أخر الاخبار

كان لي بقلم مني أحمد حافظ الفصل الرابع حتي الفصل العاشر كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات

 

كان لي

بقلم مني أحمد حافظ 

الفصل الرابع حتي الفصل العاشر

كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات 

الفصل الرابع .. مفاجأة. 

------------------------


جذبت أمل مذكراتها بأصابع مرتعشة وأخذت تكتب بعمق صفحاتها تقول:-

-لم أعد أنا يا مذكرتي، لم أعد أعرف من أنا حقاً منذ تلك الليلة، حتى النوم أصبح يجافيني أتعلمين أني لا أصدق أن أسبوعاً مر حقاً، لقد دفنت نفسي في دوامة الدراسة وحرصت على عدم إهدار أي لحظة من وقتي ولكني الأن أشعر بإهمالي لكل من حولي، لم أعد أجالس خالتي نعمة هربا من عيناها التي دوما تحاصرني تريد أن تسبر أغوار نفسي ولكنها تخشى سؤالي لرؤيتها ابتسامتي الباهتة وفراري بعيداً عن طريقها وابتعادي التام عن ضُحي وإيمان، وكلما إلتقيت بهم صدفة اتحجج بكم المذاكرة والأبحاث وأن الأختبارات أقربت".

تنهدت أمل بحزن وكتبت:-

-لقد أصبحت أخاف نظرات إيمان التي باتت تقتلني فأنا أراها تتهمني وتخبرني بأنها تعلم سر خطيئتي وبل وأقرأ احياناً في عيناها كلمات حبيسة بداخلها كأعتراف تخفيه عني.

إنهمرت دموع أمل حين تذكرت خالد فكتبت:-

-أعلم أن خالد لم يعد يحترمني فهو ومنذ تلك الليلة وهو يتحاشاني لقد توقف عن التحدث معي ولم يعد حتى يسئل عني فبت أشعر بقسوة ذنبي، أتعلمين إني كدت أموت أول أمس فقد اصطدمت به أثناء هبوطة درجات السُلم، وحين تلامسنا أحسست بتوقف الزمن بيننا وهاجمني توق رهيب ليضمني إليه، ولكنه ابتعد عني سريعا فاحسست بإهانته لقلبي و. 

توقفت أمل عن كتابتها حينما اصغت لصوت خالتها يناديها فمسحت دموعها ورسمت تلك الابتسامة المعتادة وغادرت إليها وقالت:-

-اسفة يا خالتو معلش رجعت تعبانة من الكلية ورايا كم مذاكرة يهد الحيل و. 

قاطعتها نعمة بقلق وقالت:-

-بس بس أنا مش هسكت علي كدا إنتِ بتنتحري، كلية إيه اللي تعمل فيكي كل دا هو إنتي مش شايفة نفسك لا أكل ولا نوم، دا إنتِ دبلتي يا أمل والحال دا معدش يتسكت عليه، بصي أنا هقول لخالد هو الوحيد اللي هيعرف يــــ. 

صرخت أمل بخوف معترضة على كلمات خالتها وقالت:-

-لأ يا خالتو وحياتي بلاش خالد، والله أنا كويسة وصدقيني هي بس الكلية اللي عاملة فيا كل دا، عموماً خلاص الامتحانات باقي عليها أقل من شهر وإنتي عارفة إني مش عاوزة أنجح وبس، لأ أنا نفسي ابقى الأولى، عارفة أنا فالاجازة هتلاقيني بقيت غير كدا. 

ربتت نعمة باصبعها فوق ذقنها وضيقت عيناها وهي تنظر بتمعن نحو أمل التي ظهر اضطرابها جلياً فوق ملامحها فقالت بصوت يحمل القليل من الريبة:-

-بذمتك يا أمل إنتِ مصدقة نفسك، يا بنتي إنتِ اللي يشوفك من غير حتى ما يكلمك يقول إن فيكي حاجة وحاجة كبيرة كمان، دا حتي ثريا ومحمد بيشتكو إنك متصلتيش بيهم من فترة، يا أمل قوليلي فيكي إيه.

انتفض قلب أمل وأحست بانه قد سقط بين ضلوعها لتتنفس بقوة ألمتها فشهد علو صدرها وهبوطه السريع علي صراعها من أجل الهواء، لتقترب منها نعمة وتغمرها بحنان، فأنهارت أمل وبكت بشدة شعرت نعمة بالندم لأنها ضغطت بقوة على أمل، غادرت  ضُحي فرقتها حين وصل صوت نحيب شقيقتها إليها، فأنتابها القلق فسئلت خالتها بخوف:-

-فى إيه يا خالتو مالها أمل بتعيط كدا ليه هو في حاجة حصلت ولا ايه. 

هزت نعمة رأسها بالنفي وقالت:-

-علمي علمك يا بنتي أنا كنت بسئلها هي عاملة كدا ليه فنفسها، أقولك أنزلي نادي على خالد هو اللي هيعرف يفهم أمل مالها.

ازداد نحيب أمل وتزامن مع شعورها بالإنقباض، فكادت تفقد وعيها خوفاً ليأتي صوت ضُحي إليها كصدا بعيد عنها تقول:-

-خالد مش هنا من امبارح ومجاش الكلية معرفش راح فين و. 

انتفضوا جميعا حين صدح صوت الهاتف فجأة، فأتجهت ضُحى صوبه وأجابت سريعاً وألتفتت وهي تبتسم لخالتها وقالت:

-دي ماما يا خالتو. 

حاولت امل استجماع شتات نفسها، واستندت إلى خالتها ووقفت تستمع إلى ترحيب شقيقتها بوالدتها لتنتبه لصوتها يقول:-

-بابا عاوزك يا أمل. 

احست أمل برجفة تجتاح اوصالها، فأبتعدت عن خالتها وهي تزدرد لعابها بخوف وأتجهت إلى المقعد القريب من الهاتف، ومدت يدها المرتعشة وأخذت سماعة الهاتف وهمست بصوت مضطرب:-

-ألو إزيك يا بابا حضرتك وحشتني و.

إبتلعت أمل كلماتها حين قاطعها صوت والدها بقوله:-

-لو كنت وحشتك كنتي اتصلتي بينا يا أمل، عموما علشان تبقي عارفة إن أنا وولدتك زعلنين منك لإن دي أول مرة  تهملينا كدا ومتسئليش علينا، واللي يشوف تصرفاتك يقول إنك ما صدقتي تبقي بحريتك بعيد عننا.

شهقت بذعر وأسرعت تنفي كلماته بصوت متلعثم وقالت:-

-أبداً والله يا بابا دا دا بس الكلية، صدقني أنا أنا معملتش حاجة و.

قاطعها صوت ابيها يقول:-

-الكلية بردوا يا أمل عموما إحنا كلها كام ساعة وهنكون عندك، علشان في موضوع مهم لازم نتكلم فيه معاكي و.

إلى هنا كانت قد وصلت أعصاب أمل إلى حافة ذعرها وتملك منها خوفها، فرفعت يدها وضغطت فوق صدرها بعدما عصر الألم قلبها عصراً، وأرتجفت يدها الممسكة بسماعة الهاتف فشعرت ضُحي بقلق شديد، فمدت يدها وألتقطت سماعة الهاتف منها وسئلت والدها عما قاله لها وأوضحت له تعب أمل، ليخبرها والدها ببعض الكلمات التي جعلت الفرحة ترتسم فوق محيا ضُحى  وهي تحدق بسعادة بوجه شقيقتها فأخذت تقفز وتصيح:-

-بجد يا بابا طب ليه مبلغتهاش لا خلاص ماشي أنا هفهمها واطمنك عليها، حاضر يا بابا سلام يا حبيبي اشوفك علي خير. 

اغلقت ضُحي الهاتف وجذبت شقيقتها بسعادة، وأخذت تقبلها وهي تضمها بفرحة وتدور بها وسط دهشة نعمة وأمل سويا ضاحكة، فسئلتها أمل بحيرة وقالت:-

-ضُحى هو في إيه أنا مش فاهمة حاجة، هو بابا قالك ايه بالظبط علشان تتنططي كدا.

صاحت نعمة هي الأخرى تسئل بفضول وتقول:-

-يا ضُحى أهدي وفهمينا أبوكي قالك إيه.

توقفت ضُحى عن الدوران والقفز وأبتعدت خطوة عن شقيقتها وصاحت:-

خالد سافر لبابا وأتفق معاه إنه يكتب كتابه على أمل النهاردة، وبابا وافق وكلها مسافة السكة ويكونوا هنا. 

لم يتحمل قلب أمل الخبر لتسقط أرضاً وسط ذهول خالتها التي صرخت باسمها، لتسرع ضُحي إلى غرفتها وتأتي بزجاجة عطرها تفيق شقيقتها التي اذهب الفرح بوعيها. 

جلس خالد بجوار محمد والد أمل داخل السيارة التي تقلهما إلى القاهرة ولم يكن بحال أفضل من حال أمل، ففعلته جعلت النوم يجافيه أياماً ليتخذ قراره بمحاولته إقناع والد أمل بتعجيل عقد قرانهما كي يرد لأمل ثقتها به وبنفسها، خاصة بعدما لاحظ هروبها وانعزالها عنه وعن الجميع ولاحظ مدي الألم المرتسم علي وجهها، وهو الأمر الذي جعله يسافر دون أن يطلع احداً واخفي الأمر خاصة عن إيمان التي حاولت وبشدة معرفة ماذا حدث بينه وبين امل فى تلك الليلة، ولكنه تعامل معها بقسوة شديدة زادت من احساسه بالندم عليها هي الأخرى، ليشعر وكأنه وقع فى جحيم صُمم خصيصا من أجله تمنى لو يستيقظ منه. 

كان صراع خالد مع والد أمل شديد ليقنعه بنهاية الأمر، فلم يترك مطروح إلا بعدما أتفق معه ورتب كل شىء حتى موعد زفافهما، الذي نجح في قنص ميعاد وحدده ليكون بعد انتهاء دراستهم لهذا العام، ليسرع بالعودة برفقته إلى القاهرة فهو يريد أن يطمئنها وينزع من داخلها شعورها بالذنب، ويبدد عنها شبح الحزن الذي سكن ملامحها وطفى بهجتها.

بعدما اطمئنت نعمة وضُحى بأمل أصبحت بخير، تسائلت نعمة عن مكان إيمان فقالت:-

-هي البت دي بتختفي فين أنا مش عارفة بتروح فين ولا بتعمل ايه، دي بقت زي ما تكون ساكنة فبنسيون. 

أصابت كلمات نعمة ضُحي بالصدمة، فحديثها الغريب عن إيمان أجفلها تماماً فلم لخالتها فقالت:-

-إيه بس يا خالتو الكلام دا، وبعدين ما إيمان هي كمان زينا مطحونة مذاكرة، دا أنا حتي لاحظت التعب عليها زيها زي أمل وهي كمان خست وعينيها حلقت بالسواد.


زفرت ضُحى بمحاولة منها لتخفيف غرابة الموقف فقالت بمزاح:-

-طيب تعرفي إني بقيت أسئل نفسي إن البنات الفرافير دي هتتحمل للآخر ازاي. 

أجابتها نعمة بحرج بعدما تقبلت مزاح إبنه شقيقتها وقالت:-

-على فكرة يا ضُحى أنا مش قصدي حاجة، بس يعني أنا بلاحظ إنها على طول قاعدة تحت وبقت بتختفي فجأة زي اليومين اللي فاتو دول وبتظهر فجأة، وبعدين دي مهما كانت أمانة عندي وأنا مش حبه ابقى مقصرة، أو حتى يكون شكلي وحش وإحس إن في حد بيعمل حاجة من ورايا، طب تصدقي والله إن أنا قلبي اتقطع عليها لما لقيتها طالعة من الحمام من كام يوم بتعيط، كأن حد مات لها ولما شافتني جريت علي جوا مرعوبه مني، والله يا ضُحى أنا كنت هروح اتكلم معاها، بس خوفت تعتبرني دقة قديمة وعاوزة أتدخل فحياتها، أقولك قربي منها إنتي يا ضحي وأتكلمي معاها وشوفي مالها ومتسبيهاش، أصل يا بنتي كلنا هنا ولايا وطالبين من ربنا الستر.

ربتت نعمة فوق وجنتي ضُحى وقالت:-

-أنا هسيبك وأقوم اعملكوا أكله حلوة، وإنتِ اتصلي هاتي الواد خطيبك تلاقي بطنه نشفت من طبيخه علي ما الجماعة ما يوصلوا. 

إرتسمت إبتسامة باهتة فوق شفتي ضُحى لإنشغال عقلها بالتفكير في تلك الكلمات الأخيرة التي قالتها خالتها، ليخبرها عقلها بألا تنكر أنها هي أيضاً أرتبات في تصرفات إيمان الأخيرة وبكاؤها الخفي، فزفرت بقلق وحدقت بساعة يدها وهي تفكر بمكانها وتأخرها خارج المنزل إلى الأن، فأسرعت إلى هاتفها وهاتفتها لتخبرها إيمان بصوت جاف بأنها ستبيت لدى إحدى صديقاتها وستعود في الصباح، لتحدق ضُحى بهاتفها بدهشة بعدما أنهت إيمان الأتصال فجأة دون أي تعقيب أخر.

-------------------------------------------------------

وهكذا تم عقد قران أمل وخالد في هدوء ووسط فرحة غمرت الجميع، وبغياب إيمان التي لم تعلم عن الأمر شيء بعدما حرص خالد على بقائها بعيداً عنهم في تلك الليلة، وما أن غادر والدي أمل رغم محاولات نعمة والفتيات ليثنوهم عن قرار العودة إلى مطروح والمبيت معهم، حتى أنتحى خالد بأمل بعيداً عن السمع وأقترب منها وهو يبتسم ويقول:-

-مبروك يا أمل عمري وحياتي، إنتِ عارفة إنك وحشتيني قوي الفترة اللي فاتت دي، كان صعب عليا أشوفك بتهربي مني وخايفة تواجهيني، وحسيت إنك بتتعذبي بسبب اللي حصل بينا، وبصراحة مقدرتش أتحمل إن عيني تيجي فعينك وتوطي راسك وأقف أتفرج عليكي، علشان كدا عملت المستحيل لحد ما أقنعت عمي محمد إنه يوافق على جوازنا، ودا علشان أثبت لك إني مقدرش أسيبك تضيعي مني.

لازالت تشعر بالضياع والتيه وعدم التصديق، بأن عذابها في الأيام السابقة لخطيئتها التي أرتكبتها أنتهى وولى بعيداً عنها، فخالد بموقفه وإصراره على التمسك بها جعلها تقع في عشقه أكثر مما سبق لها، ورغم تأكدها من أنها أصبحت زوجته إلا أنها تريده أن يثبت لها حقاً أنها له وأنه هو حبيبها أصبح حقها، تنهدت أمل وعيناها تحدق بعينا خالد تريد رغم كل شيء إشراكه في مشاعرها التي أغرقتها في البؤس طوال الأيام السابقة فخفضت عيناها حتى تتمالك شجاعتها وقالت بحرج:-

-لو قولت لك إني مش مصدقة إن أتكتب كتابنا لحد اللحظة دي مش هتصدقني، ولو قولت لك إني لحد اللحظة خايفة لأكون بحلم وأفوق على كابوس إنك سبتني بردوا مش هتصدقني، ولو قولت لك إن باللي إنت عملته دا يا خالد خلتني أحس إني أتولدت من جديد هتقول إني ببالغ، أنا يا خالد كنت حاسة إني ميته ومش عايشة بسبب الذنب اللي قتلني، وخلاني مش قادرة أسامح لنفسي إني ضعفت وعملت حاجة تغضب ربنا بالشكل دا، وكنت متأكدة من إني خسرتك وخسرت أحترمك ليا زي ما خسرت أحترامي لنفسي و.

منعها خالد عن التفوه بالمزيد بوضعه أصبعه فوق شفتيها وقال:-

-أوعي تقوليها يا أمل أنا أفديكي بعمري وحياتي، وإحترامي ليكي هو أحترامي لنفسي، يا أمل أنا مش حابب أبرر وأقولك إن اللي حصل بينا كان حاجة طبيعية، لأننا منعنا مشاعرنا كتير ودي كانت أول مرة نكون فيها لوحدنا، علشان كدا حصل اللي حصل بينا، هو صحيح مكنش أوانه بس هقولك إني حتى لو كان حصل بينا اللي أكبر من كدا، عمر نظرتي ليكي ما كانت هتقل وأحترامي ليكي كان هيفضل زي ما هو.

خفض خالد صوته أكثر وهمس:-

-بس عارفة يا أمل إني مش قادر إنكر إني نفسي أعيش اللي حصل دا تاني وتاني معاكي.

أشتعلت عيناه حين أرتجفت أمل أمامه، فضمها إليه ومال نحو ثغرها وقبلها بقوة وهمس:

-إنتِ عارفة إن طعم شفايفك، أنا مش قادر أنساه ومش عارف أعيش من غيره، علشان كدا صممت إني أقنع والدك إننا نكتب الكتاب، علشان متخافيش مني ولا من وجودك معايا وإحنا لوحدنا، وعلشان أبقى صريح أكتر معاكي أنا صممت أكتب كتابي عليكي، علشان أقدر أكون على راحتي معاكي، وإنتِ كمان تكوني على راحتك وتعبري عن حبك ليا من غير كسوف ولا خجل.

حاولت أمل أن تتحدث ولكنه منعها بتقبيله إياها مرة أخرى، ولكنه أبتعد عنها بغته حين صدح صوت إيمان يقول بحدة:-

-خالد.

----------------------------------------------------

في صباح اليوم التالي وبعد تلك اللحظات الرومانسية التي قضتها أمل بين ذراعي خالد والتي وئدتها إيمان بصيحتها، جلست أمل فوق فراشها وهي تشعر بالسعادة والثقة والحب، أستندت إلى حافة فراشها وراقبت جسد إيمان الغافي، ولكنها لم تدر لما شعرت بأنها مستيقظة فنادتها قائلة:-

-إيمان إنتي صاحية مش كدا.

مسحت إيمان دموعها وزفرت بسخط، وحاولت أن تخفي أنفعالها وغيرتها وقالت:-

-ايوة يا أمل أنا صحيت بسبب السيرك اللي منصوب برا دا.

كادت أمل تغادر فراشها وتتجه لتجلس بجوار إيمان، ولكن تلك النغزة التي طعنت صدرها جعلتها تلزم مكانها، فوضعت كفها فوق قلبها وأخذت تدلكه بروية، فلم تنتبه لصوت إيمان الخفيض وهي تقول:-

-أنا مش عارفة إزاي قدرتم تكتبوا الكتاب وأنا مش موجودة، وإزاي محدش فيكم فكر فيا، دا حتى مهنش عليكم تتصلوا بيا تاني وتبلغوني ولو جبران خاطر، زي ما تكونوا ما صدقتم إني مش موجودة، ما طبعا لازم يبقى ما صدقتم علشان مبوظش اللحظات الجميلة، اللي البيه أخدك فيها فحضنه وباسك براحته، أيوة ما إنتِ خلاص بقيتي مراته رسمي ومحدش دلوقتي يقدر يقول حاجة، ولا يعترض على وجودك معاه لوحدكم، ولولا إني حسيت إن في حاجة بتحصل من ورايا ورجعت، كنتم خبيتوا عليا زي ما البية كان عاوز يعمل ويخبي عليا.

زفرت إيمان بضيق حين وصل إليها صوت ضحكات ضُحى ونعمة، فجذبت وسادتها ووضعتها فوق رأسها، غافلة عن محاولة أمل لإلتقاط أنفاسها وشحوب وجهها وأستكملت همساتها الخفيضة:-

-دا إحنا مش فبيت وبقينا فسيرك فعلاً، ما طبعاً الست نعمة عاوزة تكيد فيا وتثبت لي إن أمل بقت حلال خالد ومن حقه وعاملة لهم وليمة، هي مكفهاش الوليمة اللي عملتها إمبارح.

تمددت أمل فوق فراشها وأغمضت عيناها وهي ترجو تلك النوبة أن تمر، وبشق الأنفس أولت ظهرها لإيمان في نفس اللحظة التي أعتدلت إيمان بحدة، وجلست فوق فراشها وألتفتت برأسها تحدق بظهر أمل بغيرة، فوقفت بعصبية وأتجهت صوبها وقالت بسخرية:

-هتنامي تاني وماله أحسن ما هو ساعات نوم الظالم عبادة.

غادرت إيمان الغرفة ووقفت بمنتصف الردهة، وحدقت بظهر نعمة التي وقفت تزين طاولة الطعام بكراهية فأقتربت منها وقالت:-

-يعني هو حضرتك مكنش ينفع تعملي كل دا، بس من غير صوت علشان نعرف ننام.

أعتدلت نعمة ورمقتها بنظرات سخط وقالت:-

-تنامي إيه دا أحنا بقينا الضهر، وكلها شوية وإيهاب وخالد يوصلوا ونتغدا كلنا بدري، قبل ما خالد ياخد مراته ويخرجها شوية، بدل الحبسة اللي كانت حبساها لنفسها.

كادت إيمان تصفعها ولكنها تمالكت أعصابها، بنفس اللحظة التي غادرت ضُحى المطبخ وهي تحمل أواني الطعام وتبتسم، فتلاقت عيناها بعين إيمان فسئلتها وقالت:-

-مال وشك مخطوف كدا ليه يا إيمان، هو إنتي كمان أتعديتي من أمل ولا إيه.

أغمضت إيمان عيناها بغيظ لمقارنة ضُحى لها بشقيقتها، وأستدارت عنها وأتجهت صوب المرحاض وقالت قبل أن تختفي داخله:-

-كلنا فالهوا سوا يا ضُحى وتقريباً كدا بقيت أنا وأمل تعب قلبنا واحد.

 وقفت إيمان تحدق بوجهها الشاحب بمراآة المرحاض، وزفرت بألم وقالت لصورتها:-

-عرفتي خالد بعت لك الرسالة ليه وقالك باتي عند صحبتك إمبارح، علشان ميعرفكيش إنه سافر مطروح لعمي محمد، وإنه أتفق ورتب لكتب كتابه، كتب كتابه اللي أقسم إنه.

صمتت إيمان وهي تتابع الحديق بصورتها لتفر دموعها غصباً فأشاحت بوجهها وقالت:-

-ياريتني كنت زيك يا أمل عندي أهل يقفوا جانبي لما احتاجهم، إنما ماليش إلا أم ماصدقت خلصت مني، ولو حكيت لها مش بعيد تتبري مني بعد ما تفضحني هي وجوزها.

تنفست إيمان بعمق ومسحت دموعها بعنف، وأخرجت هاتفها من جيب بنطالها وأرسلت إلى خالد رسالتها التي أمتنعت عن إرسالها إليه بالأمس، وغادرت المرحاض لتراه يقف بجوار باب الشقة وبجانبه إيهاب، فرمتهما بنظرات نارية وولجت إلى غرفتها، وهي تؤكد بأنها تلك المرة لن تتنازل أبداً عن حقها كما فعلت في المرات السابقة.

💓💓💓💓💓💓💓💓💓💓💓💓💓

الفصل الخامس .. الصدمة . 

------------------------------


بعدما رفض خالد مقابلة إيمان كما طالبته في رسالتها، وأخفاء أمل ما تشعر به من إجهاد، والذي عللت سببه إلى الفترة التي سبقت عقد قرانها. 

مرت الأيام بطيئة، ما بين غيرة مشتعلة بقلب إيمان، وتجاهل متعمد من خالد نحوها، عكس ما كان يفعله كلما إجتمع مع أمل في مكان، فكان يحاول وبشدة محاصرتها بمشاعره، التي غلبته وطاقت للمزيد، لتزداد عصبيته أمام رفض أمل أي تلامس بينهما، وإصرارها على عدم التواجد بمفردها معه، خشية أن تستسلم لضعفها مرة أخرى، وبدأت علاقة أمل وإيمان تتخذ شكلاً أخر، فباتت علاقتهما فاترة باردة، عاملت فيها إيمان أمل بجفاء، كونها أختطفت منها خالد وأبعدته عنها، أما أمل فأصبحت تحت وطأة جفاء إيمان وعصبية خالد ودراستها، لتضعف يوماً عن الأخر، وبدت إيمان أشبه بالقنبلة الموقوتة التي تهدد بالإنفجار.

وقبيل موعد الأختبارات ببضعة أسابيع، أعدت نعمة وليمة كبيرة أخرى جمعتهم من خلالها، حينما لاحظت إبتعاد أمل مرة أخرى عنهم وإنطفائها على غير العادة، وبعدما أنقضى وقت العشاء سريعا، بين ضحكات فاترة وعيون حائرة تحاول التهرب من توترها، طلب خالد من أمل أن تغادر برفقته، لتوافق بعد مضض بعدما دفعتها خالتها دفعاً بعدما لاحظت نظرات إيمان إليهما، قاد خالد سيارته بصمت وحاولت أمل أن تخرجه عنه، ولكنها فشلت وايقنت بأنه غاضب منها لتهربها منه، صف خالد سيارته أمام إحدى البنايات، وغادر ودار حول سيارته وفتح الباب لأمل وأشار إليها لتغادر هي الأخرى، وقفت إلى جواره تحدق به بحيرة، وحين رأى تمنعها عن الحركة قبض على ساعدها وأتجه بها صوب البناية ولج إليها متجهاً إلى المصعد وضغط يستدعيه وهو يزفر أنفاسه بحدة، سألته حينها أمل:

-خالد ممكن أعرف إنت جايبنا فين، هو مش مفروض إننا رايحين نقعد فكافية و.

لم يمهلها الوقت لتكمل فدفعها داخل المصعد ما أن توقف وضغط ليصعد بهما للطابق العاشر، ساعدها على الخروج منه وكأنه يخشى أن تفر، توقفا أمام إحدى الشقق ليزيد خالد الأمر ارتباكاً عليها وفتح الباب بمفتاح أخرجه من جيبه، وجذبها لتتبع خطاه وما أن أوصد الباب حتى صاح خالد بوجهها مباغتاً إياها: 

-ممكن أفهم إنتي بتهربي مني ليه من بعد ما كتبنا الكتاب، أديني جبتك فمكان بعيد عن البيت علشان متبقيش خايفة لخالتك تشوفك، أو إيمان أو ضحى، وعلشان تتكلمي من غير ما يبقى في حد بيتجسس على كلامنا، ممكن أعرف بتهربي مني ليه يا أمل، فهميني علشان أنا هتجنن بسببك.

ازدردت أمل لعابها بخوف فهي لم تراه بتلك الحالة من قبل، فابتعدت عنه وهي تتحاشى النظر إليه وأجابته قائلة بتلعثم:

- أ أنـــــ ــــا مش بهرب منك ولا حاجة يا خالد، إنت بس اللي بتتخيل.

صمتت لثانية لتتنفس بقوة وهي تضغط كفيها معا، حتى تركت اظافرها أثرها براحة يدها لتضيف في محاولة منها لتشتيت حدته:

- إكيد بس من كتر ما بتذاكر وأنا مشغولة بالمذاكرة، وحالة التوتر اللي كلنا فيها علشان الأمتحانات خلاص قربت، فاكر إني بتهرب منك، بس أنا أنا يعني هتهرب ليه يا خالد و.

أقترب خالد منها وإلتقط راحة يدها بين كفيه وضغط فوقها بقوة، فرفعت أمل عينيها وحدقت به بألم، رفع خالد حاجبه بإستنكار ومال صوبها، لتغضبه ردة فعلها حين أبعدت أمل رأسها سريعاً عنه، فزاد خالد من ضغطه فوق أصابعها وقال:

- واضح إنك مش بتهربي مني ولا حاجة، بدليل تصرفك معايا دلوقتي، أنتِ مرعوبة مني وخايفة، وأنا عاوز أعرف خايفة ليه وليه بتتصرفي بالشكل دا.

دمعت عينيها لتألمها، ولزمت الصمت فهي لا تعرف كيف تخبره بما تشعر، لتسمعه يضيف بحدة:

- يا أمل أنا وضحت لك إني محتاج لك أكتر من مرة، بشكل مباشر وبشكل غير مباشر، ولعلمك أحتياجي ليكي دا حقي، ولما تلبيه ليا مش حرام، إنتِ المفروض تقربي مني أكتر وتعملي اللي أقولك عليه، علشان دا أمر طبيعي بين أي أتنين بيحبوا بعض ومش يقلل مني لما أطلبه منك، خصوصا إننا خلاص بعد كام شهر هنتجوز، إنما هروبك مني وإنك تعصي طلبي ليكي دا اللي مالوش أي مبرر.

حاولت أمل جذب أصابعها من بين كفيه، وحينما فشلت وزاد إحساسها بالألم سالت دموعها بغزارة، فزفر خالد بضيق وقال بصوت مكظوم:

- مش معقول كل ما أكلمك كلمة تعيطي لي زي العيال يا أمل، ممكن لو سمحتى تبطلي عياط وتفهميني ليه مش عاوزة تنزلي تقعدي معايا تحت وتاخدي راحتك معايا زي ما طلبت، أنا جوزك يا أمل ولو سألتي هتعرفي أنه حقي عليكي.

استشاط غضباً حين ظلت على حالها تبكي بصمت، فجذبها بقوة إليه وحاوطها بذراعيه، ليصيح بوجهها:

-ما أنا مش جايبك شقة واحد صاحبي علشان تفضلي تعيطي، بقولك متخافيش مني أنا مش هعمل حاجة تأذيكي، أنا كل اللي عاوزة تبقى جانبي أخدك فحضني، ما تفهمي بقى يا أمل ولا أنت صغيرة للدرجة اللي مش عارفة الراجل بيحتاج إيه من مراته.

شهقت بخوف حين تجرأت لمساته التي ترافقت مع كلماته الأخيرة، ليميل صوب شفتيها ويهمس ببعض كلمات، وقبلها بقوة، مانعت أمل وحركت رأسها يميناً ويساراً، لتثير غضبه منها أكثر، فضغط بيده على رأسها ليقربها منه واحكم ساعده حول جسدها، وحاول أن يهدأ من روعها بهمسات حانية، حتى توقفت عن الحركة ظنها تقبلت ما يريد، وانهال عليها يمطرها بقبلاته، أما أمل فلم تكن أبدًا كما ظنها خالد، عقلها بات يُفكر ويصارع أفكاره، بما يظنها صديقه الذي أعاده مفتاح تلك الشقة، ولما أتى بها خالد لهنا، أيختبرها نعم هو كذلك يختبر وفائها لوالديها وصونها لنفسها وعفتها، فخالد لا يمكن أبدًا أن يضعها بمثل هذا الموقف إلا للإثبات شيء ما، تاهت بأفكارها ولم تستجب له، باتت كالتمثال بين ذراعيه، مشاعر جافة مبتورة حزنًا على ما يعرضها له خالد، تيبست أكثر حين زجرها عقلها متهمًا إياها بالساذجة، ويذكرها بما فعله سابقًا، بل وبكلماته التي تحول اتجاهها منذ عقد قرانه عليها، ولمساته الجريئة لها طلبه المتكرر منها أن يحظى معها ببعض الوقت، ووسط دوامة أفكارها لم تنتبه لابتعاده عنها وأشاحته بوجهه عنها، إلا حين دفع خالد أحد المقاعد بقوة فسقط محطمًا، فصرخت بخوف وأخذ قلبها يخفق مؤلماً إياها، ليستدير إليها وأقترب منها ليزرع الذعر بداخلها، قبض بقوة على كتفيها وهزها معنفًا إياها:

-أنا لو حاضن حتة تلج كان زمانها ساحت من النار اللي جوايا، وأنتِ واقفة زي لوحد الخشب مش حاسة بيا، وسرحانة بعيد فدنيا واضح إنك مش عايزاني فيها، مالك يا أمل أنتِ فيكي إيه، خلاص بطلتي تحتاجيلي وتحبيني، ردي عليا مش عايز تتجاوبي معايا ليه وتبادليني الحب.

تطلعت إليه ومشاعرها تتصارع بعينيها ما بين عتاب وحزن وصدمة لتقول:

-أتجاوب معاك وهو أنت جايبني هنا علشان أتجاوب معاك، طب إزاي وأنا مصدومة بسبب كلامك وأفعالك، أنا عمري ما كنت أتخيل إنك تجيبني شقة واحد صاحبك، فاهم يعني إيه إنك تجيبني شقة واحدة صاحبك، يعني أنت ببساطة عرضت نفسك وعرضتني للظن السيء فينا، أنا مش مصدقة إنك قدرت تقول لصاحبك أديني مفتاح شقتك علشان أجيب خطيبتي اختلي بيها، معقول وأنت بتطلب منه المفتاح، مفكرتش فصورتي هتبقى إيه لو مرة اتقابلت مع صاحبك دا فأي مكان تاني، مفكرتش هو بيقول عننا إيه دلوقتي، طيب أفرض إنه فكر إنك جايب أي واحدة وبتكذب عليه أني خطيبتك ولاقيته جاي، وقتها هتحافظ عليا إزاي يا خالد، جاوبني هتعمل إيه لو صاحبك دخل علينا دلوقتي، وشافك وإنت بتبوسني وحاضني.

بهتت ملامحه تمامًا وهو يستمع لكلمات أمل، التي عسكت بعينيه الضوء ليرى مالم يضعه في الحسبان، يصعقه عقله مردداً:

-دي أمل يا خالد مش إيمان، لأول مرة ذكائك يخونك وتحسبها غلط، اللي واقفة أدامك بتلفت نظرك للي مفكرتش فيه أمل اللي ربتها على ايدك، كبرتها على اللي أنت عاوزه، علشان تفضل القطة المغمضة.

تنفس بقوة وهو يتابع دموعها التي أبت أن تنهمر بضعف أمامه، لاحظ شحوب بشرتها وتسارع أنفاسها، لم يتحمل النظر إليها بضعفها الذي جعلها رغم كل شيء جميلة بضعفٍ، ليسمعها تضيف:

-على فكرة أنا بحس بكل حاجة، وفاهمة اللي أنت عايزه ومحتاج له، بس أنا عاهدت نفسي معملش أي حاجة في السر، يعني بقناعة ان لو اللي هيحصل بينا أنا شيفاه حق وحلال، يبقى بستخبى ليه علشان أخده، الحاجة اللي بتتاخد في السر يا خالد تبقى لا حق ولا حاجة، وأنا مش عاوزة أغضب ربنا ولا أخون ثقة بابا فيا حتى لو مكتوب كتابي عليك.

اعادها خالد إلى منزل خالتها وغادر مسرعًا، وولجت أمل إلى غرفتها يملائها الحزن، لتغير خالد معها واهانته لأنوثتها بكلماته، بحثت بعينيها سريعًا عن إيمان فلم تجدها، فنزعت قناع القوة عنها، واستسلمت لما يهاجمها من ألم وتمددت فوق فراشها تبكي وترتجف، لم تستطع النوم فجلست تحاصرها الأفكار، تارة تزيد من شعورها بالندم بأنها تمادت في رفض تقرب خالد منها، وتارة تذكرها بكلمات إيمان، التي ألقتها على سمعها توبخها يوم وجدتها بين ذراعي خالد قائلة:

- إنتي إزاي تسمحي لنفسك يا محترمة إنك تخلي خالد يحضنك ويبوسك حتى لو كاتب كتابه عليكي، إنتي متعرفيش إن مينفعش يحصل بينكم أي حاجة طالما لسه متجوزتوش، بصي يا أمل إنتي شكلك كدا محتاجة لحد يحرسك وياخد باله منك، بدل ما تروحي تضيعي نفسك وتستسلمي لضعفك وتخلي خالد يفقد إحترامه ليكي، يا بنتي الراجل مهما قال للبنت أنه بيحترمها وبيحبها، وإنه مستحيل يستغنى عنها أو يبعد عنها، أول ما بيطول منها حاجة، بيحس إنها سهلة ورخيصة، فهل إنتي عاوزة خالد يشوفك سهلة كدا، عموما  أنا نصحتك وإنتي حرة بقى فاللي عاوزة خالد يفكره عنك.

هزت رأسها بقوة لتبعد عنها تلك الأصوات وهي تدعو الله بالثبات. 

-----------------------

وبداخل شقته جذبها إليه مرة آخرى، فحاولت منعه فشدد من يداه حول جسدها وزمجر بغضب، وحدق بها محذرًا إياها من الرفض، لتنصاع إيمان وتستجيب رغم أحساس التعب الذي نال منها، مضى الوقت ليبتعد عنها وهو يتنفس بقوة، وحين أقتربت منه لتستند برأسها إلى صدره، غادر خالد فراشه متجهًا إلى المرحاض، لتحدق إيمان بمكانه الخالي بحيرة، انتظرته لينهي استحمامه وحين غادر رمقها بعينيه لتبادله النظر بتحدي وتسأله:

-أول مرة تبقى متطلب وعنيف كدا، أنت زي ما تكون كنت بتنتقم مني.

ادار وجهه عنها وأهمل كلماتها وقال:

-قومي خدي دوش وألبسي هدومك وأطلعي علشان محدش يحس بحاجة، أنا تعبان وعايز أنام ووجودك مش هيخليني أعرف أنام براحتي.

صفعتها كلماته وآلمها أحساس الرخص، نظرت إليه طويلاً وتحركت ترتدي ثيابها وحين أنتهت أقتربت منه وقالت:

-واضح إنها رفضتك علشان كدا طلعت كل غضبك فيا، كان لازم أفهم من أول ما بعت لي عايزك إنك مش عايزني علشان وحشتك، أنت كنت عايز تطفي غضب رفض أمل ليك صح.

نظر إلى ساعته وأهمل سؤالها وقال:

-لو خلصتي كلام أتفضلي اطلعي علشان الوقت، وياريت تحتفظي برآيك وأفكارك لنفسك علشان مزعلكيش.

--------------------------------

تفاجأت أمل في صباح اليوم التالي، بخالتها تعطيها مظروف أخبرتها بأن خالد تركه لها قبل أن يسافر، سارعت أمل للأتصال به ولكن هاتفه المغلق كان هو الأجابة الوحيدة عليها، ابتعدت عن الجميع وفضت المظروف وقرأت كلماته التي زادت احساسها بالندم وهو يخبرها:

-محتاج أبعد عن الكل يومين، سافرت اسكندرية عند ناس معرفة وهيفضل موبايلي مقفول، سبت لك نسخة من مفتاح الشقة تحت علشان لو احتاجتي اللاب تنزلي تخديه، على فكرة أنا عمري ما أتصرفت بحماقة ولا بقلة عقل، لكن أحتياجي ليكي غلبني يا أمل، علشان كدا شوفت إن من حقنا إننا نعيش من غير ما نتمادى، طالما مكتوب كتابنا يعني أنا مكنتش هعمل أي حاجة تقل منك لإنك مبقتيش خطيبتي أنتِ بقيتي مراتي وهنا الفرق، اللي مكنتش قادر اعمله فالأول، بقيت شايفه حق، لكن طالما أنتِ مش عايزة أنا مش هقدر أجبرك عليه، فسامحيني إني فرضت نفسي عليكي بالشكل دا، وليكي وعدي وكلمتي إني ملمسكيش إلا لما تبقى فبيتي.

لزمت الصمت ولم توقف دموعها، فالحيرة والندم جعلاها لا تدرك هل ما فعلته هو الصح أم هي أخطأت بحق خالد، ولكنه أجاد أختيار كلماته التي باتت سوط يجلدها وازداد جلداً لغيابه الذي تخطى اسبوعين، فباتت تتسلل إلى شقته وتجلس خلسة لتشعر بقربها منها بعدما زاد اشتياقها إليه.

ازداد صراع أمل ما بين حبها لخالد كل المستجدات وبين احاديث إيمان التي أصبحت تسمعها إياها عن ذنب أختلائها بخالد. 

ببداية الأسبوع الثالث، عاد خالد وخفق قلب أمل بقوة تمنت لو تلقي بجسدها بين ذراعيه لتطمئن لعودته، ولاحظت خالتها سعادتها تلك ونغزها قلبها فاستأذنت من أمل وجلست إلى جوارها لتجدها تتزين للمرة الأولى، فربتت على الفراش بجانبها وأشارت لأمل لتجلس لجوارها، لبت أمل دعوة خالتها وجلست لتبتسم الأخيرة وهي تربت وجنة أمل وتقول:

-أول مرة أشوفك حاطة مكياج ومتشيكة بالشكل دا، دا حتى البرفان اللي أنتِ حطاه ريحته جامدة وتدوخ من حلاوته، جميل إن الواحدة تهتم بنفسها علشان تبقى حلوة، بس وهي واخدة حذرها وبالها علشان متغلطش، أنا عارفة إن خالد وحشك، أسبوعين بردوا كتير أنه يغيبهم عليكي وموبايله مقفول، علشان كدا بقول بلاش تنزلي وأنتِ كدا يا أمل، خلى مقابلتك أول مرة لخالد هنا، ودا لمصلحتك وأمنك، هنا أنتِ فوسطنا هنراعيكي وهو هيخلي باله من تصرفه، إنما لو نزلتي تحت وأنتِ مشتاقة تشوفيه، ممكن وقتها الحماسة تاخدك وتاخده و.

وضعت أمل كفها المرتعش فوق شفتي خالتها، وهي تتفكر بكلماتها وقالت:

-متكمليش يا خالتو، رغم إن أنا مجاش فدماغي أي حاجة من دي وأنا بلبس وبحط مكياج، لكن كلامك حتى لو هيزعلني إلا أنه صح، عموما يا خالتو أنا عايزة أقولك أني واخدة عهد على نفسي معملش أي حاجة غلط، علشان أفضل كبيرة فعيون نفسي قبل عيون اللي حواليا.

أعتذرت منها خالتها قائلة:

-سامحيني إن كلامي بايخ ويزعل، بس أنتِ يا أمل عاملة زي الوردة اللي لسه مفتحتش للدنيا، وأنا بساعدك علشان تحافظي على نفسك، متزعليش مني يا أمل، أنا أه أتحرمت من الخلفة لكن أنتِ وضُحى بناتي ولازم أخاف عليكم وأحميكم.

غادرتها ووقفت أمل تحدق بهيئتها لترى ما رأته خالتها، لقد أبرز الثوب منحيات بجسدها لا يجب أن يراها أحد، وزادها التزين جمالاً فكيف كانت ستتعامل إن طالبها خالد مرة أخرى بحقه، حمدت الله وسارعت بنزع الثوب، وأرتدت ما يخفي جسدها ويستره عن عينها هي الأخرى، أتجهت إلى المرحاض توضأت وشرعت تصلي، ليحفظها الله من ضعفها وذلة قلبها.


تفاجأت برسالة خالد المبهمة التي أرسلها عبر الهاتف برغبته برؤيتها، ورغم تعجبها كونه لم يحادثها إلا أنها حسمت أمرها بأن تذهب للقاء خالد، رغم أختياره لموعد لقاء متأخر، وضعت أمل مفتاح شقته بجيب بنطالها، لتخفيه سريعاً لظهور إيمان من العدم أمامها بوجه شاحب، كانت نظراتها غامضة وغريبة لها، فحاولت أمل تحاشي النظر إليها وشعرت برغبة بالأبتعاد عن محادثتها، فهي على يقين من أن إيمان لن تدع الفرصة تفوت منها إلا وستوبخها، كونها إنفردت بخالد بعيداً عن الجميع، ولكن لدهشتها أهملتها إيمان كلياً، وتمددت فوق فراشها وأولتها ظهرها، لتجاريها أمل وتتمدد هي الأخرى ولكنها سرعان ما غفت، بعدما عاد الألم ينغز صدرها إليها مرة أخرى.

تصنعت إيمان النوم بينما كان عقلها يفكر، ليزيد خوفها من ردة فعل خالد بما سيحدث، غادرت إيمان فراشها وتتسللت خارج الغرفة، بعدما طمئنت نفسها بأن أمل خلدت إلى النوم وتعمقت به، فأكملت تسللها حتى غادرت الشقة متوجهة الي شقة خالد .

--------------------------------

لم تدري أمل ما السبب الذي جعلها تستيقظ منتفضة هكذا، حدقت بساعة يدها لتلاحظ أنها غفت لأكثر من نصف ساعة، حينها تذكرت تحذير خالد وطلبه منها فأسرعت وتركت فراشها، ولكنها توقفت بدهشة وتعجب لرؤيتها فراش إيمان خالٍ منها، وتسائلت إلى أين ذهبت إيمان في هذا الوقت المتأخر من الليل، فغادرت الغرفة وبحثت عنها بهدوء، ليلفت إنتباهها باب الشقة المفتوح فوقفت أمل أمامه تحدق به بحيرة وتساؤل، لم تدري أمل لما أحست وكأنها تساق إلى حتفها كلما أقتربت من شقة خالد وحين توقفت أمام باب شقته الموصد، أخرجت مفتاح الباب وفتحته بهدوء وخطت إلى الداخل وهي تسير على أطراف أصابعها بتوجس.

كادت تلج إلى غرفة نوم خالد ولكن صوت همساته، جمدتها تماماً خارجها وهو يقول:

-أديني نفذت لك طلبك ونمت معاكي زي ما إنتي عاوزة، علشان أثبت لك إني متغيرتش ولا حاجة يا إيمان، ممكن بقى أفهم إنتي ليه عصيتي كلامي، ونزلتي تاني لوحدك ومن غير ما أطلبك ولا أقولك، وأنا منبه عليكي ومحذرك إنك تخدي بالك قوي من تصرفاتك فالفترة دي.

كتمت أمل شهقتها بأصابع مرتجفة وعيناها جاحظة من هول صدمتها، لتزداد  أصابعها ضغطاً فوق شفتيها منعاً لإصدارها أي صوت، حين سمعت صوت إيمان تقول بصوت متلعثم:

-غصب عني يا خالد مقدرتش أمنع نفسي ومنزلش، أنا كنت محتجالك قوي وكنت حابة إن قلبي يطمن إنك متغيرتش من ناحيتي، زي ما حسيت من تصرفاتك طول الفترة اللي فاتت، وبصراحة كمان أنا كان لازم أنزل اتكلم معاك علشان الموضوع اللي عندي ميتحملش أي تأجيل. 

تذمر خالد وغادر فراشه ووقف أمامها يرتدي ملابسه وأشار إليها لتفعل المثل، فزفرت وهي تحدق به وحين رفع حاجبه منذراً إياها بعيناه إنصاعت وغادرت فراشه هي الأخرى وأرتدت ملابسها، لتسمعه يقول بصوت جاف جعلها تتوتر وتندهش لسرعة تحوله بعدما كانت منذ لحظات بين ذراعيه:

-إيمان أنا فاهم كويس دماغك وعارف إنك بتخططي لحاجة، من وقت ما جيتي وأتفاجئتي بأني كتبت كتابي على أمل، علشان كدا كنت حريص إني أتعامل معاكي بتجاهل، علشان أفهمك إنك لو غلطتي هيبقى مصيرك إيه معايا، خصوصا إنك عارفة ومتأكدة إنك زوديها الفترة اللي فاتت وجنانك فاق الحد، بلاش يا إيمان حركات لا هتودي ولا هتجيب معايا، علشان انتي عارفة كويس اني مش باكل منها خصوصا إني فهمتك إني مش هتخلى عنك، يبقى كان لازم عليكي إنك تثقي فكلمتي أكتر وتقدريها، لإني راجل ومش ههرب من وعدي ليكي أبداً ولو علي رقبتي .

زفرت إيمان بخوف وهي تحدق بملامحه التي تصلبت فأغمضت عيناها وقالت:

-انا عارفة يا خالد إنك لا هتسبني ولا هتخلى بوعدك ليا، بس أنا بصراحة خايفة ومحتاجة إنك تطمني أكتر، وتفهمني مصيرى إيه فالحوار دا، إنت إنت قلت لي إن يوم ما تتجوز أمل هتنفذ وعدك ليا.

تحسس خالد شعره بضيق ونظر إليها بسخط وهو يكافح غضبه الذي بدأ يتصاعد بداخله وقال:

-إيمان قولت لك بلاش تلفي وتدوري عليا، ولو على مصيرك فأنتي عارفة مصيرك إيه معايا، أما عن وعدي ليكي فأنا مش هتهرب منه، بس كمان مينفعش أنفذه دلوقتي على الأقل، وبعدين أنا متجوزتش أمل دا مجرد كتب كتاب يعني.

ضحكت إيمان بسخرية وهي تبتعد عن مدي يده، بعدما قرأت غضبه من عيناه وقالت:

- إنت بتضحك عليا ولا علي نفسك يا خالد، أنا عارفة زي ما أنت عارف أنك عاوز أمل فسريرك، ولولا إنك مقدرتش تطولها ولا تبقى على راحتك معاها، مكنتش عجلت بكتب كتابك عليها علشان يكون لك لوحدك السلطة العُليا عليها، خصوصاً بعد ما بعدت عنك وبقت تخاف تفضل لوحدها معاك، بس يا خالد وإنت بتحاول تفرض كامل سيطرتك على أمل، علشان تحقق اللي بتسعى له ظلمتني أكتر معاك.

لم يستطع خالد منع نفسه من السخرية منها، فصفق بتهكم لأتهامها له بالظلم وقال:

-برافو يا إيمان بجد برافو إنتي بتمثلي كويس قوي، بس ياريتك وإنتي بتمثلي تعرفي إن أنا مظلمتكيش، وإني لو كنت فعلا ظلمت حد فاللي إتظلمت هي أمل مش إنتي، علشان إنتي وأنا عارفين كويس الحقيقة، فبلاش تعملي نفسك ضحية أصل بصراحة مش لايق عليكي الدور أبداً.

توالت طعنات الخيانة فوق قلب أمل وهي تستند إلى حائط الغرفة، تشعر بقلبها يأن أسفل وطأة الألم القاتل، وتهالكت أنفاسها أسفل يدها التي حرصت كل الحرص على كتم بكاؤها بها حتي لا يصل إلى سمع أياً منهما، كبحت أمل رغبتها في إقتحام الغرفة ومواجهتهما ولكنها أرادت أن تعلم إلى أي مدى وصلت خيانتهما لها، وهي المغيبة بكلمات عاشق خائن وصديقة معسولة الكلام السام، تشدقت إيمان أمام سخرية خالد منها وقالت بهجوم حاد عليه:

-ومش لايق عليا ليه يا خالد ما تفهمني، على فكرة حبي ليك ميقلش مني فحاجة لو دا قصدك، وأنا مأنكرتش إني طارتك بمشاعري ووضحت لك إني بحبك، وعارفة إني طلبت منك إنك تتعامل معايا بود، وتحسسني إن ليا حد أتحامى فيه، ودا كان قبل ما أعرف منك إنك بتحب أمل وإنك خطيبها، ولعلمك أنا حتى دلوقتي فاهمة كويس إنها لوحدها صاحبة قلبك، بس كمان يا خالد أنا عاوزاك متنكرش إنك طعمت وغرورك إن في واحدة تانية بتحبك وهتموت على نظرة رضا منك، خلاك مش عاوز تضيعني من إيدك، ولا ناسي إني حاولت أبعد عنك وإنت اللي كنت بتشجعني أستمر، لما كنت بتتكلم بحنية معايا علشان تخليني أقولك إني بحبك، يا خالد أنا عوزاك مع صراحتك المفرطة دلوقتي، تعترف إنك إنت اللي لعبت معايا وبمشاعري لحد ما ضيعت مني كل حاجة، ومسبتش ليا أي حاجة تخصني ومش كدا وبس، لأ دا أنت خليتني بقيت إيمان جارية خالد اللي لو أمر ترمي نفسها فالبحر هترمي من غير سؤال والدور عجبك علشان عيشك الأنا بعظمة. 

زاد خالد من تهكمة عليها وقال وهو يحدق بها بغضب:

- هايل بجد هايل دا إنتي طلعتي فيلسوفة عصرك يا إيمان.

تجمعت الدموع في عين إيمان حين شعرت بأن حديثهما يسير نحو طريقٍ مغلق فزفرت بإنكسار وقالت:

-أرجوك يا خالد كفايا تريقة عليا، وكفايا إني بهين نفسي كل يوم معاك وأنا ليا كل الحق فيك وبحياتك زي أمل و.

أبتعلت كلماتها حين أقترب خالد منها بخطواتٍ غاضبة، وقبض علي خصلات شعرها لدرجة ألمتها وقال بصوت زرع الرعب في نفس إيمان وكذلك في سمع أمل خارج الغرفة:

- إياكي تكوني فاكرة إنك هتملكيني ولا ليكي أي حق عندي يا إيمان، علشان أنا ممكن أمحيكي فلحظة، ففوقي لنفسك وبلاش تهدمي اللي بينا، وافتكري إن اللي ترمي نفسها علي واحد وتخون البيت اللي لمها من الشارع، وهي عارفة إن صحبتها بتحب الواحد دا تستاهل أي حاجة تحصل لها، وانتي كل اللي ليكي عندي وعدي وكلمتي كراجل، وأنا علشان مقدرش أتحمل ذنبك مش هعاملك بنفس معاملتك اللي تستحقيها، وهفضل عند وعدى ومش هتخلي عنك، بس اقسم بالله يا إيمان إنك لو ما تعدلتي معايا ومع أمل، لتشوفي وش لخالد هيخليكي تتمني الموت ومتلاقيهوش، وخليكي فاكرة كويس إن أنا فالأول والأخر راجل وإنتي زي ما أنتي عارفة.

كان صمت خالد وعدم إكماله لكلماته وقع الأهانة الأكبر على نفس إيمان، فأرتفع صوت نحيبها بعدما نفض خالد شعرها من يده، فركعت أرضاً أسفل قدميه بإنهيار جعل قلبه يشعر بالألم نحوها، فرغم كل شىء هناك شىء بداخله يطالبه بالتمسك بها وعدم التخلي عنها أو الإبتعاد عنها، فانحني وساعدها لتقف ضاماً إياها إلى صدره وقال:

-خلاص يا إيمان كفايا عياط أنا مقصدش أضيقك بكلامي، لو سمحتي بطلي بقى أنا مش عارف إنتي عاوزة توصلي نفسك لإيه بالي بتعمليه دا.

شدد خالد ذراعيه حولها فرفعت إيمان عيناها إليه وحدقت به بعتاب وحزن وقالت:

- إنت ليه بتعاملني كدا يا خالد مرة بترفعني للسما، و المرة التانية بتدوسني برجليك على فكرة أنا مش وحشة للدرجة اللي تخليك تعمل فيا كدا.

أصبحت أعصاب خالد على المحك فهو يكافح ليسيطر عليها حتى لن يفلت منه زمام الأمر، ولكن نظرات إيمان كانت بمثابة شرارة الأشعال فتنفس ببطء ليتمالك نفسه وقال:

-خلصنا يا إيمان ولو سمحتي الموضوع دا حاولي تخرجيه برا تفكيرك، علشان مش كل يوم والتاني تيجي تكلميني فيه بالشكل دا لحد ما خنقتيني، فاهمة يا إيمان ولا تحبي أفهمك بطريقة تانية.

تهديد أخر فخالد لن يتغير معها أبداً فهي حين تحشره بالزاوية، ليلجأ للتهديد والأنذار والقوة ولكنها اليوم لن تنكس رايتها أمام تهديده حتى وإن نال منها عنفه فهزت رأسها بالرفض وقالت:

-ولو مفهمتش يا خالد هتعمل إيه، هتضربني عموما معدتش تفرق معايا لإني أتعودت منك على العنف، لكن اللي يفرق هنا إن لو على الفهم فالوحيد اللي محتاج يفهم بينا هو إنت، واللي لازم تفهمه إنك لازم توفي بوعدك ليا وتعلن جوازنا قبل ما تاخد أي خطوة جديدة مع أمل.

ابتعد عنها فغضبه أصبح جلياً فوق ملامحه وهو لا يريد أن يتسبب لها في أذى، جلس خالد أمامها فوق فراشه ووضع ساقاً فوق الأخرى وعيناه تحدجها بنظرات غامضة ليحدثها بصوت مريب ومبهم ويقول:

-إنتي عوزاني أعلن جوازي عليكي وأنا مفتش على كتب كتابي لأمل شهر، إنتي واعية لنفسك يا إيمان بقى عوزاني أقتل فرحة الإنسانة الوحيدة اللي ملكت عمري علشان خاطرك إنتي، دا واضح جداً إن عقلك طار منك يا إيمان.

صمت ليحدق بها بوعيد جعلها تنكمش بخوف وتحمد الله بأنه أبتعد عنها لتنتبه لصوته يقول بحدة:

-إيمان أنا مش هعيدها تاني أمل خط أحمر فكل حاجة ولا يمكن هسمح ليكي أو حتى لنفسي إن أجرحها، صحيح علاقتي بيكي لو أتعرفت هتكسرها، بس هي فالسر وهتفضل زي ما هي فالسر، وأمل لو إنتي رايح من تفكيرك الضايع تبقى بنتي وحبيبتي اللي علمتها يعني إيه حب وشكلتها بأيديا دول زي ما أنا عاوزها تكون ومش هسمح لك تضيعها مني مهما حاولتي .

تملكت غيرتها منها بسبب كلماته عن أمل فصاحت به وقالت:

-ياسلام على الأنانية والظلم والجبروت اللي إنت فيهم يا خالد، يا سلام على عقلك اللي عاوز ياخد كل حاجة من الدنيا، عاوز براءة امل وتهور إيمان، وهدوء أمل وجنان إيمان، تعشق أمل وتمارس جموحك مع إيمان، إيمان اللي خصيتها بس بلحظات ضعفك اللي مش عاوز أمل تعرف حاجة عنه علشان متخفش منك لما تشوف حبيبها عاشق مجنون رغباته ملهاش حدود لدرجة أنه مش بيشوف غير نفسه وبس فوقت إحتياجه، إنت خصيت أمل بالهداوة والتفاهم وخصيتني أنا بغضبك وعنفك، ورغم كل دا رضيت بيك يا خالد رضيت وقبلت أنانيتك وضحيت، ودلوقتي زي ما أنا ضحيت إنت لازم تضحي علشاني وتعمل اللي أنا عوزاه ولو لمرة واحدة فحياتك".

سئلها بتهكم من مكانه وهو يدرك غايتها تماماً فقال:

-وياترى الهانم عوزاني أضحى علشانها إزاي.

ازدردت إيمان لعابها بخوف فها هي اللحظة التي تخشاها تقف على مشارفها وعليها إن تخطو نحوها ولا تلتفت لأحد إلا نفسها هي فقط فشبكت كفيها معاً وقالت:

- تضحي بأنك تحول جوازنا العرفي لرسمي وتعلنه قبل ما تتجوز أمل وإلا.

هب واقفاً وعيناه تنذرها بأنها تمادت فقال بصوت كالفحيح: 

-هي كمان فيها وإلا يا إيمان، وماله أحب أسمع كلامك كله مرة واحدة فياريت تكملي كلامك وتقولي كل شروطك.

كل كلمة كانت تقال داخل الغرفة كانت تنال من قلب أمل ومن مشاعرها بقوة، فشعرت وكأنها بُعثرت بينهما بل إنهما مثلا بجسدها مئات المرات.

ازداد الثقل فوق صدرها وأحست وكأن قطاراً إصطدم بها وبقوة ليسقط فوقها ليمنع عنها الهواء، وأحست بضربات ألم متتالية تنخر كتفها الأيسر، بات شعورها بالألم وبشهيقها المكتوم محرقاً لها وكأن هناك يداً من الجمر تقبض على قلبها، ليبدأ الظلام يلتف حولها مع كل شهيق حارق وزفير محترق.

أستندت بيدها بوهن فوق الحائط وحاولت أن تدعم جسدها حتى لا تتهاوى أرضاً وتهان بسقوطها أمامهما، ولكن رغم أنها تحاملت على ألمها لتبتعد إلا أن كلمات إيمان التي فجرتها عكس ما تمنت، فقد أنهى قول إيمان كل محاولة فاشلة منها بالصمود حين همست إيمان بصوت باكٍ متوسل:

-أرجوك يا خالد لو إنت مش عاوز تضحي علشاني، فأبوس رجلك تقبل تضحي علشان خاطر إبننا، يا خالد أنا أنا حامل و.

صدرت شهقة خالد ومعها شهقة ذبيحة تبعها سقوط جسد أمل أمام باب الغرفة، ليلتفت خالد بصدمة وإيمان يحدقان بجسد أمل المسجي أرضاً.

-------------------------------------------------

الفصل السادس..ندم بلا قلب.

---------------------------------

وجوه مكلومة حزينة، تجلس فوق مقاعد صلبة منذ عدة ساعات، وعيون تبكي بصمت، وأفئدة تدعو الله بأن يحفظها، وأن يظهر أحد الأطباء ليطمئن قلوبهم على أمل، التي مضت عدة ساعات على وجودها بتلك الغرفة.

وفجأة وبينما هي تجلس ووجها ساكن بين راحتيها، صدح صوت والدها يتردد صداه داخل رواق المشفى يقول بقلب منفطر:

- أمل مالها يا ضُحى، أختك حصل لها إيه.

التفت ضُحى لتحدق بوجهي والديها بعيون محتقنة منتفخة، وقفت وقد هاجمها دوار، ورغم ما يتصارع بداخلها، أسرعت بخطواتها لترتمي بين ذراعي والدها تنتحب، فبين دفء صدره وذراعيه عاد إليها أمانها، شدد محمد ساعديه حول جسد إبنته، وأحترم نحيبها وحين بدأ يهدأ اضطرابها، أبعدها محمد قليلاً عنه وحدق بعيناها وقال:

- قوليلي إيه اللي حصل يا ضحُى، علشان أمل تدخل المستشفى، فهميني يا بنتي أختك مالها.

هزت ضُحى رأسها بحزن وتيه، وقالت بصوت متقطع مهزوز:

- أنا مش عارفة يا بابا إيه اللي حصل لأمل ولا حتى عارفة هي فيها إيه، الدكاترة من وقت ما أخدوها مننا على باب المستشفى ودخلوا أوضة الطواريء، ومحدش ظهر ولما حاولت أسئل محدش رضي يفهمني أي حاجة.

ضم محمد جسد ضُحى المرتجف إليه بساعده، وضم جسد زوجته بذراعه الأخر، وجال بعيناه يحدق بالوجوه الباكية الحزينة على ابنته وتسلح بقوته داعياً الله بأن يلهمه الصبر والجَلد، زفر بألم حين لمح إنكماش إيمان بزاوية بعيدة عن الجميع، تبكي هي الآخرى بصمت، بينما وقف خالد بجسد متصلب بجوار غرفة الطواريء، وقد خلت ملامحه تماماً من أي إنفعال، فباتت لا تفُصح عن أي شيء، بينما كانت نعمة تجلس أمام باب الغرفة، تحمل مصحفها بين يداها تقرأ بعيون أغرقت وجهها دموعاً.

ازدرد محمد تلك الغصة التي علقت بحلقه، ورفض الأمتثال للضعف والدموع التي تحاصر قلبه، وتمالك نفسه، لينتبه ليد زوجته ثريا تضغط فوق ساعده، فأولاها عيناه ومال بوجهه صوبها، فسمعها تهمس بصوت مختنق من البكاء:

-طمني على بنتي يا محمد وقولي إنها هتبقى بخير، أبوس إيدك خلي حد من الدكاترة يقول لنا أمل مالها، لأحسن أنا قلبي خلاص معدش قادر يتحمل، وحاسة إن لو أمل جرالها حاجة، أنا هموت، والله هموت يا محمد لو بنتي جرالها حاجة.

لم يدر محمد كيف يطمئنها، وقلبه منفطر كحالها على ابنته الصغيرة، التي لم تبدأ حياتها بعد، زفر محمد بحزن وضمها إليه وقبل رأسها وقال:

-وحدي الله يا ثريا وادعي لبنتك، أمل محتاجة الكل يدعي لها، وإن شاء الله كل حاجة هتبقى خير، المهم أنا عايزك تهدي علشان خاطر بناتك، ولا أنتِ مش شايفة حالهم عامل إزاي.

زفرت ودموعها تهطل بدون توقف وقالت:

- صدقني يا محمد مش قادرة، قلبي وجعني قوي على أمل وخايفة عليها. 

ازدرد بكاؤها وهي تندس داخل صدره طلباً للأمان، وأحتضنت ضُحى معها، فتحرك محمد بهما وساعدها لتجلس إلى جوار شقيقتها نعمة، ولكنه أحتفظ بساعده فوق كتف ابنته وجذبها بعيداً عن السمع، بعدما أشار لنعمة أن تحتوي شقيقتها، وقال ليفاجئها بسؤاله:

- ضُحى ممكن تفهميني إيه بالظبط اللي حصل لأختك.

ازدردت ضُحى لعابها بإضطراب، وهي تفرك كفيها معاً تفكر في كلمات تقُصها على سمع والدها، كي تبعد عن عقله الظنون والأفكار فقالت بعد برهة:

-اصل يا بابا أنا كنت شديت شوية مع إيهاب، يعني حضرتك عارف كلنا أعصابنا مشدودة علشان الامتحانات، أنا مكنش جايلي نوم فكنت هخرج أقعد فالبلكونة، لاقيت إيمان بتخبط على باب الأوضة، فتحت لها لقيت وشها أصفر وشكلها مش طبيعي، قالت لي إن أمل وقعت فالحمام، وإنها حاولت تفوقها ومعرفتش، جريت عليها وحاولت افوقها، لما مفقتش نزلت صحيت خالد وخالتو وجينا على هنا، دا اللي حصل يا بابا، وصدقني أنا مش عارفة إيه اللي حصل لأمل، علشان تقع الوقعة دي.

أنهمرت دموعها وهي تشيح برأسها بعيداً عن والدها، تشعر بالذنب كونها كذبت عليه، فوقع بصرها على إيمان ورمتها بنظرات إحتقار، وأنسحبت بهدوء بعيداً عن والدها، واتجهت إلى مكان خالد وهمست بصوت جاف:

- بابا عاوز يعرف إيه اللي حصل يا أستاذ يا محترم، وأنا مقدرتش اقوله إن أمل وإيمان كانوا عندك تحت فالفجر، لأنه هيسئل كانوا بيعملوا إيه عندك فوقت زي دا، وبصراحة مش بابا بس اللي عاوز يفهم، أنا كمان عاوزة أفهم إيه السبب اللي يخليهم ينزلوا ليك، وإيه اللي حصل بينكم وصل أمل للحالة اللي شوفتها فيها، عايزة أعرف منك السبب اللي وصلها إنها تبقى بتموت مننا بالشكل دا، عموماً أنا عارفة إن مش وقته، بس أنا لازم أفهم وإنت لازم تقولي على كل حاجة، وأظن كلامي واضح، ودلوقتي أسمعني كويس، علشان تبلغ الهانم بالكلام اللي هتقوله لو حد سئلها إيه اللي حصل لأمل.

رفع خالد رأسه المنكس، وحدق بضُحى بدموع سجينة داخل مُقلتيه وقال:

- أمل تفوق بس يا ضُحى ونطمن عليها، وبعدها اللي عاوزة تعرفيه أنا هقوله ليكي وهريحك.

أبتعدت عنه بعدما أحست بالسقم لوجودها بالقرب منه، وأتجهت بروية إلى مكان والدتها وجلست إلى جوارها، لتندس بين ذراعيها وتغمض عيناها.

بعد مرور قليلٍ من الوقت، فُتحت غرفة الطواريء أخيراً، وغادرها أحد الأطباء ليقف أمامهم، وكان الحزن والأسى يرتسم فوق ملامح وجهه، ولم يلبث أن أعتدل، حتى حاصرته ضُحى وثريا ونعمة باسألتهم، وجذبه محمد بعيدا عنهم، ليلتفت إليه فأشار للجميع وقال:

- لو سمحتم ممكن شوية هدوء، أنا عارف إنكم قلقنين على أمل، بس حقيقي اللي بتعملوه دا مينفعش، بصوا أنا عارف إنكم عاوزين تتطمنوا عليها، وأنا حالياً مش هقدر أقول غير إن حالتها الحمد لله أستقرت، ودلوقتي أنا حابب أتكلم مع والد أمل.

ربت محمد على كتف الطبيب، فأومأ له حمزة وأشار إلى مكتبه، ليتبعه محمد بصمت فأسرع خالد خلفهم، ليدركهم قبل أن يغلق حمزة الباب، فحدق به بتساؤل ليجيبه محمد ويقول:

- دا خالد خطيب أمل بنتي يا دكتور قصدي جوزها يعني مش غريب.

سمح له حمزة بالدخول وأغلق الباب، وحاول أن يرسم ابتسامة فوق وجهه يطمئنهم بها، ولكنه فشل فأشار إليهما ليجلسا وقال:

-لو سمحتو ارتاحوا.

فرت دموع محمد رغماً عنه وقال بصوت مكلوم:

-ارتاح وهي هتيجي منين الراحة يا دكتور، وأنا مش عارف بنتي أمل مالها، وليه غابت معاكم جوا كل الوقت دا، دا انتم ليكم أكتر من ست ساعات يا دكتور، فأرجوك أرحم شيبتي وطمني على بنتي.

خفض حمزة رأسه تهرباً من عينا محمد وقال: 

-قبل ما أقول لحضرتك حالة أمل بالظبط، أنا ليا طلب عندك، يعني أنا عاوزك تعرف إن كل حاجة بأمر الله، وإننا حقيقي حاولنا نسعفها على قدر المستطاع، لكن للأسف أمل وصلت المستشفى، وهي فحالة خطيرة بسبب جلطة فالقلب، ومع ضعف حالة القلب اللي عندها، كان الموقف صعب جداً معاها ومعانا، لإن الأدوية مأسعفتش معانا بالصورة المطلوبة، فإضطرينا إننا نعمل قسطرة لقلبها علشان نقدر نسهل مرور الدم، وبصراحة أنا عاتب على حضرتك، يعني إزاي تسيبوا حالة القلب عند أمل توصل للحد دا من الاهمال.

حدق كلاً من محمد وخالد بحمزة بصدمة، وتمتم محمد وهو لا يصدق ما سمعه وقال: 

- بنتي أمل عندها جلطة وفالقلب، طب إزاي يا دكتور مش معقول اللي حضرتك قولته، أكيد واحدة تانية أنا بنتي عمرها ما اشتكت من قلبها، فتقولي جالها جلطة ودي هتجيلها منين، لا حول ولا قوة إلا بالله، لطفك بينا يا رب لطفك يارب ".

لم يتمكن خالد من الكلام، فقد اصابة تصريح حمزة بالعجز عن الحديث، فنكس رأسه يتأكله إحساسه بالندم، فوقف سريعاً وعيناها تلمع بدموع الخزي والذنب وأستأذنهم وغادر، ليوضح محمد لحمزة أن حب خالد لأمل ليس له حدود، وأنه قبل أن يكون زوجها فهو من قام بتربيتها، هز حمزة رأسه بتفهم وقال:

-انا عارف إن الكلام اللي قولته صعب، بس حقيقي يا أستاذ محمد، أنا مش قادرة لحد دلوقتي أستوعب، إزي بتقول إن أمل عمرها ما أشتكت من حاجة، وهي مريضة قلب، وواضح من تشخيص الحالة إن تاريخها المرضي من سنين، يا أستاذ محمد أمل عندها إنسداد فالشريان التاجي وتضخم فعضلة القلب، والتضخم دا بكل تأكيد كان بيسبب لها الإجهاد والتعب من أقل حركة، وبيعمل صعوبة فالتنفس وألم فالصدر والدراع، معقول كل دا محدش لاحظه عليها، ولا هي أشتكت منه ولو لمرة واحدة.

هز محمد رأسه بالنفي وقال:

-صدقني يا دكتور أمل عمرها ما أشتكت، يمكن علشان هي طول عمرها منطوية علي نفسها، ومش من النوع اللي بيتحرك كتير، علشان كدا مستغرب إن بنتي فيها كل دا، دي عمرها ما اشتكت ولا بينت، معقول للدرجة دي بنتي خبت علينا انها بتتعب وشالت لوحدها هم تعبها.

ترك حمزة مكتبه وألتف ليجلس أمام محمد وقال:

- عموما أنا مضطر أسف إني أمنع عنها أي زيارة، لإن الكام يوم الجايين دول هما الأهم بالنسبة ليها، فأدعوا لها إنهم يعدوا على خير بإذن الله، علشان فعلاً هما الأصعب، وانا بعتذر لك مرة تانية، إني مش هقدر اخلي أي حد يفضل هنا فالمستشفى، أصل يعني مالوش أي لزوم، خصوصاً إن أمل دلوقتي دخلت العناية، فحاول تهديهم و خليهم يروحوا.

غادر خالد غرفة الطبيب حمزة يغلفه تيه غريب غشى بصره فبات لا يرى أمامه، ولكن صوت ضُحى اخرجه من حالة اللاوعي التي أصابته بسؤلها إياه:

-طمني يا خالد هو الدكتور قالكم ايه قولي أمل مالها.

حدق بها خالد بعيون غائمة من الدمع، لا يعرف بما يجيب عليها، ليسمع باب الغرفة يفتح مرة أخرى وحمزة ومحمد يقف بجانبه، ليتحدث محمد ويقول: 

-يلا بينا يا جماعة القعدة هنا ملهاش لزوم، أمل دلوقتي في العناية ولما تخرج الدكتور حمزة ربنا يبارك له هيبلغنا، يلا ومش عاوز اسمع اى اعتراض فاهمين.

 تقدم محمد من زوجته ثريا، ومد يده إليها ليجذبها إلى صدره، ويسير برفقتها تتبعهم ضُحى ونعمة، بينما إيهاب تخلف ليصطحب خالد معه، وفي الأخير تبعتهم إيمان، لا تدري هل لها الحق بالعودة معهم أم عليها أن تبتعد. 

مر يومان.. فاجيء حمزة الجميع باليوم الثالث بدخلو أمل في غيبوبة مجهولة الأسباب، فوقف يتطلع إلى الجميع بعدما شدد على منع الزيارة، ليمر عشرة أيام كاملة على أمل في تلك الهوة السحيقة التي أبتلعتها، لتفيق فجأة كما دخلتها فجأة، فغادر حمزة غرفة الطواريء بعدما تم إستدعائه وهو يبتسم ويقول:

-الحمد لله أمل فاقت، وبفضل الله الغيبوبة اللي كانت مسببة لنا القلق، ساعدت إن حالة القلب تستقر والجلطة أصبح شبه ملهاش أي أثر.

ترددت أصوات الثناء والدعاء لله بين الجميع، ليصمتوا حين أشار إليهم حمزة وأضاف:

-بس هي هتحتاج الفترة الجاية للراحة التامة، بعيد عن أي مجهود أو أي ضغوط، لحد ما نطمن على حالة القلب العامة وترجع لحياتها من تاني.

أقتربت ثريا من حمزة وقالت بصوت خائف حزين:

- أعمل فيا معروف يا دكتور وخليني أدخل أطمن على بنتي.

اومأ لها حمزة وهو يبتسم وقال:

- حضرتك تؤمريني عموما علشان خاطرك، أنا هسمح إنك ووالدها بس اللي تدخلوا ليها تمام.

أسرعت ضُحى وأعترضت على قوله وقالت:

- بس أنا كمان عاوزة أدخل أطمن على أختي يا دكتور.

حدق بها حمزة بتمعن ولاحظ دموعها فقال:

- بشكلك دا يا أنسة ضُحى مفتكرش أبداً إني هوافق إنك تشوفيها.

عبست ضحي لكلماته وسئلته:

-ومالي شكلي يا دكتور.

أشار حمزة علي ملامحها العابسة دموعها وقال: 

-بسبب دموعك اللي حبساها جوا عيونك يا أنسة ضُحى، واللي أكيد أول ما هتدخلي وتشوفي أختك هتنهاري وتعيطي، ودا اللي مينفعش أمل تشوفه خصوصاً وهي فالحالة الحرجة دي، وبعدين أنا عاوزك لما تدخلي، تبقي فحالة نفسية مشجعة ليها، علشان الأمر مكنش سهل، وأظن والدك فهمكم أبعاد الحالة وصلت لإيه، علشان كدا النهاردة بس هسمع لاتنين هما اللي يدخلوا غير كدا أنا أسف.

أشاحت ضُحى بوجهها بعيداً عنه وحدقت بوجهي والديها وقالت:

-خلاص هدخل لها بكرة أنا وخالتو، والنهاردة ماما وبابا يطمنوا عليها ويطمننونا.

احتضنت ثريا ابنتها وقالت: 

- ربنا يبارك لي فيكي يا ضُحى وميحرمنيش منك إنتِ واختك.

أخذهم حمزة لغرفة التمريض ليتم تجهيزهما، وسط دهشتهما للزي الخاص الذي ألبستهم إياه الممرضة، لتقرأ التساؤال في عيناهما فقالت: 

-دى اجراءات وقائية، علشان اوضة العناية معقمة لاعلي درجة، ولازم كل اللي فيها يبقي معقم.

 وابتسمت وهي تتابع تعقيمهما وأضافت:

-ربنا يطمنكم على أمل، بصراحة الكل هنا زعلان عليها علشان سنها الصغير، ربنا يحفظها ويتم شفاها على خير.

تبع ولدي أمل الممرضة إلى غرفة العناية، وتباعهم خالد بعينه، وهو يتجه إلى مكتب حمزة فطرق بابه وولج إليه، أستقبله حمزة بإبتسامة ودعاه للجلوس، جلس خالد بإضطراب وحدق بوجه حمزة بتوتر وقال:

-أظن حضرتك عارف أنا جايلك ليه.

اومأ حمزة بتفهم وقال:

-أنا عارف إنك كل يوم بتيجي، وعاوز تدخل تطمن على أمل، وبصراحة أنا مقدر حالتك بس إنت كنت شايف بنفسك، الوضع كان فعلا صعب إني أسمح بأي زيارة، بس عموما حالة أمل حاليا تعتبر مستقرة الحمد لله، وأنا بطمنك إني هدخلك على مسئوليتي، بس بعد ما الكل يمشي، وأظن كدا أبقى وفيت بكلمتي معاك.

هز خالد راسه وقال: 

-انا بشكرك يا دكتور حمزة، بس أنا كنت عاوز أسئلك عن وضع أمل، دراستها وكليتها وحياتها، واللي جاي مع حالة القلب اللي عندها.

أجابه حمزة بوضوح وقال:

-أستاذ خالد أنا مش هخبي عليك، حالة أمل صعبة وخطيرة كمان، لإن درجة انسداد الشريان عندها وصلت مرحلة بتهدد حياتها، وأمل حالياً محتاجة إنها تبعد عن أي مجهود بدني ونفسي، وحتى دراستها للأسف هتضطر إنها تأجلها، لحد ما تشفى من أثر الجلطة كلياً، هي كل اللي يلزمها حالياً الراحة، والتفكير جدياً فأجراء العملية وتغير الشريان، وبعدها هنقدر نحدد ملامح حياتها هتبقى إزاي، وأنا مش هوصيك يا أستاذ خالد تحسن حالة أمل فالوقت الراهن، معتمدة كلياً على الحالة النفسية والراحة، ولازم تبعد عن أي ضغط، لإن بسهولة اللي حصل سابق ممكن يحصل وبدرجة أشد.

زفر خالد بحزن ووقف ليغادر ليجد نفسه لا يستطيع البقاء، فغادر المشفى لم يدري كيف عاد الي شقته، ليتفاجىء بإيمان تجلس بإنتظاره، فهي ومنذ عادا سويا إنعزلت عن الجميع، ولزمت غرفتها حتى هو لم تحادثه، زم خالد شفتيه بسخط لرؤيته إياها، متذكراً سيل الأسئلة التي لاحقته به ضُحى والتي تهرب منها، أتجه خالد إلى فراشه وجلس، وبادل إيمان النظرات وسمعها تسئله وتقول:

-هي أمل عاملة إيه دلوقتى، طمني لسه زي ما هى ولا أتحسنت، طمني أرجوك يا خالد أحسن أنا مرعوبة أسئل أي حد ليعرفوا إننا السبب .

-كانت نظرات خالد مبهمة وقاسية فأغمض عيناه عنها وقال:

-طيب ما هي دي الحقيقة يا إيمان، إحنا فعلاً السبب ومش كدا وبس، لأ إحنا كمان قتلنا أمل يا إيمان، أنا وإنتِ بكل بساطة قتلنا الملاك اللي فحياتنا، لدرجة إني دلوقتي بسئل نفسي، إزاي سمحت لنفسي أضعف بالشكل دا معاكي، وأعمل اللي عملته، لحد ما الأمور وصلت للحد دا بينا، أنا كان عقلي فين وقلبي، لما دخلت فعلاقة معاكي وكملت فيها، وأنا عارف إن النهاية هي ضياع حب عشت عمري أستناه، أنا إزاي أقبل أبدل أمل بيكي إنتِ إزاي.

قاسية كلماته ومؤلمه، لقد طعنها بلا قلب بكلماته القاسية، فأندفعت دموع إيمان هطل بغزارة وهي تقول:

-إنت جاي دلوقتي تسئل نفسك إزاي، علشان خايف إن تخسر أمل، طيب وأنا يا خالد، أنا مش خايف عليا ولو ربع خوفك على أمل، وبعدين أنا مش السبب لوحدي، زي ما حسيت من كلامك، فبلاش تقسى عليا بالشكل دا، وتحملني كل حاجة علشان أنا مش قادرة أتحمل اللي بيحصل دا. 

يدرك أنه وحده المسئول عن الأمر، فإيمان ضحيته كما هي أمل، ولنكه يأبي الأعتراف بذلك، نكس خالد رأسه ليبعد عيناه عن عينا إيمان المعاتبة وقال: 

-إنتِ للأسف معاكى حق علشان أنا اللي غلطان من الأول، استسلمت وضعفت ورطتك وورطت نفسي، أنا كان لازم أصمم علي موقفي، وأمنعك تقربي مني، بس هعمل إيه واللي حصل حصل، والنتيجة أهي، دلوقتى إحنا بنواجه موقف صعب، إنتِ حامل وأمل واللي حصلها، وأنا حاسس بالعجز ومش عارف أفكر.

إنتحبت إيمان بخوف، فهز خالد رأسه بضيق لبكائها المستمر، فأشاح بوجهه عنها ليسمعها تقول:

- أنا مرعوبة يا خالد ومش عارفة أفكر فأي حاجة، خايفة من اللي جاي وخايفة أكتر من نظرات ضُحى، أصلك مشفتش نظراتها ليا هي وخالتها، كأنهم عارفين كل حاجة وبيتهموني إني السبب، لدرجة إني مبقتش قادرة اقعد وسطهم.

غادرت كلمات السُباب شفتي خالد، لفضول ضُحى ونعمة، لتضيف إيمان بصوت متوسل:

-خالد أنا بستقوى بيك، وبجد مينفعش إنك تضعف دلوقتي وتقول إنك مش عارف تفكر وإنك حاسس بالعجز، أرجوك يا خالد فكر وشوف حل، علشان إنت لو إستسلمت لليأس والضعف، أنا هضيع وكل حاجة هتتكشف لما حملي يبان، وقتها أنا مش هعرف أرفع راسي تاني، والكل هيبص لي إني ساقطة.

تلاشت واجهة تماسكه فوضع وجه بين كفيه، يشعر بالضياع، فأنفطر قلب إيمان لرؤيتها إياه بتلك الحالة، فاقتربت منه وأحتضنت رأسه فأحاطها خالد بذراعيه ليطلق العنان لدموعه. 

بالمشفى جلست ثريا بقلب مكلوم، لرؤيتها ملامحه ابنتها التي تبدلت وخمدت فيها روح الحياة، ليعتصر قلبها ألم شديد عليها، مدت يدها تحتضن كف ابنتها الضعيف، لتفتح أمل عيناها وتحدق بعيون والدتها، لتترقرق عيناها بالدموع فأغمضت عيناها، لتسمع صوت والدتها يناديها بهمس حزين:

- إيه يا بنت عمري كدا توجعيني عليكي يا أمل فداكي عمري كله يا بنتي. 

أكتسح الألم وجه أمل فها هو عقلها يذكرها بكل شيء، بشكل ومضات جعلتها تغمض عيناها، وتتلقف أنفاسها بصوت مسموع، لتشعر والديها بالذعر لشحوب وجهه المفاجيء، فأسرع والدها وقال بلهفة:

-أمل مالك يا بنتي حاسة بإيه، أنا هناديلك الدكتور.

مدت أمل يدها لتمنع والدها من ضغط زر الإستدعاء، وحين حاولت التحدث تجمدت ملامحها، ورفعت يدها إلى حلقها تضغط فوقه بذعر، بينما وقفت والدتها تنتحب وهي ترى إبنتها عاجزة عن الحديث، أسرع والدها وضغط لإستدعاء الممرضة، التي إستجابت فوراً فحدق بها محمد بحزن وقال:

-فين دكتور حمزة نديله بسرعة يشوف بنتي مش عارفة تتكلم ليه.

تمالك محمد نفسه بصعوبة حين لمح تغضن وجه أمل بالألم، وقال وهو يتجه صوب باب الخروج:

-أنا هروح بنفسي أنادي دكتور حمزة.

أغمضت أمل عيناها وهي تفكر بما يحدث لها، لا تصدق بأنها بهذا الضعف، أنتبهت أمل ليد والدتها وسمعت صوتها يقول:

-متخافيش يا حبيبتي إن شاء الله خير.

زفرت أمل بألم فأستكملت والدتها وقالت وهي تخفي دموعها:

-طول عمرك قوية يا أمل، أنا عوزاكي تفتكري إن ربنا لما بيحب عبد بيبتليه، علشان يشوف مدى قوته، فأوعي تستسلمي للضعف يا أمل أوعي يا بنتي.

-------------------------------------

وفي شقته أعتدل خالد بعدما شعر بالهدوء نسبياً وقال لإيمان:

-أنا مش عاوزك تشيلي هم أي حاجة ولا تخافي من حد، وعموما بعد ما أطمن على أمل، هتصرف وهمشيكي من هنا، علشان الوضع ميتأزمش زيادة، خصوصا أن ضُحى مش هتهدا إلا لما تعرف إنتو ليه كنتم هنا.

أبتعدت إيمان قليلاً عنه وحدقت به بدهشة وقالت:

-طيب ولما أمشي، هما مش هيظنوا فيا حاجة، ما ممكن لما أمشي يتأكدوا من إن في حاجة حصلت وإن ليا دخل و.

صاح خالد بعصبيه حين أحس بأنه محاصر:

-طيب عوزاني أعمل إيه يعني، عوزاني أسيبك ليهم ولا أتصرف إزاى، وبعدين ما إنتي قولتيها كلها شهر ولا أتنين وحالتك هتبان للكل هتقولي إيه وقتها. 

أحست إيمان بالتيه والضياع أمام عصبيته التي وضحت لها، فهمست بقلق بعدما عزمت على معرفة ما ينتويه بشأنها وقالت: 

-يعني إنت ناوي تعمل إيه بالظبط لما هتمشيني من هنا، هل هتسيبني ولا هتتجوزني رسمي، ولا هيفضل الحال بينا كدا، وفالأخر سيرتي تبقي علي كل لسان ويقولوا خاطية، ويبقى ابنك فعيون الكل ابن حرام.

لم يتحمل خالد أن تصف ابنه بابن زنا فصرخ بها ليوقفها عن الحديث وقال: 

-أخرسي أخرسي بقى إنتي بتزودي اللي فيا ارحميني بقي يا شيخة. 

وقفت إيمان بعصبية وقالت بإنفعال: 

- وأنا مين هيرحمني يا خالد لما يعرف إني حامل، هو إنت فاكر إن الناس هتصدق إنك فلحظة ضعف وغصب عنك وعني، فرضت نفسك عليا واستغليت ضعفي وحبي ليك، وعلشان تصلح غلطتك معايا اتجوزتني عرفي، إنت اللي لازم ترحمني يمكن وقتها ربنا يسامحنا ويرحمنا. 

أستفزته بتذكيره بلحظة ضعفه تلك فضحك بسخرية وقال: 

- ما بلاش نجيب سيرة ربنا، لإننا لسه منعرفش عقابه لينا هيكون إزاى، وبعدين أنا قلت لك مش هسيبك، لإني مش ندل لدرجة إني أرمي أبني فالشارع، أنا راجل وهتحمل نتيجة ضعفي، وبعدين أنا وضحت لك مليون مرة إن اللي حصل مكنش بمزاجي وكان غصب عني، يومها كنت متخانق مع أمل علشان كانت واقفة مع زمايلها فالدرس وبتضحك وعصبتني، ومنه لله صحبي اللي جه يزورني يوميها قبل ما تيجي أشرح لك الدرس، وعزم عليا بسيجارة زفت محستش بنفسي، فمش لازم تعلقي لي المشنقة كل شوية على الموضوع دا، وأظن أني متهربتش منك وأتحملت المسئولية كاملة، وأنا عارف إني ممكن أخسر أمل بسببك. 

تهالكت بضعف فوق مقعد بعيد عنه وقالت:

-دايما عندك مبررات لكل حاجة، عارف يا خالد أنا نفسي أبقى زيك كدا، أعرف أتحكم فكل حاجة، يمكن لو كنت زيك مكنش وضعي بقي بالإنحدار دا، خصوصا إني عارفة إن أنا خسرت أمل من زمان، واللي حصل كان متوقع، وعارفة ومتأكدة زي ما أنت متأكد، إنها مستحيل تقبل بوجودنا تاني فحياتها.

أحست إيمان أنها تتمنى رؤية أمل، رفعت عيناها إلى خالد وقالت بصوت مهزوز:

-هو أنا ينفع أروح لأمل المستشفى أنا نفسي اشوفها  يا خالد و.

لم يعرف كيف وصل أمامها، ولكنه قبض علىى ساعدها ليوقفها أمامه وضغط بقسوة فوقه وقال:

-اياكي فاهمة اياكي تعتبي المستشفي او تروحي تشوفيها، اياكى تخليها تشوفك تانى، علشان الدكتور حذرنى إن اللي حصل ممكن يتكرر تاني، ولو جرى لأمل حاجة بسببك أنا مش هرحمك.

توسلته بألم بأن يترك ساعدها، فحدق بها وتركه ليرى أحمراره القاني، فأحس بنغزة تضرب قلبه فجذبها لصدره وربت فوق رأسها وقال:

-حقك عليا أنا أسف بجد أسف.

زفر بحزن وأضاف همساً:

- سامحينى يا أمل.

دفعته إيمان عنها وحدقت بوجهه بحزن وقالت:

-أنا إيمان يا خالد إيمان مش أمل حرام عليك بقا. 

هرولت إيمان من أمامه وغادرت شقته تبكي، لتصطدم بنعمة التي تابعت إيمان بعيون أسفة، ولجت إيمان إلى غرفتها، وحدقت بأشياء أمل التي تحيطها، فأتجهت صوب فراشها وألتقطت صورتهما سوياً، وأحتضنتها بإنكسار وهمست:

-سامحينى يا أمل سامحينى.

---------------------------------

الفصل السابع ..كذبة تلو الأخرى.

-----------------------------------------


جلس حمزة يتحدث مع محمد وثريا، محاولاً طمئنتهما علي حالة أمل، ولكنه كان حائر فالحالة غريبة، حين دخلت الغيبوبة القصيرة تعافي قلبها، ولكن بعد استيقاظها وقف عقلها ضد هذا التعافي، ليأن القلب تحت ضغط مجهول سببه بالنسبة إلى حمزة، كذلك الحالة التي يقاوم فيها عقلها كي تتحدث ليمنعها عن الحديث، وهو الأمر الذي زاد من تدهور حالتها الصحية والنفسية، فأصبح يفكر جديا لاخضاعها لغيبوبة أخرى، لعل عقلها يهدأ ولكن والدها رفض وبشدة خائفا من فقدان ابنته، فخيرهم حمزة بمنع الزيارة عنها مرة أخرى، واخضاعها لجلسات مع طبيبة نفسية من المشفي تحاول أن تساعدها علي الإستشفاء والخروج من الضغط النفسي، وهو الأمر الذي زاد من حيرة محمد، فما الذي حدث لابنته لتتحول برفضها للحياة بهذا الشكل.


حين عادا محمد وثرايا إلى المنزل، قصا على نعمة وضُحى ما حدث، فشعرت ضُحى بضرورة مواجهة خالد وإيمان، لتقف على الأسباب قبل أن تصدر أي حكم مسبق وتظلم أحدً منهم، أخذت تبحث عن إيمان ولم تجدها، شاهدتها نعمة وهي تخرج من الغرفة فوقفت تضع يدها فوق خصرها وتبتسم بإستهزاء وقالت:

-طبعا مش جوا عموماً روحي دوري عليها فشقة خالد، ما هي بايته هناك على طول بصراحة أنا مشفتش بجاحة زي كدا، البت محاولتش حتى تيجي معانا المستشفى تطمن على صحبتها، يا أختي دانا شيفاها طالعة تجري من عند خالد وبتعيط، معرفش كان مالها،ودي أول ما شافتني كانت زي ما تكون شافت عفريت واستخبت مني.


زفرت ضُحى بضيق بسبب كلمات خالتها، والتي رغماً عنها ادخلتها في دوامة الشك والقلق، ولكنها صممت أن تنحي تلك الفكرة بعيداً عن تفكيرها وعن رأس خالتها، فهي لن تسيء الظن بإيمان أبداً، فقالت ضُحى لخالتها:

- يا خالتو بلاش طريقتك دي فالكلام، وبعدين إيمان لو قعدة تحت فدا علشان خاطر المذاكرة، وزي ما حضرتك شايفة حالتنا كلنا عاملة إزاي، بعدين الأمتحانات خلاص قربت قوي، وبعدين ما أنا كمان هعمل زيها وهنزل اذاكر تحت، هتقولي عليا إيه وقتها. 


ازداد إحساس السخط بداخل ضُحى فأضافت بفضول:

-بصراحة يا خالتو أنا مش فاهمة ليه حضرتك واخدة الموقف دا منها، ودايما تبيني ليها وللكل إنك مش حباها، لأ وكمان بتتعمدي إنك تجرحيها ادامنا. 


تجهم وجه نعمة وقالت: 

-علشان أنا مش مخدوعة فيها زيكم يا ضُحى، وبعدين هو كدا إحساسي بيها، مش حباها لله فالله ومش عارفة لا أبلعها ولا أهضمها، ولعلمك أنا قولت لأختك الكلام دا وطلبت منها تخلي بالها منها، وبعدين يا عالم بيحصل إيه فالشقة تحت المقفول بابها على طول دا.


غادرت ثريا غرفة ضُحى بعد سماعها كلمات شقيقتها لتصيح بإستنكار قائلة:

-بس بس إستغفرى ربك يا نعمة، معقول إنتِ هتظني فإيمان، يا شيخة حرام عليكي دي متربية مع بناتي وأخلاقها من أخلاقهم، وأنا مش هسمح لك تتكلمي عليها الكلام دا.


ألتفتت نعمة إلى شقيقتها وحدقت بها بحنق وقالت لتصدمها:

-إنتِ أه ربيتي بس الله أعلم الزرعة أصلها كان إيه قبل ما تزرعيها يا ثريا، وإيمان دي أنا من يومها وأنا حساها تعبان بيتلون، وربنا يستر ومتكونش لافت على جوز بتك أمل وسرقته منها، ويمكن التعب اللي فيه أمل يكون من تحت راسها، بجد أنا مش عارفة إنتم إزاي سايبين الحال مايل كدا وساكتين عليه.


نفرت ضُحى من كلمات خالتها الظالمة والمحجفة بحق إيمان، فصاحت بحدة وقالت:

-كفايا يا خالتو كفايا حرام عليكى واتقي الله فكلامك، وبعدين متنسيش إن إيمان بنت وإنتِ بتظلميها.


حاولت ضُحى كبح سخطها، ولكن نظرات خالتها المتبرمة جعلتها تقول:

-بصي يا خالتو لو حضرتك فضلتي تقولي الكلام دا على إيمان، فأنا هطلب من بابا إنه يخدنا معاه ومش هنقعد معاكي تاني.


تهالكت ثريا فوق أحد المقاعد وكلمات نعمة تتردد داخل عقلها، فتابعت بعيناها وجه شقيقتها لتشعر بأنها تعلم شيء ما لا تعرفه هي، فأنسحبت من أمامهم وولجت إلى غرفة أبنتها، وسحبت هاتفها وحاولت الأتصال بإيمان لتجده مغلق، فعاودت المحاولة وأتصلت بخالد وطلبت منه الحضور للحديث معها، تعلل خالد بأنه يشتري الكثير من الأشياء فأخبرته ثريا بأنها ستنتظره متى عاد.


ماطل خالد في عودته ليعود متأخراً، فتفاجيء بثريا تجلس فوق مقعده داخل شقته فأضطربت ملامحه ولكنه سرعان ما تمالك نفسه وقال:

-أنا أسف يا أمي معلش أتأخرت عليكي.


كانت عينا ثريا تقيمه بنظراتها فوضع خالد ما كان بيده وقال بصوت متوتر:

-مافيش جديد عن أمل يا أمي.


تنهدت ثريا وأجابته بغموض:

- يهمك إن أمل تكون بخير. 


ازداد توتر خالد فحدق بها بإرتباك وقال:

-أكيد يأمي يهمني طبعا إن أمل تتعافى وتكون بخير، وبعدين هو دا سؤال تسئليه وحضرتك عارفة إن أمل دي حياتي ومقدرش أستغنى عنها.


وقفت ثريا وأتجهت إلى مكانه وقالت وهي تتابع عيناه:

-يعني أصدق كلامك إن أمل حياتك ومتقدرش تستغنى عنها.


واجها خالد بعيناه وتنهد بحزن وقال:

-لو عندك شك نص فالمليون، فأنا مستعد أثبت لك إني مقدرش أستغنى عنها، وأنفذ لك أي حاجة تطلبيها مني حتى لو كنتي عوزاني أديها قلبي.


ربتت ثريا فوق كتفه وقالت:

-معنديش شك فيك يا خالد، بس كنت خايفة ليكون تعب أمل سبب فأنك تغير تفكيرك و.


وضع خالد كفه أمام شفتيها دون أن يلمسها وقال يمنعها عن الحديث:

- أقسم لك إن حب أمل فقلبي زي ما هو.


-كان الحزن هو البادى داخل عينا ثريا، وكيف لا وابنتها ترفض الحياة، ففرت دموعها ولكنها عزمت على سؤاله حتى يطمئن قلبها على إيمان، فقالت لتصدمه بسؤالها:

-فين إيمان يا خالد. 


باغتته فأحس بأنها تضعه أسفل ميكروسكوب، فتهرب خالد من عيناها وقال:

- أنا أنا معرفش إيمان فين دلوقتي هي مش تحت.


هزت ثريا رأسها بالنفي واجابته: 

-لأ إيمان مش موجودة فالبيت، وأنا قلقانة عليها وزي ما أنت عارف إيمان أمانة فرقبتنا، وأنا خايفة عليها علشان أهملتها الفترة اللي فاتت، هو صحيح كان غصب عنى بس منكرش إن الخوف أكلني عليها قوي، ليكون حد ضحك عليها والأمانة تكون ضاعت مننا.


تصنع خالد ترتيب أغراضه وقال:

-اطمني يا أمي على إيمان وعموما أنا هحاول أشوفها و.

 

باغتته مرة أخرى بتغيرها مجرى الحديث كلياً حين قالت:

-إيه اللي حصل لأمل يا خالد ماهو مش معقول متكنش عارف سبب اللي حصل لها، صارحني يا بني وقولي الحقيقة علشان عارفة إنك عارف السبب، لإنك اكتر واحد قريب منها، قولي إيه اللي حصل ووصلها للحالة دي، يا خالد أمل فقدت النطق ومش عاوزة تعيش، والدكتور قال إن عقلها رافض إن قلبها يبقى كويس، إنت واعي يعني إيه أعرف إن بنتي مش عاوزة تعيش.


أغمض عيناه وهو يكتم أنفاسه، حتى لا تفضحه صيحة الألم التي غصت بصدره، فالندم ينهش قلبه بقوة والأن زاد الأمر ليصبح أشد وطأة فردد بهمس:

-أمل مبقتش تتكلم مش معقول.


تخبطت الأفكار برأس خالد، لا يدري ماذا عليه أن يقول ليجيب على تلك التساؤلات، ليفطن عقله في نهاية الأمر أن عليه أن يفكر كأمل، ليخرج من دائرة الإتهام ويبتعد عن هجوم الجميع عليه، فأغمض عيناه وهو يدعو الله بألا يتركه وحده في هذا التيه، فتلقف نفساً عميقاً، وتسلح بخبرته بطرق تفكير أمل وهو يؤكد لنفسه بأن أمل نفسها ستقول تلك الكلمات إن سُئلت فقال:

-بصي يا أمي أنا هقولك الحقيقة كاملة، علشان تعرفي وترتاحي بس أنا عاوزك تفهمي إن أنا نفسي مش عارف أخد أي قرار.


تابع خالد بعيناه حيرة ثريا فأكمل قوله:

-حضرتك عارفة الضغوط اللي مرت بيها أمل من أول ما دخلت الكلية، الكلية للأسف صعبة وفي شكاوي كتيرة بسبب معاملة الدكاترة للطلبة دا حاجة، الحاجة التانية وهي إن أمل أتحدت نفسها والكل، بأنها لازم تبقى أول الدفعة ودا خلاها تبقى تحت ضغط كبير، فأهملت فحياتها ويمكن أهمالها دا طالكم لما بطلت تتصل بيكم، وحضرتك كمان ممكن تسئلي خالة نعمة عن أمل، كانت عاملة إزاي الفترة اللي فاتت، دي كانت مانعة الأكل عن نفسها، وبتنسى بالأيام ومكنتش بتنام، أما الحاجة التالتة وهي إنها مكنتش تعرف أي حاجة عن ترتيبي لكتب الكتاب والجواز وهي أتفاجأت بالموضوع، وحسيت من ردة فعلها إنها مكنتش حابة إني أخد الخطوة دي دلوقتي، أعتبرتها ضغط من ناحيتي وأجبار علشان أخليها تزود أهتمامها بيا بعد ما أهملتني، وتفسيري إن أمل الضغوط كلها أتكاتلت عليها فوقعت مرة واحدة من غير أي إنذار.


أدرك خالد من عينا ثريا بأنه سار على الدرب الصحيح، فتعابيرها أكدت له بأنها صدقت كلماته وتفسيره وتقبلته، فأشاح بعيناه سريعاً عنها وقال:

-ودلوقتي يا أمي كل اللي أنا عاوزك تعرفيه، بأن عمري ما هقدر على خسارة أمل أبداً ولا على فراقها، حتى لو هي عاوزة أنا مش هقدر أجبرها عل حاجة، لكن اللي متأكد منه إني هموت لو أمل مكنتش فحياتي.


وقفت ثريا سريعاً وضمته إليها وقالت:

-ربنا يحفظك يا خالد ويحفظ أمل وميحرمكش من بعض أبداً، وإن شاء الله أمل هترجع أحسن من الأول وهتنورنا من تاني، يلا أنا هسيبك تريح وتشوف اللي وراك، بس متنساش يا خالد موضوع إيمان زي ما قولت لك.


ازدرد خالد لعابه وقال ليطمئنها:

-مش هنسى يا أمي أنا هشوفها هي فين وهطمنك.


-----------------------------------------------------------


بالمشفى أستيقظت أمل وفتحت عيناها، فرأت حمزة ومعه طبيبة أخرى تقف إلى جواره، وتبتسم بوجه بشوش والتي ما أن أدرك بأستيقاظها أتجهت صوبها وقالت:

-ازيك يا أمل أحب أعرفك بنفسي، أنا الدكتورة هالة ومش هقولك إني جيت أتعرف عليكي، لما سمعت من الممرضات عن شجاعتك، وإنك أتعافيتي من جلطة، لأ أنا هقولك الحقيقة على طول، وهي إن الدكتور حمزة طلب مني أجي أتكلم معاكي فياترى هتسمحي لي ولا هترفضي.


أعجبت صراحة هالة أمل، فاومأت في حين تقدم منها حمزة وأخذ يفحصها فأضافت هالة قائلة:

-أنا عرفت إن في مشكلة فالأحبال الصوتيه عندك، تقريباً كدا بسبب الخراطيم اللي أستعملوها علشان المنظار، عموما هي أكيد حالة مؤقتة وهتروح بالعلاج. 


لمعت عينا أمل بالدموع وهي تستمع إلى تفسير هالة، وأغمضت عيناها هرباً من عيناها التي حدقت بها بتمعن، لتنتبه أمل لصوت حمزة يقول مازحاً:

-لا دي الأستاذة أمل واضح إنها بتدلع علينا كتير يا دكتورة هالة، وتعباني كل ما أقول إتقدمنا بترجعنا تاني بعياطها، عموماً أنا هسيبكم مع بعض تتكلموا براحتكم، وأطمني يا أمل دكتورة هالة مشهود لها بالأمانة، وأي كلام هيبقى بينكم محدش هيعرف بيه حتى أنا.


أنهى حمزة كلماته وغادرهم لتربت هالة فوق يد أمل وتقول:

-بصي قبل أي حاجة أنا فكرت فطريقة هندردش بيها سوا، فجبت لك النوت دي علشان تكتبي فيها اللي عاوزة تقوليه.


تقبلت أمل النوت وحدقت بهالة لتسمعها تضيف:

- أنا لما حمزة كلمني عنك وعن حالتك، وطلب مني إني أجي أتكلم معاكي، يعني قريت من كلامه إنك ضاغطة نفسك بطريقة أكبر من حدود نفسك، ومش مدية لقلبك الفرصة إنه يداوي نفسه ويتحسن، ولما فكرت فالأسباب اللي تخلي شابة جميلة زيك وفسنك الصغير دا توصل للحالة دي، فهمت إن في أذي حصل لك أذي فاق طبيعتك المسالمة، وأتسبب لك فالمرض النفسي والجسماني، علشان كدا يا أمل أنا هقولك قبل أي حاجة، إنك لسه صغيرة قوي إنك ترفضي الحياة بالشكل دا، إنتِ لازم تفهمي إن الأزمة اللي مريتها بيها مهما كانت قاسية عليكي، لازم تقوميها ومتستسلميش للضعف، وبعدين إنتِ لسه فبداية حياتك وهتقابلي كتير جدا مشاكل، اللي مينفعش بأي حال من الأحوال إنك توقعي بالطريقة دي، فعليكي إنك تثبتي لنفسك قبل أي حد إنك قوية بنفسك وإنتِ لوحدك وإنتِ كمان وسط الكل. 


ابتسمت هالة وهي تبعد الدموع عن عينا أمل وأضافت:

-أنا عوزاكي ترمي الضعف وتقوي نفسك، وتطمني الناس اللي بتحبك والدك وولدتك وأختك، وكمان خطيبك اللي واضح إن تعبك دمره من خوفه عليكي.


تبدلت ملامح أمل كلياً فأشاحت بوجهها بعيداً عن عين هالة، لتزداد دموعها إنهماراً، ادركت هالة بأن لخالد صلة بحالة أمل، فلمست كتفها برفق فأستدارت أمل إليها لتشير هالة إلى النوت وهي تقول:

-اكتبي اللي محتاجة إنه يتقال، واطمني ولا حرف هيخرج برا المكان دا، أنا بوعدك بشرف المهنة وبكلمتي كصديقة ليكي لو تقبلي بيا صديقة.


-----------------------------------------------------------


أسرع خالد ما أن غادرته ثريا، وأجرى أتصاله بإيمان برقم هاتفها الأخر، الذي أمنه لها وطالبها بالحضور سريعاً، وأكد عليها بأن تلزم الحرص بعدم جعل أياً كان يراها وهي قادمة، وبعد مرور نصف ساعة ولجت إيمان وعلي ملامحها بدا التعب والأرهاق الشديد، فعبس خالد وهو يرى حالتها تلك فجذبها من يدها، وأجلسها إلى جواره وحاوطها بذراعيه، فتنهدت إيمان وأستكانت لأحتياجها الشعور بالأمان، والذي لن يعطيها إياه غيره، وحينما أندست أكثر داخل صدره سمعته يسئلها:

-ممكن أعرف إنتِ كنتي فين يا إيمان، وليه مبلغتنيش إنك هتخرجي، عجبك كدا حالة القلق اللي فالبيت، بسبب خروجك من غير ما تقولي إنتِ رايحة فين للي فوق دول.


كانت إيمان تستمع إليه وهي تشعر بالتعب، وهو يقص عليها حديثه مع ثريا، فأبعدت إيمان نفسها عن صدره وحدقت به وقالت:

-مقدرتش أقعد فوق بسبب نعمة وبصتها ليا خلتني أرعب منها، فنزلت وقعدت علي النيل شوية.


تنهدت بألم وأضافت بهمس حزين:

-يا خالد أنا تايهة وخايفة أنا أنا كل شوية أحس إني بقرب من الموت.


ضمها خالد بقوة إليه وقال: 

-بلاش كلام فالموت، وبعدين خلاص أنا فكرت وعرفت أنا هعمل إيه بالظبط، وهتصرف فالموضوع، ومش هيبقى في أي قلق أو خوف تاني، ومحدش أبداً هيبص لك بصة متعجبكيش، أطمني يا إيمان أنا لا يمكن أتخلى عنك.


إنتحبت إيمان بشدة وقالت:

-أنا بحبك والله بحبك يا خالد، بس لو لو عاوز تسيبني وتروح لأمل، أنا هقدر دا وهختفي من حياتك  وهحلك من أي وعد و.


صمتت حينما وضع خالد يده فوق  شفتيها يمنعها من اكمال حديثها وقال: 

-مالوش أي لزمة الكلام دا يا إيمان، وبعدين أنا قولت لك إني خلاص برتب كل حاجة وكلها كام يوم بالظبط، وكل اللي خايفه منه هيبعد عنك.


صمت ثم أضاف وهو يتنفس بعمق:

-وبعدين اللي إنتِ حامل فيه دا إبني، يبقى إزاي عوزاني أسمح لأي كان يهينه أو يهينك، يا إيمان أنا مقدرش أكون خاين وندل فنظر ابني، وعلشان تطمني أنا هكتب عليكي رسمي وهنقلك فشقة تانية، مكانها قريب من الكلية وهيبقى وجودك فيها بشكل مؤقت، لحد ما أنقل ورقك لجامعة اسكندرية، أنا قررت إننا نروح نعيش هناك، وبالشكل دا كل اللي هيعرفنا هيبقى عارف إنك مراتي.


أبتعدت عنه وهي تحدق به لا تصدق ما أخبرها به فصاحت وقالت:

-بجد يا خالد إنت هتعمل كل دا علشاني، أنا مش مصدقى وحاسة إني بحلم، طيب لما نمشي هنقول لهم إيه هنا ماما ثريا وعمي محمد.


وقف خالد وأولاها ظهره وقال:

-أنا عارف اللي هقوله واللي هتعرفيه فالوقت المناسب، المهم إن الكلام اللي قلته لطنط ثريا، هو نفسه اللي هتقوليه ولو ضُحى ألحت عليكي علشان تعرف، هتقولي لها نفس الكلام أمل كانت أتغيرت فالفترة الأخيرة، وبعدت عنك وكانت رافضة التقييد وكتب الكتاب فاهمة.


أطمن خالد لخلو الطريق لتغادر إيمان شقته، وغادر هو الأخر بعدما عزم على رؤية أمل فتوجه إلى المشفى ليصل في نفس التوقيت الذي غادرت هالة غرفة أمل، لتعترض طريقة وهي تحدق به وترميه بنظرات مبهمة، وأحست هالة بانها لا تطيق وجود خالد في المكان فقالت له بضيق:

-حضرتك رايح فين الزيارة ممنوعة. 


وقف خالد أمام هالة وقد شعر بالأحراج، بسبب طريقة حديثها الغريبة معه ليقول موضحاً:

-الزيارة ممنوعة إزاي وأنا متفق مع الدكتور حمزة إني أجي أشوف أمل، وهو اللي حدد معايا الميعاد دا.


ظلت هالة بمكانها معترضة طريقة وهي تعقد ذراعيها وقالت:

-لا الكلام دا كان قبل الجلسة بتاعت النهاردة، ودلوقتي أصبح وجود حضرتك غير مرغوب فيه نهائياً، وأنا كنت خارجة أبلغ دكتور حمزة بقراري دا، بما إني الدكتورة الخاصة بحالة الأنسة أمل. 


تصاعد الغضب داخل صدر خالد، وأحس بالحنق كونها تمنعه من رؤية أمل، فقال لها وهو يحاول السيطرة على غضبه:

-إنتِ بتكلميني كدا ليه، وبعدين إنتِ مش من حقك تمنعيني علي فكرة، علشان اللي جوا دي تبقى مراتي، وأنا من حقي أشوفها وفأي وقت، ودلوقتي لو سمحتي أبعدي عن الباب علشان أنا هدخل حتى ولو غصب عنك، ومحدش له إنه يمنعني أشوفها.


لم تأبة هالة بحديثه ولزمت مكانها بتحدي وقالت:

-وماله وريني إزاي هتدخل علشان وقتها أنا هضطر أسفة أبلغ الأمن عنك، وأمنعك من دخول المستشفى من الباب أصلاً، وأحتمال كبير أبلغ والد أمل بأسباب حالة بنته، وأفتكر إنك متحبش إن حاجة زي كدا تتعرف، فمن غير شوشرة تمشي علشان أنا مش هدخلك مهما عملت يا أستاذ خالد، عارف ليه علشان أنا دكتورة نفسية، وبالعافية لما أمل أستجابت معايا وعرفتني جزء من الحقيقة، رغم إني استشفيت الباقي بسهولة مع إنها ملمحتش بشيء، وأنا حاليا بحاول أنقذ روح من إنها تنتحر، فلو عاوز أمل تنتحر أتفضل أدخل لها، أنا مش همنعك بس إنت لوحدك اللي هتتحمل أي حاجة تحصل لها.


أحست هالة أنها لا تطيق وجوده ولا رؤيته، فتنفست بعمق وزفرت أنفاسها وأضافت:

-أنا عارفة إن تأثيرك على أمل قوي علشان هي من جواها لسه طفلة ساذجة، وإنت مسيطر عليها وسلبتها شخصيتها، فلو سمحت أبعد شوية عنها، وأديها فرصة تلم فيها شتات نفسها، وتتقبل نتيجة اللي حصل، ووقتها أبقى أطلب تقابلها إنما دلوقتي لأ يا أستاذ خالد.


مسح خالد علي رأسه وادار وجهه عن هالة، واغمض عيناه بألم ليتنهد ويقول: 

-معاكي حق أنا حاليا  لو دخلت بأمل، هبقى عملت زي الدبة اللي قتلت صاحبها.


غادرها خالد وهو يشعر بالحسرة لتحدق هالة بظهره بأسف حيال ما فعله بنفسه وبأمل.


-------------------------------------------------

الفصل الثامن..الهروب. 

-------------------------


مرت فترة عصيبة على الجميع. 

كانت أمل حبيسة قوقعة بنتها حول نفسها، حتى بعدما صرحت بالكتابة عن بعض من الحقيقة لهالة، إلا أنها عادت لتنكمش حول نفسها مرة أخرى، لتطلب من حمزة أن يسمح لها بمغادرة المشفى، وقع حمزة بين شقي الرحى مغادرة أمل دون أستكمال علاجها قد يعرضها لأزمة جديدة، خاصة بتقوقعها وإنغلاقها ورفضها أي مساعدة، والشق الثاني أن يستمر في حجزها لعلها تستجيب لهالة، ولكن هالة أشارت عليه أن يدعها تخوض التجربة مرة أخرى، ليسمح لها بقضاء فترة نقاهة بعيداً كل البعد عن أي توتر أو ضغوط نفسية أو تساؤلات من شأنها التأثير سلباً على نفسيتها، ليأخذها والديها إلي مطروح، مرحبين بعودتها معهم للعناية بها علي أكمل وجه في جو صحي يوفرانه لها، وقد ذهب والدها وقدم أوراق طلب تأجيل العام الدراسي لابنته من الكلية، تاركين ضُحى تتصارع مع الأيام لتعوض ما فاتها من دراستها، كذلك خوفها على شقيقتها وموقفها الرافض لخالتها نعمة، التي ألتزمت بالصمت بعدما هددتها ثريا بأن تقاطعها، إن عادت لمثل تلك الظنون البغيضة ضد إيمان، وأحساسها بأن خالد لم يخبرها الحقيقة كاملة عن تلك الليلة. 

أما عند خالد فقد نفذ وعده لإيمان، بعدما جلس مع ضُحى متحدثاً معها بالقصة المزعومة، عن سبب وجود أمل وإيمان لديه لتهدأ من ناحيتهم، وسافر خالد كذلك إلي مطروح وطلب مقابلة والدة إيمان في سرية تامة، لينسج لها قصة عن تقدم أحد أصدقائه يطلب الزواج بابنتها إيمان، ليحثها على الموافقة موضحاً أنه يعمل بالخارج وقد رأها سابقا وأعجب بها، وقد أوكل لوالده أمر عقد قرانهم في حال موافقتهم عليه، و حثها على الموافقة دون تفكير حين حدثها عن وضعه المالي المريح ورغبته بتحمل كافة الأمور المادية عنهم، لييسر أمر سفر وإقامة إيمان معه فور عقد القران واستكمال دراستها بالخارج، لعدم استطاعته الحضور في الوقت الراهن، وطلب منها أن يكون هو وكيلاً عن إيمان بما أنها ستنشغل بإختبارات الكلية، ونظراً لظروف مرض أمل، لم يشأ خالد بإخبار أحداً من أسرة أمل شيئا عن الأمر، حتي لا يتقولوا عليها بإنها لم تقدر مرض صديقتها، وبإن تلك الفرصة لن تعوض بالنسبة لابنتها إيمان في حال رفضت زواج ابنتها، ولإنه يعلم جيداً علم اليقين طبيعة تفكير والدة إيمان العاشقة لنفسها فقط ولحياتها المستقلة مع زوجها، ويدرك تمام الادراك أنها لا تهتم بأمر إيمان مثقال ذرة، وأن كل اهتمامها منصب على زوجها فقط وحياتها الخاصة معه حصل على موافقتها سريعاً، ليُأكد عليها عدم إبلاغ أحد بشأن حضوره أو بزواج ابنتها وسفرها، ليعود إلى القاهرة سريعاً وهو على يقين بأنه قد أغلق صفحة إيمان من ناحية والدتها، فهي لن تخاطر بحياتها الزوجية لتسئل عن ابنتها يوما. 


وازدادت حالة انعزال أمل داخل غرفتها رافضة كل محاولات والديها إخراجها من عزلتها، وهو الأمر الذي تسبب في زيادة حالة الحزن لديهما، وتعجبهم من رفضها القاطع السماح لهما بالتحدث معها في أي شيء، ورفضها الغامض لمقابلته خالد أو التحدث عنه، لتزرع الشك في نفس والدها لمعرفة سر هذا التغير، كانت أمل تعيش في حالة من الصراع النفسي القوي، والذي أثقل كاهلها فهي فقدت قدرتها على تمييز الزمن لتشعر بهوة الأيام تبلعها، وازدادت رغبتها بالهروب من تلك الحياة التى صنعها خالد، وقولبها فيها والتي كان متحكماً بها بشكل كامل، لتتعجب كيف لها أن تكون بمثل هذه السذاجة لتنخدع فيه هو وإيمان، التي أصبحت ذكرياتها معهما تجلدها وتعذبها، لتطلق عنان دموعها ليل نهار، فكلما نظرت حولها رأتهم، لتتخذ قرارها الذي عقدت العزم عليه مهما كلفها الأمر، بالهرب من كل شىء تاركة تلك الحياة خلفها تماماً، لتتذكر خالها أمجد المهاجر منذ سنوات طويلة لألمانيا.

ليتفاجىء والديها ذات صباح بمغادرتها غرفتها تجلس معهم، لترى مدي السعادة التي رسمت على ملامحهما لمشاركتهم اليوم، وحين رأت والديها كيف كانا يجلسان يحمل كل منهما الهم في قلبه ويظهر بوضوح عليهم، شعرت بالألم والأسف لعدم تقدير مدى قلقهما عليها، فتنهدت وهي تفكر كيف تبلغهم برغبتها السفر إلى خالها فكتبت لهم توضح ما تريد، ليأخذ والدها الورقة منها ورفع عيناه ونظره إليها وحدق بها بصدمة بعد أن قرأها، فنظرت ثريا إليه بحيرة لتسمعه يقول:

-إنتي عاوزة تسافري لخالك أمجد، بس يا بنتي هتسافري إزاي وظروفك دي، إنتي عاوزة تتغربي بعيد عننا، ليه يا أمل عوزة تسبينا إحنا قصرنا معاكي يا بنتي. 


شهقت ثريا واختطف منه الورقة التي سقطت من يدها بعدما قرأتها، لتحدق صوب إينتها بحزن تقول:

-إيه الكلام دا يا بنتي يعني إيه تسافري إنتي واعية للي كتباه دا، هو أنا ناقصة وجع قلب فوق وجعي عليكي علشان اتحرم منك، هو أنا ليا مين غيرك إنتي وأختك فالدنيا دي علشان تبعدي عني، يا بنتي أنا مقدرش تغيبي عني يوم دا أنا النار كانت واكلة قلبي عليكي وإنتي عند أختي وبيني وبينك ساعات، تقومي عاوزة تسبيني ويبقي بيني وبينك بلاد.


فرت الدموع من عينا أمل بغزارة وحاولت أن تخرج صوتها ولكنها عجزت، فجذبتها والدتها إليها وضمتها بقوة، فأخذت تشهق ببكاء مرير ولم تتحمل ساقيها ذلك الإنفعال، فأنهارت أرضاً بين ذراعي والدتها ليركع والدها إلى جانبها وأحاطها هو الأخر بذراعيه، وقال بصوت حاول أن يجعله ثابتاً:

-أمل يا بنتي اللي بتعمليه فنفسك وفينا مينفعش، صدقيني مينفعش وربنا هيحاسبك على ضعفك وإستسلامك دا، وبعدين اللي إنتي فيه دا أزمة وهتعدي وبكرة ترجعي تتكلمي زي الأول، وكل حاجة هترجع أحسن إن شاء الله، بس يا بنتي الكلام اللي إنتي كتبتيه دا صعب علينا إننا نقبله أنا وولدتك، ويمكن أنا بشكل خاص مش قادر أقبل فكرة إنك تسافري وتسيبنا، وبعدين أنا مش فاهم ومن حقي إنك تفهميني إيه اللي بدل حالك بالشكل دا، مش معقول رفضك للجواز يوصلك للي إنتي فيه دا كله.


أبعدها والدها عنه وحدق بوجهها الباكي، فضيق عيناه وقال بصوت تشوبه الصرامة:

-صارحيني يا أمل أنا أبوكي ومهما كان اللي حصل حتي لو غلطتي، فأنا وولدتك ستر وغطا عليكي، أحكي لي يا أمل ومتخليش الشيطان يلعب بدماغي أكتر من كدا، وإلا صدقيني هتلاقيني حد تاني عمرك ما شوفتيه قبل كدا، إيه اللي حصلك فهميني، بدل ما أنا عامل زي الأطرش في الزفة، خصوصا بعد ما البية التاني ما صدق وهرب، من بعد ما رفضتي تقابليه وهو لا حس ولا خبر منه، أنا لازم أعرف هو عمل معاكي إيه طمنيني عليكي يا بنتي، وإلا أقسم بالله أسافر له ويا أرجع بالحقيقة يا يبقى ظني هو اللي صح، ويبقي حلال اللي هعمله فيه وفيكي. 


إتسعت حدقتيها وهي تحدق بوجه والدها المحتقن، والذي تبدلت ملامحه لقسوة لم تراها من قبل خاصة، وهو يضغط بقوة فوق كتفيها، فأدخل الخوف إلى قلبها، فشعرت بالضغط يزداد عليها من كل صوب، فغامت الرؤية بعيناها ولاحظتها والدتها فصاحت بذعر:

-إلحق أمل يا محمد.


حملها والدها وممدها فوق الأريكة، بينما هرولت والدتها وأتت بكوب من الماء وضعته بالقرب من شفتيها، فأرتشفت منه قدراً ضئيلاً وهي تتلقف أنفاسها بصعوبة، تقابلت عينا أمل بعيون والدتها فرأت حزنها، فحاولت أن تستجمع شتات نفسها وتهدأ من تسارع أنفاسها، حينها نغزها صدرها بقوة فرفعت يدها بضعف ووضعتها فوق قلبها فسارع والدها وقال:

-أنا هتصل بالدكتور يجي يشوفك.


قبضت أمل على أصابعه وتمسكت بها وهزت رأسها بالنفي، وأشارت لوالدتها لتأتيها بأوراقها لتدون عليها ما تريد قوله، فقدمتها والدتها إليها فكتبت بأصابع مرتعشة:

-بابا أنا بخير اطمن، وصدقني مافيش أي حاجة حصلت بيني وبين خالد، أنا عمرى ما أغلط فحقك ولا فحق ماما ولا فحق نفسي أبداً، وعمرى ما اخون ثقتك فيا ولا اخليك توطي راسك أبداً بسببي، انا اللي مش عاوزة الحياة اللي انا فيها دي، ارجوك يا بابا افهمني وحس بيا انا كل لحظة بتعدي عليا وانا هنا بحس اني بتنخنق وبموت، انا عاوزة اغير حياتي ارجوك توافق اسافر، وبعدين خالي أمجد كتير طلب منك اني اروح اعيش معاه واكمل تعليمي هناك، حضرتك ناسي انه جاب لي منحة تفوق دراسي هناك لما نتيجة الثانوية طلعت وكنت مقفلة الالماني، ووقتها كنت ببص تحت رجلي، انما دلوقتي ممكن اغير كل حاجة فحياتي زي ما حضرتك قلت وابقي احسن وافق يا بابا ارجوك.


حولت أمل عيناها إلى والدتها، وحدقت بها بأسف وهي تزفر أنفاسها، وحاولت التحرك فسارع والدها بمد يده إليها وساعدها على الأعتدال، فأشارت أمل إليه بأن يساعدها لتذهب إلى غرفتها، تبعتهما والدتها بعيناها وهي تبكي، حتى عاد إليها زوجها فنظرت إليه وقالت:

-هتسيبها تسافر يا محمد ولا هتعمل إيه، البت كدا هتضيع مننا، صحيح قلبي بيتقطع من كلامها، بس إنت فاكر كلام دكتور حمزة، تفتكر إنها لو سافرت هتتغير وتتحسن فعلا، أنا مش عارفة أفكر، قولي يا ابو ضحى هنتصرف إزاي، وبعدين إزاي خالد ساكت كل دا ولا حتى حاول يتصل يتكلم معاك، أنا معدتش فاهمة حاجة.


جلس محمد مطرق الرأس يحاول كبح صراعه، الذي جعله يتخيل أسوأ الأشياء التي يمكن أن تحدث بين إبنته وخالد، فزفر وهو يستغفر ويطرد شبح إبليس من رأسه وقال:

-أنا هتصل بأمجد واحكي له وهشوف رأيه إيه الاول، أما الاستاذ خالد فدا سيبيه، له روقة لما اطمن علي بنتي الاول هبقى أشوف ماله هو كمان.


لم تتمالك ثريا دموعها وهي تفكر بأمل التي ستحرم منها بسفرها، فربت محمد فوق كفتيها وقال:

-هنعمل إيه يا ثريا، طالما السفر دا هو اللي هيرجع لنا بنتنا زي ما كانت، يبقى لازم نوافق على سفرها، ولا هنسيبها بتدبل كل يوم بالشكل دا ونقف نتفرج عليها.


اومأت لتتذكر أمر إجراءات السفر فقالت:

-محمد إحنا في حاجة مفكرناش فيها فموضوع سفر أمل دا.


قطب محمد وجهه وسئلها:

-حاجة إيه يا ثريا.


زمت ثريا شفتيها وقالت بحزن:

-إحنا نسينا إن أمل مكتوب كتابها، وبالشكل دا هتحتاج موافقة الزوج علشان تقدر تسافر.


أكفهر وجه محمد فوقف وأبتعد عن زوجتها وحدق بباب غرفة أمل المغلق وقال:

-لما أمجد يرد عليا يبقى ربنا يحلها ويساويها من عنده، المهم نشوف رأي أمجد إيه الأول يا ثريا.


سارع محمد بالتواصل مع أمجد، ووضح له كل ما حدث وكذلك أبلغه برغبة أمل في السفر إليه، فعاتبه أمجد كونه لم يبلغه بمرضها في حينها ورحب بسفرها بسعادة، وأكد لمحمد بأن أمل هي الأبنة التي لطالما حلم بأن تكون له مع إبنه أحمد، وأتفق معه بأنه هو من سيتولي عنه كافة إجراءات سفر أمل إليه.

فاجأ أمجد محمد بعد يومان فقط من إتصالهما، بإرساله جواز سفر أمل وإنهائه كافة الترتيبات، ليتبقى موافقة خالد على سفرها حينها قام محمد بالإتصال بخالد، وطلب منه الحضور إلى مطروح للحديث معه.

في صباح اليوم التالي، غادرت أمل منزل والدها وذهبت إلى تلك البقعة التي لطالما جلست تكتب فيها كل حياتها، شردت مع موج البحر ولم تشعر به يجلس إلى جوارها، إلا حين لمس يدها فأنتفضت من مكانها وحدقت به بذعر، وتراجعت عدة خطوات فكادت تسقط من فوق الصخرة، فجذبتها ذراعي خالد إلى صدره لتدفعه عنها بقوة وهي تهز رأسها بالرفض، وهرولت من أمامه ولكنه أدركها، وقبض على ساعدها بقوة وقال:

-أمل إحنا لازم نتكلم، ما هو مينفعش تهربي مني بالشكل دا، خصوصاً بعد الكلام اللي عمي محمد قاله ليا واللي يمسك إنتِ أكتر ما يمسني أنا.


إتسعت عيناها بصدمة وحررت ساعدها منه، وقبضت بأصابع مرتجفة على قلمها وكتبت:

-إنت مجنون علشان بابا مستحيل يظن فيا حاجة زي كدا مستحيل.


قرأ كلماتها وهو عابس الوجه ورفع عيناه إليها وقال:

-أنا مش مجنون يا أمل وصدقي إن عمي محمد بيشك فيكي وفيا، بسبب الحالة اللي إنتِ فيها دي.


أحست أمل بأنها تراه للمرة الأولي، فكرهت النظر إلى وجهه وبغضت ملامحه التي عشقتها فكتبت:

-ومين السبب فاللي أنا فيه، مش إنت وخيانتك ليا إنت والهانم اللي كانت عاملة نفسها صاحبتي، عموما أنا غلطانة إني مقولتش لبابا على كل حاجة، علشان كدا أنا هصلح الغلط دا وهقوله على سبب تعبي، ووقتها هو اللي هيرد لي حقي.


تطلع خالد إليها بعيون غاضبة وقال بتسرع:

-أمل إياكي تفكري إنك تهدديني، علشان أنا ساعتها معرفش ممكن أعمل إيه ولا أقول إيه، وصدقيني إنتِ فالنهاية اللي هتخسري، علشان وقتها أنا هخلي عمي محمد يصدق شكه، وهقوله إنك كنتي فحضني وفسريري قبل كتب الكتاب، ولو مصدقنيش هقوله على الحسنة اللي فصدرك، ووقتها هيرميكي برا حياته ومش هتلاقي غيري أنا اللي باقي لك و.


شحب وجهها وترنحت أمامه فأحاطها خالد بذراعيه وقال:

-أنا أسف والله أسف، والله يا أمل أنا مستحيل أأذيكي أو أقول كلمه تقلل منك، بس إنتِ اللي أستفزتيني بكلامك اللي كتبتيه، عموما أنا مش عاوز منك غير إنك تحاولي تتحمليني، لحد ما نشوف حل يرضيكي ويرضيني.


أبتعدت عنه وكتبت له وهي تحاول تحمل ما تشعر به من ألم:

-الحل الوحيد اللي أما محتجاله وعوزاه، هو إنكم تبعدو عني وتسيبوني فحالي، أنساني يا خالد وخليني أنساك وأنسى اللي شوفته وسمعته، وأطمن أنا مش هقول أي حاجة ولا هجيب سيرتك ولا سيرتها بس سبني.


كانت عيناه تلتهم الكلمات التي تكتبها بأرتعاش فقال بصوت جزع:

-مستحيل يا أمل أنا أنا مقدرش أسيبك ولا أبعد عنك، أنا أنا لو سبتك هموت من غيرك صدقيني إنتِ يا أمل حياتي كلها.


كانت كلماته تصفع أذنها بألم، فرفعت يداها وضغطت فوق أذنيها لتمنع صوته عنها، وهي تهزر رأسها بقوة رفضاً لما قاله، وفرت من أمامه مسرعة حين لم تتحمل وجوده بالقرب منها أكثر.

تبعها خالد وقلبه يأن بألم، فعيناها المطفئة أعلمته بأنه فقد قلبها، فجلس في مكانه ليمهل نفسه الوقت ليهدأ، ليتحرك بعد مرور بعض الوقت متجهاً إلى منزل محمد.

جلس خالد برفقة محمد وحاول إستيعاب طلبه، وحين طال صمته سئله محمد:

-إيه يا ابني مردتش عليا بقولك أنا محتاج أمضتك على الموافقة، علشان أمل تسافر لخالها، قولت إيه.


هز خالد رأسه بالرفض وقال:

-أنا مش عارف أقولك إيه بس.


قاطعه محمد قائلاً:

-تقول إنك موافق علشان مصلحة أمل وصحتها، دا لو بتحب بنتي فعلاً وعاوزها ترجع لنا أحسن من الأول.


ارتبك خالد وسارع بقوله:

-هو حضرتك عندك شك فحبي لأمل يا عمي.


ربت محمد فوق ساق خالد وقال:

-أنا معنديش شك يا خالد، وعارف إنك هتبدي مصلحة أمل على مصلحتك، زي ما أنا وولدتها هنتحمل بعدها عننا.


بعدما أعطى خالد موافقته على سفر أمل استغل وجوده وحديثه مع والدها، واستأذنهم ليغادر برفقتها، متعللاً بأنها تحتاج إلى التغيير ومغادرة تلك الغرفة، ورغماً عنها تقبلت أمل مرافقته، خاصة بعدما حذرتها عينا خالد من ظنون والدها بشأنهما، سارت إلى جانبه وعقلها ينوء أسفل حِمل الأسئلة التي تصارعت بداخلها، تتسائل ألم تكن كافيه له ليبحث عن حاجته مع أخرى، ولما أختار صديقتها هل حقاً أحبها، أم عاشت وهم الحب كما عاشت وهم الصداقة، انتبهت حين توقف وأشار إليها ليجلسا أمام البحر، أتخذت مكانها بصمت تحدق بالبحر تتمنى لو تُلقي بجسدها بين امواجه لتختفي للأبد وتتوه بعيداً عنه، سحبت بعض الأنفاس بعدما ازداد أختناقها، ووصل إلى سمعها صوت تنفسه، فرت دمعة خائنة منها وهي تتذكر حالتها في الأمس البعيد، كم كانت تود لو يجمعها مكان واحد وبمفردها معه، واليوم تود لو تختفي من حياته وتنسى ما يربطهما سوياً، لمس خالد بأطراف أنامله أصابعها، فانتفضت وسحبت يدها بعيداً عنه، ورمقته بنظراتٍ تحذيرية كي لا يتطاول ويلمسها مرة آخرى، ألتقت عينيها بعيناه وبدت نظراته مليئة بالندم والأعتذار، ولكن عن أي ندم ستتحدث العيون، عن أغتياله لمشاعرها أم وئده لقلبها الذي لم يحمل إلا الحب له، ليأتيها صوته يهمس بإسمها:

-أمل ممكن بقى تسمعيني المرة دي.


ابتسمت بسخرية فما أغرب الأحوال اليوم، فسابقاً كانت تخشى التحدث واليوم يستأذنها هو، زفرت بضيق فما بيدها شيء تفعله لتمنعه عن محادثتها، ليلتقط خالد أنفاسه المبعثرة ويقول:

-قبل أي كلام أنا كنت عايز أعتذر عن كلامي المرة اللي فاتت، أنا مكنتش قاصد تهديدي ليكي، بس للأسف يوميها التعبير خاني وقولت الكلام دا من غير ما أفكر، كان غصب عني الضغط اللي كنت فيه وقلقي عليكي، ورفضك إني أكلمك أو أشوفك أمل أنا.


صمت فجأة ولم تلتفت إليه، ليدرك بأنها لم تستمع له، تغضن جبينه بحدة أمام موقفها منه واهمالها، وزفر بقوة وقال:

-أمل بصي لي علشان أنا خلاص على أخرى وقربت أتعصب، على فكرة أنا لحد دلوقتي مديلك عذرك وعارف إن الموقف كان شديد عليكي، لكن بلاش تتمادي أنتِ دلوقتي مراتي وزي ما قولت لك سابق، أنا ليا حقوق عليكي وأولهم الطاعة.


ادارت وجهها وحدقت به لا تصدق بأنه تفوه بتلك الكلمات، أحقاً لا يزال يظنها ستقبل بأن تستمر بتلك الزيجة وستقبل بوجوده في حياتها، هو واهم حقاً إن ظنها ستقبل بالأمر الواقع وترتضي بضعف واستسلام، وقفت أمل سريعاً وعينيها تبحث عن شيئٍا ما تكتب فوقه، فوجدته هاتفه إلى جواره ألتقطته دون أن تسأله، وفتحت الرسائل وقبل أن تكتب ما تريد قوله، وقع بصرها على رسائل إيمان التي تتبادلها معه، أخذت عينيها تلتهم رسائل الغرام بينهما وكلماتها الجريئة إليه، بل ورسائل سخريتها منها هي لجهلها بعلاقتهما السرية، أشتدت ملامحها تجهماً كلما فتحت رسالة تلو الآخرى، لتترك هاتفه يسقط أرضاً من يدها بعدما زاد اشمئزازها وسقمها منه.

زاد ارتباكه فهو نسي تماماً أمر تلك الرسائل، وضغط هاتفه بقوة بين أصابعه حتى كاد يحطمه، رمقته أمل بنظراتٍ غاضبة وهي تشير إليه ليعيدها إلى منزلها، فوقف خالد هو الأخر بعدما يأس من عنادها وقال:

-ما أنتِ لازم تسمعيني يا أمل قبل ما تسافري، وإلا صدقيني هرجع فكلامي تاني وهمشي من هنا على الجوزات وألغي كل حاجة.


دفعته من أمامها فهي ما عاد يهمها شيء، حتى وإن منعها من السفر، لن تقبل أبداً أن يمتلكها رجل أناني مثله، خائن لكل شيء علمها إياه وزرعه بداخلها.

عادا إلى منزل والديها ودعاه والدها ليبقى تلك الساعات معهم، ولكن نظرات أمل جلدته وجعلته يرفض الدعوة ويغادر سريعًا، فهو لم يعد يحتمل أن يرى نفسه صغيراً هكذا أمامها.

وأتي يوم الرحيل.. كان صباح مليء بالحزن والألم ودموع الفراق، فقد فوجئت بمجىء ضحى إلى المطار لتوديعها وعلي ملامحها الأسى، لفراق شقيقتها وابتعادها عنها. 

احتضنت أمل والدتها وضُحى لتلتفت بنظرها تودع الجميع، وللمرة الأخيرة بحثت عن وجه ما وسط تلك الوجوه الباكية، ليقع بصرها عليه يقف بعيدا وقد تبدلت ملامحه لشخص غريب، نغزها قلبها بقوة وثقلت أنفاسها، حاولت ألا تظهر ألمها وسوء حالتها، حتى لا يُعيدها والدها إلى المشفى ويلغي سفرها، فأشاحت ببصرها عنه وهي تغمض عينيها لا تريد أن تراه، خاصة بعدما أعلمها قبل عودته إلى القاهرة بأنه عقد قرانه على إيمان، ورفض طلب طلاقها منه بل الأسوأ هو تهديده لها مرة آخرى بتأكيد ظنون والدها، باتت أسيرة تهديده بسبب خطأها الذي أقترفته معه، لتدرك بأنها تحصد نتيجة ذنب، يوم استسلمت لضعف مشاعرها وكادت تسلمه نفسها، ارتجفت بحزن فذلك الذنب سيظل يطاردها، وعليها التكفير عنه بصمتها وأرتضائها البقاء على ذمته رغم خيانته، أخرجها من دوامة تلك الأفكار التي حاصرتها وأثقلت أنفاسها، صوت إحدى المضيفات حين توقفت إلى جوارها مبتسمة الوجه تسألها:

-الانسة أمل محمد. 


استدارات أمل إليها فاكملت المضيفة:

-انا سهى مضيفة رحلة الطيران اللي هبقى مسئولة عنك طول الرحلة، إحنا جايلنا تعليمات وتوصية شخصية من الدكتور أمجد من المانيا، إن حضرتك هتبقي ضيفة معانا علي الرحلة، وحقيقي أنا سعيدة جداً إن الحظ خدمني إن أنا اللي أكون مسئولة عنك، ودلوقتي لو تسمحي تيجي معايا علشان نخلص باقي الأجراءات.


رافقتها سهى بعدما ودعت أمل الجميع، تبعت خطوات المضيفة وهي لا تصدق بأن رحلتها الأولى التي طالما تمنت أن ترافقه فيها، هي رحلة فرارها منه بل وتتمنى ألا تعود منها أبداً، أنتبهت أمل مرة أخرى إلى كلمات المضيفة وهي تقول:

-على فكرة دكتور أمجد، من أحب الشخصيات في المانيا، وحقيقي الكل بيسعى إنه يقدم له أي خدمة، لإنه إنسان خدوم جداً وساعد ناس كتير، تقدري تقولي إن له أفضال كمان على بعض أفراد الحكومة هناك، علشان كدا أول ما وصل لنا أخبارية إن بنت أخته هتسافر فرحلة استشفاء، الكل أتنافس علشان يرد له ولو جزء من جمايله معانا، يعني أنا شخصياً الدكتور ساعدني من سنة، ودفع مصاريف عملية ولدتي بالكامل من حسابه الشخصي، فأكيد لما أعرف إنك فالرحلة معانا، هبقى أكتر من سعيدة إني أقدم لك كل اللي أقدر عليه، عموماً أنا مش هرهقك بأي حاجة، وهاخد الأوراق وشنطك للتفتشيش بنفسي وهرجعلك، وكل ما عليكي هو إنك تقعدي فالقاعة هنا عشر دقايق لحد ما أرجعلك تاني.


أومأت أمل بدهشة فقد أنستها سهى بلحظات كل أفكارها التي ألمتها.

أنهت سهى كل شيء وساعدت أمل على الجلوس بمقعدها داخل الطائرة، وما أن اطمئنت عليها حتى سارعت لتكمل عملها، زفرت أمل بحزن فتلك اللحظات حاسمة بحياتها، فصراعها الأن يثقل عليها بدوامة تعتصرها، فهي لا تعلم إن كان قرار هروبها حلاً مناسباً، أم كان عليها البقاء ومواجهة الجميع، أغمضت عينيها واخذت تتنفس بعمق، لتنهر عقلها لتفكيرها به، ولكن دموعها أبت أن تنصاع لامرها وهي تتسأل مرة أخرى: 

-ياترى هقدري تنسي يا أمل كل اللي عرفتيه، هتقدري تنسي تهديده ليكي بعد ما كشف عن وشه الحقيقي أدامك، وياترى هتعرفي تتأقلمي فبلد متعرفيش فيها إلا خالك وابن خالك وبس، أنتِ مكنش المفروض تهربي كان لازم تواجهي وتقفي فوشه وتعرفي الكل حقيقتهم، أنتِ صاحبة الحق مش هما، بس أنا مكنتش هقدر أتحمل أبص فعين بابا لو خالد فعلاً حكى له على اللي حصل بينا، وبابا نفسه عمره ما هيسامحني إني خنت ثقته فيا بالشكل دا، يعني إيه يا أمل يعني هتفضلي مراته زي ما قالك هتقبلي بالحياة دي وهترضي تفضلي ضعيفة كدا إيه يا أمل معقـــ..


قطع تفكير أمل صوت رخيم يقول:

-دا مكانى لو سمحتى يا انسة يا أنسة حضرتك سمعاني بقلك بعد اذنك دا مكاني.


رفعت أمل عينيها لأعلى لترى من يحدثها، ليقع بصرها على شاب في مقتبل العمر، لم تفهم حديثه فى بادىء الامر لشرودها، ولكنها حين فهمت انتفضت وحاولت البحث عن بطاقة المقعد، فهي لم تخطيء في رقمه نجحت اخيرا في اخراج البطاقة من حقيبتها، وكأنها فقدت السمع ايضا وادركت انه يتحدث دون توقف، لتشعر بانفاسها تضيق وفي لحظة توجهت سهى اليهما بسرعة لتستوضح الامر، فشاهدت حالة أمل فاستأذنت منه ليُفسح لها الطريق وقالت:

-انتى بخير اهدى خدى نفس بهدوء، ايوة كدا ثانية واحدة هجيب لك جهاز التنفس واجي. 


وقف حازم يتابع ما يحدث و يسخر فى نفسه: 

-يا سلام بنت مين في مصر دى اللي الكل رهن اشارتها، دي حتى معبرتنيش ولا نطقت بكلمة.


توجه بحديثه لسهى وقال لها قبل أن تغادر:

-على فكرة المكان اللي الانسة قاعدة فيه دا مكانى.


نظرت سهى إليه بحيرة وأجابته:

-بس أنا اللي مقعدة الأنسة فمكانها، ومظنش إني غلطت فالرقم، عموما أديني التذكرة وأنا هتأكد، ولو في أي خطأ هنصلحه متقلقش حضرتك.


ابرز التذكرة أمامها واشار إلى الرقم وقال:

-أهي التذكرة ممكن حضرتك تتأكدي من رقمها هو 909.


حدقت سهى بما دون فيها وأبتسمت بلطف وقالت مصححة:

-بعتذر منك بس الرقم اللي فتذكرة حضرتك 606، مش 909 عموما بتحصل معانا كتير لما ضيوفنا يقلبوا البطاقة.


ابتعدت سهى لتسرع وتعود ومعها جهاز الاوكسجين فتمتم حازم بحرج:

-يا غبائك يا حازم مش عارف تقرأ،  كمان عجبك يعني الاحراج اللي انت فيه.


اتجه حازم بصمت ليجلس بمقعده، وتابع من مكانه سهى وهي تبتسم لتلك الفتاة بعدما وضعت لها قناع الاوكسجين بعناية واغمضت عينيها، فاخرج حازم إحدى كتبه ليشغل نفسه بالقراءة، ولكنه لم يعلم لما ترحل نظراته لتراقب تلك الفتاة كل حين وآخر، يتسأل ما بها؟ ولما هي ضعيفه هكذا؟ ولما يشعر بذبذبة حزن تشع منها؟ عنف نفسه لتفكيره بها وهمس: 

-وبعدين بقي ما تخليك فحالك وتسيبك أنت فايه ولا ايه.


حطت الطائرة وغادر معظم الركاب وأمل نائمة لتستيقظ على يد تهزها، فانتفضت فاعتذر منها حازم الذى مال عليها، ليتجهم وجهها وهي تعتدل فى جلستها وتبتعد عنه، فلاحظ ارتباكها وعبوسها فقال: 

-وصلنا حمد لله على السلامة مش محتاجة لأي مساعدة.


هزت أمل رأسها بالنفي ووقفت تلملم أشياءها، تابع باصرار كلماته معها فقد بات فضوله تجاهها غريباً يريد أن يعرف كل شيء عنها فقال وهو ينظر إلى ما تفعله:

-طيب أشوفك بخير وأكيد هنتقابل بما إننا مصريين زي بعض، على فكرة أنا حازم وأنتِ.


رافق كلماته ومد يده ليصافحها، ولكنها نظرت إليه بدهشة ولم تمد يدها بالسلام لتزيد من احراجه، ليتركها حازم ويغادر وهو يعتذر لنفسه عما تسبب به من حرج.

عادت سهى بخطوات متأنية وساعدت أمل على حمل اشياؤها وساعدتها على مغادرة الطائرة، وأشارت إلى مقعد طبي وطبيب ينتظرها أمام الطائرة، فاستسلمت أمل لهما وأغلقت عينيها بعدما انهكها احساسها بالأجهاد، لتسمع همسات خافته لقلبها يعاتبها على سوء تصرفها مع ذاك الشاب فزفرت بأرهاق وأجابته بلوم أكبر:

-حتى لو كنت أتعاملت معاه بقلة زوق، فكدا أسلم وأفضل ولا ناسي، أني مربوطة بحبل ملفوف حولين رقبتي اسمه خالد.


---------------------------------------------------------

الفصل التاسع.. مشاكسة .

-------------------------------


لم تصدق أمل كل هذا الأهتمام الذي قوبلت به في ساحة المطار، لقد عاملها الجميع كأنها شخصية مهمة حرصوا على ارضائها، بعد أن أنهت المضيفة كافة الأجراءات، طالعها وجه خالها المبتسم يقترب منها يحتضنها وحملها ودار بها لتضحك أمل بسعادة، فهتف أمجد: 

- وحشتيني قوي يا أمولة حمد لله على السلامة، بس معقول إنتِ أمل ماشاء الله إنتِ بقيتي واحدة تانية خالص، غير أمل اللي كان طولها شبر ونص وكانت بتجري تمسك فرجليا علشان أشيلها وأخرجها معايا فكل مكان.


أحتضنت خالها بقوة فأهتمامه بها وبكل ما يخصها فاق تخيلها، وأشعرها بالأمتنان به، استندت إليه بسعادة ليقبل أمجد جبينها ويبعدها قليلاً عنه ويقول:

- تعرفي إن أنا قلقت عليكي لما بلغوني أنك تعبتي فالطيارة، علشان كدا إدارة المطار بعتت لك الدكتور يطمن عليكي، والحمد لله هو طمني إنك بخير، عموما أنا عارف إن الرحلة كانت مرهقة ليكي، بس معلش إحنا مضطرين نستنى شوية كمان لحد ما يظهر الأستاذ أحمد، أصله راح يقابل صاحبه، فاكرة أحمد يا أمولة تعرفي إنك دلوقتي لو شفتيه مش هتعرفيه، أصله أتغير كتير عن الصور اللي كنت ببعتهالكم، وأنتِ كمان أتغيرتي وأحلويتي كتير عن كل الصور، أقولك تعالي ارتاحي فالعربية لحد ما الاساتذة يظهروا.


ابتسمت أمل وهي تسير بجانب خالها، بداخلها ينمو أحساس بأنها ولأول مرة في حياتها، تأخذ الخطوة الصحيحة للمضي بحياتها، أجلسها أمجد في سيارة فارهة نالت أعجابها بشدة فأشارت له دليل اعجابها بها فقال:

- دى عربية أحمد ، أنا عربيتي مبغيرهاش أنتِ عارفة هي هي نفس عربية المرحومة ليلي.


ربتت أمل علي يد خالها وأقتربت من وجهه وقبلته، تعبيرا عن شكرها ومواساة له، فقال أمجد: 

- عارفة أنا محضر لك برنامج سياحي تحفة، هيخليكي تنسي ثريا ذات نفسها، هي مش أختي بس خلاص أنا ناويت أسرقك من مصر بحالها ومش هرجعك تاني.


عبست أمل لتذكرها دموع والدتها وهي تودعها وصوتها الباكي يرن في أذنيها:  

-متنسيش يا أمل.


لتقتحم فجأة عينيه وبقوة عقلها، وهي مليئة بالدموع ويتوارى حتى لا يراه غيرها، لتهز رأسها بقوة فهي لا تريد تذكر أي شيء به، لاحظ أمجد عبوسها الذي أحتل وجهها فقال ليبعد عنها التفكير فيما أتعبها:

-على فكرة هنا مافيش زعل ولا تكشير ولا أي كلام من دا، هنا في ضحك وفرفشة وفسح وتحقيق كل اللي تأمري بيه أنا والواد أحمد.


أسندت أمل رأسها للخلف واغمضت عينيها بانتظار وصول أحمد، لتفتح عينيها بقوة حين سمعت صوت يقول: 

-يا محاسن الصدف دا إحنا على ميعاد بقى ولا أنتِ بتطارديني .


التفت أمل للصوت فشاهدت حازم يقف وبجانبه أحمد ابن خالها، فنظرت إلى خالها الذي سارع بتقديمهم لبعضهما وقال:

-اعرفك يا حازم دي أمل بنت أختي، ودا حازم صاحب أحمد وزميله فالشغل اللي كنا منتظرينه يا أمل.


ولى حازم نظراته إلى أمل وبات يعيد تقيمه لها، بعدما أدرك بأن الصدفة عادت لتلعب دورها بينهما وها هو يراها مرة آخرى فأبتسم وقال:

-أنا اتشرفت بمعرفتك يا أنسة أمل .


هزت أمل رأسها بحرج وادارت وجهها عنه واغمضت عيناها بعدما أستولى عليها الأجهاد، بينما زفر حازم بعصبية واضحة والتفت ليحدق بوجه صديقه بسخط وقال بهمس لا يسمعه احد غير أحمد:

-هو في إيه يا عم للغرور دا كله، هي مالها قريبتك دي واخدة قلم فنفسها كدا ليه، يا أحمد أنت لو كنت شوفت بتتعامل إزاي من وقت ما شوفتها تقول إنها شخصية ملهاش زي، دي ناقص تعاملنا على إننا عبيد عندها ما تفهمها يا أحمد إن من تواضع لله رفعه وإن الشويتين دول مينفعوش فالبلد هنا، لا وأبوك عمال ينفخ فيها اكتر ما هي والله أنا خايف لتفرقع و.


أبتلع حازم همساته الفظة حين لكزه أحمد بقوة في الخفاء فصاح معترضاً على ردة فعل أحمد وقال :

-ايه يا جدع ما تحاسب ايديك جامدة .


مال أحمد نحو أذن حازم وقال: 

-تعرف تخرس بدل ما تودينا ورا الشمس مع بابا ولا أسيبه يسمعك وأبيعك وأخلع من اللي هيعمله فيك لو سمعك، عموما أهدى على نفسك لما نبقى لوحدنا وتفهمني كدا كل حاجة واحدة واحدة وأنا أفهمك الليلة فيها إيه علشان متعكش معاك.


قاد أحمد السيارة بتمهل ليستولي جمال المدينة على شغف أمل فباتت نظراتها كنظرات طفل يرى كل شيء للمرة الأولى، كانت ابتسامتها ونظرات الدهشة والأعجاب تجعلها تبدو بصورة خيالية، تابعها حازم سراً من مرآة السيارة الجانبية، وما أن صف أحمد السيارة بعدما عبر بوابة المنزل المسيجة، حتى ألتفتت إلى خالها وقد أعتلت عينيها نظرات الأنبهار والدهشة ومدت يدها ولمست يده، وابتسامتها لا تفارقها غادرت أمل السيارة على عجل ورأسها يدور في المكان تلاحق ببصرها كل ركن بحديقة الفيلا التي بُنيت على الطراز الشرقي، وتابعها حازم بحيرة يتسأل أتلك الفتاة هي نفسها التي رمقته بنظرات حادة وجعلته يدرك بأنه مهمش وبلا أهمية، أسرعت أمل بخطاها لتقترب من حوض زهور بلونٍ أحمر ساطع ومالت بأنفها وأشتمت رائحة الزهور، لتبهت ملامح حازم تماماً فأغماضها لعينيها وقربها من الزهر تشتمه بابتسامة وضوء الشمس يلمع على بشرتها جعلها تبدو كم عثر على جنته أخيراً فأحس بأنه يود هو الآخر أن يمكث بجوار ذاك الملاك بتلك الجنة ويعيشها من خلال ردة فعلها ونظراتها، أنتبهت أمل إلى فعلتها فأرتبكت وألتفتت إلى خالها وأشارت إلى الفيلا بلون جدرانها الزاهي فعقب أمجد قائلاً:

-أهي الفيلا دي هي اللي طلعت بيها بعد تعب السنين اللي فاتت، أنتِ عارفة الغربة زى ما فيها الوحش فيها الكويس، وعلى قد التعب بنلاقي وأنا محبتش لا أحرم نفسي ولا أحرم ابني من  إنه يعيش حياته من غير حرمان، دا كان أقل حاجة أعملها علشان أحمد علشان أعوضه .


أحتضنت وجه خالها وقبلت وجنته فأحتضنها أمجد وقال:

-تعالي يا شقية أنتي أما أوريكى الفيلا من جوا دي هتعجبك اكتر، وكمان اوضتك أنا جهزتها ليكِ زى ما بتحبي.


صعدت أمل تتبع خطوات خالها فوقع نظرها علي اجمل غرفة ملونة بالازرق ومزينة بالنجوم فضحك خالها وقال معقباً على ردة فعلها:

-كنت عارف إن الأوضة هتعجبك، أظن خالك كدا يستحق عشرة على عشرة علشان منستش انك مغرمة بالازرق.


ضحكت امل وجرت على خالها تحتضنه وتقبله فقال خالها :

-ربنا يفرحك دايما ويقدرني وأسعدك يا أمل المهم أنا هسيبك تريحي شوية وهنزل أشوف هنتغدا إيه .


هبط امجد إلى بهو الفيلا، ووجد ابنه احمد يتناقش مع حازم بجدية فى العمل فقال معتذراً: 

-معلش يا ابني انشغلت بأمل ومعرفتش ارحب بيك كويس، أعذرني أصل أمل دي بنت أختي وليا كتير مشفتهاش وبصراحة حسيت معاها إني رجعت لمصر تاني، المهم هو مش أنت المفروض لسه فأجازتك يبقى بتتكلم مع الأستاذ أحمد فالشغل ليه.


وألتفت أمجد ووجه كلماته إلى أحمد وقال:

-وأنت يا ابني مش حرام عليك تسحبه كدا من الدار للنار ما تسيبه ياخد نفسه من السفر ويتغدا ويريح له شوية وبعدها أبقى صدعه بالكلام عن الشغل.


أجابه أحمد موضحاً:

-معلش يا بابا هي كانت حاجة ضرورية لازم كنت أوضحها له، وبعدين ما انت عارف إني هغيب عن الشغل يومين علشان خاطر أمل فقولت بالمرة أعرفه كل حاجة وأوصية يخلي باله من شغلي.


هز أمجد رأسه وقال مازحاً:

-يعنى بتستغل صاحبك عيني عينك كدا، طيب افرض بقى أنه لسه عنده أيام اجازة وهو مش ناوي ينزل الشغل على طول وعاوز يرتاح  هتعمل إيه وقتها.


اجابه حازم ليؤكد بصحة أفتراض أمجد:

-والله يا عمي هو أنا فعلاً لسه عندي أجازة لحد الأسبوع الجاي، بس حضرتك عارف ابنك يا عمى لحوح إزاي عموما أنا مش هزعله وعلشان خاطره هنزل الشغل.


كاد أحمد أن بلكزة مرة آخرى ولكن حازم تحاشاه ليقول أمجد معقباً:

-بص هي الصحبية حاجة والشغل حاجة تانية وأنت طالما لسه عندك أجازة يبقى ميرضنيش تقطع اجازتك علشان خاطر أحمد، وأنا شايف إن الحل الأفضل إن أنت تخليك معانا لحد ما أجازتك تخلص ولما تستلم شغلك يبقى الاستاذ أحمد يطلع باجازته، واهو نستفيد من خبراتك انت تعرف اماكن كتير، ها ايه رئيك ندبس صاحبك فالشغل ونتفسح احنا .


ضحك حازم بشدة وقال مؤيداً قرار أمجد: 

-والله أنا معاك يا عمي وأعتبرني من ايديك دى لايديك .


صاح أحمد معترضاً:

-ايوة اتفقتم انتم وبعتوني لا مينفعش كدا انا فيها لاخفيها، انا عاوز الحق البرنامج الترفيهي من اول يوم.


بعد مرور ساعة هبطت أمل إلى البهو وقد أبدلت ثيابها وخطت بحرج صوب الأريكة وجلست بجوار خالها وبيدها كتاب، فهجم عليها أحمد يريد خطفه من يدها وهو يقول بمزاح: 

-بتقري ايه يا دحيحة هو في حد يبقى لسه واصل ألمانيا ويمسك كتب وكلام فاضي.


حاولت أمل ان تتمسك بكتابها ولا تفلته ولكنه نجح وأختطفه منها ووقف ورفع يده عالياً ليمنعها من أستعادته، حينها تذكرت أمل كيف كان أحمد يغار حين يدغدغه أحد من ظهره فنظرت إليه بخبث وابتسمت لتهاجمة بغته وهي تدغدغ ظهره، فسقط احمد أرضا من الضحك، لتستعيد امل كتابها وهي تقفز فوق الاريكة وراء خالها تهرب من يده، بينما وقف حازم يحدق بها ومع ملامحها التي تبدلت للمرة المائة في يوم واحد ببلاهة ليهزه امجد وهو يقول :

-ضم يابني شفايفك أحسن شكلك اتهبلت، إيه يا حبيبي مالك اللي يشوف حالتك يفتكرك اول مرة تشوف قمر قريب بالشكل دا.


انطلقت ضحكة حازم لتتوقف أمل عن قفزها وتحدق به لتناسيها وجوده فأنتهز احمد حالتها وقبض علي رأسها تحت ذراعه وقال: 

-اجيبك لمس أكتاف زى زمان يا قردة .


حاولت أمل أن تبتعد عن زراع احمد وقد احست بالاجهاد من قفزها وبعد برهة تملك منها دوار وارتخت فجأة بين يديه، أرتجف قلب أمجد وحازم حين لاحظا أغماءة أمل فسارع أمجد وحملها وهو ينهر أحمد:

-ايه يا غبي أنت ناسي حالة قلبها علشان تتغابي كدا، هو انا مش محذرك إنك تتعامل معاها بعنف يا ابني أفتكر إن أمل دى بنت مش واحد صاحبك.


ادار أمجد رأسه وأولاها أهتمامه الكامل وحاول أن يساعدها على استعادة وعيها وربت على وجنتها برفق، فى نفس اللحظة التي أخذ حازم كوب الماء من امامه وألقاه بتلقائية علي وجهه، حينها فتحت أمل عينيها وتبدلت نظرتها من الحرج إلى الذعر بعدما أحست بالبلل فرفعت عينيها ورأت الكوب بيد حازم وهو ينظر لها ببلاهة.


لم تصدق أمل أن يومها الأول مر عليها بمثل تلك السعادة التي لم تحظى بها من زمن طويل، فقد اضفي وجود أحمد وحازم جو من المرح والضحكات التي كان الغرض منها اسعادها، وشعرت بالامتنان تجاههم لاهتمامهم الملحوظ بها، لتستأذن منهم بعدما أحست بحاجتها للراحة، فصعدت لتلج الى غرفتها ونتهدت وهي تستند إلى بابها وقد ارتسمت ابتسامة رضى فوق شفتيها وتوجهت نحو خزانتها وبدلت ملابسها وتمددت فوق فراشها ولكن لم تتمكن من النوم فخرجت وجلست في الشرفة لتقرأ.


وفى الاسفل كان أمجد يمازح حازم ويتشاكل مع ابنه ليقف هو الاخر ويقول: 

-بس كدا كفايا اوى تعبتوني معاكم يا شباب انا هسيبكم بقي كملوا سهرتكم براحتكم وأنا هروح اقعد فالصومعة بتاعتي مع حالي.


ثم وجه حديثه إلى أحمد وقال :

-وانت يا بني رتب مع حازم هنبدأ البرنامج ازاى، انا عاوز اخلي امل الفترة الجاية تنسي نفسها علشان نبدأ نشوف هتعمل ايه فدراستها يلا اسيبكم بقي سلام يا شباب .


غادرهم أمجد ليعتدل حازم فى جلسته ويقول لأحمد بجدية:

-خلاص ياعم ضحكنا وهزرنا وقلبنا ارجوزات للست الاميرة، ممكن بقي افهم ولا دى اسرار بس انا لاحظت يعني ان عمي امجد موافق اني اعرف الموضوع والا مكنش دخلني فالقصة من الاول.


اراد أحمد أن يساكس صديقه بعدما أحس بأن أهتمامه بأمل به شيء غريب فقال:

-ما تجيب من الأخر يا صاحبي وأعترف هي السنارة غمزت ولا ايه يا زومة اصلك يعني ملاحظها من مطار القاهرة للطيارة لهنا و.


قاطعه حازم وقال:

-تصدق إنك فعلا عيل رخم وأنا غلطان ان فضفضت معاك من الاول عموما اطمن لا فيها سنارة ولا غمزت وهي ولا حتي شافت، دا موقف ولاحظته وأنت عارفني معرفش اعدى حاجة من غير ما افهم دا الموضوع.


صمت حازم ووقف ليضيف مهدداً أحمد:

-ها هتتكلم ولا اقوم امشي و عمي امجد يبقي يفهمني .


صاح أحمد وهو يجذبه لجانبه مرة أخري:

-اقعد يا أخي ميبقاش دمك تقيل وبعدين تروح فين دا السهرة هتبقى فاوضتي صباحي زى زمان وبعدين أنت ايه يروحك تقعد لوحدك أقولك تعالى نظبط لنا كوبيتين شاى وأنا يا سيدي هاقعد ارسيك على القصة يمكن تفهم منها حاجة وتفهمني.


جذبه أحمد مرة اخري واحاط كتفيه بساعده متجها الي غرفته، جلس حازم بجانب احمد وهو متحفز ليسمعه يحكي عن أمل :

-بص يا سيدي من فترة صغيرة كدا حوالي أسبوع أو عشر أيام عمي محمد أتصل بينا وحكي ان أمل اتعرضت لازمة صحية جامدة جالها جلطة فالقلب ولما خرجت من العناية المركزة بقت زى ما انت شايف مش بتتكلم، عمي قال إن السبب فكل دا إنها فجأة كدا جالها أكتئاب ورفضت تكتب كتابها علي حب عمرها، وحط مليون خط احمر على حب عمرها دا لان اخوك بصراحة مش مقتنع بالسبب، أصل ازاى واحدة حبيبها اللي مربيها وحياتها كلها معاه من يوم ما اتولدت، متبقاش عاوزة تكمل حياتها معاه هنا اللغز واللي حله كله فدماغ أمل وبس.

 

تملك ضيق غريب من حازم وهو يستمع لحديث أحمد، لم ينل أعجابه أن يعلم بأن تلك الطفلة يمتلك قلبها شابٌ آخر، فحاول الإنصات الى أحمد بحياديه فسمعه يضيف:

-المهم هي خرجت من المستشفى ورجعت مطروح وبعدين قررت تيجي هنا وبصراحة انا موافقها على الخطوة دى جدا، لان بابا كان جايب لها منحة تفوق الماني بس عمي محمد هو اللي كان رافض فكرة سفرها، أه على فكرة هي فأعدادي هندسة بس مش عارف هي ناوية تكمل ايه هنا، لان بابا قال انها طلبت تغير الكلية رغم ان سمعت بردوا انها كانت دحيحة ورسمة علي اول الدفعة، دا يا سيدي عن اللي حصل لها أما بالنسبة لامل ذات نفسها، فهي طول عمرها لوحدها واخدة جنب كدا لا خروج ولا ضحك ولا اصحاب، معندهاش حد إلا واحدة بس عايشة معاهم اسمها إيمان، يعني امل بخلاصة الكلام عيلة كئيبة بمعني الكلمة  قافلة حياتها علي خالد.


كان أحمد يحكي عن أمل وعقل حازم يسجل كل حرف يسمعه لانه يحتاج لتحليل شخصية أمل ليفهم لما رغم الضحكات والمرح والجو الدافىء الذي اشعره وكأنه عاد لحياته القديمة، إلا أن عيناها رسخ فيها الحزن ونظرة غامضة لم يستطع تفسيرها.


انتبه حازم لصوت احمد يقول: 

-انت يابني بقى انا عمال احكى وانت ولا هنا، ماشي يا زومة بعد كدا مترجعش تسأل وتقول احكي لي علشان أنت لو اتنطنطت مش هعيد حاجة.


انهى أحمد قوله وقذف حازم بالوسادة ليردها له الأخير وهو يقول محذراً إياه:

-المرة الجاية هتبقى الفازة مش المخدة بطل رخامة يا جدع ويلا أنا عاوز أنام قولي بقى اوضتي موجودة زي ما هي ولا ابوك الحج اجرها لما سافرت مصر.


ضحك أحمد وقال :

-أنت عارف لو الحج سمعك بتقول عليه حج هيعلقك علي الشجرة برا زى زمان، عموما اوضك فمكانها يا خفيف وهي الاوضة اللي جانبي هاه اللي جاني مش فالدور اللي فوق .


تمتم حازم وهو يغادر غرفة أحمد:

- رخم بس صاحبي .


-------------------------------------------


وهناك فى القاهرة فى شقة خالد جلست ضحى وهى تعقد حاجبيها تحل بعض المسائل والحزن يسكن قلبها لسفر اختها ورحيلها عنها، وجلست بجانبها ايمان التي تكورت علي مقعدها تمسك كتابا لم تفهم منه حرف وعينيها معلقة على ساعة الحائط، تتساءل اين اختفي خالد طوال اليوم؟ ليزداد احساسها بالقلق عليه، لم تنتبه إيمان لسؤال ضحى إلا حين هزتها يد ضحى بقوة وهي تقول:

-ايه يا بنتي أنا بكلمك ليا ساعة وإنت سرحانة ومش هنا، المهم بقولك تفتكري البت أمل هتخف وترجع تاني ولا الدنيا ممكن تعجبها هناك وتفضل.


ألقت سؤالها وأشاحت بوجهها عن إيمان وأضافت بصوت خفيض :

-تصدقي إنها وحشتني من دلوقتي انا مش عارفة هعيش من غيرها ازاى .


ثم نظرت لايمان مرة أخري محدقة وقالت:

-وبعدين يا ندلة تعالي هنا هو انا مش قلت لك تيجي تسلمي عليها معانا ممكن اعرف أختفيتي وروحتي فين، الغريبةإن أمل لا سألت عليكي ولا على خالد اللي معرفش من وقتها راح فين هو كمان.


توقفت ضحى عن اكمال حديثها ونظرت بتمعن فى ملامح ايمان التي ارتسم عليها الحزن وامتلاءت عينيها بالدموع لتحدث نفسها قائلة:

-هى ايه الحكاية هي ليه من الليلة اياها والدنيا بقت غريبة بين التلاتة دا كأنهم بقوا اغراب عن بعض وميعرفوش بعض، ليه حسه ان الموضوع غير ما خالد حكي لي معقول يكون ضحك عليا، معقول يكون في حاجة حصلت زى ما خالتو نعمة لمحت.


هزت ضحى رأسها تعنف نفسها لاتجاة تفكيرها وتمتمت: 

-استغفر الله العظيم اعوذ بالله من الشيطان الرجيم ايه التفكير دا، دى تبقي كارثة لو فى حاجة بين خالد وايمان يا خبر.


اتسعت عينا ضحى وغلفتها صدمة أفكارها لتهمس:

-يا حبيبتي يا أمل دى تبقي خدت صدمة حياتها اللي تخليها تكرة الحب والرجالة والصحاب والدنيا بحالها، لا مستحيل معقول خالد وايمان يبيعوا امل، طب ازاى وامته، اومال تفسرى بايه حال ايمان اللي اتبدل هى كمان، دي معدتش بتاكل ولا بتشرب ولا بتنام وبقت تقضي طول اليوم برا ومش بتظهر الا فوقت النوم، وبتهرب اول ما النهار يطلع وعلى طول واقفة مع خالد وبعدين ما انا لازم افهم، بعدين فين خالد كل دا هو مش وراه امتحانات هو كمان زينا، يارب عقلي هيشت مني بسبب كل اللي حصل.


قطع تفكيرها صوت خالد وهو يهمس : 

-السلام عليكم يا بنات .


بمجرد أن سمعت ايمان صوته حتى وقفت مسرعة عن مقعدها ليلفها دوار جعلها تترنج بقوة، لتجري عليها ضحى وتصيح:

-ايمان مالك انتي كمان يا ربي .


اتجه خالد اليها كأنه مبرمج على الحركة لم يكن يشعر بوجودهم بجانبه ليسند ايمان مع ضحى ويمددها فوق الفراش الموجود بالغرفة وتحرك بجمود الى غرفته ليأتي بزجاجة عطره التي اخدتها منه ضحى لتنثره امام انف ايمان، لتفيق وهى تشعر بالاجهاد لتهمس وتقول:

-معلش أنا أسفة قمت فجأة و ..


لم تدعها ضحى تكمل لتقول :

-هششش بطلي بطلي انتي اصلا مش شايفة نفسك خسيتي ازاى وبقت حالتك حالة يلا بينا نطلع وكفايا مذاكرة وخلينا نسيب خالد يريح وانتي كمان تاكلي حاجة وتنامي.


--------------------------------------------

الفصل العاشر ..ارتباك. 

-----------------------------

 

أتى الصباح بإشراقة هادئة، استيقظت أمل حين سقط على وجهها ضوء الشمس، أعتدلت بتكاسل ومررت يدها فوق وجهها، وحين أبعدت يدها تطلعت حولها بحيرة، ابتسمت ببلاهة بعدما ذكرت نفسها بأنها بمنزل خالها، حينها سمعت صوت طرقات رافقها صوت خالها يناديها بصوتٍ مرح ويقول:

-أمولتي أصحي يا كسلانة وإلا هدخل أصحيكي زي ما صحيت الشباب تحت، يلا أدامك دقيقة وهعد بعدها وهتلاقيني فوق راسك. 


ابتسمت وغادرت فراشها، وأتجهت إلى باب غرفتها وفتحته وهي تبتسم لخالها، واشارت له بيدها رقم خمسة، ليدرك أمجد بأنها تطلب منه أن يمهلها خمس دقائق لتعد نفسها للنزول، فقال وهو يبتسم:

-الظاهر أن أنا لازم أتعلم لك لغة الاشارة، ولا اقولك الأسهل أني أشوفلك دكتور أحسن علشان يتابع موضوع الكلام دا، ما هو مش معقول القمر بتاعي دا يفضل حارمني من سماع صوته، ولا أنتِ صوتك وحش وخايفة علينا منه.

 

لاحظ أمجد تجهم وجهها فتصنع بأنه لم يرى عبوسها، فالتفت أمل لتخفي عنه عبوسها، وزفرت بحزن لتذكرها خالد وما حدث منه، فعجزت عن تمالك دموعها، ادارها أمجد لتواجهه فمد أنامله وكفكف دموها وقال:

-ممكن أعرف أنتِ دلوقتي بتعيطي ليه، هو مش إحنا أتفقنا أننا مش هنفكر فأي حاجة تزعلنا، عموماً أنا هعمل نفسي مشوفتش الدموع دي، وهسيبك تجهزي وتنزلي بسرعة علشان الشباب تحت ممكن يعمل عليا أنا وأنتِ ثورة، لإني منعتهم إنهم يفطروا وقولت لهم أني عازمهم على الفطار برا، فيلا كدا خلصي بسرعة وحصليني علشان نلحق ميعاد الفطار فالمطعم وإلا لو الساعة عدت عشرة، هيقفل ويضيع علينا الفطار، ووقتها مضمنش الوحوش اللي تحت دي ممكن تعمل ايه فيكي، خصوصا إن أحمد كبر دماغه من الشغل وأخد أجازة بالقوة، ودا ابني وعارف طبعه هيتغابى لما ميكلش وهيدفعك حق اليومين اللي هيتخصموا من مرتبه بسبب الأجازة.


عادت ابتسامتها إليها وهي تومأ له، فربت أمجد على وجنتها وقال:

-متتأخريش بقى يا قلب خالك وأنا هنزل أشغلهم فأي حاجة على ما تنزلي.


اسرعت أمل واخرجت ثيابها من حقيبتها، وولجت إلى المحاض واغسلت وتوضأت ثم أرتدت ثيابها وغادرته، وأفترشت سجادة صلاتها وأدت فرضها، غادرت أمل غرفتها وهي تبتسم فرائحة الهواء حملت رائحة الزهور البرية التي ملأت حديقة خالها، وما أن وطئت بقدميها أعلى السلم حتى توقفت لسماعها أسمها يتردد بالأسفل، ليتضح لها صوت حازم يقول:

-يا عم أطلع شوف بنت عمتك أتأخرت كدا ليه، لتكون مفكرة حالها لسه فمصر، ما تطلع يا أحمد بدل ما اليوم يضيع فنومة أهل الكهف اللي هي نيماها دي، أنا مش عارف أنت مالك خايف كدا منها، وعلى فكرة أنا بردوا مش مقتنع باللي قولته عنها، أصل أنت لو كنت شوفتها فالمطار مش هتقول عنها أبداً إنها غلبانة ومنطوية، دي يا ابني واخدة قلم فنفسها و. 


قطع حديث حازم سعال أحمد الحاد، ولم ينتبه لوجود أمل خلفه، فأستدار حين قرأ عينيا أحمد ورآها تقف عابسة الوجه فرمقها بنظرات إستعلاء ولم يهتم لسماعها كلماته فقال موجهاً حديثه لها:

-إيه مش تعملي صوت وأنتِ نازلة علشان الواحد ياخد باله. 


ليزيد حازم من إستفزازه لها وأضاف:

-ها هتفضلي واقفة متنحة كدا كتير، ما تتحركي بدل ما نتأخر على الفطار.


ختم حازم قوله بأستدارته عنها وأشارته لصديقه وقوله:

-يلا إحنا يا أحمد على ما بنت عمتك تفكر مع نفسها، إن كانت هتتحرك وتيجي معانا ولا هتفضل هنا لوحدها.


رمقته أمل بنظرات نارية وزفرت بحنق واسرعت بخطاها وأعترضت طريقهم وهي تفتح صفحة الرسائل بهاتفها وكتبت بعض الكلمات ومدت يدها بهاتفها إلى أحمد، فأخذه منها وقرأ  كلماتها التي دونتها:

-قول لصاحبك إن دمه تقيل وسمج، وبلغة عن لساني أنه ياريت يبعد عني وقوله أنه مالوش دعوة إن كنت واخدة قلم فنفسي ولا حتى أقلام، أنا مش مطلوب مني أتصرف بالشكل اللي يعجب حضرته، وعرفه إني شيفاه إنسان حشري ومعندوش زوق، علشان هو من أول ما شافني فالطيارة وهو مبطلش يدخل فاللي مالوش فيه ومبطلش كلام، وعموماً أنا مش هخرج فمكان هيبقى الكائن دا موجود فيه، فأخرجوا أنتم علشان اليوم ميبوظش والفطار يفوتكم بسبب نومة أهل الكهف اللي كنت نيماها.


تركته أمل وأتجهت صوب حوض الزهور، ووقف حازم يتابع خطواتها، ليعود بعينيه إلى صديقه يتسأل عما كتبته، ليبتسم أحمد ويقول:

 -بلاش اقولك كتبت لك إيه يا بطل.


أختطف حازم الهاتف من يد أحمد وقرأ ما كتبته أمل، ليتبعها وقد أثارت كلماتها حفيظته وتوقف أمامها وقال:

-بقى أنا حشري ومعنديش ذوق يا ملكة الذوق، طيب أحب أقولك إن أنتِ أصلاً اللي معندكيش ذوق، ولا أنتِ مشفتيش نفسك فالطيارة كنتِ عاملة ازاى، بعدين أنا مش كائن أنا يا أنسة أمل أبقى المهندس حازم اللي الكل بيعمل لي ألف حساب، ولعلمك أنا بقى اللي مش عاوز أكون معاكي فأي مكان، عارفة ليه علشان أنتِ مغرورة وباين عليكي تافهة ومدلعة و.


توقف حازم عن اكمال كلماته التي فلتت منه بعصبية، حين ترقرقت عيناها بالدموع، فزفر بحده وشد شعره وقال بحدة:

-بطلي عياط بطلي علشان أنتِ اللي خرجتيني عن وعي، يعني تنرفزيني وبعدين تعيطي، اوف بطلي بقي دا أنتِ طلعتي نكدية زي كل مصرية أصيلة .


وقف أحمد يتابعهم من مكانه، وما أن أدرك أن صديقه تسبب في بكاء أمل، حتى أتجه صوبهم وقال:

-أنا بطالب بوقت مستقطع، لإن واضح كدا إن في حد عك فالكلام وخلى الجميل يعيط.


رفع حازم حاجبه بعدم رضى لمغازلة أحمد لأمل أمامه، حينها وكزه أحمد وقال:

-أنت هببت إيه يا زومة، أنت عايز عمك أمجد يشوف لؤلؤ عيناها، يا ابني أنت متعرفش إن أبويا عنده إستعداد يتبرى مني ومنك وممكن يرجعنا سوا لو عرف إن حد فينا زعلها. 


كاد حازم يلكمه لإستمراره بمغزلتها وتعجب من إحساسه بالغيرة عليها، فضغط على فكه بقوة، حين وضع أحمد ساعده على كتف أمل، وسمعه يخبرها وهو يبتعد بها عنه:

-خلاص بقى يا أمولتي متزعليش، وبعدين أنا مش عايزك تاخدي على كلام الواد حازم، أصله هو كدا مدب فالكلام، بس عارفة هو والله قلبه طيبه وميقصدش يزعلك، طيب بصي قوليلي هو قالك إيه زعلك وأنا هجيب لك حقك منه، بس أنتِ متعيطيش، علشان خالك لو شافك كدا ممكن يعمل معانا الجلاشة، وأنتِ ميرضكيش إن أحمد حبيبك يتبهدل على إيد خالك ودا مبيرحمش.


كفكفت أمل دموعها وابتسمت لكلمات أحمد، والتفتت إلى حازم ومدت يدها إليه، فأقترب منها وقال:

-إيه عيزاني أمسك إيدك.


قطبت وأشارت إلى هاتفها ليعده إليها، فمد يده به إليها بحرج، وهمهم:

-أه عايزة موبايلك طيب مش تقولي أتفضلي يا ستي.


أخذت هاتفها منه وخفضت عينيها أرضاً، فلمحت خرطوم الري أسفل قدمه، فرفعت عينيها ونظرت إليه مبتسمه وخطت بإتجاهه فجأة، فما كان من حازم إلا أن تراجع للخلف بإرتباك، لتشتبك قدمه بالخرطوم فسقط أرضاً، فأنفجرت حينها أمل ضاحكة وأشارت له بإصبعيها بعلامة النصر، وهرولت بعيداً بأتجاه خالها الذي ظهر أمام الباب، وتأبطت ساعده وغادرته برفقته، ليعلو صوت ضحكات أحمد وصوته وهو يمازح حازم قائلاً:

-لم لم اللي وقع منك يا هندسة، دا البت أمل طلعت سوسة ومش ساهلة، وهي اللي عملت معاك الجلاشة.


وقف حازم ونفض الغبار عن حُلته، والتفت محدقاً بها فهمس بغيظ قائلاً:

-وماله يعني هي هتروح مني فين، تتحمل بقى اللي هيحصل لها طالما هي اللي بدأت.


والتفت إلى أحمد الذي لم يتوقف عن الضحك ولكمه بقوة وقال:

-بقى واقف تضحك، ماشي يا أحمد خليك فاكر إنك طلعت صاحب ندل.


اجابه أحمد وهو يسير بجانبه:

-معلش يا صاحبي أعذرني مقدرتش أمسك نفسي، بس عارف شكلك إنت وأمل عامل زي توم وجيرى.


----------------------------------------


تبدلت نعم هي تشعر بذلك، فقد عادت لتبتسم، ولكنها للآن لم تستطع نسيان أمرهما، فأقل الكلمات حين تسمعها ولو صدفة، تعيدها إلى ذاك اليوم وتذكرها بمواقف كانت تحدث بيهم، وعلى الرغم من محاولات أمجد الدأوب لأخراجها من دوامة تفكيرها، لازالكت تعذبها الذكرى فما جمعهم لم يكن أبداً بالشيء الهين، لم تستطع أمل أنكار مجهود خالها الذي من أجلها، فهو ومنذ اليوم التالي لوصولها لم يتوقف عن مفاجأتها، بدئاً ببرنامجه السياحي المكثف الذي أعده خصيصاً من أجلها، لقد جال برفقتها كل مكان في مدينة هامبورغ، لم يترك معرض إلا وجعلها تجلس بالساعات أمام لوحاته، وألتقط لها المئات من الصور بكافة الأماكن السياحية.

وكما أهتم بأمر الرحلات، وضعها أمام تحديها الأول، فأخذها إلى أحد المراكز العلمية، وحثها على تعلم اللغة الألمانية بأتقان، فاصطدمت بصعوبة الواقع الجديد الذي فرض نفسه على حياتها، بسبب عدم قدرتها على تبادل الأحاديث كما يجب عليها أن تفعل، وتنمر البعض عليها، كادت تعود إلى نقطة الصفر من جديد، لولا متابعة أمجد لها وحرصة على تذليل أي عقبة تقف أمامها، وحثها على المثابرة وفعها للأستمرار، زاد من ثقتها بأنها تستطيع النجاح بتلك الخطوة، فأثبتت للجميع بأنها جديرة بأن تكون على نفس القدر من الأحترافية مثلهم، ولكن وقفت عقبة وحيدة أمام أمجد، لم يستطع تجاوزها مع أمل، حين أتي أمجد على ذكر حالتها الصحية، تهرب منه، وحين حاصرها رفضت بصرامة الذهاب للمشفى لتخضع للفحص، ليقف رفضها حجر عثر في صفو معظم أحاديثها مع خالها.


ووسط أنغمسها بتلك الحياة الجديدة، كانت أمل تحاول تجنب حازم على قدر المستطاع، فبدت علاقتها معه تتخذ منحنى غريب، يسوده حالة من الشد والجذب، فحازم دوماً ما ينجح بإخراجها عن هدوئها، فتثور بغضب وتندفع لتندهش من تغيرها، فهي في كل تعاملاتها السابقة كانت تلتزم بحدود المقبول والمرفوض، لم تعتد أبداً حدودها في الحوار مع أياً كان، ولكن ما أثار مخاوفها أكثر هو تعامله معها في بعض الأحيان لطف، ليشعرها بأنه الشقيق الذي لطالما تمنت وجوده، ليصدمها عدم تقبلها لتلك الصفة التي حاول أن يلون علاقته معها بها.

وقبيل نهاية الشهر الثاني لوجودها بهامبروغ، كانت أمل قد أخذت قرارها بمتابعة دراستها، ولكنها لم تشأ أن تكملها بكلية الهندسة، دونت ما تريد بهاتفها وأرسلت رسالتها إلى خالها، الذي جلس يترقب ما تكتبه، وما أن أستقبل رسالتها وبدأ بقرأتها حتى عقد حاجبيه، فحدق بوجه أمل بصدمة وعاد ليردد كلماتها بصوتٍ هامس:

-خالو أنا مش عايزة أكمل فكلية الهندسة، فلو ينفع إني أقدم ورقي فكلية التربية يبقى كدا تمام.


أبعد عينيه عن هاتفه وأشار إلى رسالتها، لتعلن ملامحه رفضه التام، لما تريد أن تفعله وعقب قائلاً:

-يعني إيه عايزة تسيبي هندسة وتروحي تربية، بقى بذمتك في حد عاقل يسيب هندسة وينقل تربية، يا بنتي أنتِ ناوية على جناني، ولا أنتِ بتعاندي فنفسك وخلاص.


زفرت أمل بعجز إزاء رفض خالها لطلبها فكتب له: 

-أرجوك حاول تفهمني يا خالو، انا مش حابة اكمل فهندسة، الكلية دى مبقتش حساها ولا حاسة إني هلاقي نفسي فيها، وبعدين انا حالياً عايزة دراسة خفيفة، اخلصها بسرعة وتبقي شهادة وخلاص.


ودت لو تصرخ بما يدور بداخلها من صراع، وتخبره بأنها كرهت دراستها للهندسة لإنها تذكرها بما تريد نسيانه، فكتبت بيأس متوسلة إياه: 

-ارجوك يا خالو بلاش تضغط عليا، ووافقني على اللي أنا عيزاه.


هز أمجد رأسه بيأس فهو يرفض تشبثها برأيها، ويريدها أن تعيد التفكير بأمر دراستها، ولكنه بنفس الوقت لا يريد أن يزيد الضغط عليها فقال:

- خلاص يا أمل طالما أنتِ شايفة كدا، أنا مش هقدر أجبرك على حاجة أنتِ رفضاها، وعموما دا مستقبلك وأنتِ حرة فيه، أنتِ خلاص معدتيش طفلة هنقرر لك حياتك تمشي إزاي، ولو كنت بجادل معاكي، فدا بس علشان انا صعبان عليا التفوق اللي أنتِ فيه، دا غير إن كان هيبقى لك مجال شغل كويس هنا، بس مافيش بايدى حاجة غير ان انفذ لك طلبك، عموما اللي هيقدر يساعدك فالموضوع دا هو حازم، أصله عنده اصدقاء كتير يتمنوا يخدموه، فمتغليش تفكيرك بحاجة أنا هكلمه و هقوله هيتصرف .


ودت لم تم الأمر دون الأستعانة بحازم، فهي لا تريد أن تتعامل معه فكتبت: 

-هو يعني مافيش طريق تاني للتقديم إلا بمساعدة حازم يا خالو، حضرتك عارف إنه كل ما يشوفني يعمل تصرفات يضايقني بيها، واخر مرة حضرتك كنت معانا لمجرد ان كنت بكلم ضحى، فضل يديني محاضرة عن احترام المجلس واللي قعدين، وعيب ابقى قاعدة مع ناس وانشغل بحاجة تانية، بصراحة أنا بحسه بيتعمد يحرجني بدون سبب، وأنا لحد دلوقتي مش عارفة انا عملت له ايه .


رمقها أمجد بنظرات متعجبه، لينفجر ضاحكاً بسخرية، أمام تصنعها السذاجة والطيبة، وتنصلها من محاولاتها العديدة لأستفزاز حازم المستمرة، ليتوقف عن الضحك ويقول:

-بصراحة أقنعتيني أنك طيبة وبريئة يا أمل، وإنك مش بتعملي فيه أي حاجة خالص، يعني لا زودتي له السكر فقهوته، ولا حطيتي له شطة وفلفل حامي فالاكل اللي بياكله، يا مفترية دا الواد عنده القولون، وأنتِ هتجيبله السكر والضغط بيعمايلك فيه، والله أنا من كتر ما بشوف اللي بتعملوه فبعض من مقالب، شكيت إنكم مولودين فوق روس بعض.


ابتسمت أمل وشردت في كلمات أمجد لتحادث نفسها وتقول:

-دا خالو معاه حق صحيح ايه اللي انا بعمله فيه، وليه بتصرف بتلقائية كدا لما بشوفه كأني اعرفه من زمان.


هزت رأسها تنهر حالها عن التفكير فيه لتعنف نفسها قائلة: 

-اعرفه ايه وافكر فيه ايه، فوقي يا أمل متنسيش أنتِ هربتي من حياتك كلها علشان خاطر مين، وبعدين أنتِ مش حرة نفسك ولسه لحد دلوقتي مكتوب كتابك، يعني مينفعش أبداً إنك تتساهلي وتدخلي حد فحياتك، حتي ولو بأعتباره صديق، لا طبعاً مينفعش بصي أنتِ لازم تبقي أمل تانية، اديكي شايفة الحياة هنا مش سهلة، وعلشان توصلي لازم تتعبي ولا أنتِ مش عايزة تحققي لنفسك مكانة غير اللي كنتي فيها فمصر، بصي أنتِ لازم بطلي تمشي ورا السراب، علشان كلهم واحد فالاخر إن كان اللي علمك إزاي تعيشي الحياة ووثقتي فيه خلاكي كنتي عوزة تموتي، اومال دا اللي يا دوب لسه عرفاه هتثقي فيه ازاى، صحيح خالو وأحمد بيشكروا فيه ومنكرش إنه غريب بدرجة قريبة، بس لأ لأ يا أمل أنتِ لازم تفوقي لنفسك وتقفلي حياتك كويس عليكي أنتِ وبس وتخلي الطرف التاني براها .


لاحظ أمجد شرودها وتبدل ملامحها، فهزها بلطف ليعيد إنتباهها إليه وسألها:

-ايه يا أمل أنتِ روحتي لفين، معقول تكوني سرحتي فاللي فمصر، أنا عارف أنهم أكيد وحشوكي، وخصوصا الجو اللي يادوب كتب الكتاب وأتحرم منك.


توقف أمجد عن حديثه بتعمد، فأمل لم تأت على ذكر خالد ولو لمرة منذ أستقرت معه، ولم تتبادل مع الرسالة كما فعلت مع شقيقتها ووالديها، فسألها متعمداً وبجدية:

-إلا صحيح يا أمل أنا لاحظت إنك متصلتيش بخالد ولا أتكلمتي معاه، زي ما بتكلمي ضحى وبتراسلي ثريا ومحمد هي إيه الحكاية، هو أنتِ زعلانة منه فحاجة ومش عايزة تقولي.


أغمضت أمل عيناها فها هي التساؤلات التي تمنت إلا تسمعها، تلوح في الأفق ولكنها لن تجيب عنها، فكتبت له لتتهرب من الحديث معه: 

-معلش يا خالو انا حسه اني تعبانة عن اذنك هطلع اريح شوية، وخلينا نأجل كلامنا لوقت تاني.


ابتسم امجد إزاء ردة فعلها التي توقعها منها، وأدرك أن ظنون والدها محمد بأن أمل تخفي أمراً ما عن الجميع في محله، فها هي تصعد إلى الأعلى منكسة الرأس، لتؤكد له بأنها تحمل ألما كبيرا بداخها و تخفيه عن الجميع .


باليوم التالي أخبر أمجد من حازم بنوايا أمل بتغيير جامعتها، وسأله مساعدتها والذهاب برفقتها إلى الجامعة، ليرتب لها أمر إلحاقها بكلية التربية.


حدق حازم بساعة يده بضيق، فهو ينتظرها منذ أكثر من نصف ساعة، تبدل ضيقه لعصبيه، ليقنه بأنها تعمدت تأخرها، وما أن رآها تسير صوبه بتمهل حتى تعاظم غضبه وصاح:

-ايه يا ماما كل دا تأخير، هو أنا بس عايز أعرف إنتِ ليه بتتعاملي مع الحياة هنا، زي ما أنتِ كنتِ عيشاها فمصر، يا أستاذة الوقت هنا له أهمية كبيرة، ومفروض سيادتك تتعلمي تحترمي مواعيدك دي، لإن كل دقيقة مهمة وممكن تخسرك كتير لما تتأخري.


زمت شفتيها بضجر ورمقته بنظرات أكثر ضجراً، فهو تعلم أنها تأخرت بل هي تعمدت أن تتأخر ليسأم و يغادر دونها، فهي منذ البداية لم تشأ بمرافقته، تعمدت أمل الجلوس بالمقعد الخلفي لسيارته وأشارت إليه ليجلس بمقعده، ود حازم لو يحطم رأسها اليابس فوقف يطالعها وهو يحاول ما يجول بخلده، ليخبرها بصوتٍ مكظوم:

-استغفر الله العظيم واضح أننا هنبتديها من أول اليوم، هو أنا بس عايز اعرف هو أنتِ في حد مسلطك عليا، وقالك إن أنا سواق الهانم، عموما أحسن خليكي ورا علشان أنا مش حابب اشوفك اصلا، ودلوقتي اتفضلي اربطى الحزام علشان نقدر نمشي، علشان أنا مش هقبل أني أخد مخالفة بسببك.


انطلق حازم بسيارته وبعد مرور قليل من الوقت سألها:

-تحبي تسمعى موسيقى ولا هتشرفيني بالصمت والهدوء .


هزت أمل كتفيها بأن الأمر لا يعنيها، ونظرت من شباك السيارة فزفر حازم يتمتم: 

-وماله خليني اسمع أنا موسيقى احسن بدل ما اخنقها ولا ارتكب فيها جناية ارحمني يارب.


صف سيارته وأشار إليها لتغادر وما أنا تطلعت أمل حولها حتى وقفت مبهورة بشكل الجامعة ومبانيها، وتبعت خطوات حازم وهي تلتف حول نفسها ولم تنتبه إلى أين تسير حتى اصطدمت بجسد حازم لتوقفه المفاجيء، استدار حازم حينها وتطلع إليها ساخراً وقال متهكماً منها:

-طيب الصوت اللي فأجازة دا وقولنا الحمد لله ربنا رحيم بينا ومش رايد لنا نسمع صوتك اللي ممكن يكون صدمة لينا، إنما ايه بالنسبة للعنين معقول هي كمان فيها مشكلة ولا ايه الموضوع معاكي بالظبط، ممكن بقى تاخدي بالك وتفتحي يا هانم وأنتِ ماشية وتبصي ادامك.


صفعتها كلماته وأحسته يتنمر عليها ودت لو تقفذه بما يؤلمه ولكنها أكتفت بأن زفرت بقوة معبرة عن غضبها وسخطها لأسلوبه الغير متحضر بالحديث معها وضربت الأرض بقدميها أحتجاجاً على تطاوله بالحديث وتناست أمل أنها لا تملك صوت فحركت شفتيها بصياح أبكم:

-أنت قليل الذوق ومعندكش لا أحساس ولا قلب، أنت أنت أكتر إنسان مستفز أنا شوفته فحياتي. 


رفع حازم حاجبه باستخفاف و قال:

-علي فكرة أنا بعرف أقرا الشفايف كويس يا أمل فحذاري تتخطي حدودك معايا بالكلام تاني، وياريت بلاش تدوسي فدلعك الماسخ علشان أنتِ متعرفيش لو الوش التاني ظهر ممكن يعمل معاكي ايه، علشان أنتِ حسابك تقل معايا وأنا مش مجبور أساعدك ودي هعتبرها أخر مرة تتجاوزي حدودك معايا بأي تصرف وخلي بالك لو حصل وبصيتي لي بصة معجبتنيش صدقيني وقتها هزعلك بجد .


احست أمل بالاحراج الشديد بسبب تعنيفه لها فخفضت عينيها تخفي تألمها عنه، أستدار ليوليها ظهره من جديد وأشار إليها لتتبعه وسمعته وهو يهمهم مع نفسه بكلمات لم تتبين معناها حتى توقف أمام أحد الأبواب وطرقه وحين أتى الأذن لهم بالدخول، ولج حازم وخلفه أمل بهدوء، 


تابعت أمل ما يحدث بين حازم ورئيس الجامعة، فهو تحول إلى رجل أخر لم تره من قبل، جلست مبهورة بأسلوب حديثه المنمق السلس ونظرات الاحترام المتبادلة بينه وبين رئيس الجامعة، ليقف رئيس الجامعة ويلتف حول مكتبه مادا يده إلى حازم وشد عليه وهو يبتسم، لتفهم أمل أنه تم قبولها في الجامعة بفضل حازم ليزداد احساسها بالاحراج منه .


بعدما انتهت المقابلة وغادروا مكتب رئيس الجامعة أوقفها حازم ونظر إليها محرجاً وقال:

-أمل أنا آسف معلش كلمتك بطريقة بايخة ممكن متزعليش مني، بصي أنا لاحظت أنك معجبة بالمباني بتاعت الجامعة علشان كدا هاخدك فجولة تتفرجي على المباني براحتك وأعتبرها عربون أعتذار مني ها موافقة.

ابتسم لها ومد يده يصافحها ولكنها لم تمد يدها، ووقفت تنظر له مستغربة تحوله معها فحركت شفتيها بالاعتذار منه أيضا، ازداد حرجه لعدم مصافحتها له فتغضن جبينه وأخبرها: 

-تصدقي إن دي هتبقى أخر مرة أمد لك ايدي، يلا اتفضلي أدامي علشان نخلص الجولة.


----------------------------


في القاهرة كان الحال يتجه من سىء إلى اسوأ، فبعدما انتهت فترة الامتحانات فاجأت ضحى ونعمة برغبتها في السفر إلى مطروح لزيارة والدتها، لتغادرهم دون أي توضيح أكثر وسط دهشة ضحى ونعمة، فقالت نعمة بعدما اختفت إيمان من امامهم وكأنها لم تكون موجودة: 

-اقطع دراعي إن البت دي وراها مصيبة، وهي ولا هتلاقيها راحة لامها ولا نيلة، بصي أنا هتصل بثريا واخليها تشوف الموضوع دا إيه، أيوة أصل أنا مش ناقصة وجع دماغ، طالما انتم مش مصدقين احساسي اللي عمره ما خاب أبداً ودايما بيكون صح.


وقفت ضحى تستمع لخالتها وقد أثارت الكلمات ظنونها، فأخذت تفكر بريبة فهي تعلم أن ايمان لم ترى والدتها منذ اعوام فلما فجأة خرجت منها هذه الرغبة .


أما ايمان فتبعت مخطط خالد بعدما أخبرها بأنه أتم نقل أوارقها بالكامل إلى جامعة الأسكندرية، وأنه أستأجر لهما شقة بجوار الجامعة ليسهل عليها الأنتقال في يسر، ورغم سعادتها لأبتعادها عن عينا نعمة وضحى إلا أن حزنها ازداد بداخلها فالحياة بينهما اصابها الركود والجمود، فأصبحت معاملته معها جافة احيانا كان يطلق لغضبه العنان ويحاسبها هي على كل ما حدث، خاصة بعدما اصبحت إيمان تذكره بشده بمدى خسارته، أما داخل قلب إيمان فكانت تراه يتابعها بعيون حبه لأمل، فأدركت بأنه يراها بدلاً منها رغم كل ما تبذله من مجهود معه ومحاولاتها الدؤب لإسعاده وتعويضه عن خسارته، لكنه لم يغفر لنفسه أو لها لحظة الضعف التي أوصلته ليتمم زواجه منها رسمياً، فباتت إيمان الحمل الثقيل الذي يحمله فوق أكتافه، وزاد ألمه رؤيته لوهنها بسبب حملها الذي زاد تعبه وثقله عليها يوماً بعد يوم، ليزيد شعور الاسف بداخله لتحميله اياها عاقبة الامر. 

كل هذا لم يكن شيئاً إزاء ندمه لتهربه الدائم من محادثة والد أمل فهو يعلم علم اليقين، أنه يريد أن يستفسر عن كل شيء.


توقفت إيمان عن ترتيب غرفته ونظرت لخالد الذي جلس منكـس رأسه كعادته شاردا عنها واقتربت منه وقالت:

-مش تريح لك شوية يا خالد أنت منمتش من امبارح. 


تنـهـد وهو يتطلع إليها وإلى ملامحها الشاحبة وقال:

-دلوقتى اقوم أنام يا إيمان المهم طمنيني عليكي أنتِ حاسه بايه دلوقتي.


رأت أن عليها أن تخبره بما تمر به من ألم لعله يزيد من أهتمامه بها وقالت: 

-بصراحة ابنك تاعبني معاه و بقيت بحس بدوخة دايما مع أقل مجهود.


غادر خالد مكانه وجذبها لتجلس وقال: 

-دا علشان سيادتك مش بتاخدى بالك من نفسك ومن أكلك، أنا قولت لك سيبى البيت واهتمى بحالك بس مافيش فايدة معاكي.


أحتضن كفيها معاً وأضاف بخوف:

-يا إيمان مينفعش تعاندي مع نفسك وتحمليها أكتر من طاقتها، وبعدين أنتِ لازم تخافي على نفسك وعلى ابننا أكتر من كدا، لو سامحتي اسمعي كلامي لو بتحبيني وأهتمي شوية بصحتك.


سحبت يدها منه ولمست بأصابعها وجهه وهمست: 

-لو بحبك يااه يا خالد دا أنا بحب التراب اللي أنت بتمشي عليه، ربنا يخليك ليا يا خالد واقدر اثبت لك حبى دا واوصله لقلبك.


انتبه خالد لمجرا الحديث بينهما فهز رأسه وقال هربا من حديثها: 

-تمام أنا بقى هسيبك تريحي دلوقتي وهقوم أحضرلك حاجة تكليها.


اسعدها أهتمامه بها فابتسمت قائلة: 

-بس أنا مش حابة اتعبك معايا يا خالد، يا حبيبي كفايا عليك سفرك كل يوم رايح جاى من هنا للقاهرة ومطروح علشان تتابع دارستك وشغلك  .


ربت فوق وجنتها وأجابها وهو يعتدل بوقفته أمامها:

-طب ما أنا تاعبك معايا بصي ريحي أنتِ بس وملكيش دعوة. 


تركها واتجه إلى المطبخ ينتـهـد بحزن ويقول:

-ياترى الدنيا وخداك على فين يا خالد، ااه وحشتني وفراقها ليا صعب مكنتش متخيل إن الدنيا وحشة بالشكل دا وهي مش جانبي ومعايا، حتى صوتها بقيت محروم منه واللي زاد حرماني تعندت ضحى معايا ورفضها إنها تديني رقم أمل الدولي، أنا لحد دلوقتي مش فاهم هي ليه مش عايزة تديني الرقم معقول تكون أمل قالت لها حاجة، لأ مش معقول دا مش طبع أمل، وكمان لو كانت ضحى عرفت حاجة مكنتش سكتت، مافيش أدامي غير أني أخلي إيهاب يجيبه منها من غير ما تعرف.


----------------------------------


بعد أن انهي حازم جولته مع أمل وقف يستند إلى مقدمه سيارته وأشار إلى إحدى النوافذ وقال:

-شايفة الشباك اللي هناك دا، أهو دا كان المكتب اللي بقعد فيه يااه تخيلي أنا ليا كتير مفتقد الدراسة والتدريس .


حدقت فيه أمل بأستغراب و اخرجت كتيبها و كتبت: 

-ايه يا عم مكتب وتدريس مرة واحدة، ليه أنت عندك كام سنة علشان تقول انك كنت بتدرس هنا .


ضحك حازم لسذاجتها وقال: 

-تصدقي انك فعلا جاهلة هو أنتِ فاكرة إن دا تعليم مصر، يا بنتي هنا ممكن تبقي دكتورة وعندك عشرين سنة وأنا هنا من زمان وبعدين علشان بس ميبقاش متفكريش فسني، أنا هرضي فضولك أنا عندى 38 سنة وكنت بدي محاضرات هنا في هندسة.


قطع عليه اكمال حديثه سماعة لصياح ينادي بأسمه استدار كلاهما للصوت، لترى أمل شابة فاتنة تجري باتجاه حازم وصلت اليهم وضمت حازم بقوة وقبلته، حدقت أمل فيها وثار غضبها بسبب تلك الجرئية التي اقتحمت حديثهما، فوقت تراقبهم وهي تغلي عقدت ذراعيها ورفعت حاجبها محدقه بهما ولاحظت أنهما تناسا وجودها، وتعجبت لامر حازم فهو لم يرفع يده يبادلها الاحتضان فابتعدت الفتاة أخيراً وقالت:

-شو حبيب قلبي زومتى أنا ما صدقت عيوني من وقت ما لمحتك، عن جد اشتقتلك كتير حبيبي وينك كل هاد الوقت .


ابتسم حازم واتسعت ابتسامته حين لاحظ بطرف عينه ملامح الغضب أعتلت وجه أمل فقرر أن يزيد من غضبها فمد يده ولمس يد الفتاة  وقال: 

-وأنا اشتقت ليكي يا مادى وحقيقي وحشتيني، معلش حبيبتي انشغلت فالشركة وسفري للقاهرة، بس عمرى ما نسيتك حد يقدر ينسي الناس اللي ساكنه قلبه .


احتضنته مادى مرة آخرى فسمع تنهيدة أمل الغاضبة القوية ليحيط مادي بذراعه ونظر لامل وقال: 

-مادي احب أعرفك بالانسة أمل قريبة أحمد أمجد أنتِ عرفاه طبعا، ودى يا أمل البيست فريند ليا مادلين شهيب دكتورة هنا فالجامعة .


بادلتها أمل التحية بهزة رأس فاترة لتمسك كتيبها ودونت لحازم: 

-طيب مش يلا ولا جو الترحاب لسه فاضل عليه كتير أصل أنا تعبت وعاوزة اروح .


ضحك حازم واهمل كتابة أمل ليسئل مادي: 

-تحبي اوصلك فالطريق مادي ولا لسه وراكي محاضرات .


ضحكت مادي بشدة وهي تلتصق بحازم الذي ولاول مرة يرحب بتقاربها الشديد منه لتنظر لأمل وتقول:

-ولو حبيبي حتى ولو ما خلصت كله يهون لعيونك.


استدار حازم ليفتح الباب الامامي ودعى مادي للجلوس بجانبه وقال بأهمال:

-يلا اركبي يا أمل علشان اروحك أصل أنا افتكرت إن عندي مشوار ضروري هعمله مع مادي، ومعلش هتقل عليكي أبقي بلغي عمي أمجد اعتذاري اني مش هقدر أقضي باقي اليوم معاه .


قطعت أمل ورقة من كتيبها و كتبت له: 

-ابقي بلغه بنفسك على ما أظن إن عندك لسان تعرف تتكلم بيه.


قاد سيارته وواصل حديثه مع مادي متجنباً حتى النظر إلى أمل ولكنه أيقن أنها وصلت إلى حد الأنفجار وما أن صف سيارته حتى غادرتها أمل و صفقت بابها بقوة وسارعت بخطواتها إلى الداخل دون أن تلتفت إليه، صعدت أمل إلى غرفتها وقد أجتاحها الغضب والحنق من حازم لتلقي بحقيبة يدها بعيدا عنها بعصبية وحدثت نفسها:

-اتحول وبقى واحد تاني اول ما شافها هي مين دي اصلا وإيه اللي هي مش لابساه دا، لما دي دكتورة اومال الطلبة هيبقى شكلهم ايه فالكلية دي.


توقفت فجأة وقد صدمتها كلماتها فشحب وجهها وعاتبت نفسها قائلة:

-ايه يا امل مالك معقول تكوني غيرانة. 

-لأ وأنا أنا هغير ليه وعلى مين على حازم ليه يعني أنا اصلا مستتقله دمه وقله ذوقه وبعدين دا مصدر لي ديما الوش الخشب والتكشيرة وزي ما شوفتي فاتحها مبوسة مع الدكتورة بتاعته. 

-اوف كفايا يا أمل وبطلي بقى اللي يشوفك يقول بتحبيه. 


بهتت أمل حين وصل تفكيرها لهذا الحد فجلست بصدمة على طرف فراشها لتنزع عنها طرحتها التي شعرت بها تخنق انفاسها و حدقت في الفراغ وهمست:

-حب إيه يا أمل إيه ناسية خالد لأ طبعا أنا أنا منستش خالد. 


فجأة ضربت قلبها بقبضة يدها وقالت معنفة نفسها من جديد: 

-أنت السبب أنت لو كنت وقفت خالص كنت ريحتني، ليه حبيت خالد وليه بتروح لحازم، بتهرب ولا بتتسلى ولا غاوي توجعني وتكسرني، أنا مش عوزاك ياريتني اقدر اشيلك من جوايا خالص واعيش من غيرك أنا بكرهك بكرهك .


ختمت قولها لترتمي بين وسادتها تكتم صرخات تألمها بداخلها وتبكي تمزق قلبها وحياتها.


----------------------------------


أوصل حازم مادي وهو يلوم نفسه على سوء تصرفه تجاه أمل، وتآكله الندم لتجاوزه حدوده المسموح بها في تعاملاته الأساسية مع مادي، لعلمه أنها منجذبه إليه ودليل ذلك محاولتها لاستمالته، ازداد حنقه من نفسه لتماديه معها والسماح لها بمثل هذا القرب، ليتهرب من البقاء معها بعدما اوصلها بمعجزة حين رن هاتفه ووجد أحمد يتصل به، فتعلل بحدوث أمر طارىء وهرب سريعا منها، مقررا انه لن يقع في مثل هذا الفخ حتى ولو فسبيل اكتشاف ردة فعل أمل تجاهه، تابع قيادة سيارته باتجاه الشركة ووقف ينتظر ظهور صديقه، وحين لمحه يسير إليه فجلس خلف مقود سيارته ليثير دهشة أحمد فسأله الأخير حين جلس إلى جواره:

-مالك يا بني أنا على فكرة مفهمتش حاجة من كلامك، بس حسيت إنك واقع في مصيبة وإن أتصالي بيك كان النجدة صح ولا إيه.


ركز حازم بصره على الطريق وقص ما حدث بينه وبين أمل ومادي ليلتفت إليه أحمد بتخوف وحين رأى تصلب وجه حازم علم بأن ما يدور بين حازم وأمل يسير صوب هاوية ستمزق كلاهما فقال:

-بص يا حازم أمل بنت عمتي بس أنا معرفش بالظبط إيه قصتها بالظبط، خصوصا بعد ما سمعت بالصدفة مكالمة عمي محمد مع بابا وفهمت أنه عايز يفهم أمل مالها، ودا يخليني أفكرك بحاجة غايبة عن تفكيرك أمل مكتوب كتابها، نيجي بقى للمهم.


صمت أحمد حين حدجه حازم بنظرة جانبيه فرفع أحمد حاجبه وقال:

-بلاش تبص لي بالشكل دا يا حازم، بص من الأخر أنت مش بس صاحبي لأ أنت عندي اغلى من نفسي، يعني اخويا اللي افديه بحياتي واللي محبش اشوفه فيوم زعلان أو مكسور، خصوصا إنك انكسرت قبل كدا وبصراحة أنا حاسس إنك بدأت تميل لأمل، وأنا يا صاحبي خايف عليك وخايف أكتر عليها، علشان كدا هقولك أبعد عنها يا حازم وحاول تدي نفسك الفرصة إنك تفكر بهداوة، وبلاش شغل المراهقين اللي بتتعاملوا بيه مع بعض، يا حازم لو حابب تاخد بنصيحتي فأنا اللي أقدر أقوله من واقع ما أنا عارف أمل وواقع كلام بابا عنها هي وخالد فأسمعها مني بلاش أمل يا حازم وبلاش تعذب نفسك بواحدة قلبها مستحيل يبقى ليك.

--------------------------------------------------

تكملة الرواية من هنا 👇👇👇👇👇👇


من هنا


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
CLOSE ADS
CLOSE ADS
close