القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية حين تنفس القلب الجزء الثاني من شارع خطاب الفصل الرابع حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج


رواية حين تنفس القلب الجزء الثاني من شارع خطاب الفصل الرابع حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج 



رواية حين تنفس القلب الجزء الثاني من شارع خطاب الفصل الرابع حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج 


اذكروا الله.

دعواتكم لأهلكم في فلسطين والسودان وسوريا ولبنان وجميع البلاد العربية.


____________


‏"إن الفقد ذو ألم شاسع، كلما قلت أنك أعتدته وخز قلبك من جهة لا يمكنك تسكين وجعها، لا شيء يقودك لتنسى، لا شيء يسعفك لتشفى"


#مقتبسة


وأن حبوكَ ألفًا فَلن يحبوك إلا قطره من بحرِي.


#مقتبسة


‏أتحدث معه في 

كُل مره

وكأنه ينتشل 

كل أوجاعي

المُره.


#مقتبسة


"محزن ان تشك في مصداقية كل ذكرى رائعة عشتها  .. بسبب النهاية المفاجئة التي باغتتك من دون أساس يُذكر."


#مقتبسة


____________


تقوم "حور" بغسل الصحون في الوقت ذاته التي تضع فيه السماعات في أذنيها وتتحدث مع صديقتها "هدير" التي تخبرها بأخر التطورات التي حدثت معها........


كان دياب لم يأتِ بعد أما والدتها خلدت إلى النوم وتركت لها أمر تنظيف وترتيب المطبخ.....


سألتها حور بجدية، وهي تجلو أحد الأطباق:


-بجد والله رجع؟ وكلمتيه؟؟.


جاءها صوت هدير متوترًا، لكنه يحمل شيئًا من الأمل:


"ايوة كلمته وعايز نرجع من تاني وبيقولي هيكلم طارق لو قولتله أنه موافقة".


 تعرفت "هدير" على شاب من المغرب وقت الدراسة، أحبها وأحبته، وخطبوا في حفل بسيط بحضور شقيقها طارق، وعائلته فقط لكن الخلافات الصغيرة التي لا تستحق تدمير علاقة، تحولت مع الوقت لجدار بينهما وانفصلوا منذ عام، وها هو يعود الآن، يعترف بأنه لم ينساها، وأنهما يستحقان فرصة ثانية.....


تمتمت حور بنبرة جادة تناقض ما تقوله:


-حلو ده، ارجعي ده شبه ممثل سوري مع أنه مغربي بس الممثل ده بحبه أوي بس مش مجمعة اسمه دلوقتي.


قهقهت هدير ساخرة:


"هرجعله علشان هو شبه ممثل سوري بتحبيه!!".


ضحكت حور واتكأت على الحوض:


-لا مش القصد بس مكنش في خلاف واضح ما بينكم كانت كلها خلافات تتعدى عادي، بس أنتِ كنتي منشفة رأسك، وأنا شايفة أنه مكنش فيه عيب، وأنتِ لسه بتحبيه وأنا عارفة ده..


ساد الصمت لحظة، قبل أن تعترف هدير بصوت خافت:


"مش عارفة يا حور، بس برضو في اختلافات شوية ما بينا وكمان هنعيش هنا وأصلا طارق خلاص بيحضر كل حاجة علشان ننزل مصر ومش هيرجع تاني زي ما كُنت فاكرة، وأنا خايفة من فكرة إني اعيش هنا ومن غير طارق وفين وفين لما اشوفه احنا اتجمعنا بأعجوبة وبعد سنين كان هو فيها بعيد عننا".


أطفأت حور الماء ووقفت تفكر، ثم قالت ببساطة صادقة:


-أكيد هو هيجيلك وأنتِ هتنزلي برضو، لكن مضيعيش حد بتحبيه لمجرد أنك قلقانة من الغربة لوحدك وبعدين يعني ما هو هيكون معاكي جوزك وليكي بيت وأهم حاجة الحب.


ضحكت هدير رغم قلقها:


"بيعجبني إيمانك بالحب يا حور رغم أن كل التجارب حواليا وحواليكي أنتِ بالذات فاشلة فشل ذريع تخليكي تكرهي الجواز".


ابتسمت حور بنبرة هادئة مليئة بالعناد الجميل:


-ليه يعني؟ حتى لو فشلنا في أول جوازة هننجح في التانية فشلنا في الثانية هتتيسر في التالتة، المهم اني هتجوز عن حب مليش دعوة بحد، وأنا بنصحك بوجهه نظري أنتِ لسه بتحبي أستاذ أحمد فارجعيله وفرحينا بقا مع إني مش بفهم منه كلمة من ساعة ما اتعرف عليكي وكنتي بتبعتيلي ريكوردات ليه، بس ربنا يعينك أنتِ بقا...


تمتمت هدير بنفاذ صبر:


"مش عارفة هتكلم مع طارق وأشوف رأيه إيه وهصلي استخارة طبعًا".


صفقت حور بفرح:


-ان شاء الله هيوافق هو مكنش عنده اعتراض عليه من الأول، يارب تخلصينا بقا وتتجوزي..


ضحكت هدير ثم قالت بعدم فهم:


"أنا معرفش ليه أنتِ عايزاني اتجوز كأني قاعدة فوق رأسك أنا بقالي سنين مشوفتيكيش"


أجابت حور بثقة:


-معلش بقا أنا قدوتي في الحياة المعلم زهران خطاب بحب اشوف كل الناس بتتجوز، المهم خلاص نازلين بقا ولا إيه؟...


"اه خلاص الموضوع متوقف على الشقة ونضال واخوكي قالوا لطارق أنهم شافوا حاجة كويسة في المنطقة وكمان طارق سأل في السفارة هنا عن موقف التجنيد بتاعه ولما يرجع هيظبط ورقه لأنه خلاص عدى السن ده، ان شاء الله كلها أيام ولا أسابيع قليلة وهتلاقيني في وشك وحشتيني أوي بجد....


ابتسمت حور بصدق بعد تنهيدة خرجت منها:


-وأنتِ كمان والله وحشتيني جدًا؛ هـانت يا هدير...


___________


في صباح اليوم التالي....


يجلس "حمزة المغربي" في المدفن الخاص بعائلته..

تحديدًا يجلس أمام قبر والده...


كان يحدق في الحجر الصامت وكأنه ينتظر منه كلمة، عتابًا جديدًا، أو حتى نظرة أخيرة.....


مر أحد الرجال، ووقف قريبًا منهما يقرأ سورة (يس)، لم ينتبه حمزة أول الأمر، لكن صوت التلاوة اخترق داخله…

فبدأت دموعه تنزل بلا إذن، بلا مقاومة.......


هو، الذي عاش عمره يحارب دموعه ويرفض الخضوع لأي ضعف…


ها هو يبكي الآن في مكان عام....

لأنه يدرك حجم الخسارة للمرة الثانية..

خسارتها ثم خسارة والده في مدة قصيرة جدًا...

فتك المرض بهما....


جلس خالد بجواره على المقعد الخشبي، لا يتحرك، فقط يستمع لصوت القرآن وحين انتهى الرجل من التلاوة، شكره ثم انصرف.


التفت خالد إلى أخيه قائلاً بنبرة هادئة:


-مش يلا نروح يا حمزة؟ احنا بقالنا أكتر من ثلاث ساعات..


مسح حمزة دموعه بأنامله سريعًا ثم عقد ساعديه متحدثًا بصوتٍ هادئ:


-روح أنتَ يا خالد أنا قاعد شوية، مش حابب امشي دلوقتي..


قال خالد برفض واضح:


-لا زي ما جينا مع بعض هنرجع مع بعض..


نظر إليه حمزة بنظرة يُحاول أن يخفي وراءها انكسارًا واضحًا:


-روح يا خالد متشلش همي أنا هبقى اطلب أي حاجة أو حتى هاخد تاكسي من برا.


خفض خالد صوته متفهمًا:


-حمزة القعدة مش هتفيد..


رد حمزة بمرارة مكتومة:


-إيه اللي ممكن يفيد؟ سنين ضاعت يا خالد وهو كمان ضاع وكل حاجة ضاعت. 


كان خالد يعرف جيدًا ما الذي يعصر قلب أخيه، يعرف أن وفاة والده جاءت محملة بأثقال خلافات عمرٍ كامل،

وبذكريات الشجار كلما عاد حمزة من الخارج لقضاء إجازة قصيرة، كان تعليقات والده لا تنسى: 


"فجور"..

 "أفكار غلط"… 

"الحياة برا بوظتك"…

"قولي أخر مرة ركعتها أمته؟ ولا خلاص نسيت دينك؟"...


"بقيت تبع أنهي ملة بقا عرفني؟"..


كانت هذه العبارات هي المميزة إلى والده رُبما أغلبها كان في مواضيع صحيحة وأغلبها كان في بعض الأحيان على أتفه الأسباب لمجرد اختلافات في وجهات النظر.....


غير النظرات الرافضة لوشومه التي كانت تُغضب والده في كل مرة يراها وباتت تملأ جسده...


وقتها كان حمزة يقطع أجازته ويذهب من حيث أتى، المرة الوحيدة التي كانت بينهما مكالمة هادئة حينما أخبره بمرضه بهدوء غريب ويطلب منه العودة حتى يقضى معه أيامه التي رُبما قد تكون الأخيرة.......


عاد وقتها على الفور وظل بجواره حتى أخر أنفاسه لكنه لم يسامح نفسه أبدًا.....


قال خالد بنبرة هادئة تحمل كل ما في قلبه من إخلاص:


-مفيش حاجة ضاعت، أنتَ انسان ناجح يا حمزة، ونجحت في حاجات كتير في حياتك، وحققت حاجات في ناس بتقعد عمرها كله مبتعرفش تعملها، اه غلطت في حاجات كتير، كان ليك بعض الأفكار الغلط بس خلاص ندمت عليها وعرفت غلطك، وبابا الله يرحمه ميت وهو راضي عنك وكنت معاه في أكتر أيام هو كان محتاجك فيها.


ابتسم خالد ابتسامة هزيلة ثم تابع:


-وهو طول عمره كان راضي عنك وفخور بيك بس دايما كان نفسه تكون أحسن، وكان نفسه متمشيش ورا التيار وكان دايما خايف عليك، خايف عليك من العيشة برا اللي أثرت عليك.


نظر خالد إلى ذراع أخيه حيث تظهر أجزاء من الوشوم، ثم رفع رأسه وقال:


-قوم نروح نقعد في أي حتة نفطر ونقضي وقت مع بعض، القعدة هنا مش هتوصلنا لحاجة..


_____________


جلست سلمى أمام زوجها في المطعم الصغير المطل على الشارع الهادئ؛ طلبا الفطور سويًا وها هما ينتظرانه، بعد صباح مرهق قضياه بين الدوائر الحكومية بسبب إجراءات صالة الألعاب الرياضية الخاصة بها…


حتى يكن كل شيء وفقًا للقانون ويصبح كل شيء سليمًا عليها المرور ببضعة إجراءات تستنفذ طاقتها..


لكن أجمل ما في الأمر هو وجود زوجها معها دومًا فكان هو الداعم الأول لها في تلك الخطوة بل هو من شجعها عليها...


رفع نضال فنجان القهوة إلى شفتيه، وقطع شروده حين وقعت عيناه عليها:


-فرهدتي طبعًا..


ردت سلمى بضيق لطيف:


-أنا مبحبش المشاوير اللي بيكون فيها ورق واجراءات دي بتوترني واديك شايف بيلففونا حوالين نفسنا.


ابتسم لها نضال ثم قال ببساطة:


-اهي هانت يا سلمى خلاص بإذن الله كل حاجة هتخلص قريب جدًا..


تنهدت سلمى وغمغمت بتمني:


-ان شاء الله.


ثم أسترسلت حديثها بامتنان صادق:


-شكرًا يا نضال، أنا تعبتك معايا الفترة دي أوي...


قاطع نضال حديثها بنبرة مرحة:


-أنتِ علطول تعباني يا سلمى من أول يوم شوفتك فيه وأنا بلف وراكي يا بنت الحلال..


أتسعت عيناها بحياء طفيف وحرج ثم تفوهت باسمه معترضة:


-نضال!..


ضحك نضال مشاكسًا فابتسمت هي الأخرى ثم عادت تستكمل حديثها بجدية:


-أنا بتكلم بجد، أنا تعبت معايا في موضوع الجيم ده وساعدتني كتير فيه أوي، لولاك أنا مكنتش وصلت لهنا.


دعمها نفسيًا..

في أكثر فتراتها انكسارًا بسبب الحقن المجهري الذي فشل للمرة الثانية، فهو من أراد أن تبدأ في أمر صالة الألعاب الرياضية وعدم تأجيله...


كان يرغب في شيء يشغل عقلها قليلًا تحديدًا بعد زيادة وزنها الذي خسرت أغلبها الاشهر الماضية بعد الهرمونات والكثير من الأشياء التي كانت في بروتوكول علاجها....


غير دعمه المادي في هذا الأمر ورفضه أن يكتب أي شيء باسمه كما كانت ترغب كونه دفع أكثر مما دفعته هي بكثير وما كانت تدخره، فهو أراد أن يكون هذا الشيء يخصها هي وحدها. ....


اقترب منها فجأة، أمسك كف يدها، وقبله برقة قائلا بنبرة حنونة:


-احنا واحد يا سلمى، أنا وأنتِ واحد..


كادت أن ترد عليه لكن قاطع ذلك صوت هاتفه يعلن عن اتصال من دياب...


تمتم نضال بنبرة هادئة:


-هرد على دياب وجاي.


ابتعد عنها بمسافة ليست بعيدة بل على العكس مسافة تمكنه من مراقبتها، ارتفع صوت هاتفها هي الأخرى يعلن عن اتصال من شقيقتها جهاد فأجابت على الفور...


-الو..


جاءها صوت جهاد ساخرًا:


-ايوة يا استاذة منشني لصاحبتك اللي بتحبيها أوي.


قالت سلمى بعدم فهم:


-أنتِ بتقولي إيه؟.


-بقول على سامية اللي كأنها مشافتش صحاب غيرك وكل شوية منشن ليكي في البوستات ولسه مشيره ليكي بوست حالا، أنتِ نستيني يا سلمى ولا إيه؟.


ابتسمت سلمى ثم علقت بسخرية:


-اه شكلك مطبقة على حلقة من حلقات عمو زهران وجوزك، وجاية تطبقي دور جوزك عليا...


سمعت صوت جهاد ضاحكًا ثم قالت بنبرة هادئة:


-ايوة، وحشتيني جدا جدا بجد.


-وأنتِ كمان، عاملة إيه النهاردة أنتِ والعيال؟؟.


ردت عليها جهاد باهتمام:


-الحمدلله بخير، لما زاهر يرجع من المدرسة هكلمك فيديو كول ان شاء الله، المهم طمنيني عنك أنتِ ونضال، روحتوا للدكتور ولا لسه؟.


تنهدت سلمى ثم اخبرتها بما حدث:


-روحنا كتبلي على علاجات وكده وربنا يسهل وممكن بقا بعد العيد ابقى اعمل حقن مجهري تاني أو على حسب ما يقول هو، ادعيلي......


-بدعيلك يا حبيبتي والله في كل صلاة وفي قيام الليل.....


بعد مرور خمس دقائق كان نضال عاد وجلس أمامها وجاء النادل ثم وضع الأطباق أمامهما....


غمغم نضال بنبرة جادة:


-لما نخلص فكريني أقولك حاجة بخصوص اخت كريم..


-كريم مين؟.


قال نضال بتفسير:


-كريم ابن عم عزت صاحب طيور موسى، بيقعد معانا على القهوة، وأخته هتتخطب معرفش تعرفيها ولا لا، المهم أنها كانت عايزة تعمل ميكب مع سامية، وهو صدعني بسبب الموضوع ده دياب قفل من هنا وهو اتصل من هنا....


____________


جلس زهران على المقعد البلاستيكي بجوار محل الجزارة، أمامه الارجيلة التي لا تفارقه إلا في وجود طفله غالي، وأمامه أيضًا فنجان قهوته الساخن يتصاعد بخاره أمامه...


كان غارقًا في لحظته اليومية المفضلة بعيدًا عن الصغار يستمتع بأرجيلته، خرج أحد العاملين من الداخل، يحمل هاتفه الموضوع على الشاحن في الداخل...


اقترب العامل قائلاً باحترام:


-معلم زهران..


من دون أن يرفع زهران عينيه عن الارجيلة، رد بعفويته المعتادة:


-إيه يا فتحي؟.


رد عليه الرجل بهدوء:


-تليفونك بيرن..


رفع زهران رأسه قليلًا، أخذ الهاتف من يده، ثم عاد الرجل إلى عمله، كان الرقم الموجود على الشاشة غير مسجلًا ولا يعرف هوية صاحبه…


لكن رغم ذلك أجاب زهران:


-الو...


جاءه صوت من الطرف الآخر جعل ملامحه تتصلب:


-الو، ازيك يا عم زهران؟ أنا حمزة...


خرجت من فم زهران سبّة تلقائية تعبر عن غضبه المكبوت، سمع صوت حمزة يتحدث برجاء شديد:


-حقك تعمل كده وأكتر، بس اسمعني بلاش تقفل السكة، أنا مش عايز حاجة غير اني اشوف ريان، ومتصل علشان كده، مش في نيتي أي حاجة...


زهران بانفجار حقيقي، صوت يقطر حقدًا وألمًا قديمًا:


-واللي مش في نيته حاجة يا ***، روحت ليه تقابل سامية؟ أنتَ فاكر يعني إني هنسكت ليك المرة دي؟ ولا فاكر أن سجنك الكام سنة دول شفوا غليلنا؟؟ والله ما في حاجة تشفي غليلي غير إني اشفيك كده واعلقك زي الدبيحة..


جاء صوت حمزة من الهاتف ثابتًا لكنه مكسور:


-حقك تقول كده واكتر بس والله ما كانت في نيتي حاجة؛ أنا روحت ليها علشان مجيش البيت عندكم وتحصل مشكلة قدام ابني، أنا عايز اشوف ريان، ماشي أنا غلطت كتير وقولوا اللي تقولوه عني، بس أنا اتعاقبت ومن حقي اشوف ابني، خلينا نتقابل في أي حتة اشوفه لو لخمس دقائق أنا راضي.


قهقه زهران بسخرية ثقيلة:


-مش لاقي حاجة تخليني أصدق ندمك، ولا حاجة تخليني احس أنك بني ادم بيحس وعايز يكون أب..


تنفس حمزة بعمق، كأنه يبتلع مرار سنوات:


-مهما قولت طبيعي محدش يصدقني بس هتخسروا إيه لو خليتوني اشوفه قدام عينيكم؟ هو أنا غبي عموما اعمل اي حاجة ترجعني السجن تاني؟ أنا محتاج اشوف ابني، وهو من حقه يشوفني بعيدًا عن أي حاجة عملتها، ووالله لما روحت لسامية أنا مكنش قصدي أي حاجة وحشة.


بقي زهران صامتًا لحظة قبل أن يقول بنبرة ممتلئة احتقارًا:


-لو سامية وافقت هبلغك تقابلني امته وفين وهاجي واجيب الواد معايا، علشان بس حق الواد يشوف ابوه حتى لو ابوه ده مش راجل...


ثم تابع حديثه بغضب حقيقي:


- وفي النهاية كويس أنك عارف أنك مش حمل تدخل سجن تاني، ده لو رسيت على سجن المرة دي يبقى ربنا بيحبك لأن المرة دي لو فكرت تعمل حاجة هيكون فيها رقبتك يا حمزة السجن أساسًا كان رحمة ليك....


_____________


غادر المريض غرفة الكشف، فأغلقت وفاء الملف ثم التقطت هاتفها، كان اسم حور يلمع على الشاشة للمرة العاشرة ربما، لا تدري كم مرة اتصلت بها....


تنهدت وفاء ثم أجابت بنبرة مرهقة:


-ايوة يا حور، مش راحمة نفسك رن، رن، رن يا بنتي بشتغل..


جاءها صوت حور بجدية غير معتادة:


-ده وقت الـ break بتاعك..


قالت وفاء بارهاق حقيقي:


-ايوة بس النهاردة المركز كان زحمة أوي، ولما كنتي بتتصلي بيا كان معايا patient وطول شوية..


لم تخيب حور الظن، وردّت بتفهم نادر:


-ربنا معاكي يا دكتورة.


-يارب.


ثم سألتها باستفهام وفضول:


-إيه بقا الرن ده كله؟ حصل حاجة ولا قفلتي في وش حد السكة تاني؟..


انفجرت ضحكة حور الحماسية في الطرف الآخر قبل أن تقول:


-لا معملتش حاجة؛ خالد المغربي نزل صور حفلة التوقيع عنده وفي صور كتير ظهرنا فيها، روحي شوفيهم أنا عملتلك منشن.


قالت وفاء بهدوء:


-أوك هشوف حاجة اشربها واشوفهم، أنتِ فينك كده وبتعملي إيه روحتي البيت ولا لسه؟.


ردت عليها حور موضحة خريطة يومها التي أوشكت على الانتهاء:


-ولا حاجة قاعدة في الكلية، عندي ساعتين فاضيين مستنية أخر محاضرة هحضرها وبعدين بقا هروح..


نظرت وفاء للساعة وقالت:


-لو خلصت قبل كده هعدي عليكي كده كده الكلية قريبة مني ونرجع سوا.


-اوك ماشي لما اخلص المحاضرة هتصل بيكي اشوفك خلصتي ولا لا.


-تمام يلا سلام بقا..


-سلام.


انتهت المكالمة بصوت هادئ بعكس ضجة حور المعتادة وحماسها الطاغي لكل شيء مهما كان تافهًا، وفاء كانت تعرف جيدًا أن وجود حور في حياتها لم يكن شيئًا عابرًا؛ كان واحدًا من أفضل الأشياء التي حدثت لها منذ انتقالها لشارع خطاب.....


حور ملأت فراغ كبير في حياتها، بعدما بدأت حياة جديدة مختلفة تمامًا عن حياتها السابقة، مع عائلة جديدة، بيئة مختلفة، وحيدة وبلا أصدقاء...

حتى جاءت سلمى وسامية..


لكن حور كانت شيئًا آخر تمامًا...

رُبما لأنها ليست كـ سلمى الهادئة والعاقلة أو سامية التي أهلكتها تجربة سابقة مرت بها....


كانت حور تمتلك من البراءة والعفوية ما يكفي بأن يجعلها تنسى الماضي التي مرت به وكسرت وحدتها بخفة ظلها وجنانها في بعض الأوقات....


 تعرفت "وفاء" على الكثير من الفتيات من بيئة الجامعة والعمل لكن كلها مجرد علاقات سطحية ...


كانت حور هي أول علاقة صداقة حقيقية كونتها هنا خارج العائلة وصدفة غريبة جعلت علاقتهما تبدأ حينما حاول نصحها في الاستمرار في كليتها رُبما كانت تمر بفترة اكتئاب أو ضغط الدراسة لا أكثر ومن هنا بدأت علاقة قوية ومتينة...


ابتسمت وفاء وقبل حتى أن تناول الفطور الذي تأخر كثيرًا، فتحت "الفيس بوك" حتى تصل إلى تلك الصور التي تحكي حور عنها.....


_____________


وقف كريم بجانب والده أمام متجر طيور موسى.


كان عزت يمسك سيجارته بين أصابعه، ينفث دخانها ببطء بينما يستمع لحديث ابنه الطويل، حديث يعرف جيدًا أن خلفه شيئًا آخر...


ولم يخب ظنه ولم يطُل انتظاره فقال كريم فجأة، بنبرة جادة تحمل ضيقًا مكتومًا:


-هو هالة واخوها هيرجعوا امته البلد؟ ما لسه بدري على الخطوبة ابوهم هيسيبهم كل ده..


أجاب عزت وهو يومئ برأسه:


-اه، امك كلمته واتحايلت عليه يفضلوا قاعدين لغايت الخطوبة ويقعدوا شوية كمان علشان في مشاكل كبيرة بين هالة وبين مرات ابوها المرة دي وأبوها شاف أنهم يبعدوا عن بعض شوية أحسن..


اشتعل الغضب الهادئ في عين كريم:


-بس ده مش حل يعني ما مصيرها هترجع، وماما تسيبهم يحلوا مشكلتهم مع نفسهم..


ألقى عزت نظرة على المارة في شارع خطاب، ثم قال بوضوح:


-ما تخليك صريح يا ابني، ما أنتَ عارف كويس امك بتعمل كده ليه بلاش لف ودوران.


ضحك كريم بسخرية مُرّة:


-أنا اللي خليني صريح ولا أنتم؟ ما المصيبة اني عارف امي بتعمل كده ليه وبتعشمها على الفاضي..


تنهد عزت، وسحب نفسًا آخر من سيجارته قبل أن يرد بهدوء يحاول التماسك:


-يا ابني فكر فيها بالعقل شوية، البت حلوة ومؤدبة وبتحبك ومتترفضش ويتيمة وامك بتحبها، فيها إيه لما تدي لنفسك فرصة..


هز كريم رأسه بعصبية واضحة:


-يا بابا هي زي الفل وأحسن مني كمان وتستاهل راجل احسن مني، بس فيها إني مبحبهاش، هي قريبتي وبس؛ أنا مش هتجوز غير واحدة بحبها..


رفع عزت حاجبه ساخرًا وهو يرد عليه:


-أنتَ قفلت التلاتين وما شوفناش ورك فرخة في حياتك حتى، ولا جيت في يوم قولت أنك معجب بواحدة ولا بتحب واحدة؛ اومال هتحب امته يعني؟؟ اللي كان عايز يحب كان حب يا حبييي..


ثم أكمل بصوت منخفض، لكنه جاد:


-مضيعش سنين عمرك على الفاضي، هالة بنت زي الفل ولو بس فكرت فيها شوية ومعندش مع أمك مرة هتحس فعلا أنها انسانة مناسبة ليك، دي كفاية أنها تربية ايدينا..


أعاد كريم الجملة التي قالها كثيرًا، لكن هذه المرة بصوت حاسم:


-قولت لا، مش هظلمها ولا هظلم نفسي علشان بس ترتاحوا وتفرحوا بيا؛ بلا بس تعشموها زي كل مرة أنا مش هتجوز هالة؛ ومش هتجوز غير اللي بحبها...


سأله عزت بشكٍ وهو يضيق عينه:


-وهي مين دي؟ ما تعرفنا عليها يا حبيب أبوك..


أجاب كريم بجدية ووضوح:


-لما يكون في حد هقولك، لكن مفيش أنا بتكلم في العموم ويلا أنا ماشي بقا علشان متأخرش على الدرس.


نمتم عزت باستسلام:


-ماشي يا ابني، بكرا ان شاء الله هنروح نستلم العربية، اخدت اجازة ولا لا؟.


-ايوة أخدت.


____________


انفجرت سامية في منتصف الصالة، صوتها يعلو رغم رغبتها في السيطرة عليه، وهي تقف أمام عمها ووالدتها:


-لا يا عمي، لا يعني لا.....


رفع زهران يده محذرًا، صوته منخفض لكنه حازم:


-وطي صوتك العيال قاعدين جوا مع ماجدة، واهدي كده واسمعيني.


لم تستوعب سامية ما تسمعه، شهقت بالكلمات:


-اهدى ازاي؛ يعني حضرتك اللي بتقولي نخليه يشوفه؟!..


هو زهران رأسه بإيجاب، وهو يراقبها بعينين مرهقتين:


-ايوة أنا اللي بقول يا سامية.


التفتت سامية إلى والدتها بذهول:


-ما تتكلمي يا ماما.


قالت انتصار بصوت ممتلئ بالخوف والحنان:


-اتكلم اقول إيه؟ افرضي رفع قضية رؤية لو مخلينهوش يشوفه وندخل الواد محكمة وهو في السن ده؟.


تمتم زهران بتفسير حقيقي للوضع:


- بصي كرهنا حمزة ولا قتلناه، ولا سجناه، ولا عملتي اللي ميتعملش وقولتي اللي ميتقالش ودخلتي في المحاكم علشان الواد في حقيقة مش هتغيريها ولا احنا هنغيرها أن حمزة أبوه مهما حصل دي حقيقة محدش يقدر يغيرها وأنتِ مجبرة تفكري في ابنك.


ثم أضاف بنبرة ساخرة مُرة:


-يعني تفتكري سهل عليا اجي اقولك هاخد الواد يشوفه؟ ولا سهل أقعد معاه يعني؟؟؟ بس هنعمل إيه دي حقيقة مش هتتغير وقولتلك متقلقيش أنا هاخد خالك وهنروح نشوفه في المكان اللي نختاره قصاد عنينا.


اهتز صوت سامية والدموع تسيل دون إرادة:


-بس أنا مش مطمنة.


حاول زهران بث الطمأنينة فيها وهو يخبرها:


-خدي بالك هو مش عبيط علشان يعمل حركة ملهاش لازمة هو جربنا كلنا كويس جدًا وأكيد موحشهوش السجن علشان يرجع ولا وحشه أن نضال يدبحه المرة دي بعد ما خلصناه من ايده المرة اللي فاتت بالعافية..


نهضت انتصار ثم وقفت بجوارها واضعة يدها على كتفها بحنان شديد مغمغمة:


-متقلقيش عمك وخالك هيروحوا وهيكونوا موجودين ومع إني مش عايزة اشوف خلقته بس ممكن اروح معاهم علشان تطمني...


جلست سامية منهارة على الكنبة، ومسحت دموعها:


-أنا خايفة على ريان، يعني ازاي أمهد له أنه يشوفه و..


قاطعها زهران بجدية مغمغمًا بحنان:


-متقلقيش أنا وأمك هنتكلم معاه وهنفهمه كل حاجة اطمني أنتِ بس وحطي في بطنك بطيخة صيفي.


رن جرس الباب فقطع اللحظة فابتعدت عنهما انتصار حتى تفتحه فوجدت أمامها سلمى وهي تحمل طبق كبير به كعك الشيكولاتة اللذيذ والصحي التي تصنعه من أجل ريان وغالي بعدما أتت وذهب نضال إلى مكان عمله صنعته من أجلهما..


-تعالي يا بنتي اتفضلي...


ولجت سلمى مغمغمة بابتسامة دافئة:


-ازيك يا طنط عاملة إيه؟!...


ردت انتصار محاوِلة إخفاء توترها:


-الحمدلله يا بنتي بخير.


قالت سلمى بهدوء حينما اقتربت من مكان جلوس زهران وسامية:


-السلام عليكم..


ردا الاثنان معًا في نفس واحد تقريبًا:


-وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.


ثم رحب زهران بها ضاحكًا:


-عاملة ايه يا بت يا سلمى ليكي وحشة والله، مالك عاملة بيات شتوي ليه كده؟ وجوزك عامل بيات في القهوة بشوفه بالعافية.


ضحكت سلمى بخفوت:


-اهو اديني جيت يا عم زهران وبلاش تسخني على نضال علشان الوضع مش متحمل...


نظر زهران نحو الطبق التي تحمله ثم غمغم بعفوية وشهية واضحة:


-وريني كده عاملة إيه لينا يا بتاعت كيك الموز وجوز الهند أنتِ كل شوية اخترع جديد بس النتيجة بتكون حلوة....


-بالهنا والشفاء يا عمي..


ثم ابتسمت سلمى وأعطته الطبق وهي تراقب سامية، انكسار نظراتها، واحمرار عينيها فسألتها:


-مالك يا سامية؟ أنتِ كويسة؟..


لم تُجب وبعد دقائق، كانت الاثنتان تقفان في الشرفة مع أكواب الشاي والكعك، بينما الأطفال يركضون في الداخل وهما يتناولان الكعك...


تحدثت سلمى بهدوء بعدما أخبرتها سامية بما حدث:


-متقلقيش يا سامية مش هيعمل حاجة حتى لو مش علشان هو كويس أو اتغير أو عايز يكون أب هيكون على الأقل علشان خوفه أنه ميعملش مشكلة لنفسه من تاني.


حدقت سامية في الشارع أسفلها، صوتها مرتجف:


-أنا خايفة يا سلمى.


سألتها سلمى بجدية خالصة:


-خايفة بس ولا كمان عايزة تعاقبيه يا سامية؟..


نظرت لها سامية بذهول فاسترسلت سلمى حديثها بتوضيح:


-أنا فاهمة اللي حاسة بيه لأني في يوم من الأيام كنت زيك بس قصاد أبويا، كنت شايفة أني لازم انتقم منه لازم يفهم ويعرف هو خسر إيه، بس في النهاية هو ابويا ورغم كل اللي عملته السنين اللي فاتت من وجعي في بُعده دلوقتي علاقتنا كويسة نوعًا ما اه استحالة انسى اللي هو عمله فينا بس الحياة بتمشي، علشان كده لازم ابنك يشوف ابوه طبعا باشرافكم وتحت عينيكم وهو بكرا يكبر ويفهم كل حاجة..


هزت سامية رأسها، صوتها مكسور:


-اللي عمله باباكي يا سلمى ميجيش ربع اللي عمله حمزة فيا.


ابتسمت سلمى ابتسامة حزينة:


-متهايقلك يا سامية، كل واحد بيقول كده علشان معاش بس مكان التاني وعاش وجعه فبيشوف أن مصيبته أكبر، ابنك محتاج يتعرف على ابوه، ويتعرف على نسخة كويسة منه حتى لو بالكذب، لازم يكون عنده ذكريات كويسة منه دي أهم فترة في حياته، خصوصًا أنه بدأ ينضج ويكبر ويسأل ودخل المدرسة...


لم تتحمل سامية أكثر فانسابت دموعها:


-أنا موجوعة أوي يا سلمى، حاسة أن السنين بتعدي بس أنا مش عارفة اتخطى اللي حصل أبدًا حتى لو أخدت حقي منه، أنا بقنع الكل إني كويسة بس حتى النفس بالنسبالي صعب...


ابتلعت سامية ريقها ثم تابعت حديثها:


-حمزة كسر كل حاجة فيا؛ اللي ما بينا مكنش خلاف ممكن يحصل بين راجل ومراته؛ حمزة كسر ثقتي بنفسي وثقتي في أي راجل مهما كان هو مين، حمزة سابلي وجع كبير هيعيش معايا عمري كله..


وضعت سلمى يدها على يد سامية ثم قالت برفقٍ:


-سامية أنا مبقتش عارفة أقولك إيه بس لازم تستشيري حد، عدى سنين ولازم على الأقل تكون اتصالحتي مع اللي حصل، محدش بينسى الماضي واللي حصل فيه بس على الأقل بيكون عنده أمل ولو بسيط؛ أنتِ لسه صغيرة والعمر قدامك اللي قدك لسه بتفكر تتجوز ولا لا، ربنا هيعوضك صدقيني...


قالت سامية متألمة وهي تخبرها بتلك اللحظة التي لم تنساها كأنها كانت بالأمس:


-تفتكري واحدة زيي ممكن تأمن لراجل تاني أنها تكون في بيته؟ استحالة، مهما حسيتوا كلكوا مش هتحسوا إيه اللي حصل فيا اليوم اللي فتحت فيه اللاب توب ولقيته مصورني معاه؛ دي حاجة بالنسبالي كسرت وعدت أي حاجة تانية هو عملها؛ حاجة كسرت ثقتي فيه وفي غيره...


كتمت سلمى غصتها وقالت بإصرار:


-بس أنتِ مش ضعيفة يا سامية واخدتي حقك ودي حاجة لازم تفرحي بيها، غيرك معرفش يعمل ده، في ستات اتعرضوا كتير لكده واتفضحوا وملقوش اللي يقف جنبهم؛ ومكنش عندهم الجراءة حتى يعملوا اللي عملتيه، ده لازم يفرحك ويديكي ثقة في نفسك ومش معنى أنه عديتي بتجربة وحشة يبقى كل الرجالة وحشة.....


مسحت سامية دموعها بعناد فالأمر كان مجرد اختيار شريك حياة؛ وكان اختيار كلفها الكثير والكثير:


-خلينا نقفل على السيرة دي وخلاص، أنا اقتنعت بكلامكم وهخلي ريان يشوفه وان شاء الله ده ميجيش بنتيجة عكسية عليه. 


ابتسمت سلمى بثقة خفيفة:


-ان شاء الله؛ المهم أنتِ اتكلمي معاه، وكلكم اتكلموا معاه قبل ما يروح يشوفه علشان يكون مهيأ نفسيا لده...


-ان شاء الله.


حاولت سلمى أن تغير الموضوع قائلة وهي تتذكر كلمات نضال:


-المهم أنا نسيت كنت جاية أقولك إيه، عزت صاحب طيور موسى بنته هتتخطب وهي عايزة تعمل ميكب معاكي وبتقول بعتت كتير ومعرفتش توصل ليكي..


قالت سامية بجدية:


-مش عارفة البنت اللي ماسكة البيدج دلوقتي ايدها مكسورة والتانية دي تشل، وأنا معنديش وقت أرد ساعات برد بس مش دايما، اديها رقمي مدام جيرانا لازم نعمل واجب معاهم..


أردفت سلمى بتوضيح:


-هو أنا معرفهاش ده نضال اللي قالي، اخوها بيقعد معاه على القهوة وقاله أنها عايزة توصل ليكي ومش عارفة ازاي...


تنهدت سامية ثم غمغمت بإرهاق:


-خليه يديهم رقمي أو تيجي أي يوم من الساعة ستة بكون هناك في المكان يارب بس ميكنش يومها في حجز معايا بس هحاول اتصرف يعني بما أنها بنت الحاج عزت واخوها يعرف نضال...


كان زهران يأتي لهما وسمع نهاية الحديث وهنا عقب بصدمة أفزعت سلمى فخرجت شهقة منها:


-يعني نضال بيكلم الواد اللي ولا بطيقه ولا بطيق أبوه وبيشتغلني هو والصايع دياب والله لاوريهم.....


___________


صعدت سلمى إلى الشقة، وما إن رأت مفاتيح السيارة المعلقة في مكانها حتى أدركت فورًا أن نضال قد عاد.


دخلت غرفة النوم، لم تُعر انتباهًا لطريقة جلوسه على الفراش، خلعت إسدالها واتجهت إلى الخزانة، التقطت ملابس جديدة، ثم اختفت لدقائق قبل أن تعود وقد بدلت ملابسها وصففت خصلات شعرها......


جلست بجانبه على السرير وقالت بنبرة هادئة:


-متصلتش يعني وقولت أنك جيت...


 ابعد نضال نظره عن الهاتف، بنبرة تعرفها جيدًا تلك النبرة الغامضة الممزوجة بجلدٍ ساخر:


-عادي قولت اسيبك معاهم براحتك ما أنا أخر اهتماماتك، ولا في دماغك أن في واحد في البيت مستنيكي طبعًا كنتي تحت زي عادتك يعني ولا هتشتريها..


ولم يمهلها فرصة للرد، وتابع حديثه:


-اتمنى تكوني حطيتي هدومك في سبت الغسيل مش همشي ألم وراكي، والأكل اللي جبته وأنا جاي جوا على الرخامة، ده لو مكنتيش كلتي معاهم تحت ونسيتي أن في حد بيستناكي على العشاء...


في البداية لم تكن سلمى تترجم ما يحدث لكنها أنفجرت ضاحكة حينما استوعبت بأنه يقلد حركاتها التي تفعلها معه بعد عودته من يوم طويل ومن المقهى......


تابع نضال تمثيله بجدية مبالغ فيها:


-والله كلامي بيضحك؟ قدامك اراجوز بقا؟ ولا السهرة كانت حلوة تحت؟ مزاجك رايق طبعًا...


ضحكت أكثر، فشدها إليه فجأة لتجلس بين ذراعيه وهو يغمغم:


-اتمنى أكونت اتقنت الدور..


ردت عليه وهي تحاول أن تتوقف عن الضحك:


-ايوة جدًا..


اقترب منها، يترك قبلات خفيفة على وجنتها وعنقها، ثم قال:


-طولتي تحت..


أخبرها زهران بألا تخبر نضال بأنهما سوف يذهبا لمقابلة حمزة لذلك حاولت اختلاق أي شيء:


-يعني فضلت قاعدة مع ريان وغالي لغايت ما نامو وكنت همشي كانت وفاء جت فقالتلي اقعد شوية مش أكتر وأنا قولت مدام متصلتش تبقى لسه مرجعتش.


ترك قُبلة على شفتيها مغمغمًا بنبرة خافتة:


-خيبت ظنك صح؟ اديني جيت بقالي ساعة اهو وجيبت العشاء معايا..


رفعت وجهها إليه، ذراعاها تلتفان حول عنقه:


-ما أنا عاملة Caesar salad حاجة خفيفة بقا النهاردة.


نظر لها ساخرًا، حاجباه يرتفعان:


-أنا جايب طواجن معايا يا سلمى بلا سيزر سلاط بلا خفيف وبعدين ده وش واحد ممكن يأكل سلطة؟.


قالت بنبرة جادة مصطنعة:


-يعني قعدنا نأكل في كمية محاشي لمدة كام يوم ودلوقتي تقولي طواجن مش هترتاح إلا لما اتخن تاني وهكون واجهة محترمة للجيم يعني..


مرر يده على وجهها بنظرة دافئة:


-عادي مش مشكلة أنا بحبك في كل حالاتك..


تركت قُبلة على وجنتيه قائلة بصوتٍ هادئ:


-كل أنتَ يا حبيبي بالهنا والشفاء وأنا هأكل السلطة عادي مش عايزة أعك النهاردة كل واحد يأكل اللي هو عايزه..


داعب طرف أنفها بأنفه متسائلًا بجدية مرحة: 


-بذمتك ينفع مثلا نحط طاجن ورق عنب بالكوارع وطاحت لحمة ببصل جنب السلطة بتاعتك على سفرة واحدة؟ والله ما ينفع، احنا هنأكل دلوقتي وبعدين السلطة نفطر بيها بقا الصبح ان شاء الله..


ابتعدت قليلًا وهي تقول:


-والله أنا بكون ماشية زي الفل طول اليوم اتمرنت وماشية مظبوط في كل حاجة بتيجي أنتَ أخر الليل تبوظ كل حاجة....


ضحك نضال، ثم حملها بين ذراعيه بسهولة وسط ضحكاتها:


-طول ما لسه بقدر اشيلك يا سلمى يبقى هنأكل عادي والنظام الغذائي مش مهم، لو مكنتش عرفت اشيلك كنا كلنا سلطة عادي....


وسار بها إلى الخارج وهو يقول:


-بعدين أنا النهاردة جاي من بدري وهتنفذي كل اللي اقول عليه معندكيش أي حجة علشان تلوي بوزك...


___________


في اليوم التالي...


جاء اليوم الذي يأخذ فيه دياب ابنتهما “ليان” لقضاء يومه المعتاد معها، يوم كامل من صباحه إلى ليله، يمرّ بها على عائلته ثم يأخذها إلى أماكن الأطفال التي تحبها وتناسب سنها...


لكن اليوم تأخر…

تأخر كثيرًا.....

في البداية تجاهلت ريناد رغبتها في الاتصال به؛ لا تريد الحديث معه إلا للضرورة لكن الساعات مرت، وتجاوز الوقت الطبيعي للعودة لهما بثلاث ساعات كاملة....


حاولت تجاهل الخوف ثم فشلت، اتصلت به مرة… مرتين، عشرات المرات ولا جواب.....


اتصلت بـ حور التي لم تكن لديها أي معلومة سوى إنه خرج بالطفلة بعد صلاة العصر ولم يعد....


ازدادت الدقائق ثِقلًا حتى صارت ساعة كاملة من القلق المرير كانت الأسوأ في حياتها، والعاملة تحاول تهدئتها وهي تكرر الاتصالات بالجميع بلا جدوى.......


حتى أتتها حور برقم نضال لعله يعرف شيئًا وفي اللحظة ذاتها قبل أن تتصل به دوى صوت احتكاك عجلات سيارة بمدخل الفيلا، خرجت ريناد وخرجت العاملة خلفها قلبها يكاد يخلع صدرها، كان والدها لم يأتِ بعد....


كان دياب يهبط من السيارة، يحمل ليان نائمة بين ذراعيه، ملفوفة بسترة سميكة خاصة به أخذتها العاملة برفق ودخلت إلى الداخل بها..


وما إن غابت الطفلة عن نظرها حتى انفجرت ريناد بهياج:


-أنتَ مبتردش ليه؟ وإيه اللي اخرك كده؟؟.


نظر إليها دياب مستغربًا حدتها:


-متعليش صوتك وأنتِ بتكلميني أنتِ سامعة؟..


قالت ريناد بعناد واضح:


-لا هزعق، قولي كنت فين ومبتردش عليا ليه؟؟ أنتَ بتعمل كده علشان تقلقني؟ الساعة داخلة على حداشر وأنتَ مبتردش عليا وعادتك بترجع بيها الساعة سبعة أو ثمانية بالكتير أنا اتصلت بالناس كلها علشان أعرف أنتَ فين...


تنفس دياب بضيقٍ ثم حاول دياب توضيح الأمر:


-نسيت موبايلي في الكافية كنت سايبة يشحن ونسيت أخده وانا ماشي ومعرفتش غير في نص الطريق ولو كنت رجعت اخده كنا هنتأخر أكتر وبعدين قلقانة ليه؟ على فكرة أنا أبوها يعني هيحصل إيه...


لا تدري كيف تخبره بالأفكار السوداء التي خطرت على عقلها أن تكون حدثت لهما!!!!


قالت ريناد كاذبة:


-أقلق طبعًا دي بنتي وحتى لو معاك هقلق عليها؛ وإياك تعمل فيا كده تاني، لاني مش مصدقة اللي أنتَ بتقوله، أنتَ قاصد تقلقني وتعمل فيا كده..


غمغم ساخرًا، وقد حاول إخفاء نظرة لا تعرف هل هي غضب أم شيء آخر:


-إيه خوفتي أخدها وأسافر؟ متقلقيش دي حركات تطلع منك، أصلا لولا نفسية بنتي أنا مكنتش سيبتها معاكي...


رفعت ريناد إصبعها قبالته بانفعال:


-متحاولش تستفزني وبلاش بجاحة، بنتي مكانها معايا وفي حضني ومحدش هيقدر يأخدها مني، وطلقني لأني أصلا مش عايزاك..


ضحك دياب ضحكة قصيرة لاذعة:


-اخلعيني، اعتقد ده حل مش صعب عليكي أو مجاش في دماغك، انا مش هطلقك لأني حالف إني مش هطلقك تاني..


صاحت ريناد مستنكرة:


-أنتَ بتهزر صح؟؟.


قال دياب بسخرية لاذعة:


-لا مش بهزر أنتِ عارفة أني حالف؛ عايزة تطلقي اخلعيني معنديش مشكلة.


ردت عليه ريناد بقهر فهي كانت تظن بأن هناك أمل حتى ولو بسيط:


-أنتَ أسوء حاجة عملتها في حياتي وأسوء قرار أخدته.....


كان رده قاسيًا وهو يبتسم ببرود قاتل يخفي خلفه ألم من وصفها:


-مفرقتش كتير الحال من بعضه.


شهقت بذهول:


-هو أنتَ حابب تعيش الدور صح؟.


انفجر هو أيضًا:


-أنا مش بعيش الدور اسألي نفسك، مين اللي سافرت من ورايا؟ مين اللي قولتلها متسافرش وسافرت وأنا زي الـ*** وبكل بجاحة ارجع بالصدفة ومروحش مشواري ألاقيها مش في بيتها، الله أعلم أصلا لو مكنتش رجعت كانت زمانك بتكدبي وكنتي تعمليها كذا مرة، لأنك ملكيش أمان..


قهقهت ضحكة موجوعة والدموع تتحشرج في عينيها ثم قالت:


-والله الحمدلله اني مفقدش الذاكرة كنت نسيت أنتَ عملت إيه...


صرخت في وجهه بجنون:


-أنا مليش أمان؟ ماشي وأنتَ كمان ملكش أمان...


اقتربت خطوة منه، والدموع تهبط منها لكن رغم ذلك كانت نبرتها حادة كالسيف:


-أنتَ خونتني لو كنت ناسي.....


تنهدت وكأنها تطرد شيئًا عالقًا في صدرها منذ زمن، ثم تابعت بصوت منخفض لكن حدته كانت تكفي لقطع الهواء بينهما: 


-أنتَ خونتني يا دياب… وده كان أقل رد أقدر أرده عليك، خونت ثقتي فيك...وتستاهل إني أخون ثقتك فيا وكلمتك متمشيش عليا....لكل فعل رد فعل........


_____يتبع_____


لو وصلتم لغايت هنا دمتم بألف خير ونتقابل في فصل جديد ان شاء الله🩷🩷🩷


متنسوش الفوت والكومنت..

بوتو يحبكم....



لاتلهكم القراءه عن الصلاه وذكر الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم 



بداية الرواية من هنا




لاتلهكم القراءه عن الصلاه وذكر الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم 




تعليقات

التنقل السريع
    close