أخر الاخبار

نعيمي وجحيمها بقلم امل_نصر بنت_الجنوب الفصل السادس والسابع كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات

نعيمي وجحيمها 

بقلم امل_نصر بنت_الجنوب

 الفصل السادس والسابع 

كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات

الفصل السادس 

مع ارتفاع الاصوات وازدياد وتيرة حدتها، اقتربت صفية اكثر من الغرفة الصاخبة بشجارهم، حتى أصبحت تقف ملتصقة بإطار باب الغرفة، تشاهد مايحدث صامتة، في ظل انشغال الجميع عنها.

- هي دي بقى تربيتك يارقية اللي فرحانة بيها، البت بتهب في وش أبوها من غير خيشا ولا حيا.

هتف بها محروس غاضبًا بأعين حمراء لم تهابها زهرة التي كانت تقف مقابله بالند، بشراسة نادرًا ماتصدر منها، حينما يصل غضبها لأشده وهي الاَن تشعر بأنه قد فاض بها من هذا الرجل المدعو أباها ومن أفعاله، هتفت جدتها ترد عليه:

- ومالها بقى ياخويا تربية رقية؟ عشان البت ماهي رافضة الواد ابو بربور بتاعك؛ تبقى مش متربية وبتهب فيك؟

- ابو بربور ابو بربور في ايه ياولية ؟ هو انت مخك وقف على شكل الواد وهو صغير، ماتعرفيش انه كبر وبقى راجل وملو هدوموا دلوقتي.

صاح بها محروس على رقية، فجاء الرد من زهرة بتكملة :

- وبياع برشام واخلاقه زفت ومتجوز قبلي تلاتة كمان .

- وماله لما يبقى متجوز ومطلق ، نقص منه حتة يعني ولا نقص منه حتة، ثم حكاية بيع البرشام دي اشاعات والناس بتطلعها عليه عشان ماهو راجل كسيب وجيبه دايمًا عمران .

رد محروس بتشدق ، فقربت منه زهرة رأسها تنظر داخل عيناه بحدة غير مبالية بالحمم المشتعلة بها

- بزمتك ياشيخ انت مصدق كلامك ده؟ ولا انت فاكرني هبلة ونايمة على وداني عشان معرفش فهمي واللي بيعمله، سمعة فهمي مسمعة زي الطبل في الحارة ياوالدي، بالظبط زي سمعتك انت ما مسمعة في الدنيا كلها..ااه

صرخت بها مجفلة حينما حطت كفه على وجنتها بلطمة قوية دوى صوتها في محيط الغرفة تتبعه صرختها وصرخة صفية من الناحية الأخرى، فخرج صوت رقية بخشونة بعيدة تمامًا من رقتها وحديثها اللطيف دائمًا :

- اطلع برة يامحروس بكرامتك احسن، بدل ماافرج عليك الحارة كلها، وان كنت فاكر ان بسفر خالد ابني زهرة هاتبقى لقمة سهلة في ايدك ، يبقى انت لسة معرفتناش وعايز تعيد معانا القديم من تاني .

هتف جازًا على أسنانه:

- زهرة بنتي يارقية وان كنت سيبتهالكوا زمان فدا مش هايلغي انها بنتي وليا حق عليها .

- حق مين ياابو حق؟ حاول بس تقرب منها وانت تشوف مين يقفلك، ابني قبل مايمشي كان عامل حسابه، حاول بس تلمس شعرة من زهرة ولا تقرب لها ، وانا اكون فاتحة القديم والجديد ومودياك في ستين داهية .

- انا خارج دلوقتي وراجع لكوا تاني، ماهو انا مش كروديا ها مش كروديا، اوعي يابت .

صاح بها يدفع صفية بعيدًا عنه ليتخطاها ويخرج مغادرُا ، مغمغًا بالكلمات النابية، اقتربت صفية من شقيقتها التي مازالت واضعة كفها على مكان اللطمة، متسمرة محلها، يبدوا انها مازالت لم تستفيق بعد من الصدمة، فقالت مهونة عليها تربت على يداها:

- معلش يازهرة، ما انتِ عارفة بابا.

اومأت لها بمرارة وأعين غائمة تأبى البكاء :

- عارفاه، وعارفاه قوي لما يحط حاجة في دماغه .

رددت خلفها رقية بتحدي:

- يحط ولا مايحطش بابت، انت هايهمك في إيه؟ اعلى مافخيله يركبه!

...............................


بفستان اسود التصق بجلدها كجلد ثانى، طوله لم يصل حتى الى الركبة، ليظهر طول سيقانها ونحافتها ، كانت عائدة من حفلة حضرتها مع اصدقائها، تتلاعب بمفاتيحها وتدندن بالغناء غير مبالية لأي شئ، غافلة عن اربع عيون كانت تراقبها من وقت ان دلفت للمنزل، وقبل أن تصل للدرج كي تصعد للطابق الذي غرفتها به؛ أجفلت على صيحة قوية من الخلف

- ميرهان .

استدارت ترد على صاحب الصوت وقد علمت هويته:

- نعم ياانكل عايز حاجة؟

ظل صامتًا على هيئته المتحفزة ولم يرد، نزلت عيناها نحو الجالسة بجواره وجدت خالتها تنظر لها بجمود هي الأخرى فقالت مرتبكة :

- اا مساء الخير اولًا هو في حاجة؟

............................


واضعة رأسها على اقدام جدتها مستكينة هادئة؛ تتلقى حنان المرأة العجوز وهي تلمس بكفها على شعرها، تلقي على أسماعها الكلمات اللطيفة والمشجعة:

- عجبتيني أوي النهاردة لما وقفتي وفي وشه ترفضي الجوازة الزفت دي يازهرة، أيوة كدة ياعين ستك، خليكي قوية زي مابيقولك خالك دايمًا.

- بس ابويا مش هايسكت ياستي .

قالت زهرة بنبرة هادئة، سألتها رقية باستفهام:

- يعني هايعمل ايه يعني؟ خليه يوريني شطارته ويشوف بقى ساعتها رد فعلي هايبقى إيه؟

- انا عارفاه ياستي، مش هايعدي الرفض كدة بالساهل، اكيد فهمي اغراه بالكيف بتاعه، ماهو الحماس ده مايجيش من شوية.

صمتت زهرة قليلًا تننهد بثقل، ثم تابعت:

- يعني مش كفاية عليه أنه منع عني بسمعته المهببة كل الفرص الكويسة، مش كفاية عليه انه حرم عليا الحلم الطبيعي لأي بنت في الجواز والفرحة؛ وانا عارفة ومتاكدة اني مش هلاقي اللي هايجهزني ولا يرفع راسي قدام اي راجل يتقدملي.

- وخالك بقى راح فين يامقصوفة الرقبة؟

قالت رقية منفعلة وهي تلكزها بقبضتها على كتفها، تأوهت زهرة قليلًا ثم تابعت بجدية:

- اه، خالي خالد ربنا يخليهولي ياستي، ضهري وسندي دايمًا، لكن بقى اللي مايشوفش من الغربال يبقى اعمى، هو ضيع جزء كبير اوي من شبابه في تربيتي والصرف عليا، اَن الأوان بقى انه يشوف مصلحتوا ويحوش قرشين يتجوز بيهم الست اللي بيحبها، هو انا يعني هافضل كاتمة على نفسه كدة على طول، دا حتى يبقى حرام.

- قومي يابت من على حجري قوي .

قالت وهي تدفعها بكف يدها بعنف، مما جعل زهرة ترفع عنها رأسها وتعتدل بجذعها لتقابل الغضب العاصف على ملامح جدتها ، والتي وجهت اليها كلماتها بحدة:

- إياكي اسمعك تاني بتقولي الكلام ده فاهمة، اوعي تفتكري يابت ان خالك سافر عشان يحوش لجوازتوا هو وبس، لا ياحبيبتي؛ خالك حلفلي انه مش راجع من سفره، الا ومعاه تمن جهازك من الألف للياء.

- كمان ياستي، يعني يعول همي حتى في دي؛ 

مش كفاية عليه الهم اللي هو فيه.

هتفت رقية عليه بحدة:

- وانت مالك ياستي، هو على قلبه زي العسل.

صمتت قليلة تخفف حدة حديثها:

- ياحبيبتي دا خالك كان بيتقطع من جوا لما كان بيأجل في جوازك مع كل عريس بيتقدملك؛ لو كان بإيده لكان جوزك لأول واحد اتقدملك من وقت ماخلصتي المعهد، لكن بقى كل حاجة نصيب وان شاء الجاي احسن من اللي فات، ولا ايه؟ مش برضك بيقولوا كدة يابت في التليفزيون؟

اومأت لها بابتسامة :

- بيقولوا ياستي.

- طب اتخمدي بقى خليني اللعبلك في شعرك مدام فكرتيني بالواد خالد وحركاته معايا.

استسلمت زهرة لمزاح جدتها وهي تجذبها من شعرها لتعود برأسها مرة أخرى بحجر رقية التي هتفت بعد ذلك .

- يالا يابت محروس اللي اقرع انتِ.

...........................


- انت بتقولي انا الكلام دا ياانكل ؟

سألت بأعين متسعة اظهرت جمال عدساتتها اللاصقة ذات اللون الرمادي على أعيُنها.

صاح عليها عامر بقوة:

- ايوة انتِ يا مريهان، انا بنصحك انتِ عشان عليكي الدور الأكبر في الموضوع، يابنتي ماينفعش النظام اللي انتوا عايشين بيه ده، دا ماسموش جواز دا حاجة تانية خالص ملهاش اي تفسير.

- طيب وانا ذنبي ايه؟

هتفت بها تخاطب الاثنان وتابعت:

- ابنك هو بِعد عني ياخالتوا، ابنك هو اللي كان بينتقدني ليل ونهار في لبسي وطريقة حياتي من غير تفاهم ياأنكل، وانا كرد فعل عادي بردولوا، امال يعني افضل ساكتالوا لحد مايلغي شخصيته وابقى تابعة ليه.

تدخلت خالتها وتدعى لمياء

- يابنتي ماحدش قالك ابقى تابعة ليه، احنا بس بنقولك بطلي تتحديه وخففي نبرة التعالي عليه، جاسر الريان مش قليل عشان يتقبل معاملتك دي، ابني مابيجيش بالعند يامريهان.

مطت شفتيها قائلة باستعلاء:

- وانا كمان مش أي حد عشان اتقبل وارضى بأسلوبه ده معايا، وكفاية اوي اني جاية على نفسي وقابلة بعيشتي مع واحد مش معتبرني مراته اساسًا .

- ااه، جينا بقى في المفيد واللي عايز افهمه انا بالظبط.

اردف بها عامر وتابع :

- هو انتوا من امتى بالظبط عايشين مع بعض بالنظام ده؟ وانتِ ازاي متقبلة كدة ومابتحاوليش معاه.

فغرت فاهها بملامح ممتعضة تستنكر:

- نعم ، انت عايزني انا احاول؟ وهو بقى دوروا ايه عشان افهم؟ ابنك ياانكل بقالوا سنتين مقربليش، سنتين من تلت سنين جواز، عايشين في بيت واحد، مابنشوفش بعض غير بالصدفة، انا كان ممكن اوافقه في اول مرة طلب مني اننا نتطلق، بس انا بقى عملت بأصلي وموافقتش على طلبه، عشان مقدرة كويس حجم الكوارث اللي هاتترتب في انفاصلنا على المجموعة واندماج العيلتين، وفضلت ساكتة ومابتكلمش.

تنهد عامر بتعب قائلًا:

- طب وبعدين ياميري ؟ يابنتي احنا جاين مخصوص نقضي اليومين الفاضلين معاكم قبل ما نسافر، نقوم نكتشف الكوارث دي كلها.

اكملت على قوله لمياء:

- لا واحنا اللي كنا عاملين حسابنا قبل مانيجي عشان نعرف ايه السبب في تأخير الخلفة؟ هه.

اعتدلت في جلستها لتضع قدمًا فوق الأخرى، وتتكلم بعنجهية:

- على العموم ياأنكل ، ابنكوا عندكم، كلموه وشوفوا هايقولكم ايه، وانا عن نفسي كبادرة طيبة مني مستعدة اخف الخروجات واتساهل شوية في اللبس عشانه، المهم بقى انه يفهم اني مراته.

تبادل الرجل وزوجته النظراتٍ بينهم والتي تحمل في طياتها الأمل، غافلين عنها وقد التمعت عيناها بالشوق والرغبة لمجرد الفكرة 

............................

في اليوم التالي 


في الشركة، وعلى طاولة مستديرة امتلأ سطحها بالملفات والمستندات كان يبحث ويعمل مع مدير اعماله كارم على مجموع الأعمال التي تم انشاؤها والتي مازالت في طور التنفيذ، ومعدل الجدول الزمني المحدد للإنتهاء من لكل واحدة منهم، عاد جاسر بظهره لخلف المقعد، يفرد ذراعيه عاليا وقد تمكن منه الإرهاق:

- انا تعبت ياكارم هو احنا لسة قدامنا كتير؟

قال جاسر، واجابه الشاب الثلاثيني بجدية كعادته وهو يبحث في الملفات:

- للأسف ياباشا لسة فيه كتير، تحب نأجل شوية ولا نكمل عادي .

- لا نكمل ايه ؟ انا فصلت .

هتف بها ونهض على الفور ليخطوا نحو الإريكة الجلدية الكبيرة الموجودة في ركن المكتب ليفرد عليها جسده ويستريح قليلًا، تبعه كارم وهو يلملم في الملفات قائلًا:

- تمام ياباشا، تحب اطلبلك حاجة تشربها ولا تأمر بأي حاجة تاني؟

لوح بكفه اليه بعد ان استلقى يغمض عيناه، 

- لا انصرف انت دلوقتي، بس نص ساعة كدة وتخلي كاميليا تدخلي بأوراق المناقصة الجديدة، ماتنساس

- أمرك ياباشا.

اردف بها كارم وانصرف يغلق باب المكتب بهدوء.

خرج الى كاميليا التي انتبهت اليه بفطنتها وتجاهلت حديث غادة الجالسة أمامها على المكتب في الناحية الأخرى، اقترب من مكتبها بعملية يضع الملف على سطحه:

- نص ساعة ياكاميليا وتدخلي الاوراق للباشا جوا.

اومأت برأسها وهي تتفحصهم جيدًا :

- تمام 

تحرك قليلًا ثم استدار ممازحًا بابتسامة :

- بس اوعي تنسي الله يخليكي، احنا مش قد عواصف غضبه.

نفت تهز برأسها ضاحكة :

- لا اطمن ياسيدي، مش هانسى أكيد .

تدخلت غادة التي كانت مزبهلة نحو الرجل بانبهار قائلة بمزاح هي الأخرى:

- ايوة صح دا ممكن يعلق الكل هنا ههههه

لم يستجيب كارم لمزاحها وتحرك مغادرًا وكأنه لم يسمع شئ، اما كاميليا فاتجهت لحاسوبها تعمل عليه هي الأخرى.

- يالهوي ياما عالرجالة اللي تهبل ياكاميليا، بتعرفي تجاري الناس دي ازاي ؟

التفتت اليه تسألها بانتباه:

- اجاريهم في ايه بالظبط مش فاهمة؟

ردت غادة بلهفة:

- قصدي يعني بتعرفي تتكلمي وتهزري معاهم، من غير ماتتلبخي ولا تتلغبطي معاهم.

- واتلبخ ولا اتلغبط ليه؟

هتفت بها كاميليا وهي تلتلفت لها بجذعها تخاطبها بجدية

- انا مابهزرش مع حد منهم يا غادة عشان دا يحصل، انا كل معاملاتي معاهم في حدود العمل وبس، لو زودت معاهم ولا لغيت بيني ومابينهم الحدود، يبقى استاهل بقى اللي يطولني منهم!

نظراتها الحادة وكلماتها القوية لم يخفى مضمونها عن غادة التي تظاهرت بعدم الفهم وغيرت دفة حديثهم:

- الا صحيح شوفتي البت زهرة، الكمبيوتر بتاعها باظ تاني وبتقول عليه شغل مهم اوي الخايبة دي.

ردت كاميليا وهي تلتف عائدة للحاسوب مرة اخرى لتعمل عليه:

- اه ما انا قولتلها تشوف حد يصلحه بسرعة، اكيد عماد هايعرف دي شغلته اساسًا.

- عماااد! هه

تفوهت بها غادة عاوجة زاوية فمها بسخرية واكملت :

- دا ماهيصدق يلاقيها فرصة، عيل لازقة صحيح

زفرت كاميليا بيأس من طريقتها وفضلت عدم التجادل معها.

............................


وبالداخل وهو مستلقي على أريكته، بتعب كان مغمض العينان علٌه يحظى ببعض الراحة قبل أن يعود لأعماله التي لا تنتهي أبدًا، يريد السكينة ولو قليلًا لهذه الماكينات الدائرة بعقله في التفكير المستمر، لاشئ جديد يحدث عن اليوم الذي يسبقه، لا شئ اصبح يفرحه او يعطيه الطاقة في الاستمرار، وما أشبه اليوم بالبارحة، روتين يومي ومعدل من النتائج لابد من الركض والسعي الدائم للوصول اليها، كالثور المعصوبة عيناه يدور في ساقية ولا يشعر بلذة النتائج، يفتقد الفرحة من القلب،، يفتقد السعادة التي لا يشعر بها ابدًا، يفتقد الشغف لشئ جميل يخطف لب قلبه فيعيد اليه الحياة بلمسه او القرب منه يفتقد الشعور بمعنى الالوان المفرحة يفتقد الرائحة.... رائحة الزهور 

انتفض فجاة يعتدل بجذعه وعقله يتذكرها الاَن بإلحاح ، يومان مروا عليه من وقت ان شاكسها بالمصعد وضحك من قلبه على خجلها والرعب الذي اجتاح قلبها منه، مر يومان ودائمًا ماتداعب خياله باللون الوردي و الرائحة الطيبة، مر يومان....ولم يرها!

نهض فجأة بدون تفكير وقدماه تقوده لخارج المكتب، 

انتفضت كاميليا برؤيته خارجًا امامها ومعها غادة التي تفاجأت برؤيته ايضًا .

- عايز حاجة ياجاسر بيه؟

هتفت عليه كاميليا تسأله، أومأ لها بكفه دون رد وأكمل سيره للخارج،

- ايه ده؟ هو ماشي ولا ايه؟

سألتها غادة بفضول ، فجاوبتها كاميليا بحيرة وعيناها تتبع اثره:

- لا طبعًا هايمشي ازاي انتِ كمان كدة بالقميص الأبيض والبنطلون من غير الجاكت؟ بس ده هايكون رايح فين بس؟

غمغمت كاميليا بصوت خفيض لنفسها .

......... ..................


وفي الناحية الأخرى 

بجوار مكتبها الصغير كانت تقف في انتظار اصلاح الحاسوب الذي كاد يفقدها ان عقلها حينما توقف وقت عملها لإحدى الملفات المهمة التي امرها مديرها بسرعة تجهيزها ، سألت بقلق:

- ها في أمل انه يتصلح دلوقتي ولا هايعك في الوقت؟

رفع راسه اليها عماد بابتسامة واسعة :

- انت عايزاه يخلص امتى؟ لو عايزاه دلوقتي، فاانا شغال عليه، ولو عندك صبر ، ممكن اخدوا معايا واجيبه بكرة زي الفل.

ردت سريعًا بلهفة:

- لا طبعًا دلوقتي ياعماد، انت عايز الأستاذ مرتضى يبهدلني ولا ايه؟

بابتسامة ازدادت اتساعًا قال:

- بعد الشر عليكي من البهدلة يازهرة، تصدقي اول مرة اعرف ان اسمي حلو كدة .

كالعادة ازدادت خجلًا وتورت وجنتيها تخفض عيناها عنه دون رد ، جعلته يردف بقلبٍ يرفرف بالسعادة :

- اقسم بالله نفسي اشكر الكمبيوتر ياشيخة .

- وعايز تشكر ايه تاني كمان؟

أجفل الاثنان على الصوت الخشن الذي دوى بالقرب، على باب الغرفة الواسعة، انتفضت زهرة حينما رأته بهيئته المتجهمة دائمًا يتقدم نحوهم وحاجبيه المقلوبان ازداد تعقدهم بشر.

- ايه اللي بيحصل هنا ده ؟

سأل بجمود ، أجابه عماد الواقف امامه باحترام :

- أبدًا يافندم ، دي الاَنسة زهرة الكمبيوتر بتاعها حصل فيه عطل وانا جيت اصلحه.

- اَنسة زهرة!

غمغم بها بحنق وتابع يسأله:

- وانت شغلتك إيه بقى عشان تصلح الكمبيوتر للاَنسة؟

أجابه عماد :

- يافندم دي شغلتي هنا في الشركة .

- امممم

اردف بها ينتقل بعيناه نحو زهرة التي جف حلقها من افعال هذا الرجل الغريبة معها ، وعماد الذي كان يقف بعدم فهم لما يحدث ، 

- والكمبيوتر اتصلح ولا لأ؟

سأله جاسر من تحت أسنانه:

نفى عماد يهز برأسه :

- لا يافندم انا لسة بحاول فيه .

- طلب اخلص اخرج بيه على مكتبك صلحه عندك .

لوح له بإبهامه للخلف اَمرًا ، تسمر عماد محله قليلًا بعدم استيعاب فعاد اليه بنبرة اقوى :

- بقولك اخلص ياللا خد الكمبيوتر وصلحه عندك.

اذعن مضطرًا عماد يتناول الحاسب وحقيبته ليخرج ، خرج صوت زهرة الضعيف بصعوبة من فرط ارتباكها:

- ططب انا عايزة الكمبيوتر بسرعة يااعماد عشان الملف اللي قولتلك عليه .

- هايخلصه تصليح ويجيبه .

هدر به بحدة جعلتها تبتلع الباقي من كلماتها :

- مش هاتأخر عليكي يازهرة، هاصلحه واجيبه 

هتف بها عماد قبل ان يخرج من الغرفة مغادرًا، فالتفت رأس جاسر بسرعة نحوه ينظر في اثره بملامح متوحشة، حتى عاد اليها بنفس الملامح المخيفة وتقدم بخطواته البطيئة والمريبة نحوها، فجعلها ترتد للخلف حتى التصقت بالحائط خلفها ، تتمنى لو يعود اليها عماد او ان تخرج مغادرة هي الأخري، قبل ان يتوقف قلبها من الخوف ، سئلها فجأة:

- صفته ايه دا عندك؟

قطبت جبهتها ترد باستفسار :

- نعم .

هدر بصوت أعلى مائلًا بوجهه نحوها :

- بسألك تجاوبي، صفته ايه اللي اسمه عماد دا عندك ؟

الفصل السابع 


اهتز جسدها بصيحته دون ارادتها، كما ازداد جزعها وهي تنظر اليه بعدم فهم، تردد وكأنها تتحدث إلى رجل فاقدًا لعقله .

- مممالهوش صفة والله، دا دا زميلي وبس ، يعني مش خطيبي ولا جوزي عشان يبقالوا صفة

ضيق عيناه متحدثًا بنبرة منخفضة مثيرة للشك:

- ولما هو مش جوزك ولا خطيبك ولا ليه أي صفة غير انه زميلك وبس، بيتكلم ويهزر معاكي ليه؟ وانتِ تتقبلي هزاره وتتجاوبي معاه ليه؟

توسعت عيناها تنظر اليه بصدمة لما وصل الى ذهنها من فحوى كلماته اليها فردت بأعين غائمة تأبى السكوت عن اتهامه :

- حضرتك انا كنت واقفة باحترامي مستنية الكمبيوتر بتاعي يصلحه زميلي في العمل ، وان كان على ابتسامة ولا حتى ضحكة صدرت مني فدا شئ عادئ بيحصل بين الزملة ، وعماد شخص في منتهى الاحترام .......

قاطعها بحدة هادرًا :

- وايه كمان ياأستاذة؟ ماتقولي فيه شعر احسن.

انعقد لسانها عن الرد تمامًا، وهي تجزم بداخلها ان هذا الرجل فاقدًا لعقله حقًا وليس تخمين ، فما فائدة الجدال مع رجلٍ كهذا؛ لا تجد لأفعاله معها تفسير، حل الصمت بينهم وهو ينظر اليها بأعين مشتعلة وملامح وجهه المعقدة بغموض، تونبئُها بحجم تطرفه وهي تبادله النظر بخوف على أمل ان يتزحزح من أمامها ويتركها تُدخل نفسًا طبيعيًا داخل صدرها وقد شعرت بانسحاب الهواء من حولها في قلب الغرفة بحضوره، ولم يضل سوى الرائحة الطاغية لعطره فيها.

- في حاجة ياجاسر بيه؟

دوت قريبًا من ناحية باب الغرفة الخاصة بمديرها الذي استمعت لسؤاله وكأنه النجدة التي أتت اليها من السماء، التف جاسر يبعد انظاره عنها ويستدير ببطء نحو الرجل ليجيبه وكأن شيئًا لم يحدث منذ قليل واضعًا يديه بجيبي بنطاله بهدوء:

- كنت عايز حسابات الشركة عن السنة اللي فاتت كلها يامرتضى.

قطب الرجل قليلًا بدهشة قبل ان يرد مرحبًا به رغم غرابة الموقف يشير اليه بيديه:

- انت تؤمر يافندم، تعالى جوا شرف مكتبي المتواضع وانا اجهزهم حالًا قدامك.

- لا انا مش داخل، انا جاي ابلغك وبس .

اردف بها وانسحب مغادرًا على الفور دون استئذان جعل الرجل ينظر في اثره لفترة مندهشًا قبل ان يعود بنظره الى زهرة التي تسمرت محلها بوجهٍ مخطوف وأعين جاحظة، وهي مازالت لا تستوعب ماحدث 

...............................


- بيضطهدني وحياة النعمة الشريفة بيضطهدني،.

تمتمت بها زهرة وقد تمالكت نفسها اَخيرًا وهي واقفة بجوارر كاميليا في الطرقة المؤدية الى حمام النساء، في انتظار غادة التي كالعادة تعيد الإهتمام بزينتها قبل ان تغادر معهن الشركة ، رددت كاميليا مستنكرة رغم تعجبها هي الأخرى :

- اضطهاد وكلام فارغ ايه بس اللي بتقوليه ده يازهرة ؟ هو احنا في عهد العبودية يابنتي؟

رفعت اليها عيناها قائلة بغضب:

- لا ماهو جاسر الريان هايرجعه تاني ياكاميليا ماتقلقيش، الراجل مش طايقلي كلمة، وكل مايشوفني يطلعلي بتهمة شكل، طب تقدري تفسريلي كدة اللي قولتهولك انا من شوية دا معناه ايه؟

كاميليا وقد انتابها الشك هي الأخرى ولكنها حاولت ان تصرف هذه الأفكار عن رأسها والعودة لتحليل الأحداث بمنطقية كعادتها 

- بصراحة انا معرفش تفسيره ايه؟ بس هو اكيد اتعصب يعني من عماد وافتكره بيهزر في شغله، ودا واحد دايمًا وقته زي السيف وما يقتنعش بهزار ولا ضحك اثناء العمل .

- طب وانا ايه دخلي يابنتي ؟ بيشخط فيا ويوقف قلبي ليه؟ دا بني غريب، كتر خير اهله عليه في البيت ويكون في عون الست اللي هاتتجوزا دا هايطلع عليها عقده ويكرهها في نفسها 

تبسمت كاميليا قائلة:

- لا من النحيادي اطمني، اصله متجوز بنت خالته اللي ابوها يبقى الوزير ، وعلى فكرة هي عايشة حياتها بالطول والعرض.

- حقها تعيش وتضربها بالجزمة كمان، ودا راجل يتعاشر ده، بقولك ايه ياكاميليا البت غادة جاية علينا اهي، اوعي تبلغيها والنبي بالكلام اللي بقولهولك ده ، دي بت خفيفة وانا مضمنش أي رد فعل منها.

قالت زهرة وهي تومئ بعيناها بذكاء نحو غادة التي خرجت اليهم تتمختر بخطواتها، تمتمت كاميليا بصوتٍ خفيض قبل ان تصل اليهم.

- مش محتاحة وصاية يازهرة، انا اكتر واحدة عارفة غادة والظن اللي هاتظنه في الكلام ده.

- هاي اتأخرت عليكم .

قالت غادة بزهو فور ان وصلت اليهم ، ردت زهرة ترمقها بدهشة:

- انتٍ عيدتي على وشك بالمكياج من تاني وغرقتي نفسك بالريحة على مشوار المواصلات؟

مطت غادة بشفتيها قائلة :

- ولو خارجة من باب البيت عالشارع بس، لازم برضوا اتمكيج والبس نضيف، دا اسمه اهتمام بالنفس ياماما؛ انت أكيد متعرفهوش.

أومأت لها زهرة تتجاهل سخريتها بعدم الرد ، اما كاميليا فقالت لها بيأس :

- ماشي ياست البرنسيسة انتِ ، ممكن بقى نمشي في يومنا ده ولا لساكي هاتعيدي تاني على ميكاجك ولبسك .

- لا ياقلبي انا كدة فل خالص، بينا يابنات .

قالت غادة وتقدمت تسبقهم في الخطوات، تبادلت زهرة وكاميليا النظر فيما بينهم بيأس كالعادة ثم لحقنها بالسير.

............................


وفي مكانٍ اخر 

بداخل دكان محروس الذي عاد العمل فيه مرة اخرى بشكل جدي، بعد ان توفرت المتطلبات الأساسية لإنجاز الأعمال المتراكمة من مواد خام وغيرها من الأشياء.

- نننعم! سمعني تاني كدة يامحروس بتقول ايه؟

تفوه بها فهمي بحدة اربكت محروس فجعلته يردف بتلعثم :

- اايه دا مش كلامي انا يافهمي، دا كلام البت وستها، إنما لو عليا انا اجوزهالك من الليلة، ما انت عارف معزتك عندي.

رد فهمي رافعًا حاجبه المقطوع بنصفه:

- وانا مالي بمعزتي عندك ولا حتى موافقتك، مدام انت راجل ملكش كلمة على بنتك .

هتف محروس غاضبًا وقد اصابته الكلمات السامة في كرامته،

- ماتقولش الكلام دا يافهمي انا مش راجل هفية عشان اقبل بيه .

أكمل فهمي في بخ سمه:

- لا هفية، مدام جاي بالفم المليان كدة تقولي ان البنت هي اللي رافضة وانت ملكش حكم عليها.

استشاط محروس غاضبًا فقال بأعين تقدح شررًا :

- انا مش عايز اغلط فيك يافهمي عشان انت هنا في منطقتي وفي دكاني، انما والنعمة الشريفة لو كررتها تاني لاكون شاقق بطنك نصين وملكش عندي دية، طب ماهي البت مكدبتش لما قالت عليك بتاع نسوان وبتبيع برشام، دا غير انك اكبر منها ب١١ سنة على الاقل، في ايه يابا انت هتعيش عليا.

ضغط فهمي بأسنانه على شفته يكبح خروج الكلمات النابية من فمه، بعد ان شعر فقد سيطرته على محروس .

صمت يخرج سيجارة من جيبه ويشعلها لينفخ منها قليلًا امام محروس الذي ينتظر رده بتحفز ، اجفله فهمي بعطيه السيجاره التي في يده، واخرج هو واحدة اخرى لنفسه، ثم قال بهدوء :

- انا مقدر ان كلامي وجعك يامحروس بس انا مش عايز اخسرك .

ساله باستفسار :

- يعني ايه مش فاهم؟

اومأ له فهمي بصوت خبيث :

- قصدي ان هابلع تهديدك ولخبطتك في الكلام كأني ماسمعتش الحوار كله من بدايته، يعني عشان ماتتعبش نفسك في التفكير، تعمل قرد وتجوزني البت يامحروس ، يااما من غير حلفان هاتشوف مني الوش الوحش اللي انت اكيد عارفه، عشان انا ماهسكتش عن حقي في الفلوس اللي شغلت بيها الدكان ولا الكيف اللي بتبلبع فيه بقالك سبوع ببلاش .

....................................


بعد قليل وحينما عادت زهرة وهي تحمل اكياس الخضروات والفاكهة التي ابتاعتها في طريق عودتها للمنزل ، تسمرت واقفة فور دلوفها لمدخل البناية التي تقطنها حينما وجدت من يقف أمامها في وسطه، تبسم بسماجة يلقي اليها التحية:

- حمد الله السلامة، اَخيرًا وصلتي ياعروسة.

تنهدت قانطة تستغفر ربها قبل ان تهم لتجهله وتخطيه ولكنه تصدر امامها يمنع تقدمها :

- طب حتى ردي السلام، ولا انتِ مكسوفة مني.

دفعته بيدها الحرة على صدره قائلة بعنف:

- ابعد عن طريقي ياجدع انت، لاحسن وديني الم عليك اهل الحارة وافضحك هنا في العمارة .

رد بتشدق:

- تفضحيني ليه بقى؟ واحد وجاي يقابل عروسته فيها حاجة دي ؟

رفعت شفتها قائلة بازدراء :

- عروسة مين يا برشامجي ياخرفان انت؟ في ايه يافهمي ؟ هو انت فاكرني بقيت لقمة سهلة بعد خالي ماسافر، لأ فوق لنفسك يابابا، خالي اللي سففك التراب زمان لما حاولت تتعرضلي، اقدر في دقيقة اخليه يرجعلك من تاني .

انشق ثغره بابتسامة مردفًا بمكر:

- طبعًا فاكر العلقة يازهرة، بس فاكر اللي قبلها اكتر ، انتِ بقى فاكرة؟

ارتدت اقدامها للخلف بفزع وهو يتقدم نحوها يلوح لها بأبشع ذكرياتها ، فتابع يشير بأبهامه :

- فاكرة يازهرة هنا تحت بير السلم ، لما كنتي جاية من الدرس بلبس المدرسة اللي كان هاياكل منك حتة وانت لسة خراط البنات خارطك جديد ، بشعرك اللي كان مغطي ضهرك وجسم....

- انت راجل مش محترم

قاطعته صارخة تتخطاه صاعدة الدرج بسرعة، غير قادرة على تحمل سماع الباقي ولكنه لم ييأس ، جذبها من مرفقها لتلتف بجذعها اليه ، فاردف متابعًا بفحيح:

- بتجري ليه مش انتِ اللي فكرتيني بالعلقة؟ شكلك انت كمان لسة مانستيش. الحضن ولا الب........

- اوعي سيبني ياحيوان

صرخت تنتزع ذراعها منه وتصعد بسرعة من أمامه وكأنها تهرب من الموت، حتى اذا وصلت اخيرًا لشقتهم، فتحت الباب بخفة ثم وضعت أكياس الخضروات والفاكهة على الأرض بحذر حتى لا تشعر بها جدتها الجالسة في الصالة تشاهد التلفاز ومعها صفية، تحركت زهرة على أطراف أصابعها حتى دلفت لغرفتها، تغلق الباب عليها جيدًا قبل أن ترتمي على التخت وتشهق اخيرًا باكية، ترتجف وقد أعاد اليها هذا الرجل الكريه الذكرة التي خلفت بداخلها ندبة مازالت تؤلمها حتى اليوم، حينما كان عمرها لا يتعدى الخامسة عشر وكان هذا الرجل صديقًا جديدًا لأباها، في كل مرة رأته فيها لم تريحها أبدًا نظراته المريبة لها، ولكن صغر سنها لم يمكنها من تفهمها، حتى جاء هذا اليوم حينما كانت عائدة من دراستها التي استمرت لبعد صلاة العشاء بفضل مجموعات التقوية التي حضرتها أيضًا، رأته بالصدفة على الدرج أمامها كان هو نازلًا وهي صاعدة :

""- ازيك يازهرة عاملة ايه؟

خاطبها وهو متصدر بجسده أمامها ، اضطرت لرد التحية له على مضض، حتى تتخطاه وتصعد لجدتها وخالها.

- اهلًا ياعمي، انا كويسة والحمد لله

قال مداعبًا :

- ايه يازهرة؟ هو انتِ شايفاني قد ابوكي عشان تندهيلي بعمي، بصيلي كويس كدا انا لسة في بداية شبابي دا انا مجيش قد خالك حتى.

رفعت عيناها اليه مندهشة من كلماته، فتقابلت بعيناه وهذا الوميض الغريب بها ، أومأت له برأسها دون اقتناع .

- حاضر تمام، عن اذنك بقى.

تخطته لتصعد ولكنها تفاجاءت بصرخته فور ان أعطته ظهرها، استدارت اليه فوجدته ملقى على الأرض ممسكًا بقدمه:

- اااه ، اللحقيني يازهرة، انا رجلي باينها اتكسرت من سلمكم المكسور

رددت بخوف :

- طب انا هاعملك ايه؟ هاروح اندهلك خالي .

صرخ بصوت أعلى :

- قبل ماتندهي خالك تعالي بس ساعديني اقوم بجسمي من عليها الأول، بدل الكسر مايتضاعف معايا، اااه، بسرعة يازهرة .

همت لتتجاهله وتصعد ولكن مع ازداياد انينه وتألمه اضطرت لتنزل اليه وقبل ان تقترب هتفت :

- طب اروح لندهلك حد من الشارع 

صرخ ضاربًا بقبضته على عتبة الدرج:

- انت لسة هاتدوري وتندهي، يازهرة بقولك عايز ازيح تقل جسمي بس ، مش طالب منك حاجة تاني 

أذعنت تقترب منه على حذر وهو يقبض على ذراعها بقوة حتى نهض متصنعًا الألم يتأوه:

- ااه يارجلي ااه.

تململت لتنزع قبضته من ذراعها :

- طب ثواني كدة وانا هاروح اندهلك خالي .

رفع رأسه اليها بنظرة لن تنساها ابدًا، وفاجأها بوقفه القدمين السليمة والتي ظنت انها مصابة أيضًا ، وقبل ان يخرج السؤال من فمها وجدته يحط بذراعها على خصرها والأخرى كممت فاهها فسحبها بسرعة البرق في الزواية المظلمة اسفل الدرج ، صرخت بصوت مكتوم وقاومت بكل قوتها الجسد الضخم ، فما كان منه الا ان زاد بضغطه يمرر شفتيه على وجنتيها ويتلمسها بوقاحة،

حينها ظهر خالها من العدم ، وفلته عنها بلكمة اطارت سن من مقدمة فمه، ممطره بوابل من الشتائم والالفاظ النابية وهو يسحبه كالبهيمة في وسط الشارع يوسعه ضربًا حتى كاد ان يزهق روحه 

لن تنسى ابدًا رائحته الكريهة ، انفاسه الساخنة التى كانت تحرق بشرتها، قوة كفه التي كانت تقبض على فمها حتى كادت ان تشعر بانسحاب روحها، في بضع لحظات لا تتعدى الدقائق القليلة، لكنها كانت كافية لتضع الخوف بقلب زهرة مهما مر من السنوات ومهما تطورت بحياتها .

....................................


في المساء 

وبعد أن استرخي قليًلا في حمام من الماء الدافئ ليصفي ذهنه ويزيح عن جسده قليلًا من ارهاق اليوم ، خرج من حمامه بالسروال التحتي فقط يجفف شعر رأسه بالمنشفة الصغيرة، ولكنه انتبه يرفع رأسه على صوتِ صفير من الخلف، فتفاجأ بانعكاس صورتها أمامه في المراَة، جالسة بميل على طرف تخته مرددة بإعجاب :

- واوو جسم رياضي فعلًا زي ماقال الكتاب .

التف اليها برأسه ورمقها من تحت اجفانه قبل ان يعود ليصفف شعره قائلًا من تحت أسنانه :

- هي بقت عادة ولا ايه ؟ انا مش منبه عليكي، الأوضة دي ماتعتبيهاش تاني .

استقامت تنهض عن جلستها فوق التخت لتُظهر طول منامتها القصيرة وفتحاتها التي كشفت عن معظم جسدها، تتمايل بخطواتها امام نظراته الثاقبة في المراَة، حتى اقتربت لتجفله بوضع كفيها على عضلات ظهره من الخلف تتلمسها ببطء وهي تردف بصوتٍ ناعم:

- ممكن تسيبني اللمسهم؟ اصلي بصراحة عندي رغبة غير طبيعية اني اشوف قوتهم .

تركها تفعل دون ان يرفض، فاعتبرته استجابة لتكمل بكفيها حتى ذراعه ثم استقرت على العضلات الأمامية بتركيز ، خرج عن سكوته يسألها باقتضاب وعيناه نحو انعكاسها في المراَة:

- عجبوكي؟

همست بأعين تملؤها الرغبة:

- أوي، اصل اَخر مرة لمستهم فيها مكانوش بالقوة دي.

ضيق عيناه ليلتف نحوها يسألها بتفكير:

- هي إمتى كانت اَخر مرة بالظبط ؟

اجابته بصوت يحمل في طياته العتاب:

- من كتير، كتير أوي يا جاسر، تقريبًا يجي أكتر من سنة.

- اممم

زام بفمه الذي اطبقه واخفض عيناه عنها بتأثر شجعها لتردف سائلة:

- طول الفترة اللي عدت دي كلها ياجاسر ، ماوحشتكش فيها ولا يوم ؟

ارتفعت عيناه اليها ، تتحرك شفتاه وكأنه يبحث عن اجابته ثم مالبث ان يجيبها بكل بساطة:

- لأ

وكأن دلوًا من الماء البارد سقط فوق رأسها وافاقها من غفوتها، رددت بعدم تصديق :

- انت بتقول ايه؟

- بقولك لأ

اردف بها مرة أخرى واستدار ليكمل تصفيف شعره بكل برود ليجعل نيران الغضب تشتعل داخلها ، فقالت بشراسة:

- هو انت فاكر نفسك ايه؟ لتكون فاكرني دايبة في دلال حضرتك وهاتعيش الدور عليا ، لأ فوق ياجاسر ، انا ميرا .

قالت وهي تلوح له بسبابتها جعلته يعود اليها مردفًا بابتسامة اعتلت فمه:

- ايوة بقى يابرنسيس ميرا، طب انا برفض كل محاولاتك معايا من يجي أكتر من سنة ، باقية ليه انتِ عليا ورافضة الطلاق ؟

قالت جازة على أسنانها :

- عشان انا عاقلة كويس قوي، ومقدرة حجم الكوارث اللي هاتوقع فوق راسك وراس والدك لو انفصلت المجموعة.

رد غامزًا بعيناه:

- انا متقبل وراضي بالكوارث، بس انتِ وافقي ومايهمكيش .

زفرت تخرج من أنفها انفاسًا حارة كالدخان وهي تنظر اليه تود لو إحراقه حيًا، ثم مالبثت أن تذهب ضاربة الأرض بقدميها من الغيظ، التف هو ينظر للمرأة يكمل مايفعله بلا اكتراث .

....................................


في اليوم التالي 

بداخل الشركة وفي وقت استراحة الموظفين التقت زهرة في طريق ذهابها الى الكافتيريا الخاصة بالشركة ، بعماد الذي كان عائدًا منها ممسكًا بيده فنجانان من القهوة الساخنة، قال بابتسامته المعهودة:

- صباح الورد ورائحة الزهورة، رايحة فين؟

بادلته ابتسامته قائلة:

- صباح الفل ياسيدي، انا رايحة الكافتيريا اشربلي حاجة سخنة.

- والحاجة السخنة دي بقى، تبقى قهوة باللبن .

قال وهو يناولها احدى الفناجين التي بيده، تناولته منه ضاحكة :

- ايوة بس كدة اللي كان طالبه منك هايزعل لما يلاقيك 

راجع من غير طلبه.

- وانتِ مين قالك اني جايبه لحد غيرك؟ انا جايبهولك انتِ أساسًا .

رد ببساطة اثارت دهشتها، فسألته غير مصدقة:

- ايوة ازاي يعني ؟

ارتشف من فنجانه قليلًا ثم أجابها بابتسامة:

- اصل انا بقى عارف كويس اوي ان دا طلبك في كل مرة بتدخلي فيها الكافتيريا، فقولت في نفسي بقى اوفر عليكي المشوار وبالمرة ابقى خدت الثواب.

بابتسامة واسعة انارت وجهها بادلته مزاحه:

- لا بصراحة كتر خيرك يااستاذ عماد، حضرتك وفرت عليا مشوار كنت هاتعب فيه قوي.

اكمل بمزاحه :

- لا داعي للشكر يازهرة، الحاجات البسيطة احنا بنعملها عشان ربنا يبارك في صحتنا.

- كمان !

اردفت بها وضحكت من قلبها معه .

........................

وعند كاميليا التي كانت مندمجة في عملها بتركيز كالعادة، شعرت بظل طويل بالقرب منها، رفعت رأسها فوجدت امامها رجل وسيم بابتسامة

الأنيقة خاطبها :

- صباح الخير، جاسر موجود جوا .

خلعت نظارتها تعتدل في جلستها وردت بعملية 

- صباح الفل يافندم ، جاسر باشا موجود فعلًا بس حضرتك يعني بتسأل في ميعاد مسبق ؟

نفى بتحريك رأسه قائلًا بابتسامة:

- لا بصراحة مافيش، بس انا هاقابله برضوا 

خبتئت ابتسامتها من رده الغريب فتابع قائلًا :

- ايه يا اَنسة اتخضيتي كدة ليه؟ اتصلي وبلغيه باسمي وريحي نفسك .

ردت بغيظ وهي تتناول هاتف المكتب تسأله :

- تمام يافندم، اسم حضرتك ايه بقى عشان ابلغه بحضورك .

رد متسليًا لرد فعلها:

- قوليلوا طارق ، طارق وبس.

اردفت من تحت أسنانها

- وبس !

ردد خلفها بابتسامة مرحة

- وبس!

.......................

وفي الداخل 

وامام الشاشة الكبيرة التي تأتي بصور الكاميرات لمعظم أنحاء الشركة، تركزت انظاره نحو الصورة التي اتت بصورتها وهي تبتسم بمرح مع الشخص الواقف امامها، وقد علمه هو من وقفته، كان مستندًا بوجنته على اطراف أصابعه متابعًا بتركيز ، والكف الأخرة تطرق بالقلم الذهبي على سطح المكتب، حينها اتاه اتصال كاميليا بحضور صديقه ، امرها بإدخاله على الفور.

- جاسر باشا.

اردف بها صديقه وهو يفتح باب المكتب على مصراعيه، نهض جاسر يستقبله بحفاوة:

- طارق الوكيل، اتفضل ياعم انت محتاج عزومة.

دلف صديقه مهللًا :

- مش حكاية عزومة ياكبير، بس انت راجل مهم والواحد لازم يستأذن قبل مايدخل عندك .

تصافح الاثنان بحرارة قبل ان يُجلسه امامه.

واردف طارق مازحًا :

- دي مديرة مكتبك كان هاين عليها تاكلني أكل عشان بس نطقت جاسر حاف من غير باشا.

رد جاسر بدعابة :

- تاكلك ايه بس ياعم بحجمك ده ؟ هو انت مش شايف نفسك 

اطلق طارق ضحكة مجلجلة بمرح :

- هههههه يخرب عقلك ياجاسر ، لما تفك شوية كدة بيطلع منك درر .

حينما هدأت ضحكات طارق سأله جاسر بجدية:

- وايه اخبار المشروع الجديد بقى معاك؟ كويس كدة ولا لسة فيه عقبات بتواجهك.

- لا ياسيدي الحمد لله المشروع تمام، بس بقى مهلك جدًا، دا انا بالعافية فضيت نفسي النهاردة عشان بس ازورك بعد مازهقت.

رد جاسر وهو مستند بمرفقيه على سطح المكتب يفرك بالقلم بين كفية بتفكير وعيناه تتنقل كل ثانية نحو الشاشة :

- الله يكون في عونك وانت فعلًا مش متعود على الشغل الكتير والمسؤلية، تحب اجيبلك حد يساعدك ؟

.............................


- انا يافندم معقول الكلام ده ؟

تفوهت بها كاميليا بفرحة لا تصدق ماسمعته ، اردف لها بتأكيد وهو يمضي على بعض الأوراق

- ايوة انتِ ياكاميليا، مش مصدقة ليه؟ انتِ مجتهدة وتستاهلي كل خير.

- ايوة يافندم بس انت بتمسكني مسؤلية كبيرة قوي.

رفع رأسه اليها مردفًا بعملية 

- يابنتي صدقي بقى انت قدها، انا خلاص مضيت القرار .

- بالسرعة دى كمان مضيت القرار ؟ طب احنا هنلاقي امتى حد ياخد مكاني في الشغل هنا دلوقتي؟

اعتدل في كرسيه يجيبها بهدوء:

- لا ماانا مش هاجيب مديرة للمكتب، انا عندي كارم المدير بتاع المجموعة بيسد معايا في كل حاجة، انا بس هحتاج لسكرتيرة .

ردت كاميليا بلهفة:

- كويس اوي يافندم ، انا مستعدة اعمل مسابقة وحضرتك تختار بقى السكرتيرة اللي تعجبك وتريحك قبل انا ما اسيب مكاني .

أجفلها برده الهادئ وهو يهتز بكرسيه :

- لا ماانا مش هاعمل مسابقة لسة واوجع دماغي، انا سألت رؤساء الاقسام هنا ورسيت على اسم سكرتيرة لواحد فيهم، وخلاص بقى اصدرت قراري الاداري .

لوح بالورقة الكبيرة امامها على سطح المكتب فتناولتها بسرعة ولهفة قائلة:

- يارب اكون اعرفها.........

قطعت جملتها حينما صعقت من رؤية الأسم، زاغت عيناها في النظر نحو الورقة ونحوه بصدمة بعدم تصديق، شفتيها تتحرك باضطراب، وهو ينظر اليها بتحدي ، حتى غمغمت مع نفسها :

- يانهار اسود ، دي كان عندها حق بقى


تكملة الرواية من هنا


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
CLOSE ADS
CLOSE ADS
close