( 47 )
_ صفعة ! _
ينتهي الطبيب النسائي من فحصه المبدئي على "هالة"...
يعطيها محرمًا ورقيًا لتنظف آثار چل السونار فوق بطنها العاري... ما إن قام الطبيب حتى أسدلت ردائها المرفوع لتستر نفسها بسرعة، بينما يخلع القفازات البلاستيكية و يلقيها بسلة القمامة
ثم إتجه ناحية مكتبه، حيث يجلس الزوجين "صالح" و "صفية" ...
-خير يا جماعة ماتقلقوش ! .. قالها الطبيب مبتسمًا
-هالة هانم زي الفل
كان "صالح" متوترًا في جلسته و قدمه لا تكف عن الاهتزاز ..
فنابت عنه "صفية" و توجهت بالسؤال إلى الطبيب :
-طيب النزيف ده ليه ؟ سببه إيه دكتور ؟!
-أظن إنه راجع للاجهاد النفسي. مافيش أيّ حاجة عضوية.. و رغم إنها بخير لكن ده مش معناه إن حالتها ممكن تستمر في تحسن على كده. لازم تعالجوا مشكلتها أيًّا كانت ..
و سحب دفتره المرفق بقلمه المخصوص ليكتب الروشتة مكملًا :
-أنا هاكتبلها على شوية أدوية تمنع النزيف العرضي ده.. و كمان فيتامينات و مقوّيات لبطانة الرحم. عاوزين نتجنب أيّ ضرر ممكن يقع على الجنين بالذات في الفترة الجاية
-جنين !!! .. هتف "صالح" فجأة و قد اعتدل فورًا ناظرًا إليه مباشرةً
حدقت "صفية" فيه بدورها بقوةٍ، فعقد الطبيب حاجبيه مستغربًا و قال بهدوء :
-أيوة يافندم.. جنين.. إيه. ماكنتوش تعرفوا ؟ الحمل داخل في الشهر التاني تقريبًا !
و هنا صدرت صوت قرقعة خفيفة من الخلف.. لينظر ثلاثتهم و يشاهدوا "هالة" و قد وقفت مستندة إلى حائل الكشف الزجاجي بالكاد تحملها ساقيها بعد سماع هذا الخبر
غطى شعرها المسدل للجانبين وجهها الشاحب و هي تطرق برأسها مستشعرة دوارًا طفيفًا و نبضًا يضرب بأذنيها... إنها حامل !
حامل بطفل "فادي".. "فادي" الذي طلقها و غادر حياتها بلا رجعةٍ ...
لا أحد يعرف ذلك.. لا أحد يعرف بأنه قد طلقها.. يعرفون فقط بأنه تخلّى عن الجميع و لاذ بالفرار منهم و من نفسه
ترى إلى متى تواري هذه الحقيقة ؟ .. كيف تتصرف بهذا الحمل ؟ أتبقيه ؟ .. و إذا لم ترغب حتى، هل سيهون عليها ؟ هل تجسر على قتل قطعة منها بأية حال !!!
لقد ذهب... لقد ذهبوا جميعهم و تركوها في خضم كل هذا العذاب وحدها.. عليها أن تقاتل.. تواصل.. لتتعافى من كل الآفات و الندوب و الخطايا التي ارتكبتها... لكنها لم تعد تشعر بالرغبة في ذلك.. لم تعد تغريها الحياة أو الفرص
بالنسبة لها انتهى كل شيء، لقد خسرت كل شيء.. كل شيء ...
______________
لأكثر من نصف ساعة يقف "عثمان" أمام باب غرفة نومه، يستمع إلى نحيب زوجته الحار المتقطع و تكسير بعض الأغراض ...
كان يستمر بالدق بقبضته على الباب و هو يخاطبها تارة بالترغيب و تارة بالترهيب.. حتى فاض كيله، و صاح بضراوةٍ و قد تصاعدت الدماء الملتهبة إلى وجهه و أذنيه :
-ســمــــر ! إفتحي الباب يا سمر بقولك. بطلي معيلة بقى. و رحمة أبويا لو مافتحتي لأكسر الباب.. لو دخلت لوحدي مش هايحصل طيب صدقيني.. إفتحي يا سـمــــر.. إفـتحـــي !!!
و تراجع خطوة باللحظة التالية ضاربًا الباب بساقه بمنتهى العنف... فانكسر القفل و ولج "عثمان" تفوح منه رائحة الغضب ..
رآها تقف بمنتصف الغرفة تمسك بمزهرية الطاولة المتوسطة.. ما إن رأته أمامها حتى قذفته بها صارخة :
-براااااا.. إطلع براااااااااااااا ..
سرعان ما خفض "عثمان" جزعه متفاديًا ارتطام المزهرية به بآخر لحظة، إلتفت وراءه ليراها تحط فوق السيراميك العاري مفتتة في الحال و قد انتثرت شظاياها الزجاجية في كل مكان
إلتهب محياه من جديد و بصورة أشدّ، فعاود النظر إليها بأعين تتسع غضبًا مستطيرًا ...
-بترميني بالفازة يا سمر ؟!! .. غمغم "عثمان" مستنكرًا بغلظةٍ، و أضاف بتوعد :
-و حياة أمي لاوريكي ..
خيّل إليها بأن الأرض تهتز و تميد تحت قدميها، عندما رأته يهب نحوها مثل العاصفة.. أطلقت صرخة مذعورة و هي تستدير بسرعة لتهرب منه ...
لكنها للأسف لم تكد تقطع نصف المسافة بينها و بين باب المرحاض ..
لتجده و قد أدركها مطوقًا إياها بذراعيها، ثم رفعها بين ذراعيه و لف حول نفسه مندفعًا بها نحو الجدار
تأوهت بألم حين اصطدم ظهرها بالحائط الصلب بقوة، بينما يحاصرها زوجها الآن و يقبض على خصرها، يهصرها بعنفٍ قائلًا من بين أسنانه :
-دي أخرتها يا سمر ؟ شوية شوية هاتمدي إيدك عليا ؟ أقسم بالله أقطعهالك.. إنتي سامعة ؟؟؟
لكنها على ما يبدو لم تتأثر بلهجة القساوة و الحدة بصوته، علاوة على ذلك قاومته بشراسةٍ، حيث تمكنت من تحرير احدى يديها، فرفعتها و أخذت تضربه بكل ما أوتيت من قوة في كتفيه و صدره صائحة :
-لأ مش سامعة. مش سااااامعة.. إبعد عني. إبعد عني بقااااا ...
و واصلت ضربه، و كذلك بقى مذهولًا من ردّة فعلها العدائية هذه لأول مرة منذ بداية عهده بها، فقد السيطرة على أعصابه الآن و انتفض ممسكًا بكتلة شعر بمؤخرة رأسها ..
أخذ يهزها بوحشية مؤلمة كثيرًا غير عابئًا بصراخها المختلط ببكائها الحارق و هو يصيح بخشونة :
-طولي.. طولي و زودي معايا كمان في الحركات دي. مفكراني هاسكتلك يعني ؟ إنتي بتدلعي بمزاجي. و هاتتربي من هنا و رايح بمزاجي بردو. إهمدي بدل ما آذيكي أكتر من كده ...
-عـثـمــــان !!!
شقّ هتاف السيدة "فريال" الأجواء المتوترة في هذه اللحظة ...
جمد "عثمان" و جمدت قبضة يده على زوجته، لتنطلق أمه نحوهما صائحة بغضب شديد :
-إنت زودتها أوي. إيــه.. محدش مالي عينك و لا إيه ؟ سيب مراتك !!
و وكزت يده زاجرة، إلا أنه لم يذعن لها و أمعن في غيظه و قسوته على زوجته أكثر :
-أسيب مين ؟ دي عايزة تتربى. أنا قاعد ساكت. ساكت. سااااكت. و هي ماعندهاش دم. مابتفكرش. يبقى تاخد فوق دماغها عشان تقدر تستوعب بعد كده زي البشر. بدل ما هي زي البهــ ...
-أخـــرس !!!
أطبق الصمت فجأة على الغرفة... بعد أن تلقّى "عثمان" لطمة عنيفة من كف أمه لأول مرة بحياته.. لقد أطاحت اللطمة بوجهه للجانب الآخر.. فتسمّر محله مصدومًا لبرهةٍ !!!!
و ما لبثت الصدمة أن تناقلت إلى أمه.. إلى زوجته ...
كتمت "فريال" شهقة بيديها و هي ترمقه بنظراتٍ مجللة بطبقةٍ من الدموع، بينما ألجمت المفاجأة "سمر" و تركتها عاجزة عن التفاعل بأبسط التصرفات، فصارت هادئة بعد أن كانت ثائرة
أما "عثمان".. فقد أفلتها أخيرًا و أدار وجهه لينظر إلى أمه من جديد ...
كانت نظرة متخاذلة، خائبة، مستنكرة.. ثم جمع نفسه و ولّى خارجًا من فوره بخطواتٍ واسعة
أطلقت "فريال" عنان نفسها.. فبادلت "سمر" بكائها و انهيارها، و اتخذت "سمر" تماسكها و رباطة جأشها فجأة.. لتقبل عليها و تساندها محيطةً إياها بين ذراعيها
راحت تربت على كتفها مهدئة.. و ضاحكة بمرارةٍ في آن... إذ قبل دقيقة واحدة كانت بحاجة لمن يواسيها.. الآن هي التي تتولى هذا الدور !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!! ....................................................... !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
يتبع ...
آسفة طبعًا إن الفصل قصير شوية، بس هي أحداثه قليلة و ماحبتش أمطه و خلاص، ممكن تعتبروه تمهيد للقادم و اوعدكوا المرة الجاية هايكون اطول من كده ، بإذن الله ابتداء من يوم الأحد القادم الفصول هاتنزل يوميًا لحد يوم الخميس.. و بعدها في نظام و تحديد مواعيد جديدة تجنبًا للشكاوى المستمرة، شكرًا لانتظاركم الدائم♥️
( 48 )
_ و ماذا بعد ! _
جلست "سمر" في هدوء بين يدي "فريال"... الأخيرة تضع كف زوجة إبنها فوق المنشفة الصغيرة في حجرها، و بيديها تمسك بالقطن و المطهرات لتنظف لها الجرح الطفيف
بالرغم من أنها بكت حتى الآن بهدوءً غير قادرة على تسكين ألم قلبها، لكنها وجدت القوة الكافية للسيطرة على نشيجها لبرهةٍ و هي تسألها بصوتٍ مختلج :
-إيه إللي حصل لإيدك يا حبيبتي ؟ .. بليز ماتقوليش عثمان عمل فيكي كده كمان !
هزت "سمر" رأسها نفيًا، و أجابت بوجومٍ لا يخلو من الكآبة :
-لأ أطمني حضرتك.. عثمان في الخناقات الخفيفة أخره يديني قلمين. يشد شعري.. ماحضرتيش إنتي الخناقة الكبيرة قبل ما نتجوز رسمي.. التعويرة دي بالنسبة للي عمله فيا خدش بسيط
ابتلعت "فريال" غصة مريرة بحلقها، ثم قالت و قد أفلتت شهقة متقطعة باكية من بين شفاهها :
-أنا مش عارفة إيه إللي جراله ؟ مش عارفة إزاي إبني بقى كده.. أبوه ماكنش كده. يحيى عمره ما كان كده.. ليه يا عثمان ؟ ليه توصلني أعمل معاك كده !!
و تركت ما بيديها لتخبئ وجهها في كفيها و تجهش بالبكاء أكثر ...
تعاطفت "سمر" معها بشدة، فأزاحت أدوات الأسعافات جانبًا واقتربت منها، أحاطت كتفيها مسندة رأسها على صدرها و هي تقول مؤازرة :
-كفاية يا طنط.. عشان خاطري ماتعمليش في نفسك كده. إنتي عارفة.. لو عثمان فيه حاجة حلوة. ف الحاجة دي هي إنتي. كفاية إنه بيبقى طفل صغير قدامك. كأنك معجزة بالنسبة له.. حبه ليكي أقوى من أيّ قوة بيمتلكها ...
و استطردت بمرارةٍ :
-ياريته كان حبني ربع الحب ده.. ماكنتش طمعانة في أكتر من كده
-عثمان بيحبك يا سمر ! .. غمغمت "فريال" من بين دموعها
أصدرت "سمرة" ضحكة ساخرة مقتضبة، فابتعدت ""فريال" عنها قليلًا و تطلعت إلى وجهها قائلة بتصميمٍ :
-صدقيني بيحبك.. أنا أمه و حاسة بيه. عارفة و واثقة من كلامي ليكي ده
ابتسمت "سمر" بوداعة، و رفعت يدها لتزيل للسيدة الرقيقة الأدمع العالقة بأهدابها و هي تقول بهدوء :
-ما حضرتك بردو عشان أمه لازم تدافعي عنه في الصح و حتى في الغلط.. أنا عذراكي و الله. بس لازم تعرفي إللي كان مخليني صابرة عليه لحد دلوقتي هو أملي في إنه فعلًا صادق في مشاعره معايا. إني لوحدي إللي في قلبه زي ما كان بيقول دايمًا. و إن عمره ما هيشارك قلبه ده.. و لا حتى جسمه مع واحدة غيري
ظهر بعض الغضب في تتمة كلماتها ..
أمسكت "فريال" بيدها و قالت محاولة إقناعها :
-و دي الحقيقة فعلًا.. مش إنتي لوحدك إللي متابعة أخبار عثمان و جوازته الجديدة. في ظروف اضطرته يعمل كده. هو صحيح مش معرف حد إيه الظروف دي بس أنا واثقة فـ آ ا ..
-بقولك شوفتها في حضنه !!! .. قاطعتها "سمر" صائحة بغضبٍ
ألجم لسان "فريال" لبضع لحظاتٍ... ثم سألتها بخزي منعها من النظر مباشرةً إلى عينيها :
-إنتي متأكدة يا سمر ؟ شوفتيهم.. يعني. يعني ...
-لا لا مش إللي في بالك ! .. قالتها "سمر" مقاطعة للمرة الثانية بلهجة أهدأ
تنفست "فريال" الصعداء و عاودت النظر إليها.. لم تتخلص من كل الخزي الذي تسببت فيه تصرفات إبنها، لكنها قالت :
-طيب كانت في حضنه إزاي.. فهميني يا سمر !!
تلوّت شفاه "سمر" بمزيدٍ من الحنق و هي تستحضر و الغيرة تمزق أحشائها صورة زوجها و المشهد الحميمي الذي جمعه بتلك الفتاة التي تحمل إسمه كما تحمله هي أيضًا
كان من العسير عليها الشرح أو حتى اختصاره في كلمة، فأشاحت بوجهها بإباء قائلة بشيء من العصبية :
-مش هقدر أفهمك. أرجوكي. أنا كل ما بفتكر ..
و صمتت حاقنة في نفسها أكثر فتجمعت الدماء كلها بوجهها ...
-طيب خلاص يا حبيبتي ! .. تمتمت "فريال" مهدئة إياها
مسحت على رأسها بحنانٍ و قالت واعدة :
-هاتشوفي أنا هاتصرف معاه إزاي.. أوعدك. هايرجع زي الأول. و أنا مش هاهدا و لا يرتاحلي بال إلا لما البنت دي تخرج من حياتنا للأبد.. أوعدك يا سمر !
تنهدت "سمر" بثقلٍ و هي ترنو إليها بنظرات فاترة، كاحساسها تجاه الوعود تمامًا.. لقد شبعت، شبعت من الوعود، فهل تصدقها كما صدقت إبنها ؟
في الحقيقة ما من فرق... لم تعد تأبه.. لم تعد تأبه لأيّ شيء ....
______________
طلبت "هالة" عبر الهاتف سيارة بسائقها ليقلها إلى المنزل، إذ رفضت رفضًا قاطعًا الرجوع برفقة أخيها و زوجته.. لم تكن لديها طاقة على تحمل المزيد من الضغوطات، و كان "صالح" لا يدَّخر جهدًا في تقريعها سواء بالنظرات أو الهمزات
جلست في المقعد الخلفي متكئة برأسها على زجاج النافذة المغلق، تسبح ببصرها في فضاء السماء الرمادية الخالية من السحب بعد هطول الكثير من الأمطار على مدار يومان.. لم تكن تفكر، لكنها كانت تحاول أن تصفي عقلها قليلًا، فهي ستعود إلى بيتها، و هناك ما يكفيها من مشاكل و منغصات تنشغل بها كيفما تشاء ...
يدق هاتف "هالة" فجأة منتشلًا إياها من لحظات صفوها، تطلق زفرة عميقة و هي تدس يدها بحقيبة ذراعها الصغيرة، أستلّت الهاتف و نظرت بشاشته المضاءة لتقرأ اسم خالها على واجهة الاتصال
ترد على الفور بصوتٍ هادئ :
-ألو يا خالو !
آتاها صوت "نبيل" به قدرًا من اللهفة و القلق :
-إيه يا روح خالو.. لسا عند الدكتور و لا إيه ؟
-لأ أنا نزلت من عنده بقالي كتير.. راجعة على البيت أهو
-معلش يا هالة سامحيني يا حبيبتي. ماقدرتش أجي معاكي زي ما قلت. مشوار الشغل ده طلعلي فجأة مش عارف إزاي
هالة بلا مبالاة :
-و لا يهمك يا خالو. صالح و صفية خدوني و استنوا معايا. بس أنا صممت أرجع لوحدي. طلبت أوبر و هما ماشيين ورايا كده كده
-حد منهم ضايقك و لا إيه ؟!
كذبت باتقان : لأخالص.. حتى صالح كان قلقان عليا طول السكة
همهم "نبيل" متفهمًا، ثم سألها :
-طيب قوليلي يا قلبي.. طمنيني. قالك إيه الدكتور ؟
قدمت "هالة" شرحًا وجيزًا :
-مافيش. كشف عليا و كتبلي على شوية أدوية و فيتامينات.. و قالي إني حامل !
-قالك إيه ؟!! .. قفز صوت "نبيل" مستنكرًا بطريقة غريبة عبر السماعة عقب جوابها مباشرةً
كررت "هالة" ببرودٍ :
-قال إني حامل يا خالو.. حامل
-ده بجد يعني ؟ متأكدة ؟؟
-هو قال كده ..
ساد الصمت بينهما لبعض الوقت... ليعود صوت "نبيل" أصلب قليلًا :
-أوك.. عمومًا أنا بعت شنط هدوني و كل حاجتي على قصر البحيري. بكرة الصبح هاتلاقيني قصادك. مش عاوزة أيّ حاجة أجبهالك معايا ؟
-شكرًا يا خالو.. تيجي بالسلامة
-خلي بالك من نفسك. يلا باي ! .. و أغلق معها
لتعيد الهاتف بمكانه من جديد، و بهدوء تستأنف ما كانت تفعله.. النظر إلى السماء ...
______________
تلبية لرجاء جدة طفلها، فقد أخذته قبل قليل ليقضي معها الليل على أن تعود و تأخذه بالصباح.. و بعد دردشة خفيفة بين الكنّة و الحمى، أقفلت "سمر" عائدة إلى غرفة نومها
كانت مرتاحة و هي تفتح الباب و تلج، حيث منّت نفسها بالاستلقاء الليلة وحيدة.. بعد المشادة بينها و بين زوجها، كانت مطمئنة مئة بالمئة بأنه لن يأتي إليها، خاصةً بعد أن رأت تصرف أمه معه.. و الصفعة التي تلقّاها بحضورها، على مرآى و مسمع منها ...
تثاءبت "سمر" و هي تتجه بخطوات مترنحة قليلًا صوب السرير، همّت بخلع روبها.. إلا أن أصابعها قد جمدت فجأة، حيث إلتقطت أذنها صوت خرفشة آتٍ من ناحية حجرة الملابس
استدارت خلفها مسرعة، و لم تكد تقدم هلى خطوة واحدة بمعرفة من معها بالغرفة.. لتراه يخرج و يمتثل أمامها ممسكًا بحقيبة ملابسه الصغيرة ...
أطبق الصمت على الأجواء المتوترة سلفًا بينهما، مرت دقيقة تقريبًا.. ثم تحلّت "سمر" ببعض الشجاعة.. حيث رفعت رأسها و نظرت له بقوة قائلة :
-هو إنت إيه إللي في إيدك ده ؟!
كان وجه "عثمان" مجللًا بقناعٍ محكمٍ من القساوة و الغضب... رأته يفلت مقبض الحقيبة لتسقط أسفل قدمه.. و أجفلت عندما تحرك فجأة متقدمًا نحوها بضعة خطواتٍ
أبقى مسافة بينهما، ثم فتح فمه و قال أخيرًا بلهجةٍ قاتمة :
-سايبك.. قصدي سايبلك الأوضة تقعدي فيها براحتك. لأني متأكد لو فضلت معاكي مش ضامن ممكن أعمل فيكي إيه
عبست "سمر" قامعة إنفعالٍ سببته كلماته، ثم قالت بأنفة :
-لأ و على إيه سيادتك تسيب أوضتك.. أنا إللي ضيفة عندك. و أنا إللي لازم أسيبهالك لو حبيت تبقى لوحدك.. خمس دقايق ألم حاجتي و مش هاتشوف وشي تاني !
و استدارت من حوله لتقصد حجرة الملابس، لكنه أعترض طريقها بجسمه الضخم.. لم يضع يده عليها، لكنها تراجعت خطوة في خشية تلقائيًا ...
-إتقي شري يا سمر ! .. هكذا قدم لها النصيحة بلهجة هادئة و عينين حمراوين
ازدردت ريقها بتوترٍ و قالت مغالبة اضطرابها :
-أنا عايزة أريحك
رفع حاجبه معلقًا بحدة :
-تريحيني ! .. ده لا إنتي. و لا الدنيا دي كلها ممكن توصلوني للشعور ده
كتفت ذراعيها أمام صدرها و هي تقول متشدّقة :
-يا سلام ! للدرجة دي.. عشان إيه ده كله يعني ؟ إنت بتقلب الترابيزة زي ما بيقولوا ؟ أنا عملتلك إيه ؟!!
صدرت حشرجة خشنة من حنجرته.. و إلتمعت عيناه ببريق حقدٍ لأول مرة تراه يخصّها به، ثم قال بصوتٍ ملؤه الغضب :
-بسببك إنتي.. و لأول مرة في حياتي. أمي مدت إيدها عليا. بسببك إنتي !!!
ارتعدت بخوفٍ على إثر صياحه العنيف في أخر عبارته... بينما يطبق جفنيه بشدة، ثم يفتحهما بعد برهةٍ، يسحب نفسًا عميقًا ثم يقول بلهجة أكثر هدوءً :
-بصي.. نقطة و من أول السطر يا سمر !
و غمز لها بعينه ...
-إيه ده يعني ! .. تمتمت بعدم فهم
-قصدك إيه هاتعمل إيه يعني ؟!!
فرك كفيه ببعضهما قائلًا و قد تلبسته روحه المغرورة :
-لأ من ناحية هاعمل ف هاعمل كتير.. القلم إللي نزل على وشي من إيد أمي بسببك ده. قسمًا بالله لادفعك تمنه يا سمر. و بطريقة مش هاتتخيليها حتى. زي ما قولتيلي مرة إيدك سابقة لسانك. و أنا بردو قولتلك غباءك سابق تفكيرك. كنا متعادلين.. لكن دلوقتي عليا واحد. قريب هانتعادل تاني يا سمر... تصبحي على خير !
و إلتفت ليأخذ حقيبته، ثم مضى خارجًا و هو يشد الباب في يده مقفلًا إياه بهدوء أرابها أكثر مِمّ لو صفقه بعنف ...
جمعت "سمر" نفسها و خلدت إلى الفراش، استقرت هناك مستلقية على جانبها و هي تفعل الشيء الذي تجيده و لا غيره.. لاذت بالبكاء الصامت و الأفكار لا تنفك تنهمر فوق رأسها
ترى أين يذهب الآن ؟ .. هل يعاقبها بهذه الطريقة و يحقق زواجه من تلك الفتاة ؟ هل ينام بأحضانها الليلة ؟؟؟
ألف سؤال و سؤال و ما من أجابة... و ماذا بعد !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!! .......................................................... !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
يتبع ...
انتظروا #بارت بكرة إن شاء الله و بعده و بعده و بعده و بعده يوميًا لحد الخميس 🙈😂♥️
تعليقات
إرسال تعليق