القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية عذراً لقد نفذ رصيدكم الفصل الثاني والخمسون شارع_خطاب بقلم fatma_taha_sultan حصريه وجديده


لاتلهكم القراءه عن الصلاه وذكر الله والصلاة على نبينا محمد 


رواية عذراً لقد نفذ رصيدكم الفصل الثاني والخمسون شارع_خطاب بقلم fatma_taha_sultan حصريه وجديده 


البارت الثاني والخمسون 

عذرا لقد نفذ رصيدكم الجزء الثاني والخمسون 

الحلقه الثانيه والخمسون 


رواية عذراً لقد نفذ رصيدكم الفصل الثاني والخمسون شارع_خطاب بقلم fatma_taha_sultan حصريه وجديده 


اذكروا الله.

دعواتكم لأهلكم في فلسطين والسودان وسوريا ولبنان وجميع البلاد العربية. 


‏"الحَديث معك يُقبل قلبيَ بلطَف." 


مقتبسة 


أن أجِدك 

دون أن أضطرَّ للنداء

تأتي قبل أن أُلوّح

أن يسبق سؤالك دمعي، وصوتك حاجتي ..

الحُبّ - أن تُعطي لأنّك تُريد ، لا لأنّي أُريد 


مقتبسة 


اي قصة حب لا تجعلك تشعر بأنك الشخص الاهم والاجمل في هذا العالم هي مزحة ثقيلة. 

مقتبسة 

‏"بيننا سبعون خلافًا

يؤدّي إلى الفِراق،

ولا يزال قلبي

مُتجهًا إليك. " 


مقتبسة 

كان أمسية رائعة..

مع أن القلق ظل يعصف بها طوال الحفل وكأن أحلام سوف تظهر مرة واحدة من بين الجميع، لكن يبدو أنها تعقلت نوعًا ما وحديث دياب صنع فارقًا معها وترك أثره..... 


هي ليست جبانة كما وصفها ذلك الرجل -الذي أصبح خطيبها الآن- من قبل، هي تعرف الحقيقة كلها لكنها مجرد إنسانة طبيعية تخاف أن تُظلم أو تَظلم من دون أن تلاحظ، وهي تحب محاسبة نفسها لرُبما ارتكبت خطأ دون أن تدرك... 


بجوارها على الفراش غفا جواد وجني منهكان من  اللعب طوال اليوم، ظلت عيناها معلقة وهي تتأمل باقة الزهور الأنيقة التي كانت تتواجد على المقعد البلاستيكي الموجود في الغرفة... 



والعلب القطيفة المرصوصة أمامها فوق الغطاء، هي تتأمل كل قطعة فيها، كانت مجوهرات لامعة، فاخرة وأنيقة من الدرجة الأولى لم تظن يومًا بأنها من الممكن أن ترتدي شيئًا أو يُهدى إليها....لكنه معتاد على هذا النوع من الهدايا نعم لم يصل إلى تلك الدرجة مع أحلام لكنه كان يفعل..وهذا شيء قد يزعج كبريائها نوعًا ما...


بتلك الهدية..

يظهر إختلافًا واضحًا بينهما!!!

حتى لو كان لا يقصد...

ينتباها شعور غريب.. 


وهو عدم الانتماء نوعًا ما إلى ذلك الثراء الواضح، مما يسبب عدم ارتياح لا تنتمي إليه حقًا ومع ذلك، تسلّل إليها شعور نادر بالطمأنينة، خليط من السعادة والارتباك..... 


بالتأكيد سوف تعتاد على الأمر..

هي تريد فقط حياة هادئة وبسيطة، كان قلبها دليلها وتتمنى ألا يخفق في اختياره كما فعل في المرة الأولى وسبب لها الخذلان... 


دوامة من الأفكار غريبة جدًا كانت على وشك أن تغرق بها وهي تخلع "الدبلة" المصنوعة من الذهب من بين أصابعها، فهي ليست معتادة على ارتداء شيئًا في أصابعها... 


لذلك تخلعها كما خلعت القطع الأخرى، تستعد  للنوم لكن انفرج الباب مرة واحدة بحماس بواسطة حور: 


-كويس أنك لسه صاحية، تعالى اقعدي معايا برا نتفرج على الفيديوهات والصور اللي صورتها مدام لسه الفوتغرافر مبعتش الصور.. 


قالت إيناس بنبرة متعبة حقًا وجفونها نصف مغلقة: 


-أنا عايزة أنام بكرا الصبح نتفرج وبعدين هو الراجل يدوبك لحق يروح بيتهم، صور إيه اللي عايزاه يبعتها دلوقتي؟؟ 


قاطعها حور برفض تام ولكنها تحافظ على نبرة صوتها حتى لا توقظ الطفلين: 


-يلا يا باردة تنامي إيه بس؟!، قومي يلا ده أنا مش خطوبتي ومش عارفة أنام من الفرحة، و دياب نزل القهوة وماما نامت والعيال كمان نامت دي معجزة لوحدها؛ يلا قومي هصب لينا حاجة نشربها عقبال ما تتحركي من مكانك... 


بالفعل استجابت إيناس لرغبة شقيقتها، ونهضت من مكانها ثم جلست في الخارج على الاريكة، جهزت حور لها وشقيقها كوبين من المياة الغازية بها مكعبات الثلج حتى تشربها مع شقيقتها، ثم بدأت تقلب في الصور بحماس وتعرضها على شقيقتها.. 


كانت أغلب اللقطات عفوية جدًا، لم تكن "إيناس" معتادة على التصوير ولا تعرف كيف تتخذ الوضعية المناسبة حتى كاد المصور يعتزل المهنة بسببها....

لكنه أخبرهما بأن النتيجة سوف تكون رائعة رغم أنه لم يأخذ مساحته الكافية... 


الصور التي التقطتها حور جميلة، مثل نظراته إليها، هي لن تنكر، أنها تغرق في تفاصيل صغيرة به، تفاصيل صغيرة لا تظن بأن أي أمرأة قد عرفها قد استطاعت التركيز فيها، أو لاحظتها يومًا، لأول مرة تجد نفسها متوهجة إلى هذا الحد رغم المخاوف التي كانت تشعر بها، كأنها له كما أخبرها حينما عرض عليها الزواج... 


في وسط الصور...

جاءت تلك التي التقطتها حور  لـ دياب وريناد في الشرفة في وقت شجارهم تحديدًا.. 


شهقت حور بحماس وهي تعلق بفخر غريب من نوعه: 


-الصور تحفة بجد، كاميرا الفون حلوة اوي يسلم عم زهران النسوانجي والله 


ضربتها إيناس بعدما رمقتها بانزعاج قائلة: 


-احترمي نفسك يابت عيب كده، مهما كان ده قد أبوكي، وبعدين محترم بعيدًا عن حوراته التانية، متقوليش كده تاين، مهوا جواد ماشي يلقط منكم كلكم مش جايبه من برا الواد... 


تحدثت حور بانفعال وهي تضع يدها على موضع الضربة التي تلقتها منها: 


-ايدك تقيلة، ده الله يكون في عونه دكتور جواد، وبعدين يعني ده محدش بيحب المعلم زهران قدي، لو عايزني زوجة ثامنة أنا معنديش مشكلة ده حتى فرفوش ودمه خفيف وزي العسل.... 


اكتفت إيناس بنظرة حادة لها أخافتها حقًا لكنها ثم أسترسلت حديثها بهدوء: 


- خلاص ياستي خلينا نرجع للصور أحسن بالك أنتِ لو اتعمل ليهم ايديت حلو هيبانوا ولا كأنهم ممثلين في هوليود على قفيش فيلم، شوفتيهم وهما لابسين نفس اللون؟؟. 


علقت إيناس بهدوء رغم عدم اقتناعها: 


-يمكن صدفة. 


قهقهت حور ساخرة بعدما أخذت رشفة من المشروب: 


-يا شيخة صدفة؟ ما أنتِ يا عبيطة، يا بتستعبطي بقا... 


أنهت إيناس النقاش بهدوء ونبرة عقلانية: 


-مدام محدش صرح منهم بحاجة ولا في حاجة اتقالت على لسانهم بلاش ندخل في الموضوع أحسن، ولا حتى نتكلم ولا من وراهم ولا قدامهم، هما الاتنين كبار كفاية، ولو في حاجة أكيد هيقولوا. 


_______________ 


ما سمعته كان هذا الصوت وتلك النبرة التي لم تبرح عقلها يومًا، وكأنها قد حفرت في ذهنها كما حُفرت وشكلت ماضيها بأكمله، وكونت بداخلها العديد من الاضطرابات والعقد.... 


وكذلك ذكرياتها التي لم تكن جيدة أبدا ولكن هذا لا يعني بأنها قد تنسى بل من الممكن أن تنسى الذكريات الجيدة ولا تغادرك تلك التي اعتصر قلبك فيها من شدة الألم، حتى تترك ندبة قد لا تزول أبدًا... 


عودته بعد تلك المدة كانت غريبة...

صدمة بالنسبة لها، أشبه بصفعة غير متوقعة...

لكنها أدخلته إلى الشقة لا تعلم حتى كيف فعلتها.......


جلست على الأريكة عاقدة ساعديها لا تتفوه بحرف تنتظر منه تفسيرًا، ولكنها على يقين بأن أي تفسير قد يتفوه به لن يشفِ غليلها أبدًا.. 


أما "مدحت" ظل واقفًا، كأنه لم يجرؤ على الجلوس من دون اذن منها، ينتظر انفجار منها...كأنه هو نفسه يعرف بأن الأمر لن يمر مرور الكرام... 


كان الصمت هو سيد الموقف.. 


هتفت سلمى بنبرة باردة تخلو من أي انفعال، تقطع هذا الهدوء الذي استمر طويلًا: 


-إيه اللي رجعك تاني؟؟ إيه اللي جابك دلوقتي؟... 


رد عليها "مدحت" بنبرة مترددة كأنه يبحث عن كلمات مناسبة قد يقولها وهو يخبرها بارتباك شديد:

-أنا لسه النهاردة كنت عند عمك ولسه عارف الخبر منهم، ربنا يرحمها، لو كنت اعرف اكيد كنت جيت، حقكم عليا.. 


تأخر الوقت كثيرًا...

نفد رصيد الانتظار..

تم إهلاك روح الثلاثة في انتظاره... 


رفعت سلمى رأسها نحوه، كانت نظراتها هازئة وساخرة، ونبرتها كانت مُرة وهي تقول: 


-كُنت هتيجي تعمل إيه؟؟ أنتَ عملت إيه أصلا وهي عايشة علشان تيجي وقت موتها؟!، هتقدم واجب العزاء مثلا؟ صدقني محدش مستنيه منك، عاشت العمر كله مستنياك ترجع ندمان، وجودك في عزاها مش هيفرق معاها كتير، ولا هيفرق معانا أحنا كمان، ياريت تكون صريح وتقولي إيه اللي رجعك دلوقتي؟.. 


ثم أسترسلت حديثها بوضوح وعيناها لا تفارق ملامحه المتوترة: 


-إيه اللي محتاجه مننا ورجعك؟ مش لاقي مكان ليك علشان كده جيت؟.. 


تنحنح مدحت ثم حاول أن ينفي ما أتى في عقلها وهو يتحدث بتلعثم واضح: 


-لا، لا، أنا اشتغلت باليومية في تركيب كباين الاسانسيرات، وأجرت شقة صغيرة كده أوضة وصالة في *****. 


قالت سلمى ببرود ظاهري كأنها تتحدث مع شخصًا غريبًا: 


-ألف مبروك، مطلوب مني إيه بقى؟؟... 


تقوم بتصعيب المهمة عليه على الأغلب..تدفعه للكلام دون أن تمنحه مساحة من الراحة للتعبير، ولكنه تغلب على هذا نوعًا ما، فابتلع ريقه ثم أردف مرتبكًا: 


-أنا مش جاي اعتذر.. لأن مفيش حاجة هتشفع ليا وأنا عارف كده كويس.. 


قاطعته سلمى بصراحة مطلقة وبحدة قليلًا: 


-كويس أنك عارف كده، أول مرة نتفق على حاجة ويكون رأينا فيها واحد... 


بدأ العرق يتصبب من جبينه، أصبح وجهه شاحبًا بسبب كلماتها القوية على مسامعه... 


ربما لم يكن الأمر صحوة ضمير، ولم يصبح تقيًا فجأة، لكنه يحاول، يحاول أن يصلح ولو شيئًا ضئيلًا مما أفسده...... 


-العمر مبقاش فيه قد اللي فات، عارف إني عمري ما كنت أب ليكم، وهي قامت بكل الأدوار اللي المفروض أنا اقوم بيها؛ بس أنا خلاص كبرت، كبرت على الهروب من المسؤولية... 


تنهدت ثم ردت عليه ببساطة لكن كلماتها كانت كالسكاكين تقطعه بها: 


-مبقاش في مسوؤلية تشيلها، جهاد اتجوزت وحامل وأنا كمان اتجوزت وقريب هكون في بيت جوزي، هي عملت كل حاجة وأنتَ جيت متأخر لدرجة أن مبقاش في حاجة ممكن تقدمها. 


وقفت في مكانها وكأنها تنهي الحوار بتلك الطريقة فأردف هو يحاول قول أي شيء لكن حقًا الكلمات لا تسعفه أبدًا: 


-يمكن مفيش حاجة اقدمها فعلا ليكم، بس أنا موجود  مش عايز حاجة منكم زي ما أنتِ فاكرة، أنا بس جاي أقولك إني موجود في أي وقت تحتاجيني، يمكن يكون في حاجة في يوم من الأيام أقدر اعملها ليكم لو فشلت في كل اللي فات، وأتمنى تسامحوني. 


أنهى حديثه ولم يجد منها ردًا سوى الدموع المتحجرة في عينيها، أخرج ورقة مطوية من جيبه ثم وضعها على الطاولة مغمغمًا: 


-ده رقمي الجديد لو عوزتي في يوم من الأيام تكلميني أو اي حاجة اتصلي بيا، وحاولي تفتكري ليا لو أي حاجة عملتها ليكي كويسة يمكن تحنن قلبكم عليا، وادي الرقم لجهاد؛ عن إذنك يا بنتي... 


رحل!!

بالفعل رحل لكن هذه المرة رحيلة مختلفًا..

هذه المرة يترك شيئًا من أجل الوصول له وهذا شيء لم يفعله في السابق؛ بل كان يرحل دومًا من دون أثر... 


جلست سلمى على الأريكة تحاول أن تستجمع قواها لكنها فشلت الدموع غلبتها، فأمسكت الورقة بأيدي مرتجفة وهي تضغط عليها بقوة.. 


تبكي بحدة وهي تحدق في الرقم المكتوب فيها.. 


بعد مرور ساعة تقريبًا من رحيل والدها.. 


فتحت سلمى عينيها المتورمتين من أثر بكائها... 


كان الغريب أنها كانت مستلقية على الأريكة، لا تدرك كيف غلبها النوم ومتى؟!..

كل ما تتذكره أنها كانت تبكي.. 


لا تدري متى سينتهي هذا الألم وتلك المعاناة؟!.

ما أيقظها لم يكن سوى رنين الجرس المتتابع من دون أن يتوقف وكأن صاحبه ينوي كسر الباب للمرة الثانية!!! 


نهضت سلمى بخطوات ثقيلة، وفتحت له الباب ثم عادت بإدراجها بخطوات بطيئة مرة أخرى إلى الداخل حتى تجلس على الأريكة من جديد.. 


تحاول أن تتأكد من أن ما مرت به لم يكن وهمًا، وحلمًا غريب يشبه تلك الأحلام التي كانت دومًا تحلم بها في صغرها التي تشبه دومًا عودة الوالد المحب الذي يدرك خطئه... 


لكن الدليل كان هو الورقة التي مازالت تغلق قبضتها عليها حتى الآن!! 


سمعت صوت نضال القلق أكثر من كونه غاضب: 


-أنتِ مبترديش ليه يا سلمى قلقتيني؟!، بقالي ساعة بتصل بيكي ومبترديش عليا.... 


كان هاتفها على الوضع الصامت منذ أن كانت في الخطبة...... 


أغلق نضال الباب خلفه وكانت ملامحها لا تبشر بالخير هكذا علم!!. 


فأقترب منها نضال قائلًا بعدم فهم: 


-إيه يا سلمى؟ مالك؟ في حاجة حصلت؟؟.. 


رفعت رأسها ببطء إليه وهي تخبره بنبرة كانت ترغب فيها أن تتصنع البرود لكنها في الواقع لم تظهر إلا ضعفها وانكسارها: 


-اه، في، جه تاني، وظهر تاني، المرة دي جه وسايب وراه طريقة نلاقيه فيها لو عوزناه كمان، المفروض انبسط واقوم ارقص من الفرحة، من أربعة عشر سنة وأنا مستنياه يرجع، المفروض أكون مبسوطة صح؟؟؟.. 


كان سؤاله العفوي رغم أنه كان أحمق: 


-ابوكي كان هنا؟؟. 


أومأت سلمى ثم أجابت بصوتٍ متعب: 


-اه كان هنا، لما سيبتك وطلعت، وأنا بفتح باب الشقة لقيته قاعد على السلم مستنيني... 


أخذت تسرد له ما حدث بالتفصيل...

كأن كلماته لم تمر عليها مرور  الكرام، بل حُفرت في ذهنها بجانب العديد من الذكريات؛ تستطيع أن تقسم بأنها لم تنسِ حرفًا مما قاله وكأن عقلها قد سجل تسجيلًا صوتيًا له... 


-يمكن فعلا ندمان..

قالها نضال بتردد رغمًا عنه... 


ابتسمت له سلمى بسخرية مُرة ثم علقت على حديثه: 


-يمكن فعلا ليه لا؟ بس ساعات ندمك مش كفاية ولا بيصلح حاجة يا نضال، في حاجات لما بيعدي وقت عليها مش بتتصلح ولا بتتنسى، بتفضل سايبة علامة جواك؛ بتقعد تستنى حاجات كتير اوي من حد ولما بتتأخر زيادة عن اللزوم لما بتيجي مش بيكون ليها لازمة.. 


تنهد نضال تنهيدة مثقلة ثم جلس على ركبتيه أمامها حتى يكون في مستواها متحدثًا بحنان بالغ: 


-سلمى أنتِ مش مضطرة تضغطي على نفسك ولا تقولي حاجة، مش مضطرة تسامحي أو لا، ومش مضطرة أنك تحملي نفسك ضغط تاني كفايا الفترة اللي بتمري بيها، سيبي كل حاجة تمشي زي ما تمشي، مفيش حاجة بترجع اللي فات، وتفكيرك الزايد ده هيتعبك وأنا مش عايز اشوفك بالشكل ده.. 


رفعت عينيها إليه قائلة بنبرة تائهة: 


-المفروض اعمل إيه يا نضال؟!. 


رد عليها وهو يحاوط وجهها بكفيه: 


-تقومي تغسلي وشك وننزل علشان هما هناك مستنينا على العشاء، وخلاص هو جه ولأول مرة ندمان ومش بيفرض نفسه عليكي، قبلتي ده شيء يرجعلك، مقبلتيش محدش يقدر يلومك أبدًا...... 


لم تتمالك نفسها..

فألقت برأسها على صدره..

تعانقه وهي تعلم بأن الأمان والطمأنينة بين ذراعيه...

ضمها بدوره أكثر ثم ترك قُبلات حنونه فوق رأسها يحاول بث الطمأنينة بداخلها... 


كانت سلمى دومًا مجرد فتاة تتصنع الصلابة والقوة تفضل أن تخفي ألمها، تحمي نفسها بتلك الطريقة من الخذلان، وجرحها.. 


كانت كل ما تحتاجه هو شخص يكون أقرب إليها من نفسها، تحتاج لمن يستطيع أن يسمعها دون أن يمل، أن يفهمها بنظرةٍ واحدة.... 


وقد جاء على الأغلب وهو يحمل كل ما فقدته يومًا....


______________ 


عادت سلمى بملامح لا يمكن قراءتها..

جلست على الأريكة في منزل شقيقتها بعدما أخذت حمامًا دافئًا وارتدت ملابس منزلية مريحة... 


رمقتها جهاد باهتمام، فهي منذ عودتها وهي تلاحظ شيئًا غريبًا بها، فهي تعلم شقيقتها جيدًا: 


-مالك يا سلمى، أنتِ اتخاقنتي أنتِ ونضال ولا إيه؟!. 


هزت سلمى رأسها بهدوء نافية: 


-لا متخانقتش.. 


تمتمت جهاد بفضول أكبر: 


-أومال مالك طيب؟؟؟ شكلك مش طبيعي.. 


أخذت سلمى نفس عميق ثم رفعت عينيها نحو شقيقتها متحدثة بجملة لم تكن سهلة أبدًا: 


-ابوكي رجع يا جهاد.. 


ضيقت جهاد عيناها ثم عقبت بذهول وهي تحاول استيعاب الصدمة: 


-إيه اللي رجعه؟؟ وبعدين شوفتيه فين وحصل إيه؟ اوعي يكون حصل مشكلة، أحسن يكون جاي يجر شكلنا، وبعدين هو عرف عن ماما؟.. 


كلماتها الأخيرة كانت ثقيلة على قلبها وكأن تلك الأشهر لم تكن كافية حتى يتقبل ويعتاد ذهنك على الأمر.... 


أجابت سلمى عليها بنبرة مختنقة: 


-عرف يا جهاد، عرف من عمامك علشان كده جه؛ جه وجاي فاكر أنه هيكون له الحق يكمل اللي امك محضرتهوش!، يمكن جاي عايز يشوف حفيده وبنته اللي هتتجوز، جاي يحضر ويشوف على الجاهز وكأن المفروض أننا نسامحه ببساطة!. 


كلماتها كانت مؤلمة وموجعة كأنها تذكر نفسها وتذكر شقيقتها بتلك اللحظات التي لن تستطع والدتها حضورها....


قالت جهاد بتردد: 


-يعني هو قال كده؟. 


حاولت سلمى أن تختصر تلك المقابلة الثقيلة جدًا على قلبها والتي اربكتها أكثر مما كانت عليه: 


-لا، قال أنه موجود في أي وقت نعوزه، وساب ورقة مكتوب فيها رقمه، وأنه المفروض استقر وبيشتغل دلوقتي، جه بيقول أنه مش عايز حاجة، عايز بس نعرف أنه موجود يمكن نحتاجه في حاجة.. 


عادت جهاد تسألها مرة أخرى بحماقة: 


-أنتِ شوفتيه فين؟.. 


-لما نضال سابني وطلعت علشان اجيب الهدوم والحاجة لقيته قاعد على السلم مستنيني.. 


-وقولتليه إيه؟؟. 


-مقولتش يا جهاد، مقولتش ومش حابة اتكلم في الموضوع ده بالذات النهاردة، وعموما رقمه في ورقة في الشنطة لو حابة تكلميه..تصبحي على خير.. 


سكتت جهاد ولم تريد الحديث أكثر من هذا..

لم تختلف رغبتها عن رغبة شقيقها.. 


لكن في داخلها شعرت أن شقيقتها تحذرها من التواصل معه بطريقة مباشرة.. 


خلدت سلمى إلى النوم كنوع من أنواع الهروب من أفكارها، لكن جهاد تمددت على سريرها، تتقلب يمينًا ويسارًا، لم تستطع النوم.. 


نهضت من الفراش ثم توجهت إلى الأريكة التي يتواجد عليها حقيبة شقيقتها الجلدية، فتحتها ثم أخذت تبحث عن هذه الورقة التي تحدثت عنها.. 


ما أن وجدتها، حدقت في للأرقام المكتوبة وقالت تحدث نفسها بارتباك: 


-هو ليه رجع دلوقتي؟!ممكن يكون ندمان فعلا؟!؟!


ظل الفضول يأكلها والخوف ينهشها..

حتى غلبها النوم... 


كانت في الصباح تحدث زوجها تحديدًا بعدما ذهبت سلمى إلى عملها، وجدتها فرصة مناسبة أن تبوح له ما يثقل قلبها.. 


أخبرته كل شيء دون أن تخفي عنه أي شيء، والحقيقة أن سلامة كان مستمعًا جيدًا، تشهد له بهذا خلال فترة سفره وحتى قبل وفاة والدتها... 


على الرغم بأن تلك لم تكن طباعه، لكنه رُبما يحاول تعويضها فهو يعلم بأن هذا أقل شيء من الممكن أن يفعله بسبب ابتعاده عنها في تلك الفترة الحرجة...وأكثر فترة كان يجب عليه أن يكون بجوارها لكن الظروف هي من حكمت، لم يرتب أي شخص شيئًا مما حدث.. 


رد عليها سلامة بهدوء وهو يحاول دعمها بصدقٍ: 


-بصي يا حبيبتي سواء راجع ندمان أو لا متضغطيش على نفسك، وملكيش دعوة بسلمى مش لازم تاخدي صفها لأنك حاسة أنها مش عايزاكي تكلميه، لو عايزة تكلميه أنتِ كلميه ملكيش دعوة بيها... 


قالت جهاد وهي تمسح دموعها وتخبره بصدقٍ: 


-سلمي معاها حق في كل كلمة وليها حق فعلا متكنش طايقاه بسبب اللي عمله فينا؛ بس أنا حاسة أنه ليه لا؟ يمكن يكون جاي فعلا ندمان، احنا مبقاش لينا حد من بعد ماما، عارفة أنه غلط كتير في حقنا بس ليه منسامحش؟؟. 


أراد سلامة أن يمازحها تحديدًا في نهاية حديثه حتى يخفف من ثقل الموقف لأنه يعلم بأنها تبكي: 


-الأيام هتبين هو راجع ليه ولو راجع ندمان فعلا ده هيبان متضغطيش على نفسك واعملي اللي يريحك وملكيش دعوة بسلمى كل واحدة حرة في أن تقبله أو لا، وبعدين أنا بعمل إيه يا جوجو لما تقولي أنك لوحدك والله كده ازعل!. 


لم تستطع جهاد كبح ضحكة صغيرة خرجت منها وهي تمسح دموعها بسرعة، وردت بجدية متعمدة: 


-بلاش جوجو ده، دلع مستفز أوي والله. 


-مش مهم رأيك، المهم أنه عاجبني أنا وبعدين ده حتى هانت يا جوجو كلها شهر وهتلاقيني عندك.. 


-ان شاء الله يا سلامة. 


سمعت صوته معتذرًا: 


-أنا هقفل دلوقتي علشان الشغل، ولما اخلص هكلمك ان شاء الله، خلي بالك من نفسك ومن زهران الصغير. 


قالت جهاد معترضة: 


-لا مش هسميه زهران، هو أنا ناقصة يطلع زي جدو مش هلاحق أحل مشاكله وهو كل يوم له حب عمر جديد... 


-ماشي طولي لسانك أنا هقوله يتصرف معاكي.. 


هتفت جهاد بسرعة وقلق: 


-لا متقولوش ابوس ايدك هيديني محاضرة عن الحب والقلب ازاي متقلب ويحكيلي فلسفته في الحب الغريبة وربنا يكفيني شر دروسه؛ عمومًا أنا غلطانة.... 


-ايوة جيبي ورا...


______________ 


يقف في الشرفة.. 


ينفث دخان سيجارته بضيقٍ شديد، لا يدري كم عدد سيجارة أنهى منذ الصباح.. 


الانزعاج والضيق ينهشا صدره فقد أرسل لها عشرات الرسائل واتصل بها كثيرًا لكن لا يجد منها إجابة... 


جاءت حور وهي ترتدي ملابسها وقد تأهبت للخروج وهي تعلق حقيبة يدها في ذراعها: 


-احنا نازلين يا دياب ماشي؟!.. 


رد عليها دياب بنبرة عابرة تخفي ما بداخله: 


-ماشي، خدوا بالكم من نفسكم ومتتأخروش ولو في حاجة كلموني... 


-ماشي. 


بالفعل غادرت حور..

وبقى هو مستمرًا في اتصالاته بها..

إلى أن أخيرًا تفضلت وردت عليه بصوتٍ باهت: 


"الو". 


قال دياب وهو يحاول كبح غضبه قدر المُستطاع: 


-لسه فاكرة تردي يا ريناد؟ لسه فاكرة؟!!.. 


جاءه صوتها تتصنع اللامبالاة رغم أنها كادت أن تجيب عليه منذ الاتصال الأول لكنها سيطرت على نفسها بصعوبة بالغة: 


"أنا رديت علشان الفون قرب يهنج بسببك، في إيه وبتتصل بيا ليه؟؟". 


زمجر دياب بحدة: 


-والله يعني أنتِ مش عارفة أنا بتصل بيكي ليه؟؟ مش أنتِ اللي قلبتي وشك ومشيتي بدري؟. 


ردت بسرعة تدافع عن نفسها بنبرة قوية فهو على وشك أن يصيبها بجلطة بسبب عدم اعترافه بخطئه: 


"أنتَ اللي بدأت قلبة الوش مش أنا يا دياب، وبدل ما تقولي شكلك حلو والفستان حلو قعدت تنتقد فيه والفستان مفيهوش حاجة وأنا سمعت كلامك وغيرت الاولاني وعلشان كمان مش مناسب لخطوبة في البيت، اعملك إيه تاني؟!" 


هتف دياب بنبرة هازئة لكنها تحمل صدقًا خفيًا: 


-صح التاني مش مناسب لكن اللي جيتي بيه  كان مناسب و تحفة!!، ولو ده اللي عايزة تسمعيه، عنيا أه شكلك كان حلو، وحلو دي كلمة قليلة.. 


فرحت ريناد بكلماته لكن لم تدوم فرحتها طويلًا وهي تسمعه يقول بغيرة وذكورية متسلطًا: 


-بس مش عايز اقولك اللي جيتي بيه شكله عامل زي إيه علشان بس متزعليش وتتقمصي. 


اشتعل صوت ريناد بانفعال وهي ترد عليه: 


"عامل زي إيه!؟ قول بلاش التلميحات اللي مش مفهومة دي، عايز تقول حاجة قولها في وشي، وبعدين الفستان حلو كان عاجبك ولا مش عاجبك، وده بالنسبالي عادي، واللي حصل اختلاف في وجهات النظر في حاجات بالنسبالي عادي وحاجات بالنسبالك لا والعكس برضو" 


رده عليها أغضبها بصرامته وتسلطه: 


-لا يا ريناد، في حاجات مفيش فيها آراء. 


قالت ريناد وهي تنفجر فيه غاضبة: 


"تصدق أنا غلطانة إني رديت عليك من أساسه، كان المفروض امشي من عندكم من هنا ومجرد ما أنزل العربية؛ اعملك بلوك، الغلط غلطي والله مش غلطك أنتَ." 


تجهم دياب وهو يكز على أسنانه: 


-يعني أنتِ عايزة إيه دلوقتي؟.. 


سمعها تصرخ فيه من دون أن تسيطر على نفسها: 


"والله أنا اللي عايزة إيه؟؟ ده أنتَ اللي متصل، ومن الصبح عمال تتصل وتزن، تتصل وتبعت وفي الأخر تقولي أنا عايزة إيه؟ ليه مش قادر تعترف أنك غلطان؟!". 


رد عليها دياب مستنكرًا وبحدة لكنه يحاول السيطرة على صوته قدر المستطاع: 


-متعليش صوتك يا ريناد وبعدين أنا مغلطتش أنا بتكلم في الصح، أنا بغير عليكي وأنتِ عارفة ده مش لازم كل شوية اقولها، حتى لو ده اللبس اللي بالنسبالك المحترم والعادي أنا بالنسبالي مش كده، وبعدين اصلا أنا عملت إيه امبارح لكل ده؟!.. 


كانت المشادة بينهما عنيفة نوعًا ما وهي تقول بكلمات وقعت أثرها عليه كالسهم: 


"مش من حقك تقول ولا تعمل حاجة اصلل، ويعني إيه فستان يشبه إيه ومش عايز تقوله؟؟؟ أما أنتَ مستفز صحيح، وبعدين لما اكون جاية مبسوطة وفرحانة علشان اختك ومستنية اسمع منك كلمة حلوة تسمعني مش تقعد تقولي الفستان ماله ورجلك باينة، هو ده اللي عندك؟؟ وأنا بتغير علشانك، بغير حاجات كتير لمجرد أنها مش مناسبة معاك لكن أنتَ مش مقدر ده". 


قال دياب بصوتٍ مضغوط من الغضب: 


-وأنا كمان زي ما أنتِ بتعملي حاجات كتير علشان ترضيني؛ أنا كمان بعمل كده وبحاول.. 


قاطعته ريناد ببرود ويأسٍ: 


"مش باين!!، متكلمنيش تاني يا دياب أنا مخنوقة من امبارح ومتنرفزة، الكلام دلوقتي مش هيجيب حاجة غير أننا هنتخانق اكتر، سلام" 


أنهت ريناد المكالمة بحدة، تاركة إياه يحدّق في شاشة الهاتف بعينين مشتعلة، أنفاسه متلاحقة وصدره يعلو ويهبط كأن النار تشتعل في داخله...... 


_______________ 


تمرر يدها بطنها، الذي بدأ يظهر بروزها مؤخرًا لكنه لم يتضح للآخرين بشكل ملحوظ هي فقط من تشعر به أو من يعطي تركيزًا لها، فمازالت في منتصف حملها تقريبًا..... 


تحمل ذكرًا من رجل لا ترغب في أن يربطهما شيئًا.....لكنه القدر... 


كانت تحاول الفترة الماضية كلها بأن تراجع نفسها وتعرف فيما أخطأت، ويبدو أنها أخطأت كثيرًا..... 


تقف "سامية" أمام المرأة بعد أن تزينت وأرتدت ملابسها.. 


عادت إلى حجرتها وحياتها لكن بـنفسٍ محطمة وجنين في أحشائها.. 


حتى وإن عادت إلى نقطة الصفر إلا أنها لن تعد كما كانت أبدًا....

شرخ كبير تمر به ولا تظن بأنه سوف يلتئم.. 


سمعت طرقات خافتة على الباب وحنونة كصاحبتها، أذنت سامية بالدخول.. 


دخلت انتصار متمتمة بإرهاق بسبب وقوفها في المطبخ وإعدادها للطعام.... 


-أنا عملتلك الـ.. 


توقفت عن الكلام حينما أبصرت سامية متزينة وكأنها على وشك الخروج، ارتسمت على وجه انتصار معالم الدهشة وقالت بعدم فهم: 


-أنتِ رايحة فين يا سامية؟؟.. 


-مش رايحة في حتة مستنية حد جاي.. 


العلاقة بينهما وبين انتصار جيدة وقد هدأت كثيرًا عن السابق.. 


لم تعد تلومها كما كانت تفعل في السابق...

بل أدركت "انتصار"  بأن وقت العتاب فات، غير أن ابنتها تمر بحالة نفسية سيئة لا تحتمل الضغط عليها، استمعت في تلك النقطة إلى حديث زهران وشقيقها..

أن تحتوي وتحتضن ابنتها.. 


أردفت "انتصار" باستفهام يحمل قلقًا: 


-مين ده اللي جاي؟؟ 


تمتمت سامية بنبرة عملية بحتة تحاول أن تلحق ما فاتها وتلملم ما تبعثر منها خلال الأشهر الماضية: 


-في موديل جاية هحطلها ميكب وهصورها وانزلها على الصفحة عندي ، وفي بنت تانية كمان هتيجي بكرا  ان شاء الله، اديني حتى جهزت وظبطت كل حاجة وطلعت الكرسي وحضرت الميكب.. 


أنهت جملتها الأخيرة وهي تشير نحو التجهيزات التي أعدتها في الحجرة.. 


هنا عقبت انتصار بعفوية، تريد الفهم أكثر من النصح: 


-وإيه لازمته يا بنتي ده كله؟ في كل الأحوال مش هتعرفي تنزلي الشغل علشان اللي في بطنك، لما تولدي ان شاء الله ابقي ارجعي تاني.. 


تمتمت سامية بقوة ممزوجة بألم وهي تحاول تخطي كل شيء، والبداية من جديد رُبما اثبات نفسها مرة أخرى قد يجعل عقلها يتوقف عن التفكير فيما مضى: 


-معاكي حق بس برضو مينفعش أفضل قاعدة كده لازم ارجع اشغل صفحاتي من جديد، ولازم اثبت نفسي فترة قبل ما ارجع استقبل أي حجوزات... 


"بالأسفل" 


هبطت إحدى الفتيات من سيارة أجرة بعدما دفعت الأجرة للسائق ورحل.. 


أخذت تتفحص وتحاول قراءة الرقم المدون بجوار بناية خطاب، لتتأكد من أنها وصلت إلى المكان الصحيح... 


كانت الفتاة في الخامسة والعشرين من عمرها تقريبًا، جميلة الملامح ورشيقة القوام، فكان مظهرها يتناسب تمامًا مع كونها عارضة.. 


وقبل أن تفكر في الاتصال بعدما أخرجت هاتفها من الحقيبة، لمحها رجل خسميني بشوش ترك أرجيلته وجاء من أجلها: 


-أهلا وسهلا يا بنتي، بدوري على حد؟؟. 


-ايوة بدور على سامية خطاب، ده البيت يا اونكل مش كده؟؟. 


هز زهران رأسه موافقًا وهو يضع يده على صدره في فخر غريب من نوعه: 


-ايوة هو، ولو مش هو نخليه هو، محسوبك زهران خطاب عم سامية وفي مقام ابوها، إنما أنتِ مين صحيح؟ صاحبتها ولا إيه؟؟. 


-لا أنا موديل وهي هتعملي ميكب.. 


قبل أن يعلق زهران على كلماتها سمع صوت سامية من الشرفة تنادي: 


-افتح ليها الباب يا عمو وخليها تطلع. 


قال زهران بلطافة وهو يبتسم: 


-لا أنا هطلعها بنفسي.. 


وبعد دقائق قليلة كانت "الفتاة" تصعد بجوار زهران الذي يحدثها متعجبًا: 


-يعني هي هتحط على وشك شوية حاجات من اللي بتحطوها دي وتروحوا عاملين بايديكم كده تورونا الوش التاني زي الفيديوهات اللي بشوفها؟!. 


ردت عليه الفتاة تجيبه بعدما اوشكا على وصلهما من الطابق المنشود حيث تنظرهما سامية: 


-ايوة بالظبط كده يا اونكل. 


قال زهران بنبرة عملية: 


-طب لو حبيت تيجي تعملي إعلان للجزارة تحت عندي هتاخدي كام؟ وتيجي امته؟!، أصل الشغل بقاله فترة واقع، الواد نضال في عيال اسمهم كده بلوجرز زي ما أي واحد فاضي بيعمل نفسه وجم عملوا إعلانات... 


ابتسمت الفتاة رغمًا عنها، هذا الرجل فكاهي من الدرجة الأولى وقالت في حرجٍ: 


-والله مش عارفة يا عمو أنا ولا بلوجر ولا انفلونسر، أنا موديل.. 


-مش هنختلف في المسميات فكري في اللي قولته، وأنتِ نازلة من عند البت سامية هديكي شوية برجر بقالنا فترة بنشتغل عليه هيعجبك أحسن من اللي بتجيبوه من برا...


أخيرًا أنقذها من تحت يد الرجل "سامية" عند وصولهما إلى الطابق التي رحبت بها وولجت معها نحو الداخل، فجاءت انتصار حتى تغلق الباب واندهشت من  زجود زهران فقالت:

-في حاجة يا زهران ولا إيه؟


-لا أبدًا كنت بوصل البت اللي جاية لسامية أصل يا عيني كانت شكلها تايه وأنا ميرضنيش أن في ست تتوه ولا تحتار في شارع خطاب..


ضحكت انتصار رغمًا عنها هذا الرجل لن يعقل أبدًا على الأغلب:


-طول عمرك صاحب واجب يا زهران....


_____________


في الصباح هبطت إيناس مع شقيقتها حور برفقة الصغار متوجهين لشراء بعض المستلزمات التي تحتاجها حور قبل أن تبدأ الجامعة في الشهر القادم..


أما من يجلس في المنزل، لم يكن هناك سوى دياب ووالدته التي كانت تعد الطعام، بينما هو كان جالسًا على الأريكة أمام التلفاز بعدما ارتدى ملابسه وصفف خصلاته متجهزًا للنزول، لكنه لم يهبط بعد، مازال غاضبًا بشدة مما يحدث، المكالمة بينه وبينها لم تكن على ما يرام أبدًا..


خرجت والدته "حسنية" من الداخل مغمغمة باستغراب:


-أنتَ لسه منزلتش يا دياب؟.


تمتم دياب بنبرة عادية:


-لسه.


ابتسمت حُسنية وكأنها اغتنمت الفرصة:


-كويس علشان أنا عايزة اتكلم معاك وفرصة مفيش حد غيرنا في البيت..


وضع السيجارة التي كانت تتواجد بين أصابعه في المطفأة التي تتواجد على الطاولة قائلا باهتمام ووالدته تجلس بجواره:


-اتفضلي يا ماما في إيه؟؟ في حاجة حصلت ولا إيه؟!


رمقته حُسنية بجدية ثم أردفت بثبات:


-لا مفيش حاجة حصلت تضايقني متقلقش بس أنا في حاجات شايفاها ومش عجباني..


حدق بها دياب في حيرة ثم قال بفضول لن ينكره:


-مش فاهم!!.


قالت حُسنية بصراحة خالية من أي خجل أو تردد:


- أنا لاحظت، أو بلاش أنا لاحظت، الكل لاحظ عنك أنتَ وريناد ومن يوم ما جت تشوفك عشان ذراعك وأنا حاسة أن في حاجة بس كدبت نفسي وقتها...


لم يعلق دياب على كلماتها وتهرب من نظراتها فأسترسلت هي الحديث بثبات:


-بُص يا دياب، أنتَ كبير كفايا إني اعدل على تصرفاتك أو اختيارك، أنتَ راجل البيت واللي مسؤول عننا، بس أنا أمك مهما كان عندك كام سنة لازم أقولك رأيي في اللي بتعمله حتى لو مش هتعمل بيه لكن اللي بتعمله غلط.


تمتم دياب بحدة رغمًا عنه لكن نبرته كانت خافتة:


-عملت إيه غلط أنا؟.


قالت "حُسنية" بوضوح أشد وصراحة مطلقة:


-أنتَ بتوقع نفسك في غلط جديد، ريناد مش شبهك وممكن تتعبك، الحياة ما بينكم مش هتكون سهلة أبدًا لو أنتَ ناوي على حاجة، لأن الراجل هو اللي بيعول الست وبيصرف عليها، بس حتى لو هي مش شبهك بس أنتَ عايزاها وبتحبها مينفعش يكون في بينكم حاجة من غير علم أبوها..


رغم أنه انزعج من تذكيرها بالاختلاف الكبير الذي يتواجد بينهما إلا أنه غمغم:


-أنا اديتها مهلة كام شهر هظبط فيها الدنيا واروح اكلمه، الأمور دلوقتي مش أفضل حال إني اروح اكلم ابوها دلوقتي، غير أننا اتخانقنا أصلا.


قالت حُسنية بنبرة حاسمة وواضحة وهي تذكره بما ينساه رُبما:


-مفيش حاجة اسمها وقت مناسب، لازم تروح تتكلم مع أبوها على الأقل تبقى عارف دنيتكم إيه وافق نقرأ فاتحة وبعدين خطوبة، موافقش تبقى ولا علقتها ولا علقت نفسك أنتَ كمان، اللي مترضيهوش على اخواتك مترضهوش على بنات الناس حتى لو هي شايفة ده عادي.


ساد صمت ثقيل بينهما بعدها، لم يجد دياب ما يقوله أمام حديث والدته.... 


عيناه علقتا على السيجارة المطفأة أمامه وكأنها وسيلة هروب من مواجهة الحقيقة. 


شعر بمرارة تجتاح صدره؛ فهو يعرف أن كلام أمه صحيح!!


شدّ نفسًا عميقًا واتكأ للخلف، بينما في داخله غضب وارتباك يتصارعان...


_____________


كانت التحقيقات والجلسات مازالت مستمرة....

لكنها من وسط هذا كله؛ قررت أن تذهب إليه..


مرت أشهر طويلة جدًا ولم تراه..

منذ طلاقهما تحديدًا...


رغبت في رؤيته حينما تأكدت بأن كل ما يحدث لم يكن عبثًا، تحديدًا حينما جلست مع حمزة نفسه وقال لها أن "زين" هو السبب فيما يخص القرض والإجراءات السريعة جدًا التي اتخذها البنك.....


 حاول حمزة أن يقنعها بندمه، اعتذر لها حتى كاد يقبل يدها حتى تتنازل، لكن ما فعلته كان عكس ذلك تمامًا......... 


هي قامت بتسديد القرض، قامت بـبيع جزءًا من مجوهراتها التي أتى بها زين في وقت زواجهما وأعطاهم لها كاملة عند الطلاق...


شعر وقتها حمزة ببصيص من الأمل..

بأن شقيقته سوف تتنازل عن موقفها في قضية الابتزاز، لكنها لم تتنازل في تلك النقطة!!!!!!!


وقفت "ياسمين" في مكتبه تنتظر أن يسمح لها بالدخول..


لقد اشتاقت له..

لم تدرك "ياسمين" أنها تحبه حقًا وبدأت تفهم مشاعرها نحوه، إلا حينما ابتعدت عنه، وتوقف حمزة عن تهديدها، وقتها أدركت أنها كانت تحبه ولم يكن يستحق منها أن تجرحه!!


هي لم تخنه!!

لكنها أوجعته بـماضي لها وحينما عرف بأنها كانت مغصوبة على الزواج منه، وأنه كان غنيمة بالنسبة إلى عائلتها ولها...


أنتشلتها من دوامة أفكارها صوت السكرتيرة الخاصة به وهي تخبرها بمهنية:


-اتفضلي...


ولجت ياسمين إلى مكتبه..

بخطوات ثقيلة ومرتبكة..


حينما وصلت إليه، لم ينهض من مكانه فقط اكتفى بـبسمةٍ هادئة يفعلها مع الغريب حتى، لم يميزها...


عقلها أعادها على الفور إلى تلك اللحظات التي كانت تأتي بها إلى هنا في فترة زواجهما، كان وقتها يقفز من من مكانه على الفور يجذبها إلى أحضانه بسعادة بالغة، كان استقباله رائعًا، كان دومًا متلهف إلى رؤيتها..

كأنها هي ترياقه في تلك الحياة...

كان يحبها حبًا كبيرًا..


لذلك كان الجرح صعبًا..

حتى ولو لم تتسبب فيه بشكلٍ مباشر...


كل شيء تغير الآن واختلف!!!


تحدث زين بنبرة هادئة لكنها خالية من الدفء الذي كان يستعمله معها سابقًا:


-ازيك يا ياسمين..


قبل أن ترد عليه قال وهو يشير نحو المقعد الجلدي المتواجد أمام مكتبه:


-اتفضلي، اقعدي.. 


جلست "ياسمين" على المقعد بارتباك ثم وضعت حقيبتها الصغيرة على الطاولة الزجاجية الموجودة أمامها، ثم وجهت بصرها إليه مرة أخرى..


هنا طرح "زين" سؤال أخر عليها:


-تشربي إيه؟؟.


أجابت عليه ياسمين في سرعة من أمرها تحاول أن تختصر الطريق:


-أنا جاية اتكلم معاك ملهوش لزوم تتعب نفسك..


قال بنبرة رجل يرحب بضيفٍ غريب لا أمرأة تحتل قلبه بالرغم من خطاياها ليس من السهل إخراجها منه:


-لا لازم تشربي حاجة، هطلب ليكي فرابتشينو..


بالفعل طلب مشروبها المفضل والقهوة له هو..


أثقلها الانتظار، فهي تريد التحدث في الأمر الذي أتت من أجله لكنها تفشل الكلمات لا تستطيع تجميعها، وكأن زين قد استشعر عجزها، تحدث هو مفتتحًا الحديث:


-سمعت أنك سددتي القرض علشان خاطر حمزة..


-اه بس متنازلتش عن القضية اللي رفعتها عليه، بعد ما قدمت أقوالي مشيت في الإجراءات..


قال زين بعفوية بعدما هز رأسه فهو يعلم التفاصيل كلها:


-عارف...عارف كل حاجة يا ياسمين..


ترددت في البداية لكنها قالت:


-حمزة بيقول أنك أنتَ السبب في موضوع القرض!!.


لم ينكر بل هز رأسه بإيجاب وهو يخبرها بجدية رغم بشاعة ما ارتكبته في حق نفسها والذي مازال لا يتقبله بالمناسبة:


-اه أنا اللي عملت كده، ولو جت فرصة وخرج وشوفته هقوله إني أنا اللي عملت كده فيه..


أسترسل حديثه وقد شعرت في نبرته انفعال كبير:


-عملت كده علشان كان بيهددك وأنتِ على ذمتي وكان بيسرقني بس بطريقة مختلفة؛ في فرق بين إني ادي فلوس لمراتي بمزاجي تصرفها وأنها تتاخد منها غصب..


ابتلع زين ريقه ثم أضاف موضحًا وعينيه تلمعان بغضب مكتوم:


-ومهما عملتي مينفعش حد يهددك، خصوصًا لو كان اخوكي اللي المفروض يكون عنده من النخوة اللي متخليهوش يعمل كده، بس اللي عمله مع مراته يوضح إيه هو حمزة من الأساس، الأول كنت مستغرب اللي عمله معاكي بس دلوقتي فهمته....


قاطع حديثهما طرقات خافتة ومهذبة على الباب..

أذن زين لصاحبها بالدخول..


بعد لحظات دخل شاب يحمل صينية عليها المشروبات لهما ثم وضعها على المكتب برفقٍ،  فشكره زين بنبرة عملية قصيرة ثم غادر..


أخذت ياسمين تحدق في مشروبها بـعينين شاردتين، لكن عقلها كان في مكان أخر..


قطعت هذا الصمت الذي خيم عليهما:


-حمزة مستقبله ادمر؛ المحامي قالي مش هيأخد أقل من ثلاث سنين؛ ولو القاضي شدد ممكن يوصل لـسبع سنين والجلسة قربت خلاص، حسيت بالذنب، يمكن علشان هو اخويا بالرغم من كل حاجة عملها معايا، بس حتى لو أنا اتنازلت مراته مش هتتنازل، يمكن ده اللي مخليني أكمل ومشجعني...


علق زين على كلماتها بصرامة وكأنه يحاول تشجعيها هو الأخر على عدم التنازل، يزرع بداخلها قوة تفتقرها الآن:


-متحسيش بالذنب اللي المفروض يحس بالذنب هو حمزة مش حد تاني، وصدقيني اللي عمله فيكي وفي مراته الإعدام قليل عليه مش كام سنة سجن وخلاص...


ظلت لحظة صامتة ثم قالت بتردد وقلقٍ:


-الموضوع لو اتعرف هنتفضح كلنا حرفيا، علشان كده بفكر أسافر السعودية عند عمتو، صحيح علاقتنا مش قوية أوي بس ممكن اقعد معاها لغايت ما ادور على شغل هناك واظبط أموري...


لمحت في عينه نظرة غامضة أربكتها، فقد خشيت أن يفهم مقصدها بطريقة خاطئة فأسترسلت حديثها بنبرة جادة:


-أنا مش في نيتي حاجة، أنا بحكيلك يمكن علشان مبقاش ليا حد هنا احكيله غيرك، مبقاش ليا حد عمومًا، مجرد ما يتحكم على القضية أنا هسافر..


ابتسم ابتسامة هادئة وهو يرد على حديثها:


-أنا مقولتش أن في نيتك حاجة..


ثم أعتدل وشبك ذراعيه بجوار قهوته التي لم يمسها حتى الآن وقال بنبرة جادة:


-يمكن السفر يكون أحسن علشان تبعدي وتفصلي شوية بس لازم تواجهي البُعد والسفر على طول  مش حل ممكن تعتبريها بس فترة نقاهة..


هتفت ياسمين بعفوية:


-كل حاجة هنا راحت وكل اللي باقي هنا وجع وغلط...يمكن أشوف نفسي بشكل كويس، ويمكن أنسى إني جيت عليك، وانسى اللي اخويا عمله فيا..


ثم ابتسمت بسخرية مُرة وهي تخبره:


-مكنتش اتخيل عمري أن حمزة يعمل كده فيا، وأنه يوصلني إني اعمل كده فيه؛ إني هحبس اخويا حتى لو كان يستاهل الموضوع صعب عليا أوي بجد، أكتر ما أي بني ادم يتخيل...


نظر إليها مطولًا قبل أن يقول جملة بسيطة لكنها تحمل بداخلها ألف معنى ومعنى:


-فاهمك وحاسس بيكي يا ياسمين...


نظرت إليه بارتباك ثم نهضت من مكانها وأخذت حقيبتها لينهض هو الأخر معترضًا بعتاب ودهشة:


-رايحة فين؟ أنتِ لسه مشربتيش الفرابتشينو حتى!!


ردت عليه ياسمين بنبرة عادية وبسمة باهتة:


-مش مشكلة، أنا لازم اروح....


تراجع هو خطوة للوراء وكأن شيئًا في داخله يحاول أن يمنعها لكنه اختار الصمت، واكتفى بالقول:


-ماشي... اللي يريحك، مع السلامة.


-مع السلامة يا زين..


سارت بخطوات ثقيلة وكأن قدمها تمنعها من الرحيل، وضعت يدها على مقبض الباب وقبل أن تضغط عليه أستدارت إليه فجأة، وهي تقول راغبة في النجاة:


-هو مفيش أمل، أننا نرجع؟!..


أقترب منها زين ببضعة خطوات ثم ألقى جملته العابثة والمرحة:


-إيه مش ضامنة تطلعي تأشيرة السعودية ولا إيه؟ اقدر اطلعالك وليا ناس تساعدك هناك وتشغلك من بكرا لو حابة..


ارتبكت لكنها قالت بجسارة لا تدري من أين أتت لها:


-أنا بتكلم بجد يا زين، في أمل نرجع ولا أنتَ عمرك ما هتنسى، ولا هتسامحني حتى لو مش هنرجع؟؟.


ساد صمت قصير بينهما قبل أن يرد عليها زين بنبرة جادة وهادئة وهو يبتسم لها:


-ليه لا؟؟ كل شيء جايز....


نظرت له بعدم فهم وتوسعت عيناها بذهول تحديدًا حينما استكمل حديثه يشرح لها الوضع:


-أنتِ مش محتاجة إني اسامحك لأنك مغلطتيش في حقي ولا في شرفي من ساعة ما اتجوزنا يا ياسمين، أنتِ محتاجة تسامحي نفسك لانك غلطتي في حقها وظلمتيها من قبل ما يكون في راجل في حياتك، لازم تعرفي أن اللي عملتيه حرام وغلط..


تنهد زين ثم أضاف بنبرة واضحة رغم قسوتها:


-صعب أنساه دي حقيقة لكن مقدرش أحاسبك عليه وده اللي عملته، حتى لما طلقتك ده كان احسن ليكي، ربنا يكفيكي شر أنك تعيشي مع راجل شايل منك وممكن يشك فيكي أنا رحمتك مني ومن دماغي ومن المرحلة اللي كان ممكن نوصل ليها لو كملنا بالشكل ده.


أطرقت رأسها، كلماته كانت مؤلمة على مسامعها، لذلك ردت عليه بصوتٍ متحشرج:


-يعني مفيش أمل، اعتبرني مقولتش حاجة يا زين عمومًا شكرًا على كل حاجة عملتها معايا...


قبل أن تضغط على المقبض، امتدت يده تمنعها، لتتوقف دموعها عند حافة عينيها؛ فهي كانت على وشك البكاء حقًا بسبب الأمل الذي انطفأ فاقترب منها لكنه مازال بعيدًا بمسافة مناسبة ثم قال بنبرة حاسمة:


-ممكن نأجل سفر السعودية شوية؛ ونشتغل في مصر عادي ومنهمتش بكلام الناس...


قالت بيأسٍ وصوت منكسر لدرجة أنها لم تفهم كلماته:


-هتفرق في إيه؟؟.


رد عليها بنبرة صريحة وواضحة وهو يخبرها بمشاعره؛


-هتفرق أني هحاول أنسى اللي فات لأني لسه بحبك، هحاول اتصالح مع اللي فات يا ياسمين، لأن لسه رصيدك جوايا مخلصش، ولا حبك قل، علشان كده أنا محتاج وقت، وأنتِ محتاجة وقت علشان نقدر نبقى مع بعض، والمرة دي يكون متأكدين من وجودنا مع بعض........


تجمدت "ياسمين" للحظات غير مصدقة ما سمعته، كأن قلبها توقف عن النبض ثم عاد يخفق بقوة لم تختبرها منذ زمن بعيد....


اتسعت عيناها، وتسللت ابتسامة مرتعشة إلى شفتيها رغم دموعها التي انسابت بلا توقف، شعرت وكأن كل الأثقال التي حملتها شهورًا طويلة سقطت عنها فجأة، كأنها تتنفس لأول مرة بعد غرق طويل.....


يبدو أنها من الأشخاص التي تمتلك من الحظ ما يكفي، أن يجعل رصيدها لم ينفد بعد في قلبه، لو رُبما لأن توبتها عن خطأ اقترفته كانت صادقة وحقيقية..


لم تكن تلك نهايتهما لكنها تعلن عن بداية جديدة صادقة رُبما في القريب العاجل....


________


في اليوم التالي...


هتفت حُسنية وهي تقلب الطعام في الطنجرة بانفعال:


-كلميه يا إيناس؛ المفروض أنتِ اللي تكلميه مش أحنا اللي نكلمه، شوفيه بيكون فاضي امته وظبطي معاه يوم...


لقد طفح الكيل من ابنتها، أخبرتها بأن عليهما دعوة الرجل لتناول الغداء معهم لكنها تعاند وتعاؤض من دون سبب واضح..


لم ترد إيناس على والدتها، اكتفت بالنظر إلى الأرض في صمتٍ، شعرت بأن لا مفر لها من الحديث معه.....


لذلك تركت والدتها تحضر الطعام كما أرادت أن تعده هي اليوم..


ثم توجهت إلى حجرتها وجلست فيها على طرف الفراش..


كان طفليها في الخارج مشغولين في حل واجباتهم المنزلية فقد أتوا من الحضانة حديثًا..


أمسكت هاتفها تبحث عن رقمه حتى تتصل به بتردد..


أجاب عليها جواد بعد ثواني وكأنه كان جالسًا ينتظر اتصالها:


-الو..مساء الخير..


ترددت إيناس قليلًا قبل أن تجيب عليه بصوتٍ منخفض:


-مساء النور..


أردف جواد بنبرة شغوفة:


-إيه الاخبار؟؟ عاملة إيه؟؟.


-الحمدلله بخير...


سألها باهتمام حقيقي فهو يحب الطفلين جدًا تحديدًا ذلك الذي يحمل اسمه:


-جواد وجنى عاملين إيه؟ كلكم عاملين إيه؟!..


كررت الرد نفسه مرة أخرى:


-الحمدلله بخير..


ساد لحظة صمت قصيرة ثم جاء صوته يخبرها بنبرة جادة:


-على فكرة كنتي لسه في بالي وقولت هكلمك...


رفعت حاجبيها بدهشة واستنكار وهي تعقب بعفوية:


-اشمعنا؟؟


كان استنكاره هو أشد وهو يرد عليها بسخرية:


-اشمعنا؟ هو المفروض متصلش بيكي يعني ولا إيه؟؟ ما أنتِ متصلة اهو..


دافعت عن حالها وكأن هناك موقف يستدعي ذلك:


-ماما قالتلي أكلمك علشان هي حابة تعزمك على الغداء وأنا عرفتها أن في الغالب مواعيدك مش مظبوطة بسبب الشغل، علشان كده متصلة أقولك ممكن تكون فاضي امته؟؟.


كأن أمها هي السبب الوحيد لاتصالها!!

تحتمي بها..

كان تفسيرها غريبًا.


لكنه مع ذلك لم يرد أن يحرجها، اكتفى بالرد عليها بطريقة هادئة:


-ممكن الأربع اعتقد مواريش حاجة لغايت دلوقتي بس هأكد عليكي قبلها...


تمتمت إيناس بعفوية وحركة غير مقصودة:


-هات نسمة معاك.


-ان شاء الله هقولها...


ترددت للحظة ثم سألته إيناس بفضول لم تستطع كبحه:


-هي نسمة مش بتخرج خالص؟..


تفهم فضولها وهو يرد عليها بلهجة طبيعية:


-لا، بتخرج كتير كمان؛ هي اه ملهاش صحاب كتير بس بتخرج، في هايدي دي جارتنا بس هي اتجوزت وبتيجي على فترات وهما صحاب جدًا، وأنا ساعات بخرج معاها، بس في الغالب بتخرج هي ودادة منيرة، وفي أماكن معينة هي بتحب تروحها، هي روحها حلوة وعندها مواهب كتير هتعرفيها أكتر لما تعاشريها..


وجدت إيناس نفسها تبتسم ثم ردت عليه بخفة وكأن الحديث بينهما يمر من دون أي تخطيط:


-كويس جدًا، واضح أنكم يعني اهتميتوا بيها كتير لأن للأسف في حالات مشابهة ليها مبيكنوش كده، يعني ما شاء الله أنا بحسها طبيعية جدًا..


حاول أن يُرضي فضولها، الظاهر في كلماتها وتعقيبها كان جيد والغير جارح أبدًا؛ فتابع وهو يشرح لها بطريقةٍ واضحة:


-ماما وبابا الله يرحمهم اهتموا بيها جدًا وكانوا مصرّين أنها تعيش طبيعي، تدرس وتعمل كل حاجة؛ الموضوع بيحتاج اهتمام وصبر، لكن أكيد الموضوع مكنش سهل، حالات داون بتختلف من شخص للتاني؛ في تفاوت كبير، ومتقدريش تقيسي حالة واحدة على الباقيين.


فجأة ظهرت حور..

دخلت من الباب الذي لم تغلقه إيناس من الأساس، وهي ترتدي إسدال الصلاة، تتحدق مندفعة:


-أنا نازلة مفيش فايدة فيكم لازم تنسوا حاجة، ما دياب جاب الطلبات قبل ما ينزل...


لم تلاحظ نظرات شقيقتها وهي تشير لها في صمت أن تتوقف عن الكلام لكن حور أستمرت في ثرثرتها تلك بلا وعي:


-اهو نازلة اجيب ليكم الشعرية، اتمنى تشكروني في الآخر، علطول تاعبني معاكم أنتم، وبعدين عماله تشاوري كده ليه؟؟ في إيه؟؟..


ثم أخيرًا فهمت ما يحدث وأتسعت عيناها وهي تسألها بمكرٍ:


-شكلك بتتكلمي في التليفون، بتكلمي مين؟؟


قالت إيناس وهي تنظر لها بوعيد:


-جواد..


هتفت حور بنبرة مرحة وخفة ظل:


-سلمي على الدكترة، قوليله دكتورة المستقبل اللي هتقعدكم في بيتكم بتسلم عليك، يلا أنا نازلة وهاخد البت جنى معايا..


رفعت إيناس يدها بعصبيةٍ تشير لها بأن تغادر...

غمزت لها حور قبل أن تغادر...


 سمعت "إيناس" صوته من الهاتف ضاحكًا:


-قوليلها الدكتور اللي مستقبله هيضيع بسببها بيسلم عليها..


حكت "إيناس" عنقها بحرج وهي تخبره:


-الله يسلمك..


ثم أسرعت تحاول أن تغير مسار الحديث وهي تخبره:


-صحيح كنت بتقول أنك هتكلمني؟ كنت هتكلمني عادي ولا في حاجة؟..


أخذ نفسًا قصيرًا ثم أردف يسرد لها ما يرغب في فعله فهو يفكر في الأمر منذ أن تقدم لخطبتها:


-اه، علشان جنى وجواد في مدرسة قريبة من البيت عايزك تيجي تقدمي فيها وهناك في حد هيسهل علينا حوارات كتير، متقدميش عندك زي ما قولتي كلها شهرين وأقل وهنتجوز أكيد مش هتفضلي رايحة جاية بيهم كل يوم، وفي واحدة اعرفها ممكن تيجي تقعد معاهم كل يوم علشان يتقبلوا في المدرسة....


ارتبكت إيناس للحظة فهي لم تفكر في ذلك الأمر رغم شرطها الواضح بأن يكن أطفالها معها حتى توافق على الزيجة؛ فهي لن تتخلى عنهم تحت أي ظرف، قالت بتردد:


-مش عارفة يا جواد، بس الدراسة فاضل عليها أقل من شهر؛ أكيد برضو مش هروح واجي كل يوم من هناك لعندكم غير أن أكيد مصاريفها هتبقى غالية طبعا، هي ناشونال ولا إنترناشيونال؟! أنا كنت هدخلهم خاصة لغات عادي بس أكيد مش هتكون مصاريفها زي اللي بتقول عليها..


لم يناقشها في النقطة الأخيرة لكنه أردف ببساطة في النقطة الأهم:


-نشوف القبول الأول أنهم يتقبلوا فيها، وبعدين نفكر في المصاريف، بعدين يا إيناس احنا هنتجوز وهتكوني ملزومة مني، وجنى وجواد هيكونوا ولادي زي ما هما ولادك؛ يعني إني ادفع مصاريف مدرستهم دي أقل حاجة ممكن أعملها..


ثم صمت لحظة وعاد يسترسل حديثه بنبرة عابثة يعبر عن رغبة ولهفة بداخله أن تصبح زوجته:


-بس معاكي حق، احنا نتجوز خلال الشهر ده قبل المدرسة.


شهقت إيناس باستنكار:


-نعم؟؟


ضحك وهو يجيبها بخفة، كانت ضحكته غائبة من مدة، عادت معها وبها:


-علشان الولاد ومدرستهم بس مش أكتر..


قبل أن تتفوه بحرف..

وجدت دياب يدخل الحجرة التي كان بابها مفتوحًا...

ارتبكت، كأنها فتاة صغيرة تُضبط متلبسة بالحديث سرًا، رغم أنها لم تفعل شيئًا خاطئًا، لكن الحياء كان يطغى عليها...


ولا تعلم من أين أتى دياب؟؟

هو لم يكن في المنزل من الأساس..


سألها دياب بنبرة جادة أقرب إلى الفضول النابع من غيرته وفي الوقت ذاته برجولة لن يستطع السيطرة عليها:


-بتكلمي مين؟!.


قالتها بارتباك وهي تبتلع ريقها خجل كبير يحاصرها وهي تمسك الهاتف الموضوع على أذنيها، وكان نطق اسمه سهلًا كأنها تنادي طفلها، لحسن الحظ لم يكن يمتلك اسم أخر وإلا كان سيكون من الصعب نطقه بدون ألقاب:


-بكلم جواد.


تمتم دياب بغيرة واضحة وهو يضيق عينه ثم قال:


-بجد؟ سلمى عليه..


ثم استدار وخرج من الغرفة وقد نسى ما أتى إلى الغرفة لأجله بل أخذ ينادي في المنزل عن أي شخص يعرف مكان الشاحن الخاص بهاتفه فهو لا يتذكر أين تركه، لتخبره والدته بأنه في غرفة نومها هي كانت حور تستخدمه..


من جديد وصل تعقيب جواد يمازحها:


-هو أنتم دي عادة عندكم اللي رايح واللي جاي يسألك بتكلمي مين، عيلة "بتكلمي مين؟!" وبعدها يسلم عليا من غير أي رد فعل تاني هو سيناريو مكتوب ولا إيه؟؟


ابتسمت رغمًا عنها ولم ترد، فقال هو يتحدث في الأمر نفسه مرة أخرى:


-ها قولتي إيه؟.


أردفت إيناس بحيرة وتردد:


-مش عارفة سيبني أفكر وأرد عليك، بعد ما أخذ رأي ماما ودياب برضو، وكمان أنا قلقانة بسبب حضانة الولاد أنها تروح مني..


سارع جواد لطمأنتها، نبرته كانت حاسمة وهادئة في الوقت نفسه:


-أحمد مطمني متقلقيش من حاجة، معتقدش أنه هيعمل حاجة هيبقى غبي لو عملها لأن برضو الحضانة هتنتقل لوالدتك مش هتكون ليه ففي كل الأحوال هو مش هيستفيد حاجة أبدًا، متقلقيش يا إيناس أنا معاكي واستحالة ولادك يبعدوا عنك بسببي ولو حصل حاجة أنا موجود..


شعرت أن ثِقلًا كبيرًا أزيح عن صدرها، وكأنها لأول مرة منذ شهور تسمح لنفسها بأن تتنفس بأمان جديد ومختلف...


رُبما لأن دياب حينما يحاول أن يطمأنها يجعلها تشعر بالخوف عليه أكثر، من أن يضر ذاته في سبيل راحتها، لكن معه الأمر مختلفًا بسبب الهدوء الذي يمتلكه...


الخوف لم يغادرها كليًا؛ جزء منها ما زال يسأل "ماذا لو؟"

وجزء آخر يتشبث بصوته، الذي يطمئنها...


جاء جواد الصغير في تلك اللحظة وأقترب منها وصعد على الفراش يسألها بنبرة ضاحكة وهو يحمل الهاتف القديم الذي يعود إلى حور يلعب عليه:


-بتكلمي مين؟!.


هنا سمعت صوت جواد يهتف بجدية:


-لا اديهوني أنا أسلم عليه قبل ما يسلم هو عليا....


_______________


بعد مرور ثلاثة أيام...


أنبل الحب وأشرفه أن تحب في العلن لا الخفاء..

الحب الذي يكن في الخفاء حتى ولو استمر طويلًا، مستقبله مجهولًا..


هل ما يفعله الآن صحيحًا أم لا؟؟

لا يعرف هو فقط يقف أمام مكتب والدها ينتظر أن تسمح له المساعدة الخاصة به بالدخول!!


هو أعلمه مسبقًا بأنه قادم واتصل به، ليخبره وقتها محمد بأنه ينتظره، دون أن يندهش من سبب اتصاله...


سمحت له المساعدة بالدخول بعدما اتصلت به وأخبرها بأن تقوم بإدخاله...


ولج دياب إلى مكتب محمد "والد ريناد" الذي كان يترأس مكتبه في انتظاره منذ ذلك الاتصال..


نهض محمد من مكانه ومد يده يصافحه قائلا:


-ازيك يا دياب، اتفضل اقعد..


رد عليه دياب بارتباك يلاحقه أول مرة في حياته:


-الحمدلله؛ حضرتك عامل إيه؟؟.


-الحمدلله..


جلس الأثنان في الوقت ذاته وقبل أن يقوم محمد بضيافته تحدث دياب معتذرًا:


-أنا كملتك وجيت مرة واحدة كده، بس يعني حبيت أتكلم معاك، وكويس أن حضرتك كنت فاضي النهاردة.........


-تتكلم في إيه؟؟.


هنا القسم الأصعب على الإطلاق، أصعب حتى من المراحل السابقة حتى يأتي إلى هنا!!


لكنه اختار عدم المرواغة وقول الأمر بصراحة حتى تنتهي كل الصراعات التي تتواجد بداخله نعم سيكون هناك صراعات أخرى لكنها جديدة:


-جاي أطلب ايد ريناد من حضرتك....


_______يتبع_______


لو وصلتم لهنا دمتم بألف خير ونتقابل في فصل جديد ان شاء الله❤️❤️


الجزء الاول وحكايات أبطال شارع خطاب (١) قربت تنتهي ونبدأ حكايات شارع خطاب (٢)..


متنسوش الفوت والكومنت..

التفاعل واقع جدًا..

بوتو يحبكم❤️

تابعووووووني 



بداية الروايه من هنا



❤️💙🌹🌺❤️💙🌹🌺❤️💙🌹🌺

الروايات الكامله من هنا 👇 👇




رواية سيطره ناعمه كامله من هنا



روايه منعطف خطر كامله من هنا



رواية خيانة الوعد كامله من هنا



رواية نار الحب كامله من هنا



رواية الطفله والوحش كامله من هنا


رواية منعطف خطر كامله من هنا


رواية فلانتيمو كامله من هنا


رواية جحيم الغيره كامله من هنا



رواية مابين الضلوع كامله من هنا


رواية سيطرة ناعمه كامله من هنا


رواية يتيمه في قبضة صعيدي كامله من هنا



الروايات الكامله والحصريه بدون لينكات من هنا


إللي خلص القراءه يدخل هيلاقي كل الروايات اللي بيدور عليها من هنا 👇 ❤️ 👇 


❤️🌺🌹❤️🌺❤️🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹🛺🛺🛺🛺🛺


الصفحه الرئيسيه للروايات الجديده من هنا


جميع الروايات الحصريه والكامله من هنا


انضموا معنا علي قناتنا بها جميع الروايات على تليجرام من هنا


❤️🌺🌹❤️🌺❤️🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹🛺🛺🛺🛺🛺









تعليقات

التنقل السريع
    close