رواية لعنة الصعيد الفصل الاول حتى الفصل الثامن بقلم نور الشامي حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات
![]() |
رواية لعنة الصعيد الفصل الاول حتى الفصل الثامن بقلم نور الشامي حصريه وجديده على مدونة النجم المتوهج للروايات والمعلومات
في قلب الصعيد تلمع الأنوار وتتعالى الزغاريد ويمتلئ الشارع بأهازيج الفرح وأصوات الطبول. كانت ليلة لا تُنسى، حيث التفَّ أهل القرية كبارا وصغارا حول العروسين وهما يرقصان وسط دائرة من الأحبة، الضحكات تملأ المكان، والفرح يلون الوجوه....... العروس بثوبها الأبيض تلف حول عريسها، وهو يضحك بشغف ويفرد ذراعيه لها كأنها الدنيا وما فيها. وبينما كانت السماء تتوهج بألوان الألعاب النارية، انطلقت فجأة طلقة رصاص واحدة، شقت الفضاء واخترقت ضوضاء الفرح وتجمد الزمن. وسقط العريس أرضا، والدم يسيل من صدره والناس حوله يصرخون في هلع والصدمة كانت في وجه العروس وعينيها علقتا بمن أطلق الرصاصة... رجل يقف على مسافة ليست ببعيدة، ينظر إليها بثبات لكن قبل أن يتحرك أحد دوت أصوات السيارات المسرعة وظهرت أربع عربات سوداء فارهة.. توقفت دفعة واحدة وخرج منها رجال بملابس سوداء ونظرات جامدة وكأنهم من عالم آخر وأخذوا السلاح من يد القاتل اقتادوه بسرعة إلى إحدى العربات دون أن ينطق بكلمة وانطلقت السيارات كما جاءت... تاركة خلفها الدم، والرعب، وأسئلة لا تنتهي حتي ردد أحد الحاضرين بصوت مرتجف'
مش دا... مش دا كمال ابنهم الصغير .. ابن الحديدي؟"
بدأ الناس يتجمهرون، والهمسات تتحول إلى فزع، والعيون تترقب النهاية المفتوحة لذلك الفرح الذي بدأ بالبخور وانتهى بالرصاص ووصلت سيارة الإسعاف وهرع المسعفون ثم حملوا العريس وسط نحيب العروس وصراخ النساء، لتنطلق السيارة إلى حيث لا أحد يعرف إن كانت ستعود بخبر الحياة... أم الموت وبعد فتره في احدي القصور الفخمه التي تحيط به الأشجار العالية وتزينه الفخامة والرهبة، كأنه قطعة من الزمن الراسخ اما في الداخل عم التوتر كالسم في الأرجاء، وكانت سعاد الحديدي واقفة وسط البهو تصرخ وقد احمر وجهها من الغضب والصدمة. واقتربت من ابنها وهي ترتجف وهتفت بحدة:
جتلته ؟! يا لهوووي... يا لهووي يا كمال جتلت العريس؟! جتلت الواد؟ ليه؟!
رفع كمال عينيه نحوها يتنفس بصعوبة، وصوته يخرج محشرجا:
علشان بحبها... وعايزها .. وهي رفضتني، مجدرتش اتحمل أشوفها في حضن حد تاني..وقررت انتجم منها.. مش كمال الحديدي ال واحده ترفضه و
ودون تفكير صفعت سعاد وجهه صفعة قوية وارتد رأسه من شدتها ثم صاحت بصوتٍ مذبوح:
يخربيتك يا كمال دا لو الواد مات... انت هتروح ف داهية! لازم تهرب لازم تهرب فورا
وما كادت تنهي جملتها حتى علا صوت صراخ بالخارج تبعته طلقات نارية تردد صداها في أرجاء القصر.... وتجمع الجميع قرب البوابة الرئيسية، وفتح الحرس الأبواب بحذر، فاندفع صوت الغضب كالعاصفة.... كانوا أبناء عائلة العريس يحملون عصيا وأسلحة و يصرخون ويطالبون بالقصاص واعينهم مشتعلة بنار الانتقام حتي ردد احداهم:
هاتوا كمال... دم ابننت مش هيروح هدر..... احنا هنا ندفنوا بإيدينا يا نااااس!
تأهب الحرس لمنعهم من التقدم وكادت الأوضاع أن تنفجر، لولا توقف سيارة سوداء فارهة أمام البوابة. ونزل منها شاب طويل عريض المنكبين عيناه حادتان، يلبس بنطال اسود وقميص بنفي اللون وساعة فاخرة تلف معصمه وفي يده سلاح بارد وثقيل وإلى جواره وقف رجل ثلاثيني يحمل ملامح صارمة كان أمين، زوج أخته ورفع الشاب سلاحه إلى السماء، وأطلق رصاصتين حتي عم السكون بعدهما وتقدم حتى وقف أمام الجميع وبصوت ثابت أرعبهم:
ال هيفكر يلمس شعرة من أخويا... نهايته هتكون اهنيه جدامي.
أنا واجف جصادكم... وال شايف نفسه راجل... يجرب يوجف جصاد شهاب الحديدي.... اسمعوني كويس أحسن ليكم تمشوا من اهنيه .. قبل ما الندم يفوتكم
تبادل الرجال النظرات ثم بدأوا يتراجعون خطوة بعد أخرى، حتى انسحبوا تماما وتنهد شهاب ثم استدار ناحية كمال واقترب منه بسرعة أمسكه من ياقة جلبابه وسحبه بعنف إلى داخل القصر وما إن أغلق الباب خلفه حتى وجه إليه لكمة قوية طرحت كمال أرضا وصرخت سعاد وهي تهرع إليه:
حرام عليك يا شهاب... دا أخوك هتموته... حرام عليك سيبه بالله عليك يا ابني هو غلطان وهيتحاسب والله.. بس بلاش اكده
دخلت خالتهما لتدفع بينهما محاولة منعه، لكنه دفعها جانبا وصاح بغضب مكتوم:
طول عمرك فاشل ز مستهتر كل ما نجول هنرفع راسنا... تهدها يا كمال..... لو الواد دا مات... والله ما هجف في ضهرك.... هسيبك تتعدم او هما يجتلوك و
لم ينهي شهاب كلماته حتي دخل الحارس الذي ردد بلهفه:
يا شهاب بيه.... محدش شهد علي كمال بيه... بس العروسه اكيد هتشهد ضدده.. هي لسه في المستشفي ولسه منعرفش اي ال حوصل واذا العريس مات او عاش بس ال نعرفه ان للشرطي علي وصول المستشفي علشان تاخد شهادتها
نظر شهاب بغضب ثم التفت إلى أمين وأشار برأسه مرددا :
يلا يا أمين... نمشي نعرف العريس دا حوصله إي في المستشفى.
وغادر المكان بخطوات مشتعلة، بينما ظلت سعاد راكعة إلى جوار كمال تمسح دمه وتبكي ما بين غضب... وخوف وفي المستشفي كان الدم لا يزال يلطخ فستانها الأبيض والطرحة سقطت منذ زمن والحذاء لم يعد في قدميها ووقفت عالية في ركن الممر وجسدها يرتعش وعيناها متعلقتان بباب غرفة العمليات كأنها تنتظر خروج المعجزة. وحولها اصطف رجال العائلة، ونساء القرية، والكل يهمس، يبكي، يدعو، ينهار...
لكنها وحدها كانت ساكنة في ظاهرها، منهارة من الداخل.... كانت تمسح الدموع بيد مرتجفة، تنظر للدماء على فستانها حني فتح باب غرفه العمليات وخرج الطبيب بوجه شاحب، وعينين مطأطأتين، وقال بهدوء قاتل:
البقاء لله .. العريس مات للاسف مجدرناش ننقذه
وفي لحظة واحدة...انفجر الصراخ من كل اتجاه.ووقعت عالية على الأرض كأن الأرض انشقت تحت قدميها، وصوتها دوى أعلى من الجميع مرددا:
عادل....... عادل.. ليه اكده.. ليه سيبتني لوحدي... لع لع بالله علسك متسبنيش.. عاظل ارجعلي ابوس يدك
ثم راحت تبكي وتضرب الأرض بيديها حتى اقتربت منها أمها تحاول رفعها وهي تبكي:
استهدس بالله يا بنتي.... دا المكتوب... مش بإيدنا حاجة يا عالية
لكنها رفعت رأسها وفي عينيها نار ونهضت ببطء وجسدها يرتعش ثم صرخت وسط الجميع وهتفت :
والله ما أنا سايباه.... ابن الحديدي.. أنا ال هجتتله بإيديا زي ما خد مني عادل... هاخد روحه
واندفع الحاضرون نحوها لكن قبل أن يمنعها أحد سحبت عالية سلاحا من وسط أحد رجال العائلة الغافلين ورفعته في الهواء وهي تصرخ:
حقه مش هيروح وانا ال هجتله وال هيوجف ف طريجي... هشيله هضربه بالرصاص
رفعت فستانها بيد والسلاح في اليد الأخرى واندفعت خارجة من المستشفى وسط صراخ الجميع:
امسكوها... البنت اتجننت... الحقوها بالله عليكم
خرجت عاليه كالعاصفة.... شعرها مبعثر ودموعها علي خديها والفستان الأبيض يتحول لراية حرب دامية... لا لفرح.... اما عند باب المستشفى الخارجي وقف شهاب الحديدي مستندا على سيارته وبجانبه أحد حراسه الذي لمحها وهي خارجة والسلاح في يدها فقال الحارس وهو يومئ برأسه:
هي دي العروسة يا باشا... عالية.. وجالي اخبار من جوه المستشفي ان العريس للاسف مات
لم يرد شهاب ظل يراقبها وهي تقترب و خطواتها ملخبطة و قلبها مولع والدموع تغرق عيونها وللحظة... تراجع الزمن في عينه.... لم يري أمامه عروسا... بل نارا تمشي على قدمين.
وفجأة وبدون كلمة أخرج سلاحه ببطء ثم رفعه في هدوء قاتل...وصوبه تجاهها وفي لحظه واحده اطلق رصاصه اصابت هدفها بالتحديد وتوقفت عالية وسقط السلاح من يدها.
ثم...انهارت على الأرض غارقه في دماءها فـ ابتسم شهاب وردد:
بالسلامه يا عروسه و
الفصل الثاني
لعنه الصعيد
كان السكون يلف المكان والظلال تغمر الجدران العالية بلون الحداد.... الغرفة فسيحة وكل شيء فيها مطلي بالسواد، الستائر، الأثاث، حتى غطاء السرير الذي تمددت عليه عالية..... كان الضوء خافت يتسلل من مصباح صغير معلق في السقف، لا يكفي ليبدد ظلمة الغرفة، لكنه كافٍ ليُظهر ملامحها الشاحبة وقطرات العرق التي تلمع على جبينها.... فتحت عاليه عينيها ببطء كأنها تعود من موت مؤقت. أول ما شعرت به كان ألما حارقا في كتفها و نظرت إلى ذراعها فوجدت أنبوب المحلول مغروزا في وريدها، وساعدها ملفوف برباط أبيض تغمره بقع الدم. حاولت أن تتحرك فشهقت من الألم، إلا أنها رغم ذلك دفعت جسدها إلى الجلوس وهي تئن ونظرت حولها بخوف همست:
انا.... أنا فين.. اي ال جابني اهنيه وبيت مين دا
سحبت عاليه الإبرة من يدها بعنف ونهضت وهي تتأوه من الألم. كانت حافية، ترتدي فستانا أبيض متسخا بالدماء والغبار وتقدمت نحو الباب وبدأت تضرب عليه وهي تصرخ:
افتحولي... حد اهنيه.. عايزة أخرج... افتحوا الباب
لكن الباب انفتح بسهولة دون مقاومة كأنه لم يكن موصدا أصلا فـ نظرت بدهشة ثم خرجت ببطء تمشي في ممر طويل جدرانه مكسوة بالرخام الأسود واللوحات العتيقة و المكان فخم لكنه بارد... كئيب، كأنها تسير في مقبرة من ذهب..... كانت تسير بتوتر تتلفت يمينا ويسارا، حتى فتحت بابا عشوائيًا... وفجأة توقفت أنفاسها في الداخل... كانت هناك غرفة أخرى... أوسع مفروشة بسجادة حمراء يتوسطها سرير ضخم، عليه جسد رجل مستلقي دون حراك... كان عاري الصدر، ملامحه قوية، شعره الأسود مسرح بعناية وذراعه ترتخي على الوسادة.. فـ شهقت عالية وهمست:
مين دا... انا فين.. اي ال بيوحصل معايا بالظبط
اقتربت عاليه ببطء وبحذر حتى أصبحت على بعد خطوات منه. وقبل أن تلمس طرف السرير انفتحت عيناه فجأة وجمدت في مكانها ثم صرخ:
انت... إنت مين
ومع شهقتها سحبها فجأة من ذراعها فسقطت فوقه وصرخت بقوة:
انت عايز مني اي عاد.. سيبني. سيبني في حالي عايز اي وانت مين... سيبني ابوس يدك
أمسك شهاب بها بقوة ثم نظر إلى كتفها المصاب وعندما رأى الدم والجرح تركها فورا وأبعدها عنه وهو يقول بهدوء مفاجئ:
استني... إيدك عاملة إي دلوجتي... لسه بتوجعك
ارتجفت عالية وهي تتراجع للخلف ثم صرخت:
إنت مين؟! أنا فين
نهض شهاب من السرير بهدوء والتقط قميصه وارتداه ثم قال بصوته الواثق:
أنا شهاب الحديدي... وإنتي دلوجتي ضيفة عندي لحد ما نشوف طضية أخوي هتوصل لإي
صدمتها كلماته و ارتجف جسدها كله وفتحت فمها ببطء وهمست:
كمال...؟ كمال يبجى أخوك... يبجي انت.. انت ال ضربتنر بالرصاص صوح.. ليه طيب وازاي خدتني من اهلي واهل جوزي .. ازاي جدرت تعمل اكده... انا لازم اروح.. لازم اروح احضر دفن جوزي.. انا همشي من اهنيه دلوجتي غصب عنك وهتشوف
نظرت عاليه حولها في توتر و عيناها وقعتا على سكين موضوعة فوق منضدة خشبية... لم تفكر واندفعت نحوها وخطفتها ثم هتفت:
هجتلك.... والله ما هسيبك هخلص عليك زي ما اخوك عمل مع عادل
لكن شهاب كان أسرع و أمسك بمعصمها قبل أن تهوي عليه و ضغط بشدة حتى تأوهت من الألم، وانزلقت السكين من يدها وسقطت على الأرض، بينما أصابه جرح صغير من حافة النصل، وسال الدم فـ ترك شهاب يدها بهدوء وقال:
أنا مش ناوي أذيكي... آسف إني ضربتك بالرصاص... بس مكنش ينفع أسيب أخوي يتحبس أو يتعدم. كان لازم أوجفك... حتى لو بالطريجة دي
صرخت عالية بغضب وعيناها تكادان تشتعلان مردده :
انا مش هسكت... والله ما هسكت... هجتلكم كلكم... أولكم أخوك! وهخرج من اهنيه مهما حوصل... وشوفوا بجا مين فينا ال هينتجم للتاني
تأملها شهاب بصمت لحظة ثم ضاق حاجباه بضيق شديد وامسك ذراعها المصابة بحذر رغم غضبه وجرها خلفه نحو غرفة مجاورة وفتح الباب ودفعها للداخل ثم أغلق الباب خلفها وأدار المفتاح فـ سمعت صوته من الخارج وهو يهتف :
خليكي اهنيه .. فَترة... وبلاش تفكري تعملي اي حاجه غبيه... لأن المرة الجاية، مش هضربك في كتفك بالرصاص.. الرصاصه هتبجي في جلبك
ثم ساد الصمت.أما عالية فوقفت في منتصف الغرفة تنظر حولها كأنها سجنت في تابوت من الحرير... مزيج من الحقد والألم كان يغلي داخلها همست لنفسها:
مش هجعد اهنيه ... مش هنسى... والله ما هنسى يا شهاب الحديدي وهجتلك اخوك ال انت فرحان بيه وبنحميه دا وهتشوف
ثم جلست على الأرض تحتضن نفسها والدموع تنحدر على وجنتيها... لا من ضعف بل من نار لا تنطفئ.
وبعد فتره كان المساء قد أرخى سدوله على القرية والبيوت غارقة في سكون مشوبٍ بالترقب لكن ساحة بيت حسنية جده عاليه لم تكن تعرف الهدوء. فبعد أيام من الحداد والبحث حضر أهل عادل متشحين بالغضب والمرارة ووقفوا في صمتٍ مشحون أمام باب البيت القديم فـ خرجت حسنية ببطء يعلو ملامحها الكبرياء لكن عينيها تحملان وجعا دفينا و تقدم الحج سالم والد عادل وبجواره ابنه الأوسط علاء وعدد من الرجال. حتي قال سالم بنبرة خشنة:
كنا ساكتين احتراما للميت بس دلوجتي جينا نطلب حقنا... حفيدتك يا حسنية هي السبب في موت ابننا. جوازه منها كان يوم نهايته
رفعت الجدة رأسها بثبات ورددت :
عيب الكلام دا يا حج سالم... متتتجنىش على البنت.... البنت ملهاش ذنب
قهقه علاء بسخرية مرددا:
شوفي... هي هربت ومحضرتش لا دفنه ولا عزاه تبجى مش خايفة؟ مش مدانة؟ لع هي خايفه وخاينه وهي السبب في موت اخوي اللخ يرحمه
ردت حسنية وقد ارتجف صوتها من الانفعال:
حفيدتي كانت بين الحياة والموت.... حد ضربها بالرصاص جدام المستشفى وكاميرات الطوارئ مسجلة دا كله... وفي شهود شافوا ناس شالوها وغطوا وشوشهم ومشيوا بيها
هتف علاء بازدراء:
كاميرات؟ تسحيلات؟ احنا دورنا... ومحصلناش حاجه. الكاميرات اختفت! يعني واضح إنكوا بتضحكوا علينا.. باينه جوي اهي
ثم تنحنح سالم وقال ببطء:
بصي يا حجه حسنية... احنا مبنحبش نطول في الكلام.... لو عايزة الموضوع يخلص بالستر، احنا مستعدين نسامح، بس بشرط واضح... تتجوز حفيدتك أخو المرحوم. جواز يلم الوجع ويطفي النار ال في جلوبنا يا اكده يا هنجتلها ونخلص منها ومن عارها هاا جولتي اي
عم الصمت لوهلة و نظرت الجدة إليهم بذهول كأنهم نزعوا عن قلبها آخر ذرة رحمة. رفعت يدها للسماء ثم هتفت بقهر:
حسبي الله ونعم الوكيل... البنت كانت بتحبه واتحرق جلبها عليه... وانتو بدل ما تجيبوا حقها عايزين تطفو الدم بالذل؟ حفيدتي بريئة.. وأنا هرجعها، وهتشوفوا يوم ما ترجع مين فينا ال على حق... وال ظلم التاني
ثم أدارت ظهرها والدمع يكاد يفلت من عينيها لكن خطواتها كانت ثابتة وبعد فتره في الليل . كان شهاب يقف كالعاصفة يواجه أمه سعاد وزوجة عمه، وأخته ناريمان وزوجها أمين والغضب يتفجّر في صوته مرددا :
إنتو اتجننتوا؟! إزاي تفكروا إني أجتل البنت؟! كفاية ال عملناه فيها... كفاية الرصاصة ال ضربتها بيها وكفاية ال الاستاذ عمله ليلة الفرح.... البنت دي في حمايتي دلوجتي وأنا وعدت نفسي ان محدش هيمسها ولا حتى بكلمة
صرخت سعاد بعينين تشتعلان نارا:
حمايتك؟! البنت دي بسببها أخوك هيتعدم يا شهاب.... جتلها حلال! ولو انت مش هتعملها... أنا ال هعملها هجتلها بإيدي
رفع امين حاجبيها من الصدمة وهتف:
يعني خلاص؟ بجينا جتالين جتلة... إي دا بجينا بنقرر مين يعيش ومين يموت
تدخلت ناريمان بصوت خافت:
محدش جال نجتلها... بس لازم نشوف حل... وجودها خطر على كمال وعلى البيت كله
لكن امين هتف بها حادا:
اسكتي انتي.... كفاية سكوتك من البداية... أخوكي أصلا لازم يتحاسب وال عمله ميتغفرش.... احنا بنغطي عليه بس.... لكن الحقيقة واضحه والكل عارف الماس بس خايفه مننا فمش بيتكلموا
اقترب شهاب خطوة للأمام وضرب بقدمه الأرض وهو يقول بقوة:
انا جولت كلمتي... محدش هيلمس عالية ومش عايز أسمع الكلمة دي تاني. انتهينا
ساد الصمت للحظات... لكنهم لم ينتبهوا أن هناك ظلا خلف الباب الموارب...كان كمال يقف في الظل يتسمر في مكانه وعيناه تلمعان ببريق غريب...همس لنفسه وهو يبتسم ابتسامة باهتة:
يعني عالية... اهنيه في البيت... ولسه ليا فيها نصيب
ثم تراجع ببطء دون أن يشعر به أحد... وبعد دقائق بسيطه كانت عالية تجلس على حافة السرير... ملامحها منهكة.... عيناها متورمتان من كثرة البكاء وكتفها لا يزال يؤلمها....و الطعام البارد موضوع أمامها على الطاولة الصغيرة، لكنها لم تلمسه. كانت تهمس بصوت مرتجف وهي ترفع يديها للسماء:
يارب... يارب خرجني من اهنيه... خليني أهرب... مش جادرة أعيش في الرعب دا و
لم تكمل دعاءها إذ انفتح الباب فجأة ببطء ووقع خطوات ثقيلة تسللت إلى الغرفة فـ رفعت رأسها ببطء وما إن التقت عيناها بعينيه حتى شهقت وارتجف جسدها كله. فـ تجمدت في مكانها وكأن الزمن عاد بها للحظة إطلاق النار... لحظة موت عادل... لحظة النهاية..... ونهضت من مكانها كأن طاقة مجهولة اجتاحت جسدها واقتربت منه بخطوات متوترة ثم صفعت وجهه بقوة جعلت رأسه ينحرف للجانب وصرخت بحدة:
والله ما هسيبك... يا جاتل.... يا جبان! أنا لازم أجتلك بإيديا زي ما جتلت جوزي
ضحك كمال بخفة وهو يمسك وجنته ثم اقترب منها فجأة وأمسك ذراعيها بقوة جعلتها تتأوه مرددا:
اعملي فيا ال انتي عايزاه... اضربيني... اجرحيني.... اجتليني حتى... بس خلينا مع بعض انتي واحشتيني... واحشتيني موت يا عالية ومستعد أستحمل منك كل حاجة
دفعته عالية بقوة وهي تصرخ:
ابعد عني.... إنت زبالة....وخاين .. خنت الرجولة نفسها أنا مش هرتاح إلا لما أخد حقي منك... وهجتلك... والله هجتلك
ابتسم كمال بنظرة خبيثة وهو يقترب وعيناه تلمعان بشهوة مريضة:
سيبيك من الموت دلوجتي... الجتل ممكن يستنى... إنما الحلاوة دي... مينفعش تتساب كدا. أنتي مش شايفة نفسك؟ إيه الجمال دا؟ إي الجمر ال جدامي دا
مد كمال يده ليلمس وجهها، لكنها تراجعت برعب، جسدها التصق بالحائط، وأنفاسها صارت ثقيلة، بينما ملامحها تُظهر الصدمة والاشمئزاز.... وكانت عالية تقف في منتصف الغرفة.. ظهرها ملتصق بالحائط وصدرها يعلو ويهبط من شدة الخوف والألم في كتفها لم يكن شيئا يذكر أمام الرعب في عينيها. نظرت له بحدة وصرخت بصوت مرتجف:
لو لمستني تاني والله لـ هجتلك...انا اصلا مش فارقة معايا اي حاجه
اقترب كمال منها بخطوات ثابتة وعيناه تقدحان بجنون وهمس بسخرية:
مش هتجدري... زي ما مجدرتيش تعملي حاجة لما جتلت جوزك يوم الفرح...اخوي معايا وهيحميني وطول ما هو جمبي محدش يجدر يلمس شعره واحده مني
صمت كمال لحظة ثم قال بصوتٍ أبطأ اقرب للهمس:
إنتي ليا... وهتفضلي ليا... مستحيل حد ياخدك مني مهما كان مين وهتشوفي داوجتي هعمل فيكي اي عاد علشان تعرفي انك في النهايه برده هتبجي ليا
مد كمال يده نحوها وجسدها تجمد وعيناها تلتمعان بالخوف والحقد... حتى لمحت السكين الصغيرة الموضوعة على المنضدة خلفها وبحركة خاطفة سحبتها وقبل أن تلامس يده كتفها غرست السكين في جانبه بكل ما تبقى فيها من قوة وصرخ بصوتٍ مبحوح وسقط أرضا يئن ويتلوى، بينما هي تتراجع للوراء وهي ترتجف وفي اللحظة التالية، فتح باب الغرفة بعنف ودخل شهاب ووقف على العتبة عيناه تنتقلان بين الدم، والجسد المطعون وعالية تقف والسكين في يدها ترتجف... والدماء تسيل من حواف النصل واندفع شهاب نحو جسد كمال.... وهو يهتف بجنون:
كمال.... كماال
مد يده المرتجفة نحو الجرح النازف في جنب أخيه وهو يضغط عليه بيده العارية ثم التفت خلفه وصرخ بكل ما تبقى فيه من صوت:
اطلبوا الحكيم... بسرعة
هرولت الخادمة من خارج الغرفة وهي تصرخ وتبكي:
حكيم....حد يتصل بالحكيم بسرعه يا ناس...البيه بيموت
أما عالية فكانت تقف بجسدها المرتجف في الزاوية وعيناها لا ترمش والدماء في يدها ما زالت تقطر... ما كانت تصدق إنها فعلت هذا ومع ذلك... ما ندمت.فـ التقت عيناها بعيني شهاب لوهلة... لحظة صامتة مشحونة ثم فجأة... استدارت وهربت و ركضت خارج الغرفة إلى الممر فإلى الدرج... واختفت فـ صرخ شهاب من مكانه:
عالية.... ارجعي اهنيه
لكنه لم يلحق بها إذ إن أنين كمال كان يعلو ونزيفه يشتد. وبعد دقائق كان أهل البيت قد تجمعوا جميعا في الخارج ينتظرون ما سيقوله الطبيب الذي وصل ركضا ومعه مساعدوه.... الكل كان واقفا... الأم سعاد وناريمان وأمين حتى شهاب نفسه كان ينهار جالسا على طرف السرير ويده مغطاة بدم شقيقه..... الطبيب كان يحاول إنقاذه و يضغط ويحقن ويهتف بكلمات لا تفهم وسط التوتر والخوف ثم فجأة...رفع الطبيب رأسه وتنهد ببطء ثم مد يده وسحب الغطاء الأبيض وغطى وجه كمال بهدوء والتفت إلى الجميع وصوته خرج كالصاعقة:
البقاء لله
الفصل الثالث
لعنه الصعيد
كانت عالية تجلس على الأرض تلتف حول نفسها كطفلة فقدت حضن أمها... قطرات الدم الجافة على يديها والسكين ملقاة بجوارها لكن كل ما شعرت به لم يكن انتصارا ولا ندما… بل خوفا مريرا....... كانت تبكي بهدوء و عيناها متورمتان، وكتفها لا يزال ينبض بالألم… فهمست لنفسها بصوت مرتعش:
أنا مش مجرمة... والله ما كنت ناوية أأذيه... أنا كنت بدافع عن نفسي... هو كان هيجتلني... أنا مش مجرمه.. أنا مش زيهم
تردد صدى بكائها في الغرفة الواسعة ولم تنتبه للباب وهو يفتح ببطء ولا لخطوات الفتاة التي اقتربت منها حتى وقفت أمامها. فـ رفعت عالية رأسها في ذهول حين سمعت صوتها وهي تهتف :
جومي... بسرعة... مينفعش تجعدي اهنيه أكتر من اكده
نظرت لها عالية بذهول وهي تمسح دموعها بكف مرتجف و تمتمت:
انتي... إنتي مين عاد
انحنت الفتاة نحوها وفكت القيد الذي ربط به معصمها، ثم رفعت عينيها وقالت بثبات:
أنا اسمِي يمنى... كنت خطيبة كمال
تجمدت عالية مكانها وازدادت نظراتها ذهولا و تمتمت:
خطيبته...؟! وانتي بتساعديني ليه؟ دا أنا... أنا جتلته
أجابت يمنى بهدوء يخفي مرارة قاسية:
علشان كان يستاهل... ال عمله فيكي ميعملوش راجل... وأنا مش هجف في صف واحد زي دا حتى لو كان خطيبي
شهقت عالية ونظرت لها بحذر، وكأنها لا تصدق ما تسمعه فـ سألتها بصوت منكسر:
طيب... إنتي هتوديني فين عاد
أجابت يمنى وهي تمسك يدها:
يلا امشي... قبل ما شهاب يعرف إنك لسه اهنيه... هو ناوي يخلص عليكي... أنا سمعته... مش هيسكت بعد ال حوصل
قالت عالية بخوف:
بس... هروح فين عاد
نظرت يمنى لعينيها وقالت بإصرار:
هتروحي لعيلة جوزك... أهل عادل. لو في حد هيحميكي، يبجى هما... يلا بينا قبل ما الوجت يفوت
خرجتا معا بخفة عبر الممرات ويمنى تنظر خلفها كل لحظة حتى وصلا إلى الباب الخلفي حيث كانت سيارتها الصغيرة تنتظر. وركبت عالية بجوارها ما زالت عاجزة عن استيعاب ما يحدث.... لم يتبادلا الكلام طوال الطريق... فقط صوت المحرك يرافق ارتجاف أنفاس عالية وبعد فترة من السير توقفت يمنى أمام منزل والد عادل ونظرت إليها يمنى وقالت بصوت هادئ:
انزلي... وخلي بالك من نفسك... لو حد سألك جولي إنك كنتي بتدافعي عن نفسك… ومتنسيش.... شهاب مش هيرحمك لو وقعتي تاني في إيده
نظرت لها عالية بعينين دامعتين وهمست:
شكراً… إنتي أنقذتيني... رغم كل حاجة.
ابتسمت يمنى ابتسامة باهتة وقالت:
— "أنا مبحبش أشوف ست مكسورة... حتى لو خطيبي مات بسببها... هو ال جاب دا كله لنفسه... يلا ربنا معاكِ.
ترجلت عالية من السيارة وقبل أن تغلق الباب نظرت ليمنى مرة أخيرة وهمست:
هفتكر الجميل دا طول عمري
ثم أغلقت الباب وتحركت السيارة مبتعدة، بينما عالية وقفت أمام الباب، تتنفس ببطء… خطوات جديدة نحو مصير لا تعلمه وفي المساء.. كان الليل قد أرخى سدوله على بيت شهاب لكن الظلمة التي كانت تخيم في القلوب كانت أعمق من ظلمة السماء.... الهواء مشحون بالتوتر والصمت يسبق العاصفة وفي وسط الصالة الكبيرة كانت يمنى واقفة بجسد مشدود ونظرات متحدية بينما سعاد والدة شهاب تكاد تنفجر من الغضب وفجأة، رفعت سعاد يدها وصفعت يمنى بقوة على وجهها وصرخت وهي ترتجف من شدة الغضب:
إنتي خاينة.... جبتي العار لينا... دي ال جتلت ابني وبتساعديها؟!"
وضعت يمنى يدها على خدها، والشعلة في عينيها لم تنطفئ، ثم صرخت بأعلى صوتها:
خاينة...... أنا؟! دا ابنك هو الخاين... الزبالة ال معندوش لا أصل ولا احترام.... ال عمله في البنت دا ميعملوش حيوان ويستاهل ال حوصله
شهقت سعاد ورفعت يدها من جديد لتصفعها لكن هذه المرة...
أمسك شهاب بذراع والدته في اللحظة الأخيرة وصوته خرج حادا:
كفاية يا حجه... كفايه اكده
ثم نظر إلى يمنى بنظرات باردة ونبرة صوته كانت مشبعة بالغضب ولكنه تمالك اعصابه مرددا :
بالنسبة لينا... علاقتك انتهت من يوم ما مات أخوي... وال أنقذتيها دي... أنا هوريها عذاب عمرها ما شافته.. مش هتجدر تهرب مني اصلا
اقترب شهاب خطوة منها وهو يضيف بجمود:
أنا لسه سايبلك احترامك علشان كنتي خطيبة اخوي....بس دلوجتي امشي... بهدوء
نظرت إليه يمنى والدموع تتلألأ في عينيها اكن صوتها كان ثابتا، مشحونا بالحق:
عالية مظلومة... وأي بنت مكانها كانت هتعمل أكتر من اكده... متخليش الانتجام يعمي عيونك يا شهاب... لأنك اكده بتكمل جريمة أخوك
ثم استدارت وغادرت باب البيت وظلت سعاد واقفة لحظة، ثم اقتربت من ابنها وانهارت تبكي وهي تمسك بذراعه:
اوعى تسيبها يا شهاب... لازم تنتجم منها... لازم تدفع التمن... زي ما جتلت أخوك، لازم تروح وراه
كان شهاب ساكنا، عيناه تلمعان بالغضب المكبوت، إلى أن قاطعه أمين زوج ناريمان اخته وقد وقف على بعد خطوات:
فكر كويس يا شهاب... وبلاش تتسرع. فيه حاجات مينفعش تتصلح بعدين.
نظر إليه شهاب دون أن يرد، ثم أدار وجهه ومشى بعيدا و خطواته الثقيلة تصدح في صمت البيت... وكل عين فيه معلقه على طريق الانتقام الذي بدأ لكن لا أحد يعلم إلى أين سينتهي وفي الصباح كان صباح ساكنا بطريقة غريبة... لا صوت يسمع في البيت الكبير سوى صوت أنفاسها المتقطعة حيث جلست عالية على طرف السرير، تنظر إلى الفستان الأبيض الجديد الموضوع بعناية فوق الأغطية، تلمسه بأطراف أصابعها كأنه شيء غريب لا يخصها...لم يكن يشبه فستانها الأول، لا في القماش ولا في الحلم...... كانت نظراتها خاوية، وقلبها يضج بالأسئلة والوجع، حين انفتح باب الغرفة بهدوء، ودخلت أمها، تتأمل وجهها المتعب ثم قالت بصوت مبحوح:
انتي مقتنعة بالجوازة دي يا بنتي..... خلي بالك يا عالية... دا مش عادل، دا أخوه.... الشخصيتين مختلفين نهائي.... عادل الله يرحمه كان حنين وطيب، وكان بيخاف عليكي.... أما دا... أنا مش مطمناله.. وحاسة إنك مخبية حاجة.
نظرت لها عالية بصمت ودموعها تتجمع في عينيها، لكنها كانت غارقة في أفكارها وهي تردد في نفسها:
ليه محدش اتكلم؟... كمال مات... واندفن... وعيله كبيره زي دي محدش حس..... فين الصحافة؟ فين الناس؟ ليه كل حاجة اتدفنت معاه... إي ال بيوحصل حواليا؟ وليه الكل ساكت اكده
أفاقت من شرودها ومسحت دموعها بسرعة وهمست بصوت مرتجف:
دا الصوح يا حجه ... وربنا يعلم أنا قد إي موجوعة و
قبل أن ترد الأم، انفتح الباب فجأة ودخلت فتاة طويلة القامة، ملامحها مشتعلة بالغضب... كانت نورا زوجة طارق الأولى اخو عادل ووقفت على الباب ونظراتها مشتعلة، وقالت بحدة:
الصوح..... الصوح إنك تتجوزي جوزي..... أنا كنت بحبك... بعتبرك أختي.... بس انتي طلعتِ معندكيش لا أصل ولا رحمة..... جيتِي على خراب بيتي وفرحتي... ربنا ياخدلك فرحتك زي ما خطفتي مني حياتي...... ربنا يوريني فيكي يوم... يوم تخسري فيه كل ال بتحاولي تتمسكي بيه.
واستدارت وخرجت.... وصفقة الباب دوت في قلب عالية أما عالية، فانهارت على طرف السرير وفي المساء كانت تقف عاليه ترتجف في فستانها الأبيض والدموع تغسل وجهها وتخنق صوتها وهي تجلس بجانب شقيق عادل المتشح بالسواد والعيون كلها عليها والقلوب تنتظر الكلمة حتي نظر اليها المأذون بهدوء وسأل:
جولي يا بنتي... موافجه على الجواز دا
ارتعشت شفتاها لكنها لم تجب... فقط شهقاتها كانت تتحدث نيابة عنها وصوت بكائها كان أقوى من كل الأصوات...وفجأة... الباب انفتح بقوة، ووقف عنده شهاب وصوته هز القاعة:
وجفوا كل حاجة... عاليه دي تبجي مرتي... مرتي على سنة الله ورسوله
عم الصمت في القاعة كأن الزمن توقف والعيون اتسعت والوجوه تصلبت من الذهول، لم يكن أحد يتوقع تلك الصاعقة التي نزلت على رؤوسهم حين أعلن شهاب:
جولت وجفوا كل حاجة... عالية دي تبجى مرتي... مرتي على سنة الله ورسوله.
لم يتحرك أحد وكأن القاعة تحوّلت إلى تماثيل صخرية... حتى شهقة عالية خرقت السكون، فقامت واقفة، وثوبها الأبيض يهتز مع رجفة جسدها، تصرخ بانكسار وغضب:
انت بتجول اي عاد... انت اتجننت... جواز إي.. أنا معرفكش أصلا
وفيما كانت كلماتها تتناثر كالسكاكين... تحرك طارق بخطوات غاضبة ووجهه متورم من الصدمة وصاح بعصبية:
إنت جاي تتهبل علينا ولا اي عاد... إنت مين علشان تجول دي مرتك.... دا كتب كتابنا دلوجتي... شوفتي... شوفتر يا ست عاليه المصايب ال بتجيلنا من تحت راسك... جسما بالله لـ هربيكي من اول وجديد
القي طارق كلماته واقترب من عالية ورفع يده كأنه سيصفعها لكن يد شهاب سبقته وضربه لكمه قوية أوقفت كل الأنفاس. ارتد طارق إلى الوراء مترنحا، والوجوم لا يزال يخيم على الحاضرين.
ثم أخرج شهاب ورقة مطوية من جيبه كانت قسيمة زواج رسمية ورفعها أمام الجميع قائلاً بصوت جهوري:
اتجوزتها... من أسبوع... ودا الدليل. حد عنده كلام؟
تأوهت أصوات خافتة في الصفوف الخلفية، وهمسات تتبادل بين النساء، إلى أن صاح طارق وهو ينظر إلى أمها بعينين متسعتين:
شوفتي بنتك ال كنتي بتدافعي عنها.... أنا جولتلك من الأول دي مش كويسة، دي قليلة الأصل والربابه
لكن شهاب اقترب منه، ونظر إليه بنظرة صلبة كالفولاذ وقال بصوت منخفض لكنه حاد:
كلمة كمان وهخليك تدفع التمن غالي... عالية دي مرتي... وأي حد هيقرب منها هجتله
ثم التفت إلى عالية، ومد يده نحوها قائلاً:
يلا... كفاية قرف... المكان ده كله سم اهنيه
نظرت إليه عالية وعيناها تدمعان، جسدها يرتعش من الموقف، لكن دون أن تنطق، أمسك بيدها وسحبها خارج القاعة وسط ذهول الجميع، والهمسات تتبعها كالسكاكين في الظهر...وأُغلق الباب خلفهما بصوت مكتوم وبعد فتره في منزل شهاب كان يسحبها إلى غرفته بخطوات سريعة وقبضة تزداد شدة كلما حاولت أن تفلت يدها المرتجفة منه حتى فتح الباب ودفعه بعنف وأدخلها ثم أغلق الباب خلفه بصوت كاد يهز الجدران. وارتدت إلى الوراء بخوف وجسدها التصق بالجدار وعيناها تتوسلان، قبل أن تصرخ بصوت مبحوح:
عايز مني إي... حرام عليك ما تسيبوني في حالي بجاا.. انتوا شياطين والله اكيد مش بشر زينا
وقف شهاب أمامها يتنفس بثقل وعيناه لا تحملان إلا الغضب والحقد ثم اقترب منها خطوة بخطوة وقال بصوت هادئ... لكن يحمل في طياته عاصفة:
فاكرة إنك هتهربي مني؟ بعد ما موتي أخوي؟ والله لـ تدفعي التمن غالي... وهتشوفي
خلع شهاب جاكيته ببطء، ثم تبعه بالقميص، ونظراته لا تفارق وجهها، وهي ترتجف وتهمس:
إنت... إنت ناوي تعمل إي
ابتسم بسخرية مرة وقال:
مش أنا لسه جايل للكل إنك مرتي.... أهو هنعمل زي أي اتنين متجوزين
صرخت عاليه وهي تهز رأسها بعنف:
بس أنا مش مرتك! وده كله كدب وإنت عارف اكده كويس
ردد شهاب وهو يقترب منها ببطء شديد وصوته كالسم:
أثبتي بجا... وريني إنك مش مرتي... لو عرفتي
وفي اللحظة التالية دفعها بقوة نحو السرير وجسدها ارتطم بالفراش وهي تصرخ وعيناها تملؤهما الفزع والدموع، ويداه تقتربان منها ببطء، يمد يده لثوبها… والشرر يتطاير في عينيه، بينما هي تتوسل وتقاوم و
الفصل الرابع
لعنه الصعيد
كانت المياه تنهمر على جسده.... لكن لم تكن تبرده... بل تزيد من احتراقه.... كان واقفا تحت الدش.... يداه مسنودتان على الحائط وصدره يعلو ويهبط مع كل نفس والغضب يأكل روحه كالنار في الهشيم....يهمس بكلمات ممزقة:
اي ال أنا عملته دا؟ إزاي... إزاي أوصل نفسي للغل دا كله... ازاي اعنل فيها اكده
ضرب شهاب الحائط بكفه وصوته ارتد في الحمام الضيق:
انا حيوان... وغبي... ومهما كانت عملت... مكنش ينفع أعمل اكده... كنت جتلتها بإيديا وخلاص.. كان هيبجي احسن بطتير من ال عملته
ثم صمت لثواني وصرخ بصوت مشبع بالمرارة:
بس هي كمان... هي جتلت كمال... جتلت أخوي وتستاهل... تستاهل العذاب دا كله
أغلق شهاب المياه بعنف وخرج يلف المنشفة حول خصره وقطرات الماء تتساقط من شعره. توجه لغرفته، وهو يشد على عضلات فكه من العصبية لكن فجأة وقف في مكانه كأنه اصطدم بجدار.... كانت هي نائمة على الفراش... جسدها مائل للانكشاف متغطية بالكاد... شعرها مبعثر ووجهها شاحب جدا فـاقترب منها وردظ بعصبية:
يلا... جومي. جومي خلصينا انتي فاكره نفسك فين عاد... جومي
مد شهاب يده يهزها بلطف، لكنها ما تعطي ساكنا فـزفر بضيق وقال بسخرية:
اي بتمثلي؟ فاكرة إنك هتعرفي تلاعبيني اكده.... جومي بجى يا بنت الناس
اقترب شهاب منها مجددا ومد يده وهز جسدها النحيل بنفاد صبر ولكن لم تستجب فـ هزها مرة أخرى لكن شيئا ما في ملمس جسدها أثار الرعب في صدره... كانت باردة بشكل غريب فـ نظر إلى وجهها وتجمد الدم في عروقه....كان وجهها أزرق شاحب كأن الحياة انسحبت منه تماما فـ شهق وهو يتراجع خطوة إلى الخلف وعيناه تجولان في الغرفة حتى استقرتا على زجاجة فارغة بجوار الوسادة واندفع بسرعه يبحث عن هاتفه بأصابع مرتجفة واتصل بأقرب طبيب يعرفه من العائلة وصوته كان ممزوجا بالخوف والارتباك:
تعالى حالاً... بسرعة البنت مغمي عليها... شكلها أخدت حاجة... يمكن تكون اتسممت! بسرعة
لم تمضِ دقائق حتى امتلأت الغرفة بصمت مشحون بالتوتر. كان الطبيب قد وصل يجلس إلى جوار الفراش يفحص النبض والتنفس، بينما يقف شهاب إلى جانبه، كتمثال بلا روح. عيناه مسمرتان على جسدها الراقد، وملامحه غارقة في مزيج من الذنب والذهول.... وأنهى الطبيب فحصه ثم نهض وقال بصوت جاد يحاول فيه أن يخفي قلقه:
واضح إنها أخدت جرعة كبيرة من مهدئ أو مسكن... المفروض كانت تتنقل المستشفى فورا، بس الحمد لله حالتها مستقرة نوعا ما دلوجتي. لازم ترتاح وترجع تاخد أدوية تحت إشراف، عشان المرة الجاية ممكن تموت بجد
لم يرد شهاب فقط أومأ برأسه في صمت وظلت عيناه معقودتين على ملامحها الزرقاء، الشاحبة، وكأنها تطالبه بإجابة عن ذنب لا يستطيع أن يغفره لنفسه وغادر الطبيب الغرفة بعد أن دوّن بعض التعليمات. وفور خروجه، علت خطوات ثقيلة، تبعتها نظرة حادة ووقفت والدته عند باب الغرفة، نظراتها تقطر سمّا وغضبا مكبوتا وهتفت :
كنت سيبتها تموت ونخلص... دي نجست البيت... جتلت أخوك وخربت كل حاجة
استدار شهاب إليها ببطء، وصوته خرج مبحوحا بالغضب:
اسكتي... كفاية سكوتك السنين اللي فاتت. إنتي السبب... آه والله، إنتي السبب في كل ال حوصل.... انتي ال دلعتي كمال وسكتي على قرفه... خليتيه يتمادى، لحد ما بجا زباله .. وبعدين جايه تلومي البنت دي.... انا لو مكانها كنت عملت نفس ال عملته
تدخلت زوجة عمه محاولة تهدئة الموقف وصوتها منخفض ومذعور:
شهاب... اهدا يا ابني، دي أمك...مينفعش اكده و
لكنه قطع كلامها برفع يده وصوته انفجر من صدره كبركان:
أنا سايبكم... البيت دا بجى سجن... مليان سم. أنا بجيت شبهكم وعلي فكره انا هتجوزها علشان اصلح الغلط ال عملته
القي شهاب كلماته وخرج من الغرفه تاركا البيت باكمله وبعد عدت ساعات في مكان ناءٍ تحيط به الأشجار الكثيفة، كان الصمت سيد الموقف. لا صوت سوى نباح بعيد لكلب مجهول وهدير خافت لمحرك سيارة سوداء اللون توقفت أمام بوابة حديدية صدئة...... ترجلت سيدة من المقعد الخلفي، تغطي شعرها بطرحة داكنة وتضع نظارة سوداء تخفي ملامحها. كانت أم شهاب.التي نظرت حولها بحذر ثم طرقت الباب ثلاث طرقات متتالية بنمطٍ متفق عليه وفجاه فتح رجل غريب الباب بصمت فأومأت له برأسها ودخلت دون أن تنطق بكلمة و عبرت ممرا ضيقا.... صاعدا بسلم خشن حتى توقفت أمام باب خشبي عريض.... فتحه الرجل الذي يرافقها ودخلت الغرفة بخطوات متوترة..... كان الضوء خافتا ورائحة المعقمات تملأ المكان. وعلى السرير في منتصف الغرفة، كان هناك جسد ممدد... موصول بأسلاك وأجهزة مراقبة قلب وتنفس... ذلك الوجه الذي يعرفه قلبها أكثر من أي وجه آخر.... كان كمال... حيا. فاقتربت منه بسرعة وانهارت بجواره وهي تضمه إلى صدرها كمن احتضن روحه من جديد مردده:
واحشتني يا ضنايا... واحشتني جوي يا كمال
فتح كمال عينيه بتعب واضح ونظر إليها بنظرة مشوشة، وقال بصوت منخفض متقطع:
حد... حد عرف إني عايش؟
هزت رأسها سريعا وقالت بصوتٍ هامس:
لع.... محدش يعرف غير مرت عمك... وأنا... وإحنا هنخلص أوراجك بسرعة ونسفرك قبل ما شهاب يشك ولا يكتشف أي حاجة
تنهد كمال في مرارة، وقال بعينين تحترقان غضبا:
أنا... أنا لازم آخد حقي... عالية لازم تدفع التمن... زي ما خليتني أعيش اكده زي الكلاب
أمسكت يده وربتت عليها وهي تحاول تهدئته:
انساها بجا.... كفاية ال حوصل. شهاب هيعرف يتصرف معاها .. المهم دلوجتي إنك تفضل مستخبي، ولازم محدش يعرف إنك لسه عايش
أدار وجهه عنها، ثم همس بجفاف:
انا عايز فلوس... فلوس كتير.. محتاجهم ضروري
أخرجت أم شهاب ظرفا ثقيلا من حقيبتها ووضعته في يده وهي تقول بسرعة:
خد دول بس أوعى تخرج من اهنيه ... ولا تتكلم مع حد ولا حتى تفتح الشباك. أنا همشي دلوجتي، علشان ميبانش إني اختفيت كتير... وابجى طمني برسالة بس
انحنت عليه وقبلته على جبينه، ثم خرجت من الغرفة بنفس الحذر الذي دخلت به، وأغلقت الباب خلفها بهدوء وبمجرد أن غابت خطواتها عن الممر... نظر كمال إلى المرافق الجالس في زاوية الغرفة، ومدد إليه الظرف قائلاً بنبرة خبيثة:
خد... زي ما اتفجنا... خلصلي الموضوع دا بسرعة، مش طايج أستنى أكتر من اكده
أومأ الرجل برأسه دون أن يعلّق، ثم نهض واتجه إلى حقيبته بهدوء مريب... وفي الجو بدأ يتكاثف شيء ثقيل، كأن رائحة الخيانة بدأت تملأ المكان وفي المساء كان الليل ثقيلا يشبه ذلك الوجع المخبأ في الصدور... الغرفة مظلمة إلا من نور خافت يتسلل من المصباح الجانبي، يرمي بظلال مرتجفة على الجدران. حيث دخلت عالية الغرفة ودموعها تسيل بصمت، ووجهها منهك، وعيناها متورمتان من البكاء.... كانت خطواتها مترددة، كأنها تسير نحو ساحة معركة لا خلاص منها خلفها دخل شهاب، ملامحه جامدة، صوته خرج كالسيف وهو يقطع الصمت:
أنا كتبت الكتاب... مش علشان جمال عيونك، ولا علشان بحبك...
أنا كتبت الكتاب علشان أنا راجل محترم... مش زيك
توقفت عالية في منتصف الغرفة، ثم التفتت إليه بعينين تشتعلان، وصوتها خرج كصرخة موجعة:
محترم..... إنت متعرفش حاجه عن الاحترام يا ابن الحديدي.... إنت أبشع من أخوك... إنت أسوأ منه..... انت اسوء واحقر انسان انا شوفته في حياتي كلها..... أنا أصلاً قرفانة من نفسي إني بجيت مرتك...عااار... والله عار إني اتربطت فيك... واحد زيك... ميستاهلش حتى نظرة
لم يرد شهاب... فقط أخرج من جيب سترته رزمة من النقود وعلبة قطيفة صغيرة، ووضعهما على الطاولة أمامها بصوت بارد:
انا همشي لحد ما تهدي...الفلوس دي مهرك... والعلبة دي شبكتك.
نظرت عالية إلى المال والعلبة نظرة اشمئزاز، ثم خطت نحوهما فجأة وقذفتهما على الأرض بقوة وصوتها يرتجف بالغضب:
انا مش عايزة حاجه منكم.... لا دهب ولا فلوس ولا حتى اسمكم النجس.... أنا عايزة أمشي...عايزة أهرب من الكابوس دا بس والله... ما أنا سايباك أنا همشيوبس هفضل لعنة في حياتك...
هخليك تدفع تمن كل حاجه عملتها غالي جوي و
وفي تلك اللحظة... اقترب منها شهاب فجأة بسرعة أربكتها، مد يده وأمسكها من ذراعيها، ولفها بقوة حتى التصقت بصدره.. أنفاسه حارة، وعيناه تشتعلان بغضب دفين وصوته خرج خافتا لكنه حاد كالنصل:
أنا ساكت... وصابر...علشان أنا عارف إني غلطت في حقك...بس أوعي تنسي...انك إنتي ال جتلتي أخوي..... وكلمه كمان وهجتلك! فاهمه
صرخت عالية من صدمتها وخوفها:
ابعد عني... إبعد.. اوعي تلمسني تاني بدل جسما بالله العظيم هجتلك وهجتل نفسي
أفلتها شهاب ببطء، تراجع خطوة، أخذ مفاتيح سيارته من فوق الكومود، واستدار لينصرف، لكن فجأة...وهو في منتصف الطريق إلى الباب، وضع يده على رأسه و ملامحه تغيرت فجأة... كأن الدنيا دارت به وارتعشت أطرافه، ثم سقط على ركبتيه، قبل أن يهوي تماما على الأرض...فصرخت عالية وهي تهرع إليه:
انت... انت مالك اي ال حوصلك
ركعت بجانبه و أمسكت وجهه... وإذا بقطرات دم تنزل من زاوية فمه، وبصره غائم، ووجهه شاحب كشبح.
شهقت عالية، وأصابها الذعر وفجاه و
الفصل الخامس
لعنة الصعيد
كان ممددا على الفراش..... ملامحه شاحبة كأنما تسللت منها الحياة وقطرات من الدم تتسرب ببطء من طرف فمه، تاركة أثرا مرعبا على الوسادة البيضاء حيث. جلست عالية إلى جواره، والدموع تتساقط من عينيها في صمت موجع، تحاول أن توقف النزيف بقطعة قماش صغيرة، لكن النزيف لم يتوقف فـ مدت يدها إلى وجهه المرتجف وهمست برجاء:
شهاب... بالله عليك رد عليا... حرام عليك اكده، إحنا لازم نروح المستشفى... ولا أكلم حد من أهلك، يمكن يساعدونا...
لكنه لم يجب. عينيه نصف مفتوحتين، ونفسه يخرج ثقيلاً، مبللًا بألمٍ عميق فـ همست وهي تهزه برفق:
انت اي ال حوصلك جووم...يلا جووم بالله عليك
وفجأة، دوى صوت طرقات سريعة على الباب فانتفضت عالية في مكانها والتفتت نحو الباب بخوف. ثم انفتح، ودخل أمين، زوج أخت شهاب وهو يحمل حقيبة سوداء ووجهه مشدود ونظراته حذرة فقال بصرامة وهو يقترب:
وسعي خليه يتنفس، أنا أهه... جيت خلاص وهتصرف
اقترب من شهاب بسرعة ووضع الحقيبة أرضا وأخرج منها أدوات طبية ثم جلس إلى جواره وبدأ يثبت له المحلول ويجهز إبرة فـ سألته عالية بلهفة وخوف:
مين جابك.... إنت عرفت منين؟ هو هيموت؟! جولي في اي
لم يرد عليها في البداية، فقط انهمك في عمله، حتى أنهى تركيب المحلول وتأكد من انتظام النبض الضعيف، ثم التفت إليها وقال بسرعة:
اجفلي الباب وراكي... حالا.... علشان لو حد شاف شهاب وهو اكده... كله هيجول إنك إنتي ال عملتي فيه اكده... وهيحملوكي كل ال بيوحصله وشهاب مش عايز دا يوحصل فاهمة
تراجعت عالية ببطء ونظرت إليه ثم إلى شهاب، قبل أن تغلق الباب بحذر، وهي تشعر كأنها تغلق أبواب العالم خلفها.وعادت إلى جوار السرير وجلست على الأرض، دموعها تنهمر وهي تنظر إليه، ثم هتفت بانفعال:
هو انت بتعمل اي عاد وليه محسسني انه محترم جوي وبيخاف عليا حسبي الله ونعم وكيل فيه.. هو السبب في كل حاجه وحشه حوصلتلي.... بس مش وجته... مش وجته الكلام... لازم حكيم... لازم نلحقه بدل ما يموت
رفع أمين رأسه نحوها فجأة، وصوته خرج حادا:
انا دكتور،... وشهاب نفسه دكتور... فاهم حالته كويس... وأنا عارف أنا بعمل إي زين
ثم أردف بنبرة أكثر هدوءا وهو يضغط المحلول ويعدل جلسته مرددا :
هو دايما اكده... اوجات بيجيله الحاله دي.. بس هيبجي كويس ان شاء الله
نظرت عالية إلى شهاب، ثم اقتربت ببطء ونظرت اليه بقلق وفي صباح اليوم التالي كان الصمت يخيم على المنزل إلا من صوت طرقات عنيفة تصدر من غرفة مغلقة في الطابق العلوي و
في الداخل كانت يمنى خطيبة كمال السابقة تجلس على الأرض في حالة هيستيرية، ترتجف من الخوف وتضرب الباب بكفيها:
افتحولي... حرام عليكم انا عايزة أخرج! إنتو حابسيني ليه؟!! أنا عملت إي
كان صوتها يعلو بالبكاء، وهي تتحرك بهستيريه كأن الغرفة تضيق عليها وفجأة فتح الباب بعنف ووقف طارق أمامها، يتكئ على الباب بيده ووجهه يحمل سخرية باردة مرددا :
اهدي يا حلوة إحنا مش مجرمين ولا بلطجية عشان نعمل حاجه في بنت مع إن خطيبك الواطي دا كان يستاهل الجتل، واهو... مات وريحنا كلنا
شهقت يمنى، وجهها احمر من الغضب، وقفزت من مكانها تصرخ:
عايزين مني اي.. سيبوني في حالي بجا حرام عليكم
ضحك طارق ضحكة خافتة وهو يقترب:
هعوز منك اي عاد... انا عايزن عالية... أول ما ترجع، هتمشي إنتي فورا
صرخت وهي تشير له بإصبع مرتجف:
ـ"وشهاب؟! فاكر إنك هترجعها اكده وخلاص؟! شهاب مش هيسيبك! شهاب هييجي ويمسح بيك الأرض! وإنت متعرفش... ممكن يعمل فيك إي
اقترب طارق أكثر، وصوته انخفض في تحدٍ:
لو عنده حاجه ييجي يعملها... أنا مش خايف و
وفجأة، انفتح الباب بعنف للمرة الثانية، ودخل اوالد طارق، والغضب يتطاير من عينيه ثم صفعة على وجهه قبل أن يتكلم:
ـبتعمل إي.... دي آخرتها؟! بتخطف بنات الناس وتحبسهم في بيوتنا
أمسك طارق خده من الصدمة، وقال بغضب:
يا ابوي كان لازم اعمل اكده علشان ارجع عاليه
صرخ الأب في وجهه:
واخرتها؟! نوجف تاني قصاد ابن الحديدي؟! وهو انت فاكر نفسك قده؟! دا لو عرف إنك حابس خطيبه اخوه هيدوسك برجله!
ثم التفت نحو يمنى، ومد يده نحو الباب:
روحي يا بنتي... امشي دلوجتي حالًا... وانسي إنك جيتي اهنيه وربنا يعوضك على ال شوفته.
ركضت يمنى بسرعة، ودموعها تسيل على خديها، وخرجت من الغرفة كأنها تهرب من جحيم، لا تلتفت خلفها وظل طارق واقفا يلهث من الغضب، ثم صرخ في وجه أبيه:
أنا مش هسيب حقي... والله ما هسيبه، وهتشوف بعينك!
ثم دفع الباب وخرج من الغرفة بعنف، يشتعل داخله نار الانتقام، وعيناه تلمعان بجنون مكتوم...وبعد فتره من الوقت كانت عالية مستلقية على الكنبة في غرفة المعيشة، جسدها منهك من السهر والخوف، ودموع جفت على وجنتيها. حين فتحت عينيها فجأة و تسللت الصدمة إلى ملامحها وهي تدور بعينيها في الغرفة الخالية، ثم شهقت بصوت مبحوح:
هو فين؟! دا كان تعبان جوي... يارب ما يكون حوصله حاجه
قفزت من مكانها بسرعة وتبدل لون وجهها بين الشحوب والارتباك ثم اتجهت إلى غرفته فلم تجده، فوضعت يدها على جبينها في حيره وغيرت ثيابها، ثم نزلت إلى الطابق السفلي خطواتها تتسارع مع خفقات قلبها. وما إن وطأت قدماها الي الاسفل حيث رأتهم جميعا يجلسون حول سفرة طويلة، تفوح منها رائحة الإفطار الساخن... وفي صدر المائدة كان يجلس شهاب، يضع الطعام في فمه بهدوء، وكأن شيئًا لم يكن فرفع شهاب رأسه إليها، عيناه ثابتتان عليها، وصوته خرج بنبرة آمرة:
تعالي اجعدي... علشان تفطري
لكن قبل أن تتحرك، انطلقت كلمات حادة كالسهم من الطرف الآخر، بصوت أمه الذي يغلي غضبا:
هتجعد ال جتلت أخوك معانا على سفرة واحدة... دي نجّست البيت."
التفتت عالية إليها، عيناها تلمعان غضبًا، ثم ردت بصوت يرتجف من القهر:
ـمين جالك أصلًا إني عايزة أجعد معاكم؟! دا إنتو شوية مجرمين... والقاعدة وسطكم عار
القت عاليه كلماتها والتفتت لتغادر بخطوات سريعة، لكن يدا قوية أمسكت بذراعها فجأة. استدارت لتجد شهاب يشدها نحوه، ملامحه متجهمة، عيناه شرارتان تلمعان بالعنف، صوته خرج غاضبًا:
اجعدي... اجعدي مكانك. ومش عايز أسمع ولا كلمة زيادة! الكل يفطر... من غير ولا نفس... بجا!"
ساد الصمت القاعة، لكن النظرات كانت تشتعل. نظرة الأم كالنار، وزوجة العم تهمس بغيظ، بينما شهاب يفرض سلطته كجبل صلد. وفي اللحظة التي خيم فيها التوتر، شق صوت آخر الجو فجأة... صوت ناريمان، أخت شهاب، وهي تلقي قنبلة مدوية مردفه :
انا... عايزة أطلج
ارتفعت الرؤوس في ذهول، وتجمدت الملاعق في الأيدي و اتسعت عينا أم شهاب، وانطلق صوت أمين، زوج ناريمان، مذعورًا:
اي؟! ليه يا ناريمان
أجابته ببرود ناري، وعيناها لا تهتز:
من غير ليه... عايزه اطلج وبس
قفز شهاب من مكانه وقبضته ترتجف غضبا وصوته خرج كالرعد:
يعني إي من غير ليه؟! اتكلمي يا ناريمان!"
صرخت ناريمان فجأة، صوتها يرتجف من الغضب:
هو مش هامه أخوك ال مات؟! ولسه بيجول عليه غلطان؟! أنا مقبلش الكلام دا... ولا أقبل إني أجعد على سفرة واحدة مع ال جتلت أخوي وهطلج.. وكمان مش جاعدة في البيت ده! هشوفلي مكان تاني أعيش فيه!"
نهضت نريمان من مكانها بسرعة، لكن يد شهاب أمسكت بها، قبضته فولاذية، وصوته انخفض حادا كالنصل:
هو إنتي فاكرة نفسك في لعبة؟! وبعدين... ما أخوكي غلطان
صرخت ناريمان في وجهه، والدموع تتطاير من عينيها:
ـوعالية دي مش غلطانة؟! دي لازم تموت! لازم تدفع التمن!"
تقدمت عالية فجأة، وجهها مشتعلاً بالغضب، وصوتها يخرج كالسوط:
ـوالله ما حد لازم يموت غيركم... علشان إنتو أسوأ ناس قابلتهم في حياتي! وأنا بكرهكم... وبكره الساعة ال دخلت فيها البيت ده! وعايزة أمشي... أمشي من اهنيه النهارده قبل بكرة
دوت كلماتها كالرصاص، ثم استدارت بخطوات عاصفة، صعدت السلم إلى غرفتها وأغلقت الباب خلفها بعنف وظل شهاب واقفا، عيناه تتقدان نارا، ثم التفت ببطء نحو ناريمان، وصوته خرج ببرود يقطر تهديدًا:
اتكلمي مع جوزك... لو وافج... ساعتها نجعد ونشوف هنعمل إي
ثم أدار ظهره وغادر القاعة بخطوات ثقيلة، تاركا خلفه عاصفة من التوتر وبعد دقائق كان شهاب يقف امام غرفته ومد يده وفتح الباب، فإذا به يراها...عالية، تجلس على الأرض، شعرها مبعثر، ودموعها تغطي وجهها، عيناها متورمتان من البكاء، وهي تصرخ دون وعي:
حرام... كفاية بجا...انا عايزه امشي... عايزه اخرج من اهنيه... مشوني
وما إن وقع بصرها عليه، حتى اندفعت نحوه، تمسكه من ياقة قميصه بكل ما فيها من قوة، وصوتها يخرج مختنقا بالنار:
انت... انت مش إنسان! انت شيطان! شيطان ... أنا لازم أمشي من اهنيه ... كفاية العذاب دا! كفاية ال عملته فيا.. انا مش عارفه انا ذنبي اي في كل ال انتوا فيه دا... انا عملت اي
ظل شهاب واقفا، عيناه تتفحصان ملامحها المتكسرة، وصدره يعلو ويهبط، حتى همس بصوت خافت يحمل مرارة غريبة:
انتي... جتلتي أخوي... النفروض اخدك بالاحضان.. كل المشاكب ال حوصلت كانت بسببك انتي
شهقت عاليه ثم ابتعدت خطوة للخلف، كأن الكلمة صفعتها، لكنها ما لبثت أن صرخت بكل ما فيها:
وانت عارف! انت نفسك عارف إنه كان يستاهل الموت! دا لو كان مات أصلا
ثم تقدمت نحوه مرة تانية، وعيونها تتقد بنار الشك، وقالت بتوتر:
"ازاي... ازاي انت دكتور ومكشفتش عليه وجتها؟! مش حسيت بنبض؟! ولا كنت عايز تصدج إنه مات وخلاص.... انا حاسة... حاسة إنه لسه عايش..... أمك بتتصرف طبيعي... كأن محصلش حاجه! الست ال كانت بتعمل المستجيل علشان ميتحبسش.. ساكته دلوجتي؟ بتجهز الفطار؟ دي أم!... هي كانت هتخلي الدنيا تولع لو ابنها مات بجد... هي ليه؟... ليه مقتلتنيش ولا حتى بصت في عيني؟! أمك عملت المستحيل علشان أخوك... وانهارت... ازاي دلوجتي بتجعد عادي اكده
تراجعت عاليه خطوة، نظرتها مليانة قرف وكسرة:
وانت قربت مني... ولمستني... مش علشان تنتجم! علشان تحسسني بالقرف... . إنت زبالة... كلكم واطيين وغدارين وخونة
ثم انهارت فجأة على الأرض، جسدها مهزوم، وروحها تصرخ قبل لسانها، تهمهم بصوت خافت:
أنا مش جادرة... مش جادرة أعيش اهنيه تاني خلاص
وقف شهاب مكانه، كأن الزمن توقف كلماتها كانت كسكاكين تمزق قلبه لكن ما وجعه حقا... هو أنها زرعت فيه بذرة شك.
بذرة بدأت تنمو فجأة في عقله...فحدق فيها ثم تراجع بخطوات مترددة، وخرج من الغرفة كأنه يهرب من أفكاره وفي المساء كان شهاب واقفا في غرفة والدته، عيناه تضجان بالغضب، وصدره يعلو ويهبط كأن النار تشتعل داخله، ثم انفجر صوته في الهواء:
أنا عايز أعرف الدكتور ال جال إن كمال مات... فين؟! دورت عليه في كل مكان، محدش يعرفه! ولا حد شافه غيرنا
توترت ملامح والدته، لكنها حاولت السيطرة على صوتها، وهمست وهي تقترب منه:
يا ابني هنلاجيه... إنت ليه مكبر الموضوع اكده؟ إنت مش فاهم ال بتعمله، اهدي يا حبيبي... خد اشرب جهوتك، وريح شوية وأنا هدور عليه بنفسي، متقلقش
ظل شهاب يحدق فيها بعينين تمتلئان بالشك، ثم جلس ببطء وأمسك كوب القهوة، لكنه لم يشربه فورا، فقط اكتفى بالنظر إليها طويلاً وكأن شيئا داخله لم يعد يطمئن، ثم ارتشف رشفة صغيرة، وعيناه لم تفارق وجه أمه ومر بعض الوقت، قبل أن ينهض فجأة ويخرج من الغرفة، يتسلل التعب إلى خطواته، وصدره يضيق شيئا فشيئا وصعد الدرج ببطء، يده تفك أزرار قميصه بصعوبة، وكأن جسده لم يعد يطيق الثقل ودخل إلى الغرفة التي تقيم فيها عالية، فتجمدت مكانها ما إن رأته، وقد بدا كأن الموت يسكن وجهه. خلع جاكيته أولًا، ثم قميصه، وتوجه إلى الحمام، فسمعت صوت المياه وهو يغسل وجهه. ودلفت عالية بتردد، تنظر إليه بخوف، ثم تمتمت بصوت متوتر:
في إي؟ مالك اكده؟ شكلك مش طبيعي خالص..."
خرج شهاب من الحمام وهو يتنفس بصعوبة، ثم فجأة، وبدون مقدمات، ارتمى في حضنها كطفل مكسور، واحتضنته بذراعيها المرتعشتين وهو يهمس بصوت خافت مبحوح:
ــ "أنا تعبان... مش عارف... إي ال بيوحصلي..
ـعاليه بتوتر:
استنى... استنى اكده، اجعد اهنيه عالسريـر
أسندته على السرير وهي تلمس جبينه بقلق، ثم نظرت في عينيه وقالت:
هو إنت بتاخد حاجة؟ والله العظيم شكلك مش طبيعي... فيك حاجة غلط..
لكن قبل أن تكمل كلامها، أحست بجسده ينهار بين ذراعيها، وعيناه تنقلبان إلى الأعلى، فاقدا الوعي تماما فصرخت عاليه باسمه وهي تهزه في ذعر، ولكن لم يكن هناك أي استجابة. فتراجعت إلى الخلف،ط و قلبها يخفق بقوة، وبينما كانت تهم بالتحرك، دوى صوت خافت خلفها فـ التفتت فجأة، وعيناها اتسعتا كأنها رأت شبحا... أو شيئا أسوأ. كان كمال يقف في زاوية الغرفة، جسده مائل قليلًا، وجهه شاحب، لكن عيناه تلمعان ببريق جليدي فتجمدت ملامحها تماما، شهقة قوية خرجت من صدرها، بينما لم تستطع قدماها حمل جسدها المتجمد، وسقطت على الأرض، تهمس بذعر:
كمال و
الفصل السادس
لعنه الصعيد
كانت تركض في الممرات المظلمة حافية القدمين، وشعرها يتطاير حول وجهها كأطراف لهب يتمايل في الريح، وهي تصرخ بأعلى صوتها:
كمال... كمال استني
لكن كمال لم يلتفت خطواته ظلت ثابتة، متجهة نحو الظل، حتى اختفى تماما في آخر الرواق، تاركا خلفه برودة مرعبة… وصدى اسمه يتردد في قلب عالية. التي تجمدت مكانها لحظة ثم اندفعت راكضة نحو غرفته، أنفاسها متقطعة، وذراعها ترتجف وهي تدفع الباب بقوة ودخلت الغرفة، لتجده لا يزال هناك… شهاب… مسجى على السرير و جسده ممدد كجثة وعيناه مغلقتان، لا حراك فيه فـ اقتربت منه بسرعة، وركعت بجواره، تهزه برفق أولا ثم بعنف وهي تصرخ:
شهاب! بالله عليك فوق...... جووم في اي... شهاب.. جووم مالك
لم يكن هناك أي استجابة. فقط جسده الساكن، ونبضات قلب عالية التي كانت تتسارع في ذعر مطبق وجلست إلى جواره على الأرض، وجهها غارق بالدموع، والهمس يخرج منها كأنها تكلّم نفسها:
ـ"أنا شوفت كمال… والله العظيم شوفت كمال بعنيا… وكان جدامي… مش عارفة دا حلم ولا جنون... جووم بالله عليك
وفجأة انفتح الباب بهدوء، ودخلت يمنى. خطواتها خفيفة، لكن وجهها كان مشدودا، وصوتها خرج هامسا:
متخافيش... أنا اهنيه يا عالية.. اهدي اي ال حوصل
رفعت عالية عينيها نحوها، عيناها تلمعان بالرعب وهي تهمس بصوت مبحوح:
انا شوفت كمال... كان جدامي... ولما جريت وراه اختفي … شوفت كمال بعنيا يا يمنى جسما بالله
تجمدت يمنى وحدقت فيها لحظة، ثم همست بدهشة:
وانا كمان شوفته... والله كنت فاكراه خيال أو حلم... بس شكله مش اكده
شهقت عالية والتفتت نحو شهاب وهي تقول بانفعال:
شهاب تعبان... ومش بيتحرك خالص… حاولت أصحيه مش راضي… أنا مش فاهمة حاجه
اقتربت يمنى من السرير بسرعة، وجلست إلى جواره، وامسكت معصمه، وضغطت برفق ثم قالت بجدية:
النبض كويس... كل حاجه طبيعية... يمكن بس نايم... هو أوجات بياخد منوم لما بيبجى تعبان نفسيا
نظرت إليها عالية بدهشة وهمست:
بياخد منوم ليه عاد بياخده ليه؟... وإحنا هنعمل إي دلوجتي
أشاحت يمنى بنظرها قليلاً، ثم قالت بنبرة هادئة لكن حازمة:
سيبك من كل دا دلوجتي... المهم تسمعيني... لازم تكوني جاهزة علشان في حاجه أهم جاية
رفعت عالية حاجبيها وقالت بتوجس:
حاجه إي عاد
اقتربت يمنى أكثر وهمست:
عزه ... عزة هتوصل مصر بكرة
تجهم وجه عالية، وتمتمت دون فهم:
مين عزه دي كمان مش فاهمه
أجابت يمنى بصوت خافت:
بنت خالة شهاب... كانت مرته... واطلجوا بعد شهر واحد محدش عارف السبب، ولا حتى هو بيرضى يتكلم عنه... بس ال أعرفه إنها بتحبه جدا... وال أعرفه أكتر إنها مش سهلة خالص
نظرت إليها عالية بقلق وقالت:
يعني إي مش سهلة ... وبعدين هو كان متجوز كمان
هزت يمنى رأسها وقالت بجدية:
يعني تخلي بالك منها... البنت دي مش مستقرة، وشكلها راجعة علشان تلعب لعب تقيل... وأنا هحاول ألاجي طريجة أدخل بيها البيت دا، وأجعد جمبك شوية وأكون معاك... بس دلوجتي لازم أخرج قبل ما حد يلاحظ حاجة
ثم نهضت سريعا، وألقت نظرة أخيرة على شهاب، قبل أن تهمس لعالية:
خلي بالك من نفسك... وخلي بالك من شهاب... ومن عزة
القت يمني كلماتها وغادرت الغرفة كما دخلت، بصمتٍ ثقيل، وتركت عالية وحدها وفي صباح رمادي مشوب بالصمت...فتح شهاب عينيه ببطء و الألم يضغط على رأسه كأن حديدا يطوق جمجمته فرفع يده ليمسك جبهته يغمض عينيه مرة أخرى من شدة الدوار... لكنه ما لبث أن فتحهما سريعا حين شعر بيدٍ صغيرة دافئة تمسك يده فـ نظر بجانبه ووجدها… عالية... كانت جالسة على الأرض رأسها مسنود على طرف السرير و عيناها مغمضتان، أنفاسها ناعمة، ويدها لا تزال ممسكة بكفه، كأنها لم تتركه طوال الليل. ملامحها منهكة، وشعرها منسدل على كتفها بعشوائية، لكنها بدت له… بريئة. نقية فـ رمش بدهشة، ثم تراجع قليلا، ينظر إليها باستغراب، لم يتخيل أن يجدها على هذا الحال…فـ اقترب منها أكثر ولمس وجهها بهدوء، أصابعه تلمس وجنتها بلطف، كأنه يتحسس شعور الأمان…وفجأة، تحركت ملامحها، وفتحت عينيها بسرعة، فانتبه وسحب يده في توتر ورفعت عالية رأسها بسرعة، وقلبها يخفق وهي تهمس بلهفة:
انت كويس؟! اي ال حزصلك؟!"
مسح شهاب على وجهه بتعب وقال بصوت منخفض:
انا كويس... بس يمكن من كتر التفكير والتعب... جسمي مبجاش مستحمل.
حاول شهاب ينهض من على السرير، لكنه ما إن وقف حتى تمايل جسده بشدة وكاد يقع، فصرخت عالية:
حاسب.... اجعد... متتحركش شكلك لسه تعبان
أسرعت عاليع إليه، أمسكت بذراعه لتسنده، وشعرت بثقله عليها، لكنه رفع عينيه ونظر في عينيها مباشرة…نظرة غريبة... تحمل شكرا، وشيئا آخر لم تفهمه فـ توترت عالية بسرعة، وسحبت يدها من ذراعه بخجل وهي تهمس:
احم... حمد لله علي سلامتك
جلس شهاب على طرف السرير، يلتقط أنفاسه، ثم قال بنبرة هادئة:
لو عايزه تخرجي... أو تشوفي أهلك... اخرجي.
نظرت عاليه إليه بدهشة ولهفة، وقالت بفرحه:
بجد والله
شهاب بضيق:
بس السواج هو ال هيوصلك ويرجعك... وبلاش تعملي مشاكل، يا عالية
أومأت بسرعة، ولسانها يسبقها من الفرح، لكن فجأة تذكرت... فتغير وجهها وقالت بقلق:
ـاستنى... في حاجه مهمه لازم أطولها... أنا... أنا شـ—
وقبل أن تكمل انفتح الباب فجأة، ودخلت والدته. كانت تقف بملامح مشدودة وصوتها حاد وهتفت:
عزه وصلت... تحت
التفت شهاب ببطء، ووجهه تغير تمامًا، وصوته خرج غاضبا:
هي إي ال جابها بجا ان شاء الله.. حد جالها تيجي اصلا
سعاد وهي ترفع حاجبها:
يعني إي؟! دي بنت أختي... وجاية تطمن علينا، مش أكتر. يلا انزل
ثم التفتت إلى عالية، ونظراتها تشتعل بالغضب مردده :
وإنتي... مش عايزاكي تنزلي... ولا تشوفيها اصلا! عزة مش هتحبك .. فـ ياريت بلاش تضايجيها
وقبل أن تتحدث عاليه كان شهاب قد وقف، وخطا نحو والدته بخطوات ثابتة، ونظرة قاطعة تتوهج في عينيه، ثم قال بصوت واضح و نبرته لا تحتمل نقاشًا:
أنا مش هنزل غير بيها. دي مرتي. ودا بيتي. وال مش عاجبه... الباب واسع يتفضل يمشي
تجمدت والدته في مكانها تنظر إليه بذهول، وشفتيها ترتجفان من فرط الغضب، لكن شهاب لم يمنحها فرصة للرد بل أضاف بصوت أكثر صلابة وهو يشير بيده نحو الباب:
انزلي انتي... ولما نكون جاهزين، هننزل إحنا
استدارت الأم وهي تغلي من الداخل والشرر يتطاير من عينيها، وغادرت الغرفة بصمت ثقيل، يكاد يسمع له صوت أما شهاب، فالتفت نحو عالية التي كانت تقف في مكانها بذهول وارتباك و اقترب منها وقال بصوت منخفض، لكنه مملوء بالصرامة:
جهزي نفسك... ولو عزة جالت كلمه، ردي عليها بعشرة. وافتكري دا كويس
ثم أدار ظهره وخرج من الغرفة، تاركا وراءه أبوابا مفتوحة على احتمالات لا تحمد عقباها... وعالية… كانت تقف في مكانها، تتنفس بصعوبة، يدها على صدرها، وكأنها تحاول تهدئة دقات قلبها المتسارعة، لم تكن تدري من تخشاه أكثر…
عزة.... أم شهاب أم نفسها التي بدأت تشعر بشيء يتغير وفي مكان اخر في زاوية مكتبه الواسع، كان أمين يقف خلف مكتبه الفخم، يتقلب في الأوراق المتناثرة أمامه بجنون، عيناه تائهتان ويده ترتجف وهو يهمس لنفسه:
ـ "يا نهار إسود... دول عايزين يموتوه... دول فعلا بيحاولوا يخلصوا منه...
كانت أنفاسه تتسارع، وكأن صدره يضيق عليه من هول ما يقرأ. وفجأة، انفتح الباب، ودخل رجل في منتصف العمر يحمل ظرفا في يده، مده إليه قائلاً بهدوء:
دي نتيجة التحاليل ال حضرتك طلبتها
أمسك أمين الظرف بلهفة ومزقه بسرعة، وأخرج الأوراق بعصبية. وما إن وقعت عيناه على أول سطر، حتى اتسعت حدقتاه، وارتعشت يده. تسمر في مكانه، وكأن الكلمات قد سحبت الهواء من رئتيه وفي تلك اللحظة، انفتح الباب مجددا ودخلت نريمان، تحمل على وجهها ملامح التحدي والقرار، وقالت ببرود:
أنا حضرت شنطة هدومي… وقررت أمشي
رفع أمين عينيه إليها ببطء، ثم أغلق الأوراق بيد مرتعشة، ووقف واقترب منها بخطوات سريعة وامسك يدها بقوة، ونظراته تكاد تشتعل غضبا وهو يهتف:
انتي فعلا عايزة تطلجي؟ ولا بتهربي
نظرت إليه بدهشة واستغراب، ثم سحبت يدها وقالت بانفعال:
اهرب من إي؟! هو أنا عاملة عاملة
صرخ امين بصوت كالرعد، كأن صبره انهار وهتف :
آه أخوكي بياخد حاجات هتموته! ومش بياخدها من الشارع! حد من البيت هو ال بيديهاله! ومش بعيد تكون أمك!
صرخت نريمان بغضب، والدموع بدأت تلمع في عينيها:
انت اتجننت؟! إزاي تجول اكده؟! فيه أم تموت ابنها
صمت أمين لحظة، ثم اقترب منها أكثر، وحدق في عينيها وهو يتمتم بمرارة:
شهاب مش ابنها أصلاً... إنتي وكمال بس ولادها... شهاب ابن مرت أبوكي الأولى
تراجعت نريمان خطوة كأن الكلمات صفعتها وشهقت وهمست بصوت مخنوق:
ازاي يعني؟! إنت بتجول إي؟! دا مش حقيقي
هتف أمين بعصبية أكبر، وقد بلغ الغضب مداه وردد :
والله لو اكتشفت إنك تعرفي حاجة من كل ال بيوحصل دا... أنا مش بس هطلجك... أنا هجتلك
ثم أشار إلى الباب بعصبية، وصوته يقطر حدة:
عايزة تمشي؟ بالسلامة... يلا امشي
واستدار بخطوات حادة، وخرج من الغرفة، تاركا نريمان واقفة وحدها، ملامحها شاحبة، ودموعها تنزل في صمت. وبعد عدت ساعات عند شهاب في قاعة الجلوس الواسعة، تجمع الجميع حول الطاولة الكبيرة المزينة بالهدايا المغلفة، والأنفاس معلقة في انتظار ما ستفعله عَزة..... كانت تقف بثقة في منتصف الغرفة، تبتسم ابتسامة غامضة وهي توزع علب الهدايا واحدة تلو الأخرى، وكأنها توزع قدَرا لا مجرد هدايا مردده:
ـ "دي ليكي يا نريمان، ودي لـ خالتوا سعاد... ودي لـ أمين.. بس هو فين مش عايز يشوفني كالعاده
قالت عزه ذلك بنبرة ساخرة وضحكت ضحكة خفيفة وأخيرا، توقفت أمام شهاب ومدت له علبة صغيرة مغلفة بورق أسود وأحمر، وقالت بابتسامة خافتة:
دي ليك... واحشتني اوي على فكرة
نظر شهاب إليها ببرود وأخذ العلبة دون أن يفتحها، وقال بنبرة مختنقة:
شكراً
ثم التفتت ببطء نحو عالية، التي كانت تقف في الخلف، تحاول أن تبقي رأسها مرفوعا رغم التوتر، فاقتربت منها عَزة، ومدت لها علبة بيضاء صغيرة، مزينة بشريط أحمر قاتم وهتفت:
ودي ليكي... ياريت تفتحيها قدامنا
ترددت عالية لحظة، ثم نظرت إلى شهاب، الذي أومأ لها بخفة، فمدت يدها بتوتر وأمسكت الهدية، وبدأت تفتحها ببطء، تحت أنظار الجميع وما إن رفعت الغطاء، حتى تجمدت مكانها.... كانت سكين صغيرة موضوعة بعناية داخل العلبة، نصلها ملطخ بلون أحمر قاتم كأنه دم… ما إن رأتها عالية حتى شهقت ورجعت إلى الوراء بخطوات مذعورة، فسقطت العلبة من يدها، والسكين ارتطمت بالأرض بصوت حاد، شق سكون الغرفة فـ صرخ شهاب بعصبية وهو يخطو ناحيتها:
اي دا؟! إنتي مجنونة ولا اي عاد ؟!"
رفعت عَزة حاجبها ونظرت إليه باستخفاف وهي تقول بنبرة باردة:
دا ال تستحقه... دي مجرمة. قتلت كمال... وكان المفروض تموت مش تتجوزها
تقدم نحوها شهاب، وعيناه تتوهجان غضبا، وقال بصوت قاطع:
انتي ملكيش صالح.... وأنا حر... وجوازي منها مش معناه إني حاببها
ثم أضاف بمرارة:
ـ "أنا بكرهها... وبكرهها أكتر من أي حد قابلته في حياتي... بس متنسيش ال كمال عمله في جوزها... وأنا في جميع الحالات ناوي آخد بتار اخوي منها بس محدش منكم ليه صالح
ضحكت عزة ضحكة خافتة، مملوءة بالسخرية، واقتربت منه خطوة وهمست:
بجد؟... دا ال انت فهمته ... بس الحقيقة غير كده يا شهاب
ثم أخرجت هاتفها من حقيبتها بهدوء، ومدته إليه وهي تقول:
الحقيقة إنهم كانوا مرتبطين... وهي فعلاً كانت بتحبه... خد، اتأكد بنفسك.
أخذ شهاب الهاتف بتردد وضغط على الشاشة، وبدأ الفيديو.
كانت اللقطة واضحة… عالية تقف في مكان معزول، وكمال أمامها..... كان يمسك يدها.. يقبلها ببطء، بينما هي تهمس له:
أنا بحبك يا كمال... عمري ما حبيت حد غيرك
ثم ضمته إلى صدرها… كأنها كانت تودعه، أو كأن قلبها لا يرى أحدا سواه وارتعشت يد شهاب، وسقط الهاتف من يده، وعيناه لا تزالان معلّقتين بالشاشة التي انطفأت فجأة… كأنها أطفأت قلبه معها وفجأه و
الفصل السابع
لعنة الصعيد
كان يقف في غرفته وعاصفة من الغضب تتفجر في صدره وعيناه تتوهجان بجنون... يده امتدت إلى الكرسي الخشبي وأطاح به إلى الحائط... فتكسر تبعه صوت تحطم زجاج، وصدى صراخه المكتوم وهو يصر على أسنانه، يضرب كل ما يقع تحت يده… المكتب، الأباجورة، حافة الدولاب، كل شيء تحول إلى فوضى اما هي فـ كانت تقف أمامه، ملتصقة بالحائط وعيناها تلمعان من الدموع، وشفتيها ترتجفان من الخوف، تنكمش على نفسها كطفلة صغيرة، وكلما تحرك خطوة ازداد ارتعاش جسدها فـ صرخت بصوت مبحوح وهي تبكي:
شهاب… بالله عليك كفاية… إهدي… إسمعني بس و
لكنه لم يهدأ واقترب منها فجأة، كمن انفجر بركان داخله، وأمسكها من كتفيها بعنف، وصوته خرج كالرعد:
إنتي كمان؟! كدابة... جتلتي أخوي وانتي اصلا كنتي بتحبيه من ورايا وانا كل دا زي الاهبل فاكر انك بتاخدي بتارك بس لع.. طلعتي بتنتجمي علشان اخوي سابك
هزها بقوة، والدموع انهمرت من عينيها، وهي تصرخ بحرقة:
والله ما حوصل! جسما بالله ما حوصل! الفيديو دا معمول... دي كانت نفس هدومي... بس دي مش أنا! أنا كنت بحب حد تاني مش كمال... وكل دا كدب.. الكلام ال في الفيديو دا انا كنت بجوله لحد تاني والله.. كنت بجوله لعادل ال كمال جتله
شد على كتفيها بقسوة أكبر و عينيه تشتعلان نارا وزمجر بصوت غاضب:
كدب... كدب إي دا فيديو يا بنتي فيديو بيجول كل حاجه! صوتك، شكلك، كلامك! إنتي بتستهبليني؟!
رددت عاليه وهي تحاول التقاط أنفاسها وسط شهقاتها وهتفت:
الفيديو مقصوص.... متفبرك! حد لعب فيه أنا جولت الكلام دا بس مش لكمال .. هو اتقص واتركب علي بعضه والله.. صدجني بالله عليك انا مش اكده
ضحك شهاب ضحكة خافتة، خاوية، ثم نظر إليها من أعلى لأسفل، وقال بازدراء:
ومين أصلا هيضيع وجته وفلوسه ويعمل اكده مع واحدة زيك؟ إنتي متسويش حاجة! إنتي نجطة سودة في حياتي! أنا كنت بدأت أحس بالذنب ناحيتك… بس طلعتي متستاهليش اي حاجه كويسه في الدنيا دي
ثم اقترب منها خطوة أخرى وهمس بصوت صارم:
من النهاردة… هتشوفي العذاب بعينك! عذاب عمرك ما شوفتيه... وهبدأ بأهلك
القي شهاب كلماته ودفعها بعيدا عنه، فارتطمت بالحائط، ثم التفت بسرعة وخرج من الغرفة وصفق الباب خلفه بقوة، حتى اهتزت الجدران، وأدار المفتاح من الخارج وأقفل الباب عليها فـ سقطت على الأرض باكية، تضرب الباب بكفيها وتصرخ:
شهاب… بالله عليك إفتح.... متعملش اكده فيا… أنا بريئة والله… إفتح الباب
لكن لم يكن هناك صوت سوى وقع خطواته وهو يبتعد… تاركا خلفه قلبا مكسورا ونارا بدأت تشتعل في العيون التي لم تذنب و في عمق الليل، كانت نريمان تقود سيارتها ببطء، تتبع سيارة والدتها التي تسير أمامها في طريق جانبي مهجور، لا يمر به أحد في مثل هذا الوقت. عيناها تتابعان الأضواء الخلفية للعربة الأخرى، وقلبها يخفق بخوف لا تعرف سببه، كأن هناك شيئا مجهولا يسحبها نحو الهاوية حتي توقفت سيارة الأم فجأة أمام مبنى قديم، بلا لافتة ولا إشارة، فخفضت نريمان سرعتها وتوقفت على بعد، تراقب من خلف الزجاج المعتم. رأت والدتها تترجل من السيارة، وتنظر حولها بحذر، قبل أن تدخل من باب جانبي حديدي فـ نزلت نريمان من سيارتها بخفة، وتقدمت بضع خطوات واختبأت خلف جدار قريب، تراقب الباب الذي دخلت منه والدتها، ثم همست لنفسها بقلق:
دي جايه اهنيه ليه؟! هو في مين جوه؟... يارب أكون فاهمة غلط
مرت دقائق طويلة، كأن الزمن تجمد، ثم… انفتح الباب مجددا. فـ تسمرت نريمان مكانها، وقد اتسعت عيناها من الصدمة. خرج رجل… طويل القامة، ملامحه مألوفة، خطواته مألوفة أكثر… وكان هو… كمال.... أخيها… الذي مات.... يقف على عتبة الباب، ينظر حوله بحذر، ثم… ظهرت والدتها خلفه، ومدت ذراعيها نحوه، واحتضنته بحنين، كأنها لم تفارقه يوما فـ شهقت نريمان من شدة الصدمة وتراجعت خطوة، كادت تتعثر من فرط الدهشة، ثم استدارت والدتها بسرعة وركبت سيارتها وهي ، وانطلقت أما نريمان، فظلت واقفة في مكانها، ذاهلة، تشهق بأنفاس متقطعة:
دا كمال... كمال عايش؟! إزاي يعني إي؟! طيب كل ده كان تمثيل؟! ودفناه إزاي و
لكنها لم تكمل جملتها، إذ شعرت فجأة بضربة قوية على مؤخرة رأسها… وكل شيء من حولها انطفأ. وبعد عدت ساعات حين استعادت وعيها، كانت مستلقية على سرير داخل غرفة غريبة.... الضوء خافت، ورائحة عطر والدتها تعبق المكان فـ التفتت بجانبها… فوجدت سعاد تجلس قربها، تبتسم ابتسامة باهتة ونهضت نريمان بفزع، وضربت الغطاء بعنف، وهي تصرخ:
إنتي ال عملتي اكده؟! ضربتيني... وحبستيني
اقتربت منها سعاد، تمسك بيدها بلطف مردده :
اهدي يا بنتي... اسمعيني بس
صرخت نريمان، وهي تزيح يدها بقوة:
اسمعك إي! بعد ما اكتشفت إن كمال عايش؟! إنتم خدعتونا! أنا هجول لشهاب حالا كل حاجه
نهضت نريمان من على السرير، تتجه نحو الباب، لكن يد والدتها أمسكتها فجأة، بقوة غير متوقعة، وهمست بانفعال:
استني! لو حد عرف... هيجتلوه يا نريمان! أو يتحبس! يرضيكي أخوكي يتحبس
نظرت إليها نريمان بعينين متسعتين، تتوهج فيهما نار الغضب:
يولع! يتحبس! يتحرق! بس أنا مستحيل أسامحكم… طول عمري! ولا هسكت
ثم دفعت الباب وخرجت مسرعة، خطواتها تمزق صمت المكان، تاركة والدتها جالسة وحدها، والقلق يأكل ملامحها.حتي أمسكت سعاد هاتفها بسرعة، وضغطت على زر الاتصال، ثم قالت بصوت متوتر ولهفة:
نفذ ال جولتلك عليه... حالا... من غير تأخير
وفي صباح يوم جديد، تسللت عالية إلى غرفة شهاب، وخطواتها خفيفة كأنها تخشى أن توقظ الشياطين النائمة في صدره. كان مستلقيا على السرير، عاري الصدر، وقد بدا عليه التعب والإهمال، شعره مبعثر، وأنفاسه غير منتظمة، كأن الليل كله كان معركة بينه وبين نفسه حتي اقتربت عالية منه بخوف، وعيونها تلمع بالدموع، ثم انتبهت لجرح صغير في جانب رأسه، يبدو حديثا. مدت يدها ببطء و لمسته برقة، وكأنها تحاول أن تمحو الألم من فوق جلده…لكن فجأة، قبض شهاب على يدها بقوة، وسحبها نحوه بعنف، لتجد نفسها فوقه تماما، وهو يصرخ بعصبية:
إنتي عايزه إي.... جايه تجتليني انا كمان
ارتبكت عالية وقلبها يوشك على الخروج من صدرها، وهتفت بصوت خافت:
لع والله... أنا كنت عايزه أشوفك صاحي ولا نايم بس… سيبني بالله عليك
لكن شهاب لم يتركها، بل استدار فجأة، لتصبح هي تحته، وهو فوقها، يحدق في عينيها بغضب مرددا:
إنتي عايزه إي تاني
أجابت عالية بصوت مرتعش:
والله ما عملت حاجه… إديني فرصه أثبتلك إني بريئة! مفيش بيني وبين كمال أي حاجه
نظر إليها شهاب ببرود قاسي وقال:
وبعدين؟"
ارتجفت عالية وحاولت أن تنهض لكن قبضته اشتدت حول ذراعها واقترب منها أكثر ونظراته تخترقها يوشك أن يطبع على شفتيها شيئا من غضبه...لكن قبل أن يفعل انطلق صراخ حاد من الطابق السفلي وابتعد شهاب عنها بسرعة، ونهض وهو يخرج من الغرفة بخطوات مسرعة، تاركا عالية تجلس في مكانها، تتنفس بصعوبة، وعيناها زائغتان نحو الباب ومرت لحظات، ثم لحقت به وهي تحمل قميصه في يدها ونزلت بهدوء، لتجده واقفا في منتصف الصالة، وعيناه مشدودتان إلى والدته، التي كانت تصرخ في وجه يمنى، بينما عزة تحاول التدخل فـ اقتربت عالية من شهاب، ووقفت إلى جانبه، ثم رفعت القميص ووضعته على كتفيه بلطف، فأمسك به وارتداه وسط نظرات متعصبة من سعاد التي صاحت بانفعال:
هو إي دا..... إي الوضع دا؟!
قالت عزه بتهكم، وهي تشير إلى يمنى:
كنا ناقصينها هي كمان
لكن شهاب رفع يده بحدة وهتف:
كفايه كلام! حد يفهمني إي الحكايه؟ مالك يا يمنى؟!
نظرت إليه يمنى بثقة وقالت:
جايه أجول إني حامل… من كمال
ساد الصمت، كأن الزمن توقف..... وجوه مذهولة، وعيون متسعة لا تصدق ما سمعت فـ شهقت سعاد ثم صرخت:
إنتي إي.... حامل؟! من ابني انا... ازاي انتي كدابة.... ابني معملش معاكي حاجة
نظرت يمني إليها بخبث وقالت ببرود:
وإنتي عرفتي منين يا حماتي ؟ كنتي معاهم يعني؟ اسأليه… روحي اسأليه بنفسك
تراجعت سعاد بخطوة، كأنها تلقت صفعة، ثم صرخت:
اسأله إزاي.... ابني مات! ربنا يرحمه.. اي ال بتجوليه دا
نظر إلى شهاب يمنى، نظرة مطولة، ثم قال ببرود متماسك:
هتفضلي اهنيه … لحد ما نتأكد إنك فعلا حامل من كمال.
ابتسمت يمنى بسعادة منتصرة، ثم اقتربت من عالية، وهمست في أذنها بصوت خافت لا يسمعه سواها:
نجحنا
وانسحبت للخلف، تبتسم في خبث… وفي المساء كانت سياره شهاب تشق الطريق كطلقة غاضبة، يتطاير الغبار من خلفها، والمصابيح الأمامية تمزق ظلمة الليل. وشهاب يقبض على عجلة القيادة بشدة، فكاه مشدودان، ووجهه جامد كصخرة، عيناه لا تغمضان ولا تزيغان وإلى جواره، جلس أمين، يتلفت حوله في قلق يحاول تهدئته ولكن بلا جدوى. فردد بقلق:
يا ابني على مهلك... إنت اكده هتجتلنا بتصدج الكلام ال اتجال مش يمكن يكونوا بيوقعوك
شهاب بحده:
أنا مش مصدجهم... بس جالي رسالة، وده العنوان... ولازم أتأكد بعيني
كان يحمل شهاب في يده ورقة مطبوعة، عليها صورة مأخوذة من كاميرا مراقبة، وتحتها عنوان واضح فـ رفع أمين حاجبه باستغراب وقال:
طيب ما يمكن عاليه متكونش موجوده جوه اصلا مش شرط يعني تكون خيانة..
وفجأة، ضغط شهاب على المكابح بقوة، فارتجت السيارة وتوقفت أمام مبنى قديم متهالك، تغلفه عتمة الليل ورائحة الأسرار وفتح باب السيارة مرددا:
وصلنا... دلوجتي هنعرف إذا كانت عاليه بريئة ولا لأ...
هنشوف مين جوه.. وإي ال بيوحصل
ترجلا من السيارة سريعا واخرج شهاب سلاحه من جيبه وكذلك فعل أمين، وكل منهما يمسك بمسدسه في توتر وتقدما نحو الباب الرئيسي، الذي كان مواربا، يصدر صوتا خافتا مع نسيم الليل واشار شهاب لأمين بالصمت، وبدأا في التسلل إلى الداخل
وخطواتهما كانت بطيئة وثقيلة، والهدوء من حولهما كان قاتلا
مرا عبر ممر طويل، ثم وصلا إلى باب خشبي موارب، ينبعث من خلفه نور خافت و... أنفاس هادئة فـ مد شهاب يده، ودفع الباب بهدوء...ثم تجمد واتسعت عيناه بذهول، وأمين خلفه يفتح فمه دون أن يخرج منه صوت على السرير، كان كمال مستلقيا عاري الصدر، أنفاسه ساكنة كأنه غارق في النوم...وبجانبه، كانت عالية نائمة، رأسها ملتصق بصدره، ودموع جافة على وجنتيها.
الملابس مبعثرة، والمشهد لا يحتاج إلى تفسير و
الفصل الثامن
لعنه الصعيد
في صباحٍ خافت ، جلس شهاب على الكرسي الخشبي في ركن غرفته، عيناه معلقتان على جسد عالية المستلقي فوق السرير، شاحبة، ساكنة كأنها بين اليقظة والغيبوبة. يده متشابكة أمامه، ووجهه جامد، يملأه الشرود، وكأن عقله غارق في هاوية لا قرار لها حتي أغمض عينيه للحظة، ليعود إليه مشهد الأمس، يتفجر أمامه كالرصاصة
فلاش باك
كانت عالية نائمة، رأسها على صدر كمال، والأنفاس هادئة، والمشهد… قاتل فجحظت عيناه، وانكمشت عضلات وجهه، لكن جسده لم يتحرك. لم يصرخ، لم ينهار… فقط وقف، يتأمل المشهد بصمت ثقيل حتي قاطعه صوت أمين الخافت الذي مزق السكون مرددا :
اهدى يا شهاب... بلاش تتسرع
لكن شهاب لم يرد، فقط اقترب من السرير، يمد ذراعيه ببطء كأنما يرفع ثقل الدنيا… ثم حمل عالية بين ذراعيه برفق، وكأنها زهرة لا يجب أن تجرح..... والتفت لأمين وهمس بصوت منخفض:
خلي حد ييجي يشيل كمال… يرجعه البيت… وانا هشيلها
فلااش بااك
فتح شهاب عينيه مجددا، ليجد المشهد أمامه كما تركه… عالية، مستلقية بنفس الوضعية، كأن الزمن لم يتحرك، إلا في صدره. وفجأة، صدر منها صوت خافت، أنين متقطع، ثم بدأت تتململ، وفتحت عينيها ببطء، تبحث عنه بنظرات مرتعشة، وحين رأته، شهقت وسألته بلهفة:
اي ال حوصل؟! أنا… أنا حوصلي اي
اقترب منها شهاب وجلس على حافة السرير، وعيناه تحاولان أن لا تفضحا اضطرابه، ثم قال بصوت هادئ على غير عادته:
محصلش حاجه… بس انتي كنتي صوح... كمال عايش
رفعت رأسها فجأة، كأن صدمة كهربائية اجتاحت جسدها، ثم جلست وهي تلهث:
كمال.... عايش؟! أنا كنت رايحة هناك امبارح... بس مش فاكرة حوصل إي… مامتك كانت عارفة مكانه يمني شافتها جسما بالله
أومأ شهاب برأسه ببطء، ثم خفض نظره وقال:
أنا آسف... أنا غلطت في حقك جامد... وال عملته فيكي ده... مستحيل أسامح نفسي عليه
رفعت عالية نظرها إليه، وعيناها تلمعان من الدموع، لكنه لم يتمهل ليستمع لأي رد، فقط نهض من مكانه، وتابع:
لو عايزة تطلجي… هطلجك. ولو عايزة تمشي… ليكي كل الحق. … أنا مستعد أعمل أي حاجه علشان تسامحيني، حتى لو هضحي عمري كله
ثم دار على عقبيه، وخرج من الغرفة بخطوات بطيئة، ثقيلة، يترك خلفه امرأة مذهولة، وقلبا يرتجف من وقع الحقيقة، ونارا تتأجج في صدرها... ليس فقط من الصدمة، بل من الحزن أيضا وفي غرفةٍ اخري لا يسمع فيها سوى صوت أنفاس ثقيلة، كانت سعاد تجلس إلى جوار كمال، وجهها مشدود، ويديها ترتجف وهي تمسك بكوب ماء لم تشرب منه. تنظر إليه بعينين مليئتين بالغضب والخذلان، ثم صاحت:
خطة فاشلة… زيك..... ازاي تعمل اكده؟! أنا ما صدجت خرجتك من البيت… كنت هحميك من كل حاجه لحد ما تسافر… بس بغبائك ضيعت كل حاجه
رفع كمال رأسه بحدة، عينيه تشتعلان من الغيظ والمهانة، ثم صرخ:
ليه مجولتليش ان شهاب وعالية بيحبوا بعض؟! كان لازم أعرف… بس إنتي كدابة! وإنتي السبب في كل دا… بس أنا مش هسكت!"
نظرت إليه سعاد بعينين مشتعلتين، وصرخت بعنف:
حب إي وزفت إي؟! أخوك مستحيل يحبها… مستحيل! إنت فاهم غلط… لازم تهرب من اهنيه وتختفي قبل ما الفضيحة تكمل و
وفجأة… انفتح باب الغرفة بقوة ودخل شهاب، يقف شامخا كخيل هائج، عيناه تلمعان كأن بهما نارا من غضب لا ينطفئ و التفت إليهم ببطء، وصوته خرج أجشا، مخنوقا:
وبعدين؟! كملوا… سكتتوا ليه؟!"
لم يرد أحد. فـ اقترب شهاب بخطوات بطيئة، ثم مد يده فجأة إلى المرآة المعلقة على الجدار، وصفعها بقبضته بقوة، حتى تكسرت شظاياها وتناثرت في أرجاء الغرفة، ويده بدأت تنزف بغزارة، لكن وجهه لم يهتز. فـشهقت سعاد ونهضت تصرخ:
يا شهاب! إنت بتعمل إي؟! انا كنت خايفة عليه يا ابنب والله على كمال! مكنتش عايزة يوحصله حاجه
استدار شهاب نحوها بحدة، وصرخ بكل ما فيه:
وكل ال أنا عملته في عالية؟! مين هيحاسبني عليه؟! إنتي متعرفيش أنا عملت فيها إي…!ذنبها إي في كل ده!
صمتت سعاد، ووجهها شاحب من الصدمة فتدخل كمال، وصوته ممتلئ بالغيظ:
وأنا؟! وأنا مالي؟! أنا كنت هموت بسببها
التفت شهاب إليه كمن لا يراه، ثم قال ببرود جليدي:
موت… وريحنا. ال زيك اصلا لازم يموت
ارتجف وجه سعاد، واقتربت منه تتوسل، وهي تبكي:
يا ابني… دا أخوك… متعملش اكده بالله عليك … أنا همشيه، والله همشيه من البلد كلها
نظر إليها شهاب، وبصوت أكثر هدوءا لكنه مشحون كقنبلة:
الاسبوع الجاي… هيكون برا البلد. انا لحد دلوجتي أنا بدفع تمن غباؤه. بس لو قرب من عالية تاني… هجتله واها جولي لعزه تمشي من البيت علشان انا ناوي اجتلها وكفايه خطط فاشله بحا وتركيب صور وفيديوهات انا عرفت كل حاجه وان الفيديو ال شوفته متركب
القي شهاب كلماته ثم استدار وخرج من الغرفة ويده ما زالت تنزف، يترك وراءه رائحة الدم والندم، ويتركهم في صمت ثقيل، كأن لعنة قد حلت بهذا البيت… لعنة لا نجاة منها وفي المساء...
كان الليل ثقيلا كالغصة، والأنوار الخافتة تتسلل من خلف الستائر لتلقي ظلالا باهتة على الغرفة التي يغمرها الصمت...
حيث جلست عالية على الأرض وحقيبة مفتوحة أمامها، ويديها ترتجفان وهي تطوي ثيابها واحدة تلو الأخرى وتضعها داخلها.
الدموع انهمرت بصمت، ثم تتابعت كالسيل، حتى أصبحت شهقاتها مسموعة. و يمنى تقف قرب الباب، تحتضن نفسها بذراعيها، وعينيها تمتلئان بالقلق، قبل أن تهمس بتردد:
هتمشي؟!
لم ترد عالية، فقط واصلت الطي، حتى سقط قميص من يدها على الأرض، ولم تحاول أن تلتقطه، بل انحنت برأسها وبكت أكثر فـ اقتربت يمنى وجلست بجوارها على الأرض، وهمست برقة:
عالية… حرام عليكي.. انتي بتعيطي ليه؟! ده كويس إن شهاب عرف الحقيقة خلاص… الموضوع انتهى.
رفعت عالية عينيها نحوها محمرة ومنتفخة، ثم تمتمت بصوت مبحوح:
انتهى؟! بعد إي يا يمنى؟ بعد ما خسرت كل حاجه؟! بعد ما كل الناس بصتلي كأني خاينة
ثم دفنت وجهها بين كفيها وهي تبكي بحرقة:
أنا اتظلمت… اتكسرلي ضهرى جدام الناس!… وال عمله كمال فيا ده ميتغفرش… ده لازم يموت، والله العظيم لازم يموت وكمان مش هسامح شخاب علي ال عمله معايا
وضعت يمنى يدها على كتفها برفق وهتفت :
انسيه يا عالية… انسيه وابدئي من جديد. شهاب صدجك ومصدجش ال شافه بعينه… وده في حد ذاته معجزة! انتي فاهمة؟! أي راجل تاني كان زمانه خلص عليكي
هزت عالية رأسها، تحاول التماسك، لكنها فجأة توقفت عن الحركة، وأمسكت برأسها كأنما داهمها دوار مفاجئ فـ انتبهت فورا واقتربت منها:
مالك؟!
عالية تمتمت وهي تضع يدها على بطنها:
مش عارفة… حاسة بدوخة… جلبي بيرف بسرعة غريبة
أمسكت يمنى بمعصمها، تتحسس نبضها بأناملها، ثم نظرت في عينيها بجدية:
انتي شكلك تعبانة جامد… لأ، ده مش تعب عادي. أنا شاكة في حاجه… جومي معايا
مرت دقائق مشحونة، ويمنى تقف في الغرفة وحدها، تنتظر، وتقبض يديها ببعضهما بقلق واضح، وعيناها معلقتان بالباب ثم…
فتح الباب ببطء، وخرجت عالية، في يدها اختبار حمل، ووجهها شاحب كأن روحها خرجت لتوها…فـ نظرت إلى يمنى بعينين مذهولتين، ثم همست وكأن صوتها لا يكفي لحمل الصدمة:
يا يمنى… أنا حامل
وفي الاعلي كان كمال واقفا في شرفة مكتبه، يمسك بهاتفه المحمول بقوة وصوته يرتجف بالغضب:
النهارده.... عايز أسمع خبر موته النهارده... مفهوم
ثم أغلق الخط بعصبية وألقى الهاتف على الأريكة خلفه، وعيناه تتقدان حقدا لا يروى وبعد فتره قصيره إلى الطريق السريع، حيث كان شهاب يقود سيارته بجنون ووجهه شاحب، وعيناه تائهتان، ويده اليسرى تنزف دما يبلل المقود..... كانت أنفاسه متقطعة، وملامحه مضطربة، وكل شيء من حوله يتلاشى أمام صور تتكرر في رأسه بلا رحمة. تذكر عندما وقف أمام عالية، وهي تبكي بحرقة، بعد أن اعتدى عليها… تذكر الصراخ وتوسلاتها، والخذلان الذي سكن عينيها حتي ضرب المقود بقبضته وهو يتمتم بمرارة:
أنا حيوان... إزاي عملت فيها اكده... ازاي اظلمها بالطريجه دي
أدمعت عيناه، وبدأت السيارة تهتز تحت قبضته المرتعشة وفجأة، لمح في مرآة السيارة الخلفية مركبة سوداء تطارده بسرعة، فأدار رأسه بذعر وهو ينظر حوله، لكنه ما إن أعاد نظره إلى الأمام حتى اتسعت عيناه هلعا... شاحنة ضخمة كانت تندفع من التقاطع بسرعة جنونية نحو سيارته لم يمهله الوقت حتى ليتنفس وارتفع صوت الفرامل... واصتدمت السياره و
تابعووووووني
الفصل التاسع والعاشر والاخير من هنا
رواية زواج لدقائق معدودة كامله من هنا
رواية خيانة الوعد كامله من هنا
رواية الطفله والوحش كامله من هنا
رواية جحيم الغيره كامله من هنا
رواية مابين الضلوع كامله من هنا
رواية سيطرة ناعمه كامله من هنا
رواية يتيمه في قبضة صعيدي كامله من هنا
الروايات الكامله والحصريه بدون لينكات من هنا
إللي خلص القراءه يدخل هيلاقي كل الروايات اللي بيدور عليها من هنا 👇 ❤️ 👇
❤️🌺🌹❤️🌺❤️🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹🛺🛺🛺🛺🛺
الصفحه الرئيسيه للروايات الجديده من هنا
جميع الروايات الحصريه والكامله من هنا
انضموا معنا علي قناتنا بها جميع الروايات على تليجرام من هنا
❤️🌺🌹❤️🌺❤️🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹❤️🌺🌹🛺🛺🛺🛺🛺
تعليقات
إرسال تعليق