولها وقد شلت المفاجأة تفكيرها، تذكر جيدًا انها كانت تقف وحدها في انتظار المصعد، اذن متى اتى لينحشر معها في مصعد الموظفين ويترك المصعد الخاص به كرئيس الشركة ، قلبها يضرب بصدرها كالطبول بين أضلعلها، تنظر للوحة الإلكترونية وكأن حياتها تعلقت بالأرقام الحمراء.

- طالعة الدور الكام .

- هااا

تفوهت بها اليه بعدم تركيز، اعتلت ابتسامة ساخرة بزواية فمه وهو يردد:

- بسألك انتِ طالعة الدور الكام، إيه مافيش تركيز؟

ازدردت ريقها وهي تحاول ان تبلتع توترها في وجود هذا الرجل المخيف، رغم تعجبها من السؤال؛ جاهدت حتى يخرج صوتها ببعض الثبات:

- اا الملفات اللي في إيدى دي هاطلعها للإدارة فوق في الدور السادس .

- طب وخايفة وانتِ بتكلميني ليه؟ حد قالك اني هاخطفك مثلًا؟

يسألها بتسلية وعيناه المتفحصة تلاحق كل تفصيلة بوجهها دون حياء، تقسم بداخلها أن هذا الرجل سيقتلها رعبًا بأفعاله معها، وبكذبة مفضوحة؛ نفت برأسها تنكر :

- لااا حضرتك انا مش خايفة

- بجد!

تفوه بها وانفرج ثغره بابتسامة شيطانية حينما تحركت اقدامه نحوها بخطوة واحدة جعلتها ترتد للخلف شاهقة برعب، دوت ضحكة رجولية صاخبة منه في قلب المساحة الضيقة، مستمتعًا برد فعلها والرعب الذي ارتسم على ملامح وجهها، ثم من دون كلمة أخرى التف ليخرج مغادرًا المصعد، حينما انفتح الباب الإليكتروني على الطابق الذي يقصده، تسمرت زهرة محلها فاغرة فاهها بأعين متوسعة بجزع ، تراقب خروجه بهيبته المعتادة وكأن شيئًا لم يكن، حتى انغلق الباب اتوماتيكيًا حاجبًا رؤيته أمامها، مصدومة مذهولة لاتجد تفسيرًا لفعل هذا الرجل معها؟ هل هذه كانت مشاكسة لموظفة عادية تعمل بشركته؟ كرئيس  يتمتع بروح الفكاهة وليس انه رجل كشري ومقلوب الحاجبين دائمًا كما تصفه كاميليا، ام يكون متعاطيًا لإحدى المكيفات ولا يعي ما يفعل؛ كأباها الذي يصبح يوميًا متقلب الأحوال حسب الصنف الذي يتجرعه؟!

رفعت هاتفها الذي بيدها لتضغط على الرقم الذي تعرفه جيدًا وتتصل، أتتها الإجابة على الفور.

- الوو........ ايو يازهرة عايزة ايه ياقلبي ؟

.............................

- نعم بتقولي ايه؟

تفوهت بها كاميليا وهي تحدث زهرة في الهاتف والتي اردفت.

- زي مابقولك كدة والله ياكاميليا، لاقدمت حرف ولا اَخرت حرف، دا فكرني بالعيال الصيع في حارتنا لما يحبوا يغلسوا على بنت معدية في الشارع.

شهقت كاميليا التي انتزعت النظارة من فوق عيناها وهي تضحك بدهشة اثارت استياء زهرة التي صاحت عليها في الهاتف غاضبة :

- انتِ بتضحكي على كلامي ياكاميليا، هو انتِ سمعاني بقولك نكتة مثلًا؟

حاولت كاميليا كبت ضحكها وهي ترد بأسف:

- انا أسفة يازهرة، بس التشبيه بتاعك ضحكني من قلبي فعلًا وانا بتخيل جاسر الريان بجلالة قدره يعمل زي ماقولتي كدة، دي حاجة كدة ولا الخيال، بس هو بيعمل معاكي كدة ليه؟

وصلها الصوت الساخط:

- هو انتِ بتسأليني ياكاميليا؟ اشحال ان ما كنت انا بنفسي سألاكي السؤال ده امبارح، دا راجل غريب والله .

مطت كاميليا بشفتيها واهتزت كتفيها لا تستوعب فعل ماتذكره زهرة عن جاسر الريان وهي بنفس الوقت لا تكذبها، انتفضت في جلستها بعد سماعها تردد اسمه من قريب لتنهي المكالمة على عجالة:

- زهرة اقفلي دلوقتي وهابقى أكلمك بعدين انا، ماشي.

انتصبت واقفة حينما رأته على الفور امامها اَتيًا وخلفه كارم مدير أعماله ويده اليمنى في مجموعة شركاته

اردفت اليه بصوت مسموع :

- صباخ الخير ياجاسر بيه.

أومأ برأسه لها كتحية بوجهه المتجهم كالعادة راقبته حتى دلف لداخل المكتب واغلق كارم الباب، فتمتمت بصوت خيفض تتسائل مع لنفسها:

- ايوة كدة صح، هو دا جاسر الريان؛ امال اللي بتتكلم عليه زهرة دا يبقى مين ؟

.... ........................


عاد محروس لمنزله ليلًا، يتبختر بخطواته منتشيًا أمام زوجته التي كانت تشاهد باهتمام إحدى حلقات المسلسل الهندي، فسرق انتباهاها عنه؛ حينما التفت على الغناء بصوته لمطرب شعبي مشهور، وضع اللفة التي بيده على الطاولة التي توسطت المنزل ثم تقدم حتى يجلس بجوارها على الكنبة المنجدة بيده سابقًا، خاطبها وهو ينحني ليخلع عنه حذائه.

- مساء الخير ياام البنات.

رددت خلفه بدهشة:

- مساء الخير يامحروس، مش بعادة يعني ترجع بدري كدة والغزالة تبقى رايقة؟

انفرج فاهه بابتسامة متوسعة اظهرت خلوه من بعض الأسنان:

- لا ما انا روقت بدري على نفسي النهاردة، يعني مش محتاج اروح لغرزة الواد يماني وخمرته المضروبة.

صمت قليلًا يجوب بعيناه في ارجاء المنزل، وتابع سائلًا:

- هما البنات راحوا فين؟ مش شايفهم يعني.

اجابته بريبة :

- سلمى ومنى ناموا بدري عشان ميعاد المدرسة، وصفية بقى بتذاكر فوق عند اختها وجدتها، ما انت عارفها بتقضي معظم الوقت معاهم دلوقتي، من ساعة ما خالد خال زهرة سافر الخليج.

أومأ بابتسامة غير مفهومة:

- طب كويس اوي، عشان الجو يخلالانا ياسمسمتي، وناكل كيلو الكباب اللي هناك ده لو حدنا انا وانتِ.

قطبت تنظر نحو اللفلة الموضوعة على الطاولة ذات الرائحة النفاذة وعادت مرددة خلفه بدهشة:

- سمسمتي! وكمان جايب كباب! هو ايه اللي حصل؟ وجبت تمن الكباب منين يامحروس؟

ارتفع طرف شفته وذهب عن وجهه العبث، ينكزها بقبضة يده:

- وانتِ مالك جبته ولا زفته منين؟ دا بدل ماتفرحي اني بدلعك يابوز الفقر انتِ.

- طب خلاص خف إيدك دي شوية يامحروس، انا جسمي لسه موجوع من العلقة اللي فاتت .

قالت سمية وهي ترتد بجذعها تبتعد عنه، توقف يأمرها بصوتٍ حازم :

- طب اخلصي قومي يالا حضريهم والبسي انتِ هدمة كويسة بدال المقرحة التي انتِ لبساها.

نهضت تنفذ أمره على مضض وهي تمتم بقهر:

- ربني ياخدني ياشيخ، عشان اخلص منك ومن خلقتك العكرة دي.

..............................


في اليوم التالي 

وكالعادة بكل يوم جمعة استيقظت زهرة مبكرًا بكل نشاط، لتنهي كل اعمال المنزل سريعًا؛ حتى تجد الوقت الكافي كي تحمم جدتها قبل صلاة الجمعة، حتى لا تحرم رقية من عادة لم تقصر فيها طوال السنوات التي كانت فيها بصحتها.

بعد ان ساعدتها شقيقتها صفية وأجلسن رقية بوسط الصالة متلفحة ببشكير صغير فوق رأسها بعد الإستحمام، كانت صفية تقلم لها اظافرها في انتظار زهرة التي كانت تنشف الأرضية بعد ان قامت بغسل الملابس التي خلعتها عن جدتها .

- براحة يابت، القصاقة هاتاكل صباعي.

صاحت بها رقية على صفية التي ردت لها مبتسمة:

- بطلي انت دلع وتحريك في إيديكي طيب عشان القصافة ماتفوتش عن الضفر.

- انا برضوا اللي بتدلع يامقصوفة الرقبة، انا برضوا.

قهقهت صفية تبتعد عن مرمى كف رقية الحرة وهي تمتمد لتضربها على كتفها، ثم جذبتها من تلباب بلوزتها تسألها رافعة حاحبها:

- خدي هنا يابت، وديتي فين المنوكير اللي كنتِ حطاه على ضوافرك امبارح؟.

ردت صفية بتوجس :

- شيلته ياستي عشان اعرف اصلي، بس انتِ بتسألي ليه؟

ضيقت رقية عينيها تسالها بتركيز:

- لا انتِ بتوحطي المنوكير وتطلعيه وقت الصلاة كدة عادي.

اومأت لها برأسها:

- ايوة ياستي دا بينشال على طول عشان اسلامي، انا بحطه بس وانا خارجة كدة تفاريح يعني.

تركتها وهي تأمرها :

- طب قومي هاتي وحطيلي على ضوافري.

- احطلك على ايدك بس ازاي ياستي ؟

هتفت بها صفية قبل أن تضربها رقية على كتفها :

- هو انا ها علمك يامقصوفة الرقبة، زي مابتحطي  لنفسك ياختي حطيلي، قومي يالا.

نهضت عنها صفية مبتعدة تردد بعدم تصديق :

- ياستي ماينفعش، دا لونه احمر فاقع.

قالت رقية وهي تعبر بيدها بما جعل صفية تطلق ضحكتها بصوتٍ عالي:

- وماله يابت لما يبقى احمر فاقع، لهو انا هارقص بيه. ولا يكونش هارقص بيه؟

- حطيلها ياصفية وانا ابقى اشيلهولها وقت الصلاة .

تفوهت بها زهرة وهي تقطع الصالة أمامهم وتحمل على يدها، كوم الملابس المغسولة على طبق بلاستيكي صغير، كي تنشرها على منشر الشرفة، انتبهت عليها صفية وهي تتابع سيرها، حاسبي ياصفية، شعرك كله خارج من الحجاب ، ارتدت زهرة فور سماعها الملحوظة كي تلملم شعرها جيدًا قبل ان تضع الحجاب الطويل لتخفيه، تكلمت شقيقتها صفية بأعين يملأها الأنبهار:

- الله يازهرة، شعرك طويل وحلو اوي، كان نفسي شعري يبقى زيه، هو انتِ ليه دايمًا مخبياه؟

تبسمت لها زهرة تجيب سؤالها:

- اتعودت بقى ياصفية، من ساعة ما كبرت وخالي خالد قالي ان البنت مدام بلغت يبقى تلتزم بالحجاب، وانا بقيت البسه حتى في البيت .

استفاقت صفية من تركيزها مع كلام شقيقتها وانبهارها لرؤية شعرها على نغزة بالعصا على اسفل قدمها وصوت رقية يصدح بجوارها، كبري في قلبك يابت سمية.

صرخت صفية متألمة :

- براحة ياستي، هو انا هاحسدها يعني؟

تجاهلتها رقية وهي تردف لزهرة بجدية:

- اتصلي على خالد النهاردة يازهرة مدام جييتي سيرته، خليني اطمن عليه.

................................

وفي مكان اَخر .

تقدم عامر بخطواته البطيئة حتى اقترب من حوض السباحة الكبير، يهتف على ابنه الذي استغل يوم أجازته لممارسة هوايته المفضلة في السباحة:

- جاسر باشا، ممكن والنبي دقيقتين من وقتك يعني لو تسمح وتخرج من باب الحمام.

ظل على وضعه بداخل الماء، صامتًا للحظات قبل ان يردف باقتضاب:

- لازم يعني، ماينفعش تكلمني على كدة؟

صاح عليه عامر بحزم:

- ماتخرج بقى ياولد وتعبرني، هي الميا هاتطير.

اومأ بعيناه ثم سبح نحو الخروج على مضض، حتى خرج الى والده يجفف بمنشفة قطنية بيضاء جسده المبتل، قبل ان يجلس امام والده، الذي اشعل سيجارًا كوبيًا من التبغ الفاخر، تفحصه قليلًا ثم اردف:

- ماشاء الله، انا شايف ان عضلاتك زادوا واتنحتوا اكتر من الأول، شكلك مهتم اوي بمشوار الجيم ولعب الرياضة بانتظام.

نزل بعيناه نحو مايقصده والده ورد :

- الحمد لله، انا فعلًا بقيت منتظم .

اومأ برأسه عامر يغمغم بعدم رضا:

- طبعًا امال ايه، مش بتوفر الوقت اللي بتفضاه من شغلك للرياضة وبس، شئ طبيعي ان دي تبقى النتيجة.

ضيق عيناه سائلًا بتفسير:

- تقصد ايه مش فاهم .

تنهد عامر يجيبه وهو يقرب رأسه منه:

- قصدي انت فاهمه كويس ياجاسر، بلاش تلف وتدور معايا.

اشاح بوجهه عنه يخفي امتعاضه وقد وصل اليه ما يرمي اليه والده ، تابع عامر.

- بتبعد بوشك عني ليه؟ يابني اتكلم معايا، انا مش حد غريب، هو انت لدرجادي السكك بقت مسدودة بينك وبين ميرهان؟

عاد بوجهه اليه رافعًا احدي حاجبيه سائلًا :

- حضرتك بتسألني على أساس انك متعرفش يعني؟

قلب عيناه الرجل الكبير وقال متأفافاً:

- لا ياسيدي عارف، اتجوزتها عشان ترضي والدتك، وترضيني انا بمشاركة والدها بسلطته ونفوذه عشان نكبر المجموعة، بس كمان احنا كنا فاكرين انكم هاتتفاهموا زي اي اتنين متجوزين، خصوصًا وانت يعني حسب ما اعرف، شوفت قبلها ومشيت مع كتير فشئ طبيعي انك تهدى وتعقل بالجواز وهي......

- هي ايه؟

سأل والده من تحت أسنانه، جاوبه عامر وكلماته خرجت بتعلثم وتفكير:

- هي.... مش وحشة على فكرة، اينعم هي متحررة في لبسها وطريقة حياتها، بس دا بقى شئ منتشر كتير في طبقتنا، ولو عايز ممكن اذكرلك اسماء لناس كتير في عائلات اعرفهم ...

- مش عايز اعرف.

قاطعه بحدة وأكمل :

- انا لا عايز اعرف عنها ولا منها، انا مبقتش طايقها من الأساس، هي بتتجاهلني وتعمل اللي هي عايزاه وانا مش مبعبرها اساسًا، تتفلق.

رجع عامر بظهره للمقعد وارتفع حاجبيه يستوعب البساطة التي يتكلم بها ابنه عن شئ كهذا، وقال اَخيرًا:

- هو انت ليه محسسني انك بتتكلم عن واحدة غريبة، يابني دي مراتك، يعني لازم يبقى في مودة مابينكم، أمال بقى لو حصل وخلفتوا عيل هايعيش مابينكم ازاي بس؟

- عايزني انا اخلف من ميرا؟!

قال واطلق ضحكة ساخرة اثارت استهجان والده الذي هتف بحزم ليوقفه:

- بطل ضحكك المستفز ده وماتحرقش دمي، هو فيه ايه بالظبط؟

رد جاسر بحدة :

- في ان جوازي الفعلي من ميرا منتهي من فترة طويلة ، انا عن نفسي مش متذكرها، يعني مابقربلهاش نهائي يبقى هاخلف منها ازاي بقى؟

تعقد لسان عامر عن الرد بعدما اصابته الصدمة من كلمات ابنه الذي تابع:

- ايه ياباشا؟ اسف لو كنت صدمتك بكلامي، بس بصراحة انا كان عندي ظن انك فاهم لوحدك.

- افهم ايه؟ وهي الحاجات اللي مابين الراجل ومراته الناس هاتعرف ولا تفهمها ازاي بس، طب بالنسبالها هي ساكتة ازاي عن حاجة زي دي؟ وانت نفسك عايز تفهمني انك قاعد كدة راهب من غير ست ؟ولا يكونش في حد في حياتك ياولد؟

تسائل عامر بهذه المجموعة من الأسئلة والتي تلاقها جاسر يجيب عنهم بالترتيب :

- اولاً انها ساكتة ازي دي حاجة تخصها هي، لأني كذا مرة عرضت عليها الطلاق لكن هي بقى متبتة زي اللزقة، وحكاية اني قاعد من غير ست، فدي انا كنت بتصرف فيها الأول مع اي واحدة تعجبني، قبل مانفسي تقفل من الصنف خالص واتفرغ لشغلي وبس، اما بخصوص وجود ست في حياتي، فاديك فهمت لوحدك.

نهى جملته الاَخيرة لوالده الذي شحب وجهه وتسمر كالتمثال او كأن اصابه الشلل المؤقت يحدق صامتًا  نحو جاسر الذي التهى عن حالته وقد طاف بعقله اللون الوردي ورائحة الزهور

..................................

كالطفل الصغير الفرح بلعبته الجديدة، كانت رقية تنظر على اللون الأحمر القاني على اظافر يدها الصغيرة، 

- هههي ياحلاوة ياولاد، والله وحطيتي منكير يابت رقية، فاضل بقى اروح الكوافير واعمل شعري كمان هههيييي.

قبلتها زهرة على رأسها كاتمة ضحكتها وهاتفها على اذنها في انتظار الرد من الجهة الأخرى، فاأتى الجواب بعد قليل:

- الوو.. ايوة يازهرة.

- الوو... ايوة ياخالي، عامل ايه ياحبيبي؟

- ياقلب خالك انتِ، الحمد لله يابنت الغالية، اديني بقاوح مع المعايش وربنا المعين،

- امين يارب، يعينك ويقدرك، طب والعيشة عندك ياخالي ، دا انا بشوف شكل البلد اللي انت قاعد فيها في التليفزيون، دي تهبل ياخالي.

- انا في الصحرا ياحبيبة خالك، البلد اللي بتتكلمي عليها دي انا مابشوفهاش نهائي، الصحرا هنا صعبة والشغل اللي فيها يحد الحيل.

صمتت زهرة متأثرة بالمرارة التي تقطر من صوت خالها العابر عبر الاثير، اردف يسألها:

- عامل ايه ابوكي معاكي؟ بيجي يطل عليكم زي انا ماوصيته ولا لسه على وضعه؟

صمتت رافعه حاجبيها تلوي ثغرها دون رد ، فقال خالد :

- مدام سكتي يبقى لسة على وضعه، كان قلبي حاسس والله.

ردت زهرة مغيرة مجرى الحديث:

- سيبك منه ياخالي وخلينا فيك، المهم بقى ، امتى كدة هتنزل اجازة عشان تحدد ميعاد مع الأستاذة نوال حبيبة القلب.

وصلها صوت خالها الذي تالق بالفرح رغم انكاره:

- بس يابت انا مافيش في قلبي غيرك، والأستاذة نوال دي مجرد واحدة انا خطبتها ويعالم الجواز هايكمل بقى ولا لأ.

هتفت عليه بجزع:

- ماتفولش ياخالي وقول ان شاء الله لا حسن وربنا هازعل بجد.

ردد يراضيها بابتسامة:

- حاضر ياستي هاقول ان شاء الله، المهم بقى اديني رقية دي وحشتني اوي.

- مش اكتر مني ياخالد يابن قلبي.

هتفت بها رقية وهي تتناول الهاتف، فاتاها صوته الضاحك:

- ايه يارقية لحقتي تمسكي الفون وتردي بالسرعة دي؟

- ياواد سمعتك عشان زهرة معلية السماعة، وحشتني يامضروب،

- وانت كمان ياامي، وحشتيني قوي ووحشني كلامك وضربك على راسي لما احطها على رجلك.

- يخربيتك هو ده اللي وحشك مني، ينيلك يابعيد براسك الكبيرة دي.

- هههههههه .

انطلقت منه مجلجلة في الهاتف جعل الاثنتان تضحكان على ضحكته، قبل أن تتذكر زهرة لشئ ما فتناولت الهاتف تردف سريعًا:

- أسفة ياخالي سامحني لو ها قطع ضحكتك، بس انا بصراحة خايفة لانسى ، وماهر بركات مشدد عليا اقولك 

- عايز ايه سمسار الزفت.؟

سأل بغضب واجابت زهرة:

- بيقولك اننا بالشهر اللي احنا فيه ده، يبقى هانكمل ٥ شهور على قسط الشقة المتأخر، وانه يعني مش هايقدر يصبر اكتر من كدة.

- يعني ممكن ياخد الشقة؟

تمتم حانقًا يستغفر ربه قبل ان يردف لزهرة:

- كلها شهر بالكتير واكون باعتلك عالبنك كام قسط كدة، انا الشهور اللي فاتت دي كلها كنت بسد ديني عند الراجل اللي طلعني السفرية،بس هانت

- معلش ياخالي ربنا يقدرك ويقويك، بقولك ايه خد بقى رقية خليها تروقك!

بعد أن أنتهاء المكالمة مع خالد نهضت زهرة كي ترتب فراش جدتها بالغرفة وتغير الملائة القماشية لها، ولكنها توقفت على طرقة على باب منزلهم مصاحبًا لصيحة رجولية معروفة لديها.

- افتحي يازهرة الباب.

- مين يابت؟

سألت رقية وهي توقفها قبل الخروج من الغرفة، وردت  زهرة:

- دا ابويا ياستي، ثواني هاروح افتحه ورجعالك تاني هنا. 

تمتمت رقية بقلق وهي تنظر في أثر حفيدتها التي خرجت لتفتح باب المنزل لوالدها:

- ياترى ايه اللي جايبك في الوقت ده يامحروس؟ حكم انا عارفاك متطلعش عندي الا في المصلحة.

................................


- أبوكي! ودا ايه اللي جابوا عندك؟

- معرفش والله ياماما، اديلوا شوية وهو قاعد جوا في اؤضة ستي رقية بيتكلم معاها ومع زهرة بصوت واطي، انا مش سامعة منه كلمة

كانت اجابة صفية على سؤال والدتها في الهاتف وهي واقفة به على اطار غرفة زهرة تشرئب بأنظارها وتراقب مايحدث بغرفة رقية في الناحية الأخرى، وتابعت:

- تفتكري ياماما ها يكون عايز منهم ايه؟ اصلي بصراحة يعني انا عمري ماشوفته جاي يطمن وخلاص.

- والله يابنتي ماعارفة، بس ابوكي من امبارح وانا حاسة دماغه فيها حاجة، ربنا يستر بقى، اتصلي بيا بعد مايمشي وطمنيني.

.................................

شاحبة الوجه مزبهلة تنظر نحو والدها بعدم تصديق وهو يردف بكلماته امامها وهي لا تستوعب جديته، انتبهت تستفيق من صدمتها على سؤال رقية.

- فهمي دا يبقى ابن مين ؟

- فهمي دا يبقى صاحبه ياستي.

رددت زهرة تجيب جدتها بحدة اثارت غضب والدها الذي تشدق قائلًا :

- مش قد سني يابت، دا يدوبك مقفل ال ٣٦ في يونيه اللي فات، يعني في عز شبابه.

سألته رقية متخصرة :

- وابو ٣٦ تلاتين دا بقى ياعنيا، اسمه ايه بالكامل عشان اعرفه؟

اجاب محروس:

- اسمه بالكامل فهمي متولي الشبراوي.

شهقت رقية ضاربة بكفها على صدرها:

- ابن متولي الشبراوي يعني امه شوقية، نهار اسود يامحروس، بقى عايز تجوز بنتك للواد الاهبل دا اللي كان بيمشي في الحارة بالبربور على وشه والعيال تحطله التلج في قفاه!!


...... يتبع 

نختم بقى بخفة دم رقية، توقعاتكم بقى للجاي وأرأكم 

تكملة الرواية من هنا


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
CLOSE ADS
CLOSE ADS
close