رواية عذراً لقد نفذ رصيدكم شارع خطاب الفصل الثالث والخمسون بقلم fatma_taha_sultan حصريه وجديده
اذكروا الله.
دعواتكم لأهلكم في فلسطين والسودان وسوريا ولبنان وجميع البلاد العربية.
في نهاية المطاف كان الحصول عليك صعب والمعركة من أجلكِ قاسية، لكنك تستحقين.
مقتبسة
يجبُ أن تكُون شجاعًا... بل شجاعًا جدًا لتُحِب.
مقتبسة
وإنها إمرأة تُعلِمك كيف تُحب
النجوم
الأُغنيات، القهوة ، تُهذبُ روحَك
بما فيها من الحَنان
تستطيع في عينيها أن ترى أنه لا يوجد في هذا العالَم
من هو أعظم مِنك
إمرَاة تَزرع البَهجة في حياتك
مقتبسة
بينما يظنون إنني لا أتحدث كثيرًا كنتُ أتحدث معكِ عني وعن شؤوني وأفكاري وكأنني أتحدثُ لنفسي
لشدة أرتياحي
بينما يظنون إنني مُنعزل كنت أشاركك أيامي وأفراحي
وأحزاني وكنتِ منزلي الدافئ و وسادتي
كنتِ الطريق الذي يعرفُ صوتَ خطوتي؛ كنتِ الضماد فوقَ جروحي، وملاذي كنتِ كلَّ شيء..
مقتبسة
تقف إيناس في الشرفة..
تقوم بجمع الغسيل الذي تم ترك مُعلقًا على الحبال ليلة أمس، كانت والدتها تجلس في مع السيدة بهية في شقتها كعادتها منذ سنوات، بينما أولادها في الحضانة، أما حور كانت غارقة في نومٍ عميق..
أنهت ما يتواجد في يدها ثم عادت إلى الداخل، خلعت إيناس خِمارها المنزلي ثم هوت على الأريكة، وقررت الاتصال بشقيقها حتى تعلم ما حدث معه قلبها قلق جدًا، فأمسكت هاتفها، وضغطت على الرقم ثم اتصلت به، أجاب عليها دياب بعد ثوانٍ تقريبًا..
![]() |
"الو".
-ايوة يا دياب إيه الأخبار، عملت إيه؟؟ قابلت أبوها ولا لسه؟؟ طمني يا حبيبي..
في الحقيقة لم يخبر دياب أي شخص أنه ذاهب إلى والد ريناد إلا إيناس فقط، كان رده عليها باردًا غير مطمئنًا..
"معملتش حاجة".
ضيقت إيناس عيناها ثم ردت عليه بذهول وهي تعقد حاجبيها بعدم فهم:
-يعني إيه؟ أنتَ مقابلتهوش ولا إيه؟!.
"لأ، قابلته".
زفرت إيناس بضيقٍ والفضول يحرقها، غير قلقها الشديد عليه:
-ما تتكلم يا دياب هو أنا لازم أسال السؤال بكذا طريقة علشان تقول علطول إيه اللي حصل؟ قول بقا...
أجابها دياب بوجوم ونبرة ثقيلة:
"قابلته وقولتله إني بطلب إيد ريناد راح قالي هيفكر ويرد عليا، وبس ولا كلمة زيادة، أنا أصلا مش فاهم سكوته ده يعني إيه؟؟ قالي عنده Meeting ومضطر يمشي، معرفش بقا هو اتكسف يرفضي مرة واحدة ولا إيه"..
رغم ارتباكها حاولت أن تطمئنه حينما لاحظت ارتجاف نبرته وخوفه الواضح الذي لم يفصح عنه لكنها شعرت به:
-اكيد لا، هيتكسف من إيه؟ يمكن فعلا كان مستعجل أو محتاج يفكر ويسأل ريناد قبل ما حاجة، هي ريناد تعرف أنك رايح لابوها؟
"لا متعرفش، أنا هقفل دلوقتي، وهبقي أكلمك كمان شوية، يلا سلام"
-سلام.
انتهت المكالمة، لكن صوته ظل يرن في أذنها؛ كان صوته مشبع بالضيق والقلق؛ ففضل دياب أن يجلس مع ذاته، يتساءل إن كان هذا الصمت رفضًا مؤجلًا أم فرصة للتفكير حقًا؟!..
بعدما أنهت مكالمتها مع دياب، لمحت اسم "جواد" يضيء شاشة هاتفها..
للحظة تساءلت: لماذا يتصل بي الآن؟
ثم ابتسمت ساخرة من نفسها؛ وكأنها نسيت أنه خطيبها، ومن الطبيعي أن يتصل لو أراد ذلك..
في النهاية ليست جريمة يقترفها...
أجابت إيناس بخفوت عليه:
-الو..
جاءها صوته الدافئ والراقي:
"صباح الخير".
-صباح النور..
ضحك بخفة ثم تحدث بطريقة عفوية:
"مكنتش متوقع عموما أنك صاحية، وكمان بتتكلمي، اتصلت مرتين كنتي بتتكلمي".
لأنها معتادة على الشك من قِبل زوجها الأول فهي تعرف جيدًا، الفارق بين العفوية والشك التي عاشت فيه لمدة سنوات أبعدها فيها عن الجميع...
-كنت بكلم دياب وبعدين أنا في العادة بصحي بدري سواء بشتغل أو لا.
"ماشي؛ أنا عمومًا اتصلت علشان حبيت أطمن عليكي".
سألته إيناس باهتمام رغمًا عنها وتلقائية فهي معتادة على الاهتمام بمن تحبهم ويبدو أنه أنضم معهم:
-روحت الشغل؟ مش عادتك يعني، أنتَ بتروح متأخر أصلا في الغالب.
سمعت ضحكة راقية منه بعدها تعليقه الذي ظهر فيه إرهاقه الواضح على ما يبدو طوال الليل:
"لا لسه راجع كان عندي عمليات وخلصت على الضهر، لسه مروح، وهنام، قولت اتصل اطمن عليكي".
-أنا الحمدلله كويسة.
ثم أسترسلت حديثها وهي تخبره بأخر التطورات التي حدثت معها رغم أنها ترددت في البداية:
-أنا قدمت في شركة ******* غالبًا هعمل انترفيو في نهاية الأسبوع، هيكون في *****..
"مش هيكون بعيد عليكي؟ وبعدين ملهوش لزوم تتعبي نفسك و..
لم تدعه يستكمل حديثه فقاطعته بحدة غير مقصودة:
-ملهوش لزوم إيه؟ أنا لازم اشتغل لو ده مش هيضايقك وبعدين أنا من ساعة ما جيت أخدت ورقي قبل ما نتخطب وكنت هشتغل بس متوفقتش ساعتها..
أوقفها بنبرة غير متسلطة ممتصًا عصبيتها وغضبها تلك ببساطة:
"ليه العصبية دي كلها، هو أنا قولتلك إيه؟!، وبعدين أنا هضايق من إيه؟؟ كل الفكرة أن المكان هيكون بعيد عليكي"
ردت عليه بنبرة متحفزة:
-ما أنا كنت باجي المستشفى وبشتغل فيها رغم أنها أبعد...
أنهى النقاش بجملة هادئة وجميلة لعب بها على أوتار مشاعرها:
"كان نصيبك تقابليني وتيجي كل المسافة دي مش أكتر"..
سكتت هي للحظة، وأحست أن كلماته تخفف حدة انفعالها وهذا شيء جديد بالنسبة لها، فأسترسل جواد حديثه، وكأنه يغلق باب النقاش بلطف:
"عايزة تشتغلي، اشتغلي يا إيناس".
-والله؟ بعد أيه..
"أنتِ مش عاجبك حاجة على فكرة، أنا معنديش مشكلة، أهم حاجة تعملي اللي يريحك، وأنا فاضي يوم الأربع على فكرة لو حابة إني أجي لأنك مجبتش سيرة عن الموضوع تاني، إيه لغيتي الفكرة ولا إيه؟".
شعرت بالحرج يلون وجهها وهي تخبره:
-لا طبعًا هنستناك...
شيئًا من الراحة تسلل إليها، إحساس لم تختبره من قبل، إحساس كان مفقودًا في حياتها لسنوات.....
_______________
في المساء..
سالونى الناس عنك يا حبيبى
كتبو المكاتيب و اخدها الهوا
بيعز على غنى يا حبيبى
و لاول مره ما منكون ســـوا
سالونى الناس عنك سالونى
قلتلهن راجع اوعى تلومونى
غمضت عيونى خوفى للناس
يشوفوك مخبا بعيونى
و هب الهوا و بكانى الهوى
لاول مره مـــا منكون ســوا..
طل من الليل قال لى ضوى لى
لاقانى الليل و طفا قناديلى
و لا تسالينى كيف استهديت
كان قلبى لعندك دلـيـلى
و اللى اكتوى بالشوق اكتوى
لاول مره ما منكون سوا
كانت الأغنية تتسلل إلى أذنيها من الهاتف كأنها تترجم ما يجول بخاطرها؛ كل كلمة منها تزيد ثِقَل قلبها أكثر وهي تتذكره...
تعلم بأن علاقتهما ليست سهلة..
لكنه ليس ذنبها أن تحب رجلًا مختلفًا عنها حتى في التفكير والعادات، وليس ذنبه أيضًا...
جالسة في فراشها، كانت لا تغادر فراشها تقريبًا إلا في أوقات الطعام، تأتي صديقتها المقربة لزيارتها بين الحين والآخر....
لكنها لم تخرج من المنزل من وقت الخطوبة متعللة بأنها تشعر بالارهاق وترغب في أخذ هدنة من العمل قبل أن تبدأ جامعتها..
سمعت صوت طرقات خافتة على الباب، فاعتدلت على الفراش وجلست في نصف جلسة؛ حاولت تهذيب خصلاتها المبعثرة، ثم أذنت للطارق بالدخول..
فتحت الباب أحدى النساء التي تعمل في المنزل تخبرها:
-العشاء جاهز..
سألتها إيناس بنبرة هادئة:
-هو بابا جه ولا لسه؟..
ردت عليها الفتاة بطريقة مهنية:
-أه جه بقاله نص ساعة، وهو اللي قالي أناديكي علشان العشاء..
بعد دقائق...
كانت تجلس على الطاولة تتناول العشاء مع أبيها والصمت يخيم عليهما، وكان هو ي٩اول مراقبتها بين الحين والآخر، لكنه لم يجد منها أي اهتمام أو ترقب، كأنها لا تعرف بأن هذا الشاب أقدم على تلك الخطوة بالفعل.....
كأنها لا تعلم شيئًا، فترك الشوكة التي تتواجد بين أصابعه ولم تنتبه له حتى، كانت غارقة في أفكارها والطبق المتواجد أمامه تحاول أن تلتهمه لعله يسكن صوت عقلها......
تمتم محمد قاطعًا هذا الصمت:
-دياب جالي النهاردة...
عند تلك النقطة ارتعشت يدها ولم تجرؤ حتى على النظر إليه، فسمعته يستكمل حديثه ببرود:
-شكلك متعرفيش يعني...
أخيرًا حاولت أن ترفع بصرها عن الصحن الموجود أمامها ثم نظرت إلى والدها هاتفة باستفهام حقيقي، فهي لا تعلم لماذا ذهب إليه؟!...
هي تشاجرت معه غير أن المدة التي أعطاها لها لم تمر نصفها حتى:
-في حاجة ولا إيه تخص نينا بهية؟!.
رد عليها ولم يترك لها فرصة للتخمين وهو يقول من دون مواربة:
-لا جاي علشانك أنتِ..
أتسعت عيناها بذهول ودهشة صافية، وكانت تسأله بعفوية شديدة، الغريب أنه لم يأتِ على عقلها السبب الحقيقي الذي جاء من أجله:
-ليه؟ أنا عملت إيه؟!..
-هتكوني عملتي إيه يا ريناد، دياب جه يطلب إيدك مني....
قالها محمد بنفاذ صبر ولم يتوقع أن تبتسم حتى أنها ضحكت رغمًا عنها، كأنها فقدت عقلها....
حينما استوعبت نفسها ونظراته الحادة وضعت يدها على فمها تنظر له بذهول، تحاول إخفاء ضحكتها العجيبة التي ظهرت رغمًا عنها..
ثم أزاحت يديها وعقدت حاجبيها متحدثة:
-بجد؟ ازاي كده؟؟
تحدث محمد وهو يتمالك أعصابه حتى الثانية الأخيرة:
-بعد ما ضحكتني وكان ناقص شوية وترقصي جاية تقولي ازاي كده؟.
تلون وجهها من شدة الحرج ثم حاولت قول أي شيء قد يخفف من الحرج الذي يصيبها وقالت بتلعثم:
-لا أنا بضحك عادي أصل كل شوية حضرتك بتجيب ليا عريس، بس لو عايزني أقعد معاه معنديش مشكلة..
قال محمد مستنكرًا:
-إيه الطاعة دي؟؟ وتقعدي ليه من أصله؟!..
-ما أنا قعدت المرة اللي فاتت عادي مع مروان إيه المشكلة؟..
كان سؤال والدها هذه المرة واضحًا وحاسمًا رغم معرفته من بهية كل شيء قبل أن تعود ريناد إلى هنا، لكنه كان يرغب في أن يعرف منها هي:
-في حاجة بينك وبين الولد ده؟ مهوا مش معقول يجي من نفسه....
تجمدت الكلمات في حلقها، ولم تسعفها الجرأة على الاعتراف أو الإنكار...
بقيت تحدق في الصحن أمامها، بينما صوته يثقل الأجواء وهو يتابع:
-خليكي صريحة معايا..
لم تكن ريناد معتادة على الحديث في تلك الأمور مع والدها رغم الانفتاح التي تتمتع به في حياتها لكنها لا تجد أن تخبر أحد شيئًا بمشاعرها تحديدًا والده هو شيئًا هينًا...
حاولت أن تستجمع جسارتها وهي تتذكر وعدها له بأنه لو تقدم من أجلها خطوة واحدة؛ ليشاهد ما الذي ممكن أن تفعله من أجله:
-دياب قالي أنه بيحبني وإني لو عايزاه استناه وهو كام شهر وهيجي يتقدم بس مكنتش اعرف أنه هيجي دلوقتي خالص..
مازال محمد يحافظ على جمود ملامحه..
لا يعطيها أي ردة فعل...
فقط غمغم بنبرة باردة:
-دياب مش شبهك في حاجات كتير، أنا اعرفه من زمان من قبل ما تعرفيه؛ اه ظروفه اتحسنت بس مش هيقدر يعيشك في المستوى اللي أنتِ فيه، غير أن أهله هتفضل مسؤولة منه ومش هتكوني في الأولوية في حياته...
قالت ريناد بارتباك ونبرتها كانت مرتجفة جدًا وهي تدافع عنه باستماته:
-عارفة بس هو شخص محترم، والشباب اللي في سنه اللي ممكن تكون مسؤولة وتتحمل مسؤولية حد دي قليلة، وأنا شوفته بيعمل كل حاجة عليه وأنا هناك علشان خاطر أهله....دياب حد كويس.
نهض محمد من تلك الجلسة مغمغمًا بجفاف وسخرية:
-دياب حد كويس اه، على العموم أنا كلت، وعايز أنام تصبحي على خير....
رحل من دون أن يخبرها بشيء...
تركها من دون انفعال أو رد فعل يؤلمها، أو حتى يطمئنها به، هي تتقلب بين الخوف والخذلان رحل من دون أن يمنحها إشارة عن قراره... ولا عن رأيه...
____________
أخبر "دياب" صديقه نضال بما فعله ولم يصدق بأن دياب أخذ تلك الخطوة من دون أي تخطيط..
فهو يفكر دومًا كثيرًا قبل أن يتخذ أي خطوة...
لم يكن "نضال" أحمقًا فهو يعلم جيدًا أنه يحبها، ولكنه مترددًا لذلك كان صعب عليه أن يتخذ تلك الخطوة في نظره، لكنه فعلها على ما يبدو أن الحب يصنع المعجزات ويغير من الانسان رغمًا عن أنفه...
فعلها في النهاية، فحاول نضال أن يبث الطمأنينة فيه وقتها:
"صدقني... أبوها هيوافق، حتى لو هو مش عايز، هي مدام بتحبك، هتعرف إزاي تخليه يرضى ويوافق"
بعدها انشغل الاثنان بالجلوس مع بقية الشباب، يلعبان الدومينو في المقهى، فكان دياب يحاول أن يشتت ذهنه بين الضحكات والأحجار التي تخص اللعبة وتتساقط على الطاولة، لكن من تحتل عقله وقلبه كان لها رأي أخر...
حيث أضاءت شاشة الهاتف مرة واحدة تعلن عن اتصال منها..
وقتها نهض تحت أنظار نضال وغادر مكتفيًا بتعقيب بسيط، وكأنه على وشك الركض حتى يسمع صوتها.
-حد يكمل بدالي لغايت ما أرد واجي..
رحل دياب مبتعدًا عن المقهي بمسافة مناسبة قد تمنحه الحرية للحديث ثم أجاب عليها بصوتٍ مبحوح من شدة القلق:
-ألو..
انفجرت ريناد بمجرد أن سمعت صوته:
"أنتَ إيه اللي عملته ده؟! ازاي تروح تقابل بابا ومن غير ما حتى تقولي قبلها"
هاجمته بشكل لم يتوقعه، فحاول أن يجيبها بعدما تجمد للحظة يحاول أن يدافع عن نفسه:
-ما ده كان اتفاقنا إني هتقدم ليكي عملت إيه جديد أنا؟..
سمع صوتها منفعلًا مليئًا باللوم:
"ده كان قبل ما نتخانق وكمان ده كان لسه بعد شهور".
تمتم دياب يحاول كبح غضبه فهو متوتر جدًا وهي تزيد من ارتباكه:
-وإيه اللي يضايقك إني اجي اتقدم ليكي مش فاهم؟ مش أنتِ اللي كنتي عايزة كده، وأن ده أحسن ما نستنى وحتى لو دبلة وقعدتي تتكلمي، وبعدين إيه المشكلة لو اتخانقنا؟؟ ما ده شيء متوقع هو احنا يعني المفروض منتخانقش؟ دي حاجة طبيعية هتحصل بين أي اتنين..أنهم يختلفوا في وقت من الأوقات وأكيد احنا هنحاول نحل الخلاف ده..
ساد صمت قصير، قبل أن ترد بصوتٍ مشوب بالدهشة:
"والله يعني أنتَ شايف كده؟!"
لم تكن تسخر منه..
هي بالفعل قد أعجبت بمحاولته أن ينهي الشجار بهذه الطريقة ومحاولته لتهدئة الموقف أو لأن حديثه كان منطقي نوعًا ما، سمعته يعلق على كلماتها بثقة:
-اه ومش شايف غير كده؛ ممكن تقوليلي إيه اللي حصل؟؟ لأني مشيت من عنده ومقالش ليا أي حاجة تطمني، وخلاني متخلبط جدًا
سمع صوتها كئيبًا وحزينًا هي تخبره:
"مش عارفة اطمنك ازاي وأنا أصلا عرفت منه من شوية بس برضو مقالش أي حاجة ليا تطمن"..
شعر بالقلق وهو يهتف بلهفةٍ:
-يعني إيه؟ أنتِ مقولتيش أنك موافقة طيب؟؟.
تنهدت ريناد ثم ردّت بجدية، كأنها تحاول أن تكون واضحة قدر الإمكان:
"قولت، بس هو سابني بليل ونام ومقالش حاجة"
_____________
يقوم زهران بوضع قطع الفحم المتقدة فوق الأرجيلة، وأثناء فعلته تلك كان يراقب سامية التي جاءت حتى تتحدث وتجلس معه كالعادة، والدتها لم تكن في المنزل كانت عند خالها وأصبحت سامية تذهب معها لكن اليوم كانت تشعر بالإرهاق قليلًا فأخبرتها أن تذهب بمفردها........
الجلسات بينهما أختلفت، وتقربت منه كثيرًا بعد محنتها كأنها أدركت أنه هو والدها الثاني وسندها، أدركت قيمته الحقيقية...
جلس زهران على الأريكة ثم سحب نفسًا عميقًا من أرجيلته يسألها باهتمام وابتسامة حنونة مرسومة على شفتيه:
-إيه الاخبار يا بنتي عاملة إيه؟؟
أجابته بهدوء:
-الحمدلله بخير..
هتف زهران بلهجة حانية:
- امبارح روحتي للدكتورة أمك قالتلي أن كل حاجة تمام بس نسيت أسالها هي قالتلك ولد ولا بنت؟..
الجميع يحاول أن يعاملها بلُطفٍ من أجل حساسية الفترة التي تمر بها، وتحديدًا حملها التي بالفعل لا ترغب فيه، تحاول تقبله حتى الآن......
لا ترغب في أن يربطها شيئًا بهذا الرجل وكأنه يذكرها بسوء اختيارها، وشخصيتها التي لا ترغب في العودة إليها مطلقًا:
-لسه الدكتورة قالت مش باين ممكن الشهر الجاي يوضح ويبان في السونار لأني مش عايزة أعمل 4D وهي قالتلي مش لازم..
أومأ برفقٍ:
-على خير ان شاء الله، تولدي بالسلامة، كل اللي يجيبه ربنا كويس، ليكي عليا في السبوع ادبحلك واعملك ليلة كبيرة..
-يارب..
نظر لها زهران متفحصًا وهو يدخن أرجيلته كأنه يدرك أن هناك أشياء تريد قولها لكن تتردد.
-في حاجة يا سامية عايزة تقوليها؟؟.
هزت رأسها بإيجاب ثم استجمعت شجاعتها وهي تخبره:
-عايزة افتح بيوتي سنتر، ومكان ليا، عايزة اشوف مكان مناسب افتحه وفي نفس الوقت يكون ليا مكان ثابت العرايس تيجي فيه بس مش ستوديو صغير عايزاه يكون شامل كذا حاجة تانية...
سحب زهران نفس من أرجيلته ثم قال:
-كوافير يعني...
-حاجة زي كده..
ابتلع ريقه ثم ترك خرطوم الأرجيلة ينظر لها برفقٍ:
-أنا معنديش مشكلة يا حبيبتي، بس لما تخلصي ونخلع ابن الـ***** ده، وتولدي وأطمن عليكي، هفتحلك اللي أنتِ عايزاه وفي المكان اللي تشاوري عليه، بس مش وقته دلوقتي، ممكن بس نبدأ ندور على مكان مناسب وقوليلي عايزاه ازاي...
قالتها وهي تكبح دمعة كانت على وشك الهبوط منها:
-شكرًا يا عمو زهران...
-على إيه بس..
قالت سامية بجدية ولم تستطع السيطرة على ذاتها أكثر من ذلك مما جعلها تبكي، وكان في نبرتها حزن مكبوت:
-على أنك معايا الفترة دي مكان بابا الله يرحمه.
ساد صمت قصير، غامت عينا زهران بالدمع، تنحنح محاولًا إخفاء تأثره، ثم مد يده وربت على كتفها بحنان أبوي:
- ربنا يرحمه يا بنتي، أوعي تفتكري إنك لوحدك طول ما أنا على وش الدنيا، وحتى من بعدي نضال وسلامة اخواتك وفي ضهرك...
ردت عليه سامية بصوتٍ مبحبوح:
-بعد الشر عليك يا عمو...
تمتم زهران ببسمة هادئة:
-متعيطيش يابت كده اجمدي، أنتِ لسه أنتِ عود أخضر، والضربة اللي مبتموتش بتقوي، ولسه الحياة قدامك..
تنهدت سامية تنهيدة مثقلة وهي تخبره بيأسٍ:
-حاسة أنها انتهت..بحاول ارجع كل حاجة زي ما كانت بس عمرها ما هترجع...حاسة إني بحاول الهي نفسي وخلاص بس هيجي في لحظة هنهار..
رفع زهران نظره إليها مطولًا، لم ير فيها مجرد فتاة أخطأت، بل ابنة مثقلة بجراح أكبر من عمرها، ما مرت به لم يكن هينًا، بل هي فقدت الأمان الذي يجب أن يكون بين الزوج وزوجته عوضًا عن كل الخلافات الأخري...
رُبما لن تستطع أن تتخطى ما حدث....
فكان يدرك أنها تحتاج إلى كلمة صادقة أكثر من أي شيء آخر لذلك ابتلع ريقه وحاول مواساتها وتشجيعها:
-اكيد مش هترجع؛ بس هتكون أحسن من الأول ان شاء الله، أهم حاجة تكوني اتعلمتي من اللي فات يا سامية، وبس، عيشي حياتك يا بنتي...
صمت للحظة ثم قال بنبرة صادقة:
-اللي بيتكسر الناس بتمشي وبيفضل مكسور، اللي بيحاول يقومه مرة مش هيفضل يحاول هيزهق في وقت، علشان كده أنتِ اللي لازم تقومي نفسك علشان نفسك وعلشان اللي في بطنك يا حبيبتي، متسمحيش لنفسك تنهاري.....
____________
يوم الأربعاء...
منذ الصباح كانت "إيناس" تساعد والدتها في إعداد الطعام، وحور تساعدهما قدر استطاعتها في تنظيف وترتيب المنزل، فهي لا تفلح أبدًا في أمور الطهي..
أعدت والدتها وليمة كبيرة حقًا، فهي قامت بطهي أصناف مختلفة تمامًا لأنها لم تكن تعرف ما يفضله "جواد" فقررت أن تطهو كل ما تقدر عليه، وحينما أقترب موعد إتيانه وموعد عودة دياب الذي لم يأتِ بعد..
دخلت إيناس أخذت حمام دافئ، ثم اختارت لها حور ثوبًا جديدًا من بين الملابس التي اشترتها مؤخرًا، أرتدت إيناس الفستان التي أختارته حور، ثم جلست أمام المرأة تضع لمسات بسيطة من الزينة حتى تعيد إلى وجهها الحيوية بعد إرهاق اليوم..
كانت خلفها تجلس جنى على الفراش تنهي واجباتها المدرسية بعدما أخذت حمامها وقامت إيناس بتصفيف خصلاتها جيدًا، أما جواد كالعادة بجوارها..منشغل في الهاتف، متجاهلًا واجباته، فيتكرر بينهما نفس الشجار اليومي الذي لم تجد له إيناس حلًا بعد، فكل الطرق بينهما لا تجدي نفعًا....
كانت متوترة لأن جواد أخبرها بأن المرأة التي حدثها عنها من أجل الأطفال سوف تأتي معه حتى تتولى متابعتهم وتحدد مستواهم من أجل امتحان القبول الخاص بالمدرسة، سوف تأتي حتى تبدأ معهما اليوم وتعرف العنوان حتى تأتي كل يوم...
قطع شرودها صوت رنين هاتفها بين يد جواد الذي زفر بضيقٍ ونهض من مكانه مغمغمًا:
-كل شوية موبايلك بيرن مش عارف ألعب على فكرة..
أخذت منه إيناس الهاتف فوجدت رقمًا غريبًا، فأجابت:
-الو..
جاءها الصوت مألوفًا لكنه يثير قلقها:
"ازيك يا إيناس عاملة ايه؟! أنا عمرو، ده خط جديد جيبته، سجليه".
تجمدت للحظة ثم ردت عليه بحذر:
-الحمدلله، في حاجة ولا إيه؟؟...
ابتسم عمرو على الطرف الآخر:
"أبدًا حبيت أكلم العيال، ادهوملي لو جنبك وحشوني جدًا"..
أيعقل أن يتذكرهما الآن؟!.
بعد تلك المدة؟!..
لقد انقطعت اتصالاته منذ مدة طويلة لا تراه إلا في الجلسات، في المحكمة..
وأخر مرة رأته فيها تحديدًا حينما جاء إلى المستشفى طالبًا منها العودة إليه..
مدت يدها نحو الصغار بابتسامة هادئة وهي تخفي ارتباكها بتلك الطريقة بعدما نهضت من مكانها وتركت الفرشاة الخاصة بمستحضرات التجميل:
-بابا على التليفون عايز يكلمكم..
نهضت "جنى" من مكانها بحماس لا تهتم بشيء سوى أن والدها يرغب في التحدث معها، فما زالت صغيرة لا تدرك كل ما يحدث حولها بينما ظل جواد في مكانه، يرفض الاقتراب أو الرد عليه......
تركت إيناس الهاتف بين يدي الصغيرة وغادرت الغرفة متوجهة إلى حجرة والدتها، تبحث في الخزانة عن حجاب يناسب ما ترتديه..
وقفت أمام المرآة تلف حجابها بعناية، لكن قلبها لم يهدأ من القلق.
بعد دقائق وجدت جنى تأتي وتمد يدها إلى والدتها بالهاتف مغمغمة بنبرة خافتة:
-جواد مرضيش يكلمه وبابا عايز يكلمك..
أخذت منها إيناس الهاتف بضيقٍ...
ثم أجابت بنبرة حادة رغمًا عنها:
-ايوة يا عمرو خير..
جاءها صوته حانقًا عبر الهاتف:
"مالك يا إيناس مش طايقة كلمة مني ليه؟؟"..
هتفت إيناس بانفعال وهي تغلق باب الغرفة بعدما رحلت صغيرتها حتى تمنع أي شخص من سماعها:
-علشان مش فاهمة أنتَ بتكلمني ليه وعايز إيه؟ مش كلمت عيالك وخلاص..
رد ببرود:
"بكلمك علشان اقولك مبروك على الخطوبة، مقولتليش ليه يعني حتى أبارك واهني".
لم تهتم من أين علم بالأمر لكنها ردت عليه بحدة:
-وأقولك ليه؟ هو أنتَ ولي أمري ولا لازم أخد الإذن منك؟..
قهقه ساخرًا:
"مش عايزة تعرفي عرفت منين؟".
في هذه اللحظة أثار فضولها كونه يطرح السؤال وقبل أن يأتي شخص واحد في عقلها سمعته يعترف ببساطة:
"أحلام هي اللي اتصلت بيا وقالتلي أنك اتخطبتي، وواضح أنها شايلة منك جامد على العموم أنا مكنتش برتاح ليها من زمان وياما قولتلك، وعلى فكرة أنا اتجوزت، ومعنديش مشكلة تتخطبي ولا تعملي اللي تعمليه ومش هعمل مشكلة".
لم تهتم لأمر زواجه ولم يعني لها الأمر شيء قالت إيناس بصرامة:
-ولا تقدر تعمل مشكلة من أساسه حتى لو كنت عايز، العيال معايا وحتى يوم ما تعمل مشكلة هيكونوا مع أمي وبرضو هيكونوا معايا..
تراجع صوته قليلًا وهو يبرر بخوف:
"أنا مش عايز اعمل مشاكل ولا بحبها وأنتِ عارفة كده؛ أنا بس عايز أكلم ولادي واشوفهم زي ما أنا عايز".
ردت عليه إيناس ببساطة:
-وأنا عمر ما كان عندي مشكلة في ده..
"ياريت بس تبطلي تتكلمي مع جواد عليا علشان الواد مش عايز يكلمني خالص"...
تمتمت إيناس وهي تشرح له الوضع بحزم:
-أنا مبتكلمش عليك مع حد ولا أنتَ في بالي أتكلم عليك أصلا يا عمرو، ولو بتكلم أكيد مش هكلم الواد واسيب البت، كل الحكاية أن عيالك بيكبروا وأنتَ مش حاسس وبيفهموا اللي بيحصل مين مهتم بيهم ومين لا وشخصيتهم غير بعض؛ وجواد بيضايق منك لما بتتصل مرة وتغيب عليها سنة...
لم تسمع منه شيء فأسترسلت حديثها بجدية أكبر:
-حور جابت موبايل وهتدي موبايلها القديم لجواد وجنى يلعبوا بيه، هخليها تبعتلك الرقم اللي هيكون فيه كلمهم وقت ما تحب، أنا يهمني عيالي يكونوا مبسوطين وبس، ومتتصلش بيا أنا تاني لو عايز حاجة اتصل على عيالك أو ماما، وسلام.
أنهت المكالمة في وجهه وخرجت من الحجرة في ذلك الرواق الصغير وسمعت صوت حور ترحب به، ابتسمت واختفى عبوسها في ثوانٍ...
بعد مرور ساعة تقريبًا...
كان جواد يجلس في الشرفة معها، بينما والدتها تجلس على الأريكة في الداخل تترك لهما مساحة مناسبة للحديث وفي الوقت ذاته تحت أنظارها، بينما حور كانت تجلس مع الصغار والمعلمة في الداخل التي مازالت مستمرة معهما...
لم يأتِ دياب...
بسبب مشكلة حدثت معه في مكان عمله وقتها أعتذرت حُسنية..
"دياب مش هيجي، في حاجة عطلته، وهيحاول يجي بدري، بس قال نتغدى أحنا"..
تمتم جواد قاطعًا هذا الصمت:
-هو أنتِ بطبيعتك هادية، ولا إيه الدنيا السكوت ده ليا أنا بس؟!..
ردت عليه إيناس بنبرة خجولة قليلًا وهي تعقد ساعديها:
-عادي يعني كلامي مش كتير..
-كويس..
ضيقت إيناس عيناها تسأله بعدم فهم:
-هو إيه اللي كويس؟..
رد عليها ببساطة:
-أن كلامك مش كتير، الرغي والكلام الكتير مش حلو...
سألته إيناس ساخرة وهي ترفع حاجبيها:
-يعني لو حبيت أتكلم مش هيعجبك؟.
ظهر على وجهه ابتسامته المميزة، ابتسامة دافئة كأنها تضيء ملامحه تحديدًا معها هي:
-اتكلمي أنتِ وساعتها نشوف هيعجبني ولا لا..
ثم أمسك فنجان القهوة التي صنعته حور ووضعته على الطاولة منذ دقائق، فأخذ رشفة منه مغمغمًا:
-بجد شكرًا حاسس إني تعبتكم، الأكل كان حلو جدًا أول مرة أكل كل ده من وقت طويل، نفس والدتك حلو جدًا...
ردت عليه بعفوية فهو كان بالفعل خلوقًا ومهذبًا في طعامه، وشكره الكبير للمرأة التي تعبت في إعداد هذا كله:
-بالهنا...
ثم سألته باهتمام:
-موضوع أن دياب مجاش واللي حصل ده نساني، هي نسمة مجتش معاك ليه؟ مش قولتلك هاتها؟!...
تمتم جواد بهدوء شديد وهو يخبرها:
-والله أنا قولتلها بس النهاردة في ندوة هي رايحة ليها، وبتقولك أنها هتيجي تقضي يوم معاكي..
-ياريت، أنا كنت حابة أقعد معاها وقت اطول..
راقبها جواد بابتسامة خفيفة...
يعلم أن كلماتها صادقة، لا تحمل وراءها أي غرض آخر، وهذا ما جعل قلبه يطمئن..فهو يعرف جيدًا كيف يميّز بين من يتحدث بصدق ومن يتصنّع...
خصوصًا حين يتعلق الأمر بنسمة.......
أما هي، فوجدت نفسها تتساءل بصمت عن سر تلك الطمأنينة التي يغمرها بها وجوده. ابتسامته... طريقته... وحتى صوته الهادئ؛ كلها أشياء أربكت قلبها، لكنها في الوقت ذاته جعلتها تشعر بشيء كانت تفتقده منذ زمن طويل......
-مقولتليش يعني، بتعرفي تعملي أكل؟!.
كان سؤاله عفوي فردت عليه هي بفضول أن تعرف رأيه في تلك الأمور:
-هتفرق معاك؟ الإجابة هتخليك تغير قرارك؟؟.
تمتم جواد بعدما ترك فنجان القهوة وعدل من ساعته التي تغيرت وضعيتها ثم أردف بهدوء:
-لا، مجرد سؤال، حابب أعرفك وأعرف اهتمامك، قدرتك على الطبخ هتهمني في إيه؟ في اللي بيعمل الأكل في البيت، وأنا شخصيًا لو مفيش حد يعمل الأكل لنفسي عادي، صحيح مش شاطر أوي، بس بقضي الغرض لو وقفت إني مضطر أعمل حاجة لنفسي....
أردفت إيناس غير مصدقة وهي تتأمله بدهشة صافية تحديدًا أناقته الشديدة:
-مش باين عليك أنك بتعرف تعمل أكل..
أراد أن يعرفها عن نفسه:
-عادي مش كل حاجة لازم تبان عليا، أكيد مش بعمل أكل زي مامتك حلو كده، بعمل أكلات بسيطة أغلبها باستا، حاجات مشوية، يعني مبحبش أحس أني لو لوحدي أو حصل ظرف إني محتاج حد يعملي حاجة أو عطلان، يعني أنا من النوع اللي بيعرف يظبط أموره هي دي الفكرة...
نطقت إيناس بإعجاب حقيقي:
-حلو تفكيرك ....
أراد أن يمازحها وهو يقول:
-بس برضو معرفتش بتعرفي تعملي أكل ولا لا؟، أعتقد أن فشلك بان وبتحاولي تغطي عليه، قس عادي متقلقيش هنأكل كلنا من إيد منيرة...
ابتسمت له وهي تخبره بثقة لأول مرة فهي كانت تجد أن هذا شيئًا طبيعيًا وليس شيء قد يحتاج الحديث عنه، لكن رُبما هو يصنفه بطريقة أخرى:
-عادي بعرف، أنا اللي عاملة الأكل مع ماما يعني بعرف أعمل الأكل متعلمة منها..
كان رده بسيطًا لكنه راق لها:
-تسلم ايديكم.
ساد صمت قصير قبل أن يغير مجرى الحديث بجدية:
-المرة الجاية بقا ان شاء الله تيجوا أنتم عندنا البيت، علشان تشوفيه، وتشوفي حابة تعملي أوض جنى وجواد ازاي، وحابة تعملي إيه ولا تغيري حاجة..
ردت عليه بحرج:
-ان شاء الله....
مازحها مرة أخرى وكأنه فقط معها يرى نفسه خفيف الظل:
-صحيح مش هقدر أوعدك اني هعملك سفرة زي اللي أنتم عاملينها، بس أكيد وقتها هحط التاتش بتاعي...
ضحكت رغمًا عنها، وقاطعهما دخول حور وهي تحمل طبق الحلوى مما جعل جواد يخبرها:
-الكوليسترول هيضرب في السماء يا دكتورة...
ردت عليه حور بجدية وخفة:
-لا دي حاجات ماما اللي عملاها هي وايناس لو من برا كنت هقولك يا دكتور أقلق...
هتف جواد بنبرة مرة:
-كده طمنتيتي...
ثم غادرت حور فعاد الصمت يتسلل بينهما مرة أخرى، فقاطعه جواد بجدية:
-انجي هتيجي كل يوم لغايت يوم امتحان القبول، ولو اتقبلوا خلاص؛ انا عندي حد هيخلص الدنيا يعني متقلقيش في حاجة دلوقتي أهم...
نظرت له باستفهام:
-إيه هي؟.
هتف جواد بنبرة بريئة:
-أنا شايف أننا نتجوز الشهر الجاي علشان الدراسة...
أردفت إيناس برفض تام:
-أنتَ بتهرج صح؟؟.
قال جواد تلك المرة بنبرة عنيدة وحازمة:
-لا مش بهرج والله بتكلم بجد، فرقت إيه شهر من ثلاث شهور؟؟ حابب أعرف وجهة نظرك...
ردت إيناس رد مختصر وواضح:
-أحنا لسه منعرفش بعض كويس...
تمتم جواد بعدم اقتناع:
-معتقدش أن شهر من ثلاث شهور هتفرق في التعارف، اللي هيتصنع خلال شهر، هيتصنع في الثلاث شهور...
هتفت إيناس بارتباك، تدافع عن موقفها:
-ما أنتَ السبب في حوار الثلاث شهور أنا كنت عايزة سنة ولا سنة ونص على الأقل..
ألقى عليها نظرة ثابته وهو يرد عليها:
-اعتقد يعني خطوبة سنة مش حلوة بالنسبة لينا وأهلك كانوا موافقني وبعدين هل أنتِ مش واثقة فيا؟ الثقة دي بتكون واضحة من البداية...
خفضت بصرها ثم قالت بجدية:
-بتيجي من المواقف...
كان ردها باهتًا وحاول أن يخبرها حتى يقنعها:
-فكري في الموضوع ده هيكون أفضل من فكرة مرواحك ومجيك، وهيبقا مسافة عليهم...
قاطعته ايناس بعدم فهم:
-ما أنتَ اللي مقترح حوار المدرسة ده برضو أنا كنت هدخلهم مدرسة هنا..
رده عليها كان واضحًا وهو يشرح لها:
-ولما تدخليهم هنا كنتي هتسبيهم يعني؟؟ ما كان هيكون في مشكلة برضو وقت جوازنا...
ضيقت إيناس عيناها وهي تسأله باتهام واضح:
-أنتَ بتعمل كل ده علشان نتجوز في الأخر الشهر الجاي؟.
ضحك رغمًا عنه ولكنه حاول أني يبرئ نفسه:
-لا أبدًا أنتِ فهماني غلط..أنا بفكر بالعقل..
لكنها لم تصدقه، وظلت نظراتها تتهمه. فقال بهدوء:
-فكري، واسألي والدتك وأخوكي جربي تشوفيها من غير عناد، يمكن تلاقيها منطقية أكتر مما متخيلة بلاش عند و قفش على الفاضي..
_____________
بعد مرور أربعة أيام من القلق..
دون رد أو خبر..
حتى تأكد دياب بأنه رُبما لن يأتي رد ولو جاء سيكون الرفض هو الجواب الحتمي على طلبه..
غير أن ريناد لم تتصل به منذ ذلك اليوم الذي كان يجلس فيه في المقهى..كأن الأرض ابتلعتها، ولم يحاول هو، يعلم بأنه ليس هناك فائدة من الاتصال.....
لم يكن ينام جيدًا..
والليل أصبح بالنسبة إليه أطول من المعتاد والأمور ليست بخير...
جزء منه حزين..
وجزء أخر يسخر منه ومن أحواله، لماذا كان ينتظر القبول؟ لماذا سيقبل به رجل مثله زوج إلى ابنته؟!..
بالتأكيد هو له مقاييس مختلفة وعالية لا ترحم..
وله متطلبات معينة في صهره...
استيقظ دياب كعادته كل يوم، صنع لنفسه شطيرة الجبن الذي لا يتقن غيرها، والقهوة، بسبب نوم الجميع فهو لم ينم سوى ساعتين فقط...
ظل جالسًا في تلك الشرفة الصغيرة التي تكن ملاذ له تحديدًا في فترة الصباح على الرغم من أنها ليست هادئة بما يكفي فهو يسمع أصوات الباعة المتجولين وصخب السيارات التي تسير لكنه يشعر بالراحة بالرغم من كل شيء..
كانت الصدمة حينما أتاه اتصال من والد ريناد..
شعر بالارتباك الشديد..
لكنه أجاب متوقعًا أن يسمع الرفض الذي سيكون ثقيلًا على قلبه ولا يعرف ماذا سيفعل بعده؟!
لذلك كانت نبرته مرتجفة...
لكن المفاجأة أنه لم يجد رد منه في الأساس...
بل اخبره إذا كان متفرغًا حتى يأتي إليه اليوم هو في انتظاره.....
لا يدري دياب ما الذي حدث له بعد تلك المكالمة!!
بل حتى هو لا يتذكر كيف ارتدى ملابسه وغادر البيت متوجهًا إلى مقر الشركة الخاصة بوالدها، نفس المكان الذي قابله فيه المرة الماضية وذهب إليه فيه..
جلس ما يقارب ساعة ونصف في قاعة الإنتظار الواسعة...
فهو لم يسأله عن موعد محدد يأتي فيه..
لذلك وصل إلى الشركة قبل أن يصل محمد نفسه..
كان الوقت يمر ببطء وثقل كبير..
وهو يتساءل كيف الطريقة التي سيرفضه بها؟!
هل سوف يتعمد إحراجه مثلًا؟!
يبدو أنه لا يرغب في رفض من دون أن يسبب له الحرج...
لا يعرف هو يبدو أنه انقطع أمله..
وأخيرًا فتحت أبواب مكتب والدها الواسع والأنيق...
رحب به محمد بطريقة تقليدية..
جلس دياب على المقعد ثم طلب محمد لهما القهوة بعدما سأله عن نوع قهوته، حاول دياب قول أي شيء لكنه فشل..
لأول مرة يصمت لسانه..
لأول مرة يجد شيئًا قد يصمته...
هتف محمد بنبرة جادة عينيه مثبتة عليه:
-إيه الاخبار؟، سمعت أنك فتحت فرع جديد مع صحابك......
ابتلع دياب ريقه متحدثًا بصوتٍ هادئ أقرب للارتباك:
-اه الأمور تمام...
كأنه بات أبلهًا..
ما يحدث غير طبيعيًا...
هتف محمد من دون مرواغة أو مجاملة:
-أنا جيبتك علشان نتكلم شوية فاللي جيت من كام يوم وقولته، ومن ساعتها وأنا عمال أفكر في طلبك...
صمت محمد بعدها لثوانٍ..
يبدو أن تفكيره في كيفية رفضه أتخذ منه وقت طويل وهذا ما كان يتواجد في عقل دياب في تلك اللحظة....
لكنه استجمع شجاعته وهو يسأله بصوتٍ خرج منه مرتبكًا جدًا في حالة غريبة عليه، من يصدق أن هذا هو دياب:
-و رد حضرتك إيه؟!.
لوى مهم شفتيه بابتسامة أقرب للتهكم ثم أخذ رشفة من فنجان قهوته مغمغمًا:
-مش أنا اللي هتجوز علشان ادي رأي فيك، وعمومًا أنا مجبتكش لغايت هنا علشان أقول ردي وبس، أنا حابب أتكلم معاك شوية...
صمت دياب وأعطاه المساحة الكافية للحديث والحقيقة أن شيء بداخله قد توهج وبدأ توتره في الزوال تحديدًا حينما أخبره بأن الرد في يد ريناد غالبًا، لكن في الوقت نفسه أراد أن يسمعه ويعرفه....
تمتم محمد بنبرة هادئة وجادة لكنه أخفض صوته لأن الماضي ثقيلًا:
-مامت ريناد ربنا يرحمها..
"ربنا يرحمها ويغفر ليها"..
كان هذا رد دياب خاشعًا وحزينًا، فهو ذاق ذلك الشيء لكن بطريقة مختلفة مع والدها، أما محمد أسترسل حديثه:
-اتوفت وريناد صغيرة أوي وأصلا احنا مجبناش ريناد بسهولة كان بعد محاولات كتير، وحتى عملنا محاولات علشان نجيب غيرها بس كله فشل، ولما والدتها اتوفت حاولت اعوضها وادلعها، بس مهما كنت بعمل، كنت بفشل في الغالب، نصحوني الناس اتجوز، بما أني صغير وفي نفس الوقت اتجوز وتكون أم ليها..
ابتلع محمد ريقه وصمت للحظات كأنه يحاول اختصار سنوات طويلة في بضعة كلمات وهو شيء مرهق جدًا:
-في البداية معجبتنيش الفكرة، كنت بحب مراتي أوي ومش شايف حد يحل محلها، ومكنتش شايف أو مقتنع بفكرة أن ممكن واحدة تحب بنتي زي بنتها والكلام ده كله، بس مع الوقت فكرت واقتنعت وحاولت بس كان الموضوع بيفشل من قبل ما يحصل لأسباب كتيرة.
كان دياب يسمعه باهتمام كبير، ينصت إليه بكل جوارحه، فهو يرغب في معرفة أشياء عنهما، تابع محمد حديثه وهو يحدق في فنجان قهوته:
-كنت مشغول، ريناد لوحدها، وهي بتكبر مع الوقت لغايت ما بقت مستهترة و مش هاممها حاجة، كل حاجة تحت رجلها مبقتش بتقدر قيمة أي حاجة، سواء كنت السبب أو لا وصلنا لنقطة معينة حسيت أنها لازم تكون مسؤولة، ولازم تفهم، لما بعتها عند بهية ده مكنش عقاب، على قد ما أنا كنت عايزها تكون شخصية مسؤولة تعتمد على نفسها كليًا علشان أي موقف تتحط فيه تعرف تتصرف......
بدأ دياب يقتنع بوجهه نظره..
أو رُبما لأنه يعرف جيدًا شخصية ريناد السابقة والقديمة التي كانت السبب المباشر والاساسي في فصله عن عمله.....
سكت محمد وهو ينهي حديثه، وصوت أنفاسه وحده هو ما ملأ المكتب في تلك اللحظة....
دياب ظل صامتًا، لكنه شعر بداخل صدره شيء يتحرك، مزيج من الاحترام والتقدير لهذا الرجل، فرفع عينيه نحوه وقال بصدق:
-أنا متفق مع حضرتك في كل كلمة، يمكن معشتش اللي ريناد عاشته، لكن عشت ظروف خلتني أنا كمان أتعلم إني أعتمد على نفسي، من غير حد يسندني..
ابتسم له محمد بخفة ثم هتف بنبرة جادة وهو ينظر إليه مباشرة:
- بخصوص بقا طلبك...
ابتلع دياب ريقه وهنا استيقظت كل خلية فيه تنتظر رد ولم يبخل محمد وهو يخبره:
-المفروض ارفضك واقول أنك مش هتعرف تعيشها في المستوى اللي هي فيه، لكن بنتي مش محتاجة حد يعيشها ولا ناقصها حاجة ولا هتنقصها حاجة معاك أو مع غيرك، ده مش معناه إني بقولك أنها هتصرف عليك وهتقوم بدور الراجل لا أنا بقولك أنها يوم ما تعوز تجيب حاجة مش في مقدرة الراجل اللي معاها وحتى لو معاه وهي عايزة تجيبها لنفسها هتجيبها.
في هذه اللحظة خرج دياب عن صمته متجهمًا وقد انتفض من مكانه بكبرياء شديد لأن الفكرة نفسها لا يسمح بأنها تطرح له:
-ومين قال إني هقبل أن في ست تصرف عليا مثلا؟؟ ولا أنا طمعان فيها و....
قاطعه محمد بجدية وصوتٍ حازم مقدرًا عنفوانه:
-وأنا مقولتش كده، أنا بتكلم في المطلق، والطمع ده مش مقترن بمعاك فلوس قد إيه، في ناس كتير أوي معاها فلوس وطمعها ماليها، وبتحط عينها على فلوس غيرها والست اللي معاها، أنا ميهمنيش ريناد تتجوز مين قد ما يهمني مين هي ريناد..
كانت عبارته الأخيرة غريبة بالنسبة إلى دياب ولكنه فهمها حينما تابع محمد:
-لما تكون الشخصية مسؤولة عن نفسها ومالها وحياتها؛ ميتخافش عليها من راجل، وده اللي كنت بحاول أعمله مع ريناد أنها تكون مسوؤلة ومدركة وواعية لكل حاجة، أن مفيش حاجة بالساهل..
حسنًا..
هو يريد أن يعلم أين سوف يصل بهما هذا الأمر!!
وقرأ محمد هذا في عينه لذلك أخبره:
-لو ريناد وافقت عليك أنا معنديش مشكلة، ومش هطلب طلبات تعجيزية، الشبكة اللي تجيبها وشقة حسب مقدرتك وهي توافق عليها، في النهاية لو جبت لبنتي كنوز الدنيا وهي مش مرتاحة ملهوش قيمة عندي، ولو في أي يوم من الأيام أنتَ أو غيرك حسب النصيب عمل حاجة تضايقها، المحاكم موجودة وأنا كفيل بأني اجيب حق بنتي...
حديثه مزعج لكنه جيد في الوقت ذاته!!.
بدى صعب الهضم بالنسبة إلى دياب لكنه عادل بما يكفي...
ختم محمد ما يرغب في قوله بوضوح:
-شرطي الوحيد خطوبة طويلة مش أقل من سنتين، تعرفوا فيها بعض كويس، وتعرفوا تقدروا تعيشوا مع بعض، وتتحملوا الفروق اللي ما بينكم ولا لا، وفي النهاية الرد لـ ريناد..
أخذ دياب نفسًا عميقًا وقال بارتباك وتوتر مكبوت:
-أنا سمعت كلام حضرتك كله، ممكن حضرتك تسمعني وأنا مش هطول عليك عمومًا...
-اتفضل، سامعك يا دياب..
تنهد دياب تنهيدة طويلة ثم حاول أن يتحدث من دون ترتيب فكانت نبرته صادقة إلى أبعد حد:
-أنا حبيت ريناد، علشانها هي، يمكن حضرتك متعرفنيش كويس إلا من بهية لما كنت بكلمك علشانها زمان، عموما أنا مبحبش الوعود ولا بحب أعمل البحر طحينة زي ما بيقولوا، طول عمري بمشي اليوم بيومه؛ واللي في جيبي بشوف أهل بيتي أولى بيه مني وعمري ما بخلت على حد فيهم بحاجة حتى لو دي أخر فلوس معايا، من ساعة ما اتوفى ابويا ودي حياتي...
سكت لحظة ثم تابع حديثه بثبات:
-هما عارفين إني اعمل علشانهم أي حاجة وده ينطبق على اللي هتجوزها كمان،حتى لو مش بقول كده، يمكن مش هعرف أوعدك اني هجيب ليها قصر ولا شبكة متلبسش زيها قبل كده، يمكن في بينا فروق كتير حتى في التفكير وأسلوب الحياة..
لكن لمعت عيناه وهو يخبره بحنان بالغ:
-بس الحاجة الوحيدة اللي أقدر اوعدك بيها هي إني هشيلها في عيني وهعمل أي حاجة علشانها، وأني هتقي ربنا فيها لأني بخاف يترد في اخواتي، حتى يوم ما سيبت شغلي وظروفي ساءت أنا سيبت البنت اللي كنت خاطبها علشان معلقهاش جمبي، أنا عمري ما باجي على حد ولو حصل أكيد كان غصب عني...
ساد الصمت لثوانٍ بعد كلمات دياب الأخيرة، لم يكن صوت في الغرفة سوى خفقان قلبه الذي يكاد يسمعه بوضوح.....
كان يتوقع أن يجد في عيني محمد الرفض، أو حتى السخرية من كلامه، لكن الرجل اكتفى بالنظر إليه مطولًا قبل أن يبتسم ابتسامة خفيفة، هادئة ثم قال محمد بنبرة متزنة أقرب للهدوء منها للحزم:
-أنا مش عايز قصور ولا ذهب ولا وعود، أنا عايز راجل اطمن معاه على بنتي وكله هيبان مع الوقت.
ارتخت ملامح دياب قليلًا، كأن حجرًا ضخمًا كان فوق صدره وتم إزاحته للتو، لكنه ظل صامتًا احترامًا لآخر كلمة من محمد، أردف محمد وهو ينهض من مكانه مشيرًا نحو الباب:
-أنا قلت كلمتي، والباقي عند ريناد هبقى أبلغك بردها ان شاء الله......
وقف دياب بدوره بسعادة بالغة، صافحه بقوة هذه المرة، وابتسامة باهاء على شفتيه....
فشعر أن تلك المصافحة كانت أثقل وأصدق من أي اتفاق مكتوب........
______________
تتحدث مع زوجها كعادتها في كل مساء..
تتحدث في كل شيء وأي شيء يشغل عقلها...
وكان هو في الغالب مهتمًا...
لكن اليوم كان سلامة غريبًا ومستفزًا إلى أبعد حد بالنسبة لها تحديدًا حينما أخبرها بصوتٍ ناعس ومتذمر:
-يا بنتي ارحمي امي، عايز أنام؛ أنا صاحي من بدري ومهدود، كفايا رغي وأجلي الكلام لبكرا بقى، لما أصحى هكلمك.
شهقت جهاد بحدة وهي تهتف بعدم رضا:
-يعني أنا رغاية يا سلامة؟ أنتَ واعي للي بتقوله ده؟!.
تمتم سلامة بسخرية ونبرة خافتة وناعسة في الوقت ذاته:
-اه واعي، رغاية ولما قولت أنك رغاية اهو بتنكدي عليا وتتقمصي، هو أنتم كده الستات، مش هتتعدلي غير لما اتجوز عليكي..
قالت جهاد بغضب وغيرة واضحة:
-لا ده أنتَ اتجننت بقا شوف أنهي فليبنية كلت عقلك ودماغك..
قهقة سلامة ضاحكًا ام يستطع كبح نفسه:
-هي اشمعنا معلقة معاكي أنها فليبنية، ليه مش صينية ولا يابانية ولا....
كان دورها أن تقاطعه هي هذه المرة ساخرة:
-اه قولي بقا أنك ليك في العين الضيقة يا حبيبي، ملكش في العيون الحلوة والواسعة زيي، أنا هوريك يا سلامة على اللي بتقوله ده..
تثاءب طويلًا ثم سمعت صوته وهو يغالب النوم:
-وريني الصبح بقا، سبيني أنام علشان أنا نايم اكلينكيا ومحتاج أنام بجد مش قادر افتح عيني...
ردت جهاد بانفعال وهي تتوعد له:
-ماشي سلام، والصبح لو افتكرت أنك متجوز وجيت تكلمني مش هرد عليك يا أبو عين زايغة..
أغلقت المكالمة من دون أن تسمع رده ومرت دقائق ولم يتصل بها مجددًا كما كان يفعل، مما جعلها تحدث نفسها لكن بصوت مسموع دون أن تنتبه، سمعته سلمى القادمة من الداخل بعدما أنهت فرضها:
-هو شكله هيعملها بجد ولا إيه؟..
ضيقت سلمى عيناها متحدثة بعدم فهم وهي ترفع حاجبيها ثم جلست بجوار شقيقتها على الأريكة:
-مين ده؟ وهيعمل إيه؟؟..
تمتمت جهاد بانفعال وغيظٍ:
-سلامة بيقول هيتجوز عليا وأني نكدية يا سلمى يرضيكي؟؟..
ابتسمت سلمى بخفة وعلى غير العادة تحدثت بطريقة عفوية:
-عادي يا جهاد ما أنتم علطول بتهزروا مع بعض وأكيد هو مش قصده، يمكن هزاره بايخ شوية، وبعدين دي عادتكم يعني..
حدقت بها جهاد بارتياب شديد ثم قالت:
-أنتِ كويسة؟؟.
لم تفهم سلمى ما تقصده شقيقتها لذلك عقبت باستفهام وهي تنظر إليها بدهشةٍ:
-مش فاهمة؟؟ كويسة يعني هيكون مالي؟؟.
-أصلك بدافعي عن سلامة؛ وهو راجل عمومًا وأنتِ مش عادتك تدافعي عن راجل...
هزت سلمى رأسها نافية وهي ترد عليها تنفي تهمة تعرف أنها مثبتة بالأدلة والبراهين:
-قصدك إيه؟ أنا علطول مع الحق على فكرة، وبعدين مش كل حاجة تقفشي كده..
نهضت جهاد من مكانها وهي تضرب كفًا على كفٍ مغمغمة بغضب تحت ضحكات سلمى الرنانة:
-لا حول ولا قوة إلا بالله، البت اتجننت، دي مش اختي، نضال عملها عمل أكيد، أو غسيل مخ..
سألتها سلمى وهي تحاول أن تتوقف عن ضحكاتها:
-استني بس رايحة فين؟.
-رايحة أنام، هقعد أعمل إيه يعني؟؟ جوزي هيتجوز عليا، وأختي اتجننت....
بعد حوالي ثلاث ساعات تقريبًا...
كانت سلمى تتقلب في الفراش بجوار جهاد التي كانت تغط في نومٍ عميق...
من يصدق ما يحدث!!
جهاد نائمة أما هي لا!!
تغيرت مواعيد نومها بسبب شخص واحد!!
نــضــال...
ومكالماته الطويلة، لقائتهما العابرة على الدرج، بسبب الرسائل بينهما، كما تغيرت العديد من الأشياء في حياتها منذ أن دخل فيها...
رن هاتفها مرة واحدة!!.
فمدت يدها إلى الكوميدنو سريعًا وأخذت الهاتف، حتى تخفض الصوت ثم نهضت من جوار شقيقتها بخفة وخرجت من الغرفة وأجابت عليه:
-الو..
جاء صوته ساخرًا:
"صاحية يعني".
ردت عليه سلمى بتهكم طفيف:
-مش المفروض تبعت رسالة، مهوا لو نايمة هتصحيني لما ترن..
سمعت صوته عابثًا:
"ما أنا عايزك تصحي أكيد علشان كده بتصل، بقولك إيه أنا جعان وهطلب عشاء وهطلعلك نقعد شوية ونأكل مع بعض"..
-بس أنا مش جعانة..
تمتم نضال برفض قاطع:
-هتأكلي معايا أنا مش هأكل لوحدي، مبعرفش أصلا..
تمتمت سلمى بنبرة جادة:
-مش هترتاح إلا لما عمو زهران يجي للمرة اللي معرفش عددها..
"متقلقيش، بابا برا أصلا في كتب كتاب ابن صاحب عمره اللي لسه عارفه مبقالوش سنة"
بعد ساعة أخرى...
كانت ترتدي إسدال المنزل وتتناول الطعام معه، كانت تلك عادة أخرى سلبية أدخلها نضال في حياتها هو تناول الطعام في وقت متأخر، وتبريره بأنها في اليوم التالي سوف تذهب إلى عملها وتحرق تلك السعرات الحرارية التي تزعجها....
جاءت القطط بسبب رائحة الطعام، فأخذ نضال يضع لهما قطع مناسبة ولاحظ صمت سلمى تراقبه وهو يطعم القطط بيده بحنان فغمغم بنبرة عفوية:
-تعرفي أن وأنا صغير كان نفسي أربي قطة أوي، أو كلب، أي حاجة عمومًا بس مكنش سلامة بيرضى ويقعد يعيط ويصوت وبابا يروح قافل الموضوع....
ثم سألها رغم أنه يرى بعينه عدم خوفها:
-أنتِ برضو بتخافي منهم زي جهاد؟..
-لا مش بخاف، عادي يعني ولا بكرههم ولا بحبهم، بس حساها فكرة لطيفة أن الواحد يربي قطط، وخصوصًا بتوع البيت بحسهم لطاف كده...
ضيق عينه ثم هتف بجدية مفاجئة:
-نبقى نجيب قطة أحنا بقا...
ضحكت وهي تخبره:
-معتقدش سلامة وجهاد هيدخلوا لينا بيت وقتها....
بعد ثلث ساعة تقريبًا....
على درجات السلم، جلست هي على درجة أقل قليلًا بين ذراعيه، كأن حضنه هو المقعد الحقيقي الذي تستند إليه....
ظهرها ملتصق بصدره، وكتفيها متكئين على ذراعيه الملتفتين حولها بحنان بينما رأسه مائل نحوها، شفتيه تلامسان رأسها أو جبينها بقبلة صغيرة مطمئنة...
كانت نظراتها طلها نحو الهاتف الخاص به وهو ينظر معها إليه، كانت مستكينة وكأنها وجدت مكانها الطبيعي بين ذراعيه.....
أما هو جلس بارتياح خلفها على السلم، ساقاه مفتوحتان قليلًا لتحتويها..
قطعت سلمى هذا الهدوء بنبرة منزعجة:
-لا مش عاجبني، اختياراتك مش زيي في الملايات والبطاطين والكلام ده..
-اعملك إيه طيب أحنا أخر مرة نزلنا كنا هنمسك في بعض، خلينا نجيب شوية حاجات أونلاين والباقي أنزلي مع وفاء وجهاد هاتيه مش هنزل معاكي أنا ياستي، اعملك إيه تاني بقا؟؟.
تأففت سلمى ثم غمغمت بسُخطٍ:
-هما كده الرجالة لما يختاروا حاجة ويكون الموضوع تحت تصرفهم لازم يفرضوا رأيهم...
أخذ منها نضال الهاتف ثم وضعه بجواره على الدرج متمتمًا ببرود:
-خلاص يا سلمى هاتي اللي تجبيه مش هدخل ولا هختار...
رفعت رأسها إليه حتى تتمكن من النظر إليه فشبك يديها بين أصابعه بلطفٍ ثم عقبت بابتسامة صغيرة:
-خلاص ممكن تختار خمس حاجات بس..
ضحك بسخرية وهو يقبل أنفها بعاطفة قوية تناقض سخريته:
-كتر ألف خيرك..
ثم تمتم بعتاب خفي بين كلماته:
-هو أنتِ مزهقتيش من السلم؟!، أنا بقول نبقى نعملنا قاعدة هنا علشان شكلك مطولة في المرحلة دي.....
تمتمت سلمى بجدية مقتضبة:
-متستعجلنيش...
هتف نضال ساخرًا تلك المرة وهو مندهش من تعليقها:
-مستعجلكيش إيه؟؟ ده احنا هنشيل ابن اختك قريب واحنا متجوزين معاهم وعلاقتنا متعددش حدود السلمتين دول، العلاقة محصورة فيهم...
صمتت ولم تعقب على حديثه، ونظرت أمامها عوضًا عن النظر إليه، مما جعل نضال يقول بعدم فهم، يحاول قراءة صمتها:
-أنتِ كده اتقمصتي يعني ولا إيه؟! علشان أكون عامل حسابي..
قالت بهدوء متماسك:
-لا متقمصتش أنا عقلي مش صغير، وبعدين هو أنتَ مناديني علشان تقعد تضايقني بالكلام....
-لأ....
ساد الصمت بينهما طويلًا وظلت تستمتع بدفء أحضانه بينما هو لم يكن يريد أي ازعاج في تلك اللحظة منه أو منها ففضل الصمت هو الأخر إلى حين أن كسرت هي الصمت بصوتٍ ثقيل:
-جهاد كلمته النهاردة....
ثم غصبت على نفسها وهي تنسب تلك الصفة إليه مترددة:
-كلمت بابا...
سمعها نضال باهتمام ثم قال بعفوية:
-قالها حاجة تضايقك أو تضايقها؟؟
هزت رأسها نافية ثم روت له ما أخبرتها جهاد به:
-لا، سألها هي عاملة إيه وكده، وهي سألته عنه وإيه أخباره وبس...
تلك المرة الأولى التي يلمح نضال، حيرة سلمى تجاة أمر والدها، دومًا ما كان يجده منها الغضب والسخط لكن تلك المرة كان الأمر مختلفًا جدًا...
لأول مرة يكون في عينيها شيء غير الغضب...
كأنها تشعر بالخوف من أن تتعاطف مثل جهاد أو أنها ترغب في أن تتعاطف معه لكن عقلها يمنعها...
لذلك رفع نضال وجهها إليه برفقٍ، ينظر لها بعمق كبير كأنه أقرب إليها من نفسها:
-لو حابة تكلميه أو أي يوم حسيتي نفسك عايزة تكلميه، كلميه، يعني اعملي اللي أنتِ عايزاة وحاساه يا سلمى، وأهم حاجة تعملي اللي يريحك، بلاش تفتكري أن لو كلمتيه وهو بقى قريب منك كده أنه بياخد تعب والدتك وشقاها عليكم أنها تكبركم، أنا فاهمك كويس وعارف أنك بتحسبيها كده.
كان مُربكًا أن يحللها بتلك الطريقة وتلك الدقة!!
وفي الوقت ذاته أراح جزء بداخلها...
هنا أستدارت بنصف جسدها العلوي وعانقته، عانقها على الفور مُرحبًا وهو يقبل رأسها يحاول أن يحتويها في تلك اللحظة التي يدرك بأنها ليست سهلة أبدًا عليها....
لم يفيقًا إلا على شهقة عالية:
-بسم الله الرحمن الرحيم....
التفتا بفزع، فإذا بسلامة واقف عند أول الدرج، يحمل حذاءه في يده، يبدو أنه صعد حافيًا القدمين........
كانت المفاجأة كافية لتجعلهما ينتفضان دفعة واحدة.............
_______يتبع________
لو وصلتم لهنا دمتم بألف خير ونتقابل في فصل جديد ان شاء الله❤️❤️❤️❤️
تفاعل حلو متنسوش الفوت والكومنت...
بوتو يحبكم❤️❤️❤️
تابعووووووني
لاتلهكم القراءه عن الصلاه وذكر الله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
رواية سيطره ناعمه كامله من هنا
رواية خيانة الوعد كامله من هنا
رواية الطفله والوحش كامله من هنا
رواية جحيم الغيره كامله من هنا
رواية مابين الضلوع كامله من هنا
رواية سيطرة ناعمه كامله من هنا
رواية يتيمه في قبضة صعيدي كامله من هنا
الروايات الكامله والحصريه بدون لينكات من هنا
إللي خلص القراءه يدخل هيلاقي كل الروايات اللي بيدور عليها من هنا 👇 ❤️ 👇
❤️🌺🌹❤️🌺❤️🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹🛺🛺🛺🛺🛺
الصفحه الرئيسيه للروايات الجديده من هنا
جميع الروايات الحصريه والكامله من هنا
انضموا معنا علي قناتنا بها جميع الروايات على تليجرام من هنا
❤️🌺🌹❤️🌺❤️🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹🛺🛺🛺🛺🛺
تعليقات
إرسال تعليق