أخر الاخبار

كان_لي منى_أحمد_حافظ الموناليزا الفصل الحادي عشر الفصل الرابع عشر


كان_لي

منى_أحمد_حافظ

الموناليزا

الفصل الحادي عشر حتي الفصل الرابع عشر 

 الفصل الحادى عشر. نبته في قلبي.

--------------------------------------------

أستيقظت أمل من نومها تشعر بالألم يحتاجها فهمست بشرود:

-ودا بقي إسمه إيه اللي أنا حاسه بيه دا، مالك يا ست أمل علي الصبح جسمك وجعك وقلبك وجعك وملكيش مزاج تتحركي حتى من مكانك، إيه هتفضلي كدا مركز أول هزيمة وإحباط، مينفعش كدا يا ماما لازم تقومي وأرمي ورا ظهرك أي حاجة، خليكي بقي تتغيري وتبقي قوية، ولا أنتِ حبيتي دور الضحية مكسورة الجناح اللي بتصعب على الكل، ما تبصي حواليكي وتتعلمي، يلا قومي بقي كفايا استسلام وتخاذل، مش كفايا رميتي حلم الهندسة، يوه أسكتي يا أمل أنتِ مافيش منك فايدة. 


قطع تحدثها العشوائي مع نفسها صوت رنة خافتة صدرت عن هاتفها تبلغها باستلامها لرسالة، مدت يدها بتلقائية تسحبه من جانبها فوجدت محادثة واتس برقم غير مسجل لديها، فتحتها بفضول لتعتدل في مكانها بسرعة حين وقعت عيناها على كلمات الرسالة لتدرك هوية مُرسلها:

-وحشتيني بعمري كله يا أمل على فكرة أنا تعبت لحد ما عرفت أجيب رقمك، لأول مرة أحس إني خايف وأنا بكتب لك، علشان عارف إنك رافضة أي كلام بينا وليكي حق، أنا لحد دلوقتي مش مصدق ومصدوم من نفسي للي عملته فيكي، عارف إن مش من حقي أطلب منك تسامحيني، بس أنا بحبك يا أمل وعمري ما حبيت غيرك، والفترة اللي فاتت دى لما اتحرمت منك، أتأكدت إن عمري كله ولا حاجة من غيرك، ارجوكي متحرمنيش منك وبلاش تحكمي عليا بالاعدام وتنفيني برا حياتك، خليلي حتى ولو فزاوية صغيرة فحياتك علشان أقدر أعيش، أنا وصلت لدرجة إن فكرت أخلص من حياتي لإنك مش فيها، أرجوكى يا أمل سيبلي طاقة نور منك تنور حياتي اللي بقت ضلمت من غيرك ارجوكي وبلاش تحرميني منك، خدي كل الوقت اللي محتجاله بس أرجوكي فالنهاية أرجعيلي.


حدقت أمل فى شاشة هاتفها غير مصدقة لجرأته مراسلتها، كيف يسمح لنفسه بذلك؟ 

أعادت أمل قرأة كلماته مرة أخرى، فزداد حزنها وألمها لاصراره على ارساله كلمات حبه لها بعدما خان كل عهودهما، استسلمت لاحباطها وقد غامت الرؤية بعينيها بدموعها، دفنت أمل وجهها بين كفيها تهرب من الضعف الذي تسلل إليها لتسأل نفسها: 

-ليه ليه كل حاجة معاندة معايا بالشكل دا، طيب أنا سبت لك البلد بحالها، ليه مش عاوز تبعد يا خالد ليه مش عاوز تسبنبي، مش مكفيك اللي عملته فيا أنت وإيمان، ليه مصمم تفضل تفكرني إنك موجود فحياتي، أديني فرصة حتى أصدق كذبي على نفسي إنى هقدر أنساك، وأشيل كل حاجة عيشتها معاك من حياتي، أرجوك يا خالد خليني أقدر أنساك، كفايا عمري اللي سرقته مني، أنت ليه مصمم تفضل واشمني بيك، ليه دلوقتي بعدما بدأت أأقلم نفسي وأعيش من غيرك، بعدين ما خلاص يا خالد معدش ينفع بجد أبقي أنا وهى فحياتك، معدش ليا أي مكان وسطكم أنتم التلاتة، أنت اللي أخترت إني أبقى برا قلبك، صدقني أنا مقدرش أعمل زيكم، وأهد أسرة حتى لو مش عارفة أنساك وبكذب على نفسي، راجع ليه يا خالد تاني حرام عليك بقي بجد حرام عليك .


سمع أمجد نحيب أمل وهو يمر بجانب غرفتها، فطرق بابها قلقا عليها ليدخل دون إنتظار إذن منها، رأى مدى بأسها وحالتها الضعيفة التي تخفيها عنهم، فهمس بخوف وهو يجلس على طرف فراشها:

-مالك يا أمل حصل إيه علشان تبقي كدا .


ارتمت أمل بين ذراعي خالها وبكت بشدة فربت على رأسها وقال: 

-طيب أهدي يا بنتي أهدي، مينفعش تسيبي نفسك فالحالة دي، أنا مش عارف جواكي إيه لكن عارف علاجك هيبقى بأيه، أنت بدموعك دي مافيش أدامك غير أنك تقومي اتوضي وتصلي علشان تعرفي تبقي بخير،قومي وعيطي واشكي واتكلمي مع ربنا، صدقيني هترتاحي وطالما أخترتي تهربي يبقى الأولى  أنك تهربى لربنا علشان تلاقي نفسك، يلا قومي واسمعي كلامي، وبعد كدا لينا قعدة لان حالتك بالشكل دا مينسكتش عليها.


فعلت كما نصحها خالها، ووقفت تحدق بمذكراتها التي وضعتها فوق الطاولة، حدقت بكلماتها التي دونتها سابقاً لتبتسم تهكماً على سذجتها، إلتقطت أحد الأقلام من جارور الطاولة وشرعت تكتب ما عاشته من ألم، رسمت خيانتهما لها فوق السطور بدموعها وأهات لوعتها، ووصفت كيف وئدوا أحلامها، توقفت أصابعها عن الكتابة وعيناها تقرأ ما مرت به، أحست بالسقم والنفور من كل شيء فدفعت مذكراتها بعيداً عنها فسقطت بالقرب من فراشها، سارعت بمغادرة الغرفة هرباً من نفسها، وجذبها صوت خالها وهو يتحدث إلى أحدهم أنتظرته حتى أنهى أتصاله، انهى أمجد أتصاله ونظر إليها مبتسماً وسألها بهدوء:

-ها قوليلي جاية تكملي هروب ولا جاية تشاركيني اللي جواكي .


ودت لو ينسى خالها حالة الضعف التي رأها فيها فكتبت إليه تطالبه بترك الأمر لحينه ووضحت:

-أنا مش بهرب يا خالو، الموضوع أن أنا فعلا مش جاهزة أتكلم عن أى حاجة حصلت، مش عارفة أتكلم ولا أحكي ومش فاهمة أصلاً ليه، بص يا خالو علشان ابقى صريحة معاك، أنا جيت هنا فعلا هربانة من مصر ومن اللي عايشين فيها، جاية أنسى أمل القديمة واتولد من جديد، جاية أعمل لنفسي واحدة ميتحكمش فيها حد ولا يقول لها اعملي ومتعمليش، بس مش معنى كدا إني هخرج عن طوعك اطمن يا خالو، وصدقني أنا لما أحس إني جاهزة أتكلم هجيلك وأحكي، إنما دلوقتي فعلا اللي حساه إني لو أتكلمت مش هلاقي مكان أهرب تاني له أنا مش عاوزة اتكسر تاني يا خالو .


ترك أمجد مقعده وجلس أمامها أرضا واحتضن كفيها وحدثها بجدية يتمنى لو تستمع لنصيحته:

-بس يا أمل الهرب مش علاج، لإنك بالهرب مبتتغيريش نفسك، بالعكس أنتِ بتأكدي إنك لسه زي ما أنتِ أمل القديمة اللي أنتِ رفضاها، يا حبيبتي المواجهة حتى لو هتكسرك فهى هتشفيكي، عارفة زي إيه، زي واحد اتكسرت رجله وطنش يعالجها وسابها تخف باهمال ومن غير علاج، وبعد شوية وقت اكتشف إن وجعها بقي أكتر بكتير ومبقاش قادر يتحمله، فقرر أنه يروح للدكتور وأتفاجأ أنه كسرهاله تاني علشان تتعالج صح، ودا اللي أنتِ بتعمليه مع نفسك يا أمل، هروبك حتى لو كان لأبعد مكان بعيد عن المواجهة، مش هينسيكي وهتفضلي تكسري فنفسك بالغلط .


فرت دموعها وهى تسمع حديث خالها تعلم أنه على حق ولكنها لا تستطيع التفوه بكلمة، زفر أمجد وأشفق على حالها فمد يده ومسح دموعها وقال:

-ابوكي هيموت من القلق عليكي، وهو من حقه كأب يعرف بنته إيه اللي كسرها بالشكل دا، ولو أنتِ مش عاوزة تتكلمي في اللي حصل، يبقي على الأقل حسسيه إنك بخير وشوفي صحتك، أقولك تعالي نبدتيها خطوة خطوة، الأول نتابع حالتك مع دكتور متخصص، وكمان نتابع مع دكتور نفسي، لحد ما تقفي على رجلك وتقرري تواجهي، ومتخافيش أنا فضهرك فكل حاجة. 


فجأة قرر أمجد أن يخرجها من تلك الحالة فجذبها من يدها لتقف وقال:

-بقولك إيه ما تيجي نعملها مفاجأة للشباب، ونروح ناخدهم ونتغدا برا، يلا اطلعي اجهزي على ما ابلغهم وارتب معاهم .


-----------------------------------------------------------


وهناك فى مطروح جلست ثريا محدقة في الهاتف بعدما أنهت حديثها مع شقيقتها، لقد أثارت كلمات نعمة ظنونها فعزمت على قطع الشك باليقين، ارتدت ثريا ثيابها وغادرت غرفتها ليحدق بها محمد بدهشة فسألها:

-رايحة فين يا ثريا، أول مرة تلبسي ومقولتيش انك خارجة .


اجابته ثريا بتلعثم:

-هروح اطمئن على أسماء أم إيمان، أصل سمعت إنها تعبانة شوية، وأنت عارف زيارة المريض واجب عموما أنا هطمن عليها ومش هغيب.


أسرعت لتغادر دون أن تترك له فرصة، وأثناء سيرها أنشغل عقل ثريا بالتفكير، فأسماء عاشت عمرا بجانبها لم تهتم يومًا بالسؤال عن أحوال ابنتها ولا عن أحوال أياً منهم، احست ثريا بأنها ستعود خائبة الوفاض من تلك الزيارة، ولكنها تريد أن تقطع شكها بيقين الحقيقة الغائبة .


فتحت أسماء باب منزلها ووقفت تحدق بثريا متعجبة من زيارتها، فسمعت ثريا تقول:

-إيه يا أسماء هتسبيني على الباب كتير ولا مش هتدخليني، دا أنتِ حتى مكلفتيش خاطرك رفعتي السماعة سألتي على بنتي اللي كانت بين الحيا والموت، ولا بنتك مبلغتكيش .


افسحت أسماء الباب لثريا وشعرت بالاحراج فقالت:

-لا والله يا ثريا أصل أنا كمان تعبانة وعلى طول نايمة مبتحركش .


هزت ثريا رأسها وهي تجلس على مقعد قريب من الباب وقالت:

-لا سلامتك ألف سلامة عليكي، أنا جيالك فسؤال ورد غطاه، إيمان بنتك فين يا أسماء .


جلست أسماء بسرعة بجانب ثريا، وضغطت على ذراعها وقالت بصوت منخفض:

-هشش وطي صوتك يا ثريا حمدي نايم جوا يا أختي وأنا مش ناقصة مشاكل.


رفعت ثريا حاجبها وقالت غير مهتمة:

-مشاكل إيه بعد الشر، أنا بقلك بنتك فين، إيمان سابت بيت أختي وقالت جيالك هي هنا ولا مش هنا .


تذمرت أسماء من صوت ثريا، فهي لا تريد لزوجها سماع شيء من حديث ثريا فقالت:

-إيه يا ثريا بقلك بالراحة ما تفهمي بقي يا أختي، أنا مش عاوزة الراجل يعرف حاجة، وأطمنى بنتي أنا عارفة مطرحها هي مرسياني على كل حاجة، بنتى متسترة فبيت جوزها برا فالسعودية من قبل امتحاناتها، بس مجتش مناسبة نعرف حد، دا حتى العريس طرف خالد وهو اللي مشي فالموضوع، بس يعني لولا الظروف وكدا اكيد كنت هاجي وهقول يعني ودي حاجة تستخبي، دا جواز وسترة والحمد لله جوزها جدع طيب اشتراها وأنا اطمنت على بنتي فبيتها، وكتر خيركم على كل اللي عملتوه معاها والله ما حد يعمل زيك وزي الحج محمد ابدا .


بهتت ثريا من حديث أسماء لتقف فجأة وقالت بلامبالاة:

-مبروك يا أسماء جواز إيمان، وكويس إني اطمنت علي بتك ولو على خالد فهو ابن اصول وابو الواجب اكيد، وإيمان أخته يجيب لها احسن حد، وصح هي علشان ظروف تعب أمل أنا مقدرة، عن اذنك يا أسماء طولت عليكي اشوفك بخير .


تعجبت أسماء من سرعة مغادرة ثريا، فذهبت لغرفتها ونظرت إلى زوجها النائم وأغلقت الباب خلفها بهدوء وحمدت الله انه لم يعلم بزيارة ثريا .


لم تصدق ثريا ما سمعته لتزداد حيرتها فقالت: 

-أنا مش فاهمة أي حاجة، جواز ايه وسفر ايه للسعودية وهي كانت هنا بتمتحن إيه العك دا، أنا لازم اعرف العيال دي بتلعب بينا ازاى كدا، وخالد لما هو عارف كل دا مقلش ليه، أخس عليك يا خالد هي دى عشرة العمر وصونك للعيش والملح، أنا لازم أعرف محمد وهو اللي يتصرف ويعرف الموضوع دا أصله إيه، وربنا يستر وميكونش له صلة بأمل واللي حصل لها.


ازداد تعجب محمد حين عادت ثريا سريعاً فحدق بها سألها:

-أنتِ روحتي فايه وجيتي فايه ولا أنتِ ملاقتيش حد هناك .


جلست ثريا بجانب محمد نظرت إليه بشفقة لما ستخبره إياه وقالت:

-محمد أنا عيزاك تسمعني بهدوء كدا وتفكر فاللي هتسمعه، علشان أنت اللي هتعرف تجيب اصل الموضوع من اوله لاخره.


قصت عليه كل شىء حتى مهاطرات أختها نعمة، استمع محمد بتركيز ليقول بعدما أنهت حديثها:

-والله عال الموضوع كدا ميتسكتش عليه، بصي يا ثريا أنا هسافر للأستاذ خالد، واللي كان لازم اعمله قبل سفرها ومتعملش هعمله دلوقتي.


-----------------------------------------------------------


جلست أمل بجانب خالها في سيارته، تنتظر أحمد وحازم وهى شاردة الذهن تماما، فلم تلحظ تحركهم ولا صوت أحمد وهو يتحدث معها في بادىء الأمر، لتنتبه إلى صياحه العالي يناديها:

-يا أمل على فكرة بكلمك. 


انتفضت أمل بفزع ونظرت نحوه فبادلها النظر بضجر، وأشار إلى هاتفها لتقرأ ما أرسله إليها: 

-أنا تعبان وماليش نفس أروح فمكان، وزى ما أنتِ ملاحظتيشحازم أعتذر، فروحي أنتِ مع بابا وأنا هنزل فأقرب حته أروح، وهبقى اعوضلك الخروجة فوقت تاني.


تغضن جبينها لكلماته الجافة فكتبت له:

-ألف سلامة عليك ولو على الخروجة فمتشغلش بالك، أنا هقول لخالو نروح وخليها مرة تانية، علشان أنا كمان حسه إني تعبانة ومجهدة، وعاوزة أروح أرتاح شوية.


وافقها أحمد بعدما قرأ ما دونته وكتب لها حتى لا يثير حنق والده:

-وماله يلا بينا على البيت بس متنسيش تقولي لبابا. 


تصنعت أمل التعب أمام أمجد وكتبت إليه:

-معلش يا خالو هو ينفع نلغي الخروجة أحسن أنا حاسة بصداع جامد، كمان شكل أحمد مرهق فلو ينفع نأجل الخروجة لوقت تاني.


ترقب أمجد ملامحها وأدرك بأن هناك شيء أخر يدور، فألتفت إلى أحمد وأخبره بألغاء الغذاء فأتاه رد ابنه:

-تمام يابابا دا حتى أنا كمان مجهد، أصلاً اليوم كان مليان شغل وأجتماعات مملة ومرهقة.


عاد أمجد تنفيذا لرغبة إبنه وأمل، تركتهم أمل وأختفت داخل غرفتها أغلقت بابها واستندت إليه تشعر بالارتباك، اغمضت عينيها وبعد دقائق اتجهت إلى مرحاضها، لم تسمع أمل طرقات الباب ولج أمجد إلى الغرفة، بحث عنها بنظره حين رأى ضوء المرحاض علم أنها بالداخل، فكر أينتظرها أم يغادر فقرر أن يجلس بانتظارها، اتجه صوب فراشها فوقع نظره على مجلد ملقى بإهمال على الأرض فأنحنى والتقطه، ظنه إحدى روايات أمل، وما أن فتح صفحتها الأولى علم أنها مذكراتها، فكر قليلا وحسم أمره، باقتحامه غصباً أسرار ابنة أخته فأخذها وغادر مرة أخرى .


جلس أمجد داخل مكتبه يقرأ ما أفصحت عنه أمل، غرق في كلماتها ووصفها لكل حدث مر بها بدقة فجعلته يعيش حياتها، انغمس أمجد كلياً في القراءة وهو يبرر لنفسه فعلته التي ولأول مرة يرتكب مثلها بحياته، فلم يسمع طرقات أحمد ولا صوته وهو يناديه: 

-يا بابا يا بابا يلا الغدا جاهز، أنا عايز أعرف أنت مشغول بتقرا إيه وشدك كدا .


أغلق أمجد المذكرات ووضعها أمامه بإهمال، فهو يعلم مدى ذكاء ابنه إن أخفى المذكرات، سيبحث عنها حتما ليعرف ماذا يخفي عنه، ابتعد أمجد عن مكتبه وسأله: 

-دى رواية لأمل شدني عنوانها، فقلت الف فيها لفة، إلا قولي أمل نزلت ولا لسه فوق. 


اجابه أحمد وهو يسبقه للخارج:

-اهى قاعدة هناك فالصالة زى القرد ضاربة بوز معرفش ليه .


-----------------------------------------------------------


ولج حازم إلى شقته وقد نفذت طاقته، فهو ترك سيارته أمام الشركة وعاد إلى منزله سيراً، للأن لم يجد تفسيراً لرفضه دعوة أمجد؟، لتأتي الأجابة من داخله بأنه تأثر بكلمات أحمد حين طلب منه أن يبتعد عن أمل، تنهد وهو يضغط على جانبي رأسه بقوة يتمنى لو يزول آلمه، فاتجه بارهاق لغرفته وارتمى فوق فراشه، ولكنه أعتدل مرة أخرى وقال: 

-ما ترتاح بقى إيه كل اللف دا ومش عاوز تهمد.


هاجمته صورة أمل فضغط بأصابعه فوق عينيه وصاح بحدة:

-أنتِ إيه هتفضلي فرضة نفسك عليا فكل وقت، أنتِ ليه بتدخلي عقلي فاوقات غريبة، وبعدين بقى وهي حياتي كانت ناقصة ما أنا كنت مبسوط، كان لازم يعني تظهري وتشقلبي حالى معاكي، إيه يا حازم ما تخليك صادق مع نفسك، واعترف إنها نجحت تخليك مشغول بيها، أنت مش بس بتفكر فيها لأ أنت اتعلقت بيها وحبتها.

-لاء حب إيه يا عم حازم فوق لنفسك، لا يلدغ مؤمن من جحر مرتين، ودي شكلها وراها حكاية وحكاية ممكن تجيب أجلك، بس متنكرش أنك عاوز تكمل وعاوزها تعتمد عليك فكل حاجة، متنكرش أنها وحشتك النهاردة، وإنك كنت هتموت وتنزل تشوفها مع أحمد، ووقفت تبص عليهم علشان تلمحها من الشباك زى المراهقين وياريتك حتى لمحتها، طب ما تريح نفسك وتجرب هتخسر إيه يعني، أنت نحست اصلاً. 

-لأ أنا منحستش بس إحساسي إنها هي دي اللي كنت بدور عليها طول حياتي هو اللي تعبني، برائتها ورقتها ولا عينيها اه من عينيها، لما بترفعها وتبص لي بحسها بتقولي متسبنيش أنا محتاجلك ومد ايديك ليا ومتبعدش. 


-لا دا أنا حالتي بقت صعبة وغرقان لشوشتي فيها واللي كان كان، لا والأستاذ أحمد جاى بعد ما وقعت يقولي بلاش، إزاى بلاش دا لازم ولازم اوى كمان أخليها تحس بيا وتحبني وتنسى أي حد فحياتها.


-فوق يا حازم أنت حبك ليها عماك عن الحقيقة ولا إيه، دي مكتوب كتابها و من حب حياتها، يعني الهانم البرئية دي عاشقة لواحد غيرك، طب وهو في واحد بتحب وعاشقة بتسيب اللي ليها و تبعد، وبعدين بقى يا ابني افهم مينفعش تفكر فواحدة مش ليك دي فحكم المتجوزة، متجوزة إيه وهي لو متجوزة هو فين أساساً، وليه مش باين فالصورة، دا مسألش عليها ولا مرة ولا هي جابت سيرته. 


-لا ما أنا لازم أفهم لو هي بتحبه، إزاي حاسس أنها محتجالي أنا، ما هو قلبي دا مش هيحس بيها بالشكل دا، وهي إزاي تحب واحد غيري أصلاً، إزاي الملاك دا جه واحد وقدر يلمس مشاعرها ويخطفها، هي فعلاً مكنش مفروض تعرف الحب أبداً إلا معايا أنا، أيوة علشان أنا من أول ما لمحتها فالمطار وحسيت أنها بتاعتي ملكي مش ملك واحد تاني، أنا لازم أتأكد هي بتحبه ومشغوله بيه ولا، ولا إيه يا حازم ولا إيه أنت كدا ماشي فالسكة الغلط معاها ودا غلط، أيوة غلط ولازم أبعد صح كدا أنا لازم أبعد بس بعد ما أفهم، وأعرف منها كل حاجة، علشان لما أبعد مرجعش أندم وأقول يا ريت.

-----------------------------------------------------------

الفصل الثاني عشر ..مادي. 

---------------------------------


لم  يستطع  حازم  منع  نفسه  اكثر عن  رؤية  أمل، قرر أن يواجهها ليضع نهاية لحيرته تلك، ترك فراشه وولج إلى مرحاضه أغتسل لينعش نفسه، وقف حازم يحدق بصورته بثيابه الكاجوال، وغادر متجهاً إلى منزل صديقه ليحسم أمره.  

ارتفع رنين هاتف أحمد فالتقطه من جواره وحين رأى أسم صديقه تحرك بعيداً عن سمع أمل وأجابه:

-إيه يا باشا أخيراً أفتكرت إن ليك صاحب تسأل عليه، طمني قبل إي حاجة أنت عامل ايه وأخبار صداعك إيه.


بحث حازم سريعاً عن عذر يخفي تحاشيه لصديقه به فقال:

-اعذرني يا أبو حميد غصب عني أنشغلت بالملف اللي كنت براجعه، أصله ملف رخم شوية ومليان بنود كان لازم تتراجع صح، عموماً أنا هربت منه وقولت أجيلك أقعد معاك وأفك شوية، يمكن الصداع اللي ملازمني دا يروح، المهم أنت فاضي ولا ألف وأرجع تاني.


تطلع أحمد بنظره إلى أمل فوجدها تقرأ بروايتها، لم يدري أحمد لما عاد إلى مكان أمل مرة أخرى وتعمد أن يرفع صوته وهو يجيبه: 

-أكيد فاضي يا كبير ولو مش فاضي هفضيلك نفسي، بقولك أنا هروح أجهز نفسي على ما تيجي، وخلينا نخرج نغير جو شوية أحسن الجو هنا قلب على جو المدارس، اه يا ابني زي ما بقولك تخيل عمك أمجد ماسك لي رواية من روايات أمل وقاعد يقراها فمكتبه، والقردة قاعدة ماسكة هي كمان رواية بتقرا فيها، وضاربة لي حتة بوز يا ابني يخليك عايز تطفش منها ومن الطاقة السلبية اللي بتشع منها.


حاول حازم كتم ضحكته عن صديقه الذي وقف خلفه يراقب نظراته إلى أمل ليجيبه بصوت متهكم:

-لا بس تخيل صعبت عليا المهم أنت ليه مروحتش تلبس زي ما قولت.


التفت أحمد وترك هاتفه وصاح ليهرب من نظرات أمل النارية:

-يا ابن اللذينا لما أنت وصلت مقولتش ليه بدل ما أنت بتشتغلني.


صمت أحمد وحدق بصديقه وأطلق صفيراً وعقب وهو يغمز له بعينه:

-بس إيه يا عم الشياكة دي كلها، بس تعرف اللي يشوفك يقول أن عندك ميعاد مهم.


قاومت أمل نفسها كيلا ترفع عيناها عن كتابها لتراه، وتشبثت به هرباً من فضولها لترى هيئته، فلم تنتبه لأقترابه منها إلا على صوته وهو يسألها:

- عاملة إيه يا أمل؟ 


رفعت أمل بصرها ببطء نحوه كالمسحورة، وليتها لم توليه النظر، فقد خطفتها وسامته فكادت تفلت كتابها من يدها وتكشف أمر،  نبض قلبها وارتفع صوت تنفسها، واصلت تحديقها به لتنتبه لنظراتها إليه فاضطربت وجاءت اجابتها بحركة عشوائية من رأسها بلا معنى.


فكتم ابتسامته وقد ازدادت سعادته لاضطرابها وتأثيره عليها فعقب قائلاً: 

-اكتبي يا ماما اكتبي دا أنا سمعت إنك بقيتي مبدعة فالكتابة ع الواتس، بصي هاتي موبايلك أكتبلك رقمي و.


مد يده بتلقائية وسحب هاتفها من أمامها، ففزعت أمل ووقفت سريعاً وأختطفت هاتفها منه بحدة، لم تدري لما شعرت بالخوف من أن يقع بصره على رسالة خالد لها، استاء حازم لردة فعلها فأبتعد عنها وقال متعمداً احراجها:

-اسف أنا جت عليا لحظة وأفتكرت أننا صحاب وعادي أني أمسك موبايلك وتمسكي موبايلي.


انهى قوله واشاح بوجهه عنها وزفر بعصبيه واشار إلى أحمد قائلاً:  

-يلا يا أحمد لو سمحت روح اجهز بسرعة خلينا نخرج، بدل الجو دا صحيح أنت طلع معاك حق، الجو هنا مليان طاقة سلبية والقعدة فيه تجيب الأكتئاب.


ودت لو تصرخ بوجهه لتعبر عن استيائها، وازداد حنقها منه حين اتجه ليغادر فسارعت وفتحت هاتفها وكتبت له:

-شكرا جدا لذوقك يا بحر البهجة والسرور ولو على الطاقة السلبية والكأبة فأنت اللي جيت وجبتهم معاك .


وقفت تترقب ردة فعله بتحدي فالتفت حازم وبادلها نظرات التحدى وكتب: 

-لو شايفة إن أنا اللي جبتهم معايا، فأثبتي إنك مش منبعهم وقومي البسي وتعالي معانا نسهر، وخلينا نشوف مين فينا بحر البهجة والسرور يا منبع السعادة.


قبلت تحديه وكأنها تنتظره فكتبت سريعاً:

-تمام أنا موافقة نخرج ونشوف مين فينا منبع السعادة.


ابتسم لنصره الأول معها، فأومأ لها وقال:

-تمام وعلى ما تجهزي هكون روحت خدت الأذن من عمي أمجد.


اسرعت أمل لأعلى بقلب يرجف بينما وقف أحمد يحدق بها بحيرة، وحين أختفت التفت ورمق حازم بفضول وقال:

-على فكرة أنا مش كيس جوافة واقف فوسطكم، ممكن بقى تفهمني ايه اللي بيحصل بينكم من ورايا بالظبط. 


مازحه حازم ليخفي حرجه منه وقال:

-تصدق حلوة حكاية كيس جوافة دي، عموما روح أجهز وأنا هبقى أشرح لك كل حاجة بعدين، يلا بقى يا جوافة قصدي يا أحمد على ما أستأذن عمي وأقوله أننا خارجين.


فر حازم ليتفادي تلك الوسادة التي قذفها أحمد نحوه قبل أن ترتطم به وأسرع نحو مكتب أمجد ووقف يلتقط أنفاسه وطرق بابه، أبعد أمجد عيناه عن مذكرات أمل وسمح للطارق بالدخول وحين رأى حازم رحب به قائلاً:

-إيه يا ابني عاش مين شاف قولي كنت غطسان فين ليك يومين.


خطى حازم نحو مكتب أمجد وجلس أمامه ولاحظ أصابع أمجد التي أحتضنت تلك الرواية، فابتسم لتأثير أمل الواضح عليه، فهو يبدو وكأنه أنتشل بعيداً عن شيء هام يقرأه، ود حازم لو يطلع على تلك الرواية التي جذبت أمجد هكذا، فكر سريعاً أن يستعيرها منه ليقرأها، أنتبه حازم أنه لم يجيب سؤال أمجد فوضع هاتفه فوق سطح المكتب وقال:

-والله الشغل بقى متعب اليومين دول حتى أسأل أحمد ما هو مطحون معايا فيه، عموما أنا قولت أجي أعوض معاكم اليوم اللي باظ، فيعني لو تسمح تقوم تجهز وتيجي نخرج نسهر فأي مكان.


أغلق أمجد المذكرات وترك مقعده واستدار ليقف قبالة حازم وقال:

-هى فكرة حلوة بس سامحني أنا مش هقدر أخرج معاكم عموما خدوا أمل معاكم وأخرجوا غيرو جو.


حاول حازم أقناع أمجد بمرافقتهم فأعتذر الأخير وقال:

-بيني وبينك أنا محتاج أدخل صومعتي وأقعد مع نفسي شوية.


ابتسم حازم وقال مازحاً:

-يا ما نفسي ادخل الصومعة دى يا عمي واعرف سر حبك إنك تدخلها ويبقى عندك استعداد تفضل فيها ايام ومتتخرجش .


وكزه أمجد ضاحكاً وهو يسير برفقة حازم إلى خارج مكتبه وقال:

-لما توصل للي أنا وصلت له وتلاقي حب عمرك زي ما أنا لاقيته وقتها هتعمل لنفسك صومعة إنما حاليا صومعتى ممنوع الاقتراب منها أو التصوير. 


توقف أمجد وهو يقيم بعيناه ما ترتديه أمل فابتسم لها والتفت إلى ابنه وقال:

-اخرجوا انتم ومش هوصيكم خلوا بالكم من أمل.


تبعت أمل خطوات أحمد إلى الخارج وخلفها سار حازم فالتفت أحمد وسأل صديقه:

-هنروح بعربيتك ولا عربيتي .


اجابه حازم وهو يحاول تمالك أفكاره:

-بعربيتك يا أحمد علشان أنا عربيتي سبتها عند الشركة، معلش بقى خليني أستغلك شوية وأرجع معاك على هنا علشان أنا معنديش أستعداد أمشي بعد المشي اللي مشيته النهاردة.


أختار حازم أحد المطاعم التي يعلم أن ديكورها سينال أعجاب أمل، واعطى لاحمد عنوانه، وحين صف أحمد سيارته أمامه أخيراً التفت نحو أمل فابتهج لرؤيته ابتسامتها، تبعها بسعادة برفقة أحمد إلى الداخل ليفاجىء نفسه جذبه المقعد لها وابتسم وهو يجاورها لينتبه لصوت أحمد يثني على المكان: 

-حلو المكان دا يا واد يا زومة، قولي بقى عرفته منين وإزاي.


اوضح حازم حين لاحظ نظرات أمل الفضولية:

- بيير اللي فالمكتب معايا هو اللي قالي عليه فقلت أجيبك وأعمل معاك واجب.


والتفت وحدق بعينا أمل وأضاف:

-علشان أنت غالي عندي يا أحمد .


أحمر وجه أمل فخفضت عيناها حرجاً والتقطت سلسال حقيبتها وتصنعت الأنشغال به لتتهرب من نظرات حازم، ولكن حازم لم يمهلها الوقت وهمس:

-ايه رئيك يا أمل فالمكان، على فكرة أنا أخترته مخصوص، علشان عارف أنك أكيد هتحبيه، زي ما هو أكيد حبك.


لاحظ حازم وقع كلماته عليها حين تهدجت أنفاسها، فقرر مواصلة هجومه عليها وقال:  

-ما تيجي نرقص زي اللي بيرقصوا هناك دول. 


مد يده وأحتضن كفها وتسللت رجفتها إليه، وحين أحست بدفء أصابعه حول أصابعها حاولت أمل جذب يدها منه ولكن شدد قبضته عليها فحدق بها بتحدي وقال:

-إيه ناوية تهربي من التحدي هو مش أنتِ قلتي إنك هتثبتي إنك منبع السعادة ولا أنتِ عيلة وهترجعي فكلامك.


لم يضع حازم في تفكيره أن عيناها ستسلبه وعيه هكذا، لا يدري متى سار ذاك التيار بينهما ود لو يبتعد بها عن العيون وينفرد معها بمكانٍ خاص ويتودد إليها كمراهق، ازدرد لعابه حين ضغطت سهواً على شفتيها وهي تكافح لألتقاط أنفاسها، فجعلته حركتها تلك ينتبه إلى زينتها البسيطة التي زادتها فتنة وجمالاً، ولكنها سرعان ما فصمت تلك اللحظة حين وقفت سريعاً، وجذبت يدها بقوة لترتطم بكأس الماء فأسقطته حينها تنبه أحمد إليهم وأبعد عيناه عن شاشة هاتفه وسألها:

-مالك يا أمل قمتي كدا ليه. 


صمت وأعاد عيناه إلى هاتفه ليسب بحنق حين صدر عن هاتفه إشعاراً بخسارته للمباراة، فسارع حازم وتسلم الحوار عنها وقال: 

-أصلها وافقت ترقص معايا.  


تابعهم أحمد بدهشة وكاد ينضم إليهم ولكنه صرف بصره عنهم حين أرسل إليه صديقه تحدياً أخر ليبدأ معه مباراة أخرى فهمهم وهو يركز بهاتفه:

-خليني فصف المتفرجين لحد ما أعرف أخرتها إيه لعبة توم وجيري اللي دايرة بينكم، أنا حذرت ونبهت وربنا يستر من نهاية اللعبة دي.


جذبها حازم من يدها وتبعته حرجاً تتسائل لما لم ترفض طلبه وتلزمه بالأبتعاد عنها، لتنتبه لتوقف حازم فنظرت إليه لتجده يقترب منها، ابتعدت عنه بارتباك وتلفتت حولها بخجل تتابع المحيطين بها فلاحظت أنشغال كل شخص بحاله، عادت ببصرها إليه فرأته يحدق بها بغموض، فجأة تبدلت الوجوه لوهلة فذكرته عيناه بخالد، بهتت ملامحها وتغضن جبينها وعادت تتلفت حولها لتنهر سلبيتها معه، ارادت أمل أن تعاقب نفسها لنسيانها أمر خالد وأندماجها بسعادة مع حازم فحركت شفتيها ببطء وسألته بتجهم:

-سبق وقولت إنك بتعرف تقرا حركة الشفايف.


أومأ حازم وعيناه تلاحق شفتيها، فتابعت أمل كلماتها الصامتة وقالت:

-ياريتك تقرا كلامي ليك كويس، أنا عايزة أفهم إيه معنى اللي بتعمله معايا، عايزة أعرف ليه قررت تحطني أدام الأمر الواقع، وإزاي سمحت لنفسك تسحبني ولا كأن ليا رأى، علشان أقف أرقص معاك وسط ناس غريبة، يا استاذ حازم واضح إن قعدتك هنا خلتك تنسى مصر وعادات مصر، لعلمك أنا طاوعتك بس علشان مرضتش احرجك ادام أحمد واكسفك، بس تخيل إنك فعلا تتكسف، وكان مفروض كاس المية بدل ما يقع على الترابيزة، كان يقع علي راسك علشان تفوق لنفسك وتبطل تعمل حركاتك دي، واضح كدا أنك مش عارف أنت بتتعامل مع مين، أنا يا أستاذ ابقى قريبة صاحبك  مش صحبتك أنت. 


وقف حازم مأخوذاً بحركة شفتيها فلم يركز فيما تفوهت به، لقد سحرته كلياً وسلبته كل ارادة لديه، ولم يعد يشعر إلا برغبة واحدة فقط سيطرت عليه وهي تذوق شفتيها، أعادته إليه وعيه حين دفعته وهي تحدق به بغضب فوقف يبادلها النظرات وبدا وكأنه قد أتى من كوكب أخر بعيد وقال ليصدمها بكلماته:

-على فكرة دي مجرد رقصة، وأنا مش هحضنك متخافيش، ويا ستي لو لقتيني اتجاوزت الحد معاكي ابقي اعترضي، بصي أنا كل اللي هعمله أني همسك ايديك بالشكل دا كدا.


أوقف حازم كلماته وتبع قوله بالفعل، فأحتض يدها ووضع الاخرى خلفها دون أن يلمسها، وتحرك معها بانسيابية وأكمل كلماته بهمس:

-شوفتي أنا لا لمستك ولا تجاوزت حدودي معاكي.


أطاح بغضبها وأختطفها حازم إلى عالم أخر، حاول عقلها تذكيرها بأن ترفض خوض التجربة معه، فهي ألقت بوجهه بكلماتها الصارمة، لتجعله يعود ويحدثها بجفاء ويبتعد عنها، ولكنها لم تفلح فقد تبادل حازم معها الأدوار، سلبها تعقلها فاستسلمت طواعية، وقبيل توقف الموسيقى ضج المكان بصوت تقول:

-زومتي ياي شو حلوة هالصدفة حبيبي.


صفع صوت مادي أذن أمل، فأعادت إليها كامل وعيها الذي سلبها حازم إياه، فضغطت أمل دون أنتباه على يد حازم بغضب، وأغمض حازم عيناه ولعن مادي في سره  لمقاطعتها إياهم، لينتبه لضغط أمل الغاضب فنظر إليها ورأى غضبها يشتعل بداخلها، لم يدري أيشعر بالسعادة أم بالخوف ولكن حيرته لم تدم طويلاً، حين تطفلت مادي وجذبته مبعده إياه عن أمل وأحتضنته وقبلته بجرأة وهي ترمق أمل بنظرات تحدي.


توهج وجه أمل بلهيب الغضب ورفضت أعترافها السري بالغيرة، فأنسحبت سريعاً من أمامه، وقد تجمعت الدموع داخل عيناها، وخلفت حازم بمفرده ليصبح فريسة سهلة بين يدا مادي، التي ألتصقت به بقوة وطالبته بالرقص معها، تعويضاً عن أعتذراه السابق للخروج معها، حينها ألتفت حازم ولاحق أمل وبداخله يتعاظم أحساسه بالندم لتسببه بالحزن لأمل فلعن غباءه السابق الذي جعله يتقرب من مادي بهذا الشكل، تمسكت مادي بفرصتها وتشبثت به ومالت بدلال والتحمت بجسدها معه وعقدت يداها خلف رأسه ووضعت رأسها فوق صدره، وحين أختلست أمل نحوهما، أحست به وكأنه سدد لقلبها طعنة جديدة، فهرولت نحو المرحاض قبل أن تفضحها دموعها.  


ما أن ولجت المرحاض حتى أطلقت أمل العنان لدموعها، فأغمضت عيناها هرباً من تشوشها، فأحداث الليلة أحيت ذكرى تلك الليلة، ازداد طنين أذنيها وتسللت كلمات إيمان حبها لخالد زواجهما العرفي حملها معاشرته لها كل ليلة، لقد عاد ماضيها كابوساً حياً يفترسها، فمادي بنظراتها أعلنت عن ملكيتها لحازم، وأكدها هو حين استسلم ولم يمنعها، ضغطت أمل فوق شفتيها تكتم صرخة الألم التي تجمعت بداخلها، فهي ولوهلة أحست بأن لها الحق بالحياة ولكن أي حياة تلك وهي لازالت على ذمة الماضي، لقد وئدت مادي حلمها كما قتل خالد أي حق لها بالحياة.


أشتعل صدر أمل بالألم فأحست بأنفاسها تتمزق، باتت تشهق بقوة لتتلقف أنفاسها، مدت يدها تبحث عن داعم لجسدها المترنح، فتمسكت بحافة الحوض، طالعتها صورتها بالمرآة فازداد تألمها، حين أتخذت شفتيها لون الزرقة بدلاً من حمرتها، ازداد دوارها وتعالت شهقاتها ودموعها، ولاحظتها إحدى السيدات  فاقتربت منها تساندها لتجلسها على مقعد جانبي وسألتها:

-ما بكِ صغيرتي أنتِ لا تبدين بخير أخبريني أيرافقك أحدهم أم أنتِ هنا بمفردك.


بحثت أمل عن هاتفها فتذكرت أنه بحقيبتها فوق الطاولة، أحست المرأة بأن هناك خطباً ما فشحوب أمل أخافها كثيراً حينها أندفعت المرأة إلى الخارج وصاحت تطلب المساعدة، ولم يتوان حازم عن أقتحام المرحاض فهو ترك مادي فور أختفاء أمل بداخله ووقف بالقرب منه ينتظر خروجها، سكن قلبه الرعب حين رأى وجهها بشحوبه الغريب وزرقة شفتيها، فحملها دون تفكير ليسود الصمت بقاعة المطعم، حينها انتبه أحمد إلى ما يدور حوله فانتفض حين وقعت عيناه على حازم وأمل بين ذراعيه، فأختطف حقيبتها وهاتفه وأسرع خلف حازم ليدركه أمام سيارته فسأله بخوف:

-مالها أمل يا حازم إيه اللي جرالها فهمنى حصل ايه .


أجابه حازم بقلب يرجف:

-مش وقته يا أحمد أرجوك سوق بسرعة على أقرب مستشفى خلينا نلحقها.


تجاوز أحمد إشارات المرور ولم يتمهل حين تعالت صفارة سيارته الشرطة وطاردته حتى صف سيارته أمام المشفى، غادر حازم وحمل أمل فأسرع إليه أطباء الطوارئ وأختطفوا أمل من بين يداه، تبعه أحمد ولكنه تفاجئ بالعديد من رجال الشرطة يحيطون به هو وصديقه، فالتفت حازم إليه يعتذر بندم لما آلت إليه الأمور، ولم يفلح أحمد فأقناع الشرطة بسبب تجاوزهم للأشارات وعدم التوقف، ورفض الشرطي أن يمهلهم الوقت للاطمئنان على أمل، وحين ادرك أحمد بأن الوضع تأزم كلياً  خفض رأسه وقال:

-مافيش فايدة لازم بابا يعرف.


تم التحفظ عليهم بقسم الشرطة القريب من المشفى، وجلس كلاهما يغمرهما الشعور بالقلق فأمل بالمشفى بمفردها، وأمجد بطريقه إليهما، ولن يرحمهما أحد من بطشه بسبب ما أصاب أمل.


مرت ساعة تلو الأخرى وهما داخل الحبس المؤقت، نهش الألم والحزن قلب حازم، تمنى لو يتركه الشرطة ليذهب إليها ويجلس بجوارها ليطمئن عليها، ولكن كيف بأي حق وأي وجه وهو سبب ما حدث لها، وكما زاد ندم حازم ازداد ندم أحمد لأنشغاله بهاتفه عن أمل ونسيانه وصية والده، وللمرة الأولى توجس أحمد من ردة فعل والده خاصة لتأخر والده المتعمد بالمجيئ إليهم، لينتفض كلاهما حين ضج المكان بصوت أمجد الغاضب يقول:

-بقى هى دي الطريقة اللي حافظتم بيها على الامانة اللي طلبت منكم تصونوها،  بس عارفين أنتم مش غلطانين، أنا اللي غلطان علشان أفتكرت إني سلمتها لرجالة هيعرفوا يخدوا بالهم منها وهما طلعوا شوية عيال.


استنكر أحمد أهانة والده فهم بالأعتراض ولكن نظرات أمجد الغاضبة التي حدجه بها جعلته يلزم الصمت وينكس رأسه خزياً حين أضاف:

-أنا مش عايز أسمع صوتك نهائي يا أستاذ يا محترم، ولا حتى أشوف وشك بعد ما أخرجك أنت والبيه من هنا، وحسك عينك أنت ولا هو تقربوا من المستشفى فاهمين.


لم يتحمل حازم قرار منعه من الذهاب إلى المشفى فوقف أمام أمجد وقال:

-عمي أنا أسف بس أنا مش هقدر مروحش المستشفى أطمن عليها، أرجوك أنا موافق أن حضرتك تتصرف معايا بالشكل اللي يرضيك بس سبني أروح أطمن على على أمل. 


كظم أمجد غضبه وأنهى أجراءات الأفراج عنهم، وأهمل النظر إليهم وغادر متجهاً إلى المشفى، ولج إلى غرفتها التي طلب من طبيبها أن يبقيها بداخلها، وأحكم أغلاق الباب خلفه ليمنعهم من الدخول إليها، وجلس بالقرب منها يتذكر تلك اللحظات التي تلت أتصال أحمد به، لم يدري أمجد كيف أصبح داخل المشفى لقد قاد سيارته بسرعة جنونية وهرول لغرفة الطوارئ في نفس توقيت مغادرة الطبيب للغرفة فأوقفه أمجد وسأله عن حالة أمل، فأجابه الطبيب بهدوء ليهديء من روعه:

-اطمن هي بخير ما أصابها هو ضغط زائد واجهاد، فقط تحتاج إلى الراحة ثم مراجعة لطبيبها المعالج لتتابع خطة علاجها.


حين هدأت ملامح أمجد أضاف الطبيب قائلاً:

-أريد أن أعلم منك اسم طبيبها المعالج، لأرجع معه برتكول العلاج الخاص بها، فحالة القلب لديها تحتاج إلى عناية خاصة حتى تتم خطوة التدخل الجراحي. 


أخبره أمجد بحزن بأنها ترفض متابعة العلاج، فزم الطبيب شفتيه وهز رأسه بأسف وقال:

-لا أنصح بتشجيعها على ذلك، فحالتها حرجة إن أهملت عن تعمد، أرجو أن تحاول أقناعها بتقبل العلاج لتنقذ حياتها.


زفر أمجد وهو يتطلع إلى وجه أمل الشاحب، وجسدها المتصل بأحد أجهزة تنظيم عمل القلب، لتحتاجه مشاعر الأسف تجاه طفلته الصغيرة، التي قرأ بعض ما دونته في مذكراتها، فعزم على استكمال قراءة مذكراتها، لعله يصل إلى معرفة سبب رفضها للعلاج.


وبخارج غرفتها وقف حازم يأكله القلق، فرفض أمجد أشعل غضبه وغيرته عليها، طرق باب الغرفة للمرة المائة ليفتح أمجد له ووقف يتطلع له بحدة وقال:

-هو أنا مش قولت مش عايز أشوف حد فيكم، ممكن أفهم جايين هنا ليه.


تماسك حازم بأخر خيوط تعقله وضغط على أعصابه كي لا يقتحم الغرفة عنوة ونظر إلى أمجد وقال:

-عمي لو سمحت خليني أشوفك وصدقني همشي بعدها على طول.


رفع أمجد حاجبه بتحدي وصفعه بالحقيقة التي لا يريد حازم سماعها وقال:

-وبأي حق عايز تشوفها يا حازم، على فكرة أنا لو كنت سايبك تخرج معها ولا تكلمها، فدا علشان أنا معتبرك زي أحمد اخوها، بس واضح كدا إن أنت تايه عنك حقيقة مهمة، وهي إن أمل مكتوب كتابها يا حازم، ودا يخليني أعتذر منك وأرفض طلبك بأنك تشوفها.


لم يتوقع حازم أن يقسو أمجد عليه هكذا، حينها بات الأمر واضحاً، لم يعد له مكان وعليه الرحيل عنها، أشفق أمجد عليه واستشعر الندم، وحين سمعه يعتذر منه وراه يوليه ظهره مبتعدا أوقفه أمجد وقال:

-يومين تحت الملاحظة وهتخرج يا حازم، فأعمل حسابك أن وقتها هيبقى ليا أنا وأنت جلسة طويلة، فأياك تفكر أنك تهرب مني علشان متخسرش.


أومأ دون النظر إليه وأستكمل طريقة، بينما وقف أحمد يتابع ما يدور بترقب ليطرده والده قائلاً:

-واقف عندك بتعمل إيه، أتفضل أمشي روح حصل صاحبك ومتسيبوش لوحده، وحسابي معاك بعدين يا أستاذ.

--------------------------------------------------------

الفصل الثالث عشر..عاشق وأعترف.

--------------------------------

ولجا سوياً إلى داخل الفيلا، مثقلين بالحزن ومكبلين بالشعور بالذنب تجاه أمل، بدا عاجزين أمام من يراهما.


ارتمى حازم فوق الأريكة ودفن وجهه بين كفيه، يفكر بأمر أمل وما حدث لها بسبب سوء تصرفه، وأتخذ أحمد مكاناً له إلى جواره وربت فوق كتفه بشفقة وقال بمحاولة منه لتخفيف من وطأة الندم على صديقه:

-حازم على فكرة أمل جامدة وهتعدي منها بإذن الله على خير، فبلاش تشيل نفسك الذنب بالشكل دا، صدقني شوية أصلاً وهتلاقي بابا داخل بيها ووقتها هتعرف أنها كويسة.


رفع حازم وجهه وحدق بوجه صديقه بحزن وقال:

-حتى لو دخلت بتجري أنا مش هقدر أغفر لنفسي اللي حصل مني واللي أتسببت بيه أنها تقع بالشكل دا، يا أحمد أنا فلحظة حسيت بقلبي هيقف لما شوفت وشها ابيض وشفايفها لونهم أزرق، بجد كان أحساس صعب ومش عارف أبعده عن تفكيري.


أحس حازم بأنه مكبل بجلوسه فهب على قدميه وأخذ يدور في المكان كأسدٍ جريح يلتفت بين الحين والأخر ويحدق بوجه أحمد ليأتيه صوت أحمد يقول بأستنكار:

-حازم بقولك إيه تعالى أقعد بدل ما أنت رايح جاى كدا.


رمقه حازم بنظراتٍ نارية فزم أحمد شفتيه وقال:

-خلاص يا عم ما قولت لك قبل كدا بلاش تبص لي بالطريقة دي، أقولك أنا هقوم أعملي فنجان قهوة كدا أظبط بيه دماغي، على ما بابا وأمل يرجعوا، وهدعي إن ربنا يلطف بينا وعمك أمجد ميعلمش علينا و.


كاد حازم أن يجذب خصلات شعره بحنق وهو يتابع قسمات وجه صديقه التي أعتلتها ملامح اللامبالاة فتنفس بقوة وقال:

-بقولك إيه خليك قاعد فمكانك وخد وادي معايا فالكلام بدل ما أنا حاسس إني هتجن، بص أنا عارف إن أنا غلطت، لأ أنا تصرفي كله من الأول كان غلط، أنا مكنش ينفع أبداً إني أدي مادي أي أحساس أو أشارة بأن الطريق مفتوح ليها علشان تاخد حريتها فتصرفاتها معايا، وللأسف نتيجة تصرفي الغلط خلى مادي تفتكر إن من حقها تتعامل معايا براحتها، أتجرأت فالبداية وأنا أديتها الأشارة الخضرا بكل غباء، ودا طمعها وخلاها تظن إن ليها السلطة الأكبر فحياتي.


لزم حازم الصمت وهو يزجر تصرفه المشين بحق نفسه وأمل، ليرتمي مرة أخرى فوق الأريكة وقال:

-أنت لو كنت شوفت عيون أمل، لما شافت مادي لازقة فيا، كنت فهمت وعرفت المأساة اللي أنا حاسس بيها.


رمقه أحمد بشفقه رغم سخطه وحاول أن يهون عليه الأمر فقال:

-بقولك إيه يا ابني متكبرش المواضيع، بص لو على تعب أمل، فأمل أساساً مريضة قلب زي ما فهمتك سابق، وبالنسبة لموضوع مادي مأظنش أبداً إن أمل أتأثرت بيه، وتلاقي تعبها بسبب الأجهاد اللي كانت فيه اليومين اللي فاتو.


ود حازم لو كان الأمر كذلك، ولكنه يعلم حقيقة الأمر هو من فرض عليها ذاك الموقف، وجرحها دون أي مرعاة لحالتها الصحية أو مشاعرها.


بينما أدرك أحمد أن كامل شكوكه أصبحت يقين، فصديقه وقع في حب أمل رغم تحذيره إياه سابقاً، ثار غضبه بسبب حماقة حازم، فهو أخبره بأنها تعشق زوجها ولن تفكر فيه أبداً، ووقوعه في حبها هو مأساة بحد ذاتها. 

تبادل الصديقان النظرات، زفر أحمد بيأس فهو لم يتمنى أن ينتهي المطاف بصديقه بهوة الحب تلك، فهز رأسه بالنفي حين تنهد حازم وسمعه يقول:

-أحمد أنا عارف أنك حذرتني، ووضحت لي كل حاجة بس صدقني مكنش بإيدي، أنا أنا فجأة لقيت نفسي بفكر فيها ليل نهار، مشغول بكل حاجة تخصها، بحب أشوفها وأعاند معاها، أحمد أنا أنا بعد اللي حصل دا، أتأكدت إن أمل سيطرت على حياتي، وصدقني أنا لا عارف أمته ولا إزاي، واللي جوايا ليها محدش هيقدر يفهمه ويقدره غيرها هي وبس.


أبتلع حازم غصته ورفع يده وضغط فوق صدره وصاح بقوة قائلاً:

 -أنا بس كنت حابب إنها تديني فرصة تفهمني وأفهمها، إنما أمل للأسف بحسها واخدة مني موقف، كل ما تشوفني تدوس على عصبيتي فبلاقى نفسي غصب عني بتحول وادوس عليها أنا كمان، ودا أنا مش حبه أنا مش عاوز الوقت يعدي بينا فمشاكسات فارغة، أنا نفسي اخليها تشوف حازم وتحس بقلبه، يمكن يكون لي فرصة معاها وتحس بيا وتشاركني احساسي.


لم يتوقع أحمد أن يكون وضع صديقه قد وصل لهذا الحد من العشق، ألمه أن يكتب لقصة حبه تلك نهاية مبكرة، فعليه أن يعيده إلى الواقع حتى ولو كان مؤلماً، فقال وأجراً إياه: 

-يعنى حبيتها يا حازم، رغم إنك عارف إنها بتحب خالد وإن مكتوب كتابها.


صاح حازم بحدة رافضاً سماع كلمات أحمد وقال:

-متقولش كلمة بتحب دي علشان منخسرش بعض، من الأخر كدا أمل مش هتحب أي راجل غيري، ودا لإني مش مقتنع بموضوع خالد، اللي أنت مصمم  عليه، وبعدين تسمح تقولي هو فين الأستاذ خالد اللي مدخله فالحوار.


لم يدري أحمد لما علقت كلمات حازم بعقله، فهو نفسه فكر طويلاً وأراد أن يسألها عن خالد، نفض أحمد تسائله بعيداً عنه، ووجد أن عليه أن يعيد لصديقه تعقله ليرى بأن حياة أمل لا مكان له فيها، فأبتسم بأسف على حال حازم وقال:

-للأسف يا حازم وجود خالد فحياة أمل حقيقة لازم تقبل بيها، وإلا هتبقى بتدفن راسك فالرمل زي النعام، وتعيش وهم إن مافيش حد فحياتها، فوق يا صاحبي قبل ما تخسر اللي أكبر من قلبك قبل فوات الآوان.


التفت حازم بحدة ينظر إلى أحمد بغضب رافضاً أن وصفه بالواهم، فقال مؤكداً ما يشعر به:

-أنا مش بتخيل يا أحمد أنا متأكد، عيوني لما بتشوف أمل بتأكد لي، إيدي لما بتلمسها بتأكد، فخدها مني كلمة وأعتبر إن وجود اللي اسمه خالد دا مؤقت فحياتها علشان أنا مش هسمح إنها تروح مني أبداً.


نظر أحمد إليه بتعجب من ثقته وقال:

-واضح إنك وصلت لمرحلة الجنان بأمل يا حازم، وأنا شايف إنك لازم تفوق قبل ما تتفاجىء بكسر قلبك، لما تعرف إن حبك ليها حب من طرف واحد بس.


تبدلت ثقة حازم لخوف فلاحق بنظراته عينا أحمد وسأله هامساً بتمني:

- تفتكر إنها مش حاسه بيا خالص، طيب ليه حسيت أنها غيرانة عليا لما شافت مادي أول مرة وكمان اللي حصل النهاردة تسميه إيه.


ربت أحمد على كتف صديقه ووقف وابتعد بضع خطوات عنه وقال:

-زي ما قولت لك قبل كدا أمل اتعرضت لضغط نتيجته كان تعبها مش أكتر.


صمت أحمد وعقله يستعيد ما حدث لتنير فكرة مستحيلة أمامه فهمس: 

-معقول تكون هي كمان بتحبه، ومش معقول ليه أمل من وقت ما حازم غاب وهى متغيرة، والنهاردة عينيها كانت مبسوطة وبتلمع لما وصل، وفرحت إننا خارجين.


نظر حازم بتمعن لأحمد بعدما لاحظ شروده وقال:

-أنت سرحت فايه أتكلم معايا يا أحمد.


هز أحمد رأسه واجابه: 

-مافيش أنا بس أجهدت بسبب اللي حصل، بص أنا هروح أعمل قهوة، على ما تريح لك شوية قبل ما عمك أمجد يجي، ويبدأ معانا التحقيق والعقاب.


أومأ حازم وهو يبحث عن هاتفه بجيب بنطاله، فتذكر بأنه وضعه فوق مكتب أمجد قبل مغادرتهم، فوقف وقال:

-تمام أعملي قهوة معاك على ما أدخل مكتب عمي أشوفه موبايلي، لإني تقريباً نسيته جوا، وبالمرة هاخد كتاب من عنده هقراه واشغل نفسي بيه، لحد ما أمجد باشا يظهر ويبدأ المحاكمة.


أتجه حازم صوب مكتب أمجد والتقط هاتفه، فوقعت عيناه على المجلد الذي كان بحوذة أمجد، مد حازم يده وألتقطه حينها أدرك بأنه لم يكن كتاباً كما أخبره أمجد، ازدرد حازم لعابه وهو يفتح أولى الصفحات بأصابع مرتعشة، وجلس غافلاً عن كل ما حوله، وعيناه تلتهم صفحات المذكرات، هب من مقعده غاضباً لما قرأه، وأحس أن بداخله بركاناً يتفجر من الغيرة، بسبب كلمات العشق التي كتبها أمل عن خالد، شعر برغبة عارمة تجتاحه ليمزق تلك الصفحات، فعاد ببصره وحدق بها وتذكر أمجد، فزفر بقوة والتقط هاتفه وأسرع بتصوير باقي الصفحات، وأعادها إلى مكانها قبل أن يقبض عليه بالجرم المشهود، وغادر مكتب أمجد فوجد أحمد يتجه صوبه، فابتسم بحرج وتبع خطوات صديقه ليسمعه يقول:

-أنا لقيت نفسي جعان فعملت ساندوتش اكلته علي السريع وأنا بعمل القهوة وعملت لك واحد.


أنحنى أحمد والتقط فنجان القهوه وأعطاه لحازم وسأله حين وجده مقطب الوجه:

-إيه مال وشك مقلوب كدا ليه هو ابويا كلمك ولا حاجة.


نفى حازم وهو يشعر بالذنب لاقتحامه خصوصية أمل وجلس يرتشف قهوته يلوم نفسه على ما فعله.


 ----------------------------------------------------------


بالمشفى وبغرفة أمل جلس أمجد بجانب أمل بعدما عاد إليها وعيها، لم يرغب في أن يثير معها أي حوار حتى لا يزيد اجهادها، خاصة بعدما ألمح الطبيب أن السبب الرئيسي لازمتها تلك نفسي، وطلب منه مراجعة مستشار نفسي يتابع معها تلك الحالة، نظر لها وهى مغمضة العين باستكانة وضعف، بدت وكأنها خاوية الروح، فشعر بضرورة وجوب تدخله لينهي تلك الحالة.

فتحت أمل عينيها ونظرت إلى خالها وتبينت شروده، أشاحت بوجهها عنه وهي تتنهد بحزن بعدما أحست أنها دوماً تؤلم الجميع حولها، لتنتبه ليد خالها تربت فوق يدها، أولته نظراتها فابتسم لها وقال:

-تحبي تفضلي هنا لحد ما تحسي إنك بقيتي احسن ولا تحبي نروح.


ازداد أحساسها بالوهن حين حاولت التحدث، ليفوز صمتها من جديد، فهزت رأسها  بالموافقة واعتدلت تستند إلى حافة فراش المشفى، وأشارت غلى أمجد برغبتها بالذهاب.


ولج أمجد إلى الفيلا حاملاً أمل بين ذراعيه، ولم يتفاجأ لرؤيته حازم وأحمد بالردهة، وما أن وقعت عينا حازم عليها حتى هب من مكانه، وخطى نحوهم ليوقفه صوت أمجد الصارم بقوله:

-مكانك وإياك تخطي خطوة زيادة أنت فاهم.


أحمر وجهه حرجاً فأشاح برأسه، ونظر إلى أحمد بسخط، فتجاوزهم أمجد وأكمل طريقه إلى أعلى، فزفر حازم بضيق وهو يقاوم غيرته عليها وقلقه، وأخذ يتحرك بلا هوادة، وعيناه تختلس النظر إلى أعلى بين حين وآخر، وحين مرت نصف ساعة ولم يظهر أمجد، ألتفت حازم وقال:

-بص أنا مش قادر أتحمل، يعني أنا عديت لأبوك احراجه ليا، وأنه كمان شايلها وحضنها أدامي، وسكت لما رفض يخليني اطمن عليها فالمستشفى، رغم إن مكنش هيحصل حاجة يعني، بصراحة أنا مش فاهم هو ليه متعنت معايا. 


تابع أحمد الأنصات إلى كلمات حازم بدهشة، ليزيدها حازم بقوله:

-بقولك إيه يا أحمد ما تخليك جدع، وتطلع تقنعه إنه يخليني أطلع أطمن عليها، وبعدها يبقى يعمل فينا اللي هو عايزه براحته.


ضرب أحمد كفيه معاً بيأس وهو يتطلع إلى صديقه، الذي وضحت غيرته على ملامحه وصوته، فقال ليردعه عن جنونه:

-يا ابني أنت فوعيك، بقى عايزني أطلع لأبويا، وأقوله سيب حازم يطمن على أمل، يا صاحبي هو أنت مخدتش بالك من ملامح وشه كانت عاملة إزاي، يا حبيبي دا مش بعيد تلاقيه نازل دلوقتي يقتلنا بعد البصة اللي بصها لينا.


أتى صوت أمجد الذي ظهر فجأة أمامهم ليجفل كلاهما:

-دي مش بصة قتل يا بشمهندسين، دي بصة خيبة رجا فيكم، علشان أعتمدت عليكم وخيبتم ظني فيكم، عموما دا مش وقت حساب، علشان أنا عايز أفهم اللي حصل، من غير لف ولا دوران، فمين فيكم اللي هيتكلم ويفهمني.


أبتلع حازم غصة احسها تقف في حلقه بعدما قرأ الخزلان بعينا أمجد فيه، فتنهد بقوة وخطى صوب أمجد، بينما راقب أحمد صديقه فأتسعت عيناه بخوف، حين أدرك أن حازم على وشك الأعتراف بكل شيء، كاد يمنعه ولكن إشارة والده له بأن يلزم الصمت، جعلته يحدق بحازم ينذره بألا يتبع تهوره، فأهمل حازم تحذير أحمد وقال: 

-قبل أي حاجة هقولها، أنا حابب أفكر حضرتك إني عمري ما كنت ندل ولا خسيس، وعمري ما تجاوزت حدودي، ودايما معتبر نفسي إبنك زي أحمد ويمكن أكتر كمان، و.


قاطعه صوت أحمد رغم نظرات والده النارية التي رمقه بها:

-طيب أنا مضطر أنسحب من جلسة المصارحة اللي بدأت، وهمشي قبل ما يبدأ ضرب النار بسبب اللي هيحصل بينكم، وكمان علشان تقدروا تاخدوا حريتكم فالكلام، بس متقلقوش أنا هبقى قريب منكم، ولو حسيت إن الوضع هيخرج عن السيطرة، هطلب لكم قوات حفظ سلام تفض الأشتباك.


صاح أمجد بغضب ينهيه عما يقول:

-اخرس يا أحمد دا وقت هزار أبداً ولا أنت مش ملاحظ إن فعلا الوضع ميتحملش.


زم أحمد شفتيه لتقريظ والده له، ليغمز لحازم حين سمع والده يقول:

-وأنت يا أستاذ أنا مش فاهم إيه لزمة الكلام اللي قولته دا، بقولك إيه ممكن تدخل فالموضوع على طول، علشان أنا جبت أخري

منكم.


ازدرد حازم لـعابه وأردف:

-من الأخر يا عمي أنا بحب أمل، واللي حصل لها النهاردة كان بسببى، ودلوقتي ينفع بقى نقعد أنا وحضرتك، نتكلم بهدوء سوا ومن غير عصبية.


لقد سبق السيف العزل ووقع ما يخشاه، بدت ملامح أمجد تنذر بالخطر، حين أحتقن وجهه وأنتفخت أوادجه، وأحتدت نظراته وهو يحدق بوجه حازم، الذي تابع حالة الغضب العارم التي وصل إليها أمجد، ولكنه أصر على أن يستكمل طريقه للنهاية، فلزم مكانه حين أتى هجوم أمجد بصوته الهادر يقول:

-يعني حضرتك كنت هتموت بنتي، وببساطة واقف أدامي تقولي أنا بحبها، طيب والمفروض بقى أنا أعمل إيه، أخدك بالحضن وأقولك وماله يا ابني، حبها عادي أصل الحب مش عيب ولا حرام، وتعالى ننسى إن مكتوب كتابها، ومفروض بقى أغمض عيني وأسيبك تكمل وتفضل داخل وطالع.


تسارعت أنفاس أمجد وازداد غضبه أشتعالاً فأردف مستكملاً:

-أنا مش عارف هو أنت شايفني إيه يا محترم، تكونش شايفني ديوث، علشان أقبل حبك لبنت أختي المتجوزة، حقيقي أنا مصدوم فيك، لأ صدمتي مش فيك لوحدك، دي كمان فالبيه ابني اللي أكيد على علم باللي سيادتك قولته.


تملك الخزي من حازم وهو يستمع لسيل كلمات أمجد، في حين بدا أمجد وكأنه على وشك الأصابه بأزمة قلبيه، ليشيح أمجد بوجهه عن حازم، فنكـس الأخير رأسه بعدما أدرك بأنه خسر صديقه وأمجد، بل وأمل أيضاً بتهوره، فأستدار ليغادر تتابعه عينا أحمد بحزن، لينتبه أحمد لصوته والده يقول بغضب مكتوم:

-شوفلك حته أقعد فيها غير هنا لحد ما أعصابي تهدا، وإياك تقفل موبايلك، أتفضل أمشي من أدامي أنا مش عايز أشوف وشك.


---------------------------------------------------------


وفي مطروح كان الوضع قد وصل إلى حد، جعل محمد والد أمل علي وشك الانفجار، فكلما تحدث إلى خالد وأخبره بأنه يريد رؤيته، يعتذر خالد ويتعلل بعدم وجوده وإنشغاله، متهرباً من مقابلته، فلم يجد محمد أمامه حلاً غير السفر دون علم أحد إلى القاهرة، وصل محمد وبرفقته ثريا إلى منزل نعمة، ورغم تفاجئها بمجيئهم رحبت نعمة بهما، ولكن توجست من حضورهم ومن ملامح الحزن التي ملاءت وجهيهما.


لم تصدق ضحى بأن والديها أتيا للأطمئنان عليها وكحال خالتها نعمة أحست بأنهما يخفيان عنها أمراً ما.


وبوقت متأخر داخل غرفة ضحى، جلست ثريا بعيون دامعة، فسألتها ضحى عما بها، فزفرت ثريا ووجدت أن عليها إطلاع ابنتها عما حدث فقالت بصوت هامس:

-قومى الأول شوفي خالتك نعمة نامت ولا لسه سهرانة، وتعالي علشان عيزاكي فموضوع.


أمائت ضحى برأسها وغادرت غرفتها بهدوء وحين أطمئنت عادت وجلست بجوار والدتها وقالت:

-خالتو نامت يا ماما ممكن بقى أفهم في إيه، بصراحة أنا مش مقتنعة إن أنتم جايين فزيارة عادية، ماما أرجوكي متخبيش عليا وطمنيني أحسن أنا هموت من القلق، هي أمل كويسة، وبعدين هو بابا مرضاش يريح ليه ونزل.


تنهدت ثريا بحزن وأجابت بصوت مكلوم:

-ابوكي راح مشوار ضروري، مشوار كان لازم يتعمل من بدري، المهم قوليلي هي إيمان حضرت الأمتحانات هنا.


أجابتها ضحى بحيرة بنعم وهي تتابع ملامح والدتها الحزينة، وقبل أن تسألها ضحى عما بها، استكملت ثريا حديثها قائلة:

-أنتِ عرفتي إن إيمان أتجوزت يا ضحى!.


شهقت ضحى وهبت من مكانها وصاحت بدهشة:

-إيمان مين اللي أتجوزت يا ماما.


جذبتها ثريا لتعود إلى جوارها وهي تطالبها بخفض صوتها وقالت:

-وطى صوتك أحسن خالتك تصحى وساعتها مش هنخلص، هتفضل تدينا فكلام يسم البدن وأنا مش ناقصة، المهم أنا لما أنتِ كلمتيني قلقت، فروحت لأسماء اسئل عليها، وهي اللي قالت لي إن إيمان اتجوزت، بس مش دا الغريب يا ضحى، إن خالتك اسماء قالت إن إيمان اتجوزت وسافرت لجوزها السعودية قبل امتحاناتها، واللي اعرفه منكم إن إيمان حضرت الأمتحانات هنا، يبقى أتجوزت وسافرت السعودية إزاي.


بهتت ملامح ضحى وهي تنظر إلى والدتها بصدمة، لا تصدق ما قيل فقالت مستنكرة:  

-يعني إيه الكلام دا ياماما أنا مش فاهمة.


اكملت ثريا حديثها بحسرة واضحة وقالت:

-مش مهم يعني إيه المهم عارفة مين اللي مشى فجواز إيمان يا ضحى. 


اتسعت عينا ضحى وهي تفكر باسم واحد فقط، لتهمس بتخوف:

-لا يا ماما اوعي تقوليها مستحيل يكون خالد.


هزت ثريا رأسها بايجاب وقالت:

-ايوة يا بنتي هو اللي مشى فالجوازة وسافر لخالتك أسماء وقال لها إن العريس يبقى صاحبه ورتب لخالتك كل حاجة لا وكتر خيره كان وكيل إيمان.


شهقت ضحى بصدمة وأحست بأنها لا تعي ما تقوله والدتها، فمتى تم كل هذا وهي ترافقهم ليل نهار، ولما سعى خالد لتزويج إيمان ولما أخفى عنهم، فأفصحت عن ظنونها تلك لوالدتها وقالت:

-معقول الكلام دا طب هو كل دا تم إمته وإزاي وليه يقول لطنط إسماء أنها سافرت، أنا مش قادرة أستوعب إن خالد ممكن يكذب بالشكل دا ومش هو لوحده لأ، دا هو وإيمان اللي كانت قاعدة معانا، ومش باين عليها أي حاجة، معقول كانوا بيمثلوا علينا طول الوقت وهما.


هاجمت الشكوك عقل ضحى، حين مرقت كلمات خالتها أمامها، فقطبت جبينها وجلست بعدما أبتعلت باقي كلماتها لتفر دموع الغضب من عينيها، بينما تمزق قلب ثريا على حال ابنتها وشاركتها البكاء بصمت، لتلتفت ضحى إليها بحزن وأردفت بصوتٍ متهدج:

-ماما تفتكري إن كلام خالتو نعمة صح، وإنهم هما السبب فاللي حصل لأمل، معقول تجيلهم الجرأة، يقعدوا فوسطنا بياكلوا ويشربوا معانا وهما بيخونونا، مش معقول يا ماما مش كدا، أصل أستحاله إن خالد يخون أمل، أستحاله يكون الحب اللي فقلبه لأمل كذب، أنا أنا عقلي هيقف من التفكير، مش قادرة أصدق إن خالد وإيمان طب إزاي.


انتحبت ثريا بعدما أدركت أن شقيقتها كانت على صواب، وأنهم خدعوا جميعاً لتأتي كلماتها الساخطة:

-ما هو لما تجمعي واحد زائد واحد، تبقى النتيجة قلة الأصل والسواد اللي جوا القلب، وواضح إن خالد أستغل طيبتنا وهبلنا وثقتنا فيه، وداس على أختك وكسر قلبها، وأختك أختك يا حبة عيني، أكيد عرفت حاجة، علشان كدا متحملتش ووقعت من طولها، عيني عليكي يا أمل.


أحست ضحى بقلبها يُفطر على شقيقتها، فصورتها وهي غائبة عن الوعي بشقة خالد طاردتها، فأغمضت عينيها لشعورها بالذنب، فهمست بحقيقة ما حدث لأمل بصوت ممزق، فلطمت ثريا فوق صدرها بقوة، وحدقت بابنتها تلومها لأخفائها الحقيقة عنهم وأردفت:

-أخس عليكي يا ضحى بقى هان عليكي تخبي عننا اللي حصل وتشاركيهم فكذبهم علينا، ليه كدا يا بنتي، طب لو مصعبتش عليكي أختك، مفكرتيش فأبوكي اللي قاعد مستني البيه يظهر فشقته تحت، يبقى متغفل بالشكل دا، ليه كدا يا ضحى، ليه مقولتيش علشان أبوكي كان أتصرف من وقتها، على الأقل كان طلق أخته منه ورد لها أعتبرها وكرامتها.


نكست ضحى رأسها أرضاً بخزي، وأعتذرت ببكاء مرير لأخفائها الحقيقة، وحين ساد صمت طويل بينها وبين والدتها، هاجمت الهواجس عقل ضحى فألتفتت لوالدتها وقالت بصوتٍ مهزوز:

-ماما تفتكري إيهاب كان عارف ومخبي، أكيد كان عارف ماهو صاحب خالد، أنا أنا مش عارفة لو طلع عارف هعمل إيه.


ربتت ثريا على كتف ابنتها وعقبت:

-بلاش تظني فايهاب يا ضحى.


بدت ضحى كتائهة تبحث عن طريق نجاة، ولكن أفكارها وظنونها عصفت بها فقالت بحزن:

-بلاش أظن فيه ليه، إذا كان إيهاب وخالد على طول سوا، وسرهم مع بعض، يبقى أكيد كان عارف حاجة.


حاولت ثريا أقناع ابنتها فقالت:

-يا بنتي إحنا مشفناش من إيهاب أي حاجة وحشة، والجدع شاريكي وعمره ما قل بأصله، أستعيذي من الشيطان يا بنتي و.


قاطعتها ضحى مردفة بألم:

-إن كان اللي عاش معانا طول حياتنا، لاكتر من 18 سنة مطلعش أمين، يبقى اللي لسه عرفينه هيطلع إيه، وبعدين يا ماما اللي يداري على الخيانة ميأتمنش، عموما أنا مش هقعد وأقول يمكن وميمكنش، أنا هقوم أتصل بيه وهسأله و.


سارعت ضحى بالوقوف فقبضت ثريا على يدها وهزت رأسها بالنفي وقالت:

-أهدي يا ضحى وأصبري، لحد ما ابوكى يخلص كلامه مع خالد، وبعدين أبقى أعملي اللي أنتِ عيزاه.


سكن الرفض عيون ضحى، فازداد أشفاق ثريا عليها وتنهدت بحزن، فضمتها إليها وربتت على ظهرها، وحين وصل إلى سمعها صوتٍ خطوات بالخارج، همست ثريا برجاء: 

-ضحى بالله عليكي حاولي تمسكي نفسك أدام خالتك، علشان متحسش بحاجة.


أبتعدت ضحى ونظرت إلى والدتها بدهشة وقالت:

-بس خالتو مسيرها تعرف، وبعدين هي الوحيدة اللي كانت حاسة إن في حاجة بين إيمان وخالد و.


أوقفتها ثريا عن أكمال حديثها وقالت بتردد:

-أنا عارفة كل اللي هتقوليه بس يعني.


رفعت ضحى حاجبها باستنكار لتتنهد ثريا وتردف:

-كملي جميلك يا ضحى وأستري على إيمان، دي مهما كان أتربت فبيتنا، وواجب علينا حتى لو خانت العيش والملح، إننا نصون سرها و.


قاطعت صيحة غضب ضحى والدتها لتقول:

-بقى معقول يا ماما أنتِ اللي بتقولي كدا، يا ماما أنا لو مكانك، كنت سمعت بيها الدنيا بحالها، ومسحت بيها الأرض هي والندل التاني.


هتفت ثريا بجزع وقالت بخوف:

-لأ يا ضحى أبوس إيدك، أنا مش حمل سؤال ربنا، لو حد خاض فسيرة إيمان، صدقيني محدش فينا حمل الوزر دا، يا بنتي إحنا بنطلب الستر من ربنا فالدنيا والآخرة، نقوم نفضح غيرنا حتى لو كنا صحاب حق، بلاش يا بنتي تطاوعي شيطانك، وتخليه يلعب فدماغك، وتقولي حاجة أنتِ فاهمة، وإياكي تجيبي سيرة لأختك لحد ما نشوف الموضوع هيخلص على إيه.


-------------------------------------------------------


لازال خالد بالاسكندرية، لا يدري عن انتظار محمد له بشقته شيئا، يلازم إيمان التي اشتد عليها التعب والاجهاد، فأصطحبها إلى المشفى وما أن أنهى الطيبب فحصها، حتى أعتدل ورمقه بنظرات نارية وقال:

-إيه يا أستاذ الأهمال دا، بقى معقول تسيب مراتك تهمل فأكلها وصحتها وتجهد نفسها للدرجة دي، أنا مش عارف لما أنتم مش قد مسئولية جواز وحمل وولاد، بتتجوزوا ليه من الأول.


أثارت كلماته غضب خالد فتطلع إلى إيمان بغضب، ليعيد الطبيب أنتباهه إليه بقوله:

-عموما أحمد ربنا إنك جبتها دلوقتي، وعموماً أنا هكتب لها على نظام تمشي عليه، ولازم تتابعها بنفسك وتهتم بأكلها وبمواعيد العلاج، والأهم أنك تمنعها من الحركة نهائي، كورس العلاج هتمشي عليه أسبوعين، وتجيبها لي تاني علشان أشوف الوضع معاها بقى إزاي.


غادرا المشفى سوياً بصمت، وكافح خالد طوال طريق العودة، على السيطرة على غضبه، وما أن ولجا إلى داخل شقتهم، حتى فلت زمام تماسكه، فقبض على ساعدها وضغط عليه بغضب، وصاح ينهرها بحدة قائلاً:

-عجبك اللي حصل يا هانم، شوفتي أخر أهمالك، وإنك مبتسمعيش الكلام، بقى أنا على أخر الزمن أتهزق، من حته دكتور ميسواش، علشان سيادتك عايشة لي دور الضحية، وبعدين تعالي هنا هو أنا مش طلبت منك مليون مرة، أنك تاخدي بالك من اكلك ومن صحتك.


حاولت إيمان سحب ساعدها من قبضته وحين شدد ضغطه عليه توسلته:

-خالد أرجوك سيب دراعي أنت بتوجعني.


تركه بسخط وهو يحدق بها حانقاً، وأستدار عنها كابحاً رغبته بصفعها، وهمهم وهو يبتعداً عنها:

-دي بينها عيزاني أسيب كل حاجة وأقعد هنا أراقبها، ما هو دا اللي ناقص هي تهمل وتدلع، وأنا اللي أشيل الليلة، وفالأخر أتهزق بسببها، تكونش فاكرة نفسها أمل وأنا مش واخد بالي.


طعنتها كلماته الأخيرة، فأثارت غضبها كونه لازال يراها دون المستوى، ولا ترقى ليوليها أهتمامه كما يجب عليه، فصاحت بغضب وهي تتبع خطواته:

-ومفتكرش نفسي زي أمل ليه يا خالد، ولا هي أمل أحسن مني، طيب يا أخي راعي شعوري شوية وحس بكلامك بيوجع قد إيه، ولا أنت خلاص مبقتش بتحس ولا بتشوف، إلا الحاجة اللي تمس أمل وبس، وبعدين أنت عايزني أخد بالي من نفسي إزاي، وأنا لوحدي طول الوقت، دا أنت يادوب بتيجي هنا زاير، تنام لك كام ساعة وتختفي تاني، وساعات بتقعد بالأيام مبتجيش، يبقى عايزني أهتم بنفسي إزاي، أقولك على حاجة، إحنا فيها رجعنى أعيش فمصر، أنا خلاص مبقتش عايزة أعيش هنا بين أربع جدران.


أطاح خالد بأحد المقاعد فسقط أرضاً بدوي عال، ليبادلها الصياح قائلاً:

-أنا طهقت من العيشة دي، يا شيخة غيري بقى الكلام اللي حفظته من كتر ما بتقوليه، إيه أنتِ مزهقتيش من عقدة النقص اللي عندك، أرحميني بقى من نفسك دي وحسي على دمك، دا أنا أهملت دراستي وكليتي، وسبت شغلي ومالي وحالي فمطروح، ورضيت على نفسي أنزل أشتغل فملك غيري، علشان مقصرش فمصاريفك وطلباتك اللي مش بتخلص.


أخافتها ثورته وصوته العال، فتراجعت للخلف لتضع مسافة بينهما وحاولت أن تخفف من حدة غضبه وقالت:

-خالد أنا.


لم يمهلها الفرصة لتكمل فأوقفها عن الحديث بقوله:

-أنتِ إيه، عارفة أنتِ إيه أنتِ أنانية، ومبتحبيش إلا نفسك وبس، ومش حاسة بالضغوط اللي حواليا، مش حاسة بحالي وأنا بستخبى وأهرب من عمي محمد، أنتِ حتى مش فارق معاكِ أني بقيت كاره نفسي بسببك، يا شيخة دي كانت ساعة سودا، اللي أتهببت نسيت نفسي فيها ولمستك.


أستبد بها الغضب فصاحت ايمان بصوت عال:

-أنت ليه محسسني أني غصبتك، لا يا خالد فوق لنفسك، أنا لا ضربتك على إيدك ولا أجبرتك على حاجة، وأنت اللي طمعت فيا، وقولت تاخدني من ورا أمل، حبيت تمتع نفسك باللي مش قادر تطوله منها، ولعلمك لو في حد فينا مفروض يكره نفسه فهو أنا، علشان أنا اللي أجبرت على الهرب، وأتفرض عليا أعيش فالضلمة، بس تعرف خلاص أنا أستكفيت من العيشة دي، استكفيت من خوفك إن حد يشوفني معاك ويعرف إني مراتك، أنا مش عايزة عمري يضيع مني ما بين هروب وخوف، ولاحابة أفضل جبانة زيك.


اشعلت غضبه بكلماتها ووصفه إياه بالجُبن، فصفعها بقوة وقبض على شعرها فأطلقت إيمان صرخة ألم ولكن خالد لم يعبأ بها وصاح وهو يزيد من جذبها لخصلاتها:

-هي حصلت إن صوتك يعلا عليا وتطولي لسانك، أنتِ بينك نسيتى نفسك يا ايمان، نسيتي إن كل اللي أنتِ فيه مجرد تمثيل، علشان مرمكيش فالشارع وأسيبك للناس تنهشك، بس الظاهر كدا إني كنت غلطان لما طمنتك، أنتِ اللي زيك مقامها تترمي بطول إيدي علشان تعرف إن الله حق.


أنهى خالد كلماته ودفعها عنه لتسقط إيمان أرضاً بقوة، فوقف خالد يرمقها بكراهية وحين أولاها ظهره، زحفت إيمان بخوف وتشبثت بساقه تتوسله باكية:

-لا يا خالد وحياة أبننا متسبنيش وتمشي، بص حقك عليا أنا أسفة، صدقني أنا قولت كدا بس من وجعني منك ومكنتش أقصد إني أهينك.


حاول أن يبعدها عن ساقه ولكنها تمسكت بها بقوة وهي تردف:

 -أبوس رجلك يا خالد متسبنيش، دا أنا ماليش غيرك، بص أنا قابله تعمل فيا اللي أنت عايزه، بس خليك معايا ومتمشيش وتسبنى لوحدى، أنا ممكن أموت فيها ياخالد و .


تفاجىء خالد بغضبه يزداد بداخله، فكاد يركلها بساقه، ولكنه تجمد وصُدم مما يفعله بها، فانحنى وحملها وأتجه إلى غرفتها، وممدها فوق فراشها، فتعلقت بعنقه بخوف وأنتحبت قائلة:

-أنا عارفة إني السبب فكل اللي إحنا فيه، وأنت ليك حق تتعصب عليا و.


بات صوتها يثير نقمته، فحاول خالد أن يفك يدها عنه، ولكنها تشبثت به بقوة، زفر ساخطاً من نفسه وجلس بجوارها وأحاطها بساعده وأراح رأسها فوق صدره بعدما أشفق على حالها، وأغمض عيناه عن رؤيتها وقال:

-إيمان بجد معدش ينفع اللي أنتِ بتعمليه فيا، أنا مبقتش فاهم إصرارك على إنك تخرجيني عن شعوري بالشكل دا، أنا عمري ما كنت وحش كدا، ليه بتخرجي اسوأ ما فيا، أرجوكي بقى ارحمينا سوا، لإني معدتش قادر أتحمل.


حين واصلت بكائها تنهد خالد وربت على وجنتها وأضاف:

-خلاص يا إيمان بطلي عياط، بلاش تنسي إن أنفعالك دا هيجي على حساب ابننا، ولا أنتِ عايزة نروح المتابعة المرة الجاية والدكتور يهزقني تاني.


نفت كلماته وقالت بصوت متقطع بشهقاتها:

-أنــا كنــ كنت هــ هضربه علشان زعق لك، بص أنا مش هروح له تاني و.


وضع أصبعه فوق شفتيها ليمنعها من قول المزيد وقال:

-مينفعش متروحيش تاني، إحنا هنروح له تاني، وأنتِ لازم تساعديني وتاخدي بالك من نفسك، وأنا هحاول أظبط شغلي، وأفضي نفسي وأراعيكي، علشان تعرفي إني لا بهملك ولا برميكي، ها مبسوطة كدا.


جذب إيمان يده وقبلتها، وهي تحدق به بعيون سكنتها الدموع، واجابته بصوت حاولت أن تخفي منه إحساسها بالقهر، فعلى الرغم من محاولته لأرضائها، إلا أنها تعلم جيداً أنه لم يعد يرغب بالبقاء معها، فقالت بصوت متهدج:  

-خالد وحياة حبك لأمل، أوعدني إنك مش هتتخلى عني، وإنك هتاخدني معاك فأي مكان، وأنا أوعدك إني مش هعترض ولا هشتكي، حتى لو حبستني ومنعت عني أشوف النور.


لم يعد بيده شيء غير أن يعدها كما تريد فهمس بألم:

-حاضر يا إيمان أوعدك، ممكن بقى دلوقتي تهدي، بصي أنتِ ريحي شوية على ما أنزل أجيب العلاج، وإياكي أرجع ألاقيكي قومتي من مكانك فاهمة.

----------------------------------------------------------



تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
CLOSE ADS
CLOSE ADS
close