القائمة الرئيسية

الصفحات

ملاك فى قبضة الشياطين مقدمة والفصل الاول والتاني

 


ملاك فى قبضة الشياطين 

مقدمة والفصل الاول والتاني

كان اليخت الأبيض الضخم الذى هو أقرب الى سفينة صغيرة متوقفا فى عرض البحر على بعد ثلاثة أميال من ميناء أثينا .

فتحت زينة الباب الزجاجى الجرار وخرجت الى السطح تسير بالسرعة التى كانت تسمح لها بها تنورتها القصيرة الضيقة وحذائها ذو الكعب العالى وقد أرتسم الذعر والهلع على محياها ..

تتمايل بحدة وتلتوى قدميها من تحتها حتى أوشكت لأكثر من مرة على السقوط فتوقفت للحظة وخلعت الحذاء وألقت به فى الماء غير آسفة عليه .

ضربت موجة شقية جانب اليخت وألقت برذاذها عليها .. فشعرت بطعم ملوحة ماء البحر على شفتيها .. أم انها كانت دموعها ؟!!!! ..

راحت تتلفت حولها بيأس تبحث عن مكان تلجأ اليه وتختبئ به,

دارت حول السطح حتى وجدت سلم يؤدى الى أسفل .. لا تعرف الى أين .. ولكنها لم تتردد ونزلت بسرعة على الدرجات الحديدية الزلقة بفعل الرطوبة، أنزلقت قدماها وسقطت فجرحت ساقها بشدة ولكنها تحاملت على نفسها ووقفت متشبثة بالسياج الحديدى تعض على شفتها السفلى لتمنع صرخة ألم كادت ان تفلت منها وأكملت طريقها بحذر وقد بدأ جسدها يرتعش بوهن ويئن بعد سقطتها القوية .

وجدت نفسها فى غرفة المحركات وكانت من حسن حظها فارغة .. فلا أحد من البحارة يعمل فى تلك الساعة المتأخرة من الليل ,

بحثت بعينيها عن مكان يصلح للأختباء , كان هناك فى احدى الزاويا خلف أحد المحركات غطاء من البلاستيك مكوم بأهمال .. أسرعت وجلست على الأرض وغطت نفسها به لا تدرى بما قد يفيدها هذا

فأكيد سيجدها أحدهم عاجلا أو آجلا .. فأين يمكن لها ان تذهب وهى على هذا اليخت فى عرض البحر ..

أنتابها الغثيان وهى تتذكر المنظر البشع للرجل الضخم وهو ممدد على الأرض وعيناه جاحظتان والدماء تنزف بغزارة من رأسه , لقد دفعته بقدميها بقوة والتى لم تكن تدرى بأنها تملكها أو ربما لأنه كان ثملا قد فأختل توازنه وسقط الى الخلف ليصتطدم رأسه بحافة طاولة الزينة ويسقط بكل ثقله على الأرض مصدرا صوتا شبيها بخوار الثور ليسكن جسده بعدها بدون حراك , لم تجرؤ على الأقتراب منه وهربت من الحجرة بسرعة .

لم تساعدها رائحة الشحم الملتصقة بالغطاء على ألتقاط نفسا يبعد عنها ذلك الأحساس بالغثيان فوضعت رأسها بين ركبتيها حتى يزول الدوار .. 

بعد قليل سمعت صوت خطوات على السطح أعقبها أصوات صياح وغناء صادرة عن عدة أشخاص جمدتها فى مكانها وجعلت كل عصب فى جسدها يتنبه وراح قلبها يدق بسرعة وقوة حتى انها كانت تسمع صوت ضرباته داخل أذنيها , سكنت بلا حراك وكتمت أنفاسها وبعد لحظات بدأت الخطوات تبتعد والأصوات تنخفض وما كادت تلتقط أنفاسها حتى سمعت من جديد صوت خطوات ثقيلة وبطيئة تقترب من الحجرة التى تختبئ بها , أرهفت السمع ولكن صخب دقات قلبها وفوران أعصابها منعاها من التركيز ولما سحب الغطاء عنها فجأة أطلقت صرخة ليس لها صوت .. فلم تكن رئتياها تحملان هواء بداخلهما .

أطل عليها من أعلى .. رجل أربعينى متوسط الطول قوى البنية كان يرتدى أفرول أزرق خاص بطاقم البحارة شملها بنظرة أحتقار وهو يقول بالعربية وبلهجة أهل الشام

- ما الذى تفعلينه هنا ؟

الأحتقار فى صوته كان جليا ولكنها لم تهتم فقد كانت تعتقد أن كل طاقم البحارة من الأجانب .. لذلك قالت بأنفعال هستيرى وأصابعها تتشبث بسرواله وهي تشعر بأنفراجة أمل

- أنت عربى ؟.. أنت عربى.. ساعدنى أرجوك .. عايزة اهرب من هنا .. عايزة ارجع بلدى

عاد خطوة الى الوراء مشمئزا من ملامستها له وقال

- وما الذى جعلك تتركين بلدك من الأصل وتأتين الى هنا ؟

أنسابت الدموع غزيرة على وجهها

- أنا مش زى ما انت فاكر .. انا مش زيهم .. صدقنى أرجوك .

عقد الرجل حاجبيه وهو ينظر اليها فى شك ثم وقعت عيناه على جرح ساقها وقميصها الممزق والذي يكشف عن جزء كبير من جسدها فسألها

- هل الرجل الذى جاءوا بك من أجله هو من فعل بك هذا ؟

لملمت زينة أطراف قميصها الممزق عند العنق بأصابع مرتعشة وحاولت سحب تنورتها لتغطية فخذيها ولكن دون جدوى

- ايوة .

ثم أستطردت ببؤس مرير

- انا اتخدعت ومكونتش أعرف اللى ينتظرنى هنا .. أرجوك تصدقنى .

لانت تعابير وجه الرجل قليلا وداخلت نظراته الشك فأنتهزت زينة الفرصة لتسرد عليه قصتها

******

القصة كلها اثارة

الجزء الاول منها سأقوم بنشره اذا وجدت تفاعلكم عليها

***** ملاك فى قبضة الشياطين *****


ملاك فى فبضة الشياطين

.................................................

.................... الفصل الأول

كانت زينة فى الخامسة من عمرها عندما أنتقلت الى شقة جارتها

كان هذا شئ قد أعتادت عليه منذ أن أصبحت أمها مريضة وتقضى فى المستشفى أسبوعا من كل شهر تتلقى فيه العلاج .. فكانت تأخذها جارتهما أم علياء لتبقى عندها حتى عودة امها الى البيت مرة اخرى

وفى احدى المرات طالت أقامتها لديهم عن كل مرة وتأخرت أمها فى العودة حتى أسرت لها علياء ابنة جارتهم التى تكبرها بعامين قائلة لها

- انتى عارفة ان امك مش هترجعلك تانى خالص ؟

سألتها زينة ببراءة

- ليه مش هترجع ؟

- لأنها ماتت .. وده اللى خلى ماما تعيط امبارح .

لم يستطع عقلها الصغير وقتها أستيعاب فكرة الموت وكيف أنها لن ترى أمها مرة أخرى .. ولأنها أعتادت غيابها ورقادها الطويل بسبب المرض لم يبلغ بها الحزن مبلغا , 

وبعد أيام جاء الى بيت أم علياء رجل يدعى مختار ومعه زوجته وكانت زينة جالسة على الأرض مع علياء وشقيقيها الصغيرين داخل غرفة صغيرة تلعب بقصاصة ورق قد صنعت منها مركبا صغيرا .

قالت لها أم علياء برقة وهي تمسك بيدها وتقدمها للضيفين

- ده عمك مختار يا زينة وزوجته السيدة أمينة .. سلمي عليهم .

كانا شخصين لم تراهما زينة أبدا فى حياتها من قبل .. صافحتهما بخجل وابتسمت لهما فكافآها بأن أعطياها كيس ملئ بالحلوى أخذته وراحت تقسم ما به بينها وبين علياء وشقيقيها أمام أعين الضيفين المبتسمين وعند مغادرتهما قالت لها أم علياء والدموع فى عينيها

- دول قرايبك يازينة وهيخدوكى تعيشى معاهم .

تقبلت زينة الأمر بهدوء وذهبت معهما .

أعجبت زينة ببيتهم .. فهو أفضل كثيرا واكبر من الحجرة التى كانت تسكن فيها مع أمها كما كان لديهم تيلفاز ملون وشرفة تقف فيها لترى الأولاد فى الشارع وهم يلعبون وكان لديهما ايضا أبنة جميلة وحيدة تدعى نبيلة وكانت تكبرها بخمس سنوات وطلب منها مختار وزوجته أن تناديهما بأبى وأمى كما تفعل نبيلة ولأنها كانت خجولة وقليلة الكلام أخذت فترة طويلة الى أن تجرأت على منادتهما بهذين اللقبين ...

لم تفرح نبيلة بوجودها ولم تتقبل بسهولة ان تأتى فتاة لا تعرفها وتشاركها حب والديها وتشاركها فى أشياء أخرى كحجرتها وسريرها وألعابها ولذلك لم تتركها تنسى ولو لمرة واحدة أنها متبناة.

عندما كبرت زينة عرفت أن أمها كانت قد تزوجت من أحد رجال قريتها الذى يعمل فى القاهرة فى مجال البناء .. وأنتقلت من قريتها فى دلتا مصر للقاهرة

وبعد عام من زواجهما سافر والدها الى السعودية للعمل وترك زينة الطفلة وأمها وحدهما وبعد أشهر قليلة من سفره أنقطعت أخباره عن زوجته ... وجاءتها أخبار متضاربة عنه ... فهناك من قال أنه أدين فى قضية سرقة وتم حبسه وهناك من قال أنه تعرض لحادث وقتل .. وهناك من قال أنه تزوج وغير مكان عمله ولم يعد أحد من رفاقه اللذين سافر معهم يعرف عنه شيئا .. فأضطرت أمها أن تخرج للعمل .. فقد كانت غير قادرة على العودة الى قريتها حيث زوجة والدها التى لن تقبل بعودتها بعد أن تخلصت منها بتزويجها , وبعد ثلاث سنوات من العمل الشاق أصاب أمها المرض الذى لا شفاء منه وماتت تاركة زينة وحدها ...

كان مختار قريب والدها الوحيد فى القاهرة وعندما ذهب لرؤيتها وقع حبها فى قلبه وقلب زوجته .. ولأنهما كانا يعرفان ما سيؤول اليه مصيرها ان أعطياها الى عمها شقيق والدها المعروف فى العائلة بقسوته .. فقد عرضا عليه أن يأخذاها لتربى مع أبنتهما ولم يجدا من عمها معارضة .

كبرت زينة ودخلت الجامعة وتخرجت منها وكان حلمها الأول أن تصبح مضيفة طيران أو مرشدة سياحية ان لم تتوفر لها الأمنية الأولى .. فقد كانت تعشق السفر وشغوفة لرؤية الأماكن الجديدة .. لكن أحوالهم المادية لم تكن لتسمح لهم الا بالسفر كل عام الى مصيف متواضع يستطيع فيه والدها دفع أجرة شقة لمدة أسبوع وتأجير شمسية وأربعة كراسى على شاطئ البحر وكانت الأسكندرية وجمصة من المصايف التى فى متناول اليد الى أن كبرت نبيلة ولم يعد يعجبها هذا النوع من الرحلات الأسرية المتواضعة فتوقفوا عن التصييف نهائيا ولم يحالف زينة الحظ للعمل فيما كانت تتمنى وحصلت بدلا من ذلك على وظيفة كموظفة أستقبال فى الفندق الذي تعمل به أختها "الغير شقيقة" لأتقانها لغتين أجنبيتين .

وفى صباح أحد أيام شهر يونية التى بدأت فيه نسائم الصيف الحارة فى الظهور كانت زينة قد أنتهت من أرتداء ملابسها أستعدادا للذهاب الى العمل عندما دخلت نبيلة الى الغرفة خارجة لتوها من الحمام وأثار النوم مازالت بادية على وجهها الجميل ولم تكن قد أرتدت ملابسها بعد , فقالت لها زينة عابسة

- انتى لسة ملبستيش هدومك .. كده هنتأخر على الشغل .

ردت نبيلة وهى تتثائب

- نص ساعة واكون جاهزة .

هزت زينة رأسها باستياء

- لو كنتى بتنامى بدرى مكانش يبقى ده حالك .

تأففت نبيلة بضجر

- بالله عليكى .. أرحمينى من المواعظ بتاعتك دى .

وهما فى طريقهما الى العمل أخبرتها نبيلة أنها سوف تأخذها معها الى زفاف صديقة لها , فوجئت زينة بعرضها .. فهي دائما كانت حريصة على ابعادها عن دائرة معارفها .. وزينة لا تعرف حتى من يكونوا أصدقاءها فشعرت بالسعادة لأن نبيلة قررت أخيرا دمجها فى حياتها الخاصة .. فقالت بفرح

- بجد يانبيلة؟ ... وزفاف مين من صحباتك ؟

- صديقة ليا متعرفهاش انتى .

فكرت زينة بغبطة .. ان هذا لا يهم .. يكفي أنها سوف تصطحبها معها

فحياتها خارج العمل فارغة لا حياة حقيقية تعيشها

ثم سألتها بقلق

- طيب انا كده هحتاج فستان سهرة؟

قالت نبيلة وهي ترمقها بنظرة ضيق

- طبعا اكيد .. والا تكونى فاكرة انك هتروحى بالجينز .

خبت فرحتها وقالت

- ما انا معنديش لبس ينفع للمناسبات اللى زى دى .-

فهى لا تذكر متى كانت آخر مرة ذهبت فيها الى زفاف احد ما

قالت نبيلة

- باقى كام يوم ونصرف مرتباتنا ..واول مانقبض على آخر الاسبوع نبقى نروح مع بعض ننقى حاجة تنفع نحضر بيها

فكرت زينة .. ولكن مرتب هذا الشهر مخصص معظمه لعلاج والدها .. فهو بحاجة لعمل أشعة وتحاليل كان الطبيب قد طلبها وهى مكلفة جدا ولكنها قررت ان لا تجعل هذا الأمر البسيط يقف فى طريقها فهي تستطيع أن تستعير واحدا من أحدى رفيقاتها بالعمل .. 

رفعت هذه الفكرة من معنوياتها ومر الاسبوع سريعا وعادتا يوم القبض وكانت أمهما فى أنتظارهما وعلى الفور أعطتها زينة كل راتبها بعد أن خصمت منه مصروف المواصلات وعندما لم تفعل نبيلة مثلها سألتها أمها

- وأنتى يا نبيلة ؟

اظهرت الحزن على محياها وهى ترد

- آسفة بجد يا أمى .. والله انا مكسوفة منك .. أنتى مقولتليش حاجة عن تحاليل بابا دى الا من كام يوم بس وأنا كنت أشتريت حاجات من صديقة ليا عندها محل للملابس وكنت اتفقت معاها انى هدفع تمنهم لما اقبض مرتبى .. ده غير أن المدير خصم منى أسبوع بسبب مشكلة حصلت بيننا فى الشغل.

نظرت اليها زينة بدهشة .. فهى لم تسمع عن أى مشكلة قد حدثت بين نبيلة وعماد فهو مفتون بها ويميزها عن غيرها من زملائها وهذا لطالما أحدث المشاكل بين أصطف العمل فى مطعم الفندق .

قالت نبيلة بعد أن قبلت وجنة أمها لتسترضيها

- وفى حاجة تانية يا أمى .. لو ممكن تعطى زينة بعض المال لانها محتاجة تشترى فستان جديد عشان تحضر بيه حفل الزفاف .. حرام .. هى معندهاش حاجة تلبسها عشان تحضر بيها .

أحمر وجه أمها حرجا ومدت يدها بالمال كله الى زينة وهى تقول

- سامحينى يا حبيبتى .. خدى اللى انتى عايزاه .. مقدرش اتقل عليكى .

تضايقت زينة من تصرف أختها وقالت بسرعة وهى تدفع يد أمها برقة

- لا يا ماما .. انا دبرت حالى واستلفت فستان من سمر .

قالت نبيله بحدة

- ومصاريف السفر.. انتى محتاجة فلوس تكون معاكى عشان مصاريف السفر .

نظرت اليها زينة وأمها بدهشة وقالت تلك الاخيرة

- سفر ايه ؟ .. أنتى مقولتيش ان فى سفر ولا نيلة ؟

قالت نبيلة

- ليه ياماما .. مش قلتلك ان زفاف صحبتنا فى اسكندرية ؟

دهشت زينة .. فعن أي زميلة كانت تتحدث !!.. لم يكن لديها علم بأن هناك زميلة لهما فى العمل سوف تتزوج وسمعت أمها تقول

- وتفتكرى ان ابوكى هيرضى يخليكوا تسافروا لوحدكم ؟

ردت نبيلة بتوسل

- وليه ميرضاش احنا اتحجز لينا غرفة فى الفندق اللى هيتعمل فيه الفرح .. زينة هتزعل اوى لو مارحتش ... دى العروسة صديقتها المقربة .

نظرت اليها زينة بحدة فرمقتها نبيلة بنظرة محذرة اياها أن تكذبها

قالت أمها بحيرة

- مش عارفة ابوكوا هيكون رأيه ايه .

قالت نبيله بألحاح

- قولي له أن زينة هتزعل اوى لو مارحتش .

بعد خروج أمها واجهتها زينة بغضب

- انتى ليه كدبتى ؟

نظرت اليها نبيلة ببرود قائلة

- لأننى عارفة بابا .. هيرفض فكرة سفرنا لوحدنا لحضور زفاف حد ميعرفوش ولأنه يثق فيكى ومش ييثق فيا .. وكأنك أنتى اللى بنته مش أنا .

أحمر وجه زينة .. ليس ذنبها أنها هادئة ومطيعة ووالدها يعجبه سلوكها ولا يعجبه سلوك أبنته الذى يسبب له الكثير من القلق والأرتياب فى معظم الأحيان ونبيلة هي المسؤلة عن ذلك .. فلا يجب أن تلوم الا نفسها .

وافق والدهما على سفرهما كارها وكانت زينة تتمنى لو أنه رفض .. فلم تكن معتادة على الكذب عليه .. وقررت أن لا تشارك نبيلة فى أكاذيبها بعد ذلك أبدا ولكن فى نفس الوقت كانت متحمسة رغما عنها للسفر معها والتعرف على أصدقائها المجهولين كما أنها أشتاقت الى الأسكندرية والى نسيم بحرها .

ولكن فيما بعد .. أكتشفت زينة أن أكاذيب نبيلة لم تنتهى عند هذا الحد

********** الفصل الثاني ************


فى الواقع لم يكن هناك زفاف من الأصل وأنهما كانتا مسافرتان الى الساحل الشمالى وليست الأسكندرية كما أدعت ولحضور حفل فى فيلا يملكها أحد أصدقائها وليس حفل زفاف .. 

كانت الفيلا فى مكان منعزل ولها شاطئها الخاص على البحر ..

وكان الضيوف من الاثرياء يدل على ذلك السيارات الفارهة التى جاءوا بها وكانتا هما الوحيدتان اللتان جاءتا بسيارة أجرة .. وأستغربت زينة أن نبيلة كانت تعرف معظم الحضور وأندمجت بينهم سريعا كأنها واحدة منهم وتساءلت زينة فى نفسها .. كيف ومتى تعرفت عليهم ؟

توالت الصدمات على زينة عندما رأت نبيلة ترتدى ثوب سباحة فاضح وتستلقى على الشاطئ بلا حياء أمام أعين الشباب دون أن تبالى , لم تكن الوحيدة التى ترتدى هذا بل ان كل الفتيات كن يرتدين مثلها وأقل منها ولكن نبيلة كان لها جسدا جميلا وهى تعرف هذا وتتباهى بما لديها ,. ودت زينة لو كان لديها الجرأة والقدرة لتذهب اليها وصفعها على وجهها وتجبرها على الرحيل من هذا المكان ولكنها لا تستطيع أن تفعل هذا وأكتفت بأضعف الأيمان .

تعرفت زينة على البعض من الحضور ولكنها لم تستطع مجاراتهم فى الكلام أو المزاح ففضلت أن تبقى وحيدة وجلست بعيدا عن الجميع على أحد مقاعد الشاطئ حيث كانوا يقيمون حفل شواء وبالكاد تناولت الغداء 

عند الغروب برد الجو فتركوا الشاطئ ودخلوا الى الفيلا لتغيير ملابسهم والأستعداد لحفل المساء ,. وفى الغرفة التى خصصت لأقامتهما أخرجت زينة ثوبها من الحقيبة وقد فارقها الحماس الذي كانت تشعر به فى وقت سابق .

قالت نبيلة ساخرة عندما رأت الثوب فى يدها

- انتى هتلبسى البتاع ده وتحضرى بيه الحفلة ؟

نظرت اليها زينة بقلق وسألتها

- ليه .. هو ماله ؟

- موضته أنتهت من قرن فات .. سيبيه .. انا معايا فستان تانى هيكون واسع عليكى شوية بس هيبقى افضل من الشوال اللى فى ايدك ده .

أعادت زينة الثوب الى مكانه بأحباط .

أنتهت نبيلة من تبرجها وأرتداء ملابسها وقد ساعدتها زينة فى تجفيف شعرها وتصفيفه وبطبيعة الحال لم تستطع زينة التعليق على ثوبها القصير جدا فهى كانت تعرف أنها ستغضبها ولن تستطيع منعها من أرتداؤه وبعد خروجها بدأت زينة فى أرتداء ملابسها بدورها ..

أخرجت الثوب الذى أخبرتها عنه نبيلة ولم تجد غيره فى الحقيبة .. وصعقت لدى رؤيته .. هل أعتقدت نبيلة حقا أنها قادرة على أرتداء مثل هذا الثوب ؟ كان بلا أكمام وبلا صدر تقريبا وقصيرا جدا , أرتدته زينة لتجربته من باب الفضول وكان واسعا عند الصدر والردفين وهاتان منطقتان تتميز بهما أختها عنها .. وتذكرت مبتسمة عندما كانت مراهقة نحيفة جدا تنظر الى جسد أختها الكامل الأنوثة بحسد وأعجاب , وفى مرة قامت بأرتداء حمالة صدر من عندها وحشتها بالجوارب ليصبح لديها صدر كبير مثلها وأكتشفت نبيلة ما فعلته بمجرد أن نظرت اليها فضحكت وسخرت منها وأخبرت أمها التى قالت لها بأبتسامة حنونة

- متستعجليش ياحبيبتى .. لسة هتكبرى وجسمك هيتغير ويتملى زى كل البنات .

وعندما كبرت أمتلأ جسدها النحيف وأستدار ولكن لم يصل الى درجة الانوثة المتفجرة التى تتمتع بها نبيلة .

خلعت زينة الثوب وأرتدت ثوب صديقتها الذى كان من الحرير الصناعى لونه أسود بأكمام طويلة من الشيفون .. كان بسيطا ورقيقا .. لم يكن مميزا ولكنه جميل وقد أعجبها . صففت شعرها البنى الطويل الذى يصل الى أسفل ظهرها بخصلات متعرجة ولكن ناعمة وكثيفة ثم وضعت القليل من مساحيق التجميل .. فقد كانت عازفة عن لفت الانظار اليها .

لاحظت زينة عند نزولها أن عدد المدعوين قد ازداد وقد خصصوا مكانا للرقص فى منتصف القاعة وسرعان ما لمحت نبيلة بثوبها الأخضر وهي تتنقل أثناء الرقص من شاب لآخر وهى تضحك بسعادة فعبست زينة بقلق وحزنت من أجل والدها الرجل الطيب التقي .. كيف سيكون حاله لو رأى أبنته الوحيدة بهذا الشكل؟ وأمها .. المرأه الطيبة ربة المنزل التى لا تخرج من بيتها الا لتذهب الى سوق الخضار والتى حملت بها بعد أن فقدت الأمل فى الأنجاب لسنوات .. ماذا سيكون رأيها فى تربيتها لأبنتها ؟

تركت زينة الفيلا بقلب مثقل بالحزن وخرجت الى الشرفة ومنها الى الشاطئ وكان الجو قد أصبح باردا عما كان عليه فى النهار ولم تكن تملك سترة ولكنها قررت البقاء فى الخارج ... فالبرد أهون عليها من رؤية أختها فى هذا الوضع المخجل , 

جلست على الرمال وضمت ركبتيها الى صدرها ونظرت الى البحر الذى بدا مرعبا بسواده القاتم وكان الظاهر منه فقط هى تلك الموجات الصغيرة التى تأتى الى الشاطئ لتلقى بزبدها الأبيض عليه ثم تنحصر عائدة الى الظلام لتعود مرة أخرى محملة بالمزيد فهو بالنسبة لها عمل لا ينتهى .

أخرجها من تأملاتها صوت همسات فأدارت رأسها الى جهة اليسار التى يأتى منها الصوت وقد شعرت بالخوف ..فقد كانت تظن نفسها وحيدة على الشاطئ ... دققت النظر .. وعلى بعد أمتار قليلة شاهدت شابا وفتاة يجلسان على الرمال مثلها .. الفتاة بثوب أحمر براق والشاب مستلقي على الرمال ويضع رأسه على حجرها وكانت الفتاة تميل عليه وتقبله , شعرت زينة بالحرج الشديد ورمشت بعيناها غير مصدقة لما تراه وتساءلت .. منذ متى وهما هنا وهى أيضا هنا ؟ وقفت بحدة لتترك المكان فلفتت حركتها المباغتة أنتباههما ونظرا اليها غير مجفلين أو محرجين فأسرعت الخطى عائدة الى الفيلا وهى تسمع الشاب يقول شيئا ما للفتاة جعلها تضحك .

عادت زينة الى داخل الفيلا حيث صوت الموسيقى الصاخب وبحثت بعينيها عن نبيلة فلم تجدها وأنتابها القلق فصعدت الى حجرتهما لتبحث عنها ولم تجدها هناك أيضا فعادت الى أسفل خائفة وقلقة من سبب أختفائها وصورة الفتاة والشاب على الشاطئ مازالت فى ذهنها وتخشى أن تكون .. ولكنها وجدتها قد عادت الى قاعة الرقص فهدأ خوفها .. أشارت لها بيدها تحاول لفت أنتباهها ولكنها كانت مشغولة بمحاولة شد أنتباه شاب لم تراه زينة من قبل .. يبدو أنه وافد جديد فلا يمكن أن ينساه المرء ان سبق ورآه .. كان وسيما .. لا.. بل كان جميلا .. ان صح أن يطلق هذا الوصف على رجل , حتى أن زينة عجزت عن أشاحة نظرها بعيدا عنه , كان يرتدى قميص رمادي اللون من الحرير أو ما شابه .. يفصل العضلات البارزة لصدره وبطنه المسطحة وسروال أسود حيك خصيصا من أجل ساقيه الطويلتين .. بدا لها كملك يقف بين الرعية وخاصة النساء منهم .. لم تكن خير حكم على الشخصيات ولكن هذا الشاب الذى لم يتجاوز الثلاثين من عمره لا يمكن أن يكون عاديا , كانت زينة تتأمله بتركيز شديد .. فضولا أكثر منه أعجابا فقد شعرت أن تحت جماله الظاهرى تختبئ القسوة لا اللين ولم يريحها أن ترى نبيلة وهي شبه ملتصقة به ومع شرودها فى تأمله لم تلاحظ نظراته التى سلطها عليها الا بعد أن وصلت بتفحصها الى عيناه فأجفلت وأحمر وجهها حرجا وأشاحت به بعيدا عنه بسرعة وراحت تلهى نفسها بمراقبة الراقصين حريصة ألا تنظر فى أتجاهه مرة أخرى .

بعد فترة شعرت زينة بالجوع فأخذت طبقا وضعت به القليل من الطعام وخرجت الى الشرفة وكانت قد بدأت فى تناول طعامها عندما جاء صوت عميق هادئ من خلفها يقول

- مساء الخير .

ألتفتت الى صاحب الصوت بدهشة ... فطوال الحفل لم يعيرها أحدا أهتمامه وكاد أن يقف الطعام فى حلقها عندما رأت أنه نفس الشاب الجميل الذى كانت تتأمله منذ قليل , حدقت به صامتة فأبتسم قائلا

- الجو برد هنا .

هزت رأسها موافقة فمد يده ليصافحها وقال يعرف عن نفسه بأبتسامة هادئة

- أنا أسمى خالد .

ترددت للحظة قبل أن تمد يدها مضطرة وصافحته ثم سحبت يدها بسرعة قبل أن يتسنى له الضغط عليها بأصابعه , رفع حاجبيه بدهشة ولكنه لم يعلق وسألها مازحا

- مش هتقولى لي أسمك ؟

قالت بأرتباك وهي تدعو أن يخرج صوتها طبيعيا

- أسمى زينة .

أتسعت أبتسامته الرائعة وقال

- أسمك جميل يا زينة زى صوتك .. أنتى مع مين هنا ؟

- مع نبيلة أختى .

عبس يفكر وكأنه لم يسمع بهذا الأسم من قبل

- نبيلة ؟ معتقدش انى اعرف واحدة بالاسم ده

كيف لا يعرفها وقد كانت تقف معه منذ لحظات ملتصقة به تقريبا , فقالت بتوتر

- بالتأكيد مش هتكون على معرفة بكل الموجودين هنا .

ردد كلماتها الخرقاء مازحا

- بالعكس .. انا لازم أكون على معرفة بكل الموجودين .. وده اللى خلانى اجى وراكى عشان أتعرف عليكى .. لأنك فى الحقيقة ضيفة عندى .

أربكها رده وأشعرها بالخجل .. اذن هذا هو صاحب الفيلا الذى لم يكن موجودا عند حضورهما فى الصباح وكانت أختها قد شعرت بخيبة الامل عندما لم تجده فى أستقبالها ولكن على حسب ما قاله للتو ... فهو لا يعرف نبيلة ويظن أنهما متطفلتان على حفلته .. مدت له يدها بطبق الطعام فأخذه منها مندهشا وقالت بحرج شديد

- أنا آسفة جدا .. مكنتش أعرف أن أختى جات من غير دعوة .. على أى حال احنا هنمشى حالا .

همت بالذهاب فأستوقفها بلمسة من يده قائلا بحيرة

- استنى.. هتشمى تروحى فين ؟

- القاهرة .. احنا من هناك .

قال ضاحكا

- هتمشى عشان سألتك عن أسمك ؟

- انت قلت انك متعرفش أختى .

- اوصفيهالى .. لان مسموح لبعض المعارف انهم يدعوا اصدقاءهم 

- هى كانت واقفة معاك من شوية ... اللى كانت لابسة الفستان الأخضر .

رفع حاجبيه بتعجب

- أنتى تقصدى ناني ؟

تنهدت براحة .. ناني هو أسم التدليل الذى تفضله نبيلة عن أسمها الحقيقى والذى ترى أنه قديم ولا يناسبها ولكنها أرتاحت على الاقل لأنه يعرفها وقالت مبتسمة

- ايوة ده الأسم اللى بتحب ندلعها بيه ولكن بابا مش بيحب يندهلها بيه وبيقول أن أسم نبيلة أجمل وله معنى وقيمة .

ضحك ثم مد لها يده بطبق الطعام وقال

- اظن كده هتكملى اكلك .

أخذت منه الطبق وأنتظرت منه أن يذهب ولكنه ظل واقفا يتأملها بفضول فشعرت بالضيق اضافة الى الخجل وكان يهم بالكلام عندما خرجت نبيلة الى الشرفة وهي تقول بصخب

- خالد .. أنت هنا ؟

ثم نظرت الى زينة بحدة وقالت

- آه .. انت واقف هنا مع زينة .

رد عليها وعيناه لا تفارقان وجه زينة

- انتى عمرك ما قولتيلى ان ليكى اخت جميلة بالشكل ده 

خشيت زينة للحظة أن تحرجها نبيلة أمامه وتنكر أنهما شقيقتان حقا ولكنها لم تفعل وتأبطت ذراعه وقالت مازحة

- خفت عليها منك .. لأنها مش ادك .

لوى شفتيه وقال بخبث

- يعنى انتى تقصدى تخوفيها منى ؟

ضحكت بدلال

- زينة مش متعودة على جونا ده ومن الصعب أنك تغير رأيها .

لم تهتم زينة لما كانا يقولانه وودت لو يذهبا ويتركاها وحدها وقد أرتاحت عندما أستطاعت نبيلة أخيرا أن تقنعه بالدخول معها ليرقصا فتنفست الصعداء .. فأخيرا ستكمل تناول طعامها بهدوء .. وما كادت تبتلع اللقمة الثانية حتى أندفعت فتاتان الى الشرفة تعرفت زينة على احداهما وكانت هي نفس الفتاة التى رأتها على الشاطئ تقبل الشاب بلا حياء وعرفتها بسبب ثوبها الأحمر اللامع , وكانت منفعلة وغاضبة وهى تقول لصديقتها

- هى فاكرة نفسها ايه المتسولة النكرة دى عشان تقف أدامى .

حاولت صديقتها تهدأتها الى أن لمحت زينة فمالت على أذنها وهمست بشئ ما جعلها تلتفت الى زينة بحدة .. غص حلق زينة بالطعام مرة أخرى وشعرت بالخوف من نظراتها الشرسة وهي تسألها

- أنتى اخت نانى ؟

ردت بتلعثم

- ايوة .

- قولى لها بلاش تاكل اللى متقدرش تهضمه .. وأنصحيها أنها تبعد عن خالد هي متعرفش هى بتتعامل مع مين .. خالد ده .. ..

ولكن صديقتها منعتها من المتابعة بأن جذبتها من ذراعها وهمست لها بشئ آخر جعلها تتوقف وتعود معها الى الداخل بعصبية ظاهرة .

وقفت زينة مذهولة لا تعرف معنى ما قيل أو ماذا أرادت الفتاة أن تقول لها قبل أن تمنعها صديقتها .. هذا الموقف زاد من أحباطها وفقدت شهيتها فوضعت طبق الطعام من يدها على سور الشرفة ودخلت الى الفيلا وقررت أن تصعد الى غرفتها لتنام وهي تدعو الله أن يأتي الصباح سريعا ويرحلا من هنا بسلام .

دارت زينة حول الراقصين وكانت متوجهة الى الدرج عندما أعترض طريقها شابا مخمورا وسألها

- انتى ليه كئيبة كده ؟

أنكمشت زينة مبتعدة عنه بأشمئزاز , ورد عليه آخر ضاحكا وهو يقترب منها بدوره حاملا كأسا من الخمر

- اكيد عشان ملقتش حد يناولها كاس .

أجابه الآخر ضاحكا

- احنا نديها .

وقبل أن تستوعب ما يحدث أستدار الشاب الاول وأحاط بها بذراعيه من الخلف ليشل حركتها وهو يقول

- انا همسكهالك وانت اسقيها .

أقترب منها الشاب الاخر وقرب كأسه من فمها وهو يضحك , أتسعت عينا زينة رعبا وهي تضم شفتيها بقوة ..

فى ثوان أصبحت كاللعبة بينهما وقد تجمع حولهم بقية المدعوين يصفقون ويشجعون .. حاولت زينة بيأس التملص من آسرها وراحت تتلوى بعنف وتدير وجهها يمينا ويسارا تستميت حتى لا يلمس حافة الكأس شفتيها ونتيجة لذلك سكب الشاب الشراب على وجهها وملابسها فشعرت بغضب شديد لم تشعر به من قبل فى حياتها فرفعت ركبتها وضربته بقوة ما بين ساقيه ..

صرخ الشاب من الالم وهو يسقط بركبتيه على الارض وسط عاصفة من الضحك , 

تركها الشاب الآخر الذى كان يقيدها وأسرع يختبئ خلف أصدقاءه وهو يضحك بشدة , ملأت الدموع عيني زينة ونظرت حولها بيأس تبحث عن الوجه الوحيد الذى تعرفه وتأنس اليه ورأتها تقف بعيدا تنظر اليها بغضب وبجوارها وقف خالد يدخن سيجارة وهو يتابع ما يحدث لها متسليا كالجميع , كسرت زينة الدائرة المتحلقة حولها وأندفعت الى الدرج تصعده بسرعة وهي تبكي بحرقة من الأهانة والأذلال الذي تعرضت له على أيدي بضعة حمقى .

لحقت بها نبيلة الى الغرفة وراحت تعنفها بقسوة

- هو كان ايه اللى حصل عشان تعملى المندبة اللى انتى عملاها دى .. دول كانوا بيهزروا معاكى

ثم وصفت تصرفها بالتزمت المبالغ فيه ... فقالت زينة بغضب وهي تبكي

- يهزروا ؟ دول حاولوا أجباري على الشرب .

ثم أشارت الى ثوبها المبلل والذى تفوح منه رائحة الخمر وتابعت بمرارة

- شوفى .. ادى نتيجة الهزار اللى بتقولى عليه .. احنا لازم نمشى من هنا حالا .. أنا مش هقعد دقيقة واحدة وسط الاشكال دى والمفروض منكونش هنا من الاساس

صاحت بها نبيلة بغضب

- انتى فعلا متستحقيش تكونى هنا لانك واحدة متخلفة .. ولولا بابا ومعارضته مكنتش فكرت اخدك معايا أنتى كسفتينى بتصرفاتك المعقدة دى

كان غضب زينة قويا ولأول مرة تتهكم بالقول على أختها

- تصرفاتي أنا اللي تخجلك !! وتصرفاتك أنتى دى ايه ؟ والا لبسك اللى لبساه بدون اى خجل ؟ .. واللى بتقولى عليهم اصدقائك دول مجموعة فاسدة وأنتى فاسدة زيهم .

ثم أخبرتها بالكلام الذي قالته لها الفتاة ذات الثوب الأحمر وتابعت بأحتقار

- هما دول اللى بتخجلى منى قدامهم ؟ .. أنا اللي المفروض أخجل من وجودي معاهم ولولا خوفي على صحة بابا واللى ممكن يحصله كنت عرفته اللى انتى بتعمليه .

قالت كل ما كان عليها قوله فما كان من نبيلة الا أن صفعتها بقوة على وجهها

, وقفت زينة مصدومة من تجرؤ نبيلة على ضربها وبعد خروجها مسحت دموعها بعنف وبغضب ثم أرتدت سترتها الجينز فوق فستان السهرة وحملت حقيبة ظهرها التى كانت تضع فيها ملابسها على كتفها وقررت أن ترحل من هذا المكان فى الحال وأنها لن تنتظر حتى الصباح ..

تركت الفيلا عن طريق شرفة الطابق الأول والتى بها سلم يؤدى الى الشاطئ حتى لا تجعل أحدا يراها .

****

الليل والقمر والنجوم .. صوت البحر ورنة كعب حذائها .. هذا كل ما كانت تراه وتسمعه .. بدت الفيلات الأخرى مهجورة لا يسكنها أحد ..

كان الغضب هو ما أعطاها الشجاعة لتخرج وحدها فى هذا الليل البهيم ولكن هذه الشجاعة المزعومة تبخرت بعد دقائق وبدأ الخوف والرعب يحلان محلها .

سارت زينة مسافة طويلة يحثها عقلها على العودة وتأبى عليها كرامتها أن تفعل ..

خرجت من بوابة القرية السياحية تشيعها عيون حراس الأمن الناعسة وتمنت لو يستوقفها أحدهم وينصحها بالعودة .

من بعيد تراءى لها الطريق السريع وظهيره الصحراوى الصامت المظلم على بعد مائة متر تقريبا فراحت خطواتها تتباطأ حتى توقفت تماما ونظرت برعب الى السيارات التى تعبر بسرعة كالسهام على الأسفلت وعاد عقلها للعمل .. ما الذى هي بصدد القيام به ؟ وتخيلت نفسها واقفة على الطريق تنتظر سيارة لتقلها .. وفى هذا الوقت من الليل .. ما نوعية السيارات التى ستقف من أجلها ؟ وأخذت قرارها بأن تستدير وتعود من حيث أتت ..

فى تلك اللحظة تنامى الى مسامعها صوت دراجة نارية تزأر خلفها فأستدارت ورأتها تقترب منها بسرعة كبيرة وتتجه نحوها مباشرة وكأن قائدها يقصد دهسها فتجمدت فى مكانها وقد شلت حركتها وأغلقت عيناها بقوة تنتظر لحظة الأصطدام , صرير مكابح الدراجة كان مرعبا وعجلاتها تحتك بقوة بالأرض وتتوقف على بعد خطوات منها , فتحت زينة عينيها على أتساعهما ونظرت بذهول الى خالد وهو يترجل عن الدراجة ويقترب منها بوجه غاضب قائلا لها :

- أنتى مجنونة ؟ .. انتى رايحة فين فى الوقت ده ؟

ردت بحدة وقد عاد اليها الغضب الذي شعرت به من أهانة ضيوفه لها فى بيته وهو يقف متسليا بما كان يحدث لها

- أى مكان هيكون أفضل ليا من القعاد وسط صحابك السكارى 

هدأ قليلا وقال بلهجة أعتذار

- كانوا يقصدوا يهزروا معاكى .. وأنا بأعتذرلك على اللى حصل منهم وأوعدك أنى مش هخلى حد يتعرضلك تانى .

مازالت نظراتها تحمل الشك والحذر بجانب الغضب فتابع يقول بجدية

- قلت أوعدك .. مش هيجرؤ حد منهم انه يضايقتك تانى .

أطرقت برأسها .. فقد ندمت بالفعل على تسرعها فى الهرب وكانت تنوى العودة , رفعت رأسها ونظرت اليه بعيون دامعة وقالت بضعف

- انا هرجع معاك بس عشان خايفة امشى لوحدي .

تكهم وجهه وقال

- أنتى بنت غريبة .. أو يمكن أنتى غريبة على محيطي أنا .. انا كنت نسيت أن فيه فى العالم أمثالك .

ثم أردف ساخرا عندما رأى عدم الفهم فى عيونها

- كنت فاكر أن اللى زيك أنقرضوا من زمن .

همت لتسأله عما يقصد بأمثالها وقد أخذتها العزة لتظن أنه يقصد تذمتها كما سبق لنبيلة ونعتتها به ولكنه سبقها بالقول

- يلا بينا نرجع قبل ما ينتبهوا لغيابنا ويشكوا فينا .

شهقت وقد أحمر وجهها حرجا فضحك وقال

- أنا بضحك .. متقلقيش .

أبتسمت بخجل وتبعته حتى دراجته النارية وأمرها

- أركبي .

تراجعت بحدة الى الخلف فسألها

- خايفة ؟

تلعثمت

- لا .. بس ... مينفعش اركب وراك .

حدق بوجهها المحمر خجلا للحظة ثم أنفجر ضاحكا فشعرت بالضيق بسبب سخريته منها .. ان كان يراها متزمته كما قالت نبيلة فهذا شأنه ولكنها راضية عن نفسها هكذا ولن تغير من مبادئها كى يرضى عنها المتحررون أمثاله

حاول أن يسيطر على ضحكه ويبدو جادا عندما شعر بضيقها فقال لها :

- المسافة طويلة .

صممت على موقفها قائلة

- لا شكرا .. انا بحب المشى .

لن تجرؤ على الركوب معه أبدا .. هذه الفكرة مستبعدة تماما .. وتخيلت نفسها فى أحدى أحلام اليقظة السريعة وهي تركب خلفه وتحيط خصره بذراعيها ووجها يستريح على ظهره والدراجة تسير بهما بسرعة والريح تطير خصلات شعرها ..

ان مجرد التخيل جعل قلبها يقفز بين ضلوعها فماذا سيحدث فيما لو كان واقع ؟ لذلك أصرت على موقفها قائلة بعناد عندما رأت وجهه يعبس وكان يهم بمعارضتها

- انا هرجع مشى على رجلى .

أستسلم خالد لأرادتها وان بدا متأففا وهو يدفع دراجته بصعوبة ويسير بجوارها وأدركت أن الدراجة ثقيلة جدا لتدفع هكذا فأشفقت عليه قليلا ولكنها لم تكن لتتراجع .

مرا من خلال البوابة عائدين وعيون رجال الأمن التى كانت ناعسة غير مبالية منذ دقائق أصبحت الان متسعة عن آخرها يتلألأ فيهما مزيج مقزز من الخبث والسخرية .. أحتقن وجهها وكأنها تسمع ما يدور فى أذهانهم عنها

سألها فجأة

- اذا كانت طريقة حياتنا مش عجباكى .. ايه اللى خلاكى تيجى وتنضمى لينا ؟

أجابت بصراحة والمرارة فى صوتها قائلة :

- نبيلة كذبت عليا وكذبت على بابا وماما .. انا كنت فاهمة أننا هنروح أسكندرية عشان نحضر زفاف صديقة ليها لكن لقيت نفسي هنا .

- آه .. فهمت .

ثم ترنم قائلا بسخرية

- وهكذا وجدت زينة البريئة نفسها فى قبضة الشياطين .

ثم راح يضحك بصوت مكتوم فقالت بتلعثم

- انا مقصدش .. مقصدش أهانتك أو أهانة ضيوفك .. آسفة .. أنا بس ..

لوى شفتيه وقال وقد رفع كفه يمنعها عن المتابعة

- ولا يهمك .. أنا فاهم قصدك كويس وفى الحقيقة مش بلومك انتى .. فبرغم أنهم أصدقائى الا أنى مش غافل عن عيوبهم واللى هي عيوبي برضه .

ثم سارا صامتين لفترة وكانت أثناء السير تحاول أن تضع مسافة بينهما فكان ينظر اليها من جانب عينيه وبدا متسليا بحركاتها وقالت فى نفسها بعدما أصبحت خلفه بخطوتين .. ( هكذا أفضل )

ولكنه توقف فجأة مما جعلها تصطدم به ثم ترتد بسرعة الى الخلف متفاجئة فضحك من ردة فعلها وقال لها

- بجد أنا تعبت .. مبقتش قادر على دفع الموتوسيكل اكتر من كده .

- زينة : أركب أنت .

- خالد : وأنتى ؟

- زينة : زى ما أنا .. همشى وراك .

أبتسم لها متملقا وقال :

- والله تعبت بجد .. معقول مصعبتش عليكى ؟

ثم مال برأسه الى جانب واحد بحركة مداعبة ففغرت فاها كالحمقاء تحدق فى وجهه الوسيم وأبتسامته الرائعة ببلاهة ولكنها أجبرت نفسها على القول بصوت مبحوح

- لا مصعبتش .

- خالد : عندى أقتراح .. انتى هتقعدى ورايا من غير ما تلمسينى وامسكى فى المقعد كويس وانا همشى على مهلى .. ايه رأيك ؟

نظرت اليه بثبات وزجرته بنظرة صارمة ثم أستأنفت سيرها أمامه بخيلاء وهي تتساءل بحيرة .. هل حقا يقوم بأغرائها أم أنها تتخيل

قال متوسلا

- أرجوكى .

ألتفتت اليه بحدة ورأت عيناه غارقتان فى الضحك فعقدت حاجبيها وزمت شفتيها

أشار هو الى الدراجة وتابع

- جربي .

نظرت الى كرسى الدراجة النارية .. كان كبيرا وفكرت أنها تستطيع الجلوس خلفه دون ملامسته وبعد تردد هزت رأسها موافقة فهى أيضا قد تعبت وقدميها تؤلمانها بسبب الكعب العالي الذي لم يتسنى لها الوقت لأستبداله .

جلست زينة من جانب واحد بعيدا عنه قدر أستطاعتها وتشبثت بالمقعد بقوة وحقيبتها معلقة على ظهرها , أنها المرة الأولى التى تركب فيها دراجة نارية , سألها

- جاهزة ؟

تنهدت وقالت

- جاهزة .

أنطلق ببطئ فشعرت بالراحة وبدأ توترها يزول ومخاوفها تتبدد ولكن بعد بضعة أمتار زاد من سرعته بغتة جعلتها تصرخ وتنزلق تجاهه وتتشبث بخصره بقوة مخافة أن تقع .. جلجل صوته ضاحكا وتردد صداه فى ظلام الليل فصرخت به غاضبة وتجاهل مطالبتها له بأن يتوقف .

وصلا الى الفيلا بسرعة وذهب غضبها مقابل دهشتها عندما وجدت نبيلة تنتظرهما أمام باب الفيلا وتسرع اليها تعانقها وهى تبكى وتعتذر لها لما بدر منها وتخبرها

- زينة حبيبتي .. متتصوريش كنت قلقانة عليكى اد ايه ... لما رجعت للاوضة عشان اعتذرلك ولقيتك مش فيها كنت هموت من الخوف عليكى من اللى ممكن يحصلك فى الطريق المقطوع والوقت المتأخر

شعرت زينة بالأسف لما سببته لها من قلق وقالت بأسف

- آسفة .. أنا بخير .

ثم ألتفتت الى خالد وقالت بخجل

- هو قدر يلحقنى .

أبتسم لها وقال

- ده من حظى الحلو

أبتسمت زينة ومن ثم أطرقت برأسها فقالت نبيلة بمرح

- يلا بينا ندخل لحسن انا تلجت من البرد

سأل خالد زينة

- هتكملى السهرة معانا ؟

لم يكن هذا واردا على الأطلاق فقالت

- لأ شكرا .. أنا تعبانة وبعدين انا مش متعودة على السهر .

لم يجادلها أيا منهما .

صعدت زينة الى الغرفة عن طريق الشرفة رافضة أن تمر عبر الصالة لمواجهة المزيد من أصدقاء نبيلة

. يتبع .

💖💖💖💖💖💖💖

رواية حب خارج ارادتي من هنا 👇


من هنااااا

تعليقات

التنقل السريع
    close