أخر الاخبار

براثن_اليزيد الفصل_الأول والتاني ندا_حسن كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات


 براثن_اليزيد

الفصل_الأول والتاني

ندا_حسن

كامله على مدونة النجم المتوهج للروايات


        "كانت فداء روحٍ بريئة أراد هو وعائلته ذبحها

                     لتدنس براءتها على يده"


خرجت من الغرفة عازمة أمرها على ذلك القرار الذي اتخذته في ثوانٍ معدودة بعد تلك المكالمة التي وردتها من زوجة عمها الجالس مع والدها بغرفة المعيشة الآن، لا تدري ما ذلك الهراء الذي يحدث من حولها ولكن ليس بيدها شيء آخر تفعله سوا ذلك..


فهذا ابن عمها وخلاصه بيدها هي فقط وإن كان شخص آخر تستطيع إنقاذه لفعلتها دون تردد ولكن الأمر مُريب والتفكير به مُرهق كثيرًا لذا أخذت ذلك القرار على عجلة من أمرها حتى لا تعود به وتُنهي حياة شخص بريء  وبيدها نجاته..


ولجت إلى داخل الغرفة لترى والدها وعمها يجلسان سويًا، نظروا إليها بعد أن وجدوها تدلف إليهم كما لو أن الشياطين تُلاحقها وقد خاب أمل عمها كثيرًا من تلك النظرة بعينها وأدرك أنها ترفض تمامًا أما والدها خاف بشدة أن تقول ما توقعه منها وهو الذي كان سيرفض للتو للمرة التي لا يعلم عددها بسبب كثرة التفكير ويعتذر من شقيقه بأنه ليس له دخل هو وبناته بما يحدث بعيد عنهم.. 


أخذت نفس عميق ثم زفرته لتهتف بسرعة وكأنها تتخلص من عبء ثقيل على قلبها لو أنتظر ثواني لفتك بها: 


-أنا موافقة يا عمي اتجوز ابن الراجحي


وقف والدها على قدميه ينظر إليها بذهول بعد أن قالت ما توقعه ليتحدث بحدة قائلًا وقلبه ينتفض فزعًا على ابنته: 


-أنتِ اتجننتي يا مروة؟، عايزة ترمي نفسك في نار العيلة دي ومع واحد منعرفش عنه حاجه؟


أجابته مضيقة ما بين حاجبيها باستغراب وقد عبث ضميرها بالقرار الذي اتخذته:


-مش أحسن ما حد مننا يروح فيها وبعدين أرجع أندم وأعاتب نفسي إني كان ممكن أنقذه! 


جلس والدها خلفه على المقعد وأخفض رأسه للأرض، نعم هو يعلم أن ما تتحدث به صحيح لن يستطيعوا فقد أحدًا منهم وخصوصًا أنه الآن يعتبر وحيد والديه بعد ذهاب شقيقه الأكبر..


أقترب منها عمها بعد أن وقف على قدميه تترقرق الدموع بعينيه بعدما قدمت مستقبلها للمجهول مقابل روح ابنه، احتوى وجهها بين كفيه ثم تحدث قائلًا: 


-أنا آسف والله يا بتي مكتش عايز ده يحصل بس ما باليد حيلة وده دلوقتي ابني الوحيد


تحررت دمعة واحدة فقط من أسر عينيها لتزيلها سريعًا وهتفت مُبتسمة بهدوء محاولة التخفيف عن نفسها والجميع حولها: 


-متقولش كده يا عمي، محدش عارف نصيبه فين


نظرت إلى والدها وجدته كما هو يسيطر الحزن عليه بسبب ما تتقدم على فعله، تركت عمها وذهبت إليه، جلست على عقبيها أمامه ثم تحدثت قائلة بهدوء مُصتنع: 


-بابا إحنا مفيش قدامنا حل غير كده، أنا عارفه أنك خايف عليا بس... بس كمان ده تامر مقدرش أتخلى عنه أنتَ عارف هو ايه بالنسبة لينا كلنا، أنا هكون بخير متقلقش عليا 


نظر إليها والدها مُبتسمًا بحزن ثم قبل جبينها بحنان دون أن يتفوه بحرفٍ واحد فماذا سيقول من الأساس ولا يوجد حل آخر سوا ما أقدمت عليه ابنته، لتقف هي على قدميها متجهة إلى خارج الغرفة تاركه خلفها أفكار تقتُل وتُحي.


            _____________________


دلفت إلى غرفتها وأوصدت الباب خلفها بهدوء حاولت جاهدة التحلي به أمام الجميع، وقفت أمام المرآة تنظر إلى مظهرها ثم مرة واحدة اجهشت في البكاء لما هي مقدمة عليه ولا تعلم عنه أي شيء وتتذكر مكالمة زوجة عمها لها منذ قليل والتي كانت تترجاها بها بأن توافق لتحافظ على سلامة ابنها الباقي لها..


"كانت تستمع إلى زوجة عمها الباكية ولا تدري بماذا تُجيب عليها، فقد مزق حديثها قلبها الرقيق الأبيض النقي لتستمتع إليها مرة أخرى تقول بنحيب: 


-علشان خاطري أنا يا مروة يا بتي، أنا مفاضليش غيره.. طول عمري وأنا اللي مربياكي يا مروة من يوم موت أمك الله يرحمها روديلي الجميل في ابني، أنا عارفة أنه صعب يا بتي بس مش مستحيل واقنعي تامر يا مروة الله يخليكي، ده قالب الدنيا وبيقول مستحيل ده يحصل 


اختنق صوتها بالبكاء الحاد الذي بدأت به لتقول لها سريعًا حتى تتخلص من هذه المكالمة المرهقة لروحها: 


-حاضر، حاضر يا مرات عمي 


ثم أغلقت الهاتف دون سماع أي إجابات منها فقد اكتفت بما استمعت إليه إلى الآن"


توجهت للفراش لتتمدد عليه بحزن والدموع جارية على وجنتيها فلم يكن هذا ما تحلم به، هي صاحبة الأربعة وعشرون عامًا، هي التي الحياة أمامها لا تريد الزواج وبهذه الطريقة أيضًا، لا تريد غلق المعرض الخاص بها فهذا أهم شيء عندها، لا تريد ترك الرسم، لا تريد ترك حياتها هذه، لتحتضن وسادتها والأفكار السيئة تزداد على عقلها بكثرة ولم تتوقف عن البكاء لمدة ليست بالقصيرة إلى أن غلبها النعاس لتذهب هاربة من واقعها المرير بالنوم المؤقت.


          ________________________


جلس على المقعد مقابل مكتبه ينظر إلى الفراغ أمامه وهو يفكر في تلك المعضلة التي وضعوه بها، يفكر كثيرًا في ما سيحدث لاحقًا من أشياء عدة يعلم جيدًا أنها لن تمر مرور الكرام على الجميع وهو على رأسهم..


هل حقًا سيفعل ذلك كما قال لهم؟ هل يستطيع استغلالها هكذا؟، زفر بضيق وهو يحدث نفسه مرة أخرى غير الأخرى والأخرى السابقة 


يا الله أنها أبشع الطرق لاسترداد الحق، أليس هناك طريقة أخرى؟، ما هذه التراهات التي أفكر بها ثانيةٍ فكل ذلك مر على تفكيري ولم أرى له حل قد، ما ذنب تلك الفتاة في مخططهم، ما ذنبها؟، لماذا عليها أن تنقذ ابن عمها البرئ أيضًا؟..


عاد بذاكرته لحديثه مع عمه "سابت" وشقيقه "فاروق" ووالدته "نجية" منذ أسبوع مضى  


"وقف أمامهم والصدمة تعلو ملامحه من حديثهم الذي جعله يشعر بالدهشة: 


-انتوا بتقولوا ايه؟ دا جنان وأنا مستحيل اتجوز بالطريقة الهبله دي 


صاح عمه سابت بحدة معتقدًا أنه يستطيع السيطرة عليه هكذا برفع صوته وجعله يرى أنه الكبير: 


-مفيش غيرك هيعملها يا يزيد ودي مش صعبة عليك يعني 


نظر إلى عمه بحدة هو الآخر ثم تحدث صارخًا به وهو يرى تلك النظرة بعينه: 


-صعب ايه وسهل ايه اللي بتتكلم بيه؟ دي أرواح ناس، آه شايف النظرة اللي في عنيك بتقول وأنتَ يعني يا يزيد يهمك ايه ما أنت طول عمرك مش بيهمك حد.. بس دول ناس ملهاش ذنب في أي حاجه لا الشاب اللي بتهددوا بقتله ولا البنت اللي عايزين تجوزوهالي 


وقف شقيقه الأكبر صارخًا به لعله يرضخ للأمر ويفعل ما يريدون ليتحقق العدل بالنسبة لهم فقط: 


-أنتَ هتعمل اللي بنقول عليه وأنتَ ساكت ومش هنسمعلك صوت دا حقنا.. حق أبوك وأبويا وحق مرات عمي وزاهر الله يرحمهم اللي ماتوا مقهورين بسبب اللي حصل 


تقدم منه "يزيد" بعد أن فقد آخر ذرة هدوء داخله ليمسك به من تلابيب جلبابه الصعيدي: 


-لو مش عاجبك اللي بقوله روح اتجوزها أنتَ


وهنا وقفت والدتهم "نجية" التي ترتسم على ملامح وجهها القسوة كما عمهم بالضبط لتتحدث هي أيضًا بحدة وهي تجذب "يزيد" ليبتعد عن شقيقه الذي لم يعتبره الأكبر منذ أن تزوج: 


-مش عايز تتجوزها وترجع حق أبوك يا يزيد؟ مش عايز تجيب حق ابن عمك اللي مات غدر ولا مرات عمك اللي ماتت من القهرة؟ فين يزيد الراجحي ابني الراجل اللي قال إنه هيرجع كل حاجه راحت حتى لو بالموت كنك مكنتش راجل في كلمتك يا ابن نجية والطار اللي قولت هتاخده كان لعبة من ألاعيبك 


أبتعد عنها وهو يتذكر تلك الأيام الذي مرت على عائلته قهرًا ثم قهرًا، تلك الأيام الذي توعد بها أنه سوف يعود بحقهم مهما كلف الأمر، هل كما تقول والدته أنه لم يكن رجلًا بحديثه؟!


سيطرت القسوة على ملامحه وهو يتذكر فراق والده وابن عمه، قست ملامحه وهو يتذكر كل شيء مر عليهم بسبب عائلة "طوبار" وذلك الثأر الذي بينهم، والآن الخيار بين يديه إما أن يُنهي الثأر وقتل نفس بريئة بزواجه منها وهنا يعود حق الجميع، إما أن يرفض ليفعلوا ما قالوا عليه وتضيع العائلة بأكملها..


استدار إليهم مرة أخرى ولكن وجهه لم يكن يحمل ملامحه السابقة وهو يدافع عنهم بل يحمل ملامح الانتقام والحقد والقسوة ليقول بهدوء مخيف: 


-موافق.. خليهم يشوفوا مين هو يزيد الراجحي اللي عاش نص عمره في قهر على أهله 


سيطرت ملامح الفرحة على ثلاثتهم وبالأخص عمه "سابت" تهللت اساريره وكادت أن تخرج الفرحة لتتجسد أمامه من عينيه"


ما هذه التراهات جميعًا؟، كيف لي أن أفكر هكذا، عاد مرة أخرى للقسوة، عاد لحدته وعنفوانه وهو يحدث نفسه 


هل قلت ما ذنبها؟ وما ذنبي أنا وما ذنب أمي أن تعيش أرملة وما ذنب عمي أيضًا، ما ذنب الجميع، عليها أن تتحمل كل ما سيحدث فلم يكن هناك سبب غير عائلتها فيما حدث لنا، إذا لتتذوق "براثن اليزيد" وترى كيف تكُن.


          ________________________


استمعت إلى طرقات على باب الغرفة لتستفيق  من حالة اللاوعي التي وقعت بها بعد أن استيقظت من نومها منذ ساعات وهي تفكر بمستقبلها المجهول، وقفت على قدميها متجهة إلى باب الغرفة لتفتحه بهدوء، وجدت شقيقتها الكبرى تقف أمامها ويبدو أنها علمت ما حدث من والدها لتدلف إلى الداخل مغلقة الباب خلفها بهدوء بينما جلست "مروة" على الفراش مرة أخرى ناظرة للفراغ محتضنه الوسادة الخاصة بها،


نظرت إليها شقيقتها ميار لترى أثر البكاء ظاهر بوجهها بوضوح، عينيها المنتفخة بشدة، وجنتيها الحمراء، أنفها الأحمر من شدة البكاء، جلست أمامها على الفراش القرفصاء، تنظر إليها باهتمام ثم صاحت سائلة إياها باستغراب: 


-ليه عملتي كده يا مروة؟!


نظرت إلى شقيقتها بذهول ولم تكن متوقعة منها هي بالأخص أن تسألها مثل هذا السؤال لتقف على قدميها بعد أن ألقت الوسادة بعيدًا هاتفه بحدة: 


-حتى أنتِ يا ميار بتقولي كده؟ طب ما أنتِ عارفه كل حاجه، عايزاني اسيب الطار اللي بيقولوا عليه ده يموت تامر ويخلص على العيلتين؟.. ولا عايزاني أعمل إيه أنا مش فاهمه 


وقفت "ميار" على قدميها لتواجهها وهي أيضًا لا تدري حقًا ماذا عليها أن تقول: 


-أنا عارفه شعورك والله بس لو كنتِ استنيتي شويه وحاولنا نلاقي حل كان ممكن يحصل 


ابتسمت بمرارة وهي تجيب شقيقتها بسخرية فقد حاول الجميع ولم يجدوا حل سوا ذلك وكأنه كُتب عليها أن تكُن زوجة ابن عائلة "الراجحي": 


-نلاقي حل؟ نلاقي حل إزاي دا دي تالت مرة عمي يجي فيها.. طب ماهو أول ما قال بابا رفض وقال لازم يشوفوا حل تاني يخلصوا بيه الحوار وقال بعدها أهل البلد وعيلة الراجحي مش راجعين عن الجواز مش فاهمه ليه بس أنا مكنش ينفع أفضل ساكته خصوصًا بعد ما مرات عمي كلمتني... دي كانت منهارة أوي وعندها حق أنا لازم ارضلها الجميل ما هي اللي مربياني 


جلست "ميار" على الفراش وهي تفكر ما هذه التراهات التي ظهرت من العدم لتقلب حياتهم هكذا فهم يعيشون منذ تلك الحادثة ولم يتحدث أحد من هذه العائلة أو تأتي كلمات على اسم الثأر:


-أنا مش فاهمه ايه الجنان ده بجد!.. هما جايين بعد موت ابنهم بـ خمس سنين ياخدوا طاره؟، وبعدين كمال مقتلهوش أصلًا دا كان غصب عنه وهو اتحبس وخد عقابه ومشي دا كان صاحبه... أنا مش مطمنة للحوار ده أبدًا 


نعم شقيقتها محقه ولكن هل هناك حل؟. هل هناك ما تستطيع أن تفعله ليعودا عن قرار زواجها من رجل لا تعرف عنه شيء أبدًا، الجميع يضغط عليها هي تريد الرفض بكل قوتها ولكن لا تستطيع فهم يستطيعوا أن يقتلوا ابن عمها الذي أعجبت به بيوم من الأيام، غير ذلك عمها وزوجته أنهم تعاملوا معها كما لو أنها ابنتهم ما ذنبهم أن يموت ابنهم المتبقي لهم بعد رحيل "كمال" وهجرته عنهم، وما ذنب "تامر" أيضًا في أن يُعاقب على شيء ليس له دخل به، إذا وما ذنبها؟؟..


خرجت من شرودها على صوت شقيقتها وهي تقول بهدوء شديد أو ربما برود: 


-طب وتامر هو موافق على كده؟


نظرت بعيدًا ثم أجابتها بهدوء تحاول أن تسيطر عليه ليبقى معها قليلًا: 


-مرات عمي قالتلي أنه مش موافق وبتقولي اقنعه وأنا أصلًا عايزه اللي يقنعني 


ابتلعت شقيقتها غصة تكونت في حلقها بسبب ما أخفته عنها، وتذكرت حزنها المرير على كل شيء يحدث حولها، ولكن أردفت في النهاية بتردد وارتباك: 


-مروة أنا عايزه اقولك حاجه 


استدعت انتباهها لتقول مستكملة حديثها بقلب فُتر من الحزن: 


-تامر كلمني آخر مرة لما كنا عندهم من شهرين تقريبًا وقالي أنه...  أنه بيحبك وعايز يخطبك ومستني لما تفتحي المعرض بتاعك والمفروض أنه كان خلاص هيتكلم في الموضوع ده وأنا عارفه أنك كنتِ معجبة بيه صح؟.


ابتسمت لها بمرارة بينما تكونت الدموع بعينيها لتقول بصوت مختنق بالبكاء: 


-أنا عارفه أنه كلمك 


نظرت إليها الأخرى باستغراب لتكمل قائلة بجدية شديدة: 


-سمعته وهو بيتكلم معاكي يومها لما طلعتوا الجنينة... أنا كنت معجبة بيه عادي شخصيته كلامه رجولته وجدعنته زيه زي أي حد لكن خلاص يعني اعتقد كل ده مالوش داعي دلوقتي وكمان لو كلمك مش عايزاه يعرف اني كنت عارفه ولا حتى إنك قولتيلي 


تممت جملتها بدموعها التي خرجت من عينيها تتسابق وكأن بذلك سيكون الخلاص مما يحدث لتتقدم منها شقيقتها بحزن بالغ عليها وعلى نفسها واخذتها باحضانها لتبكي هي بقهر ومرارة على أيامها القادمة الذي لا محال في الفرار منها.


         _________________________


وقف يصرخ بهم في بهو المنزل وهو يشعر أن روحه سوف تزهق منه وتخرج إلى خالقها، يشعر أن كل الحب والعشق الذي كَنهُ في قلبه لكي يحافظ عليها يذهب هدرًا الآن، اشتد الغضب به وكيف لا وهو الذي تُسلب منه معشوقته الصغيرة، كيف لا وهو مُعرض للموت في أي لحظة دون أسباب وفي بلدتهم عائلة الراجحي معها كامل الحق للأخذ بالثأر ما هذه الخرافات؟..


-أنتَ إزاي تقولهم وإزاي تقولوا لمروة؟.. يعني قولتلها من أسبوع وكل شوية رايح مصر علشان تقنعها لحد ما وافقت؟ انتوا فاكرني عيل صغير علشان تعملوا كده أنا مش هسمح أنكم تعملوا فيها كده وحتى لو بموتي 


نحبت أمه وظلت تبكي فهي منذ الصباح تحاول أن تجعله يهدأ ويلين ولكن كيف وهو الأحق بابنة عمه الذي داب عشقًا بها منذ سنوات، بينما حاول والده التحدث قائلًا: 


-يابني الله يرضى عليك مفضلش غيرك ليا أنا وأمك من يوم أخوك الكبير ما هاجر وسابنا.. صحيح هو مقتلش زاهر بس هما شايفين كده وفقدوا حد غالي عليهم ومن بعديه حد تاني وعايزين طاره ومفيش غيرك هياخدوا منه الطار ده


تريث قليلًا ثم أكمل وهو يجلس على الأريكة خلفه فقد هُلك اليوم من هنا لهناك: 


-والحل الوحيد اللي وصلوا ليه كبار البلد هو جواز حد من العيلة دي للعيلة دي ونخلص علشان يفضوا الأشكال ده 


أجابه سريعًا بعد أن استمع إلى ذلك الحكم الذي لم يسمعه من قبل معتقدًا أنه هكذا يستطيع أن يحظى بها وحتى إن تزوج غيرها، صاح قائلًا بلهفة: 


-يبقى أنا اتجوز من عندهم أنا موافق على كده لكن مروة لأ.. هما مش عندهم بنت بردو؟


أخفض والده رأسه متحدثًا بارهاق شديد بعد أن تعب بشدة من ابنه وكل ما يحدث من حوله: 


-الاختيار حصل خلاص يابني ومروة هتتجوز يزيد الراجحي


ابتعد عن والده كالثور الهائج يطيح بكل ما وقعت عينيه عليه وهو يصرخ بهم بقلب مجروح: 


-يعني ايه؟.. لأ مش هيحصل مستحيل ده يحصل مستحيل 


ذهبت والدته إليه تحتضنه وهي تبكي قهرًا على ما يحدث في منزلهم ها هي كل الأحداث تتكرر أمامها: 


-الله يخليك ما صدقنا عمك ومروة وافقوا أنا ماليش غيرك عايز تموتني مقهورة عليك؟...


تفقدها بذهول ليقول مندهشًا بعد أن استمع إليها: 


-يعني كمان غصبتوا عليها؟


ابتعد عن والدته ليصعد إلى غرفته وهو يفكر في حل ربما يجد ويجعل والده يسحب الموافقة الذي قدمها لعائلة "الراجحي" دون علمه، ولكنه كان في حالة اهتياج ربما له كل الحق بها


"هكذا نحن دائمًا نظل نخطط لشيء ما ويأتي القدر ليطيح بكل ما أردنا فعله، ليطيح بأحلامنا بعرض الحائط"


دلف إلى غرفته مغلقًا الباب خلفه بحدة مما جعله يحدث صوتًا مزعجًا، أخرج هاتفه من جيب بنطاله ليعبث به قليلًا ثم وضعه على أذنه منتظر الرد منها: 


-مروة؟..


حاولت قدر الإمكان أن تجعل نبرة صوتها طبيعية وإبعاد ذلك البكاء عنها وهي تجيبه من على الطرف الآخر: 


-أيوه يا تامر 


تحدث متوسلًا إياها وهو يجوب الغرفة ذهابًا وإيابًا ربما ترضخ هي لحديثه: 


-أرجوكِ اسحبي الموافقة بتاعتك.. متخافيش احنا ممكن نضغط عليهم واتجوز أنا من عندهم أنا موافق بس أنتِ لأ أرجوكي


تحدثت بحزم قائلة له وهي تضغط على تلك الكرة التي تساعدها في تقليل التوتر: 


-عمي قال ده كلام ناس كبيرة وقال إن قعدة كبار البلد مش هتتعاد ولا هما هيرجعوا عن اللي في دماغهم وأنا خلاص يا تامر وافقت اتمنى تقفل الحوار بقى 


اختنق صوته بسبب تلك العاصفة التي اجتاحته من بعد سماع حديثها الذي رأه غبي كثيرًا ولكنها أيضًا معها كامل الحق، استجمع شجاعته وحاول الإعتراف لها بما يكِنهُ في قلبه من عشق وحب فياض لها: 


-مروة أنتِ مش عارفه أنتِ ايه بالنسبة ليا.. ماينفعش تتجوزيه ماينفعش... مروة أنا بح...


لم تجعله يكمل ما بدأ به حيث أن الدموع جرت على وجنتيها ووجدت نفسها لا تستطيع السيطرة على تلك الدموع والشهقات اللعينة ولا تستطيع أن تسمع منه هذه الكلمات لتقول بحدة: 


-خلاص بقى يا تامر أنا وافقت وهتجوزه ومفيش رجوع متتكلمش معايا في الحوار ده تاني أرجوك.. سلام 


ثم أغلقت الهاتف دون أن تستمع منه ردًا لتلقي بنفسها على الفراش مكملة حالة الإنهيار الذي دلفت بها منذ الموافقة فحتى إن كانت لا تريد "تامر" فهي لا تريد ابن "الراجحي" أيضًا، لم تأخذ قصة إعجابها بـ "تامر" على محمل الجد فهو كان كما أي شخص يكتمل به المواصفات التي تريدها..


بينما هو لم يستطع فعل أي شيء سوا أنه ألقى الهاتف بعرض الحائط ليقع مُهشمًا إلى أشلاء وذهب ثائرًا في الغرفة يهشم ما يقع تحت أنظاره ولم يساوي ما يفعله حرقة قلبه عليها ولن يساويه أيضًا مهما فعل.

#براثن_اليزيد

#الفصل_الثاني

#ندا_حسن


"خصلاتها ذهبية كـ لون قُرص الشمس، عينيها بها زُرقة كـ زُرقة البحر في ساعة صفاء السماء، وبها خُضرة كـ لون أرض زراعية زُرعت بحبٍ، متعددة الاختلافات وقد فُتن بتلك الاختلافات"


"بعد أسبوع"


تجولت بين الأراضي الزراعية، سارت كثيرًا بين الأراضي الخضراء وهي تحاول استنشاق هواء نقي من هذه البلد الذي لطالما وجدتها جميلة ونقية بها أحب الناس على قلبها، ولكن الآن اختلفت كثيرًا فهي ستكون مكان أثرها، مكان حِرمانها من كل شيء أو ربما هي تعظم الأمور؟، لا تعلم ولكن لا تستطيع الصمود أمام كل هذه التراهات التي تراها كثيرة على عقلها..


أتت منذ ثلاثة أيام بصحبة والدها وشقيقتها بعدما قالوا أن الزفاف سيتم هنا في بلدتهم ولا مكان غير ذلك، سارت إلى مصيرها المحتوم وهي مغمضة العينين لا تستطيع الرفض بعد كل ما حدث، وإلى الآن لم ترى زوجها المستقبلي الذي فُرض عليها!..


جلست أمام بُحيرة صغيرة ميائها نقية، يتلاعب الهواء بخصلات شعرها المائل إلى اللون الذهبي الرائع، تُداعب نسمات الهواء وجهها بلطف وهي تنظر إلى المياة شاردة في مستقبلها المجهول..


أزالت ذلك الوشاح الصغير من حول عنقها ثم وضعته جوارها لتأخذ أكبر قدر من الانتعاش ولكن لم تحذر أبدًا، تسارعت الدموع على وجنتيها بلا توقف، لا تعلم لما الآن وهي بالكاد تحاول السيطرة على نفسها، دائمًا لم تكن تستطيع السيطرة على تلك الدموع اللعينة..


وأخيرًا.. تركتهم ربما تُزيل هذه الدموع بعض من الآلام الذي بقلبها أو ربما تُخفف من تفكيرها بمن سيصبح زوجها بعد أيام وهي لا تدري عنه شيئًا سوا اسمه "يزيد الراجحي"


             ______________________


هل هو الآن جالس في بيت من بيوت عائلة "طوبار"؟، لم يكن يعتقد أنه سيدلف إحدى هذه البيوت إلا بعدما تكون ملكه، هل هو الآن ضيف عندهم؟، لا لن يُعطي لهم الفرصة للتكبر عليه أنهم إلى الآن لا يعلمون من هو ابن عائلة "الراجحي"..


دوامة تدور في عقله الآن وهو جالس بينهم ومعه عمه الذي رفع رأسه في شموخ وتكبر بل وغرور أيضًا وشقيقه يفعل المثل، وإنما هو جلس وحدة وكأنه مُحاط بهالة فريدة من نوعها، جلسته فريدة من نوعها تحمل عنجهية وغرور لا يصف، ابتسامته خلفها مكائد وخبث لا يُحكى، نظرة الصقر الذي يمتاز بها تجعلك تنتفض بداخلك، أنه فريد من نوعه حقًا.. 


فكر فيما فعله الآن لقد أصبحت تلك الفتاة التي لم يراها ولو لمرة واحدة زوجته، عقد قرآنه على فتاة لم يراها من قبل، أيعقل ذلك؟، وقد كان هذا طلبه جعل والدها يذهب لها كي تمضي وتضع موافقتها على الزواج، هو من فعل ذلك، هو من جعل رؤيتها آخر شيء ولم يكن وراء ذلك إلا الملاك الذي شاهدة في وسط الحقول الخضراء، لم تبتعد عن مخيلته ولو لثانية واحدة تلك العيون الزرقاء، لم ينسى ولو لدقيقة خصلاتها الحريرة ذهبية اللون، وإلى هنا أغمض عينيه بشدة معنفًا نفسه على ما يفكر به وما يفعله دون دراية منه فقد استحوذت هي على كامل تفكيره.. 


عاد من صراعه مع نفسه على صوت عمه وهو يتحدث بغرور قائلًا بعد أن وضع قدم فوق الآخرى: 


-كده خلاص كل شيء تم إحنا هنعمل فرح على الضيق كده بعد بكره على طول عشان أهل البلد... هندبح كام عجل ونوكل الناس وخلصنا 


نظر إليه "نصر طوبار" والد "مروة" حانقًا ولكنه لم يظهر ذلك فقط من أجل ابنته: 


-اللي تشوفوه ده في الأخر فرحكم 


أجابه "فاروق" مبتسمًا بسخرية وهو يضع قدم فوق الأخرى كما فعل عمه قائلًا كلماتٍ ذات مغزى: 


-طبعًا فرحنا.. ولسه الفرح جاي ورا 


لم يفهم "نصر" وشقيقه مقصده ولكنه صمت ولم يعقب على كلماته حتى يمر اليوم بسلام فهو لا يتحمل هذه العائلة بغرورها وتكبرها ولا يدري كيف سيترك ابنته هنا بينهم!..


-أنا بكره هعدي على العروسة علشان تجيب الفستان ولوازم الفرح 


ماذا قال؟، كيف تفوه بهذه الكلمات؟، ومن أين أتت؟.. هل إلى هذه الدرجة لا يستطيع التحكم بنفسه؟، هل إلى هذه الدرجة تفكيره بـ ملاكه الخاص يفعل به ذلك؟.. نظر إليه الجميع عندما وجدوا ملامح الاستغراب على وجهه بعد ما تفوه به ليتحدث هو قائلًا وهو يحاول تدارك الأمر: 


-بكره الساعة اتناشر هكون موجود علشان منتأخرش 


ثم وقف على قدميه مقررًا المغادرة ومن بعده عمه وشقيقه ليقف أيضًا والد مروة وعمها، تقدم "يزيد" مبتسمًا بغرور إلى والدها مقدمًا يده له حتى يصافحه ثم هتف قائلًا: 


-اتشرفت بيك يا نصر بيه 


أومأ له الآخر ليستعدوا للذهاب وقد شارف "يزيد" على الخروج من باب الغرفة ولكن أوقفه ذلك الجسد الصلب الذي اصطدم به، نظر إليه ليجده شاب بمثل عمره تجولت عينيه بالغرفة لتعود إليه مرة أخرى ناظرًا له بحقد وكره شديد قد رآه "يزيد" ولكن لا يدري ما السبب له ليتحدث الآخر منتشله من قوقعة أفكاره 


-أنتَ بقى يزيد باشا الراجحي


ابتسم هو بسخرية شديدة ثم أجابه وهو يضع يديه بجيب بنطاله ليقف أمامه بشموخ: 


-آه أنا بقى يزيد باشا الراجحي، أنتَ بقى مين؟


ابتسم الآخر بسخرية مثله تمامًا ثم قلده متهكمًا وهو يضع يده بجيب بنطاله لينظر إليه بغرور مماثل: 


-أنا بقى تامر إبراهيم طوبار اللي عيلتك كانت بتفكر تقتله لو مروة نصر طوبار بنت عمه رفضت تتجوزك


ثم أكمل متهكمًا وهو يبتسم بسخرية ليتشفى به: 


-ولوني أشك في كده 


قبض "يزيد" على يده وهي بداخل جيبه، كاد أن يفتك به ذلك الطفل القابع أمامه من يظن نفسه كي يتحدث هكذا؟، هل يقول أن لا أحد يوافق على زواجه بي ولهذا تم بالغصب؟، لو فقط يستطيع أن يُهشم وجهه ويحطم أسنانه البيضاء الذي تظهر وراء ابتسامته الساخرة ولكن لك يوم صبرًا صبرًا يا "تامر"


تدخل والد "تامر" سريعًا متحدثًا بتوتر وهو يشير بيده إلى الطريق: 


-اتفضلوا... اتفضل يا يزيد يابني من هنا 


سار الجميع معه إلى باب المنزل بينما وقف "تامر" مكانه يبتسم بسخرية عليه محاولًا إخراج النيران من قلبه لما سرقه منه ذلك الحقير بنظره..


التفت إليه "يزيد" ليراه يبتسم وكأنه يقول له كانت لي الجولة الأولى يا غبي!.. ذهب ولكن كلمات ذلك الفتى الصغير بعقله لا يستطيع نسيانها وقد توعد له كما توعد لغيره من تلك العائلة فقط، صبرًا.

 

            _______________________


"في اليوم التالي"


ترجل من سيارته التي صفها أمام منزل عائلة "طوبار"، وقف مستندًا عليها بغرور متنظرًا ليأخذ من سُميت زوجته حتى تأتي بفستان زفافها أو جنازتها أيهما أقرب، هذا ما تحدث به عقله وهو يمر بعينيه على المنزل من الخارج يرى كم هو كبير ولكن ليس بقدر منزلهم، تحاوطه الحديقة الخارجية بمساحه كبيرة، غاية في الجمال والروعة، ظل دقائق منتظرًا وهو يتحدث بعقله متهكمًا على هذه الزيجة منذ البداية إلى أن أختنق من انتظاره ليتوجه صوب الباب الداخلي والذي ما أن وقف أمامه حتى فُتح..


وقف أمام الباب لا يُحرك ساكنًا ينظر إلى ملاك خرج للتو من الجنة ولكن حزين، حزين للغاية عينيه الزرقاء رائعة الجمال بها خيوط حمراء غالبًا من كثرة البكاء، أنفها أيضًا يحمل احمرار كما لو أنها تُعاني من حمى شديدة، شفتيها الوردية مضمومة بحدة، أخذ يمرر عينيه على وجهها، خصلاتها الحريرة، بكل بطئ وكل ما تحمله الكلمة من معنى، لم يفق إلا عندما تحدثت إليه بحدة قائلة: 


-ايه قلة الأدب دي أنتَ بتبص كده ليه وبعدين أنتَ مين وعايز مين هنا؟


خرج من شروده بها على صوتها الحاد وهو يفكر هل من الممكن أن تكون هي؟، أغمض عينيه بقوة ثم وضع يده بجيب بنطاله مستعيدًا هدوءه وبروده المعتاد: 


-لو أنتِ مروة يبقى اللي كنت بعمله ده مكنش قلة أدب ولا حاجه 


نظرت إليه بتوتر وهي تحاول فهم ما يرمي إليه لتخلص نفسها من التفكير مُجيبه إياه: 


-أيوه أنا مروة أنتَ مين؟


ابتسم بسخرية ثم تحدث بتهكم قائلًا: 


-معقولة مش عارفه جوزك يا حرمي المصون.. كان المفروض تحسي بردو أنه أنا زي ما أنا حسيت 


نظرت إليه بتوتر شديد كما أنها ودت لو انشقت الأرض وابتلعتها بسبب هذه السخرية المميتة بنبرته وملامحه المتهكمة عليها ولم تُجيبه على حديثه، ظلت تنظر إليه بتوتر تمرر عينيها على ملامحه شديدة الوسامة ليخرجها من تفكيرها قائلًا بود وابتسامه مشرقة ارتسمت على شفتيه كان يود إظهارها منذ وقت طويل ثم قدم يده لها ليصافحها: 


-يزيد الراجحي.. جوزك إن شاء الله ده طبعًا لو رديتي عليا بدل ما أنتِ ساكته كده


قدمت يدها له تبادله المصافحة وحاولت أن ترسم ابتسامه هادئة على شفتيها: 


-مروة


سحبت يدها منه سريعًا حيث أنها شعرت بتيار كهربي يسير بكامل جسدها حين تلامست أيديهم ليبتسم هو بهدوء بعدما لاحظ ما فعلته ثم ابتعد عن طريقها مقدمًا يديه أمامها لتتقدم هي بالسير أمامه ثم فتح لها باب السيارة الأمامي لتجلس بجواره وقد فعلها كحركة لباقة منه..


سار طوال الطريق صامتًا لم يتحدث ولو بكلمة واحدة فقط ينظر للطريق أمامه ولكنه شاردًا بها، أيعقل أن تكون هي تلك الفتاة التي لازمته منذ أن رآها؟ يالا سخرية القدر، هل هي حقًا، مازال عقله لم يستوعب ذلك وهو الذي أبعدها عن ناظريه بيوم عقد القرآن حتى تظل الأخرى بمخيلته وفي النهاية تكون هي؟.. يتذكر في ذلك اليوم عندما رآها بين الحقول الخضراء وعقله تتضارب بداخله الأفكار اللعينة..


"أخذ حصانه منذ وقت ليس بالقصير وذهب ليستنشق الهواء الحر، هواء غير مقيد مثله بالانتقام، ذهب يتجول هنا وهناك وهو يفكر بتلك الأفعال الدنيئة التي يريد أن يفعلها بمن ستصبح زوجته المستقبلية، بمن ستحمل اسمه..


طوال تلك الأيام المنصرمة وهو يفكر بها، كيف تبدو؟، كيف تتعامل؟.. هل هي قوية ولديها شخصية؟.. أم ضعيفة يسهل اللعب بها والسيطرة عليها؟ عقله كاد أن يصرخ من كثرة التفكير بها وبعائلته اللعينة، بل هو أيضًا كاد أن يفقد عقله بسبب كل ما حدث وما يحدث، إلى هنا وكفى!..


وقف بحصانه بعيد نسبيًا، رأى فتاة، لا ليس بفتاة هذه إنها ملاك، وجهها أبيض ملائكي، شفتاها وردية اللون، عينيها تشبه زُرقة البحر، خصلاتها ذهبية في ساعة تعامد الشمس عليها، ولكن مهلًا لما تبكي؟.. ترتعش شفتاها وجسدها ينتفض، تخرج منها شهقات مباغتة لتشكل لوحة فنية رائعة ولكن حزينة للغاية..


لا يدري هل رأها من قبل؟ لا يعتقد ذلك فهذا مكانه المفضل كلما كثرت الأفكار على عقله أتى لزيلها هنا ولم يسبق له أن يراها من قبل، تجذبه إليها بطريقة غريبة، لا يريد إبعاد نظرة عن تلك اللوحة التي لم يرى مثلها من قبل ولكن ماذا إذا أزال هذا اللؤلؤ الخارج من عينيها؟.. هل ستكون نفس اللوحة؟ نعم بالطبع ولكن ستكون مبتهجة..


صرخ به عقله يبعده عن هذه الخرافات التي يفكر بها ليبعد ناظريه عنها، هل أنا أحمق أم ماذا، زواجي سيكون بعد أيام وأنا هنا غارق في عيون زرقاء اللون؟..


نظر إليها مرة أخرى قبل أن يغادر المكان ولكنه وجدها تنظر إلى هاتفها الذي صدح صوته في المكان لتغلقه على الفور وقامت على عجلة من أمرها ذاهبة بعيدًا عنه وهي تزيل بقايا دموعها وتحاول ضبط أنفاسها المتسارعة من كثرة البكاء..


جذبه شيء ما إلى مكان جلوسها أزرق اللون مثل عينيها الساحرة، ترجل من على حصانه ذاهبًا نحوه ليرى ما هو، وقف أمامه ليراه وشاح أزرق صغير أنثوي للغاية، دون دراية منه أخذته يده إلى أنفه ليستنشق رائحة لم يستنشق مثلها من قبل، رائحة تحمل عطر الياسمين ورائحة أنوثتها أيضًا لتفعل له مزيج يأخذ العقول إلى مكان بعيدًا ربما لا يذهب إليه إلا قليل من قلة البشر، ولم يدري بنفسه وما يفعله فتلك الرائحة حركت كثير من المشاعر بداخله..


لف الوشاح على يده بينما يظهر شبح ابتسامة على وجهه ليعود مرة أخرى إلى حصانه صاعدًا عليه ليذهب متناسيًا أمر زيجته اللعينة فقط متذكرًا ملاكًا ذات خصلات ذهبية وعيون مثل زرقة البحر."


عاد بتفكيره إليها مرة أخرى، إلى القابعة جواره في السيارة، يتسائل هل ذلك الجمال الأخاذ أصبح له، تلك العيون الساحرة وتلك النظرة البريئة التي لطالما أبعدت النوم عنه لليالي له وحده؟، ولكنها حزينة للغاية في كل مرة يراها تكُن تبكي، هل هي غُصبت على الزواج منه كما قال ذلك المعتوه "تامر" ولكن على كل حال هذا ليس من شأنه عليه أن يسيطر على نفسه من الآن فهي تحتل كل تفكيره وتركيزه بها وهذا لن يأتي بأي نفع بتاتًا.


               _____________________


-بسم الله ما شاء الله قمر يا مدام الفستان جميل أوي عليكي 


هذا ما قالته العاملة بإنبهار بعد أن اختارت مروة أحد الفساتين المحتشمة وقاسته ليكن في غاية الروعة والجمال عليها


ابتسمت لها مروة بود قائلة بهدوء: 


-شكرًا لزوقك 


ابتسمت العاملة لها مرة أخرى ثم تحدثت بينما تشير إلى الخارج مكان جلوس "يزيد" الذي استمع إليهم جيدًا: 


-مش هتخلي جوزك يشوف الفستان القمر ده عليكي؟ 


نظرت إليها مروة بارتباك هي حقًا لا تدري ماذا عليها أن تفعل، تريه ماذا وهو لم يتحدث معها طوال الطريق وظل صامتًا: 


-لا بيقولوا فال وحش 


لا تعلم من أين اخترعت هذه الكلمات ولكن على كل حال قد فعلت لتخرج من ذلك المأزق، ابتسمت إليها العاملة ثم خرجت لتتركها مع نفسها ترى إذا كان مناسبًا أم لا ثم تبدل ثيابها..


بينما الآخر يجلس خارج غرفة القياس منتظرًا إياها تنتهي وقد ود وبشدة أن يرى ذلك الفستان عليها والذي أبهر تلك العاملة لكنه زفر بحنق فلا يستطيع التفكير بهدوء من هاتفها اللعين الذي منذ أن دلفت إلى الداخل وهو يحدث أصوات وصول رسائل عدة قد ازعجته حقًا..


حاول أن يتغاضى عن الأمر ولكنها حقًا رسائل كثيرة تُحدث أصوات مزعجة فمد يده إلى الهاتف الذي تركته بجانبه ليخمد فضوله عن هوية هذه الرسائل الكثيرة وقد سهلت مهمته حيث أنها لا تضع كلمة مرور لهاتفها.. 


ولكن ما أن فتح هذه الرسائل حتى اسودت عينيه وأصبحت قاتمة السواد من شدة الغضب الذي يواجهه الآن، قبض على يده بشدة في محاولة منه أن يهدأ من نفسه ولكن لم يستطيع فقد كان غضبه يستطيع أن يحرق أي شيء يتواجد أمامه بسبب مضمون هذه الرسائل اللعينة..


وقف على قدميه ممسكًا بالهاتف بيده والذي كان على وشك أن يهشمه ليتوجه إلى غرفة القياس كالصاعقة دالفًا إليها مغلقًا الباب خلفه بحدة، قد شارفت على ارتداء باقي ملابسها ولكن شهقت من الفزع عندما وجدت من يقبض على يدها بحدة وعصبية شديدة كادت أن تكسرها، نظرت إليه والهلع ينصب من عينيها المتسائلة لتحاول السيطرة على نفسها قائلة بشفتين ترتجف: 


-أخرج بره لو سمحت ماينفعش كده 


ضغط على أسنانه بحدة وقد زاد ضغطه على يدها لتطلق صرخة خافته من بين شفتيها، بينما هو رفع الهاتف أمامها متسائلًا بغضب ظهر جليًا على ملامحه: 


-ايه ده؟


نظرت إلى ما يضعه أمامها وهي لا تدري من ذلك وما هذه الكلمات التي أول مرة تراها لتعود بنظرها له مرة أخرى وقد تكونت الدموع بعينيها آلمًا من قبضته على يدها وخوفًا من مظهره ذلك والغضب الذي ربما يحرق الأخضر واليابس بسبب ما رآه.

                       _____________________

                                     "يُتبع

                  

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-
CLOSE ADS
CLOSE ADS
close