أخر الاخبار

رواية (عيون الريان) بقلم (نيللي العطار) (المقدمة والفصل الأول) كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات


رواية (عيون الريان) 

بقلم (نيللي العطار) 

(المقدمة والفصل الأول) 

كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات 

🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹


عندما يصبح القلب له عينان تبصران لاتخف فكما قال مولانا جلال الدين الرومي (والنور الذي في العين ليس إلا أثراً من نور القلب وأما النور الذي في القلب فهو من نور الله) .. وأكثر مانحتاج إليه في هذا العالم هو صدق البصيرة حتى وإن كفت أعيننا عن البصر.. ويكون حب أحدهم بين ثنايا الروح كالضوء ليؤكد لنا أن الظلام لم يعد خانقاً والحياة بدونه صحراء قاحلة لازرع فيها ولا مطر لأنه سيصبح سقياك وغذاؤك وماسيبقيك واقفاً على قدميك رغم إنهزامك والذكرى ستتسرب بين شقوق الجروح لتضمد ندوب أرواحنا وترمم تلك النتوءات التي ستتكون بلا أدنى جهد فوق أضلعنا وتنادي على من رحل دون وداع ...دعوني أخبركم يا أصدقائي من أكون .. أنا ريان سعد زين الدين الإبن الأول والوحيد لرجل الأعمال سعد زين الدين وسيدة المجتمع الراقي رويدا عيسى الشناوي ووريث مؤسسة الريان للإستثمار العقاري والمشاريع السياحية.. أمتلك كل شيء المال والأعمال والمظهر الإجتماعي المرموق بالإضافة لمظهري الشخصي الجيد وبنيتي الرياضية.. كل تلك الصفات جعلت مني محطاً لأنظار الفتيات داخل الطبقة المخملية فجميعهن يقعن في غرام العينين العسليتين والشعر الفاتح المسترسل ولا تنسوا أموال والدي بالمقام الاول.. ولسوء حظهن وحسن حظي أنني لم أكن مهتم بتفاهاتهن التي لا تروق لي فما أبحث عنه غير متاح داخل مجتمعهن الزائف ..المزين بالقصور والمجوهرات والسيارات الفارهة وأقف وحدي في مواجهة الخوف والإرتباك كلما أجبرتني الظروف على الإحتكاك بحياة لا أنتمي إليها وأنعزل قدر المستطاع تجنباً لرؤية أقنعة بشرية بائسة تنخر الروح بمجرد التعامل معها.. ولن أنكر أن تأثير تربية جدي وجدتي مازال مترسخاً بمبادئي وأسير وفقاً لما تلقيته من تعاليم ووصايا كوََّنت شخصيتي المغايرة تماما لنمط حياة الأثرياء مما يغضب والدتي كثيراً ويجعلها تناصبني العداء عندما تلتقط قرون إستشعارها رائحة جدي أثناء الحديث وتكره ملامح جدتي التي ورثتها رغماً عني وكأن قوانين مِندل للوراثة وُضِعَت من أجل إشعال فتيل غيرتها وغضبها الدائم ..لكن لماذا تلومني وهي التي سلمتهما عبأ تربيتي وتخلت عن وجودها بجانبي متخذة من سفرها برفقة والدي حجة لتتركني إبن ثلاث سنوات في بيتهما ليتحملا مسئوليتي حتى أصبحت مهندساً معمارياً ناجحاً تتفاخر بي أمام صديقاتها وكأنني خاتم" سوليتير " يكمل مظهرها الإجتماعي وللأسف علاقتنا متوترة دائماً ونقف على محك القطيعة بسبب إختلافنا الواضح وأحمد الله وأشكره أن أبي يعوضني عن قسوتها ويحاول تقليل الفجوة الكبيرة التي تتسع يوماً تلو الآخر بيننا .. أبي هو معطف أماني وظل حمايتي من مغبة ثوراتها المستنكرة لإلتزامي وكتفا قوياً أتكأ عليه في أوقات ضعفي .. نتشارك سوياً عاداتنا وعباداتنا كالصلاة وإخراج التبرعات الخيرية و نذهب سراً لزيارة بيت جدي وأحيانا نمارس الرياضة معاً ونظراً لتقدمه بالعمر أصبحت ممارسة الركض فالمضمار الملحق بالڤيلا غير مناسبة لصحته .. معذرةً يارفاق غفلت عن إخباركم أنني أسكن الآن في ڤيلا فاخرة تتوسط أرقى أحياء القاهرة .. لا أستطيع وصفها بالمنزل لأنها تفتقد دفء المنازل وإحتواء جدرانها ..تسيطر على أرجائها برودة منفرة بالرغم من مظاهر الترف والرفاهية الطاغية المتمثلة بالأثاث الفاخر والمساحة الواسعة والغرف الكثيرة المفروشة على أحدث طراز ورغم كل هذا لا أشعر بالراحة سوى في المطبخ حيث توجد مربيتي "نجاة " تلك العجوز الحنونة .. جابرة كسر خاطري وعوض ربي الغالي عن حضن أمي بعيد المنال .. ترتب غرفتي وتهتم بأحوالي ..وتطعمني بكفيها أشهى الأكلات التي تعدها خصيصاً من أجلي وتشاركني تفاصيل وأسرار لا أسمح لأحد غيرها بالإطلاع عليها.. لا تنام قبل الإطمئنان على إنتظام أنفاسي في فراشي وتدثرني جيداً صيفاً وشتاء وتطبع قبلة عميقة فوق جبيني يعقبها تمتمات بدعوات كثيرة ومتكررة تتضرع بها إلى الله كي يريح قلبي ويهدي لي نفسي .. أمنيات لم تخرج مرة ولو صدفة من شفتي والدتي الحقيقية.. لتصبح نجاة إسماً على مسمى فهي بالفعل طوق نجاتي من الفتور الذي أعيشه بين جدران هذا المكان وذكرى بيت جدي التي رفضت أن تتركني وحيداً وأحتل مكانة إبنها الذي لم تستطع إنجابه بملأ إرادتها ..  دعوني أشارككم يا أصدقائي سراً أو بالمعنى الأوقع هاجس يؤرقني من حين لآخر فبالرغم من بلوغي السادسة والعشرون من عمري إلا أنني لم أقابل فتاة أحلامي.. ولم يباغتني أي شعور نحو إحداهن ولو بالخطأ .. ولم يضم قلبي إسماً بين طيات مناجاتي لأدعو اللهم صاحبته وكفى.. وأحتاج من تعطي المعنى الحقيقي لعالمي وتعيد السلام لروحي.. أريد أن أجد تلك اليد التي ستلون دفتر حياتي المعتم بأناملها وتشكل حدودها داخل خريطة عمري لتسكن تلك الجزيرة المهجورة في شقي الأيسر.. لكن الحظ السيئ يضرب كتفي ويبتسم قائلاً (أنا لست مثلهم ولن أتركك أبداً ) فأكبر مشكلة أواجهها مع والدتي هي رغبتها الملحة في زواجي من إبنة أختها المصونة والجوهرة المكنونة " چيسي "  أكثر فتاة مغرورة تعيش على كوكب الأرض.. غارقة في بحر مساحيق التجميل ولا ترتدي إلا الملابس الفاضحة..حريصة دوماً على التواجد في محيطي ظناً منها أنها ستلفت إنتباهي لكنها لا تعلم مدى تقززي وشعوري بالغثيان لمجرد التفكير بها كزوجة.. فكيف سأئتمن تلك البضاعة الفاسدة المحاطة بأعين الرجال كالذباب حول صندوق النفايات على إسمي وشرفي وأختارها لأعلق مصيري ومصير تربية أبنائي فيما بعد برقبتها المغطاة بقلادات الألماس الباهظة وكما قال رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه (ليتخذ أحدكم قلباً شاكراً ولساناً ذاكراً وزوجة مؤمنة تعينه على أمر الآخرة)  ولا أعتقد إطلاقاً أن الآخرة والإيمان معنيان بالأمر لديها فهي كما أعتبرها تماماً .. سلعة رخيصة الثمن ، عالية القيمة تستمد قوتها من نفوذ والدها رجل الأعمال المعروف " محمود الصراف "

أغلق ريان دفتر مذكراته عندما سمع طرقاً خفيفاً علي باب غرفته .. نهض من مكانه ليرى من الطارق في هذا الوقت المبكر فالساعة الآن الخامسة صباحاً وجد المربية نجاة تقف أمامه بوجهها البشوش وضحكتها الصبوحة قائلة (صباح الخير ياحبيبي) 


بادلها ريان تحيتها وإبتسامة عذبة تزين ثغره ( صباح النور يانوجا.. إيه اللي مصحيكي بدري كده؟) 


دلفت نجاة إلى الداخل ممسكة بكفه تجيبه بحنان (قومت أصلي الفجر و ماجاليش نوم قولت أطلع أطمن عليك.. أحضرلك الفطار ؟)


- (لا مش عايز أكل دلوقتي.. يادوب أصلي الفجر وأجهز بسرعة عشان اعدي على كريم )


قالت له نجاة برجاء إعتاد عليه كل صباح حتى لا تدعه يغادر دون تناول فطوره (عشان خاطري كُل أي لقمة قبل ماتروح شغلك) 


رفع كفها المجعد إلى شفتيه يقبله قائلاً بمرح ( ماتقلقيش عليا أنا هفطر انهاردة مع زمايلي فالشركة) 


نظرت له بإستسلام قائلة بنبرة تحمل الأمر بعض الشيء (ماشي بس كُل كويس... صمتت للحظات ثم أردفت بتساؤل : صحيح إنت هاتعدي على كريم ليه ؟)


إتجه نحو خزانته ليخرج ملابسه قائلاً بقلة حيلة من رعونة تصرفات صديقه ( خبط عربيته امبارح ومضطر أوصله كل يوم لحد ما يصلحها) 


= (وماله ياحبيبي ربنا يخليكم لبعض) 


ألقى لها قبلة فالهواء يمازحها  (ويخليكِ انتِ كمان ليا )


بادلته قبلته ضاحكة على شقاوته التي لا يتخلى عنها أبداً مهما زاد طوله أمام ناظريها وقالت متجهة نحو باب الغرفة لتخرج (أسيبك أنا بقي عشان ما أعطلكش) 


وبعد وقت ليس بقليل تحديداً في تمام الساعة الثامنة إستيقظت سيدة الڤيلا (رويدا هانم)  وكعادتها أنهت روتينها الصباحي ثم إتجهت إلى المطبخ لتلقي الأوامر علي الخدم بتجهيز الإفطار حتى تتضح معالم اليوم وتعود إليهم بأوامر جديدة.. صعدت مرة أخرى لغرفة النوم حتى توقظ زوجها من أجل تناول الفطور في موعده فأكثر مايثير غضبها أن يتأخر أحدهم عن مواعيد الجلوس على مائدة الطعام ..

ولجت إلي الغرفة تهتف عالياً وهي تفتح الستائر ( مش معقول كل ده نوم) .. لم تتلقى أي ردة فعل منه على صوتها العالي فإضطرت أن تقترب من الفراش تلكزه في كتفه بتأفف 

(إصحى ياسعد هتتأخر علي شغلك)


فتح سعد عينيه ببطء يجيبها بصوت ناعس من أثر النوم (إيه يارويدا هو فيه حد بيصحي بني آدمين كده؟) 


رمقته بضيق  من كسله المعتاد ثم قالت بصرامة (ريان زمانه صحي والفطار جاهز ) 


مسح سعد على وجهه بكفيه يدلك عينيه قائلاً بحنق من طريقتها الفظة (ياستي قولِ صباح الخير الأول) 


ردت عليه بغيظ لتمهله في تنفيذ أمرها (صباح الخير ويلا بلاش كسل) 


أزاح سعد الغطاء سريعاً قائلاً بنفاذ صبر (حاضر .. سيبيني أفوق بقى )


أولته ظهرها لتخرج من الغرفة قائلة بلهجة آمرة (خمس دقايق وتكون تحت) 


زفر سعد بقوة محاولاً ألا يفقد أعصابه من أسلوبها المستفز (خلاص هاقوم أهه) ...


تركته متجهة نحو غرفة ريان لتبدأ وصلة التقريع اليومي المعتادة .. دلفت إلى الداخل  بعد أن طرقت على الباب وجدته يقف أمام المرآة يعدل من وضعية ثيابه التي لا تروق لها معظم الأحيان لكنه لا يهتم لآرائها حول مايرتديه .. محتفظاً ببساطته الأنيقة التي تضفي جاذبية خاصة عليه في كل حالاته.. يرتدي مايليق به رغم إعتراضها المتكرر على نمط حياته الذي تعتبره غير لائقاً بمكانته الإجتماعية .. رمقته رويدا بنظرات حانقة من أسفل لأعلى تتشدق من بين أسنانها بملامح ممتعضة (إيه اللي إنت لابسه ده؟)


رد عليها بعدم إكتراث ووجه لا يحمل أي تعابير  (قميص وبنطلون عادي يعني)


إشتعلت مقلتيها من برودة رده تصيح بغضب (بقى إبن صاحب الشركة يروح الشغل لابس زيه زي الموظفين ؟..إنت على طول ناسي إنت مين وإبن مين؟) 


زفر ريان بضيق لتدخلها في أدق تفاصيل حياته ( لا يا ماما مش ناسي أنا مين ..حضرتك اللي نسيتِ تقولِ صباح الخير) 


رفعت حاجبيها مستنكرة كعادتها قائلة بنفاذ صبر وكأن تحية الصباح ثقلاً على أكتافها (صباح الخير... يلا إتفضل إنزل الفطار جاهز)


إتجه ريان نحو الأريكة وجلس ليرتدي حذائه قائلاً بترقب (أنا هافطر انهاردة مع زمايلي فالشركة) 


إزدادت نظرات رويدا حدة وصدحت عالياً بعصبية شديدة (نعم؟ ... تفطر مع زمايلك؟ ...إنت إزاي تنزل بمستواك وتقعد مع الأشكال دي وتاكل عادي) 


أشاح بعينيه بعيداً عنها يحاول تمالك أعصابه التي تتعمد إثارتها ثم أجابها بهدوء مصطنع (ياماما أنا مش صغير عشان كراسة التعليمات اللي كل يوم ترميها في وشي عالصبح) 


إقتربت منه رافعة سبابتها أمام وجهه بعنجهية مفرطة هادرة بتعالي يزيد من نفوره نحوها (لما تبقي مش عارف تعمل كنترول علي تصرفاتك تبقى صغير ولازم تتعلم تتعامل مع الناس اللي أقل منك ازاي )


توهجت عينيه قائلاً بتحدي واضح ولهجة صارمة يعلم جيداً أنها لا تحبها لكن كيله طفح وصبره بدأ فالنفاذ  (الموظفين اللي فالشركة دول مش أقل مننا ف حاجة .. الناس دي فاتحة بيوتنا بشغلهم زي ما احنا فاتحين بيوتهم) 


لوحت رويدا بيدها فالهواء وهي تصدح عالياً بصوت كاد أن يصل إلى مسامع الجيران حولهم (خلاص إعمل اللي تعمله أنا زهقت منك ومن تصرفاتك) 


أطرق برأسه لأسفل أسفاً وآثر الصمت أمام حديثها المستفز الذي إعتاد عليه حتى أصبح روتيناً يومياً.. يراقب خروجها الجامح من غرفته وكأنه إرتكب جرماً شنيعاً في حق مكانتها الإجتماعية..تتملك منه رغبة في ترك كل مايمت لتلك المكانة اللعينة بصلة ويعود حيث تمتد جذوره بين أناس يشبهونه ويشبههم ..تسري في أوصاله رجفة حنين لبيت جده .. هناك فقط ينتمي إلى جدران لطالما أحاطته بدفأ يفتقده بين جنبات تلك الڤيلا الخاوية على عروشها من أي مشاعر إنسانية سوى الغضب والصراخ بوجهه كل صباح.. بينما إنصرفت رويدا تنفث الدخان من اذنيها متجهة إلى غرفة الطعام حيث يجلس زوجها في إنتظارها والذي إنتبه لمعالم الضيق البادية على ملامحها فسألها بامتعاض (مالك يارويدا قالبة وشك ليه؟)

 

زفرت بعصبية قائلة ( إبنك اللي هايجيبلي أمراض الدنيا بتصرفاته) 


لم تتبدل ملامح سعد قائلاً بإعتياد على هذا الجو المشحون بينها وبين ولدهما الوحيد (هو إنتِ لازم كل يوم تنكدِ عليه؟)


نظرت له والكبرياء يعتلي كل ذرة في وجهها تقول بأنف مرتفع ( مش قادر يفهم هو مين وإبن مين) 


ترك سعد الطعام بضجر شديد ثم هدر عالياً (ليه؟ ..عمل ايه لكل ده؟)


أجابته بعيون مشتعلة تحاول إثارة حنقه هو الآخر عليه (هايفطر مع زمايله فالشركة.. ازاي ينزل للمستوى البيئة ده؟) 


رد عليها سعد بهدوء لم يرضيها (وفيها إيه؟ .. ريان بيتعامل معاهم كأنه زيه زيهم عشان كدة بيحبوه)


شعرت بالدماء تغلي في عروقها من ردة فعله وقالت بعصبية (إنت هتجنني بدفاعك عنه) 


صك سعد أسنانه بغيظ قائلاً بتهديد (سيبِ الولد ف حاله شوية لاحسن هاييجي عليكي يوم وتخسريه وهاتتمني تشوفيه ومش هاتعرفِ) 


تأففت من كلماته التي يعيدها على مسامعها مراراً وتكراراً حتى حفظتها قائلة بضيق (إنت هتديني محاضرة عالصبح.. كمل أكلك عشان تشوف وراك إيه) 


نهض من مكانه بغضب حتى لا يصل الحديث معها إلى الشجار مزمجراً (أنا ماشي وسايبهالك خالص) 


*********

خرج سعد من غرفة الطعام يلعن تحت أنفاسه هذا الصباح الذي لا يمر أبداً على خير أمام تحكمات زوجته الأرستقراطية التي بدأ يزداد ضغطها عليه وعلى إبنهما الوحيد غير مكترثة لرغبات أياً منهما فستظل دوماً لا تعبأ لشئ إلا للمظاهر وأثناء خروجه الغاضب كان ريان يهبط الدرج هاتفاً عليه بمرح (صباح الخيرات على أحلى أبو ريان فالدنيا كلها) 


فتح سعد ذراعيه ليحتضنه قائلاً (صباح النور ياحبيبي) 


عانق والده بحب ثم إنحنى على يده يقبلها إحتراماً (حضرتك خارج بدري ليه؟) 


مسد سعد على شعره بحنان قائلاً بابتسامة (هاروح النادي الأول وبعدين أجيلكم عالشركة) 


بادله ريان إبتسامته (وأنا هاعدي آخد كريم معايا ونسبقك على هناك ...البيه خبط عربيته وهايتسنكح عليا لحد مايصلحها )

 

ضحك سعد (الواد ده طول عمره سنكوح بس جدع وبيحبك... ربنا يخليكم لبعض) 


رفع ريان كفيه أمام وجهه يدعو بمرح (اللهم آمين .... أستأذن بقا عشان السنكوح بيرن) 


نظر له سعد بأعين يملؤها الفخر قائلاً (ماشي ياحبيبي مع السلامة) 


أنهى ريان حديثه مع والده وإنطلق إلى الخارج مستقلاً سيارته وهو يضع الهاتف على أذنه ليجيب صديقه (خمس دقايق بالظبط وأكون عندك) 


صاح كريم من الطرف الآخر يستعجله بنفاذ صبر (إنجز ياعم بقالي ساعة واقف ملطوع ولا عشان عربيتي اتخبطت هنبتدي الذل بقى) 


ضحك ريان قائلاً (أنا عارف إن خبط عربيتك ده هاييجي على دماغي ومش هاخلص من قرفك) 


رد عليه كريم بمزاح (هافضل قاعد على قلبك لحد ما أبوك يزود مرتبي وأغير العربية) 


صك ريان أسنانه بضيق مصطنع (نفسي تشتغل بنص مرتبك.. أنا هاخلي أبويا يرفدك ويرحمني منك) 


أجابه كريم بتملق زائف (حبيب قلب كيمو إنت مالكش فالهزار ولا ايه؟)


أصبغ ريان صوته بجدية غير حقيقية (أيوة كده إتعدل) 


زفر كريم بحنق لتعود لهجته المازحة ( خلص بقي عشان شكلنا هنتأخر بجد وأبوك هيرفدنا احنا الاتنين)


لمحه ريان من بعيد فإقترب منه ثم قال قبل أن يغلق الخط ( خلاص وصلت... يلا سلام) 


****************


على صعيد آخر/


أجرت رويدا إتصالاً هاتفياً بأختها "نهى " لتدعوها علي العشاء هي وإبنتها "چيسي " معتقدة أنها بتكرار دعواتها لهن وتعمدها وضع الأخيرة دائماً أمامه سيخضع لرغبتها ويوافق على الزواج منها رغماً عنه .. ولتضمن وجوده في موعد العشاء هاتفته لتخبره بمجيئهن حتى يحضر مبكراً 


رويدا عبر الهاتف (ألو.... أيوه ياريان)


أجابها ريان بضيق  (أفندم ياماما)


- (عايزاك تيجي انهاردة بدري شوية)


= (ليه؟) 


تأكدت شكوكه عندما جاوبته بثقة (خالتك نهى وچيسي معزومين انهاردة عالعشا) 


رد عليها بنبرة حانقة أخبرتها بمعارضته والملل من تكرار تلك المقابلات التي تزعجه يتقافز عبر شبكات الإتصال الخلوية (هاشوف ظروفي ايه الأول ) 


أتى صوتها هادراً عبر الهاتف تقول بتحذير (هي كلمة واحدة تكون عالعشا انهاردة بالليل... مفهوم؟)


خرج ريان عن شعوره قائلاً بعصبية (وبعدين بقى ياماما قولت لحضرتك هاشوف ظروفي)


لم تكترث رويدا لحالة إبنها الغاضبة وهددته (أنا قولت كلمة وهتتنفذ .. هنستناك) 


أغلقت الخط ولم تمهله فرصة للرد فظل يرغي ويزبد في ضيق بالغ من تصرفاتها المنفرة بينما سأله كريم متعجباً (مالك يابني فيه إيه؟)


حاول ريان تهدئة أعصابه التي لم تعد تحتمل الضغط أكثر من ذلك قائلاً بغضب (أمي مسودة عيشتي ياكريم أنا خلاص اتخنقت) 


حاول كريم إمتصاص غضبه ثم أردف بهدوء (معلش إهدى دي مهما كانت امك) 


أشاح ريان بعينيه يطالع الطريق أمامه بيأس (طول الوقت تحكمات وأوامر ..بتعد عليا النفس اللي بتنفسه..انا لو بنت مش هاتعمل معاها كده) 


ربت كريم على كفه محاولاً تهدئته (روق بس وكل حاجة هاتبقى تمام)


قال ريان بغيظ شديد يعبر عن الضغوطات التي يتعرض لها يومياً على يد والدته (كل يوم عزومات وسهر لحد الصبح وهي عارفة إني مابطيقش چيسي .. ومطلوب مني أفضل قاعد معاها راسم علي وشي إبتسامة سخيفة شبهها عشان ماجرحش مشاعرها) 


تحدث كريم  معه بشكل جدي (ماتجرب تقرب منها وتعرفها أكتر يمكن تعجب بيها) 


 قاطعه ريان بإستهزاء (يابني أقرب من مين ؟.. إنت عايزني أرجعلك شايل عيل علي كتفي؟) 


ضحك كريم بشدة قائلاً (لا والنبي الراجل فينا مالوش إلا شرفه) 


تنهد ريان بألم وملامح متعبة (أنا بفكر أسيب البيت وأمشي خالص بعيد عنهم) 


أشفق كريم عليه كثيراً وقال محاولاً اقناعه (إسمع كلامي وحاول تدي لچيسي فرصة.. والله الدنيا تمام يبقي خلاص.. مش تمام يبقي انت عملت اللي عليك وامك كده يبقي مالهاش حجة) 


رفع ريان كتفيه قائلاً بقلة حيلة (ماشي هاحاول) 


إبتسم كريم ثم قال بمرح (خلاص روق أعصابك بقا إحنا لسه عندنا يوم طويل)


****************


في شركة الريان / 


هذا المبنى الضخم ذو الواجهات الزجاجية التي أعطت له رونقاً خاص ومدخلاً رخامياً رائع أضفى جمالاً مميز بالفخامة والرقي .. التصميمات الهندسية الدقيقة ومكاتب الموظفين المصفوفة جنباً إلى جنب أضافت لمسة أوروبية للشكل العام وكل شيء يسير داخله بشكل متكامل ومنظم .. أما عن مكتب ريان فكان يشبهه كثيراً .. هادئ و مريح.. ألوانه تبعث علي السكينة وكأنه مصمم ليناسب هدوء روحه وبشاشة ملامحه التي تحاكي القمر في فضاء ساحر لا يليق إلا به... 


دلف ريان إلى الشركة يعتلي ثغره إبتسامة إعتاد أن يبقيها على وجهه ليحيي زملائه رافعاً كفه بتواضع (صباح الخير ياشباب)


بادله الموظفين التحية في صوت واحد (صباح الخير يا بشمهندس )...بينما تحدث كريم بمزاح (إوعوا تكونوا فطرتم من غيرنا) 


أجابته موظفة ما بضيق زائف (والله كل ده تأخير مانخليه غدا أحسن؟)


تدخل أحد الموظفين في الحديث (إحنا كلنا جعانين)


أمسك كريم معدته بمرح قائلاً (ومين سمعك ده أنا عصافير بطني كلت بعضها جوه من كتر الجوع) 


تحرك موظف آخر قائلاً بحماس (يلا بينا علي أوضة الإجتماعات البنات زمانهم جهزوا كل حاجة)


إنتبه ريان لما يقولون فإستوقفهم بتعجب ( هتاكلوا فول وطعمية وبصل أخضر ف أوضة الإجتماعات؟..إنتم عايزين أبويا يرفدكم كلكم وانا أولكم؟)


ردت عليه إحدى الموظفات مستنكرة سؤاله (علي فكرة بشمهندس سعد لو جه ولقانا بناكل هيقعد ياكل معانا عادي) 


أمسكه الموظف من ذراعه يشجعه على الدخول (العيال دي واقعة من الجوع وهيخلصوا عالأخضر واليابس لو مادخلناش بسرعة) 


إضطر ريان لإطاعتهم وإتجه معهم نحو غرفة الإجتماعات على مضض وتفاجأ من المنظر أمامه بشدة ثم تحدث بشفتين فاغرتين (يانهار أبوكم مش فايت بقى الترابيزة اللي بيقعد عليها أكبر رجال الأعمال فالبلد تقلبوها مطعم أكلات شعبية... رفد جماعي إن شاء الله) 


ناوله موظف ما الخبز قائلاً ( يلا يابشمهندس مد إيدك قبل مالديناصورات دول يخلصوا عالأكل)


أخذ ريان منه رغيف الخبز وشرع في الأكل قائلاً (أنا أصلاً ميت من الجوع)


قضم كريم قطعة من البصل الأخضر قائلاً بتلذذ (الفول مع البصل تحفة)


أجابه ريان وهو يمضغ الطعام (ده إحنا محتاجين بألف جنيه لبان بالنعناع الله يحرقك) 


***************


إنتهى الجميع من تناول الطعام وقام العاملون بتنظيف المكان جيداً ليمحوا آثار المعركة الطاحنة مابين أطباق الفول وأعواد البصل الأخضر وبالطبع لم تخلو المائدة من الفلافل والمقبلات الأخرى ذات الرائحة النفاذة .. تركهم ريان ليستكملوا إزالة تبعات هذه الروائح من الغرفة الأكثر حيوية بالشركة وإتجه مع كريم إلى مكتبه ليتابع أعماله.. جلس على مقعده بكسل شديد من آثار البصل الذي تسرب إلى أوردته كالمخدر يمدد ذراعيه على المكتب.. واضعاً رأسه بينهما في منظر لا يوحي إلا بالنوم.. بينما جلس كريم على الكرسي المقابل له مرجعاً ظهره للخلف قائلاً بتعب (أنا بطني هتنفجر من كتر الأكل)


نظر له ريان من بين ذراعيه المستند عليهما قائلاً بخمول (البصل مدوخني وعايز أنام)


إستقام كريم في جلسته يحثه بتشجيع وهو ينهض ليتجه إلى مكتبه الخاص (لا فوق كده الله يكرمك أحنا ورانا هم مايتلم وأنا هاروح علي مكتبي وأسيبك تركز شوية)


إستند ريان برأسه علي ظهر المقعد يحاول إستعادة نشاطه ثم طلب منه برجاء (خلي رانيا تدخلي الجوابات وملفات الصفقة الجديدة) 


أطاعه كريم مندفعاً نحو الخارج ولم تمضِ ثواني حتي ولجت رانيا السكرتيرة الخاصة به وهي تحمل معها الأوراق والملفات التي طلبها منها..

ألقت عليه تحية الصباح مبتسمة برسمية (صباح الخير يابشمهندس)


بادلها ريان الإبتسامة بجدية (صباح النور يارانيا....إيه الأخبار؟)


تابعت رانيا حديثها بثقة (كله تمام يا افندم المشروع الجديد مؤشراته الأولية ممتازة وأوراق الصفقة الجديدة جاهزة)


أومأ لها ريان برضا ثم أردف (تمام... فين جوابات إنهاردة؟)


مدت رانيا يدها بإتجاهه قائلة  (دي الجوابات ومعاها الملفات اللي محتاجة توقيع حضرتك) 


أخذها منها يتفحصها بإهتمام متحدثاً بنبرة رزينة (إتفضلِ كملِ شغلك وخلي الأوفيس بوي يجيبلي فنجان قهوة ضروري)  .... خرجت رانيا من المكتب لمتابعة أعمالها بينما جلس ريان يتفحص الأوراق والمراسلات الواردة للشركة .. جذب إنتباهه وجود دعوة لحضور حفل سنوي خاص بدار أيتام يدعى (دار وسيلة علوي) .. تعجب كثيراً من وجود هذه الدعوة بين ملفاته الخاصة فإتصل هاتفياً بسكرتيرته ليستعلم منها عن الأمر 


ريان عبر الهاتف (ألو..... أيوه يارانيا )


- (تحت أمرك يابشمهندس) 


= (فيه دعوة وسط الجوابات لحفلة خاصة بدار وسيلة علوي .. ممكن أعرف معلومات عنها؟) 


إرتبكت رانيا من الخطأ الذي حدث وقالت بأسف (سوري ياافندم الدعوة جت لمكتب حضرتك بالغلط لأن النوع ده من المراسلات بيروح لمكتب بشمهندس سعد شخصياً )


سألها بنبرة هادئة (كنت عايز أعرف إذا كانت مهمة ولا لا؟) 


حاولت رانيا إستجماع المعلومات الكافية في ذهنها ثم أجابته (أنا كل اللي أعرفه إنها دار لرعاية الأيتام وذوي الإحتياجات الخاصة والد حضرتك متعود يتبرعلهم كل فترة ..تقدر تسأله وتفهم منه أكتر) 


أنهى ريان حديثه معها بشكل رسمي (مفيش مشكلة..أنا هابقي أسأله)


سألته رانيا بروتين معتاد (أي خدمة تانية يافندم) 


رد عليها بإحترام (لا شكراً) 


أغلق ريان الخط وظل بضع دقائق يقلبها بين أصابعه بشرود غريب.. متعجباً من هذا الصدى المُلِح في عقله ليحضر هذا الحفل.. حك جانب رأسه بتفكير لثواني وقرر أن يستجيب لرغبته لعل هناك أمراً وراء تلك الصدفة الغير مسبقة.. أفاق من شروده على رنين هاتف المكتب بإتصال من أحد العملاء  فإنشغل بمتابعة أعماله حتى إنتهى تقريباً في تمام الساعة السادسة مساءً وهم بالإنصراف للذهاب برفقة كريم إلى النادي لحضور موعداً مهماً خارج الشركة 

****************

يتبع ...... إلى اللقاء مع الفصل الثاني

تكملة الرواية من هنا 👇👇👇👇👇👇


من هنا

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
CLOSE ADS
CLOSE ADS
close