القائمة الرئيسية

الصفحات

رواية لااصطفي بالحب غيرك الفصل السابع بقلم فاطمه علي محمد

رواية لااصطفي بالحب غيرك الفصل السابع بقلم فاطمه علي محمد 

رواية لااصطفي بالحب غيرك الفصل السابع بقلم فاطمه علي محمد

اقتحم "يامن" غرفة "چوليا" ليجدها تجلس بمنتصف فراشها ضامة ساقيها نحو صدرها ومحاوطة إياهما بذراعيها بقوة وهي تحرك جسدها للأمام وللخلف بنحيب متواصل و "ميان" تحاول تهدئتها بكل السُبل متجاهلة آلام يدها التي بدأت تقطر دمًا وتلوث ضمادها الأبيض. ما إن رمقته "چوليا" حتى ارتجف جسدها بقوة أكبر وتقهقرت بفراشها ملتصقة بظهر التخت وهي تهتف به ببكاء :

- خلاص يا عمو، والله ما هعمل كده تاني.


 تجاهل "يامن" كل هذا وهمَّ بالقبض على ذراعها، لتستوقفه "ميان" بجسدها حينما وقفت حائط صد بينهما وهي تهتف به مستنكرة :

- هتعمل في البنت إيه تاني؟ هو مفيش غير الضرب عندك  وسيلة للتربية ولا إيه؟ عارفة إن  البنت غلطت بس مش معنى كده إننا نموتها.


 غضب "يامن" لم يهدأ ولم ينفطر بعد، فمازال جبل صلد يصعب تصدعه، ونيران بركانه التي ينفثها مع كل زفير يزفره تشعل غابات وتحرقها، كل ما يحدث الآن تجاوز حدود التصديق والمنطق. بقسمات وجه ساخطة قبض "يامن" على ذراع "ميان" بقوة وهو ينحيها جانبًا صارخًا بها بغضب مستنكر :

-  انتِ مين أصلًا؟ و بأي حق  تتدخلي في حياتنا؟

- بني أدمة يا سيدي وبتدخل عشان خاطر البنت اللي هتموت من الرعب بسببك دي. 

  هذا ما هتفت به "ميان" بنبرة محتدة بعض الشيء قبل أن يصرخ بها "يامن"  غاضبًا :

- مش أحسن ما تموت في الحبس بين مجرمات وعاهرات. 


ما إن تسللت إلى مسامع "چوليا" تلك الكلمات حتى  ركضت نحو عمها تُلقي جسدها بين ذراعيه متشبثة بعنقه بقوة وهي تبكي بنحيب أقوى متوسلة :

- بلاش سجن يا عمو اضربني انت   إن شاء الله تموتني حتى بس بلاش السجن والنبي عشان خاطر ربنا  يا عمو.


ارتجافة جسدها  بين ذراعيه  كانت خنجرًا مسنون غرس نصله بقلبه، فصغيرته التي كانت تستقوي بوجوده باتت ضعيفة هشة، ورغم هذا اشبعها هو قسوة وعنفا ولم يرأف بحالتها تلك، ليجد ذراعيه تحاوطها بقوة وأمان وهو يمسد على خصلاتها برفق هامسًا بحنو أطفأ نيران غضبه :

- اهدي يا حبيبتي محدش هيقدر يعملك حاجة ولا يقربلك طول ما أنا موجود.

تضاعف بكائها، إلا أنه لم يكن بكاء فزع وهلع، بل كان بكاء أسف وندم، وشددت من عناقها له كمن تدفن روحها بين حصون حمايته، وهي تردد بحشرجة :

- أنا أسفة والله أسفة ما كنتش أقصد أعمل كده، ولا عرفت أسيطر على الموقف.. سامحني ..بالله عليك تسامحني يا عمو "يامن". 


زفر "يامن" زفرة حارة أرفق بها ما تبقى من نيران غضبه، ليبعدها عنه قليلًا حتى أصبحت مواجهة له وأزال عبراتها الغازية لوجنتيها بسيطرة تامة، مرددًا :

- انتِ اللي تسامحيني يا "چولي".. كان المفروض أكون أهدى من كده بكتير وأحاول أحل الموضوع بعقل وأسيطر عليه ، بس والله أنا خوفت عليكِ وخوفت على سمعتك وسط الناس.. الناس  ما بترحمش يا بنتي ، وهيعتبروكِ صيدة سهلة ليهم  ويستحلوكِ كمان  وده اللي عمري ما هسمح بيه إنه يحصل أبدًا.


طوفت "چوليا" معالم وجه عمها الصادقة بأعين زائغة، لتتنهد بشهقات متقطعة وهي تردد بخوف :

- أنا خايفة قوي يا عمو. 

جذبها "يامن" إلى صدره برفق مربتًا على كتفها وهو يردد بدعم وعتاب :

- تخافي وعمك وأبوكِ موجودين على وش الدنيا؟ ده يوم ما يحصل يبقى عدمنا أحسن.. أنا هحل كل حاجة بس لوقتها انتِ لازم تختفي من هنا لحد ما المحامي يطمنا. 


كانت "ميان" تراقب ما يحدث بأعين باكية وقلب يضج بالحنين إلى أمان أب لم تحياه أو تستشعره يوم، لتزيل أثار ذلك البكاء بأناملها وهي تنسحب مغادرة الغرفة دون إصدار أي ردة فعل، لتجد من يلتفت نحوها بأعين نادمة، مرددًا :

- أسف. 

   استدارت نحوه وهي ترمقه بشجن محركة رأسها بنفي، هامسة بهدوء :

- مالوش داعي.. بعد إذنك لازم أمشي دلوقتي اتأخرت على ماما. 

  توهجت فكرة بعقل "يامن"، ليبتعد قليلًا عن "چوليا" بعدما ربت على كتفها بحنو، واستدار بكامل  جسده نحو "ميان" حتى أصبح مواجهًا لها وهو يردد بتودد :

- ممكن أطلب منك طلب. 

  أومأت "ميان" له برأسها بتأكيد وهي تردد بتشجيع :

- أه طبعًا اتفضل. 

  

- ممكن "چوليا" تيجي تقعد معاكِ في البيت كام يوم بس لحد ما أظبط الدنيا.. الصراحة مفيش حد أستأمنه عليها غيرك. 

 تفوه "يامن" بتلك الكلمات قبل أن تهتف "ميان" بسعادة غامرة :

- أه طبعًا.. تقدر تقعد معانا إن شاء الله العمر كله دي ماما هتفرح بيها قوي. 

تنهد "يامن" براحة وهو يهتف :

- تمام. 

  واستدار نحو "چوليا" مستطردًا :

- هتروحي تقعدي  مع "ميان"  كام يوم وأنا بعد كده هبعتلك شوية هدوم معاها..لازم تتحركي دلوقتي وأنا هفهم بابا كل حاجة بعدين. 


  حركت "چوليا" رأسها عدة مرات متتالية بموافقة وهي تلتقط يد عمها تدمغ أعلاها قبلة ممتنة للمرة الأولى بحياتها، مرددة بعرفان :

  -شكرًا على كل حاجة يا عمو. 


مشاعر مختلطة يحياها "يامن" بتلك اللحظة  فقبلتها تلك ألقت كامل مسئوليتها على عاتقه، فلا خذلان ولا تقصير الآن، ليدمغ هو الآخر قبلة داعمة بجبينها مرددًا بابتسامة حانية:

- كل حاجة هترجع أحسن من الأول إن شاء الله.. أنا بوعدك بكده. 

والتفت بأنظاره نحو "ميان" وهو يردد مستجديًا :

- خودي بالك منها ولو احتاجتوا أي حاجة في أي وقت اتصلي بيا هكون عندك وشكرًا على كل حاجة. 


أماءت له "ميان" برأسها وهي تتشبث بيد "چوليا" قبل أن تغادرا سويًا الغرفة بل البيت بأكمله، لتبدأ المواجهة الحتمية بينه وبين كل ما هو قادم. 


******

بأحد حمامات السباحة بالنادي الرياضي، كان "يامن" وأصدقائه أنهوا سباقهم للتو، ليلقوا بأجسادهم المبللة أعلى بعض الأرائك الخشبية المحاوطة للمسبح، مستكملين مزحاتهم ونكاتهم الفكاهية، ليهتف أحدهم من بين ضحكاته المتقطعة :

- كنت واحشنا قوي يا "مُن"، بقالنا شهر كامل ما اتجمعناش  كده. 

  التقط "يامن" منشفته القطنية الكبيرة الحجم وبدأ يجفف بها مياه جسده وهو يردد مستنكرًا :

- ده على أساس انكم كنتم في مصر. 

  

أجابه آخر وهو يجلس أعلى تلك الأرجوحة الخشبية وقد بدأ بتحريكها :

- ما إحنا قولنالك تعالى معانا يا "مُن" وانت اللي رفضت. 

أجابه "يامن" متهكمًا :

- رفضت مين يا ابني؟ ماما هي اللي رفضت قال إيه إزاي أسافر بره مصر  لوحدي. 


بينما كان أحدهم قد التقط هاتفه يتابع  من خلاله حساباته الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، ليصرخ بصدمة مفزعة : - إيه ده؟! 

التفت الجميع نحوه، ليهتف أحدهم بصدمة قوية :

- فيه إيه يا ابني؟!

رفع  الشاب الصغير  أنظاره نحو "يامن" وحالة الذهول تفترس قسماته بشراسة، مرددًا بخفوت :

- أختك. 

  زوى  "يامن" ما بين حاجبيه باستنكار هاتفًا :

- مالها؟! 


وجه الشاب هاتفه صوب "يامن" والصمت هو دستوره الشرعي، ليرمق "يامن" ذلك المقطع بصدمة بدأت تصيب كامل جسده بالشلل للحظات قليلة أعقبها نهوض قوي وركوض أقوى تجاه والديه وعلامات الغضب لم تنجح بعد في لفظ حممها. 

بينما كانت "سومية" ترتشف قهوتها وهي تردد بتعجب مستنكر :

- مالك يا "ياسو"؟!  من وقت ما رجعت من التواليت وأنت مش على بعضك. 


أيدت تفاحة آدم شكوكها تلك بحركتها السريعة المتتالية حينما ازدرد "ياسر" ريقه بتوتر قبل أن يهتف بنبرة يشوبها بعض الحدة :

- يعني إيه مش على بعضي؟ شايفاني قاعد كل حته في جنب؟


كادت أن تهتف معترضة على استهزائه هذا، إلا أن هيئة صغيرهم الغامضة، وهرولته نحوهم بغضب جعلها تقطب جبينها بدهشة هاتفة :

- ماله "يامن"؟! جاي يجري كده ليه؟ 


  التفت "ياسر" هو الآخر نحو صغيره وهو يضيق ما بين حاجبيه باستنكار تأجج حينما التقط "يامن" هاتفه دون أن يفصح بحرف واحد أو يلقي عليهم تحية صغيرة على الأقل، ليهتف به "ياسر":

- مالك؟!.. حد ضايقك في حاجة؟ 


كان "يامن" قد وجد آخر تلك المقاطع قبل أن ينجح "يامن دويدار" في حذفها، ليوجهه إلى والديه صارخًا بغضب جامح :

- شايفين الهانم بنتكم بتعمل إيه؟ 

صدمة قوية ألجمت ألسنتهم، إلا أنها لم تتمكن من إلجام أجسادهم التي هبت مصدومة وهما يلتقطان الهاتف للتأكد من صحة ما خُيل لهم. 


*********


بشقة "مُهاب"، كانت "أفيا"  تهدهد الصغير وهي تحمله بين ذراعيها عله يهدأ من روعه أو يدخل في سبات عميق لبعض الوقت، لتنهي عملها في القضاء على قاذورات هذا المكان، فقد اقتحم هذا الصغير قلبها حقًا وليس لأي سبب سوى ضعفه وقلة حيلته التي تشبهها كثيرًا، لتهمهم متنهدة :

- ماذا اقترفت من خطأ ليرزقك الله بمثل هؤلاء الأهل أب فاسد وأم معدومة القلب؟ فبأي ذنب تُعاقب صغيري؟! 


وبدأت تدندن بكلمات أحد الأغنيات الأجنبية الهادئة حتى غفا "چاد" بين ذراعيها باستسلام قوي رغم مقاومته الشرسة لهذا النوم، فخطت "أفيا" بخفة نحو تخت الصغير  دانية منه وهي تضع "چاد" به برفق وحذر شديدين، وتدثره جيدًا، لتستقيم بوقفتها متنهدةً براحة سرعان ما تلاشت حينما تذكرت ما يقع على عاتقها من مهام جسام. طوفت المكان بامتعاض تلاه استسلام بقلة حيلة، لتبدأ بعملية إبادة وتنظيف كاملة للمكان. 

ساعتان كاملتان أشغال شاقة قضتها "أفيا"، أنهت بعدهما تنظيف المكان بأكمله،  لتتجه نحو "چاد" تتفقده وهي تغمغم براحة كبيرة رغم إنهاكها واستجداء جسدها لبعض الراحة :

- جيد أنك ما زلت غافيًا صغيري فأنا حقًا أحتاج إلى الاغتسال بصورة عاجلة... لن أُطيل عليك. 


وهرولت نحو المرحاض وهي ترفع تلابيب قميصها نحو أنفها الذي تجعد تلقائيًا بامتعاض قوي محدثة نفسها : - رائحة مقززة.. يجب  أن أبدلها حالًا، لكن من أين لي بغيرها؟ هل يجوز استعارة بعض من ثياب السيدة؟ 

لتُجيب على ذاتها بتلقائية وهي تعود  إلى الغرفة، وقد تذكرت بعض الثياب الأنثوية النظيفة التي طوتها ووضعها أعلى المنضدة الصغيرة، لتلتقط منها ما يناسبها وتعود بها  ثانية إلى المرحاض. 


*********

بشقة "ياسر"، كان "يامن" قد نجح أخيرًا هو وبعض أصدقائه في حذف تلك المقاطع من المواقع، إلا أن من احتفظ بها  قد احتفظ وحسم الأمر، كما أنه تواصل مع محاميه الذي أكد له صحة قرار النائب العام بما يخص امر هذا التطبيق وأن هناك بعض الإجراءات التي مازالت قيد التنفيذ ، ليزفر زفرة حارة وهو يستدعي العاملة التي أتته على الفور مطأطأة الرأس باحترام وبعض الخوف، ليردد بإرهاق قوي :

- قهوة دوبل لو سمحتِ. 


جاوبته العاملة بإيماءة خفيفة من رأسها وتقهقرت مغادرة إلى المطبخ، ليتسلل إلى مسامعه ذلك الضجيج القادم من خلف باب الشقة الذي انفتح لتوه وولج منه "ياسر" ونيران الغضب تلتهم أحشائه، تتبعه "سومية" التي مازالت بدوامة الصدمة ولم تبرحها بعد، كذلك "يامن" الذي  تمكن منه الحزن والخوف لأجل شقيقته، وما ينتويه والده حيالها. 


لم يتعجب "ياسر" من وجود شقيقه بل صرخ به غاضبًا :

 - هي فين؟.


نهض "يامن" من مجلسه بجدية هادئة إلى حد كبير وهو يواجه شقيقه مرددًا :

- أنا عملت كل اللي كان ممكن تعمله وزيادة، البنت غلطت بس لازم نقف جنبها لحد ما تعدي الأزمة دي  وبعد كده نقعد معاها نفهمها غلطها. 


لوح "ياسر"  بيده في الهواء وهو يركض نحو غرفة ابنته هاتفًا بسخرية غاضبة:

- وأنا داخل أفهمها غلطها أهو. 


بينما ألقت "سومية" جسدها على أقرب مقعد وانهمرت عبراتها بصمت مقهور، ليقترب منها "يامن" مرددًا بحنو أخوي :

- "سومية".. البنت محتاجانا كلنا جنبها الفترة دي بالأخص انتِ.. يعني لازم تجمدي وتصلبي حيلك إحنا داخلين على أيام ربنا وحده بس اللي يعرف هنعدي منها إزاي. 

أخيرًا حررت "سومية" أحرفها الذاهلة وأطلقتهم بهذيان صادم :

- دي "چوليا"؟!  دي بنتي يا "يامن"؟ بنتي اللي كانت بتعرض جسمها قدام الناس زي... 


  أطبقت "سومية" شفاهها بقوة كما أجفانها، لتبتلع تلك الغصة المريرة بحلقها، مستطردة:

- إحنا قصرنا معاها في إيه؟  أنا قصرت معاها في إيه؟ كنت على طول جنبها معنديش حاجة أعملها في حياتي غيرهم... ليه توجعني قوي كده؟ ليه نفسها تهون عليها بالشكل ده؟ إيه الذنب اللي ربنا بيعاقبنا عليه يا "يامن"... قولي بالله عليك. 


حرك "يامن" رأسه بنفي مردفًا بأسي :

- معملتيش حاجة يا "سومية" ولا قصرتي في حاجة بس هي عيلة صغيرة  الشهرة جننتها، خليتها عايزة تعمل أي حاجة عشان توصل لها.. بنتنا بذرة كويسة يمكن أهملناها شوية فمالت، بس بشوية اهتمام  هترجع وتبقى أحسن من الأول كمان.


 ليدوي صراخ "ياسر" خلفهم وهو يخطو مهرولًا نحوه : 

- البنت فين يا "يامن"؟... "چوليا" فين؟


 استدار نحوه "يامن" بكامل جسده مرددًا بثبات قوي:

- اهدى يا "ياسر" البنت مش هنا.

 

- أومال فين؟ بنتي راحت فين؟


هتف بها "ياسر" بضجيج غضبه، ليجاوبه "يامن" بثبات أقوي:

- مش هقولك البنت فين غير لما تهدى يا "ياسر".


 انقض "ياسر" عليه قابضًا على تلابيبه بأعين تطايرت نيران الغضب منها، وأسنان مصكوكة تحرر أحرفها بعنف :

- أهدى إيه؟ دي بنتي ولازم تتعاقب على الفضيحة اللي عملتها دي وبعدين انت اللي بتطلب مني أهدى! طب إزاي وانت بتبقى مجنون عشان ابنك الميت في سريره ده؟ 

 

هزة قوية زلزلت خلايا "يامن" كما زلزلت روحه، لتهب "سومية" من مقعدها صارخة بصدمة:

- انت بتقول يا "ياسر"؟!

 

- بقول اللي  مقدرتش أقوله طول السنين دي. 


***********

مضى ليل طويل حالك كأرواح كبلها الحزن والألم، ليل جفا به النوم أعين أرقها السهاد، قلوب مُزقت بقسوة الأحباء.

أتم "يامن" أناقته بتلك الحلة السوداء، كذلك قميصها الأسود ناثرًا عطره الفرنسي ببذخ عله يُنعش روحه ويمدها ببعض السعادة المفقودة، والتي حل محلها تعاسة احتلت جميع خلاياه.


غادر  غرفته قاصدًا غرفة صغيره الذي يحيا بين نياط القلب وثناياه، ليلج إليها بمعالم سكنها الحزن والألم، معالم  غلفها الكثير والكثير من الثبات والجمود، ليميل نحوه دامغًا قبلة جامدة فقدت حنوها للمرة الأولى أو كانت كواجب يومي يقضيه "يامن" فقط، واستدار مغادرًا  بجموده هذا، كما  تجاهل ترحيب "هيلدا" وتحيتها له.


بينما غادر  "يامن" منزله مستقلًا سيارته وقد عقد العزم على أن تكون القسوة والجمود دستوره، فقلبه بات قطعة جليد لن تنصهر لأجل أي منهم يومًا ما حتى ذلك الطفل الذي بات ذنبًا موصومًا به من أقرب الناس إلى قلبه.


التقط  هاتفه قاصدًا أحد الأرقام المسجلة به وكان رقم "سومية" التي جاوبته بلهفة وقلق :

- "يامن" انت فين؟ بكلمك من إمبارح مش بترد.

بجبين مجعد، ونظرات ثابتة بالطريق أمامه جاوبها  بصوت خالٍ من أي مشاعر :

- ابعتيلي رقم "ميان".

 

- طب طمنا عليك انت كويس؟

  هتفت بها "سومية" قبل أن يتجاهلها "يامن" مُنهيًا الاتصال منطلقًا نحو مقصده.


بينما أدنت "سومية" الهاتف أمام أعينها، لترمقه بنظرات حزن وألم وأسي مرددة بدمعات هاربة:

- إحنا اللي وصلناك للحالة دي يا "يامن".. ياريت تقدر تسامح أخوك في يوم من الأيام.. بس إزاي وأنا اللي مراته عمري ما هقدر أسامحه.


 وأرسلت له رقم "ميان" الكترونيا مُلقيةً هاتفها أعلى الأريكة وهي تزفر عدة زفرات حارة متتابعة بعلامات غضب قد كست معالم وجهها، لتحرق وقودها الذي ساقها إلى غرفة نومهما فتجده مازال محتلًا مقعده يحرق لُفافات السجائر بشراهة صانعًا دوامات من الدخان شوشت رؤيتها له .

سعال قوي وهي تباعده عنها بيديها مهرولة نحو شرفة الغرفة تفتحها على مصرعيها محررة ذلك الدخان الكثيف، لتستدير نحوه صارخة به بغضب جلي :

- أنا من إمبارح ساكتة ومش راضية اتكلم معاك قولت اسيبك يمكن تيجي منك وتنزل تروح لأخوك اللي جرحته وأهانته في بيتك تطيب خاطره وتعتذر له  لكن للأسف ما عملتش أي  حاجة من دي وقاعد القاعدة دي من إمبارح.


واقتربت منه بهدوء بعدما انقشع الدخان مُوضحًا لها كامل معالمه تهتف بغضب أقوى وهي تشير بسبابتها أرضًا :

- عارف انت قاعد بالهدوء ده ليه رغم إن بنتك مش في البيت؟ ها.. عارف انت ليه حتى ما كلفتش خاطرك وسألت تاني عنها؟ ما رفعتش سماعة تليفون وعملت اتصال واحد بأي حد يجيبلك معلومة واحدة عنها؟ 


 كان جالسًا بمقعده واضعًا ساق فوق الأخرى، مستندًا بأحد مرفقيه على متكأ المقعد وهو عاقد جبينه الذي زاده اقتضاب بإنصاته إلى كلماتها التي جافته طوال الليل، لتسترسل هي بحديثها صائحة:

- عارف ليه؟ عشان "يامن" في حياتنا يا "ياسر" قلبك مطمن عشان عارف إنه عمره ما هيخالي حد يمس منها شعرة واحدة، مطمن رغم إنك ما شوفتهاش عشان متأكد إنه هيحافظ على بنتك بعمره  في الوقت اللي انت عايرته فيه بأمله إن ابنه يرجع تاني للحياة..كنت عليه أقسى من "صافي" اللي سابته ومشيت، تخيل إن الضربة تيجي منك انت؟ من البني آدم اللي المفروض يكون سنده ويكون ضهره في الحياة، ورغم كل ده، ورغم وجعك ليه لسه محافظ على بنتنا من أنها تتعرض لأي إهانة مباشرة هو ده الفرق بينكم يا "ياسر".. ده الفرق.


وركضت نحو إحدى حقائب السفر الموضوعة بجوار خزانتها، لتضعها أعلى تختها وتفتحها بغضبها الذي ازداد تأججًا من جموده وتجاهله هذا، وأتت ببعض ثيابها من الخزانة واضعةً إياها في الحقيبة، بينما نفض هنا "ياسر" ساقه وهب من مقعده هاتفًا باستنكار :

- إيه اللي انتِ بتعمليه ده؟! 


تجاهلته هي  تمامًا وأكملت جمع ثيابها، ليخطو نحوها مهرولًا ويقبض على ذراعها بقوة صائحًا بغضب :

  -لما أكلمك تردي عليا.. إيه اللي انتِ بتعمليه ده؟ 


نفضت يده عنها بقوة أعنف بكثير وهي  تصيح به :

- زي ما انت شايف بلم هدومي ورايحة بيت بابا. 


أخرجت الوحش بداخله، ليقبض على ذراعها ثانية بقوة غضبه الثائر صارخًا بها صرخة أيقظت "يامن" الصغير الذي لم يستسلم لسلطان نومه إلا مع ساعات الفجر الأولى :

-انتِ اتجننتي ولا إيه؟ خروج من باب البيت مع هيحصل معندناش ستات تسيب بيتها غير على قبرها، غير كده مفيش. 


ارتجف جسد "سومية" قليلًا من هيئته تلك والتي لم تعرفها من قبل، لتستعيد رباطة جأشها وتحدقه بتحدٍ سافر هاتفة:

- وأنا مش هقعد فيها حتى لو وصلت للطـ.... 


صرخة "يامن" أخرستها، لتستدير نحوه بكامل جسدها، بينما أفلت "ياسر" ذراعها بعدما رمق الفزع والهلع بأعينه، ليركض الصغير نحوها متشبثًا بيدها باستجداءٍ باكٍ:

- ما تقوليهاش يا ماما ارجوكِ.. لو بتحبيني أو بتحبي "چوليا" بلاش تقوليها. 


  بكاءه اعتصر قلبها بقوة، لتجذبه نحو صدرها وتضمه بحنو مربتة على كتفه وهي ترمق والده بسخط حانق، ليتركها هو ويغادر الشقة مهرولًا، بينما لثمت هي رأس صغيرها مرددة بحنان :

- ما تخافش يا حبيبي.. ما تخافش. 


**********

بغرفة نوم "ميان"، طرقت بابها المفتوح بهدوء وهي تدفع أمامها عربة طعام صغيرة مرددة بابتسامة واسعة :

 - تسمحيلي أدخل.


تنهدت "چوليا" بقوة وهي تزيل بقايا عبراتها المعلقة بأهدابها ووجنتيها، لتعتدل بجلستها بالفراش محررة قيود ساقيها التي كانت تضمهما إلى صدرها بقوة محاصرة إياهما بذراعيها طيلة الليل، لتهمس بحشرجة ترافق كلماتها من أثر البكاء :

 - اتفضلي.


  ولجت "ميان" إلى الغرفة دافعة العربة أمامها حتى جلست بطرف الفراش أمامها والعربة إلى جوارها، لتربت على ساق "چوليا" برفق ومحبة صادقة، مرددة : - مش كنا هدينا، إيه اللي جرا تاني؟ 


رمقتها "چوليا" بنظرات شجن وأسى مرددة :

- كل ما أفتكر إني عملت في نفسي كده ببقى مش قادرة، هوري وشي للناس إزاي؟ هوري وشي لأصحابي في المدرسة إزاي؟ هوري وشي لـبابي ومامي و"يامن" إزاي؟ إزاي هقدر أبص في عين عمو "يامن"؟ إزاي هقدر أواجهه؟


مسدت "ميان" على يدها برفق مرددة بابتسامة خفيفة :

- مش يمكن اللي حصل ده خير. 

 

 سكنت الدهشة والاستنكار أحداق "چوليا" وهي تهتف متعجبة :

- خير؟! إيه الخير في إني اتفضح الفضيحة دي؟


انفرجت ابتسامة "ميان" وهي تردد بيقين :

- خير طبعًا... مش يمكن ده حصل عشان ربنا بيحبك وعايز يديكِ تنبيه وإنذار إن الطريق اللي كنتِ ماشية فيه غلط.. تخيلي معايا كده لو ده ما حصلش أصلًا، وكان جالك حد أوهمك مثلًا إنك هتشتغلي مذيعة أو أي حاجة قدام كاميرا كنتِ هتعملي إيه؟ 


هتفت "چوليا" بتسرع وتهور :

- كنت هوافق طبعًا ده حلم عمري. 

زينت تلك الابتسامة الغامضة ثغر "ميان"، لتستطرد حديثها بجدية بعض الشيء:

- شوفتي! مجرد ما اديتك حاجة عايزاها ركزتي فيها وما شوفتيش أي حاجة تانية..ما أخدتيش بالك وأنا بقولك أوهمك، كل اللي أخدتي بالك منه المذيعة.. وده بالظبط اللي كان ممكن يحصل معاكِ، حد يقدمك السم على طبق من دهب، كل تركيزك كان هيبقا في بريق الدهب ولمعانه مش في أي حاجة تانية. 


  قطبت "چوليا" جبينها باستنكار وهي تضيق عيناها مرددة :

- يعني إيه؟! مش فاهمة. 

  

اصطبغت نبرة "ميان" بالجدية التامة وهي تردد :

- يعني لا قدر الله كان ممكن تروحي مكان مع حد اوهمك إنه بيحبك، أو هيوصلك للشهرة اللي بتلهثي وراها تفوقي تلاقي نفسك فاقدة أهم حاجة عند البنت وكمان معمول لك فيلم تتشهري بيه بجد، أو ممكن حد من التطبيق نفسه يدخلك خاص ويطلب منك حاجات حرام. 


شهقة قوية غادرت حلق "چوليا" مدوية بالأنحاء وهي تهتف بمعالم كانت للصدمة برهان :

- Oh My God.. الحمد لله إن ربنا عمل كده في الوقت ده لأني كان عندي استعداد أعمل أي حاجة عشان أكون مشهورة. 


اتسعت ابتسامة "ميان" وهي تلتقط كوب من اللبن لتناوله إليها مرددة :

- نشرب  الأول اللبن ده كده يسند قلبنا، وبعدين نقوم ناخد شاور ونصلي ركعتين شكر لربنا ونفطر كلنا سوا. 


لتجد من تُلقي بجسدها بين ذراعيها بعناق قوي مرددة بعرفان  وامتنان :

- أنا بحبك أوي يا طنط "ميان"، وبشكرك قوي قوي كمان. 


حقًا كانت مفاجأة قوية لـ"ميان" أربكتها للحظات، إلا أنها لم تجد نفسها إلا وهي تُعيد كأس الحليب موضعه، وتشدد من احتضانها بقوة مرددة:

- وأنا بحبك جدًا يا قلب طنط "ميان".. أي نعم أنا مصدومة من لقب طنط ده بس عشان عيونك انتِ هعديها المرة دي.


ابتعدت "چوليا" عنها قليلًا وابتسامتها قد أقسمت على اشتياقها لثغرها، مرددة بمشاكسة :

- طب أقولك إيه طيب يا طنط "ميان"؟ 


نهضت "ميان" من مجلسها دافعة عربة الفطور أمامها للخارج مرددة بتذمر مصطنع:

- طب مفيش فطار وكمان مفيش عمو "يامن"، لما يجي هطرده من على الباب. 

ركضت "چوليا" مهرولة خلف "ميان" تستوقفها وهي تردد بارتباك وتوتر :

- هو عمو جاي بجد؟ 


  استدارت "ميان" بكامل جسدها نحوها، لتلحظ ارتجافة جسدها الذي لمسته بيدها، فرددت بلهفة حقيقة :

 - انتِ بتترعشي ليه يا حبيبتي؟! عمو "يامن" مش هيعملك حاجة هو خلاص طلع كل غضبه منك ومن الموقف ده.. ما تخافيش. 


اطمئن قلب "چوليا" قليلًا وزال قلقها هذا، ليحل محله ذلك الخجل وتأنيب الضمير، فهمست بخفوت :

- مش هقدر أقابله. 


التقطت "ميان" يدي "چوليا" بين يديها بحنو ورفق وهي تردد بمودة:

- إحنا قولنا إيه؟ قولنا الحمد لله، يعني رمينا حمولنا كلها عليه وقادر يحلها ويصرفها كيفما يشاء، لو الكون كله وقف ضدك وربنا بس معاكِ محدش هيقدر يأذيكِ  حتى عمو "يامن" اللي انتِ مكسوفة تشوفيه ده ربنا مسخره عشان يساعدك فما ينفعش  نرفض إيد ربنا بعتهلنا.. أنا هروح أجهز الفطار مع ماما وانتِ خودي الشاور بتاعك وحصليني أنا حطيتلك هدوم نضيفة في الحمام.. تعالي معايا. 


وأخذت "ميان" بيدها إلى المرحاض وانحرفت بطريقها إلى المطبخ، لتجد والدتها قد أتمت إعداد الفطور، لتردف بابتسامة واسعة:

- أهي "چوليا" هتفطر معانا أهي يا ست ماما. 


تنهدت "ميرڨت" براحة وهي تردد :

 - طب الحمد لله  يا بنتي البنت مقطعة قلبي من إمبارح ورفضها للأكل والشرب كان مخوفني عليها. 


والتقطت بعض الأطباق المعبأة بالأطعمة المختلفة مستكملة حديثها :

- خدي بقا الأطباق دي طلعيها على السفرة بره. 


  اتسعت ابتسامة "ميان" وهي تميل نحو والدتها بجذعها  دامغة قبلة قوية على وجنتها مرددة بسعادة:

- أنا بحبك قوي يا ماما.. ربنا يخليكِ ليا ياست الكل. 


انفرجت ابتسامة "ميرڨت" وهي تردد بتضرع :

- ويخليكِ ليا يا قلب ماما. 


بينما تناولت "ميان" الأطباق، لتضعها على المائدة حتى الطبق الأخيرة مرددة بسعادة :

- كده تمام جدًا العيش بقا ماما تجيبه معاها وهي جايه. 


صدح رنين ناقوس الباب، فتنهدت "ميان" بقوة مرددة قبل أن تتجه نحو باب الشقة :

  -ده أكيد "يامن". 


أدارت مقبض الباب برفق، وجذبته نحوها لتجده هو بِطلة جامدة وملامح جدية، لتهمس بابتسامة مضطربة: 

- صباح الخير.. اتفضل. 


تنحت هي جانبًا، فولج هو للداخل ويده مُحملة ببعض أكياس الثياب، وباقة كبيرة من الزهور، وصندوق راقٍ من الحلوى، ليردد بثبات قوي:

- صباح النور أنا أسف إني جيت في وقت زي ده، بس كان ضروري أشوف "چوليا" واطمن عليها. 


أوصدت "ميان" الباب برفق وهي تشير إلى الداخل بابتسامة خفيفة علها تخفف جديته تلك:

- بيتك ومطرحك في أي وقت، اتفضل ادخل.. ثواني و"چوليا" تكون عندك. 


حمحم "يامن" بتردد نجح في وئده وهو يناولها باقة الزهور مرددًا بثباته الذي لم يتجاوزه بعد:

- الورد ده ليكِ اعتذار عن عصبيتي وزعيقي معاكِ إمبارح. 


انفرجت ابتسامة "ميان" بسعادة وهي تتناوله منه هاتفة بفرحة :

- عرفت منين إني بحب التوليب الأبيض، أقولك على سر، أنا  ما كنتش راضية أبص ناحيته عشان بضعف قدامه وبحسبك جايبه لـ "چوليا". 


تركها "يامن" والجًا إلى الداخل بهدوء دون أن يجاوبها بحرف واحد، لتزفر زفرة حانقة وهي تردد باستنكار :

- ده ماله ده؟! 


 إلا أنها مطت فمها بلامبالاة وهي ترفع باقتها المفضلة إلى أنفاسها تستنشقها بقوة هامسة بعشق:

- أهم حاجة إن انتِ بتاعتي. 


**********

بشقة "مُهاب"، حل عليهم الليل ليلج إلى المنزل بحالته الدائمة، يترنح يمينًا ويسارًا إلا أنه مازال واعيًا لما يدور حوله، ليجد بيته  نظيفًا، منظمًا. تسلل إلى مسامعه صوت غناء عذب قادم من ناحية غرفته، ليهتف بصوته الجهوري المتحشرج :

- "أفيا"... أنتِ يا فتاة.


 كانت "أفيا" بالداخل تجلس أرضًا إلى جوار "چاد" الذي تحسنت حالته الصحية كثيرًا. كانت تلهو معه وتغني له ، فقد بدأ يشعر بالألفة نحوها، وتشعر هي بالحب نحوه، ليتسلل إلى مسامعها صوت "مُهاب" الجهوري الذي انتفض له جسدها بفزع، إلا أنها لابد أن تلبي ندائه هذا. قبلت رأس "چاد" بحنو وهي تهب واقفة  مرددة بارتباك حاولت أن تفرض سيطرتها عليه :

- سأتي إليك قريبًا صغيري.


واتجهت إلى الخارج لتجده قد ألقى بجسده المنهك على الأريكة، لتهتف بحنق غلفته بثبات قسماتها:

- نعم سيد "مُهاب".


انتصب مُهاب بجذعه جالسًا وهو يرمقها بلامبالاة مرددًا :

- كيف حال الصغير؟

 أجابته "أفيا" بابتسامة باهتة :

- بخير.. لقد تحسنت حالته الصحية كثيرًا الأدوية يتناولها بانتظام والطعام أطعمه إياه كما هو بوصفة الطبيب.


 رفع "مُهاب" يده إلى جيب سترته الداخلي، يلتقط منه ورقة مطوية فيلقيها نحوها بلامبالاة أقوى:

- هذه وثيقة إقامتك القانونية بالبلد.


 اتسعت ابتسامة "أفيا"، ودنت منها بجذعها تلتقطها بسعادة مرددة:

- أشكرك سيد "مُهاب"..شكرًا جزيلًا.

 ألقى "مُهاب" جذعه للخلف ثانية وهو يردد :

- ليس من أجلك  بل من أجل "چاد".. اعتني به جيدًا وإلا سأزج بك بالسجن.

 

هتفت "أفيا" بسعادة قبل أن تلج إلى الغرفة :

- سأهتم به بأعيني فقد صار سبب اطمئناني وسعادتي.


 وركضت نحوه تجلس إلى جواره ثانية مُنهالة عليه بوابل من القُبلات الممتنة وهي تردد :

- أحبك صغيري.. أحبك "چاد" فبسببك بت أنعم بالحرية والأمان و صار لدي الجرأة على التسكع في الطرقات بقوة وثبات ولامبالاة.. اليوم ألقيت خوفي وترقبي بحاوية النفايات. 

 

 وحملته بين ذراعيه برفق وهي تنهض به وتدور حول ذاتها صائحة بسعادة :

- سنتجول بكل الطرقات والمتنزهات، سنأكل المثلجات معًا، سنذهب إلى الشاطئ سويًا، فقد أصبحت تميمة حظي "چاد" أحبك كثيرًا يا من أعدت الروح إلى حياتي البائسة.


******* 

استخدمت "ميرڨت" كل حيلها وأساليبها لإقناع "يامن" بتناول الفطور معهم، والذي رضخ أخيرًا لإلحاحها ومشاكستها له طوال فترة الطعام، وثنائها على صوته ووسامته التي تفوقت على ما أمام عدسات المصورين بكثير، لينهوا جميعًا طعامهم، فنهض "يامن" مرددًا بابتسامة  مُجاملة :

- تسلم إيد حضرتك.. الأكل فعلًا حلو 


نهضت "ميرڨت" من مقعدها بسعادة توهج لها وجهها وهي تردد بعتاب :

- انت أكلت حاجة يا ابني! عمومًا المرة دي مش محسوبة أصلًا انت لازم تيجي يوم مع "ياسر" أخوك و"سومية" مراته نتغذا كلنا سوا وتدوق أكلي بقا وتقول رأيك. 


تجهمت قسمات وجه "يامن" قليلًا ما إن ذُكر اسم شقيقه أمامه، لتستشعر "ميان" ذلك، إلا أنه سرعان ما استعاد ابتسامته ثانية وهو يردد بود :

- إن شاء الله حضرتك.


وطوف وجوه الجميع مستطردًا بتقدير واحترام :

- بعد إذنكم طبعًا أنا محتاج أتكلم مع "چوليا" شوية. 


هتفت "ميان" بتلقائية وهي تُشير نحو غرفة الصالون بابتسامة واسعة :

- طبعًا اتفضل في الصالون على ما القهوة تجهز. 


حرك "يامن" رأسه بنفي وهو يردد بثبات :

- مالوش لزوم أنا هتكلم معاها كلمتين وهمشي على طول وبعتذر تاني إني لخبطت حياتكم بوجود "چوليا" بس هو يوم كمان بالكتير وهترجع بيتها تاني. 


خطت "ميرڨت" نحو "چوليا" بخطى واسعة قبل أن تحاوط  كتفيها بذراعها مرددة بابتسامة عاتبة :

- هزعل منك لو قولت كده تاني.. ده بيتها وهي في عيوننا العمر كله. 


  اتسعت ابتسامة "چوليا" سعادة، بينما ردد "يامن" بامتنان وعرفان:

- كلام حضرتك ده على راسي وربنا يجعل دايمًا بيتك مفتوح للكل. 

ورمق "چوليا" مستطردًا : 

- يلا يا "چوليا". 


أومأت له برأسها وهي تتبعه إلى الغرفة التي أشارت "ميان" نحوها. ولج "يامن"، وولجت "چوليا" خلفه، ليستدير هو مُغلقًا الباب بهدوء ومن ثم خطى نحو أحد المقاعد ليحتله بهدوء مُشيرًا لها بعينه نحو المقعد المجاور له. خطت "چوليا" نحو المقعد بخطى ثقيلة وهي تطأطأ رأسها بخجل لاهية بأناملها التي تفركها ببعضها البعض جالسةً  بطرف المقعد خفيضة الرأس بخجل شديد، ليميل "يامن" نحوها بجذعه مرددًا بنبرة حانية رغم صرامتها :

- ارفعي راسك فوق اوعي يوم تحطي راسك في الأرض. 


تجمعت العبرات بمقلتيها سريعًا، لترفع رأسها نحوه وتحدقه بأعين زائغة مرددة بندم شديد:

- أنا أسفة.. والله أخدت درس عمري، وعمري ما هعمل كده تاني أبدًا وهمسح كل الاكونتات بتاعتي من السوشيال ميديا ومش هكلم حد خالص.. بس حضرتك تسامحني يا عمو. 


أزال "يامن" دمعاتها الهاربة بطرف سبابته  بحنو مرددًا : 

- أنا عارف إنك اتعلمتي الدرس كويس، وإنك هتفكري مليون مرة قبل ما تعملي الحاجة وده عشان انتِ كويسة من جوه ومتربية كويس.. "ياسر" و "سومية" عرفوا يربوكي يا "چوليا"... أنا جاي النهارده عشان اطمنك. 


  ازدردت ريقها بغصة مريرة لخذلانها لأهلها جميعًا لتردد بترقب قوي :

- تطمني على إيه حضرتك؟ 


عاد "يامن" بظهره قليلًا للخلف، وهو يسترسل بجدية سكنته:

- البنت صاحبة الأبلكيشن اتقبض عليها بتهمة الإتجار بالبشر.. كانت مشغلة بنات كتير زيك كده يعني كانت شبكة كبيرة قوي وممولة كمان، والمحامي بتاعنا فضل ورا الموضوع لحد ما بيتحقق معاها دلوقتي، وانتِ اللي أنقذك إنك طفلة كانت بتلعب، ولو احتاجوكِ هيكون في الشهادة بس ده احتمال ضعيف قوي.. والفيديوهات كلها اتحذفت  من على الإنترنت، وأي فيديو هيترفع هيتحذف تلقائي . 


دمعات السعادة هي من أغرقت وجنتيها، لتنهض من مقعدها صائحة بفرحة أطربت قلبه :

- يعني أنا مش هدخل السجن؟


  نهض "يامن" من مقعده هو الآخر وهو يردد بابتسامة لأجلها :

 - بعد الشر عنك يا حبيبتي. 


ألقت "چوليا" جسدها بين ذراعي عمها محاوطة خصره بذراعيها بقوة وهي تستند برأسها على صدره مرددة بسعادة:

- أنا بحب حضرتك جدًا يا عمو.. ربنا يخليك لينا  يا رب. 


مسد "يامن" على خصلاتها برفق مرددًا :

- ويخليكِ لينا يا مغلبانا  بس فيه حاجة كمان . 


ابتعدت عنه قليلًا وهي تطوف معالمه بنظراتها المرتبكة، ليهتف هو مطمئنًا إياها:

-  ما تخافيش .. بس لازم تقعدي هنا يوم أو يومين بالكتير عشان الصحفيين اللي قدام البيت وكمان لحد ما نشوف هيتعمل إيه مع الست دي. 


تنهدت "چوليا" براحة، وهي تردد بسعادة :

- أنا موافقة أقعد هنا طول الحياة  طنط "ميان" طيبة قوي وطنط "ميرڨت" كمان.. أنا حبيتهم جدًا دول ما سابونيش طول الليل وطنط "ميان" قالت لي إن ده خير ربنا عمله عشان يبعد عني شر كبير قوي. 


انفرجت ابتسامة "يامن" لكلماتها، ليتنهد براحة مرددًا :

- طب تمام جدًا..  أنا همشي دلوقتي وهطمن عليكِ تاني. 


وغادر الغرفة تتبعه "چوليا"  بسعادة غامرة تحاوطها بهالة من الضوء، ليجدا "ميرڨت" و "ميان"  بانتظارهما بالخارج، فأردف بابتسامة ودودة :

- انا لازم أستأذن دلوقتي وبعيد شكري لحضرتك "ميرڨت" هانم. 


  اتسعت ابتسامة "ميرڨت" حينما وجدت حال "چوليا" هذا، لتعود بأنظارها نحوه ثانية وهي تردد :

- شكرك ده مش هقبله غير ما تيجوا كلكم ونتغدا سوا غير كده لأ. 


اتسعت ابتسامة "يامن"  وهو يردد بوعد لها :

- بإذن الله... بعد إذن حضرتك. 


  والتفت بأنظاره نحو "ميان" مرددًا :

- ممكن تساعديني أخرج من هنا. 

اومأت له "ميان" برأسها وهي تشير بيدها نحو الباب مرددة بترحيب:

- أه طبعًا.. اتفضل. 


خطى "يامن" نحو الباب مستبقًا "ميان" بخطوة واحدة، ليتوقف تمامًا أمامها متنحيًا قليلًا حتى أدارت هي المقبض وفتحته، ليخطو خطوة أخرى خارجه متوقفًا وهو يردد بثبات قوي :

- شكرًا.. هستناكِ بكرا في المكتب عشان نبتدي شغل. 

وخطى نحو المصعد متجاهلًا جوابها الذي لم تفصح عنه بعد. 

دمتم  في أمان الله وحفظه


الفصل الثامن من هنا


بداية الروايه من هنا


مجمع الروايات الكامله من هناااا


إللي عاوز يوصله اشعار بتكملة الروايه يعمل إنضمام من هنا

تعليقات

التنقل السريع
    close