القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية وبقي منها حطام انثي الفصل الرابع والعشرون والخامس والعشرون بقلم الكاتبه منال سالم حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات

رواية وبقي منها حطام انثي الفصل الرابع والعشرون والخامس والعشرون بقلم الكاتبه منال سالم حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات 



رواية وبقي منها حطام انثي الفصل الرابع والعشرون والخامس والعشرون بقلم الكاتبه منال سالم حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات

الفصل الرابع والعشرون

(( وَبَات اللقاءُ بَيّنَنا مُحَـــال ،

لنْ تَأتِي أَبَداً إِليّ ،

حَتَى وَإِن الزَمَـــان طَال

فَكُل شِيءٍ بَعدُكَ أَبِي أَصبَحَ فِي زَوَال ))

هكذا شيعت إيثار والدها إلى مثواه الأخير بعبرات حارقة .. كانت تعتقد أنه سنوات عمره ستمتد إلى سنوات وسنوات ، ولكن لكل أجل كتاب ، وها قد حان وقت رحيله ..

جرجرت تحية قدميها وهي مستندة على سيدتين من أقاربهم ممن أتوا لتأدية واجب العزاء

شـــارك عمرو في حمل جثمان أبيه ، وتعهد له بتنفيذ وصيته الأخيرة في حق أخته الصغرى ..

نعم سيصبح سندها ، ظهرها الذي تحتمي فيه من غدر الزمـــان .. من تلجأ إليه في أصعب الأزمـــات .. سيعوضها عما فات ..

.....................................

جلس مالك في الحديقة يترقب وصولها بعد أن قرر عدم الذهاب إلى عمله اليوم ، ولكنها تأخرت على غير عادتها ..

طالع ساعته لأكثر من مرة ، وزفــر بإنزعـــاج واضح ..

هز ساقه بعصبية ، وارتشف أخـــر ما تبقى من فنجان قهوته ..

مل من إنتظارها ، وعقد العزم على مهاتفتها ..

أمسك بهاتفه ، وعبث بأزراره ليتصل بها ، ولكنها لم تجب على اتصاله ..

ظن أنها تتجاهل إياه عن عمد ، فتجهمت قسماته ، وتوعدها بالتوبيخ اللاذع ..

عاود الإتصــال بها ، لكن لا جديد .. فزاد حنقه منها ، وتمتم بنبرة محتدة :

-ماشي يا إيثار !

ثم نهض من مكانه ، وتوجه إلى الفيلا وهو يصيح بصوت منفعل :

-راوية ، جهزي ريفان ، أنا هاخدها وخارج

ردت عليه الخادمة راوية بنبرة خانعة :

-حاضر يا مالك باشا !

ثم توجه بعدها إلى الدرج ليصعد إلى غرفته ويبدل ثيابه ..

......................................

توقفت لتلتقط أنفاسها في جانب الزقاق الضيق بعد أن ركضت بأقصى سرعتها هاربة منهم .. إنهم يطاردونها الآن بسبب عجزها عن سداد الدين ..

لم تعد تتحمل تلك الضغوط القاسية ، بل هي لم تتخيل أن تتحول حياتها إلى جحيم لا ينتهي ..

كانت تبحث عن الثراء والراحة ، ناقمة على حياتها الماضية ، وظنت بزواجها من رامز ستتحقق جميع أحلامها ، لك

اعتدلت ســـارة في وقفتها ، ثم أكملت ركضها وهي تدعو الله في نفسها ألا تطالها أيدي الشرطة ..

لكن هيهات ، ها قد حاصرها رجال الشرطة في زاوية ما ، وألقوا القبض عليها لتبدأ مرحلة جديدة من عذابها الذي لا ينتهي ..

قادوها إلى السيارة وهم يسبونها بألفاظ تدنى لها الجبين ، فبكت بمرارة على حالها البائس ..

ثلاث سنوات مضت وهي تتجرع نتيجة إختيارها الخاطيء .. لم تشعر بالراحة أبداً وكأنها تعاقب على جريرتها في حق إيثار ..

......................................

صف مالك سيارته على مقربة من البناية القديمة ، فقد تعذر عليه ركنها بجوارها بسبب ذلك السرادق الذي يقام أمامها ..

ترجل من السيارة ، والتفت بجسده للخلف ، ثم فتح الباب الخلفي ليخــرج صغيرته بعد أن أرخى حزام الأمان عن مقعدها ..

حملها برفق على ذراعه ، وعلق حقيبتها الخاصة على كتفه الأخــر ، ثم صفق الباب بهدوء ، وتحرك صوب مدخلها ..

لاحظ هو حالة الحزن والوجوم البادية على أوجه الحاضرين ..

لم يتعرف على معظمهم ، فقد كانوا غرباء عنه ..

تساءل بجدية وهو يقترب من أحد العمال المسؤلين عن نصب السرادق :

-هو ده عزا مين ؟

أجابه شخص ما من الخلف بنبرة حزينة :

-ده الحاج رحيم عبد التواب تعيش انت !

خفق قلبه بقوة بعد سماعه لذلك الخبر المؤسف .. وتجمدت تعابير وجهه من أثر الصدمة ..

إرتفعت عيناه عفوياً للأعلى لتتعلق بنافذتها المغلقة ..

هكذا إذن .. هي لم تتخلَ عن موعدها اليومي معه إلا بسبب وفاة أبيها ..

يا إلهي كيف هو حالها ؟ هي منهارة أم صامدة أمام هول الفاجعة التي عصفت بها ؟

أدمعت مقلتيه تأثراً برحيله ، وتحرك سريعاً للداخل ..

........................................

أجلست العمة ميسرة الصغيرة ريفان على حجرها ، وأخذت تداعبها بلطافة ، ثم حدقت في مالك وتابعت قائلة بجدية :

-هو بقاله فترة تعبان ، مكوناش حتى بنشوفه لا طالع ولا نازل !

أضافت روان قائلة بهدوء :

-حتى إيثار كانت بتجيله كتير الفترة اللي فاتت

أثارت عبارتها الأخيرة حفيظة مالك ، فتساءل بإهتمام :

-ليه هي مكانتش أعدة هنا ؟

هزت روان كتفيها وهي تجيبه بنبرة حائرة :

-مش عارفة بصراحة ، أنا ماليش كلام معاها من زمان

أضافت ميسرة بجدية وهي تحكم ذراعها حول الصغيرة :

-احنا المفروض نعمل واجب العزا بغض النظر عن أي حاجة كانت بينا ، الموت ليه حرمة !

وافقتها روان الرأي فهتفت مدعمة:

-صح يا عمتو

ورد مالك بإيجاز وهو يفرك طرف ذقنه :

-أكيد

ثم تحرك بعدها إلى داخل غرفته ليختلي بنفسه ..

ألقى بجسده على الفراش ، وشبك يديه خلف رأسه ، ثم حدق في السقفية ، وتنهد بعمق ..

شعــــور مؤسف ممزوج بالضيق والإنزعاج يسيطر عليه كلياً ، لا يعرف سبب غضبته ..

هل هو لوفاة ذلك الرجل أم لرغبته في رؤية إيثار والاطمئنان عليها ؟

إيثار .. حلمه البعيد عنه والقريب منه ، لا يتقبل على الإطلاق أن تستحوذ على تفكيره وهي زوجة لغيره ..

لكنها كالمخدر تشتاق إليها روحه دوماً ...

أغمضت عيناه بقوة ليخفي صورتها المتجسدة أمامه ، ولكن أبى طيفها ألا يفارق حتى خياله ..

......................................

أنهى المقريء ترتيل آيات القرآن ، فاصطف المعزون في صف طويل إلى حد ما ليأدوا واجب العزاء في الحاج رحيم ..

وقف ابنه عمرو في المقدمة يصافح الموجودين بنظرات شاردة ووجه عابس للغاية ..

فالخسارة كبيرة ، والراحل لا يعوض

ووقف إلى جواره عمه مدحت الذي لم يتمالك نفسه ، فإنهار باكياً على فراق أخيه ..

اقترب مالك بخطوات ثابتة ولكنها ثقيلة من عمرو ليعزيه ..

تفاجيء الأخير بوجوده ، ومــد يده ليصافحه ..

ساد بينهما صمت هاديء ظاهر للعيان ، ولكنه كان هائجاً مليئاً بالمشاعر المشحونة و المختلطة ولا يفهمه سواهما ..

فعمرو أخطأ في حق أخته ، وأبعد عنها من أحبها بصدق من أجل كاذب مخادع أوقعه ببساطة في شرك الزواج ..

ومالك يكنْ له مشاعر عدائية بسبب مواقفهما السابقة معاً ..

-شيد حيلك

قالها مالك بصوت هاديء وآجش ليقطع هذا الصمت الخطير ، فأجابه هو بجمود :

-الشدة على الله ، سعيكم مشكور !

تحرك بعدها مالك للداخل ليجلس ضمن المعزين ..

.....................................

إنزوت إيثار في ركن بمنزلها ، تبكي بلا توقف – وفي صمت – على رحيل أبيها ..

ربما لم تكن على وفاق معه ، لكن فراقه أحدث هـــوة كبيرة في حياتها ..

ساعدت إيمان تحية في الترحيب بالمعزيات .. فالخطب جلل ، والمصيبة تشمل الجميع ..

ولجت ميسرة ومعها روان إلى داخل صالة المنزل ، وبحثت الاثنين بأعينهما عن تحية وابنتها ..

ضغطت روان على كتف عمتها حينما لمحت تحية وهي تجلس على المقعد تتحسر على موت زوجها ، سندها في الحياة ..

فتحركت كلتاهما نحوها ..

دنت ميسرة منها ، وانحنت لتقبلها وهي تقول بنبرة مواسية :

-البقاء لله يا ست تحية ، قلبي عندك

رفعت تحية عينيها المتورمتين لتنظر لصاحبة الصوت المألوف ، فهزت رأسها بآسى وهي ترد قائلة :

-الدوام لله وحده ، سابني وراح ، سابني لوحدي ، آآآه

ردت عليها ميسرة بهدوء :

-اذكري الله ، كلنا رايحين بس هي مواقيت !

جابت روان بعينيها المكان بحثاً عن إيثار فرأتها ، فمالت على عمتها لتهمس لها وهي تضع يدها على ذراعها :

-عمتو ، أنا هاروح أعزي ايثار !

ربتت ميسرة على كفها المسنود عليها ، وهمست :

-طيب يا بنتي !

اتجهت روان نحوها حتى وقفت قبالتها ، فأردفت قائلة بصوت خفيض :

-إيثار

التفتت لها الأخيرة لتجد رفيقة أيامها الخوالي ، وذكرياتها الجميلة أمامها .. فردت عليها بصوت مبحوح وباكي :

-بابا .. راح !

أشفقت روان على حالها ، وبلا تردد انحنت لتحتضنها بذراعيها ، وقبلت أعلى رأسها وهي تقول بأسف :

-ربنا يرحمه ويصبركم يا ريري !

همست إيثار بلا وعـــي وهي تبكي بمرارة :

-راح قبل ما يسمعها مني ، مات يا روان قبل ما أقوله إني مسمحاه !

أجهشت بالبكاء وهي تتابع بندم :

-والله مسمحاك يا بابا ، صدقني يا بابا ، أنا راضية بكل اللي حصلي في حياتي ، أيوه ده مقدر ومكتوب ، وأنا مسمحاك

مسحت روان على ظهرها ، وبكت وهي تقول :

-اهدي يا إيثار

نظرت لها الأخيرة بأعينها المنتفخة وهي تسألها بخوف:

-تفتكري هايحس بده ، ولا خلاص معدتش ينفع ؟

ردت عليها بصوت مختنق وهي تمسح أنفها :

-اكيد هايحس بيكي ، انتي بس ادعيله بالرحمة !

تنهدت إيثار بحرارة وهي ترد :

-بأدعيله من زمان ، آآه يا بابا !

هزت روان رأسها في حزن لتهمس قائلة :

-لا حول ولا قوة إلا بالله !

....................................

ناولت روان أخيها مالك صغيرته ريفان ليسندها على كتفه بعد أن غفت ليعود بها إلى فيلته ، وتابعت قائلة بنبرة أسفة وهي تستدير برأسها ناحية عمتها :

-حالها يصعب على الكافر ، مكانتش خالص في وعيها

ردت عليها ميسرة بحزن :

-أبوها يا بنتي كان ليه تأثير كبير في حياتها

تابعت روان قائلة بفضول وهي قاطبة جبينها :

-اللي مستغرباه إنها غلبت تقول كذا مرة انها مسمحاه على اللي عمله فيها ، أنا مش عارفة بالظبط التفاصيل ، بس واضح إن الموضوع كان كبير !

تابع مالك الحديث الغامض عما يخص إيثار دون أن ينطق بكلمة ، ولكنه استرعى إنتباهه بشدة ..

وتساءل مع نفسه عن السبب القوي الذي يجعلها تردد مثل تلك العبارات ، أللمسألة علاقة بخطبتهما السابقة أم بزيجتها الحالية ، أم هناك أمر خفي لا يعرفه ؟

هتف ميسرة محذرة وهي ترمق ابنة أخيها بنظرات منزعجة :

-مالناش دعوة يا روان ، إحنا عملنا الواجب وخلاص !

ردت عليها بإمتعاض :

-طيب

تردد هي في سؤال أخيها عن شقيق إيثار ، فهي لم تتمكن من رؤيته مطلقاً طوال اليوم ، وأرادت الإطمئنان على حاله .. ربما لاعتقادها أنه يحتاج إلى دعم معنوي كبير في تلك المحنة ..

عضت على شفتها السفلى بإرتباك ، وتساءلت بحذر :

-على كده إنت شوفت عمرو يا مالك ؟

ضيق نظراته وهو ينظر نحوها ، وســألها بجدية وقد تشكلت على قسمات وجهه تعابير حادة :

-بتسألي ليه ؟

هزت كتفيها في عدم اكتراث وهي تجيبه :

-عادي يعني

أضــاف هو قائلاً بنبرة شبه ساخطة :

-أكيد هاكون شوفته ،وعزيته كمان

بررت روان سؤالها قائلة بهدوء :

-أنا فكرت إنك يعني ممكن تعزي عمه بس !

حرك رأسه نافياً وهو يوضح لها :

-لأ .. الواجب مالوش دعوة بأي مشاكل كانت موجودة !

هتف إبراهيم بصوت متحشرج :

-عندك حق يا بني ، ربنا يلطف بعباده !

تنحنح مالك بصوت خافت ، ثم أردف قائلاً بجدية :

-طيب هستأذن أنا بقى ، يدوب ألحق أروح!

وقفت ميسرة إلى جواره ، ومسحت بنعومة على ظهر الصغيرة النائمة ، ثم ردت عليه مقترحة :

-طب ما تبات النهاردة هنا ؟!

أجابها معترضاً بهدوء :

-لأ مش هاينفع

عاتبته عمته قائلة بضيق :

-يا بني كفاية شحططة وبهدلة لليتيمة اللي معاك دي !

رد عليها بإبتسامة باهتة :

-اطمني يا عمتي ، أنا جايبلها واحدة كويسة واخدة بالها منها !

تساءلت بعدم اقتناع وهي تحدق فيها بنظرات مطولة :

-هي فين يا بني ؟ مش بتجيبها معاك ليه ؟

ارتبك مالك من سؤالها المباغت .. فلا أحد يعلم بكون إيثار تعمل لديه كمربية لطفلته ، وهو لم يرغب في إبلاغهم بهذا الأمر حالياً ، لذا حافظ على هدوئه ، وعلى تعابير وجهه الجامدة ، وأجابها بنبرة شبه ثابتة :

-عندها ظروف عائلية اليومين دول !

ردت عليه روان مستنكرة غيابها :

-من أولها كده ، طب ما تشوف واحدة تانية ملتزمة ؟!!

التفت برأسه نحوها ، وهتف مدافعاً :

-هي ممتازة على فكرة ، بس ده ظرف طاريء اللي حصلها !

أضافت روان قائلة بتحمس :

-على فكرة أنا أعرف حد آآ...

قاطعها مالك بصرامة وقد احتدت نظراته :

-روان خلاص ، أنا مش عاوز كلام في الموضوع ده ، أنا أدرى بالمناسب لبنتي !

حركت كتفيها بلا مبالاة ، وهتفت بإمتعاض :

-براحتك ، أنا كنت عاوز أخدم

ابتسم لها مجاملاً وهو يقول :

-متشكر يا ستي ، يالا تصبحوا على خير !

ردت عليه ميسرة بنبرة أمومية حانية :

-تلاقي الخير يا حبيبي

بينما أضاف إبراهيم بصوت هاديء :

-وانت من أهله يا بني

وهتفت روان بإبتسامة رقيقة :

-باي يا مالوك !

ودعهم مالك ، ثم انصرف عائداً بصغيرته إلى فيلته ، وعقله لم يتوقف لحظة عن التفكير في إيثار .. معذبته !

....................................

مـــــر أسبوع على وفــــاة رحيم ، وبدأت إيثار في استعادة حياتها من جديد ، فلن يقف الزمن برحيل أحدهم ، بل سيستمر في حركته ..

دعمتها مديرة مكتب الرعاية وكذلك زميلاتها في العمل في ظروفها الحزينة .. واقترحت أن تحل محلها مربية أخرى لرعاية الصغيرة ريفان حتى تستعد نفسياً للقدام لكنها تفاجئت برغبتها في العودة لعملها ، والتي لم تختلف كثيراً عن دهشتها في عدم قبول مالك ببديلة عن إيثار طوال الأيام الماضية .. بل على العكس أصــر هو على حصول إيثار على راتبها كاملاً دون أن يختصم منه جنيهاً واحداً ، فشكرته المديرة ممتنة لذوقه ورقي أخلاقه ..

وبخطوات ثابتة تحركت إيثار نحو الحديقة الواسعة في ميعاد نوبة عملها المعتاد ..

كان وجهها ذابلاً حد الشحوب ، و عيناها دامعتان لا تتوقفان عن البكاء إلا حينما تجف عبراتها ، فتنتحب بلا دموع ..

كما نحف جسدها نوعاً ما بسبب قلة تناولها للطعام ، هي لم تكن تـأكل سوى لقيمات معدودة تجعلها تصمد فقط ، لكنها لم تكن كافية لتمدها بالقوة التي تحتاجها ...

رأتها راوية وهي تلمع زجاج البهو ، فتهللت أساريرها ، وهتفت بحماس وهي تتجه لباب الفيلا لتفتحه :

-إيثار !

ابتسمت لها إبتسامة باهتة وهي تهز رأسها بإيماءة خفيفة ..

احتضنتها راوية بقوة وقبلتها من وجنتيها ، ثم أخفضت رأسها لتعزيها بحرج :

-البقاء لله يا إيثار ، أنا أسفة والله ، معرفتش اجيلك ، بس زعلت أوي لما عرفت

ردت عليها إيثار بفتور :

-الدوام لله وحده ، ولا يهمك ، أنا مقدرة !

هتفت راوية بتحمس وهي تحسبها من كف يدها :

-تعالي ده ريفان هتفرح أوي لما تشوفك

تساءلت إيثار بهدوء :

-هي صاحية ؟

ردت عليها راوية بتردد وهي تعقد ما بين حاجبيها :

-مش عارفة ، بس تعالي نشوفها سوا !

تعجبت هي من ردها الغامض ، ومع ذلك تحركت بإنصيــاع معها ..

سمعت وهي تصعد على الدرج صوت ضحكاتها البريئة وهي ترن بين الجدران ، فابتسمت عفوياً ..

تلك الصغيرة دوماً تؤثر فيها إيجاباً ..

تحركت نحو غرفتها بهدوء ، ولكن تباطئت خطواتها نسبياً وهي تسمع صوت مالك الضاحك ينبعث من الداخل ..

اعتصر قلبها آلماً ، ودار في خلدها ذكرى ضحكه مع زوجته ، وتساءلت مع نفسها بحزن ، هل كل يحبها ، هل كانا يضحكان معاً كما هو الحال الآن مع ثمرة حبهما ؟ هل شعر يوماً بها وبمعاناتها أم أنها كانت مجرد صفحة طواها من حياته السابقة ؟ ولم يبقى منها إلا ذكريات موجعة ؟

نعم ذكريات جمعتها مع محسن ، وما ذاقته على يديه من تعذيب نفسي قبل الجسدي ، من خسارة لروحها ، وإرهاق لفؤادها .. من خصام لأحب الأشخاص إلى قلبها ..

تنهدت بيأس وهي ترمقه بنظراتها الملتاعة ..

هي تحن كثيراً إليه ، تشتاق لتلك الفترة في حياتها .. والتي أصبحت بالنسبة لها منذ زمن بعيد ..

لم تشعر بنفسها وهي تقف على عتبة الغرفة في حالة شــاردة و محدقة بهما بنظرات واجمة مليئة بالحزن والإنكســــار ..

استشعر مالك وجودها بقلبه قبل أن تراها عيناه ، فالتفت برأسه للخلف ليجدها واقفة أمامه ..

ابتسم عفوياً لرؤيتها ، ولكن أزعجه حالتها تلك ..

اقترب منها بحذر وهو يهدهد صغيرته التي صاحت بتحمس وسعادة بكلمات مبهمة حينما رأتها ..

استطرد مالك حديثه متساءلاً بإيجاز ليجذب انتباهها بعد أن لاحظ حالتها الشاردة :

-ازيك ؟ آآ.. عاملة ايه الوقتي ؟

أفاقت من شرودها على صوته الذي انتشلها من ذكرياتها البعيدة ..

نظرت له بغرابة .. حدقت فيه دون أن تطرف عينيها ..

أرادت أن يرى فيهما حزنها الدفين ، آلمها الذي يحاصرها منذ سنوات .. وجعها الذي ظل ملازماً لها لليالٍ طوال ..

إنتابت مالك حالة من الإستغراب حينما رأها تطالعه بتلك النظرات الغير معتادة منها ..

شعر وكأنها تود إخباره بشيء ما يعجز لسانها عن البوح به ..

طــال صمتهما .. وطالت نظراتهما الصامتة ، وحتى ضحكات الصغيرة وكلماتها العابثة لم تحول دون حديثهما الغير مقروء ..

همس مالك بصعوبة وهو يحاول السيطرة على ثورة مشاعره المتأججة في صدره :

-انتي كويسة ؟

أغمضت عيناها دون أن تجيبه ، هي ليست بخير على الإطلاق ، هي تعاني ، وبشدة ..

هي تموت كل يوم مائة مرة من ذكرياتها التي تأبى أن تفارقها ..

هتف مجدداً بنبرة متوجسة ونظراته قد تحولت للقلق على حالها :

-إيثار ، إنتي سمعاني ؟ إنتي كويسة

ابتسمت بشحوب قبل أن تستسلم لخدر صوته الذي وجدت فيه بلسم جراحها ..

لاحظ ترنح جسدها ، فأسرع بمد يده ليمسكها من ذراعها ، ففتحت عينيها على إثر لمسته ، ورمقته بنظرات معاتبة وهي تهمس بصعوبة بكلمة مقتضبة ولكنها تحمل بين طيات حروفها الكثير والكثير :

-ليه ؟

لم يفهم المغزى من كلمتها المقتضبة ، وقبل أن يسألها مستفهماً أغمضت عينيها بإرهـــاق لتسبح بعقلها في ظلام تعرفه جيداً ..

انتفض مالك مذعوراً حينما رأها تفقد الوعي أمامه ، ولف ذراعه حول خصرها محاولاً منعها من السقوط على الأرضية ، وحافظ على وجود ابنته في ذراعه الأخـــر ...

ضم الاثنين معاً إلى صدره ، وتمسك بهما جيداً ، ثم مال برأسه ناحية إيثار لينظر لها بنظرات مرتعدة ، وصـــاح بهلع وقلبه قد قفز في قدميه من فرط خوفه عليها :

-إيثــــــــــــــــار .............................. !!!


#الفصل_٢٥ج١


الفصل الخامس والعشرون الجزء الأول

(( تباً .. مَا هَذَا الشَوق الذِي لَا يَمُوت ؟

وَكَأنَه تَخَلد بِصَدرِي وَأَنفَاِسي ..

وَأَنَا أَهمِسُ إِسمُها بِخُفُوت .. ))


_ انخلع قلبه بقوة ، واهتز كيانه فجــــأة بعد أن خارت قواها واستسلمت لنوبة عميقة من النوم الغير إرادي ..

أمسك بها جيداً ، و ظل ينادي باسمها لعلها تفيق وتلبي ندائه ، ولكنها أثرت أن تغادر أرض الدنيا لبعض الوقت ..


وخزات تنغز بصدره آلماً من رؤية شحوبها والهالات السوداء التي تكونت أسفل عينيها ..

ظل مطبقاً على خصرها وهي بين أحضانه والصغيرة على يده الأخرى .. وكأنهما عائلته الصغيرة يحميهما من غدر الزمن وأخطاره ...


استمعت الخادمة راوية لصوته المفزع فصعدت راكضة لترى ما الذي يحدث بالأعلى ، وما أن رأته مماسكاً بها بشدة يخشى عليها من السقوط حتى شهقت بقوة ممزوجة بالفزع وهي تضع كفيها على وجهها ، فصاح بها أن تتحرك لتلتقط ريڨان من يديه والتي كانت على وشك البكاء على أثر صوته وهو يهدر بها ..


صـــاح بإنفعال كبير :

-أمسكي البنت انتي هتفضلي متنحة كتير !!!!


_ لم تفتح فمها بحرف واحد ، بل التقطت منه الصغيرة لتسنح له الفرصة كي يطبق على معذبته بذراعيه جيداً ..

حملت راوية الصغيرة وحاولت تهدئتها ، ولكنها كانت متخبطة في أمرها ، و مذبذبة التفكير لا تدري ما تفعله حيال هذا الموقف المفاجيء ، حتى أسعفها هو وأنقذها من حيرتها الصادمة بعبارته وهو يصيح فيها بهلع :

-روحي كلمي الدكتور خليه يجي على هنا فوراً ، سامعة ، يسيب أي حاجة في إده ويجيلي هنا حالاً !!!!


أجابته راوية وهي تهز رأسها بتوتر جلي :

- حــ.. حاضر !!


_ سارت بخطوات متعجلة وهي تطبق على الصغيرة بكفها على ظهرها حتى لا تنفلت منها ، وعقلها مشغول بأمر واحد هو تنفيذ أوامره حرفياً ..


طالع مالك إيثار بنظرات خائفة متلهفة ، لا يعرف ما الذي تحملته لتنهار هكذا .. وما الذي تقصده بكلمتها المقتضبة ونظراتها المعاتبة ..

تلك النظرات التي أصابته في مقتل ، وهزت أقوى حصونه المنيعة ..


وضع هو ذراعه أسفل ركبتيها ليحملها ، وأحكم الأخرى حول خصرها ، ورفعها بالقرب من صدره الذي يجيش بإسمها رغماً عنه ،


خرج بها من غرفة صغيرته ليتجها بها إلى غرفته ، ثم دنا من فراشه ، ووضعها عليه برفق ولين شديدين ..

لم تتركها عيناه للحظة واحدة ..

كان متلهفاً عليها بكل جوارحه ..


_ مسح بكفه على بشرتها بحذر ، والتقط بأنامله عبرة عالقة بأهدابها كادت تسقط لولا أن التقطها بهم ..

عبس وجهه وإزداد ضيقاً وهو يراها بهذه الحالة الواهنة ..

لم تعد كما كانت .. خطى الزمن على وجهها علامته حتى باتت بقايا أنثى عرفها يوماً ..

هو يعتصر آلماً بداخله ،و القسوة التي كان يظهرها لها إنهارت مع إنهيارها ..

غضبه منها لا يقارن بلهفته عليها ..

ولكن ما من سبيل آخر يلجأ إليه للتنفيس عن كم غضبه منها ..

فآجلاً أو عاجلاً سيؤول إلى زوال ..


هتف باسمها وهو يقترب من أذنيها مردداً بنبرة شجية وهو يمسد على جبهتها بخوف بيّن :

-إيثار !! فوقي عشان خاطري .. قوليلي اللي عايزة تقوليه !! إيثار !!!


_ ولكن لا حياة لمن تنادي ، ابتعد برأسه وهو يقبض على عينيه كابحاً الوميض الذي يسبق عبراته غالباً ، ..

وقعت عينيه على كفها الذي لا يحمل خاتم زواجها فعاود نظراته السائلة لها وكأنه يحدثها عن ذلك الذي اختطفها من بين أحضانه لتكون له ..


مد يده ليمسك بكفها ، وأطبق عليه راحتيه فوجده بارداً گقطعة الثلج .. فانتفض قلبه المُضخ للدماء من بين ضلوعه وظل يفركه بقوة و بعجلة وينفخ بأنفاسه الحارة مجاهداً لبث الحرارة فيه ..


ثم وضع كفه على وجنتيها يتحسسها برفق وهو يهمس بخفوت لمس روحها الضائعة بعالمها الآخر :

-إيثار !! متعذبنيش أكتر من كده أرجوكي .. أتحركي أصرخي أعملي إي حاجة ، بس حسسيني أنك هنا معايا !


_ لحظات صمت أخرى مرت عليه وكأنها أدهر وهو ينتظر منها إشارة متمنياً رؤية عيناها ، ولا إرادياً وضع سبابته على مكان الوغزة التي في وجنتيها ..

كم اشتاق لرؤية تلك الغمازتين اللاتين تنيران وجهها حينما تضحك ..


قطع عليه لحظته الفريدة معها صوت راوية المقترب من الحجرة وهي تحدث الطبيب الذي حضر للتو قائلة بهدوء :

-أتفضل يادكتور من هنا !


استقام مالك في وقفته ثم شد الغطاء عليها حتى لا تقع عيني الطبيب عليها ، مازال يغار عليها من أعين الرجال وأشباههم ..

ثم نظر بإتجاه الباب منتظراً وصوله لأرض الحجرة حتى وقعت عينيه عليه ، فدنا منه وصافحه بحرارة وهو يهتف بلهجة ملتاعة مذعورة :

-أهلا يادكتور ، آآ... هي كانت كويسة و.. و فجأة كده أغمى عليها ، من ساعتها وهي زي ماانت شايفها !


_ اقترب الطبيب ثم مد يده ليلمس جبهتها ، فوجد حرارتها أقرب لأن تكون طبيعية للغاية ..

هز رأسه مستفهماً ثم أسند حقيبته الجلدية على حافة الفراش وأخرج منها جهازاً طبياً لقياس ضغط الجسم ، وأشار للخادمة وهو يردد بجدية :

-لو سمحتي ممكن تساعديني؟!

نظر لها مالك شزراً ثم نطق بإنزعاج ولهجة مقتضبة آمرة :

-اتحركي ياراوية


تحركت راوية ممتثلة لأمره بإتجاه الطبيب ثم وقفت تنتظر أوامره حتى هتف لها بثبات :

-أرفعي كم البلوزة من فضلك عشان أقيس الضغط


تابع مالك الموقف وهو يفرك كفيه بتوتر ، حتى شعر بجفاف حلقه من هول القلق خوفاً عليها .

لم يكن يعلم أنه مازال يكّن لها كل هذا الحب والشوق بل وأكثر مما مضى..

وما كان بغضه منها وكره لها إلا حباً متمرداً على الوضع الذي هو فيه .


كان يتابع الطبيب بعينيه ، ولكن عقله كان شارداً فيها ، يفكر فيما قالته قبل أن تفقد وعيها بما حولها ...


حاول ربط الخيوط جيداً بما قالته روان عما يخص العزاء وما قالته هي من كلمة واحدة مقتضبة ، هز رأسه بقوة ليفيق على صوت الطبيب وهو يقول بجدية :

- ضغطها مظبوط ، لكن السكر واطي جداً في الجسم وطبعاً ده بيأثر على أدرينالين الجسم ، أنا أدتيها حقنة دلوقتي تظبط نسبة السكر في الدم وهي محتاجة تتغذى كويس وتشرب حاجة مسكرة !


هز مالك رأسه بتفهم وهتف بنبرة ممتنة :

-شكراً ليك ، خليكي معاها يا راوية وأنا هوصل الدكتور !


ثم أشار بيده له واصطحبه للخارج وهو يتسائل بفضول مصحوب بالخوف :

-مفيش إي علاج أو ڨيتامينات ممكن تاخدها؟

رد عليه الطبيب وهو يهز رأسه نافياً بلهجة رزينة :

-المدام مش محتاجة غير جو نفسي هادي ، ومثيرات نفسية تساعدها تخطي أزمتها .. واضح أن عندها انهيار نفسي وعصبي !


برر مالك إصابتها وهو يمسح بكفه على جبهته بقلة حيلة حيالها :

- آآ... أصل حصل حالة وفاة عندها وو... يمكن يكون ده أثر عليها


أكمل الطبيب وهو يسبقه بخطواته ليكون أمامه :

-تهيئة الجو النفسي للمريض عامل مهم جداً ، هو ده العلاج الوحيد


ثم التفت إليه ، ونطق وهو يشير له محذراً :

-دوام الحالة دي وإستمرارها كتير مش هيكون في صالحها !


رد عليه مالك وهو يهز رأسه متفهماً :

-تمام تمام ، شكراً ليك .. وفي أي وقت هتعدي على الحسابات هتلاقي ظرف بإسمك هناك !

ابتسم لهالطبيب وهو يطرق رأسه ممتناً :

-شكراً ياأستاذ مالك ، عن أذنك !


_ التفت ليغادر المكان بينما استدار مالك ونظر للأعلى بنظرات مترددة ، ما الذي سيفعله جراء ما حدث لها ...


تسمر في مكانه حائراً .. وتساءل مع نفسه بتخوف وقد تحولت قسماته للوجوم ..

ربما يكون هو سبباً من أسباب الحالة التي وصلت إليها بجانب وفاة الراحل والدها ، والذي أحدث أثراً سلبياً بازغاً فيها ..

تنهد بثقل ليطرد ذلك الهم خارج صدره ولكنه عجز ، وبخطوات متباطئة إعتلى الدرج ....


_ في هذا الآن ، كانت راوية تربت على كفها بهدوء وعطف حتى أحست بها الأخيرة وشرعت بتحريك جفنيها بتثاقل شديد ، وكأن يداً حجرية ثقيلة تغطي عليهما لمنعها من الأفاقة .

ولكن المثير هو تلك الرائحة التي أدخلت البهجة داخلها ، كأنه قريب منها يتأمل سكونها .. راحت ترى بمخيلتها ما تتمنى تحقيقه ....


.................................................. ....


_ كان يقف قبالتها ببسمته المعهودة والعذبة ، ثم مسح على وجنتها برفق وهي يسألها بنبرة معاتبة ولكنها مهتمة :

- فيكي إي يا إيثار ؟

_ قبلت بطن كفه الملامس لصدغها ، ثم أسبلت بصرها وهي تنطق بصوتاً متحشرجاً يختلجه البكاء :

-تعبانة من غيرك !


اختنق صوتها وهي تكمل بتساءل :

-ليه كل ده بيحصل ؟!


تنهدت بآسى ، وإنسابت العبرات من مقلتيها وهي تقول :

-ياريتك ما رجعت ، يمكن كنت هفضل مشتاقة أشوفك أهون عليا ما تكون جمبي وكارهني !


رد عليها مالك بصوت شجي وقد نطق وميض عينيه الذي لمع تأثراً بحديثها :

-عمري ما كرهتك ، انتي حلمي الصعب والمستحيل ، إحكيلي ياإيثار .. اشتكيلي مني !


أخرجت تنهيدة تحمل الكثير من التأوهات من صدرها المثقل بالأوجـــاع ، ثم أراحت رأسها على صدره وأغمضت عينيها تاركة العنان لعبقه يتخلل حواسها ، سحبت شهيقاً وأطلقته زفيراً متريثاً لفح صدره المرتاحة عليه ونطقت بنبرة دافئة خافتة تحمل بين طياتها مشاعر الاشتياق :

-متسبنيش ، انا ضعيفة من غيرك .. أنا بقيت شوية فتافيت يا مالك !


همس لها مالك وهو يمسح على رأسها بلمسات سحرية جعلتها تسافر منه لعالم أخر :

-انا جمبك ومش هسيبك ، انا مصدقت رجعتيلي .. فوقي ياإيثار ، عشاني وعشان ريڨان .. فوقي !

.................................................. ..............


( مدام إيثار _ فوقي بقى، الف سلامة عليكي ده انتي خدتي عين والله )

- فتحت عينيها المنتفختين بتثاقل فجأة لتنصدم بالواقع الذي تعايشه ، إنها راوية التي تحدثها ، وليس حبيبها الذي دق القلب له أولاً وأخيراً ..

كان حلماً تمنته في مخيلتها فقط ولكنه لم يحدث ..


حدقت بها وهي لا تستطيع تذكر آخر ما حدث لها ، فخرج صوتها متحشرجاً ضعيفاً وهي تقول بتساءل :

-في ايه !! ايه اللي حصل؟


أجابتها راوية وهي تبتسم لها بعذوبة شديدة :

- أبداً مفيش ، أغمى عليكي بس الدكتور طمنا !


_ حاولت الاعتدال في نومتها ، ولكنها شعرت بإهتزاز الأرض من حولها وزوغان حدقتيها ..


فأطبقت جفنيها للحظات لتستعيد توازنها ، ثم فتحتهما ببطء ، وجابت بنظرات سريعة المكان من حولها ، فأيقنت أنها متواجدة بحجرته ..

خفق قلبها بقوة ، وتسارعت نبضاته وهي تتحسس فراشه بصورة متوارية ثم غطت وجهها بكفيها وهي تقول بحزن آليم :

-عايزة أمشي ، مكنش المفروض أجي وانا تعبانة كده !


دخل مالك إلى غرفته بخطوات بطيئة ثم دس كفيه بجيب بنطاله وهو يهتف بلهجة آمرة :

-أنزلي أعملي عصير لمدام إيثار يا راوية ، وشوفي ريڨان لسه نايمة ولا صحيت !


سلط أنظاره على إيثار التي أطرقت رأسها حرجاً منه ، بينما نهضت راوية عن جلستها ثم أبعدت بصرها وهي تعبر من جواره بصمت ..


بقي الاثنين بمفردهما ، فزاد التوتر في الأجواء .. وقررت التصرف فوراً .. لا مجال للبقاء هنا .. هي أخطأت في القدوم ، وتسببت في إرباكه .. وربما يظن بها أنها افتعلت هذا ليرق قلبه إليها ..

ابتلعت ريقها بتخوف من ظنونه ، و استجمعت توازنها لكي تنهض عن الفراش لتترك الفراش .. فكفى بها ما حدث لها اليوم ، ولكنها تفاجئت به يدنو منها وهو يهتف بنبرة هادئة :

-انا مستعجلتش في حضورك، كان ممكن تستني لما تبقي أحسن وبعدها تيجي !


زاد إرتباكها وخوفها منه ، وردت عليه بصعوبة وهي تتحاشى النظر صوب مالكها :

- معلش ! انا اللي كنت مصممة أنزل عشان أشغل وقتي !


لمست الأرضية بقدميها وكادت تقف ولكنه أشار لها لتتوقف عن المحاولة مبرراً لها بأن مازال عليها تجرع مشروباً سكرياً ..

ولكن الحقيقة هو يرغب في بقائها لأطول وقت ممكن ..

وبلا تردد نطق بصوت آمر ولهجة اعتاد عليها مؤخراً :

-خليكي ، راوية هتعملك عصير وبعدين هخلي السواق يوصلك .. مينفعش تمشي وأنتي بالحالة دي !


- بب ب..... باب.. ا

_ كانت الصغيرة ريڨان قد أستيقظت للتو وحضرت لحجرة أبيها وهي تحبو على الأرضية ، ثم استقامت واقفة لتتعالى ضحكاتها ..

كان صوتها گذقذقة العصافير في أذنيها ، فابتسمت بشكل لا إرادي وهي تنظر نحوها ، بينما دنا هو منها وحملها عن الأرضية وهو يغزو وجهها بقبلاته مردداً :

-حبيبة بابي !!!


_ أشارت ريڨان نحو إيثار فأستشف أنها ترغب بها ، فرفع أنظاره نحوها ، فوجدها محدقة بهما ، فإبتسم بعذوبة ، واقترب منها فوجد الصغيرة تميل بجسدها عليها وهي تفتح ذراعيها داعية إياها بأمر غير منطوق لتحملها ..

التقطتها إيثار بحب وهي تردف بنبرة مشتاقة لها :

-وحشتيني


وضعت الصغيرة يديها حول عنقها ثم أراحت رأسها على كتفها ، شعرت وكأنها قطعة منها تشفي كل ما بها من آلام ..

لم يكن الوضع مثيراً للذهول بالنسبة لمالك ، فهو يعلم مدى تعلق طفلته بها بفترة وجيزة للغاية وقد أحب هو ذلك لصغيرته التي وجدت حضناً يحتويها معوضاً النقص الذي عانت منه لشهور .


_ تراجع بخطواته للخلف ثم ترك الحجرة لهما ينفردا بها وهبط يسأل راوية هل انتهت من إعداد المشروب أم لا ..

كانت راوية في طريقها إليها تعتلي الدرج بعد أن انتهت للتو من تجهيزه ، وفي تنهد براحة عندما وقعت عينيه عليها ثم هتف قائلاً :

-خليكي معاها لحد ما تشربه !


ردت عليه راوية وهي تثني على فعلته بإعجاب : ربنا هيجازيك خير يامالك بيه ان شاء الله !


_ حرك رأسه بإيماءة خفيفة وهو يرسم بسمة مزيفة على محياه ثم تركها وأكمل طريقه لغرفة المكتب خاصته ...........................................

تابعووووووني 



تكملة الفصل الخامس والعشرين والسادس والعشرين من هنا



بداية الروايه من هنا



رواية منعطف خطر كامله من هنا



رواية زواج لدقائق معدودة كامله من هنا



رواية خيانة الوعد كامله من هنا



رواية نار الحب كامله من هنا



رواية الطفله والوحش كامله من هنا


رواية منعطف خطر كامله من هنا


رواية فلانتيمو كامله من هنا



رواية جحيم الغيره كامله من هنا



رواية مابين الضلوع كامله من هنا


رواية سيطرة ناعمه كامله من هنا


رواية يتيمه في قبضة صعيدي كامله من هنا



الروايات الكامله والحصريه بدون لينكات من هنا


إللي خلص القراءه يدخل هيلاقي كل الروايات اللي بيدور عليها من هنا 👇 ❤️ 👇 


❤️🌺🌹❤️🌺❤️🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹🛺🛺🛺🛺🛺


الصفحه الرئيسيه للروايات الجديده من هنا


جميع الروايات الحصريه والكامله من هنا


انضموا معنا علي قناتنا بها جميع الروايات على تليجرام من هنا


❤️🌺🌹❤️🌺❤️🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹🛺🛺🛺🛺🛺





تعليقات

التنقل السريع
    close