القائمة الرئيسية

الصفحات

الفصل الخامس من حين_تنفس_القلب شارع_خطاب_الجزء_الثاني الجزء الأول كان بعنوان "عذرا لقد نفذ رصيدكم" بقلم fatma_taha_sultan

 الفصل الخامس من حين_تنفس_القلب شارع_خطاب_الجزء_الثاني الجزء الأول كان بعنوان "عذرا لقد نفذ رصيدكم" بقلم fatma_taha_sultan 



الفصل الخامس من حين_تنفس_القلب شارع_خطاب_الجزء_الثاني الجزء الأول كان بعنوان "عذرا لقد نفذ رصيدكم" بقلم fatma_taha_sultan


لكل مشوار نهاية...

وبعد الاشياق لقاء... 

اذكروا الله.

دعواتكم لأهلكم في فلسطين والسودان وسوريا ولبنان وجميع البلاد العربية. 


____________ 


أخبرني . .

أحقًا يُشفى المُشتاق ؟ 

أمٌ أن الشُوق داءٌ لا يَبرأ ؟  

لسَتُ أدريّ، لكَننّي كُلما اشتقتُك 

انكَسرتُ أكثر ... 


مقتبسة 


"للشوق وجوه كثيرة، كلها تبحث عن مأوى…

‏طائرٌ يطير بقلقٍ حتى يعانق فضاء بيته،

‏صخرةٌ تتفتّت سرًّا لتعود إلى حضن التراب،

‏قطةٌ تتمسّح بالأبواب لتجد دفءَ صاحبها،

‏شجرةٌ تمدّ أغصانها مترجّية أن تستعيد خضرتها.

‏لكن أشدّها صدقًا: شوقي…إليك" 


مقتبسة 


من أينَ للمخذولِ أملٌ يُعانقُ جُرحهُ؟! 


مقتبسة 


_____________


-أنتَ خونتني لو كنت ناسي..... 


تنهدت وكأنها تطرد شيئًا عالقًا في صدرها منذ زمن، ثم تابعت بصوت منخفض لكن حدته كانت تكفي لقطع الهواء بينهما: 


-أنتَ خونتني يا دياب… وده كان أقل رد أقدر أرده عليك، خونت ثقتي فيك...وتستاهل إني أخون ثقتك فيا وكلمتك متمشيش عليا....لكل فعل رد فعل. 


اشتعل وجهه غضبًا وهدر بصوته: 


-أنا مخونتكيش يا ريناد.. 


صرخت دون أن تفكر، كأن الكلمات تندفع من جرح مفتوح لم يندمل حتى الآن: 


-خونت، خونتني لما رجعت ليلى تكلمك ورديت عليها؛ خونتني لما فضلت أسابيع تكلمها وترد على رسايلها، خونتني في كل مرة كنت بترد عليها وتأخد وتدي في الكلام معاها، بلاش تكون كداب، أنا شوفت الشات اللي ما بينكم وعلى موبايلك أنتَ ساعتها متحاولش تكدبني، لو لسه بتحب حبيبة القلب القديمة ارجعلها وطلقني. 


تجمد وجه دياب..

فكان محرجًا ومرتبكً يدرك تمامًا أنه أخطأ لم يكن من الرجال الذين يزينون خطاياهم أو يتفاخرون بها... 


حاول أن يتماسك وتمتم بصوتٍ خافت، أقرب لاعتراف مُر فكان هذا باقي حديثهما بعدما اكتشف بأنها سافرت وتشاجر معها عبر الهاتف حينها أخبرته بالسبب وعادت إلى منزل أبيها: 


-مخونتكيش يا ريناد، اه غلطت لما رديت عليها، بس مخونتكيش ولا كنت بحب فيها... 


قاطعته ريناظ بحدة أكثر اشتعالًا: 


-مكنتش بتحب فيها بس بتكلمها، مكنتش بتحب فيها بس كُنت شايفها بتحب فيك، اطلقت وفضلت تكلمك وتقولك قد إيه هي منستكيش، وطبعا كُنت مبسوط وغرورك في السماء، فرحان بكلامها، سكوتك كان أكبر خيانة عملتها في حقي..


ضرب دياب الهواء بكلماته غاضبًا: 


-أنا مخونتكيش يا ريناد، ومش من حقك تحت أي ظرف تعملي حاجة من ورايا وتسافري مهما عملت، اشتكيني لابوكي، اشتكيني لأهلي؛ واجهيني لكن أنتِ حبيتي توجعيني وتعملي أكتر حاجة تهد اللي ما بينا... 


ضحكت ريناد بسخرية موجعة، والدموع تلمع في عينيها رغمًا عنها: 


-عملت زي ما أنتَ عملت وبلاش أنتَ يا دياب اللي بتقعد تدقق ومش بيعجبك كل حاجة بعملها؛ وبتقعد تحط قواعد لكل اللي حواليك تقول أن دي مش خيانة، لا خيانة، الله اعلم كانت هتوصل لفين لولا اللي أنا عملته.. 


ثم أضافت بمرارة كسرت صوته: 


-ابقى روح اتجوزها اهي بقت فاضية، حن لحبك القديم زي ما أنتَ عاوز، يمكن هي الحب الحقيقي اللي في حياتك.. 


صرخ صوت دياب متوترًا: 


-أنا مبحبش حد غيرك يا ريناد وأنتِ عارفة كده كويس.. 


قهقهت ريناد ضاحكة ضحكة موجوعة ثم أجابت: 


-لا مش عارفة يا دياب، معرفش، من ساعة ما شايف واحدة قاعدة تحب فيك في الشات وبتتفرج فأنتَ خونتني، شكل عاجبك الموضوع وعلى هواك، وليه ميبقاش على هواك؟ هو حد يلاقي حد يحب فيه ويشكر فيه بالشكل ده ويضايق؟.. 


سقطت نبرتها شيئًا فشيئًا، وأصبحت كمن تتحدث وهي تفقد الأمل بالكامل: 


-مفيش حاجة هترجع زي الأول، أنتَ هزيت ثقتي فيك، وأنا رديت عليك باللي يوجعك، طلقني ومتماطلش أكتر لأني مش هسكت بابا كتير أنا مبقتش عايزاك، روح للي بتحبك، علشان هي مش قادرة على بُعدك طلقني واتجوزها، وحققلها امنيتها ما هي كده كده كانت بتتحايل عليك تتجوزها حتى لو عليا أهم حاجة تكون معاك.. 


ثم توقفت لحظة، قبل أن تضربه بجملة أخرى كرصاصة أخيرة: 


-أه نسيت اقولك كمان على حاجة عملتها أنه أنا عارفة مكنش شات وبس، لا كانت بتلف معاك في العربية، أنا مرضتش أحرجك قدام أهلك علشان بس صورتك قدام اخواتك البنات متتهزش... 


قطّب دياب حاجبيه بشدة، وصوته كان بين الصدمة والغضب: 


-أنا مشوفتهاش ولا مرة، عربية إيه اللي بتلف معايا بيها أنتِ بتقولي إيه؟؟.. 


صرخت بحدة فقد جن جنونها بسبب كذبه عليها حتى الآن: 


-بطل كدب يا دياب خليني احترمك على الأقل، كانت بتركب معاك العربية وبتلف معاك شوف بقا كنت بتروحوا فين... 


صاح هو الآخر، وكأن الحقيقة تُخنقه: 


-مكنتش بروح حتة معاها ولا شوفتها أصلا هي اللي كانت عايزة تشوفني كذا مرة وكنت بقولها مش فاضي ومدام شوفتي الشات، معرفش امته بس أكيد شوفتي ده.. 


لم تُصدّق...

فأخرجت هاتفها ببطء مرعب، وفتحت معرض الصور. كان ألبوم كامل يتواجد فيه عشرة صور تقريبًا... 


ضحكت ريناد باستهزاء وهي تخرج الهاتف الخاص بها من جيب بنطالها، ثم فتحت معرض الصور التي كانت، فهي وضعت كل الصور في ألبوم منفصل وكانت عبارة ثلاثة صور للسيارة من الداخل، وثلاثة التقطت فيها ليلى صور ذاتية لنفسها مختلفة الملابس في كل واحدة، وواحدة أخرى لمعصمها داخل السيارة وتظهر فيه السلسال المعلق فيه صورته مع ريناد ليلة زفافهما............... 


أعطته الهاتف وهي تمرر الصور أمامه فارتفع حاجبيه بدهشة وهو يرى الصور، كان لا يصدق ما يراه مما جعلها تعقب بجنون: 


-قولي بقا دي عربيتي أنا ولا إيه؟ عربيتي اللي هي متصورة فيها سيلفي؟؟ ولا عربيتك؟؟؟؟؟ كفايا كدب بقا، السلسة اللي متعلقة فيها صورتنا حتى ظاهرة قولي هتكدبها ازاي؟؟ عربيتك دي ولا مش عربيتك؟. 


صرخ بانفعال حارق: 


-الصور دي أكيد فيها حاجة غلط، والله أنا ولا قابلتها ولا شوفتها حتى، ولو ده حصل هكدب عليكي دلوقتي ليه؟ وكل حاجة بقت واضحة قدامك... 


صفعته بنبرة قاسية: 


-علشان بجح، وخاين، وعينك زايغة، زيك زي كل الرجالة، الصور مفيهاش حاجة غلط غير أنها بينت قد إيه أنتَ راجل ملكش أمان وأنا كنت غلطانة لما اتجوزتك وصدقتك كان المفروض اسمع كلام بابا من الأول. 


استدارت، وكل خطوة كانت قرارًا نهائيًا: 


-ابعتلي ورقتي يا دياب ومتخلنيش اشوف وشك لغايت ما تبعتلي ورقتي أو تجيب معاك المأذون...... 


لم يكن يهتم بكلماتها الآن!

بل كان يهتم بماهية تلك الصور؟!! 


____________ 


في اليوم التالي.... 


جلست سامية على فراش صغيرها، تراقبه وهو يلتقط قطع الملابس الجديدة من الحقائب البلاستيكية التي جاء بها، ملابس أنيقة وألعاب ملونة كل شيء يبدو عاديًا بالنسبة لطفل، لكنها كانت ترى خلف سعادته قلقًا لا تستطيع طرده، انبهاره الغريب هذا يوترها... 


قال ريان بعيون لامعة وابتسامة صافية: 


-شوفتي يا ماما بابا جابلي أيه؟ وقالي المرة الجاية هيجيبلي حاجات تانية وسألني أنا عايز إيه، وأي حاجة اعوزها بيقولي اقوله عليها... 


لا تدري لما شعرت بالضيق يضيق صدرها بسبب كلماته فعقبت بانزعاج بسيط: 


-وهو أنتَ عايز حاجة معينة أنا مش بجيبها ليك أنا وتيتا وجدو؟. 


هز الصغير رأسه نافيًا...

فقالت سامية بابتسامة باهتة: 


-يلا بقا علشان تكمل الـ Homework بتاعك.. 


اعترض ريان بحماسة طفولية: 


-أنا لسه مشوفتش ولا أنتِ شوفتي كل الحاجة يا ماما.. 


قالت بنبرة حانية رغم نفاذ صبرها: 


- نخلص اللي ورانا  الأول علشان بكرا في مدرسة ولما ترجع ان شاء الله هنكمل ونشوف كل حاجة وهيكون بعده اجازة، اتفقنا؟.. 


قال ريان مطيعًا: 


-اتفقنا.. 


تركته سامية لدقائق يكتب واجباته، ثم خرجت للشرفة وما إن أغلقت الباب خلفها حتى انهار الهواء في صدرها، وضعت يدها على فمها تكتم شهقة، والدموع انحدرت بلا قدرة على إيقافها ؛ فهي خائفة من سعادة طفلها الغريبة من هذه المقابلة حتى أن دموعها هبطت رغمًا عنها ولم تعد تمتلك السيطرة على ذاتها.... 


لم تكن تعرف هل تبكي خوفًا عليه؟ 

أم من فكرة أنه يستطيع أن يفرح بهذا الشكل من مجرد لقاءٍ واحد؟ وما الذي من الممكن أن يترتب عليه؟.. 


تحديدًا أنها تعرف خطط حمزة جيدًا وتعرف كيف يسعد الإنسان ويرفعه ويجعله يطمئن له حتى يسلم حصونه له وكيف يهبط به إلى الأرض مرة أخرى.. 


جاء زهران التي كانت أرجيلته في الشرفة ولم تراها وذهب حتى ياتي بالفحم، مغمغمًا: 


-مالك يا بت يا سامية بتعيطي ليه؟!.. 


مسحت دموعها سريعًا، لكنها أجابت بصدقٍ مُر: 


- أنا مضايقة من السعادة اللي في ريان علشان شافه وجابله شوية حاجات، دي مش حاجة تطمن أنه يفرح بالشكل ده لمجرد أنه شافه مرة واحدة.. 


فهم زهران مخاوفها فأراد أن يبث الطمأنينة بها: 


-عادي يا بنتي متكبريش الموضوع؛ في كل الأحوال حمزة مش هيقدر يأخد العيل ولا بشرع ولا بقانون ولا حتى بالقوة لأن دي مش عنده.. 


ثم تابع حديثه ببساطة: 


-وبعدين ده عيل صغير شاف ابوه وحتى لو مش ابوه ياستي وشاف راجل بيتكلم معاه حلو والقعدة كانت حلوة وجايبله حاجات طبيعي يفرح، أي عيل كده يعني، مش حاجة جديدة، العيال كلها كده نفس السيستم ده ممكن يحبني أنا عن أمك في يوم علشان شيكولاتة جبتها وأنا طالع بس. 


لم تبتسم سامية، فقط همست: 


-بس برضو أنا مش مطمنة. 


قال زهران بثقة: 


-اطمني يا سامية؛ سلمي أمرك لله؛ وثقي في عمك، وخلينا ورا الكداب لغايت باب الدار زي ما بيقولوا يعني، ولغايت ما نعرف أخره إيه، وبعدين صدقيني الموضوع ميخوفش فرحة ابنك عادية.. 


ثم حاول زهران تلطيف الجو فقال ببساطة شديدة: 


-طب فاكرة وأنتم صغيرين لما كنتي أنتِ والواد نضال وسلامة في المدرسة، وأمك راحت تجيبكم من المدرسة وسلامة كان لسه صغير أوي، راح يجيب حاجة عقبال ما امك تيجي واليوم ده اتأخرت عليكم لو تفتكري، وفي ست كانت هتخطفه ورايح معاها علشان قالتله هجيبلك حرنكش المعفن.... 


لم تستطع منع ضحكتها، حتى أن دموعها تسيل وهي تتذكر المشهد، فأسترسل زهران حديثه: 


-لولا أم ميدو الله يرحمها كانت رايحة تجيب عيالها من المدرسة وشافته مع ست غريبة كان زمانه اتخطف علشان الحرنكش كان همه على بطنه المعفن.. 


ثم أردف مطمئنًا، بابتسامة مستقرة على وجهه: 


-كل اللي عايزة اوصله ليكي مفيش حاجة تخوف يا سامية ده طبيعي ومتفتكريش أن كده ريان هيعوز يقعد معاه والكلام الفارغ ده، المقابلة كانت حلوة وخلاص ومن وقت للتاني هيشوفوا بعض مش أكتر... 


-اتمنى يا عمي.. 


ثم سألته باهتمام: 


-هي ماما وغالي ملهمش حس ليه؟. 


أخذ زهران خرطوم الأرجيلة وتنهد ثم أردف: 


-عندهم معركة في الحمام بتحاول تحميه وهو مش عايز، معرفش صوتهم هدي مرة واحدة شكل حد فيهم خلص على التاني.... 


ضحكت سامية بصدق، لكنها رغم ذلك لم تستطع إيقاف ذلك الثقل الخفي الذي ظل جالسًا فوق صدرها.... 


____________ 


كانت ليان تجلس بين ذراعيها، رأسها الصغير يستند إلى صدرها بينما تروي لها هي إحدى القصص التي اعتادت أن تنهي بها يوم صغيرتها... 


فكانت تحاول بقدر الإمكان دومًا أن تشغلها عن استخدام الأجهزة الإلكترونية، وتحاول ريناد دومًا أن تكون النسخة الأفضل من أجل ابنتها... 


مررت أصابعها برفق على خصلات شعر ليان وهي تهمس: 


-الـ story بتاعتنا خلصت خلاص ولسه منمتيش... 


قالت ليان بصوت خافت ودلال وهي بين أحضان والدتها: 


-عيني مش عايزة تقفل.. 


ضحكت ريناد رغم الثقل الذي يسكن قلبها: 


-حلوة عيني مش عايزة تقفل دي.. 


صمتٌ قصير، ثم جاءت الجملة التي لم تكن تتمنى سماعها وفي الوقت ذاته يرغب قلبها في سماعها جدًا: 


-اتصلي ليا بـبابي عايزة اتكلم معاه قبل ما أنام.. 


تجمدت ابتسامة ريناد ثم قالت برفضٍ قاطع: 


-مش هينفع. 


سألتها ليان ببراءة: 


-ليه؟. 


لماذا؟

سؤال إجابته صعبة رغم بساطته لكنها حاولت أن تختلق أي شيء متمتمة: 


-علشان أكيد نام الوقت متأخر وإنتِ كمان لازم تنامي، وأول ما تصحي الصبح كلميه أيه رأيك؟. 


هزّت ليان رأسها باقتناع طفولي: 


-ماشي. 


ثم أكملت بحماس: 


-بابي قالي أنه في عيد ميلادي الجاي هيجيب ليا هدية حلوة أوي.. 


ابتسمت ريناد ثم قالت بلا وعي منها: 


-مدام وعدك يبقى هيوفي... 


ولم تنتبه ريناد كيف ارتجف قلبها بعد هذه الجملة بالذات..... 


نامت ليان سريعًا، أسرع مما توقعت وكأنها كانت تهرب من نعاس قاومته قليلًا.... 


لكن ذكرى "عيد الميلاد" أعادت إلى ذهن ريناد شيئًا ما…


......عودة إلى الماضي...... 


كانت تقف في المطبخ، تراقب الميكرويف وهو يعيد حرارة الطعام الذي أعدّته لها العاملة التي تساعدها في المنزل ليلة أمس، فهي تشعر بإرهاق غير مسبوق لها كونه حملها الأول، فهي مازالت لا تعتاد على الكثير من الأشياء حتى بعض المهام البسيطة التي كانت تنجزها لم تعد قادرة على فعلها........ 


وعلى العكس تمامًا كانت تتوقع تذمر دياب في كثير من الأحيان لكنه كان متعاونًا ومتفهمًا إلى أقصى حد بصورة لم تعهدها فيه من قبل...... 


جاء دياب من الداخل مغمغمًا بانفعال طفيف وغيظٍ: 


-يعني مش هتقولي ليا ولد ولا بنت؟.. 


ضحكت ريناد بخفة وهي تستدير له ثم وضعت يدها على بطنها البارزة بشكل بدأ يكون ملحوظًا: 


-أنا شخصيًا معرفش علشان أقولك يا دياب وأنتَ عارف كده الدكتور قال لـ حور بس علشان Gender reveal party اللي هعمله... 


قال دياب بسخرية: 


-ياستي على عيني وعلى رأسي التقاليع الجديدة دي بس أنا عايز أعرف مهوا مش معقول أمه وابوه منبقاش عارفين... 


ابتسمت له ريناد مغمغمة وهي تقترب منه: 


-هو كده يا دياب وبعدين علشان نتفاجئ ساعتها.. 


تحدث دياب بانزعاج جلي: 


-ياجدعان لا أطيق الانتظار بجد والله حرام عليكم، وحور دي أنا هوريها عرضت عليها كل حاجة، قولتلها هغيرلك الموبايل الشهر ده مرضيتش تتكلم قولت أغريها بأي حاجة تعوزها برضو مش عايزة تفتح بقها لدرجة اني كنت هقوم اضربها علشان تتكلم... 


ضحكت ريناد برقة وهي تراقب تعابير وجهه ثم قالت: 


-والله كويس أنها فضلت صامدة ومسكت نفسها. 


ثم تابعت حديثها بابتسامة هادئة وهي تقترب منه وتحاوط عنقه: 


-طب قولي أنتَ حاسس بإيه، أو عايز إيه طيب؟. 


تنفس دياب بعمق وهو يجيبها: 


-كل اللي يجيبه ربنا كويس... 


لكنه تابع بابتسامة هادئة وحماس حقيقي لم تتوقعه منه منذ أن عرف الخبر: 


-بس برضو احساس الانتظار بالنسبالي وحش؛ وعمومًا أنا معرفش ليه حاسس أنها هتكون بنت، البنات واقعين في قرعتي اتربيت معاهم وكده، خايف اقول نفسي في ولد.. 


ضحكت ريناد ثم قالت: 


-يعني نفسك في ولد؟. 


هز كتفيه بلا مبالاة: 


-مش عارف بس حاسس أنها هتكون بنت علشان ده حظي زي ما بقولك. 


قالت ريناد باستفسار: 


-يعني لو بنت هتزعل؟. 


تمتم دياب بثقة لا تدري من أين أتت له: 


-لا طبعًا، أنتِ هبلة؟ وبعدين دي حاجة تفرحني أنا أكتر حد بيعرف يتعامل مع البنات.. 


نظرت له ريناد بعدم تصديق ورددت جملته: 


-ده من أنهي جهة ده؟ بتعرف تتعامل.... 


قطب حاجبيه وهو يسألها بمرحٍ: 


-انتِ قصدك إيه؟؟... 


ضحكت ريناد ثم أردفت بعدما صدع صوت الميكرويف يعلن عن انتهاء الوقت التي حددته من أجل تسخين الطعام: 


-ولا حاجة يا حبيبي طبعًا.. 


قال دياب بنبرة حماسية جعلتها تفقد الأمل أن يهدئ: 


-قولوا وأنا يوم الحفلة هتفاجئ عادي.. 


-لا. 


......عودة إلى الوقت الحالي....... 


ابتسمت وهي تداعب شعر ابنتها وتتذكر فرحته الشديدة يوم هذا الحفل البسيط التي أقامته، كان سعيدًا بها، ومتحمسًا أن يحملها بين يديه وكان أول من حملها بالفعل وصورته أتت في خيالها.. 


ياليت تلك الأيام تعود!!

ولو دقيقة واحدة.. 


استلقت بجوار ابنتها وأغلقت عيناها متمنية أن تخلد إلى النوم بأقصى حد وألا يقتلها التفكير.... 


لكن صدع صوت هاتفها يعلن عن وصول رسالة؛ ألتقطته وعرفت بأنه هو صاحب الرسالة والتي كانت تنص على...... 


"ابعتيلي الصور اللي معاكي". 


أغلقت الهاتف كأنها لم ترى شيئًا وقررت أن تتجاهله فهي لا تجد ما يحدث هذا ما هو إلا وقاحة منه... 


_____________


كان "حمزة المغربي" ينحني فوق السرير، يطوي آخر قطعة ملابس بعناية قبل أن يضعها في حقيبة السفر الثانية، فاللحقيبة الأولى كانت قد امتلأت بالفعل، مغلقة بإحكام كأنها تشهد على رحلة جديدة يوشك أن يبدأها.... 


على الأريكة المقابلة، جلس خالد في سكون معتاد، فنجان القهوة بين يديه، وعيناه تتابع حركة أخيه بتأمل صامت، شيء في المشهد كان يبعث الراحة وشيئًا آخر كان يثير القلق في داخله..... 


قطع خالد الصمت بصوت هادئ: 


-ليه مغطي اللوحة دي مش عادتك يعني؟. 


لم يلتفت حمزة، اكتفى بأن يرد بنبرة عابرة بينما يضغط على القميص ليأخذ مكانه بمثالية داخل الحقيبة: 


-لسه مكملتش علشان كده مغطيها لما ارجع هكملها. 


كان يستعد لحضور أهم المعارض الخاصة باللوحات الذي يقام في "نيويورك" سنويًا وقد تلقى دعوة خاصة بالمشاركة وكانت دعوة لا يحصل عليها إلا القليل من الفنانين... 


شهرة حمزة كانت أكبر بكثير مما يُظهره، فصفحات التواصل الخاصة به تضم ملايين المتابعين من كل أنحاء العالم، لكنهم لا يعرفون عنه سوى فنه فهو نادرًا ما ينشر صورة شخصية له بل يعيش خلف اللوحات، لا أمام الكاميرات.... 


سأل خالد بتردد خفيف يخفي أكثر مما يُظهر، فهو قد اعتاد على وجود شقيقه في حياته بعد سنوات طويلة قضاها في الخارج: 


-هطول هناك؟. 


أغلق حمزة الحقيبة الثانية، وجلس لحظة على حافة السرير قبل أن يجيبه بثقة: 


-لا متقلقش ممكن اسبوعين أو ثلاثة بالكتير، وبعدين هظبط الدنيا واجيب الحاجات اللي موجودة في البيت هناك؛ وهقابل كذا حد من صحابي وهرجع... 


ثم التفت إليه، يحدق في ملامحه كأنه يحاول قراءة ما لم يُقل بعد، فارتسمت ابتسامة خفيفة على وجهه: 


-مش عارف ليه شكلك خايف من سفري، إيه خايف أقعد هناك ومرجعش تاني؟!.. 


تنفس خالد بعمق، ثم قال بنبرة صريحة لا يتحدث بها عادة: 


-بصراحة اه، أنا اخدت على وجودك يا حمزة، مش حابب تبعد عني تاني، فاهم كويس أن حياتك برا أحسن وشغلك هناك وكل حياتك هناك، بس على الأقل ممكن تروح وتيجي بلاش تبقى زي زمان.. 


ثم تابع حديثه بنبرة كئيبة نادرًا ما يتحدث بها: 


-أحنا ملناش غير بعض يا حمزة.. 


توقف الزمن لثانية كاملة، نظر إليه حمزة ورأى في وجهه ملامح رجل آخر.... 


كان هذا الرجل هو أبيه. 


-وأنتَ قاعد قدامي وبتتكلم كده وبالطريقة دي كأني شايف قدامي بابا الله يرحمه بالظبط نسخة منه..... 


اقترب منه بخطوات بطيئة، ثم قال بصوت مُفعم بالشوق: 


-متقلقش راجع، وزي ما قولت هكون بين هنا وهناك بس لازم اروح اخلص شوية حاجات ورايا والبيت اللي متساب هناك ده، وبعدين ان شاء الله راجع، مش عايز حاجة اجيبهالك من السفر زي عيالك ومراتك؟.... 


ضحك خالد، ضحكة قصيرة ممزوجة بدمعة خانته وهربت من عينه وهو ينهض ويقترب منه: 


-لا سلامتك مش عايز حاجة، أصلا لولا أن احنا في امتحانات الولاد كنا جينا معاك.. 


-تتعوض مرة تانية.... 


______________


كانت حور تقضي يومها عند شقيقتها إيناس، برفقة ضحكات الأولاد، وفوضى الألعاب كل ذلك منحها شعورًا خفيفًا بالراحة، عرضت عليها إيناس أن تبيت الليلة عندهم، لكنها لم تتفاجأ حين رفض دياب كالعادة...... 


فبيت أختها ليس “بيتهم”، ودياب كما تقول حور دائمًا، رجل يحمل “مجموعة قوانين” لا تتغير مهما تغير الزمن....... 


لذلك تكفل جواد بإيصالها إلى أقرب نقطة حيث يتواجد دياب حتى تعود معه إلى المنزل والآن كان يقود السيارة في المساء، المصابيح تنعكس على زجاجها بينما كانت حور تُراقب كل شيء بصمتٍ.... 


تمتم جواد وهو يهز رأسه بضيق لطيف: 


-هو اخوكي ده مفيش فايدة فيه؟ السنين بتتغير وهو مش بيتغير فيها إيه لما تباتي عندنا مع الولاد.. 


ردت عليه حور بنبرة مرحة: 


-معلش احنا عيلة عندنا عادات وتقاليد وتعبانين في دماغنا.. 


ضحك جواد بخفة، ثم سألها بنبرة دفء قلّ أن يظهر منه لغير أطفاله: 


-ماشي ياستي، المهم طمنيني عليكي أنا نادرًا لما اشوفك وتصادف اني في البيت لما تيجي، إيه اخبار دراستك؟ كله تمام؟؟. 


أجابته بثقة مرحة: 


-الحمدلله كله تمام يا دكترة لا تقلق، ومين عارف مش يمكن أكون دكتورة في الجامعة بما إني مفلحتش في الطب اهو اقعدك يا دكتور في البيت في بأي طريقة.. 


ضحك جواد ضحكة صافية: 


-من ساعة ما عرفتيني وأنتِ مصممة تقعديني في البيت بأي طريقة... 


غمغمت حور بخفة: 


-معلش ده تارجت يا دكتور ولازم أحققه.. 


-طب وتارجت الكراشات إيه اخباره؟.. 


كانت نادرًا ما تجلس مع جواد لكنها اعتادت عليه، كان بمثابة الأب الحنون بالنسبة لها والشقيق العاقل والهادئ بعيدًا عن تهور وجنون دياب المستمر حتى المزاح أحيانًا في بعض الأمور أمامه من الصعب فعلها..... 


لذلك كانت تدردش في كثير من الأحيان مع إيناس وزوجها والأكثر هو؛ لأنه لا يقوم بلومها وعتابها كزوجته بل كان مستمع جيد من الدرجة الأولى وحينما يخبرها بأنها ارتكبت خطأ ما فهو يتحدث بطريقة بسيطة وهادئة تجعلك تحب النصيحة منه حتى... 


ردت عليه حور ببساطة: 


-بكراش على حد جديد أكيد مش هقعد فاضية من ساعة الواد بتاع الكلية اللي حكيتلك عنه.. 


سألتها جواد باهتمام: 


-مين ده؟. 


كان يحدثها كصديق.... 


رفضت أن تصرح بهويته لا تدري لماذا؟! 


فهي أخبرته عن الاثنان الذي من قبله لكن مع طارق الأمر صعب جدًا...فقط لم تتفوه به سوى أمام وفاء، شعرت بتردد غريب من فعلها لذلك امتنعت.... 


قالت وهي تشيح بيدها: 


-يعني كده حد مش لازم تعرفه اهو كراش وخلاص. 


تلك المرة شعر جواد بأن هناك شيء مختلف بها، شيء تخجل منه أو لا ترغب في التصريح به كأن الأمر أكبر من مجرد إعجاب طفيف كالتي تشعر به سابقًا...... 


لم يُحاصرها بالسؤال، ولم يُظهر ضيقًا، فقط اكتفى بأن يبتسم بنُضج لا يشبه أحدًا من الرجال في حياتها وقال: 


-ماشي زي ما تحبي أهم حاجة متعمليش حاجة تقلل منك، ولا تقلل من أهلك، ولو حصل أي حاجة أو حتي حبيتي تتكلمي وتحكي اعرفي إني هكون موجود دايما لما تحتاجيني مهما عملتي أنا معاكي وبثق فيكي. 


ابتسمت له حور وهزت رأسها موافقة...

هو يعاملها كما سوف يعامل بناته....

بحكمة وصداقة وأن يعطيها الثقة وعدم الخوف من إخباره أي شيء...

حينما تعطي طفلك الثقة لا يخذلك...

الأمر لا يحتاج الغضب طوال الوقت أو الانفعال... 


رُبما لو كان أنجب مبكرًا لكان لديه شابة في عمر حور لكن ترتيبات الله وقدره كان مختلفًا تمامًا وقد كتب له الخير كله، وكانت وجه الخير عليه "إيناس"... 


قام بتوصيل حور فعاد جواد إلى المنزل، غير ملابسه بعد حمام دافئ، ثم حمل طفله يزن بين ذراعيه، وكان الطفل ينظر إليه بعينين واسعتين، يطرق بزجاج نظارته الصغيرة بأصابعه كأنه يكتشفها للمرة الأولى....... 


الأولاد الآخرون: جنى، حليمة، جواد الصغير كانوا قد ناموا جميعًا. 


كان يراقبها وهي تقوم بتجهيز الحقيبة التي تضع فيها محتويات يزن التي تحتاجها في الخارج، ففي الغد يومها طويل، وهي لا تتحرك من دون تلك الحقيبة تحسبًا لأي شيء قد يحدث إلى الأم التي يتواجد معها طفل صغير، حسنًا هناك أمرأة تساعدها وسوف تذهب معها لكنها لا تستطيع الاعتماد الكلي عليها أو ترك طفلها ليدها طوال الوقت......... 


راقبها جواد بحنان وقال: 


-بكرا ان شاء الله هخلص الكشوفات اللي عندي بدري ومعنديش عمليات وهلحقكم على النادي... 


أجابته إيناس وهي تضع علبة مناديل صغيرة: 


-لو معرفتش عادي يعني أنا مفهمه جواد أن ممكن متقدرش تحضر أو تتأخر... 


ترك جواد قُبلة على رأس يزن ثم قال: 


-لازم اجي أنا عايز اشوف الماتش واشوفه وهو بيلعب، أنا وعدته وهاجي، ان شاء الله الدنيا تكون تمام بكرا ومش زحمة... 


انعكس في عينيها امتنان عميق، فهو لا يميز بين أطفالها وأطفالهما، لكن علاقتهم بوالدهم الحقيقي علاقة باردة، مُهملة، آخر ما أخذاه منه كان ابتعاده عن الشجارات وهذا وحده كان هدية ثمينة منه.....


-ان شاء الله... 


نظر جواد لطفله وقال ممازحًا: 


-وأنتَ امته تكبر بقا، هتفضل صغير كده كتير؟؟.. 


أقتربت منهما إيناس بعدما تركت ما تفعله...

ثم قالت: 


-لا ده لسه بدري عليه شوية.... 


____________ 


بعد مرور ثلاثة أسابيع.... 


فتح لهما "كريم" بوابة المنزل وكانت سامية تجر حقيبة كبيرة نوعًا ما الذي يتواجد فيها مستحضرات التجميل التي تستعملها وبجوارها تقف فتاة ما وهي التي تساعدها دومًا؛ وكانت تحمل حقيبة أخرى لكن متوسطة الحجم.. 


-أهلا، اتفضلوا.. 


قالت سامية بنبرة مهذّبة: 


-السلام عليكم.. 


رد عليها كريم بابتسامة هادئة: 


-وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، اتفضلوا.. 


ثم حاول أن يحمل الحقيبة أمسكت سامية طرف الحقيبة بسرعة وهي ترد بحزم: 


-ملهوش لزوم احنا هنشيلها عادي. 


قال كريم برفضٍ واضح: 


-لا طبعا أنا هطلعها ليكم مينفعش... 


منذ أيام ذهبت نورا إلى المكان الخاص بسامية وقامت بالاتفاق والحجز معها لذلك أتت اليوم، حتى تكون جزء من يومها...... 


لم تجادله أكثر، فأخذ الحقيبة وصعد، وكادت تلحق به، لولا أن صوت زهران الذي شق الهواء فجأة: 


-بت يا سامية.... 


استدارت إليه فورًا، ثم التفتت لمساعدتها: 


-اطلعي أنتِ وابدئي رتبي وظبطي الحاجة وأنا طالعة وراكي. 


هزت الفتاة رأسها وغمغمت: 


-تمام.. 


صعدت الفتاة، بينما خرجت سامية من البوابة حيث يقف عمها منتظرًا، وملامحه لا تبشر بخير من دون سبب حقيقي: 


-في حاجة يا عم زهران ولا إيه؟.. 


هدر بنفاد صبر لم تحبه: 


-يعني أنتِ ماشية من دماغك؟ مش قولتلك بلاش تروحي للناس دي؟ وبرضو جاية لغايت عندهم في بيتهم.. 


رفعت سامية حاجبها بانزعاج: 


-عيب يا عمي يكونوا جيرانا ومعملش معاهم واجب، وبعدين أنا مش فاهمة ليه ده كله؟ هو حد فتح بقه معاك ولا عملك حاجة تضايقك؟. 


قهقه زهران بسخرية قصيرة: 


-وهو أنا هستنى لما يضايقوني؟؟ وبعدين أنا كده حر ياستي ملهمش قبول عندي وكان المفروض تسمعي كلامي.. 


تنفست سامية ببطء محاولة كبح عصبيتها: 


-يا عمي والله أنا مليش دماغ للكلام ده، أنا اتحرجت لما نضال قال لسلمي تكلمني والبنت جت عندي واتفقنا ومشوفتش يعني أن في مشكلة أو مانع إني اروح وبعدين بلاش تأخرني عليهم... 


لوح زهران بيده بضيق: 


-ماشي يا سامية، ماشي، أنا هوريكي اطلعي دلوقتي ولما ترجعيلي البيت... 


بعد مرور ساعة تقريبًا... 


كانت تقف سامية أمام نورا وتقوم بوضع لمساتها الأخيرة على وجهها وكانت من بعدها سوف تضع إلى والدتها وابنة خالتها "هالة" التي تجلس في الغرفة أيضًا.... 


أردفت نورا بسعادة حقيقية ما إن رأت هيئتها: 


-تحفة، بجد تحفة، تسلم إيدك أنا مكنتش متوقعة كده، أحسن من اللي في خيالي بمراحل.... 


ثم قالت بحماس: 


-ماما تعالي بصي كده... 


جاءت والدتها "صباح" من آخر الغرفة، وما إن نظرت لابنتها حتى ترقرقت دموعها: 


-ما شاء الله يا حبيبتي، زي البدر ما شاء الله، ربنا يتمم فرحتي بيكي على خير يا نور عيني.. 


في الوقت نفسه كانت هالة هي الأخرى قد جاءت مغمغمة بثقة: 


-أصلا نورا زي القمر من غير حاجة. 


اكتفت سامية بابتسامة حيادية، ثم قالت صباح: 


-تسلم ايدك يا حبيبتي. 


-الله يسلمك يا طنط.. 


ثم تابعت سامية حديثها بنبرة عملية: 


-مين اللي هتعمل بعدها؟ حضرتك.. 


بادرت هالة بسرعة: 


-لا أنا الأول. 


ربتت صباح على كتف ابنة شقيقتها مغمغمة بحنان شديد: 


-ايوة اعملي للبت هالة وخليني أنا الأخر، المهم اتوصي بـ هالة، البت نورا ليها حق كانت تصمم عليكي دي فضلت أيام تقول انها بتبعت ومش بتردي.. 


أردفت سامية بعفوية: 


-بيكون في ضغط رسايل وحتى قعدت أدور معرفتش أوصل للرسايل بتاعها بس ادينا اتقابلنا وده كان أحسن.. 


قالت نورا نافية: 


-ازاي كده، ده انا بعت كتير أوي.. 


-ممكن بقا في حاجة في الصفحة ومعرفتش أوصل للرسايل كلها.. 


ثم تابعت سامية حديثها بابتسامة هادئة: 


-يلا يا هالة لو هتبدأي علشان منضيعش وقت. 


تقدّمت هالة وهي تفتح هاتفها: 


-أنا هلبس فستان نبيتي وعايزة ميكب يكون واضح أوي، أنا بحب الميكب يكون واضح وجرئ زي ما بيقولوا في كذا حاجة شوفتها وعايزة اعمل حاجة شبههم. 


قالت سامية بهدوء مهني:


-وريني فستانك وهنشوف هتعملي، وبرضو من رأيي لو لون الفستان أصلا هيكون التركيز عليه نبقى نعمل حاجة هادية بس في نفس الوقت باينة.


تحفّزت هالة قليلًا:


-بصي أنا عايزة حاجة معينة ومبحبش حد يفرض عليا حاجة أنا بحب أعمل حاجة على ذوقي...


تنهدت سامية ومازالت هادئة في تعاملت مع الكثير والكثير منذ أن بدأت هذه المهنة:


-الموضوع مش فرض رأي أنا بس بيكون ليا رؤية بحب أقولها ليكي وفي الأخر اللي يريحك ووريني بقا الـ look اللي عايزة تعملي زيه....


___________


جلس نضال على الأريكة المتوسطة في الحجم، اتكأ بظهره إلى الوسادة المبطنة، بينما كانت سلمى تجلس إلى جواره وقد ضمت ساقيها بجانبها في وضع مريح، أمامهما كان زهران يحتل مكانه المعتاد على المقعد الجانبي، ساقاه متباعدتان قليلًا، وركبته تتحرك مع كل سحبة يأخذها من الأرجيلة.......


كان قد ترك الشقة إلى انتصار بعد شجار عنيف دب بينهما فقرر أن يبيت الليلة مع نضال وسلمى للمرة الأولى....


تمتمت سلمى بترحاب:


- أحضر العشاء؟.


قال زهران بنبرة باهتة:


-مليش نفس، الحريم كلها تسد النفس..


قالت سلمى بنبرة هادئة:


-إيه اللي حصل لكل ده يا عم زهران بس؟ ما أنتَ وطنط انتصار ما شاء الله عليكم زي السمنة على العسل.


زفر زهران، وزفر معه دخان الأرجيلة، وقال بنبرة تحمل مرارة وشيئًا من العناد:


-هو الستات كده مهما الراجل يعمل ليهم مفيش فايدة.


تبادل نضال وسلمى نظرة قصيرة قبل أن يقول نضال بعدم فهم:


-طب قولنا حصل إيه بس.


رفع زهران حاجبيه، وكأن مجرد السؤال يستفزه فقال بانفعال واضح:


-دلوقتي أنا جيبت الراجل قعد يخرم في الحيطة لمكان ريموتات التكييف كل شوية يغيروا مكانهم ومش بلاقيه في مكانه، فعملت مكان له، وبرضو مش بيحطوه فيه...


مالت سلمى على نضال هامسة:


-هو احنا مش في دخلة الشتاء والتكيفيات بطلناها من بدري..


تمتم نضال بمرحٍ ونبرة خافتة:


-خليكي في نفسك متدخليش..


 تابع زهران سرد مشاكله:


-ولما أسال ليه مش بيعجبها، غير طبعا السكر اللي بقت تقلله في الشاي وكل حاجة بشربها  إجباري ده وتقولي هيجيلك السكر، وهي مالها إني اشرب الشاي بخمس معالق سكر؟! أنا حر...


ابتسم نضال ابتسامة باهتة وهو ينظر لسلمى التي سارعت تنفي التهمة:


-والله ما ليا دعوة ولا بقول لحد يعمل إيه وميعملش إيه صدقني متجبهاش فيا أنا متكلمتش في السكر مع حد.


عاد نضال بنظره نحو أبيه وهو يشرح بهدوء:


-يا بابا يمكن غالي وريان بيلعبوا فيهم وهي بتشيلهم في حتة والسكر هي خايفة عليك مش أكتر..


لوّح زهران بيد واحدة وكأنه يطرد كلامه:


-متدخلش في اللي ملكش فيه، أنا خلاص مش طايق العيشة مع الست دي..


ثم استطرد بانفعال أكبر:


-وبعدين بتتناقش معايا ليه؟ مش أنتَ السبب أن البت سامية تروح عند بيت عزت علشان خاطر بنته؟ اهو أنا طول اليوم متعكنن بسبب كده...


أردف نضال بنبرة عادية:


-أنا مش فاهم إيه المشكلة.


أضافت سلمى على حديث زوجها:


-ما هي رجعت وكانت المقابلة كويسة وزيه زي أي شغل بتعمله، ليه بقا ده كله؟.


نظر إليها زهران بحدة:


-اهو دافعي عن جوزك الصايع اللي بيقولي مش بيتكلم مع كريم وهو كان بيتكلم وبيقعد معاه، واللي يكدب على أبوه بكرا يكدب على مراته...


تمتم نضال بنبرة ساخرة:


-يعني هو حضرتك هتحكم عليا اكلم مين ومكلمش مين بعد العمر ده كله؟ وبعدين مفيش سبب نخلينا نعاملهم كأن بينا وبينهم ثأر..


سحب زهران نفسًا طويلًا من الأرجيلة قبل أن يغمغم بسخرية:


-طبعا مش هحكم عليك، عارف ايه؟ علشان أنتَ صايع واللي تعرفهم صايعين زيك..


التفت بعدها نحو سلمى وهو يشير بخرطوم الأرجيلة:


-ابقي اطمني على جوزك يا بنتي؛ مهوا معاشر واحد على تكة وهيكون مطلق والتاني أعزب، يعني هيشجعوه على السرمحة..


قال نضال بغضب:


-إيه اللي حضرتك بتقوله ده يا بابا.


رد زهران بعدم اكتراث:


-بلا بابا بلا زفت..


قطع صوته رنين هاتفه الموضوع على الطاولة، فلم يلتفت له:


-حد يجيبلي الموبايل مش قادر أقوم.


قامت سلمى بخفة، تناولت الهاتف ونظرت للشاشة وضحكت رغمًا عنها وسأل زهران باستفهام:


-مين اللي بيتصل..


حاولت سلمى التوقف عن ضحكاتها مغمغمة:


-حبك عمرك بتتصل وجنبها الكثير من القلوب وكوكب.


خطف زهران الهاتف من يدها بسرعة مدهشة لعمره وأجاب على الفور:


-ايوة يا حبيبتي..


قالت له شيئًا فتحول صوته مئة وثمانين درجة من زهران الغاضب إلى زهران دنجوان عصره:


-حاضر يا حب عمري نازل احنا اتحسدنا والله؛ أنا اصلا مقدرش اسيبك تتعشي من غيري، حتى نضال وسلمى مكنتش هأكل معاهم...يلا سلام يا قلبي.


أنهى المكالمة، ثم نظر إليهما باستنكار:


-مالكم متنحين كده ليه؟ يلا أنا نازل؛ بكرا الصبح حد فيكم ينزل ليا الشيشة علشان مش قادر اشيلها دلوقتي، يلا تصبحوا على خير يا حبايبي...


نهض وهو يعدّل جلبابه، وخرج يغلق الباب خلفه وكأنه لم يثر زوبعة قبل دقائق، وعند رحيله خلعت سلمى الحجاب الخاص بالاسدال متمتمة:


-أبوك نسينا مجرد ما حب عمره اتصلت..


ضحك نضال ضحكة قصيرة:


-مستغربة ليه؟ هو أنتِ متوقعة حاجة تانية غير كده؟.


قالت سلمى بجدية:


-على رأيك ده حاططلها قلوب وكوكب.


اقترب منها نضال ببطء، يحيط خصرها بذراعيه هامسًا:


-طب إيه؟ مش ناوية تـ....


قاطع هذا الوصال الذي لم يبدأ بعد لأن الرومانسية لم تكتب لهما؛ صوت رنين الجرس وصوت أبيه من الخارج:


-افتح يا نضال هات كريمة مش هقدر تقعد لغايت الصبح بعيد عني..


نهض الاثنان مكانهما، كانت سلمى تحاول التوقف عن ضحكاتها وهي تسير صوب حجرة النوم بينما هو ذهب حتى يحمل الارجيلة الخاصة بأبيه حتى يعطيها له وهو يحدث ذاته:


-هو أنا كاتب كتابي مش عارف اتهنى متجوز مش عارف اتهنى..


__________


جلست وفاء على الفراش في حجرتها، ممسكة هاتفها، تراقب شاشة المكالمات الأخيرة وكأنها تنتظر رسالة أو اتصالًا قد تغيّر مزاجها....


راجعت سجلات المكالمات بعينين متعبتين، وكل مرة كانت تتوقع رؤية اسم حور يظهر، لكنها لم تجد شيئًا مستحيل أن يمر يوم دون أن تتصل بها أو ترسل لها رسالة.....


قررت أن تتصل بها بعدما تُنهي مشروبها الساخن، ولكن قبل أن تنهي كانت حور تتصل بها، فوضعته وفاء على الكوميدنو وأجابت عليها:


-الو يا ست حور، مختفية ليه مش عادتك يعني...


جاءها صوت حور مقتضبًا، مختصرًا كما لو كان كل شيء يضغط عليه:


-اهو متنكدة..


سألتها وفاء باهتمام شديد تحاول أن تعرف ما يتواجد خلف تلك النبرة:


-ليه بس حصل إيه؟.


تنهدت حور بانفعال واضح، كلماتها تتلاحق:

-مارك الله يسامحه خلى البوست اللي علمتلك عليه منشن على صورنا يظهر لدياب وبعد كل ده معرفش ليه؟؟؟ وزعقلي طبعا بما إني مش بنزل صوري، وجاي يظهرله بعد كل ده..


ابتسمت وفاء بخفوت، محاولة تخفيف حدة الموقف:


-عادي يعني اصلا أنا يوم ما بعتيلي وقتها استغربت أنك علقتي بدل ما تبعتي اللينك ما علينا سيبك ما اخوكي كده يعني، مش أول زعيقة ولا خناقة ما بينكم وبتتصالحوا بعدها بنص ساعة..


قالت حور بعدم اكتراث:


-اه ما احنا اتصالحنا وطلبت بيتزا دلوقتي على حسابه بس حاسة اني لسه منكسرة نفسيا رغم أنه ده الطبيعي بتاعنا بس أنا دماغي تعبانة...


ثم تابعت حديثها:


-استني كده البت هدير عماله تبعت في رسايل وهما هلاص جايين بكرا ان شاء الله..


ردت عليها وفاء:


-ان شاء الله طب شوفيها..


تمتمت حور بفزع:


-طارق وشه وارم وواضح أن في حاجة في ضرسه ومش هيلحق يروح لدكتور طيارتهم كمان كام ساعة وهدير بتقول بتقولي أنه تعبان.


تنهدت وفاء، محاولة تنظيم أفكارها:


-ابعتيلي الصورة كده، وبعدين هو سايب نفسه ليه كل ده؟ وهيركب الطيارة وضغط الجو ده ممكن يخلي الموضوع مؤلم اكتر..


-معرفش هدير بتقول بقاله يومين بس...


حاولت وفاء أن تفرض نصائح عملية، محاولة تهدئة الموقف:


-خليه يعمل كمادات باردة على الخد الوارم من عشر دقائق لربع ساعة ولو الوجع لا يحتمل وعنده مسكن فيه باراسيتامول أو إيبوبروفين ياخده، ويشطف سنانة بمياة دافية وملح علشان الالتهابات ولو في قرنفل يشرب وبرضو ابعتي ليا الصورة علشان اشوفها...


تنهدت حور وهي تشعر بثقل القلق على قلبها:


-بعتهالك بس بتحمل النت وحش، شكله تعبان خالص، وشه وارم جدًا..


ردت وفاء بحزم وهدوء:


-لازم لما يجي ان شاء الله يروح لدكتور سنان ميسكتش، ويارب الموضوع ميزيدش في الطيارة.....


رأت وفاء الصورة فاسترسلت حديثها:


-حالته اعتقد ممكن يروح بيها طوارئ لو ينفع بحيث الموضوع ميزيدش في الطيارة....


___________


في اليوم التالي...

أمام صالة الوصول....


كان يقف نضال ودياب في انتظار صديقهما طارق، لا يصدق أحد أن أخر لقاء بينهم كان وقت مراهقتهما تقريبًا.....


وعدهما طارق وعد لم يخلف به...


"أول ما اوصل ان شاء الله هطمنكم عليا وان شاء الله هكون معاكم على تواصل انا عمري ما هتخلي عنكم انتم حياة طارق وصحبته وعشرته الحلوة".


مر الثلاثة بأحزان...

وأفراح...

فشل...

ونجاح.....


لكن ظلت أواصر الصداقة كما هي...

بل أصبحت أكثر متانة وقوة كأن الغياب لم يكن إلا اختبارًا.....


يخرج العديد من الناس...

لكن الاثنان في انتظار شخص واحد فقط بمشاعر مختلفة وتوتر غريب، أخيرًا وصلا إلى هذا اليوم في استقبال صديقهما.......


كانت الدقائق ثقيلة على صدريهما؛ كل لحظة تأخير تزيد نبض الترقب، حتى ظهرت هدير أولًا، تجر حقيبة صغيرة بخطوات هادئة متعبة....


بعدها بثوانٍ خرج طارق يدفع أمامه عربة حقائب كبيرة كثيرة، كأنها تحمل أثقال غربته كلها......


كان طارق الذي يتواجد أمامهما الأن مختلف تمامًا عن طارق المراهق الذي سوف يغامر عن طريق البحر، بل حتى مختلف تمامًا عن المكالمات "الفيديو" فلا شيء قد يكون أجمل من لقاء حقيقي بالفعل، فالواقع أكثر صدقًا...


كان وجهه ذو تقاسيم حادة متناسقة؛ عظام خدّين بارزتين باعتدال عدى التورم الظاهر بسبب اسنانه، وملامح رجولية تزيدها لحيته الكثيفة المهندمة ثباتًا واتزانًا....


 بشرته السمراء المائلة للدفء، وأنفه المستقيم والعريض وفمه الهادئ، وكانت عيناه بلونهما الداكن حادتين، وحاجبيه المرسومين بعناية طبيعية، كما كان بها دموع يكبحها بصعوبة، لا يدري هل هذا اشتياق حقيقي للوطن!!


أم عقله أتى بكل ذكرى لم يستطع بها الهبوط!!

حينما لم يستطع حضور جنازة والدته..

حينما غدرت به شقيقته..

وحينما كانت شقيقته الصغرى وحيدة تتأرجح بين منازل عائلات اصدقاءه...


كل شيء أتى في عقله كأنه لم يتخطَ شيئًا....


أقترب منه نضال على الفور واحتضنته بمشاعر غريبة من دون أي كلمات، وبادلة طارق ولم يكبح دموعه أكثر من ذلك بكى في حضن نضال.......


وكان دياب ليس أقل تأثرًا منهما لكنه حاول أن يرحب بـهدير إلى أن يأتي دوره ليعانق صديقه الغائب منذ سنوات بصوتٍ مبحوح:


-نورتي يا هدير، مصر نورت بيكم أخيرًا طارق رجع.........


كانت كلمات بسيطة…


لكن وقعها على طارق بدا كأنها تعيد تثبيته في الأرض بعد سنوات كان يشعر خلالها بأنه معلق في الهواء، لا وطن له ولا حضن، سوى ذكريات متعبة......


ما انكسر لسنوات عاد إليهم الآن بسلام......

وهذا اللقاء، بعد غياب مرّ بطعم الخسارة، لن يكون مجرد بداية جديدة….....


بل عودة الروح إلى مكانها الصحيح....


لقد عاد طارق إلى شارع خطاب.......


______يتبع_______


لو وصلتم لغايت هنا دمتم بألف خير...


نتقابل في فصل جديد ان شاء الله...


عايزة تفاعل حلو كده ولذيذ......

الفصل طويل....

فمتنسوش الفوت والكومنت على الفصل ده والفصول اللي فاتت كلها..

بوتو يحبكم.....



بداية الرواية من هنا





لاتلهكم القراءه عن الصلاه وذكر الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم 



جميع الروايات كامله من هنا 👇 ❤️ 👇 



روايات كامله وحصريه



اعلموا متابعه لصفحتي عليها الروايات الجديده كامله بدون روابط ولينكات من هنا 👇 ❤️ 👇 



روايات كامله وحديثه



❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺💙🌹❤️🌺 




تعليقات

التنقل السريع
    close